رياضة النفس – تهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب

رياضة النفس
تهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلب
*

الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي

الخُلق الحسن صفة سيد المرسلين وأفضل أعمال الصديقين، وهو على التحقيق شطر الدين وثمرة مجاهدة المتقين ورياضة المتعبدين. والأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة والمخازى الفاضحة، والرذائل الواضحة والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة. كما أن الأخلاق الجميلة هي الأبواب المفتوحة من القلب إلى نعيم الجنان وجوار الرحمن، والأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس إلا أنه مرض يفوت حياة الأبد، وأين منه المرض الذي لا يفوت إلا حياة الجسد؟ ومهما اشتدت عناية الأطباء بضبط قوانين العلاج للأبدان وليس في مرضها إلا فوت الحياة الفانية، فالعناية بضبط قوانين العلاج لأمراض القلوب وفى مرضها فـوت حياة باقية أولى، وهذا النوع من الطب واجب تعلمه على كل ذي لب، إذ لا يخلو قلب من القلوب عن أسقام لو أهملت تراكمت وترادفت العلل وتظاهرت، فيحتاج العبد إلى تأنق في معرفة علمها وأسبابها ثم إلى تشمير في علاجها وإصلاحها، فمعالجتها هو المراد بقوله تعالى: (قد أفلح من زكاها) وإهمالهـا هـو المراد بقوله: (وقد خاب من دساها). ونحن نشير في هذا الكتاب إلى جمـل مـن أمـراض القلوب والنظر الكلي في تهذيب الأخلاق وتمهيد منهاجها.

بيان فضيلة حسن الخلق ومذمة سوء الخلق

قال الله تعالى لنبيه وحبيبه مثنيًا عليه ومظهرًا نعمته لديه: (وإنك لعلى خلق عظيم). وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول اللهﷺ خلقه القرآن[1]. وسأل رجل رسول اللهﷺ عن حسن الخلق فتلا قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين) ثم قال ﷺ «هو أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك»[2]. وقال ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»[3] وقال ﷺ: «أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق»[4]. وجاء رجل إلى رسول اللهﷺ من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ قال: «حسن الخلق» فأتاه من قبل يمنيه فقال: يا رسول اللـه مـا الـديـن؟ قال: «حسن الخلق»، ثم أتاه من قبل شماله فقال: ما الدين؟ فقال: «حسن الخلق» ثم أتاه من ورائه فقال: يا رسول الله ما الدين؟ فالتفت إليه وقال: «أما تفقه؟ هو أن لا تغضب»[5].  وقيل: يا رسول الله ما الشؤم؟ قال: «سوء الخلق»[6]. وقال رجل لرسول الله ﷺ: أوصني فقال: «اتق الله حيثما كنت» قال: زدني، قال: «أتبع السيئة الحسنة تمحها» قال: زدني، قال: «خالق الناس بخلق حسن»[7]. وسُئل عليه السلام: أي الأعمال أفضل؟ قال: «خلق حسن». وقال ﷺ: «ما حسَّن الله خُلق عبد وخلقه فيطعمه النار[8]. وقال الفضيل: قيل لرسول الله ﷺ: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذى جيرانها بلسانها، قال: «لا خير فيها هي من أهل النار». وقال أبو الدرداء: سمعت رسول اللهﷺ يقول: «أول ما يوضع في الميزان حُسن الخلق والسخاء، ولما خلق الله الإيمان قال: اللهم قونی، فقواه بحسن الخلق والسخاء، ولما خلق الله الكفر قال: اللهم قوني، فقواه بالبخل وسوء الخلق[9].  وقال ﷺ: «وإن الله استخلص هذا الدين لنفسه ولا يصلح لدينكم إلا السخاء وحسن الخلق، ألا فزينوا دينكم بهما»[10]. وقيل: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل إيمانًا؟ قال: «أحسنهم خلقًا»[11]. وقال ﷺ: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق»[12] وقال أيضًا ﷺ: «سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل»[13]. وعن البراء بن عازب قال: كان رسول الله ﷺ أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا»[14]. وعن أبي مسعود البدري قال: كان رسول الله ﷺ يقول في دعائه: «اللهم حسنت خَلقي فحسن خُلقی»[15].  وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: كان رسول اللهﷺ يكثر الدعاء فيقول: «اللهم إني أسألك الصحة والعافية وحسن الخلق»[16]. وعن أبي هريرة عن النبيﷺ قال: «كرم المؤمن دينه، وحسبه خلقه، ومروءته عقله[17]» وعن أسامة بن شريك قال: شهدت الأعاريب يسألون النبيﷺ يقولون: ما خير ما أُعطي العبد؟ قال: «خلق حسن»[18]. وقال ﷺ: «إن أحبكم إلى وأقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا»[19]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللهﷺ: «ثلاث من لم تكن فيه أو واحدة منهن فلا تعتدوا بشيء من عمله: تقوى تحجزه عن معاصى الله، أو حلم يكف به عن السفيه، أو خلق يعيش به بين الناس»[20]. وكان من دعائه في افتتاح الصلاة «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدى الأحسنها إلا أنت، واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها إلا أنت»[21]. وقال عليه السلام لأبي ذر: «يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق»[22]. وقال ﷺ «إن المسلم ليدرك درجة الصائم القائم بحسن خلقه وكرم مرتبته»[23]. وفي رواية «درجة الظمآن في الهواجر». وقال أنس: قال النبيﷺ: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنه لضعيف في العبادة»[24]. وروى أن عمر رضى الله عنه استأذن على النبيﷺ وعنده نساء من نساء قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن رضي الله عنه تبادرن الحجاب، فدخل عمر ورسول اللهﷺ يضحك فقال: مم تضحك بأبي وأمي أنت يا رسول الله؟ فقال: «عجبت لهؤلاء اللاتي كن عندى لما سمعن صوتك تبادرن الحجاب» فقال عمر: أنت كنت أحق أن يهبنك يا رسول الله، ثم أقبل عليهن عمر فقال: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول اللهﷺ؟ قلن: نعم أنت أغلظ وأفـظ مـن رسـول اللـهﷺ، فقال ﷺ: «إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قـط سـالكـًا فـجـًا إلا رسلك فجًا غير فجك»[25]. وقال عليه السلام: «إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنم»[26].

حقيقة حسن الخلق وسوء الخلق

الخَلق والخُلق عبارتان مستعملتان معًا، فيراد بالخَلق الصورة الظاهرة، ويراد بالخُلق الصورة الباطنة. وذلك لأن الإنسان مركب من جيد مدرك بالبصر، ومن روح ونفس مدرك بالبصيرة. ولكل واحد منهما هيئة وصورة إما قبيحة وإما جميلة. فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرًا من الجسد المدرك بالبصر. ولذلك عظَّم الله أمره بإضافته إليه إذ قال تعالى: (إني خالق بشرًا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين، والروح إلى رب العالمين.

فالخلق إذن عبارة عن هيئة النفس وصورتها الباطنة. وكما أن حسن الصورة الظاهرة مطلقًا لا يتم بحسن العينين دون الأنف والفم والخد، بل لا بد من حسن الجميع ليتم حسن الظاهر؛ فكذلـك فـي الباطن أربعة أركان لا بد من الحسن في جميعها حتى يتم حسن الخُلق. فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق، وهو: قوة العلم، وقوة الغضب، وقوة الشهوة، وقوة العدل بين هذه القوى الثلاث.

أما قوة العلم فحسنها وصلاحها في أن تصير بحيث يسهل بها درك الفرق بين الصدق والكذب في الأقوال، وبين الحق والباطل في الاعتقادات، وبين الجميل والقبيح في الأفعال، فإذا صلحت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة، والحكمة رأس الأخلاق الحسنةـ وهي التي قال الله فيها: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).

وأما قوة الغضب: فحسنها في أن يصير انقباضها وانبساطها على حد ما تقتضيه الحكمة؛ وكذلك الشهوة حسنها وصلاحها في أن تكون تحت إشارة الحكمة، أعنى إشارة العقل والشرع.

وأما قوة العدل فهو ضبط الشهوة والغضب تحت إشارة العقل والشرع.

فالعقل مثاله مثال الناضج المشير، وقوة العدل هى القدرة، ومثالها مثال المنفذ الممضى لإشارة العقل. والغضب هو الذي تنفذ فيه الإشارة، ومثاله مثال كلب الصيد، فإنه يحتاج إلى أن يؤدب حتى يكون استرساله وتوقفه بحسب الإشارة لا بحسب هيجان شهوة النفس. والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصيد فإنه تارة يكون مروضًا مؤدبًا، وتارة يكون جموحًا. فمن استوت فيه هذه الخصال واعتدلت فهو حسن الخلق مطلقًا، ومن اعتدل فيه بعضها دون البعض فهو حسن الخلق، بالإضافة إلى ذلك المعنى خاصة كالذي يحسن بعض أجزاء وجهه دون بعض. وحسن القوة الغضبية واعتدالها يعبر عنه بالشجاعة، وحسن قوة الشهوة واعتدالها يعبر عنه بالعفة.

فإن مالت قوة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة تسمى تهورا، وإن مالت إلى الضعف والنقصان تسمى جبنًا وخورًا، وإن مالت قوة الشهوة إلى طرف الزيادة تسمى شرهًا، وإن مالت إلى النقصان تسمى جمودا.

والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة، والطرفان رذيلتان، والعدل إذا فات فليس له طرفا زيادة ونقصان، بل له ضد واحد ومقابل وهو الجور.

وأما الحكمة فيسمى إفراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبثًا، ويسمى تفريطها بلهًا، والوسط هو الذي يختص باسم الحكمة.

إذن أمهات الأخلاق وأصولها أربعة: الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدل. ونعنى بالحكمة حالة للنفس بها يدرك الصواب من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية. ونعني بالعدل حالة للنفس وقوة بها تسوس الغضب والشهوة وتحملها على مقتضى الحكمة وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها. ونعنى بالشجاعة كون قوة الغضب منقادة للعقل في إقدامها وإحجامها. ونعنى بالعفة تأدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع. فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق الجميلة كلها.

إذ من اعتدال قوة العقل: يحصل حسن التدبير وجودة الذهن وثقابة الرأي وإصابة الظن والتفطن لدقائق الأعمال وخفايا آفات النفوس. ومن إفراطها: يصدر المكر والخداع والدهاء. ومن تفريطها؛ يصدر البله والغمارة والحمق والجنون – وأعنى بالغمارة قلة التجربة في الأمور مع سلامة التخيل. والفرق بين الحمق والجنون أن الأحمق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطريق فاسد، فلا تكون له رويـة صحيحة في سلوك الطريق الموصل إلى الغرض، وأما المجنون فإنه يختار ما لا ينبغي أن يختار فيكون أصل اختياره وإيثاره فاسدًا.

وأما خلق الشجاعة: فيصدر منه الكرم والنجدة والشهامة وكسر النفس والاحتمال والحلم والثبات وكظم الغيظ والوقار والتودد وأمثالها، وهي أخلاق محمودة. وأما إفراطهـا وهـو التهور فيصدر منه الصلف والبذخ، والاستشاطة، والتكبر، والعجب. وأما تفريطها فيصدر منه المهانة والذِلة والجزع والخساسة وصغر النفس والانقباض عن تناول الحق الواجب.

وأما خلق العفة: فيصدر منه السخاء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظُرف وقلة الطمع. وأما ميلها إلى الإفراط أو التفريط فيحصل منه الحرص والشـره والوقاحة والخبث والتبذير والتقتير والرياء والهتكة والمجانة والعبث والملق والحسد والشماتة والتذلل للأغنياء واستحقار الفقراء وغير ذلك.

فأمهات محاسن الأخلاق هذه الفضائل الأربعة: وهي الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدل. والباقي فروعها.

ولم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربع إلا رسول اللهﷺ، والنـاس بـعـده متفاوتون فــي القرب والبعد منه. فكل من قرب منه في هذه الأخلاق فهو قريب من الله تعالى بقدر قربه من رسول اللهﷺ، وكل من جمع كمال هذه الأخلاق استحق أن يكون بين الخلق ملكًا مطاعــًا يرجع الخلق كلهم إليه ويقتدون به في جميع الأفعال. ومَن انفـك عـن هـذه الأخلاق كلها واتصف بأضدادها استحق أن يخرج من بين البلاد والعباد، فإنه قد قرب من الشيطان اللعين المبعد، فينبغي أن يبعد، كما أن الأول قريب من الملك المقرب، فينبغي أن يقتدي بهويتقرب اليه، فإن رسول اللهﷺ لم يُبعث إلا ليتمم مكارم الأخلاق كما قال[27].

وقد أشار القرآن إلى هذه الأخلاق في أوصاف المؤمنين فقال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون)، فالإيمان بالله ورسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين وهو ثمرة العقل، ومنتهى الحكمة. والمجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة. والمجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي ترجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل وحد الاعتدال. فقد وصف الله تعالى الصحابة فقال: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) إشارة إلى أن للشدة موضعًا وللرحمة موضعًا، فليس الكمال في الشدة بكل حال، ولا في الرحمة بكل حال.

بيان قبول الأخلاق للتغيير بطريق الرياضة

اعلم أن بعض مَن غلبت البطالة عليه استثقل المجاهدة والرياضة والاشتغال بتزكية وتهذيب الأخلاق، فلم تسمح نفسه بأن يكون ذلك لقصوره وخبث دخلته فزعم أن الأخلاق لا يتصور تغييرها فإن الطباع لا تتغير. واستدل فيه بأمرين، أحدهما: أن الخلق هو صورة الباطن، كما أن الخلـق هـو صـورة الظاهر. فالخلقة الظاهرة لا يقدر على تغييرها، فالقصير لا يقدر أن يجعل نفسه طويلًا، ولا الطويل يقدر أن يجعل نفسه قصيرًا، ولا القبيح يقدر على تحسين صورته. فكذلك القبح الباطن يجرى هذا المجرى. والثاني: أنهم قالوا: حسن الخلق يقمع الشهوة والغضب. وقد جربنا ذلك بطول المجاهدة، وعرفنا أن ذلك من مقتضى المزاج والطبع فإنه لا ينقطع عن الآدمى فاشتغاله به تضييع زمان بغير زمان. فإن المطلوب هو قطع التفات القلب إلى الخطوط العاجلة، وذلك محال وجوده.

فتقول: لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول اللهﷺ: «حسنوا أخلاقكم»[28]، وكيف يُنكر هذا في حق الآدمى وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك والتخلية، والفرس من الجماح إلى السلاسة والانقياد وكل ذلك تغيير للأخلاق.

والقول الكاشف للغطاء عن ذلك أن نقول: الموجودات منقسمة إلى ما لا مدخل للآدمى واختياره في أصله وتفصيله، كالسماء والكواكب، بل أعضاء البدن داخلًا وخارجًا. وبالجملة كل ما هو حاصل كامل وقع الفراغ من وجوده وكماله، وإلى ما وجد وجودًا ناقصًا وجعل فيه قوة لقبول الكمال. بعد أن وجد شرطه. وشرطه قد يرتبط باختيار العبد، فإن النواة ليست بتفاح ولا نخل، إلا أنها خلقت خلقة يمكن أن تصير نخلة إذا انضاف التربية إليها، ولا تصير تفاحًا أصلًا ولا بالتربية، فإذا صارت النواة متأثرة بالاختيار حتى تقبل بعض الأحوال دون بعض، فكذلك الغضب والشهوة لو أردنا قمعهما وقهرهما بالكلية حتى لا يبقى لهما أثر لم نقدر عليه أصلًا، ولو أردنا سلاستهما وقودهما بالرياضة والمجاهدة قدرنا عليه. وقد أُمِرنا بذلك وصار ذلك سبب نجاتنا ووصولنا إلى الله تعالى. نعم الجبلات مختلفة بعضها سريعة القبول، وبعضها بطيئة القبول ولاختلافها سببان:

أحدهما: قوة الغريزة في أصل الجبلة وامتداد مدة الوجود، فإن قوة الشهوة والغضب والتكبر موجودة في الإنسان، ولكن أصعبها أمرًا وأعصاها على التغيير قوة الشهوة، فإنهـا أقدم وجودًا، إذ الصبي في مبدأ الفطرة تُخلق له الشهوة، ثم بعد سبع سنين ربما يخلق له الغضب، وبعد ذلك يخلق له قوة التمييز.

والسبب الثاني: أن الخلق قد يتأكد بكثرة العمل بمقتضاه، والطاعة له، وباعتقاد كونه حسنًا ومرضيًا، والناس فيه أربع مراتب، (الأولى) وهو الإنسان الغفل الذي لا يميز بين الحق والباطل والجميل والقبيح، بل بقي كما فُطر عليه خاليًا من جميع الاعتقادات، ولم تستتم شهوته أيضًا بإتباع اللذات، فهذا سريع القبول للعلاج جدًا فلا يحتاج إلا إلى معلم ومرشد، وإلى باعث من نفسه يحمله على المجاهدة، فيحسن خلقه في أقرب زمان. (الثانية) أن يكون قد عرف قبح القبيح، ولكنه لم يتعود العمل الصالح، بل زين له سوء عمله فتعاطاه انقيادًا لشهواته، وإعراضًا عن صواب رأيه لاستيلاء الشهوة عليه، ولكن علم تقصيره في عمله فأمره أصعب من الأول، إذ قد تضاعفت الوظيفة عليه؛ إذ عليه قلع ما رسخ في نفسه أولًا من كثرة الاعتياد للفساد، والآخر أن يغرس في نفسه صفة الاعتياد للصلاح، ولكنه بالجملة محل قابل للرياضة إن انتهض لها بجد وتشمير وحزم. (والثالثة) أن يعتقد في الأخلاق القبيحة أنها الواجبة المستحسنة، وأنه حق وجميل وتربى عليها، فهذا يكاد تمتنع معالجته ولا يرجى صلاحه إلا على الندور، وذلك لتضاعف أسباب الضلال. (والرابعة) أن يكون مع نشئه على الرأى الفاسد وتربيته على العمل به يرى الفضيلة في كثرة الشر ويباهي به ويظن أن ذلك يرفع قدره، وهذا هو أصعب المراتب. وفى مثله قيل: ومن العناء رياضة الهرم، ومن التعذيب تهذيب الذيب. والأول من هؤلاء جاهل فقط. والثاني جاهل وضال. والثالث جاهل وضال وفاسق. والرابع جاهل، وضال، وفاسق، وشرير.

وأما الخيال الآخر الذي استدلوا به هو قولهم: إن الآدمي ما دام حيـًا فـلا تنقطع عنه الشهوة والغضب وحب الدنيا وسائر هذه الأخلاق، فهذا غلط وقع لطائفة ظنوا أن المقصود من المجاهدة قمع هذه الصفات بالكلية ومحوها، وهيهات! فإن الشهوة خُلقت لفائدة وهي ضرورية في الجبلة، فلو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، ولو انقطعت شهوة الوقاع انقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه ولهلك. وليس المطلوب إماطة ذلك بالكلية، بل المطلوب ردها إلى الاعتدال الذي هـو وسط بين الإفراط والتفريط. والمطلوب في صفة الغضب حسن الحمية، وذلك بأن يخلو عن التهور وعن الجبن جميعًا. وبالجملة أن يكون في نفسه قويًا ومع قوته منقادًا للعقل. ولذلك قال الله تعالى: (أشداء على الكفار رحماء بينهم) وصفهم بالشدة، وإنما تصدر الشدة عـن الغضب ولو بطل الغضب لبطل الجهاد، كيف يقصد قلع الشهوة والغضب بالكلية والأنبياء عليهم السلام لم ينفكوا عن ذلك، إذ قال ﷺ: «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر»[29]. وكان إذا تكلم بين يديه بما يكرهه يغضب حتى تحمر وجنتاه، ولكن لا يقول إلا حقًا، فكان عليه السلام لا يخرجه غضبه عن الحق[30]. وقال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)، ولم يقل والفاقدين الغيظ، فرد الغضب والشهوة إلى حد الاعتدال بحيث لا يقهر واحد منهما العقل، ولا يغلبه، بل يكون العقل هو الضابط لهما والغالب عليهما ممكن، وهـو المـراد بتغيير الخلق، فإنه ربما تستولى الشهوة على الإنسان بحيث لا يقوى عقله على دفعها فيقْدم على الانبساط إلى الفواحش. وبالرياضة تعود إلى حد الاعتدال فدلل أن ذلك ممكن، والتجربة والمشاهدة تدل على ذلك دلالة لا شك فيها، والذي يدل على أن المطلوب هو الوسط في الأخلاق دون الطرفين أن السخاء خلق محمود شرعًا، وهو وسط بين طرفي التبذير والتقتير، وقد أثنى الله تعالى عليه فقال: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامــا)، وقال تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط). وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والجمود، قال الله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وقال في الغضب: (أشداء على الكفار رحماء بينهم). وقال ﷺ: (خير الأمور أوساطها)[31] وهذا له سر وتحقيق، وهو أن السعادة منوطة بسلامة القلـب عـن عوارض هذا العالم، قال الله تعالى: (إلا من أتى الله بقلب سليم). والبخــل مـن عـوارض الدنيا، والتبذير أيضًا من عوارض الدنيا، وشرط القلب أن يكون سليمًا منهما أي لا يكون متلفتًا إلى المال، ولا يكون حريصًا على إنفاقه ولا إمساكه، فإن الحريص على الإنفاق مصروف القلب إلى الإنفاق، كما أن الحريص على الإمساك مصروف القلب إلى الإمساك، فكان كمال القلب أن يصفو عن الوصفين جميعًا.

بيان السبب الذي به ينال حسن الخلق على الجملة

قد عرفت أن حسن الخلق يرجع إلى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة. وإلى اعتدال قـوة الغضب والشهوة، وكونها للعقل مُطيعة وللشرع أيضًا. وهذا الاعتدال يحصل على وجهين:

أحدهما: بجود إلهي وكمال فطري، بحيث يُخلق الإنسان ويولد كامل العقل حسن الخلق قــد كفى سلطان الشهوة والغضب، بل خلقتا معتدلتين منقادتين للعقل والشرع، فيصير عالمًا بغير تعليم ومؤدبًا بغير تأديب، كعيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام، وكذا سائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. ولا يبعد أن يكون في الطبع والفطرة ما قد ينال بالاكتساب، فرب صبي خلق صادق اللهجة سخيًا، وربما يخلق بخلافه فيحصل ذلك فيـه بالاعتياد ومخالطة المتخلقين بهذه الأخلاق، وربما يحصل بالتعليم.

والوجه الثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهدة والرياضة، وأعني به حمل النفس على الأعمال التي يقتضيها الخلق المطلوب. فمن أراد مثلًا أن يحصل لنفسه خلق الجود فطريقه أن يتكلف تعاطي فعل الجوّاد وهو بذل المال، فلا يزال يطالب نفسه ويواظب عليه تكلفًا مجاهدًا نفسه فيه حتى يصير ذلك طبعًا له ويتيسر عليه فيصـير بـه جـوادًا. وكذا من أراد أن يحصل لنفسه خلق التواضع، وقد غلب عليه الكِبر، فطريقه أن يواظب على أفعال المتواضعين مدة مديـــدة وهو فيها مجاهد نفسه ومتكلف إلى أن يصير ذلك خلقًا له وطبعًا فيتيسر عليه. وجميع الأخلاق المحمودة شرعًا تحصل بهذا الطريق، وغايته أن يصير الفعل الصادر منـه لـذيـذًا، فالســخـى هـو الذي يستلذ بذل المال الذي يبذله عن كراهة، والمتواضع هو الذي يستلذ التواضع. ولن ترسخ الأخلاق الدينية في النفس ما لم تتعود جميع العادات الحسنة، وما لم تترك جميع الأفعال السيئة، وما لم تواظب عليه مواظبة مَن يشتاق إلى الأفعال الجميلة ويتنعم بها، ويكره الأفعــال القبيحة ويتألم بها، كما قال ﷺ: «وجُعلت قرة عيني في الصلاة»[32]. ومهما كانت العبادات وترك المحظورات مع كراهة واستثقال فهو النقصان ولا ينال كمال السعادة به. نعم المواظبة عليها بالمجاهدة خير، ولكن بالإضافة إلى تركها لا بالإضافة على فعلها عن طوع، ولذلك قال الله تعالى: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، وقال ﷺ: «اعبد الله في الرضا فإن لم تستطع ففي الصبر على ما تكره خير كثير»[33]. ثم لا يكن في نيل السعادة الموعودة عـلـى حسن الخلق استلذاذ الطاعة واستكراه المعصية في زمان دون زمان، بل ينبغي أن يكون ذلك على الدوام وفي جملة العمر. وكلما كان العمر أطول كانت الفضيلة أرسخ وأكمل، ولذلك لما سئل ﷺ عن السعادة فقال: «طول العمر في طاعة الله تعالى»[34]. ولذلك كره الأنبياء والأولياء الموت، فإن الدنيا مزرعة الآخرة. وكما كانت العبادات أكثر بطول العمر كـان الثواب أجزل، والنفس أزكى وأطهر، والأخلاق أقوى وأرسخ. وإنما مقصود العبادات تأثيرها في القلب، وإنما يتأكد تأثيرها بكثرة المواظبة على العبادات. وغاية هذه الأخلاق أن ينقطع عن النفس حب الدنيا ويرسخ فيها حب الله تعالى، فلا يكون شيء أحب إليه من لقاء الله تعالى عز وجل، فلا يستعمل جميع ماله إلا على الوجه الذي يوصله إليه، وغضبه وشهوته من المسخرات له فلا يستعملها إلى على الوجه الذي يوصله إلى الله تعالى، وذلك بأن يكون موزونًا بميزان الشرع والعقل، ثم يكون بعد فرحًا به مستلذًا له، ولا ينبغي أن يستبعد مصير الصلاة إلى حد تصير هى قرة العين. ومصير العبادات لذيذ، فإن العادة تقتضي في النفس عجائب أغرب من ذلك، فإننا قد نرى الملوك والمنعمين في أحزان دائمـة، ونرى المقامر قـد يغلب عليه من الفرح واللذة بقماره وما هو فيه يستثقل معه فرح الناس بغـير قـمـار، مع أن القمار ربما سلبه ماله وخرب بيته وتركه مفلسًا، ومع ذلك فهو يحبه ويلتذ به، وذلك لطول إلفه له وصرف نفسه إليه مدة. فذلك نتيجة العادة والمواظبة على نمط واحد على الدوام مـــدة مديدة ومشاهدة ذلك في المخالطين والمعارف. فإذا كانت النفس بالعادة تستلذ الباطل وتميل إليه وإلى المقابح، فكيف لا تستلذ الحق لو رُدت إليه مدة والتزمت المواظبة عليه؟ بل ميل النفس إلى هذه الأمور الشنيعة خارج عن الطبع يضاهي الميل إلى أكل الطين، فقد يغلب علـى بعـض النـاس ذلك بالعادة، فأما ميله إلى الحكمة وحب الله تعالى ومعرفتـه وعبادته فهو كالميل إلى الطعام والشراب فإنه مقتضى طبع القلب فإنه أمر رباني، وإنما غذاء القلب الحكمة والمعرفة وحب الله عز وجل، ولكن انصـرف عـن مقتضى طبعه لمرض قد حل به كما قد يحل المرض بالمعدة فلا تشتهي الطعام والشراب وهما سببان لحياتهما، فكل قلب مال إلى حب شيء سوى الله تعالى فلا ينفك عـن مـرض بقدر ميله، إلا إذا كان أحب ذلك الشيء لكونه معينًا له على حب الله تعالى وعلى دينه، فعند ذلك لا يدل ذلك على المرض.

فإذن قد عرفت بهذا قطعًا أن هذه الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابها بالرياضة، وهي تكلف الأفعال الصادرة عنها ابتداءً لتصير انتهاءً، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح، -أعنى النفس والبدن-، فإن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا على وفقها لا محالة، وكل فعل يجري على الجوارح، فإنه قدر يرتفع منه أثر إلى القلب، والأمر فيه دور. فمن أراد أن يصير فقيه النفس فلا طريق له إلا أن يتعاطى أفعال الفقهاء، وهو التكرار للفقه حتى تتعطف منه على قلبه صفة الفقه فيصير فقيه بالنفس. وكذلك من أراد أن يصير سخيًا عفيف النفس حليمًا متواضعًا فيلزمه أن يتعاطى أفعال هؤلاء تكلفًا حتى يصير ذلك طبعًا له، فلا علاج له إلا ذلك. وكما أن طالب فقه النفس لا ييأس من نيــل هـذه الرتبة بتعطيل ليلة ولا ينالها بتكرار ليلة، فكذلك طالب تزكية النفس وتكميلها وتحليتها بالأعمال الحسنة لا ينالها بعبادة يوم ولا يحرم عنها بعصيان يوم. وهو معنى قولنا: إن الكبيرة الواحدة لا توجب الشقاء المؤبد، ولكن العطلة في يوم واحد تدعو إلى مثلها، ثم تتداعى قليلًا حتى تأنس النفس بالكسل وتهجر التحصيل رأسًا فيفوتها فضيلة الفقه. وكذلك صغائر المعاصي يجر بعضه إلى بعض حتى يفوت أصل السعادة بهدم أصل الإيمان عند الخاتمة، وكما أن تكرار ليلــة لا يحس تأثيره في فقه النفس، بل يظهر فقه النفس شيئًا فشيئًا على التدريج، مثل نمو البدن وارتفاع القامة، فكذلك الطاعة الواحدة لا يحس تأثيرها في تزكية النفس وتطهيرها في الحال، ولكن لا ينبغي أن يستهان بقليل الطاعة، فإن الجملة الكثيرة منها مؤثرة، وإنما اجتمعت الجملة من الآحاد، فلكل واحد منها تأثير، فما من طاعة إلا ولها أثر وإن خفيَ، فله ثواب لا محالة. فإن الثواب بإزاء الأثر وكذلك المعصية. وكم من فقيه يستهين بتعطيل يوم وليلة وهكذا على التوالي يسوف نفسه يومًا فيومًا، إلى أن يخرج طبعه عن قبول الفقه، من يستهين صغائر المعاصي ويسوف نفسه بالتوبة على التوالي إلى أن يختطفه الموت بغتة أو تتراكم ظلمة الذنوب على قلبه وتتعذر عليه التوبة، إذ القليل يدعو إلى الكثير فيصير القلب مقيدًا بسلاسل شهوات لا يمكن تخليصه من مخالبها، وهو المعنى بانسداد باب التوبة، وهو المراد بقوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدا). ولذلك قال رضى الله تعالى عنه: «إن الإيمان ليبدو في القلب نكتة بيضاء، كلما ازداد الإيمان ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل العبد الإيمان ابيض القلـب كلـه، وإن النفاق ليبدو في القلب نكتة سوداء كلما ازداد النفاق ازداد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله».

فإذا عرفت أن الأخلاق الحسنة تارة تكون بالطبع والفطرة، وتارة تكون باعتياد الأفعال الجميلة، وتارة بمشاهدة أرباب الأفعال الجميلة ومصاحبتهم وهم قرناء الخير وإخوان الصلاح، إذ الطبع يسرق من الطبع الشر والخير جميعًا. فمن تظاهرت في حقه الجهات الثلاث حتى صار ذا فضيلة طبعًا واعتيادًا وتعلمًا فهو في غاية الفضيلة، ومن كان رذلًا بالطبع واتفق لـه قرناء السوء فتعلم منهم وتيسرت له أسباب الشر حتى اعتادها فهو في غاية البعد من الله عز وجل، وبين الرتبتين من اختلفت فيه من هذه الجهات، ولكل درجة في القرب والبعد بحسب ما تقتضيه صورته وحالته: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

بیان علامات أمراض القلوب وعلامات عودها إلى الصحة

اعلم أن كل عضو من أعضاء البدن خُلق لفعل خاص به، وإنما مرضه أن يتعذر عليه فعله الذي خُلق له حتى لا يصدر منه أصلًا أو يصدر منه مع نوع من الاضطراب. فمرض اليد أن يتعذر عليها البطش. ومرض العين أن يتعذر عليها الإبصار. وكذلك مرض القلب أن يتعذر عليه فعله الخاص به الذي خلق لأجله، وهو العلم والحكمة والمعرفة وحب الله تعالى وعبادته والتلذذ بذكره وإيثاره ذلك على كل شهوة سواه: قال الله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ففى كل عضو فائدة، وفائدة القلب الحكمة والمعرفة، وخاصية النفس التي للآدمى ما يتميز بها عن البهائم، فإنه لم يتميز عنها بالقوة على الأكل والوقاع والإبصار أو غيرها؛ بل بمعرفة الأشياء على ما هي عليه. وأصل الأشياء وموجودها ومخترعها هو الله عز وجل الذي جعلها أشياء. فلو عرف كل شيء ولم يعرف الله عز وجل فكأنه لم يعرف شيئًا. وعلامة المعرفة المحبة، فمن عرف الله تعالى أحبه، وعلامة المحبة ألا يؤثر عليه الدنيا ولا غيرها من المحبوبات، كما قال الله تعالي: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم) إلى قوله: (هو أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره)، فمَن عنده شيء أحب إليه من الله فقلبه مريض. فهذه علامات المرض، إلا أن من الأمراض ما لا يعرفها صاحبها، مرض القلب مما لا يعرفه صاحبه، فلذلك يغفل عنه وإن عرفه صعب عليه الصبر على مرارة دوائه، فإن دواءه مخالفة الشهوات وهو نزع الروح. فإن وجد من نفسه قوة الصبر عليه لم يجد طبيبًا حاذقًا يعالجه، فإن الأطباء هم العلماء وقد استولى عليهم المرض، فالطبيب المريض قلما يلتفت إلى علاجه. فلهذا صار الداء عضالًا والمرض مزمنًا واندرس هذا العلم، وأنكر بالكلية طب القلوب وأنكر مرضها، وأقبل الخلـق علـى حـب الدنيا، وعلى أعمال ظاهرها عبادات وباطنها عادات ومراءات. فهذه علامات أصول الأمراض.

 وأما علامات عودها إلى الصحة بعد المعالجة فهو أن ينظر في العلة التي يعالجها، فإن كان يعالج داء البخل فهو المهلك المبعد عن الله عز وجل، وإنما علاجه ببذل المال وإنفاقه، ولكنه قد يبذل المال إلى حد يصير به مبذرًا فيكون التبذير أيضًا داء، فكان كمن يعالج البرودة بالحرارة حتى تغلب الحرارة فهو أيضا داء، بل المطلوب الاعتدال بين الحرارة والبرودة. وكذلك المطلوب الاعتدال بين التبذير والتقتير حتى يكون على الوسط وفي غاية من البعد عن الطرفين، إن أردت أن تعرف الوسط فانظر إلى الفعل الذي يوجبه الخلق المحذور، فإن كان أسهل عليك وألذ من الذي يضاده فالغالب عليك ذلك الخلق الموجب له، مثل أن يكون إمساك المال وجمعه ألذ عندك وأيسر عليك من بذله لمستحقه، فاعلم أن الغالب عليك خلق البخل فزد في المواظبة على البذل، فإن صار البذل على غير المستحق ألذ عندك وأخـف مـن الإمساك بالحق فقد غلب عليك التبذير فارجع إلى المواظبة على الإمساك، فلا تزال تراقب نفسك وتستدل على خلقك بتيسير الأفعال وتعسيرها حتى تنقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى المال، فلا تميل إلى بذله ولا إلى إمساكه، فكل قلب صار كذلك فقد أتى الله سليمًا عن هذا المقام خاصة، ويجب أن يكون سليمًا عن سائر الأخلاق حتى لا يكون له علاقة بشيء مما يتعلق بالدنيا، حتى ترتحل النفس عن الدنيا منقطعة العلائق منها غير ملتفتة إليها ولا متشوقة إلى أسبابها، فعند ذلك ترجع إلى ربها رجوع النفس المطمئنة راضية مرضية داخلة في زمرة عباد الله المقربين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

ولما كان الوسط الحقيقي بين الطرفين في غاية الغموض، بل هو أدق من الشعر وأحــد من السيف، فلا جرم أن من استوى على هذا الصراط المستقيم في الدنيا، جاز على مثل هذا الصراط في الآخرة، وقلما ينفك العبد عن ميل عن الصراط المستقيم ــ أعنى الوسط ـــ حتى لا يميل إلى أحد الجانبين فيكون قلبه معلقًا بالجانب الذي مال إليه، ولذلك لاينفك عن عذاب ما واجتياز على النار وإن كان مثل البرق، قال الله تعالى: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا. ثم ننجي الذين اتقوا) أى الذين كان قربهم إلى الصراط المستقيم أكثر من بعدهم عنه. ولأجل عسر الاستقامة وجب على كل عبد أن يدعو الله تعالى في كل يوم سبع عشرة مرة في قوله (واهدنا الصراط المستقيم) إذ وجب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

فقد روى أن بعضهم رأى رسول الله ﷺ في المنام فقال: قد قلت يا رسول الله شیبتنی هود، فلم قلت ذلك؟ فقال عليه السلام لقوله تعالى: (فاستقم كما أمرت)، فالاستقامة على سواء السبيل في غاية الغموض، ولكن ينبغى أن يجتهد الإنسان في القرب من الاستقامة إن لم يقدر على حقيقتها. فكل من أراد النجاة فـلا نجاة لـه إلا بالعمل الصالح، ولا تصدر الأعمال الصالحة إلا عن الأخلاق الحسنة، فليتفقد كـل عبـد صفاته وأخلاقه، وليعددها ليشتغل بعلاج واحد فيها على الترتيب. فنسأل الله الكريم أن يجعلنا من المتقين.

بيان الطريق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه

اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرًا بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخفَ عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، لكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم؛ يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه. فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:

الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته. وهذا شأن المريد مع شيخه والتلميذ مع أستاذه، فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه. وهذا قد عز في الزمان وجوده.

الثاني: أن يطلب صديقًا بصيرًا متدينًا فينصبه رقيبًا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله، فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة والظاهرة ينبهه عليه، فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين.

 كان عمر يقول: رحم الله امرأ أهدى إلىَّ عيوبي. وكان يسأل حذيفة ويقول له: أنت صاحب سر رسول اللهﷺ في المنافقين، فهل ترى علىَّ شيئًا من آثار النفاق؟ فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه رضي الله عنه!

فكل من كان أوفر عقلًا وأعلى منصبًا كان أقل إعجابًا وأعظم اتهامًا لنفسه، إلا أن هذا أيضا قد عز، فقلَّ في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالعيب، أو يترك الحسد فلا يزيد على قدر الواجب. فلا تخلو في أصدقائك عن حسود أو صاحب غرض يرى ما ليس بعيب عيبًا، أو عن مداهن يخفى عنك بعض عيوبك.

ولهذا كان داود الطائي قد اعتزل الناس، فقيل له: لم لا تخالط الناس؟ فقال: وماذا أصنع بأقوام يخفون عنى عيوبي؟ وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا.

ويكاد هذا أن يكون مفصحًا عن ضعف الإيمان، فإنا لا نفرح بمَن ينبهنا عليها ولا نشتغل بإزالتها، بل نشتغل بمقابلة الناصح وبمثل مقالته، فنقول له: وأنت أيضًا تصنع كيت وكيت، وتشغلنا العداوة معه عن الانتفاع بنصحه، ويشبه أن يكون ذلك من قساوة القلب التي أثمرتها كثرة الذنوب. وأصل كل ذلك ضعف الإيمان. فنسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا، ويبصرنا بعيوبنا، ويشغلنا بمداواتها، ويوفقنا للقيام بشكر من يطلعنا على مساوينا بمنه وفضله.

الطريق الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدى المساوئ. ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يُثنى عليه ويمدحه ويخفى عنه عيبه، إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو، وحمل ما يقوله على الحسد، ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول أعدائه، فإن مساويه لا بد وأن تنتشر على ألسنتهم.

الطريق الرابع: أن يخالط الناس فكل ما رآه مذمومًا فيما بين الخلـق، فليطـالـب نفسـه بـه وينسبها إليه، فإن المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى. فيما يتصف به واحد من الأقران لا ينفك القرن الآخر عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شئ منه، فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه من غيره، وناهيك بهذا تأديبًا، فلو ترك الناس كلهم ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب. قيل لعيسى عليه السلام: مَن أدبك؟ ما أدبنى أحد، رأيت جهل الجاهل شينًا فاجتنبته.

شواهد الشرع على أن الطريق في معالجة أمراض القلب

ترك الشهوات، وأن مادة أمراضها هى اتباع الشهوات

اعلم أن ما ذكرناه إن تأملته بعين الاعتبار انفتحت بصيرتك وانكشف لـك عـلـل القـلـوب وأمراضها وأدويتها بنور العلم واليقين، فإن عجزت عن ذلك فلا ينبغي أن يفوتك التصديـق والإيمان على سبيل التلقي والتقليد لمن يستحق التقليد، فإن للإيمان درجة كما أن للعلم درجة، والعلم يحصل بعد الإيمان وهو وراءه، قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذيـن أوتوا العلم درجات)، فمن صدَّق بأن مخالفة الشهوات هى الطريق إلى الله عز وجل ولم يطلع على سببه وسره فهو من الذين آمنوا، وإذا اطلع على ما ذكرناه من أعوان الشهوات فهـو مــن الذين أوتوا العلم، وكلًا وعد الله الحسنى.

والذي يقتضي الإيمان بهذا الأمر في القرآن والسنة وأقاويل العلماء أكثر من أن يحصر، قال تعالى: (ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هو المأوى) وقال تعالى: (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) قيل: نزع منها محبة الشهوات.

ويروى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا عقولها عنى محجوبة. وقال عيسى عليه السلام: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود غائب لم يره. وقال نبيناﷺ لقوم قدموا من الجهاد: «مرحبا بكم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس»[35]. وقال ﷺ «المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل»[36]. وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئًا أشد علىَّ من نفسي مرة لي ومرة علىّ. وكان أبو العباس الموصلي يقول لنفسه: يا نفس لا في الدنيا مع أبناء الملوك تتنعمين، ولا في طلب الآخـرة مـع الـعبـاد تجتهدين، كأني بك بين الجنة والنار تجلسين، يا نفس ألا تستحين!. وقال الحسن: مــا الـدابـة الجموح بأحوج إلى اللجام الشديد من نفسك.

وقال يحيى بن معاذ الرازي: جاهد نفسك بأسياف الرياضة. والرياضة على أربعة أوجه: القوت من الطعام، والغمض من المنام، والحاجة من الكلام، وحمل الأذى من جميع الأنام، فيتولد من قلة الطعام موت الشهوات، ومن قلة المنام صفو الإرادات، ومن قلة الكلام السلامة من الآفات، ومن احتمال الأذى البلوغ إلى الغايات، وليس على العبد شيء أشد من الحلم عند الجفاء، والصبر على الأذى، وإذا تحركت من النفس إرادة الشهوات والآثام وهاجت منها حلاوة فضول الكلام جردت سيوف قلة الطعام من غمد التهجد وقلة المنام، وضربتها بأيدى الخمول وقلة الكلام حتى تنقطع عن الظلم والانتقام، فتأمن من بوائقها من بين سائر الأنام وتصفيها من ظلمة شهواتها فتنجو من غوائل آفاتها؛ فتصير عند ذلك نظيفة ونورية خفيفة روحانية فتجول في ميدان الخيرات، وتسير في مسالك الطاعات كالفرس الفارة في الميدان، وكذلك المتنزه في البستان. وقال أيضًا: أعداء الإنسان ثلاثة: دنياه وشيطانه ونفسه، فاحترس من الدنيا بالزهد فيها، ومن الشيطان بمخالفته، ومن النفس بترك الشهوات.

قال بعض الحكماء: مَن استولت عليه النفس صار أسيرًا في حب شهواتها، محصورًا في سجن هواها، مقهورًا مغلولًا زمامه في يدها تجره حيث شاءت فتمنع قلبه من الفوائد. وقال جعفر بن حميد: أجمعت العلماء والحكماء على أن النعيم لا يدرك إلا بترك النعيم. وقال أبو يحيى الوراق: مَن أرضى الجوارح بالشهوات فقد غرس في قلبه شجر الندامات.

ويُروى أن امرأة العزيز قالت ليوسف – عليه السلام – بعد أن ملك خزائن الأرض، وفي يوم موكبه وكان يركب في زهاء اثني عشر ألفًا من عظماء مملكته: سبحان من جعل الملوك عبيد بالمعصية، وجعل العبيد ملوكًا بطاعتهم له. إن الحرص والشهوة صيرا الملوك عبيدا وذلك جزاء المفسدين، وإن الصبر والتقوى صيرا العبيد ملوكًا. فقال يوسف – كما أخبر الله تعالى عنه – (إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).

وقال الجنيد: أرقت ليلة فقمت إلى وردي، فلم أجد الحلاوة التي كنت أجدها، فأردت أن أنام فلم أقدر، فجلست فلم أطق الجلوس، فخرجت فإذا رجل ملتف في عباءة مطروح على الطريق، فلما أحس بي قال: يا أبا القاسم إلى الساعة، فقلت: يا سيدي من غير موعد؟ قال: بلى سألت الله عز وجل أن يحرك لى قلبك، فقلت: قد فعل، فما حاجتك؟ قال: فمتى يصير داء النفس دواءها؟ فقلت: إذا خالفت النفس هواها، فأقبل على نفسه فقال: اسمعى فقد أجبتك بهذا سبع مرات فأبيت أن تسمعيه إلا من الجنيد، ها قد سمعتيه، ثم انصرف وما عرفته. وقال رجل لعمر بن عبد العزيز – رحمه الله تعالى-: متى أتكلم؟ قال: إذا اشتهيت الصمت، قال: متى أصمت؟ قال: إذا اشتهيت الكلام. وقال على رضي الله عنه: من اشتاق إلى الجنـة سـلا عـن الشهوات في الدنيا. وكان مالك بن دينار يطوف في السوق فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك علىّ.

فإذن قد اتفق العلماء والحكماء على أن لا طريق إلى سعادة الآخرة إلا بنهى النفس عن الهوى ومخالفة الشهوات، فالإيمان بهذا واجب، فيجب أن يكون القلب مشغولًا بمعرفة الله وحبه والتفكر فيه والانقطاع إليه، ولا قوة على ذلك إلا بالله، ويقتصر من الدنيا على ما يدفع عوائق الذكر والفكر فقط.

وربما يقول القائل: إن التنعم بالمباح مباح فكيف يكون التنعم سبب البعـد مـن اللـه عـز وجل؟ وهذا خيال ضعيف، بل حب الدنيا رأس كل خطيئة وسبب إحباط كل حسنة، والمباح الخارج عن قدر الحاجة أيضًا من الدنيا، وهو سبب البعد.

فإذن لا يمكن إصلاح القلب لسلوك طريق الآخرة ما لم يمنع نفسه عن التنعم بالمباح، فإن النفس إذا لم تمنع بعض المباحات طمعت في المحظورات، فمن أراد حفظ لسانه عن الغيبة والفضول فحقه أن يلزمه السكوت إلا عن ذكر الله وإلا عن المهمات في الدين، حتى تموت منه شهوة الكلام فلا يتكلم إلا بحق، فيكون سكوته عبادة وكلامه عبادة. ومهما اعتادت العين رمى البصر إلى كل شيء جميل لم تتحفظ عن النظر إلى ما لا يحل. وكذلك سائر الشهوات، لأن الذي يشتهى به الحلال هو بعينه الذي يشتهى الحرام، فالشهوة واحدة وقد وجب على العبد منعها من الحرام، فإن لم يعودها الاقتصاد على قدر الضرورة من الشهوات غلبته. فهذه إحدى آفات المباحات ووراءها آفات عظيمة أعظم من هذه، وهو أن النفس تفرح بالتنعم في الدنيا وتركن إليها وتطمئن إليها أشرًا وبطرًا حتى تصير ثملة كالسكران الذي لا يفيق من سكره. وذلك الفرح بالدنيا سم قاتل يسرى في العروق فيُخرج من القلب الخوف والحزن وذكر الموت وأهوال يوم القيامة، وهذا هو موت القلب. قال الله تعالى: (ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها) وقال تعالى: (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلى متاع) وقال تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) وكل ذلك ذم لها فنسأل الله السلامة.

وطريق المجاهدة والرياضة لكل إنسان تختلف بحسب اختلاف أحواله. والأصل فيه أن يترك كل واحد ما به فرحه من أسباب الدنيا، فالذى يفرح بالمال أو بالجاه أو القبول في الوعظ، أو بالعز في القضاء والولاية، أو بكثرة الاتباع في التدريس والإفادة، فينبغي أن يترك أولًا ما به فرحه، فإنه إن منع عن شيء من ذلك وقيل له ثوابك في الآخرة لم ينقص بالمنع فكره ذلك وتألم به، فهو ممن فرح بالحياة الدنيا واطمأن بها، وذلك مهلك في حقه. ثم إذا ترك أسباب الفرح فليعتزل الناس ولينفرد بنفسه وليراقب قلبه حتى لا يشتغل إلا بذكر الله تعالى والفكر فيه وليترصد لما يبدو في نفسه من شهوة ووسواس حتى يقمع مادته مهما ظهر، فإن لكل وسوسة سببًا ولا تزول إلا بقطع ذلك السبب والعلاقة. وليلازم ذلك بقية العمر فليس للجهاد آخِر إلا بالموت.

بيان علامات حسن الخلق

اعلم أن كل إنسان جاهل بعيوب نفسه، فإذا جاهد نفسه أدنى مجاهدة حتى ترك فواحش المعاصي ربما يظن بنفسه أنه هذب نفسه وحسن خلقه واستغنى عن المجاهدة، فلا بد من إيضاح علامة حسن الخلق. فإن حسن الخلق هو الإيمان، وسوء الخلق هو النفاق. وقد ذكـر الله تعالى صفات المؤمنين والمنافقين في كتابه، وهي بجملتها ثمرة حسن الخلق وسوء الخلق. فلنورد جملة من ذلك لتعلم آية حسن الخلق. قال الله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون) إلى قوله: (أولئك هم الوارثون) وقال عز وجل: (التائبون العابدون الحامدون) إلى قوله: (وبشر المؤمنين) وقال عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) إلى قوله: (أولئك هم المؤمنون حقا) وقال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) إلى آخر السورة. ومن أشكل عليه حاله فليعرض نفسه على هذه الآيات، فوجود جميع هذه الصفات علامة حسن الخلق، وفقد جميعها علامة سوء الخلق، ووجود بعضها دون بعض يدل على البعض دون البعض، فليشتغل بتحصيل ما فقده وحفظ ما وجده. وقد وصف رسول اللهﷺ المؤمن بصفات كثيرة وأشار بجميعها إلى محاسن الأخلاق فقال: «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[37] وقال عليه السلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفـــه»[38] وقالﷺ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره»[39] وقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر. فليقل خيرًا أو ليصمت»[40] وذكر أن صفات المؤمنين هي حسن الخلق فقال ﷺ: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا»[41]. وقال ﷺ: «إذا رأيتم المؤمن صموتًا وقورًا فادنوا منه فإنه يلقن الحكمة»[42] قال ﷺ: «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن»[43]. وقال: «لا يحل لمؤمن أن يشير إلى أخيه بنظرة تؤذيه»[44]. وقال ﷺ: «إنما يتجالس المتجالسان بأمانة الله عز وجل فلا يحل لأحدهما أن يفشي على أخيه ما يكرهه»[45].

وجمع بعض علامات حسن الخلق فقال: هو أن يكون كثير الحياء، قليل الأذي، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام كثير العمل، قليل الزلل قليل الفضول، بَرًا وَصولًا وقورًا صبورًا شكورًا رضيًا حليمًا رفيقًا عفيفًا شفيقًا، لا لعانًا، ولا سبابًا، ولا نمامًا، ولا مغتابًا، ولا عجولًا، ولا حقودًا، ولا بخيلًا، ولا حسودًا، بشاشًا هشاشًا، يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى في الله ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق.

  وقال حاتم الأصم: المؤمن مشغول بالفكر والعبر، والمنافق مشغول بالحرص والملك، والمؤمن آيس من كل أحد إلا من الله، والمنافق راجٍ كل أحد إلا الله، والمؤمن يقدم ماله دون دينه، والمنافق يقدم دينـه دون ماله، والمؤمن يحن ويبكي، والمنافق يسيء ويضحك، والمؤمن يحب الخلوة والوحدة، والمنافق يحب الخلطة والملأ، والمؤمن يزرع ويخشى الفساد، والمنافق يقلع ويرجو الحصاد، والمؤمن يأمر وينهى للسياسة فيصلح، والمنافق يأمر وينهى للرياسة فيفسد.

وأولى ما يمتحن به حسن الخلق، الصبر على الأذى، واحتمال الجفاء، ومن شكا من سوء خلق غيره دل ذلك على سوء خلقه، فإن حسن الخلق احتمال الأذى. فقد روى أن رسول الله ﷺ كان يومًا يمشي ومعه أنس فأدركه أعرابي فجذبه جذبًا شديدًا، وكان عليـه بـرد نجراني غليظ الحاشية، قال أنس رضي الله عنه: حتى نظرت إلى عنق رسول اللهﷺ قد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبه، فقال: يا محمد هب لى من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول اللهﷺ وضحك، ثم أمر بإعطائه[46]. ولما أكثرت قريش إيذاءه وضربه قال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»[47]. قيل: إن هذا يوم أحد فلذلك أنزل الله تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* منقول بتصرف من:

أبي حامد محمد بن محمد الغزالي (1998). إحياء علوم الدين. ج. 2. القاهرة: مكتبة مصر. ص ص. 61- 89.

[1]  حديث عائشة: كان خلقه القرآن تقدم وهو عند مسلم.

[2]  حديث «تأويل قوله تعالى: (خذ العفو) الآية هو أن تصل من قطعك.. الحديث» أخرجه ابن مردويه من حديث جابر وقيس بن سعد بن عبادة وأنس بأسانيد حسان.

[3]  حديث «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة، وتقدم في آداب الصحة.

[4]  حديث «أثقل» ما يوضع في الميزان خلق حسن» أخرجه أبو داود والترمذي وصححه مـــن حديث أبي الدرداء.

[5]  حديث: جاء رجل إلى النبي ﷺ من بين يديه فقال: ما الدين؟ قال: «حسن الخلق.. الحديث» أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب تعظيم قدر الصلاة من رواية أبي العلاء بن الشخير مرسلا.

[6]  حديث: ما الشؤم؟ قال: «سوء الخلق» أخرجه أحمد من حديث عائشة «الشؤم سوء الخلق» ولأبي داود من حديث رافع بن مكيث «سوء الخلق شؤم» وكلاهما لا يصح.

[7]  حديث: قال رجل: أوصني. قال: «اتق الله حيثما كنت.. الحديث» أخرجه الترمذي من حديث أبي ذر وقال: حسن صحيح.

[8]  حديث: «ما حسن الله خلق امرئ وخلقه فتطعمه النار» تقدم في آداب الصحبة.

[9]  حديث: أبي الدرداء: «أول ما يوضع في الميزان حسن الخلق.. الحديث» لم أقف له على أصل هكذا ولأبي داود والترمذي من حديث أبي الدرداء «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» وقال: غريب وقال في بعض طرقه: حسن صحيح.

[10]  حديث: «إن الله استخلص هذا الدين لنفسه . . . الحديث» أخرجه الدار قطني في كتاب المستجاد، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي سعيد الخدرى بإسناد فيه لين.

[11]  حديث: «قيل: يا رسول الله أي المؤمنين أفضلهم إيمانًا؟ قال: «أحسنهم خلقا» أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى والحاكم من حديث أبي هريرة، تقدم في النكاح بلفظ «أكمل المؤمنين» أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة «أفضلكم إيمانا أحسنكم خلقا».

[12]  حديث: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق» أخرجه البزار وأبو يعلى والطبراني في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة، وبعض طرق البزار رجاله ثقات.

[13]  حدیث: «سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل» أخرجه ابن حيان في الضعفاء من حديث أبي هريرة، والبيهقي في الشعب من حديث ابن عباس وأبي هريرة أيضًا، ال وضعفهما ابن جرير.

[14]  حديث البراء: كان رسول الله الله أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقًا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند حسن

[15]  حديث أبي مسعود البدري: «اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلُقي» أخرجه الخرائطـي فـي مكارم الأخلاق هكذا من رواية عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي مسعود البدري، وإنما هو ابن مسعود أي عبد الله، هكذا رواه ابن حيان في صحيحه، ورواه أحمد من حديث عائشة.

[16]  حديث عبد الله بن عمرو «اللهم إني أسألك الصحة والعافية وحسن الخلق» أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بإسناد فيه لين.

[17]  حديث أبي هريرة «كرم المرء دينه، ومروءته عقله وحسن خلقه» أخرجه ابن حيان والحاكم وصححه على شرط مسلم والبيهقي، قلت: فيه مسلم بن خالد الزنجي وقد تكلم فيه. قال البيهقي: وروى من وجهين آخرين ضعيفين، ثم رواه موقوفا على عمر وقال: إسناد صحيح.

[18]  حديث أسامة بن شريك: شهدت الأعاريب يسألون رسول الله: ما خير ما أعطى العبد؟ قال: خلق حسن أخرجه ابن ماجة وتقدم في آداب الصحبة.

[19]  حديث: «إن أحبكم إلى وأقربكـم منـى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أبي هريرة «إن أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقًا» وللطبراني في مكارم الأخلاق من حديث جابر «إن أقربكم منى مجلسا أحاسنكم أخلاقًا» وقد تقدم الحديثان في آداب الصحبة.

[20]  حدیث ابن عباس: «ثلاث من لم يكن فيه أو واحدة منهن فلا يعتد بشيء من عمله.. الحديث» أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق بإسناد ضعيف، ورواه الطبراني في الكبير وفي مكارم الأخلاق من حديث أم سلمة.

[21]  حدیث «اللهم اهدني لأحسن الأخلاق … الحديث» أخرجه مسلم من حديث على.

[22]  حديث: «يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا حسب كحسن الخلق» أخرجه ابن ماجة وابن حيان من حديث أبي ذر.

[23]  حديث: «إن المسلم ليدرك درجة الصائم القائم بحسن خلقه.. الحديث» أخرجه أحمد من حديث ن عبد الله بن عمرو بالرواية الأولى، ومن حديث أبى هريرة بالرواية الثانية وفيهما ابن لهيعة.

[24]  حديث: «إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة.. الحديث» أخرجه الطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق وأبو الشيخ في كتاب الأخلاق، وأبو الشيخ في كتاب طبقات الأصبهانيين من حديث أنس بإسناد جيد.

[25]  حديث: إن عمر استأذن على رسول الله ﷺ وعنده نساء من قريش يكلمنـه ويستكثرنه … الحديث» متفق عليه.

[26]  حديث: إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل «درك جهنم» أخرجه الطبراني والخرائطي في مكارم الأخلاق، وأبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين، من حديث أنس بإسناد جيد، وهو بعض الحديث الذي قبله بحديثين

[27]  حديث: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» تقدم في آداب الصحبة.

[28]  حديث: «حسنوا أخلاقكم» أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث معاذ «يــا معاذ حسن خلقك للناس» منقطع ورجاله ثقات.

[29]  حديث: «إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر» أخرجه مسلم من حديث أنس، ولـه مـن مله همة منه لكان حديث أبي هريرة «إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر.

[30]  حديث: «أنه كان يتكلم بين يديه بما يكرهه فيغضب حتى تحمر وجنتاه، ولكن لا يقول إلا حقا، فكان الغضب لا يخرجه عن الحق» أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن الزبير في قصة شراج الحرة فقال: لأن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله ﷺ لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، والمسلم: ما ينال منه شيء قط فينتقم من صاحبه … الحديث.

[31]  حدیث: «خير الأمور أوساطها» أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من رواية مطرف بن لحرية واستا: والي علام حالة ن عبد الله معضلا.

[32]  حديث: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» أخرجه النسائي من حديث أنس وقد تقدم.

[33]  حديث: «اعبد الله في الرضا فإن لم تستطع ففى الصبر على ما تكره خير كثير» أخرجه الطبراني.

[34]  حديث: سئل عن السعادة فقال: «طول العمر في عبادة الله» رواه القضاعي في مسند الشهاب وأبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف، وللترمذي من حديث أبي بكرة وصححه: أي الناس خير؟ قال: «من طال عمره وحسن عمله».

[35]  حدیث «مرحبا بكم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» أخرجه البيهقي في الزهد، وقد تقدم في شرع عجائب القلب.

[36]  حديث «المجاهد من جاهد نفسه» أخرجه الترمذي في أثناء حديث وصححه ابن ماجة من حديث فضالة بن عبيد.

[37]  حديث «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه» أخرجه الشيخان من حديث أنس «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»

[38]  حديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» متفق عليه من حديث أبي شريح الخزاعي، ومن حديث أبي هريرة.

[39]  حدیث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» متفق عليه من حديثهما، وهو بعض الحديث الذي قبله

[40]  حديث «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت» متفق عليه أيضـا مـن حديثهما، وهو بعض الذي قبله

[41]  حديث «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا» تقدم غير مرة.

[42]  حديث «إذا رأيتم المؤمن صموتا وقورا فادنوا منه فإنه يلقن الحكمة» أخرجه ابن ماجة من حديث أبي خلاد بلفظ «إذا رأيتم الرجل قد أعطى زهدا في الدنيا وقلة منطق».

[43]   حديث «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن» أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وصححه على شرطهما من حديث أبي موسى، ورواه الطبراني والحاكم وصححه على شرط الصحيحين من حديث أبي أمامة

[44]  حديث «لا يحل لمسلم أن يشير إلى أخيه بنظر يؤذيه» أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق، وفي البر والصلة مرسلا، وقد تقدم.

[45]  حديث «إنما يتجالس المتجالسان بأمانة الله الحديث» تقدم في آداب الصحبة.

[46]  حديث: كان يمشى فأدركه أعرابي فجذبه جذبًا شديدًا، وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية … الحديث متفق عليه من حديث أنس

[47]  حديث «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» أخرجه ابن حيان والبيهقي في دلائل النبوة من حديث سهل بن سعد، وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود أنه حكاه ﷺ عن نبى من الأنبياء ضربه قومه.

عن الإمام أبو حامد الغزالي

شاهد أيضاً

استعادة الصلابة الأخلاقية في عالم السيولة والنسبية

أ. يارا عبد الجواد

  لازال الإنسان المعاصر يتلمس طريقًا نحو إنسانيته المفقودة تحت ركام التطور الحداثي وما بعد الحداثي ومادية النموذج المعرفي اللذين انبثقا عنه.

الإنسانوية المستحيلة: إشكالات تأليه الإنسان وتفنيدها في الفكر المعاصر

تأليف: د. إبراهيم بن عبد الله الرمَّاح

عرض: أ. يارا عبد الجواد

إن الناظر في واقع حال الأمة الإسلامية اليوم يجد حروبًا على جبهات عدة بعضها بالقوة الخشنة والبعض الآخر – وهو الأكثر خطورة- بالقوة الناعمة والغزو الثقافي الذي بات يأكل في جسد الأمة في الخفاء مستهدفًا وعي أبنائها وعقيدتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.