التجديد والجمود على الموجود … تياران في الفكر الإسلامي

الصفحات التالية من بحث للدكتور أحمد كمال أبوالمجد* مقدم لمؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي**

التجديد والجمود على الموجود

تيارا الفكر الإسلامي

يكاد مؤرخو الحضارات يجمعون على أن الحضارات الإنسانية ليست أبنية ثابتة تتحدد معالمها مرة واحدة، ثم تبقى على حالها.. وإنما هي  أشبه بالكائنات العضوية الحية .. لها لحظة ميلاد.. ولها بعد ذلك مراحل نمو وتطور.. تنتقل فيها تلك الحضارات بين الارتفاع والازدهار في مرحلة من تاريخها، والتراجع والانكماش في مرحلة أخرى من ذلك التاريخ.

كذلك يسجل تاريخ الحضارات وجود تيارين متقابلين داخل كل حضارة .. أحدهما تيار محافظ شديد التمسك بالثوابت التى حددت – في لحظة تاريخية قديمة – هوية تلك الحضارة… وتيار آخر حريص على تجديد الحضارة، وملاقاة ما يحمله اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال من مستجدات لم تكن قائمة لحظة ميلاد تلك الحضارة.. وذلك بتجدد وتطور مواكبين لتلك المستجدات.. يكفلان للثقافة مزيدا من الحيوية، ويحققان لها مزيداً من فرص الاستمرار والبقاء.

وفي حضارتنا الإسلامية نجد إنه على الرغم من دور ” الوحي” في تجديد معالم الثقافة ومواقفها الأساسية من القضايا الوجودية الكبرى المتصلة بالإنسان والكون، والخالق، ومصير الحياة.. فإن دور “العقل” والتجربة الإنسانية في ملء تفاصيلها وتغذية تجلياتها، يظل دوراً بارزاً لا يتصور إغفاله أو إنكاره.. ولهذا تبقى ” الثقافة الإسلامية” في نهاية المطاف ثقافة إنسانية تتعرض لما تتعرض له سائر الثقافات من مد وجزر، وارتفاع وانخفاض.. كما يظل المسلمون – عرفوا ذلك أو لم يعرفوه – جزءاً من التاريخ العام للإنسانية – كما يظل سلوكهم جزءاً من تيار السلوك الإنساني، تحكمه ذات السنن والضوابط التي تحكم الناس في مسيرتهم عبر التاريخ.

لهذا كله لم يكن غربياً أن يعرف تاريخ الثقافة الإسلامية، وتاريخ الفقه الإسلامي بصفة خاصة تيارين متقابلين، يميل أولهما إلى المحافظة الشديدة، ويخاف على الإسلام أشد الخوف من أن تضيع معالمه وتهتز ثوابته بسبب نزوع فريق من المسلمين عامتهم وخاصتهم وفقهائهم إلي  “التجديد” وإدخالهم على ثقافة المسلمين وشريعتهم أموراً لم يكن يعرفها أهل القرن الأول للإسلام.. ويعتصم هذا الفريق بالنصوص القرآنية والنبوية لا يكاد يعدوها.. بل لا يكاد يعدو حروفها وظواهرها، وذلك إيماناً بأن هذه  النصوص وحدها التى تحمل الخصائص الذاتية النفيسة للإسلام وثقافته وتصوراته الأساسية فى الاعتقاد والأخلاق والسلوك الفردي والتنظيم الاجتماعي .. أما التيار الآخر فإنه يجعل للعقل دوراً بارزاً إلى جانب دور النصوص.. إيماناً بأن النصوص، خصوصاً في أمور التشريع والنظام السياسي والاجتماعي، نصوص متناهية، وأن الحوادث والنوازل وما يعرض للناس من حاجات…أمور غير متناهية.. وأن كمال الشريعة وخلودها لا يمكن أن يتحققا إلا بأمر ” وراء ما فهمه الفريق الأول من النصوص ومن الشريعة.. وهؤلاء هم الذين يطلق المؤرخون عليهم  أو يطلقون هم على أنفسهم وصف  “المجددين”، ويلتمس هذا الفريق أساساً لشرعية منهجه من الحديث الشريف الذي رواه أبو داود وغيره والذي يقول: ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” (أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي)..

وفي هذا الإطار نستطيع من جانبنا أن نقابل بين منهجين متقابلين.. اخترنا أن نسمى أولهما منهج ” الجمود على الموجود” وأن نسمى الآخر منهج ” التجديد” في فهم مضامين الإسلام. وفي الثقافة الإسلامية المعاصرة استقطاب واضح تحددت من خلاله معالم هذين المنهجين.. على النحو الذي سنفصله فيما يلي .. ولكنا نسارع فنقول  إن المواجهة بين هذين المنهجين قد صارت تستهلك القدر الأكبر من طاقة المسلمين جميعاً، وتستغرق الجانب الأكبر من جهود مفكريهم وخاصة علمائهم.. وهو استغراق يهدد مستقبل الأمة.. وينتقص من فرصتها  في اللحاق بالآخرين.. وفي التأهل لأداء دور الريادة والقيادة الذي عبرت عنه الآية القرآنية الكريمة رقم 143 من سورة البقرة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).

إن أخص خصائص المنهج الأول الأمور التالية:

  1. الاستغراق الكامل في النصوص، والوقوف بصفة خاصة عند الأحكام الفرعية التي تستخلص من هذه النصوص.. والوقوف – فوق ذلك – عند ظواهر تلك النصوص .. واعتبار ذلك من علامات الاتباع المحمود، الذي يقابل ” الابتداع” المذموم، والتوقف عن البحث الطويل في حكمة التكليف ومقاصد التشريع وأولويات المطالب الدينية للأفراد وللأمة، وعن النظر في إمكان تغير تلك الأولويات باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال.
  2. إساءة الظن بكل مذهب أو رأى أو اجتهاد يدعو إلى استخدام العقل والتعويل عليه في استنباط الأحكام الفقهية وتقرير الأمور الدينية.. واعتبار هذا الاستخدام تهديداً لقدسية الشريعة، ومدخلا لتحكيم الهوى.
  3. المبالغة في تقديس آراء علماء القرن الأولى من تاريخ الإسلام ومتابعة تلك الأقوال والآراء امتثالاً لما ورد به حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ” خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”، ولما اشتهر عنهم من الجمع بين العلم والعمل به، وبين المعرفة والتقوى… على نحو كانوا معه أئمة في العلم وقدوة للأمة في السلوك والعمل.
  4. المبالغة في رفض كل فكرة وافدة، والحذر الشديد من الأخذ بشئ مما عليه أتباع الحضارات الأخرى.

ونحن لا نخفي استدراكنا على كل المقولات المكونة لهذا المنهج.. واعتقادنا بأنها تؤدي إلى انكماش الحضارة الإسلامية، وتراجع شأن المسلمين.. كما أنها تلزم المؤمنين بما لم يلزمهم به الله.. وتملأ حياتهم عسراً وحرجاً وحيرة.. وهي أمور تنافي ثوابت كبرى من ثوابت المنهج الإسلامي السليم الذي تشهد له نصوص قطعية في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. كذلك لا نخفي أننا نعتبر اقتحام مصاعب التجديد بعد عصور طويلة من الجمود والانغلاق.. سبيلاً وحيداً لنهضة الأمة وانبعاثها وتجدد دورها في ريادة المسيرة الإنسانية توجهاً إلى قيم الحق والعدل والرحمة والسلام..

إن العقل المسلم المعاصر يحتاج إلى أن يعيد النظر في جسارة وثقة في كل واحدة من المقولات التي تقف في طريق التجديد، وتحبس الأمة في إطار التقليد.. لايرده عن ذلك تخويف المخوفين أو لوم اللائمين ( فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).

وتفصيلاً لأسباب هذا الاستدراك نقرر ما يلي:

  1. أن أحداً من المسلمين عامتهم وعلمائهم، لايخطر بباله أن يهون من قدسية النصوص القرآنية، أو نصوص الأحاديث النبوية الصحيحة.. وهم جميعاً مأمورون بالامتثال لما جاءت به تلك النصوص نزولاً عند قوله تعالى: ” وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ” .. وقوله (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).. ولكن النصوص الجزئية تحتاج إلى تفسير، ولهذا التفسير أصول ومناهج مقررة.. كما أن وراء النصوص الجزئية مقاصد كلية عامة لا يتصور الغفلة عنها أوالذهول عن إدراكها.. وإلا استوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون .. ولوقع جملة الناس في الحرج والعسر والمشقة بسبب التزامهم ما لا يلزم، ولفاتت مصالح ومنافع شرعها الله – سبحانه – لهم، وهم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد، وإذا ضاعت المصالح وفاتت المنافع وضاقت الصدور بالعسر والمشقة.. انتفى مقصود الشارع سبحانه من قوله: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).. وقوله: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) .. والاتباع الذي أمرنا به هو اتباع العقلاء المبصرين الذين يرون آيات الله تعالى في الآفاق وفي أنفسهم.. لا اتباع المقلدين الذين سدوا على أنفسهم وعلى الناس طرقاً كثيرة من طرق الحق والخير والعدل ” ظناً منهم منافاتها للشريعة” ولعمر الحق إنها لم تناف الشريعة، وإنما نفت ما فهمه هؤلاء من الشريعة.. والابتداع الذي نهينا عنه، هو أن يدخل على الدين ما ليس منه، زيادة فيه أو نقصاً منه.. تحريماً للحلال أو تحليلاً للحرام، أو قولاً على الله تعالى بغير علم.. وهناك ابتداع محمود هو ثمرة الاجتهاد في استقراء الحكم الشرعي من دليله الجزئي في إطار من مجموع النصوص، في ظل من الوعي بمقاصدها الكلية، وبالمصالح التى اعتبرها الشارع بالنص عليها.. أو تركها مرسلة يتغياها المجتهدون في اجتهادهم وتسعى الأمة لتحقيقها، وهي تصوغ أنظمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. غير خارجة على نص قطعي ولا ساعية لتحقيق مصلحة ألغي الشارع اعتبارها بدليل لا يحتمل التأويل..
  2. ويتصل بهذا أوثق الاتصال أن ينتبه المجتهدون والفقهاء وأن يلتفت العقل المسلم “في كل مكان” إلى مبدأ استصحاب الحال، وأن الأصل براءة الذمة، وأن كل شيء هو حلال وجائز وصحيح حتي يقوم دليل بنقض هذا الأصل بدليل يقيني مثله، يفيد التحريم أو المنع أو البطلان، إعمالا لقاعدة فقهية ومنطقية مؤداها أن اليقين لا يزول بالشك.
  3. إنه قد آن الأوان لإسدال الستار على الثنائية التقليدية التي سممت الحياة الفكرية لملايين المسلمين عبر قرون طويلة، وهي الثنائية التي تقابل بين العقل والنقل.. فينحاز بسببها بعض الناس إلى العقل وإعماله، وينحاز بعض آخر منهم إلى النقل وإنزال حكمه.. كما لو كان أحدهما من عند الله والآخر من عند غيره.. كيف والله – سبحانه – هو خالق العقل والمنعم به على آدم وذريته، وبه علم آدم الأسماء كلها.. وجعله خليفة في أرضه، وحامل أمانته التى عرضها الله سبحانه ” على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان“.. ولا نقول في هذا إلا أن العقل آية من عند الله.. وأن النقل، قرآناً وسنة، نعمة ورحمة من عند الله.. وليس يصح في العقول أن تتناقض آيات الله مع رحمته.. وإذا وقع هذا التناقض في بعض العقول… فهو تناقض موهوم مرجعه إلى واحد من أمرين… أولهما: ألا يكون ” المنقول” قطعياً في وروده أو في دلالته.. والآخر: ألا يكون ” المعقول” يقينياً في صحته وثبوته وثباته.. ولكن المهم أن يستقر في ” العقل المسلم” أن الإيمان فريضة، وأن العلم – هو الآخر – فريضة.. وأن الله تعالى أنعم علينا بكتابين هما آيتان من آيات رحمته.. كتابه الموحى به إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.. وكتابه الأكبر المثبوت في الكون والتاريخ وفي ثنايا الوجود كله.. وإذا كان الإيمان والتصديق هما السبيل إلى استقبال كتاب الله الأول.. فإن البحث والتجربة والنظر وسائر ما يتجلى به العقل على العالم والطبيعة هو السبيل إلى استقبال كتاب الله الأكبر… المبثوثة آياته في الآفاق والأنفس.

إن التجديد الذي به خلاص هذه الأمة.. لاأمل فيه ولا رجاء في تحققه إلا إذا أعيد العقل من جديد إلى عرشه الذي أنزلته عنه مخاوف الخائفين وهواجس المرتابين الذين يحسبون كل صيحة عليهم.

  1. إننا جميعاً نعرف فضل الأولين السابقين، بدءاً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعشيرته وأهل بيته رضى الله عنهم وأرضاهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ” إن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه” ومروراً بالتابعين الذين صحبوا أصحابه وأخذوا العلم والعمل عنهم في أيام كان صوت الوحي فيها لايزال يملأ الآفاق علماً وهدى ونوراً… وانتهاء بالأئمة العلماء من المفسرين والمحدثين والمتكلمين والفقهاء..والأمة كلها تعرف ما قدموه للأجيال من بعدهم من زاد وخير و علم غزير.. وما أصلوه من قواعد وما فصلوه من فروع وتطبيقات.. ولا يدخر أحدنا وسعاً في الاستفادة من عملهم والاستئناس بآرائهم..ولكنا نقف عند هذا المنتهى لا نتجاوزه ولا نعدوه.. ونقول، فيمن عدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم رجال ونحن رجال.. وليس صحيحاً أبداً ما يجري علي بعض الألسنة من أن الأول لم يترك للآخر شيئاً.. ذلك أن الأولين كانوا يجتهدون في إطار واقع لم تعد كثير من عناصره قائمة بيننا.. كما أن اجتهادهم محكوماً بعلوم لم يكن أكثرها قد بلغ من النمو والتطور ما بلغه في عصرنا .. والفقه والإفتاء في الشريعة يقوم علي معرفة الحق ومعرفة الواقع وتنزيل أحدهما على الآخر.. فإذا تغير الواقع لزم أن تتغير ثمرة هذا التنزيل الذي يجريه الفقيه أو المشرع الوضعي أو القائم بالإفتاء.. والخلاصة أننا نستقصى – في كل مسألة – ما قرره السابقون الأولون من علماء المسلمين ، ولكنا لا نتوقف عنده، ولا نعطل بسببه ما أمرنا به من الاجتهاد.. وإلا كنا عالة عليهم، متبعين غير مذهبهم السوي في مواصلة البحث والاجتهاد.
  2. وأما رفض كل فكرة وافدة وإغلاق الباب في وجه كل تبادل ثقافي، فإننا نرى الإسراف فيه تعبيراً واضحاً عن المبالغة في الخوف.. ونقص الثقة في قدرة الأمة، وقدرة علمائها على اتخاذ موقف نقدي من تلك الأفكار الوافدة.. نقبل منه كل نافع ونرفض كل ضار أو مخالف لثوابت عقيدتنا وشريعتنا ومصالح أبناء أمتنا.. إن هذا الرفض المطلق الذي يعزل ثقافة المسلمين عن كل ثقافة إنسانية قديمة أو حديثة يقوم على ثلاثة أخطاء لابد لنا أن نسميها بأسمائها، وأن نستدرك عليها في غير مجاملة لأحد.

الخطأ الأول: تصور الإسلام كما لو كان كياناً ونظاماً مختلفاً عن كل ما عداه اختلافاً مطلقاً. وينسى أصحاب هذا التصور كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القائل إن: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها” وأنه صلى الله عليه وسلم شهد في الجاهلية حلفاً كريماً هو حلف الفضول، وأنه قال فيه ” لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفاً ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”..

الخطأ الثاني: تصور إمكان العزلة وتوهم أنها مسلك يحتاج إليه المسلمون، وهذا خطأ مركب.. فالعزلة لم تعد ممكنة بعد الثورات العلمية والصناعية التي أدت إلى سقوط حواجز الزمان والمكان.

الخطأ الثالث: أن كثرة الحديث عن خطر الفكر المستورد والعيش الدائم تحت ظلال الخوف من أشباح الغزاة يحتاج إلى مراجعة واستدراك. والمسلمون  في تاريخهم الطويل ابتداء من عصر النبوة لم يجدوا – في عصور نهضتهم  – حرجا ولا غضاضة في أن يأخذوا من غيرهم وأن يأخذ غيرهم منهم.

والخلاصة.. إننا نستمع – بعقول مفتوحه وقلوب صافية – إلى كل ما يقول دعاة ” الجمود على الموجود” وإلى ما ينبهون إليه من محاذير الاندفاع وراء دعوات التجديد، بل إننا ننبه إلى هذه المحاذير، كما ينبهون، ولكنا نضعها في إطارها الصحيح وفي إطار الغاية من التذكر بها، وهي أن يظل التجديد تجديداً في ” فكر المسلمين” وتطويراً له.. لا خروجاً على شئ من ثوابت الإسلام ولا تحريفاً لأحكامه، وانفلاتاً من مبادئه وقيمه..

ولكن حسبنا هذا، ولننطلق بعده بلا مخاوف ولا شكوك، نجدد الفكر، ونُغْني الرؤية بكل ما هو جديد، ونطور خطابنا الديني حتى يلقي آذاناً سامعة وقلوباً واعية ونمارس الاجتهاد الفقهي في جسارة وثقة.. ولنذكر أن البديل الوحيد لهذا هو أن نبقى حيث نحن، قانعين بالتبعية والتخلف، تمر بنا مواكب الأمم والشعوب، تحمل القيادة، وتمارس السيادة.. نحن نكتفي بإعلان السخط والرفض والإنكار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*. أحمد كمال أبوالمجد (28 يونيو 1930 -) فقيه دستوري، وكاتب ومفكر سياسي مصري، عمل بالعديد من المناصب منها: أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة والكويت، محام أمام محكمة النقض ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا بمصر.

**. أحمد كمال أبوالمجد (2002). تجديد الفكر الإسلامي: إطار جديد. مداخل أساسية. في: التجديد في الفكر الإسلامي (المؤتمر العام الثالث عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية المنعقد بالقاهرة 31 مايو إلى 3 يونية 2001م). القاهرة: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ص ص. 35- 58.

عن أحمد كمال أبو المجد

شاهد أيضاً

الفلسفة – المنهج – الفكر “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

التباسات الحداثة

المعرفة المستدامة

مغامرة المنهج

في نقد التفكير

سؤال السيرة الفلسفية

أزمة العقل والوجدان المسلم

أ. د. عبد الحميد أبو سليمان

إذا سلمنا أن الأمة الإسلامية في أزمة، وأنها لا تنقصها الموارد المادية والبشرية، وأنها لا تنقصها القيم والمبادئ، ولا الغايات والمقاصد السامية التي يزخر بها الإسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.