التجديد الديني من منظور محمد شحرور: عرض ونقد

التجديد الديني من منظور محمد شحرور

عرضٌ ونقد

أ. وليد القاضي *

من الجلي للعيان أن سيرة د. محمد شحرور قد ذاع صيتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة جرَّاء إسهاماته بشأن قضية التجديد الديني. ومع ذلك، فإني أصدُقُكُم القولَ أنه لم يسبق لي مباشرة الاطلاع على أيٍ من تلك الإسهامات. وتنبع رغبتي في إثبات اعترافي هذا من ضرورة التأكيد على عدم تكويني حكماً مسبقاً تجاه الرجل أو أعماله، لاسيَّما في ظل ما راعيته من انقسامٍ حادٍ حولها. فمن جهة، يجد المرءُ مَن يدعم الرجل بشدة ويؤيده فيما ينتِجه، حتى أنه يؤكد أنه لم يفهم الإسلام ولا المراد من الحياة إلا من بعد اطِّلاعه على أعمال د. شحرور، فيما نجد على الجهة الأخرى مَن يرفض ما قدَّمه الرجل بشكلٍ قاطع، حتى بلغ الحد القول بخروجه من الملة وكفره، دون أدنى رأفة أو حُسْن ظنٍ به. وهكذا، لم يجد المرءُ وسطاً بين هذين الفريقَين. ومن ثَمَّ، ارتأينا ألا تعدو هذه الورقة الموجزة أن تكون قراءة استعراضية لأفكار د. شحرور فيما يتعلق بهذه القضية الغاية في الأهمية، في قالبٍ بانورامي قدر المستطاع، وذلك عبر اقتباساتٍ ممَّا خطَّته يد الرجل، على أن يجرى التعاطي معها ونقدها في سياقٍ من المنطق وتساؤلات الفطرة، لعلَّنا نقف في نهاية المطاف على حقيقة الأمر وغايته. ولكن أولاً…

  • مَن هو محمد شحرور؟

محمد ديب شحرور، وُلِد في العاصمة السورية دمشق في 11 أبريل 1938، وحصل منها على تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في الأعوام 1949 و1953 و1957، على التوالي. ثم سافر في بعثة دراسية إلى الاتحاد السوفيتي لدراسة الهندسة المدنية في موسكو عام 1959، وحاز منها على شهادة الدبلوم في عام 1964. وبعد عودته إلى بلاده، عُيِّن معيداً في كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق فيما بين عامَي 65 – 1968، حيث تم إيفاده في العام الأخير إلى جامعة دبلن بأيرلندا للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه. وبعد أن أتمهما بحلول عام 1972، عاد إلى موطنه ليستكمل مشواره الأكاديمي بجامعة دمشق. ولقد خطَّ أثناء ذلك عدداً من الكتب فى الهندسة المدنية، وتحديداً في مجال ميكانيكا التربة والأساسات، والتي لا يزال يعدها ذوو الاختصاص مراجع هامة فى هذا المجال، كما يُشهَد له أنه قد شارك وقدَّم استشارات فنية لكثيرٍ من المنشآت الهامة في سوريا، وذلك إلى أنْ تُوفِّى فى 21 ديسمبر 2019.

بدأ د. شحرور في خوض غِمار قضية التجديد الديني أو ما أسماه “دراسة التنزيل الحكيم” أثناء وجوده في أيرلندا، وتحديداً في عام 1970، ليشرع في إصدار أولى مؤلفاته حول هذا الأمر في عام 1990، ضمن سلسلةٍ عنْوَنَها “دراسات إسلامية معاصرة”؛ حيث نُشِر له “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة” (1990)؛ “الدولة والمجتمع” (1994)؛ “الإسلام والإيمان: منظومة القيم” (1996)؛ “نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي: فقه المرأة.. الوصية – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس” (2000)؛ تجفيف منابع الإرهاب (2008)؛ “القصص القرآني: مدخل إلى القصة وقصة آدم” (2010)؛ “القصص القرآني: من نوح إلى يوسف” (2012)؛ “السنة الرسولية والسنة النبوية: رؤية جديدة” (2012)؛ “الدين والسلطة: قراءة معاصرة للحاكمية” (2014)؛ “أم الكتاب وتفصيلها: قراءة معاصرة في الحاكمية الإنسانية.. تهافت الفقهاء والمعصومين” (2015)؛ “دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم: المنهج والمصطلحات” (2016)؛ و”الإسلام والإنسان: من نتائج القراءة المعاصرة” (2016).

هذا، ولقد نقَّح د. شحرور بعضاً من مؤلفاته تلك، وأعاد طرحها مرة أخرى، لتحمل العناوين التالية: “الكتاب والقرآن: رؤية جديدة” (2011)؛ “فقه المرأة: نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي” (2015)؛ “نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي: أسس تشريع الأحوال الشخصية.. الوصية – الإرث – القوامة – التعددية – الزواج – ملك اليمين – الطلاق – اللباس” (2018)؛ و”الدولة والمجتمع: هلاك القرى وازدهار المدن” (2018). علماً بأنه قد أشار فى مقدمة كتابه “تجفيف منابع الإرهاب” الصادر في عام 2008 إلى أن الأربعة كتب السابقة عليه، والمذكورة أعلاه، مخالفة في بعض موضوعاتها لذلك الكتاب، وأنه قد تم تصويبها فيه، وذلك انطلاقاً من كون المنهج المعمول به يكشف مواطن الخلل في ذاته، بدون محاباة وبدون عواطف، على حد قول د. شحرور ذاته ([1]).

  • نحو قراءة معاصرة للدين الإسلامي:

يتبيَّن من عناوين المؤلفات أعلاه أن الغاية الأساسية التي كان يسعى ورائها د. شحرور هي محاولة إيجاد رؤية معاصرة للدين الإسلامي تمكِّننا نحن المسلمين من مواكبة العصر الذى نعيش فيه، والخروج من غياهب الجهل والتخلف واللحاق بركب الأمم المتقدمة. ولعلَّ التذكرة بأن د. شحرور قد شقَّ طريقه نحو دراساته الإسلامية المعاصرة في عام 1970، وهو في أيرلندا، تعطينا لمحة عن التأثير الذى تركته المشاهد في ذلك البلد عليه، من قبيل شيوع الحريات والتمدن والتقدم… إلخ، ما ساعد على تأهيله نفسياً لخوض غِمار هذا السبيل. ولعلَّ كذلك ما كان يعكف والده على ذكره له منذ صغره من أن “ما نسمعه في خطب الجمعة لا يستحق أن يرسل اللهُ رسولاً من أجله” ([2]) قد جعله ينظر إلى شيوخ العالم الإسلامي على أنهم السبب الرئيس وراء الركود الذى تحياه الأمة الإسلامية، نتيجة تقليدهم الأعمى لأعمال السلف، دون أية محاولة جادة للتجديد، ما جعلهم في نظره كهنوتاً لا بد من مجابهته وتجاوزه لنستطيع مواكبة عصرنا الذى نعيش فيه، وقبل ذلك لكى نفهم ديننا فهماً صحيحاً، نستوعب من خلاله كيف أنه دين عالمي يَسَعُ البشرية جمعاء. وهكذا، برزت بين جنباته روحٌ نقدية جريئة دفعته للمضي قدماً في سبيله إلى أنْ آتت أكلها على الشاكلة التي نراها في مؤلفاته التي بين أيدينا.

هذا، ولمَّا كان شيوخ العالم الإسلامي يستقون آرائهم ممَّا نسميهم “أصحاب التراث” أو “التراثيون”، فقد ارتأى شحرور أنه من الأجدى التنكُّر لما خلَّفوه لنا؛ إذ إنهم تركوا لنا ما فهموه في الفقه والتفسير والسنة في ضوء أزمانهم الغابرة، والتي تختلف تمام الاختلاف مع زماننا المعاصر. وفى هذا السياق، دعا شحرور إلى التخلص ممَّا أسماه “مرض الآبائية” الذى يسمُ العلاقة بيننا وبين أصحاب التراث؛ ذلك المرض الذى يمكن أن تُبتَلَى به أية أمة من أمم الأرض، والذى أضحى أحد الأمراض المستعصية عندنا، حتى أننا نتحدث عن أصحاب القرنين الأول والثاني الهجريين وكأنهم فوق البشر، وأضحى لزاماً على كل مَن يُبدى رأيه في أمرٍ من أمور الدين أن يذكر المرجع السلفي الذى استقى منه رأيه هذا، وإلا فهو مبتدع ([3]).

ومن ثَمَّ، فإن بداية القراءة المعاصرة للدين الإسلامي تنطلق من العودة الخالصة إلى المعجزة التي ترتكز عليها الرسالة المحمدية التي تؤمن بها الأمة الإسلامية؛ ألا وهو نص القرآن الكريم، والذى أكَّد شحرور على أنه ليس من التراث الذى يجب رفضه، نظراً لخصائص لغته وتراكيبه الفريدة ([4]). وعلى ضوء ما نعتبره من أن هذا النص “صالح لكل زمان ومكان إلى يوم الدين” ([5])؛ أي أنه يستطيع معايشة واقعنا الحالي وكذا العصور اللاحقة، وأنه المفتاح الذى سيعيننا على الوصول للأهداف المذكورة أعلاه، فيجب علينا أن نفترض “أن الكتاب تنزَّل علينا، وأنه جاء لجيلنا في النصف الثاني من القرن العشرين، وكأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تُوفِّى حديثاً وبلَّغنا هذا الكتاب” ([6]). وهكذا، يمكن لنا قراءته بعيون عصرنا نحن، وليس بعيونٍ قد أكل الزمانُ عليها وشرب.  

وممَّا تجدر الإشارة إليه هنا أن ما اصطُلِح على تسميته بـ “الوحى الثاني” – أو ما يعرفه عامة المسلمون بالسنة – ليس له أي أساس من الصحة ([7])، ولا قيمة له في ذاته عند شحرور، ومن ثَمَّ لا قيمة لكتب الحديث التي يتواتر على مطالعتها الحُفَّاظُ والمُحقِّقون ([8])؛ وهذا القول هو النتيجة الطبيعية التي استشفها الرجلُ من خطواته المذكورة أعلاه، لاسيَّما من الجمع بين عبارتَي “القرآن صالح لكل زمان ومكان” وافتراض “أن الرسول قد تُوفِّى حديثاً وترك لنا القرآن” اللتين جردهما الرجلُ من أية ضرورات من وجهة نظرنا؛ من قبيل تعيين الأحكام على وجهها الصحيح وتفصيلات الشعائر، ناهيك عن تاريخ نزول آيات القرآن وما صاحبها من أحداثٍ وملابساتٍ تُفهَم على ضوئها تلك الآيات. فـ “بما أن التنزيل الحكيم هو كلام الله: “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ” (التوبة: 6)، فوجب بالضرورة أن يكون مكتفياً ذاتياً، وهو كالوجود لا يحتاج إلى أيّ شيء من خارجه لفهمه، هذا لإيماننا واعتقادنا بأنّ خالق الكون بكلماته هو نفسه مُوحِى التنزيل الحكيم بكلامه، وهو الله سبحانه وتعالى. لذا فإن مفاتيح فهم التنزيل الحكيم ليست من خارجه بل هي بالضرورة داخله (تفصيل الكتاب) وما علينا إلّا البحث عنها فيه… والتنزيل الحكيم مطلق في ذاته، لكنه نسبى لقارئه؛ لأنّ نسبيته تتبع تطوّر نظم المعرفة وأدواتها لدى الإنسان، وهذا ما نطلق عليه “ثبات النص في ذاته وحركة المحتوى لقارئه في فهمه”، ومن هنا نفهم لماذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ممتنعاً عن شرح الكتاب كله إلا في الشعائر فقط” ([9]).

وعلى هذه الخلفية، حاول شحرور تبنِّى منهجاً خاصاً يمكِّنه من إعادة قراءة الدين الإسلامي قراءة صحيحة تواكب عصرنا، بعيداً عن نفوذ الآباء من السلف المتغلغلة أفكارهم في عقول الشيوخ المعاصرين، وذلك بالاعتماد فقط على النص القرآني. وبغض النظر عن النقاط الكثيرة التي أوردها الرجلُ في معظم كتبه، بدعوى أنها تشكل أركان المنهجية التي ارتكز عليها في قراءته، والتي يمكن لقارئنا العزيز أن يعود إليها في مواقعها ([10])، فإننا نلاحظ – من قراءتنا لهذه المؤلفات – أن جميع هذه الأركان تقوم على ركنَيْن أساسيَيْن منها، وهما:

أولاً: الرفض المُطلَق لفكرة ترادف الألفاظ؛ بمعنى أن اللفظ الواحد ليس له نظير، بما يُفضى إلى إظهار الفروق الدقيقة بين الألفاظ ([11]). ولقد اعتمد د. شحرور هذا الركن بعدما أطلعه أحد أصدقائه المقرَّبين – وهو د. جعفر دك الباب – على ما أسماه “أسرار اللسان العربي” ([12])، ويؤكد د. جعفر هذا الركن المختار في أعمال د. شحرور بأن الأخير قد تابع في ذلك “عدداً من كبار علماء العربية، ومنهم ثعلب وابن فارس وأبو على الفارسي” ([13])، لاسيَّما الأوسط منهم، وكتابه “معجم مقاييس اللغة” ([14]). ومن هذا المنطلق، رفض شحرور المقولة السائدة التي ترى أن الألفاظ التالية: الذكر – الكتاب – الفرقان، ترادف “القرآن الكريم”، وكذا عدم ترادف “اللوح المحفوظ” و”الإمام المبين”؛ ؛ وبالمثل، لا تعنى كلمة “الأبوين” في “وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ” الوالدين ([15]).  

وفى هذا السياق، يوضح د. شحرور أن التنزيل الحكيم جاء ليطوّر اللغة العربية، بحيث ألغى الترادف في الألفاظ وفى التركيب، وهو ما لم يعرفه الجاهليون في لسانهم قبله، لأن استعمال الترادف كان موجوداً في اللغة العربية أيام الجاهلية، شعراً وخطابة. مع الإشارة إلى أن الترادف الذى كان موجوداً يومها إمَّا أن يعنى وجود مفردتين أو أكثر بمعنى واحد، أو أن تكون هناك مفردة ذي معنيين أو عدة معانٍ، مثل مفردة “نساء” التي تأتى كجمع لمفردة “نَسِيء” وقد تأتى كجمع لمفردة “امرأة”، بل ومفردة “عبد” التي قد تعطى معنيَيْن متضادَّيْن يحمل أحدهما معنى “الطاعة” والآخر معنى “المعصية”، ومفردة “أمر” التي لها خمسة معانٍ؛ يُفهَم المعنى المقصود منها حسب المعنى العام لسياق الجملة التي وردت فيها ووفق نظمها. ومن هنا، امتاز التنزيل الحكيم بإضفاء مصطلحات مستحدثة لم تكن موجودة قبله، لاستحالة اعتبار مفردات الجاهلية كافية بذاتها لفهمه، مع إلغاء الترادف لإزالة التداخل في معانى مصطلحات التنزيل ([16]). لذا، أكَّد شحرور على أنه “عند تأويل آيات التنزيل الحكيم، ]فـ[ لا بدّ من الإمساك بالخيط اللغوي الرفيع الذى لا يجوز تركه، والذى يربط ويصل الشكل بالمضمون، لأنّه إذا انقطع هذا الخيط بين البنية والدلالة [أي اللفظ ودلالته] تصبح احتمالات معانى الآيات لانهائية” ([17]).

ثانياً: ترتيل الآيات القرآنية؛ بمعنى تجميع وتحديد الآيات المنوطة بموضوعٍ معين، ثم فهم ذلك الموضوع؛ سواء كانت قصة أو تشريعاً أو حداً أو أمراً أو ثناءً… إلخ وفقاً لما تظهره هذه الآيات. ولقد صاغ المؤلف هذا الركن وفقاً لما استشفه من قراءته للآية الرابعة من سورة المزمل “وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا”؛ إذ على النقيض من المعنى السائد الذى يذكر أن الترتيل يعنى التأنق في تلاوة آيات القرآن وتحسين التأليف بين حروفه، استند شحرور إلى الأصل اللغوي للكلمة، أي “رَتَلَ”، والذى يعنى تنسيق الشيء وحُسن تنظيمه، ومن ثَمَّ اعتقد الرجلُ أنه لا يمكن أن يكون المقصود من كلمة الترتيل في هذه الآية التأنق في التلاوة، لأن ما جاء في الآية التالية، أي “إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا”، لا يرتبط من قريب أو بعيد بالتأنق في التلاوة؛ حيث إن وصف القول بالثقيل لا يُقصَد به الثقل في التلفظ والنطق، بل وعورة فهم معنى ما يشتمل عليه القرآن من علم. وعليه، فإن المراد بالترتيل في الآية هو ترتيب وتنظيم الموضوعات الواحدة الواردة في آيات مختلفة من القرآن في نسقٍ واحد كي يسهل فهمها ([18]).  

ولعل من المفيد في هذا الصدد الإشارة إلى أحد الأمثلة التي جمع شحرور فيها بين كلٍ من الركنين السابقين وما ينطويا عليه من ملحقات، بما يمكِّننا من الوقوف على طريقة الرجل في فهم الآيات… وليكن المثال التالي، ونصّه ([19]):

“ما هو الذِّكْرُ؟

لنرجع إلى قوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر: 9)؛ “وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ” (الحِجْر: 6)؛ و “ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ” (ص: 1).

فإذا أخذنا لفظة الذكر في الآيتين 6 – 9 في سورة الحجر لوجدنا أنها جاءت معرفة بـ “ال التعريف” وإذا نظرنا إلى لفظة الذكر في الآية رقم 1 في سورة ص لوجدناها أيضاً معرفة بال التعريف. وإذا نظرنا أيضاً إلى الربط بين القرآن والذكر في سورة ص لوجدناهما مربوطين بأداة “ذي” وهذه الأداة تستعمل للدلالة على صفة الشيء، لا على الشيء نفسه كقوله تعالى “وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ” (الفجر: 10) وقوله “وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ” (الكهف: 83) ففرعون شيء والأوتاد شيء آخر، والآية تعنى أن فرعون صاحب الأوتاد، وكقوله “أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ” (القلم: 14) أي صاحب مال. فالقرآن هنا هو الموصوف والذكر هو الصفة “وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ” أي القرآن صاحب الذكر. فما هي هذه الصفة الخاصة بالقرآن والتي تسمى “الذِّكْرُ”؟

إن القرآن مجموعة القوانين الموضوعية الناظمة للوجود ولظواهر الطبيعة والأحداث الإنسانية، وأساسه غير لغوى ثم جُعِلَ لغوياً لقوله “إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا” (الزخرف: 3). وانتقال القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية بلسان عربي تمَّ بصيغة منطوقة لذا فهو يُتلَى بصيغة صوتية منطوقة مسموعة أو غير مسموعة. وهذه هي الصيغة التي أُشهِر بها القرآن وبها يُذكَر بين الناس كما جاء في قوله تعالى “وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ” (الانشراح: 4) وقوله “اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ” (يوسف: 42).

فالذكر هو تحول القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية منطوقة بلسان عربي، وهذه هي الصيغة التي يُذكَر بها القرآن. وبما أن هذه الصيغة عربية فقد قال للعرب: “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ” (الأنبياء: 10) أي صيغته اللغوية الصوتية في اللسان العربي المبين لذا قال: “فِيهِ ذِكْرُكُمْ” وهنا جاء أكبر عز للعروبة والقومية العربية. أما بقية الكتاب فقد تلازم الإنزال والتنزيل فيها بدون “جعل” وكان الإنزال عربياً مباشراً. وبما أن الله سبحانه وتعالى مُنزَّه عن الجنس فهو ليس عربياً ولا تركياً ولا.. ولكن قد جاء النص من الله سبحانه وتعالى أن الإنزال عربي.

فهذه الصيغة للكتاب التي بين أيدينا وهى صيغة عربية هي صيغة محدثة بلسان إنساني وغير قديمة وذلك ليُذكَر بها القرآنُ من الناس لذا قال: “مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ” (الأنبياء: 2) لاحظ هنا دقة التعبير في الكتاب عندما قال عن الذكر إنه محدث ولم يقل القرآن، ولا ننسى أن الذكر ليس القرآن نفسه، بل هو أحد صفات القرآن “ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ” (ص: 1). وهذا الفهم يحل المعضلة الكبرى التي نشأت بين المعتزلة وخصومهم حول خلق القرآن. فإذا عرفنا الآن أن الذكر ليس القرآن نفسه، وإنما هو أحد خواصه وهو صيغته اللسانية حصراً يزول الالتباس. لذا فقد وضع الكتاب شرطاً لفهم آياته بقوله: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (الأنبياء: 7) هنا يجب أن نفهم أن أهل الذكر هم أهل اللسان العربي.

هذه الصيغة المحدثة هي التي أخذت الصيغة التعبدية، فعندما يتلو الإنسان الكتاب “بصيغته اللسانية الصوتية”، بغض النظر عن فهم المضمون، تكون تلاوته عبادة تساوى الناس فيها جميعا عرباً أو غير عرب. فإذا وقف في الصلاة مسلمان “عربي وغير عربي” وكلاهما تلا الذكر بغض النظر عن فهم المضمون فصلاتهما مقبولة، لذا قال “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِى” (طه: 14) وعندما قال الفقهاء: إن الصلاة لا تجوز إلا باللسان العربي فهذا صحيح لأن المطلوب في الصلاة التلاوة الصوتية للكتاب لا فهم الكتاب. لذا قيل عن القرآن: إنه المتعبد بتلاوته، فالقرآن يُتلَى “وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ” (النمل: 92). ومنه يظهر أن التحويل للقرآن “الجعل” إلى صيغة صوتية لغوية عربية قد أخذ الطابع التعبدي، لذا قال عنه “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ” (القمر: 17).

إذاً فصيغة القرآن اللغوية هي الصيغة التعبدية. وكذلك عن صيغة أم الكتاب “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ…” (فاطر: 29) فيصبح الذكر بذلك هو الصيغة اللغوية الصوتية للكتاب كله وهى الصيغة التعبدية، ويغدو من الصحيح أن نقول عندما تُتلَى آيات الكتاب “تُتلَى آيات الذكر الحكيم”. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم عربي والذكر هو الصيغة اللغوية للكتاب كله فقد قال: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ” (النحل: 44) في هذه الآية يوجد إنزال للذكر وتنزيل له.

والإنزال هو بيان التنزيل وهذا البيان “الإنزال هو الصيغة اللغوية بلسان عربي مبين”. وعليه فإن إنزال الذكر هو إنزال الكتاب كله “الحُكْم والقرآن” بصيغة لغوية عربية “وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا” (الرعد: 37) مجتمعين من آيات تفصيل الكتاب والتي هي بالضرورة عربية لأنها تشرح مفردات الكتاب من قرآن وأم الكتاب وتشرح الإنزال والتنزيل.

وفى سورة يس الآية 69 قال: “وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ” هنا نلاحظ كيف عطف القرآن على لفظ “ذكر” أي ذكر = عبادة، قرآن = علم “استقراء ومقارنة”. وقد استعمل التنزيل للذكر فى قوله “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحِجر: 9) وذلك لتبيان أن الذكر جاء وحياً مادياً من خارج إدراك محمد صلى الله عليه وسلم أي أنه صيغ خارج وعى محمد صلى الله عليه وسلم، وأن التنزيل عملية مادية حصلت خارج إدراك محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت إدراكه بالإنزال. وعلينا أن ننوِّه أن فعل “ذكر” له معانٍ أخرى منها التذكر ضد النسيان كقوله تعالى “وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ” (الكهف: 63) ومنه جاءت الذاكرة والمذاكرة” انتهى.

لقد كان هدفنا في سرد جميع ما ذُكِر أعلاه هو إعطاء قارئنا العزيز نبذة موجزة غير مُخِلَّة – قدر الإمكان – بالعوامل التي اكتنفت شحرور حين مضيِّه في طريق التجديد الديني، والكيفية التي قام من خلالها بإعادة قراءة الدين الإسلامي – أو بالأحرى القرآن الكريم – من وجهة نظره لعلنا نفهم الدين فهماً صحيحاً نستطيع من خلاله معايشة عصرنا الحالي في نهاية المطاف. ولمَّا كان الأمر كذلك، فإننا وجدنا صعوبة بالغة في التعاطي مع جزئيات الفقرات المسرودة أعلاه حين ذكرها، لئلا يقع التشتيت والخلط، وليُلم قارئنا الكريم بالصورة العامة للموضوع الذى نحن بصدده. ولكن أمَا وقد بلغنا محطتنا هذه، فإنه تنبغي الإشارة إلى أن العناوين والفقرات المتبقية من هذه الورقة تتعرَّض بالنقد لما ذُكِر، وكذا لبعض المقتطفات الأخرى من كتب د. شحرور. وفى هذا السياق، نود إحاطة القاريء العزيز بأن ما نذكره هنا ما هو إلا غيضٌ من فيض ما حوته مؤلفات د. شحرور، مع تمسكنا الكامل بأمانة النقل وفطرية النقد.   

  • مقتطفات من القراءة المعاصرة: عرضٌ ونقد:

1. بدءاً بالمثال السابق الذى يقول فيه شحرور: “الذكر هو تحول القرآن إلى صيغة لغوية إنسانية منطوقة بلسان عربى، وهذه هى الصيغة التى يُذكَر بها القرآن. وبما أن هذه الصيغة عربية فقد قال للعرب: “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ” (الأنبياء: 10) أى صيغته اللغوية الصوتية فى اللسان العربى المبين لذا قال: “فِيهِ ذِكْرُكُمْ” وهنا جاء أكبر عز للعروبة والقومية العربية… فهذه الصيغة للكتاب التى بين أيدينا وهى صيغة عربية هى صيغة محدثة بلسان إنسانى وغير قديمة وذلك ليُذكَر بها القرآنُ من الناس لذا قال: “مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ” (الأنبياء: 2) لاحظ هنا دقة التعبير فى الكتاب عندما قال عن الذكر إنه محدث ولم يقل القرآن، ولا ننسى أن الذكر ليس القرآن… فيصبح الذكر بذلك هو الصيغة اللغوية الصوتية للكتاب كله وهى الصيغة التعبدية ويغدو من الصحيح أن نقول عندما تُتلَى آيات الكتاب “تُتلَى آيات الذكر الحكيم”… لذا فقد وضع الكتاب شرطاً لفهم آياته بقوله: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (الأنبياء: 7) هنا يجب أن نفهم أن أهل الذكر هم أهل اللسان العربى” – بدءاً بهذا المثال، فإننا نقول بوجود عددٍ من المسائل التى يجب الوقوف إزائها:

  • “الصيغة للكتاب التى بين أيدينا وهى صيغة عربية هى صيغة مُحدَثَة بلسان إنسانى وغير قديمة وذلك ليُذكَر بها القرآنُ من الناس لذا قال: “مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ” (الأنبياء: 2)”؛ إن هذه الفقرة تأتى فى سياقٍ يريد به شحرور إقناعنا بأن القرآن غير الذكر، معضداً ذلك بما تذكره الآية بأن صفة الحداثة لا تخص القرآن وإنما الذكر؛ أى الصيغة الصوتية التى يُتلَى بها القرآن. لكن المعضلة هنا هو كيف تكون هذه الصيغة الصوتية العربية صيغة مُحدَثة بلسان إنسانى غير قديمة كما يذكر المؤلف؟ إذ من المعلوم أن تاريخ العرب، ومن ثَمَّ لغتهم، يعودان فى قِدمهما إلى عادٍ وثمود وطَسْم وجديس، حتى أن العلماء قد أطلقوا عليهم اسم “العرب البائدة”، جاء من بعدهم “العرب العاربة”، وهم القحطانيون أولاد يعرب بن يشجب بن قحطان، ثم “العرب المستعربة” الذين ينتمون إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ([20])، بل قد سبق النبى محمداً صلى الله عليه وسلم ثلاثةٌ من الأنبياء الذين كانوا يتحدثون العربية، بالإضافة لسيدنا إسماعيل، وهم هود وشعيب وصالح عليهم جميعاً الصلاة والسلام ([21]). ومن ثمَّ، إذا صحَّ قول شحرور بأن الذكر هو الصيغة الصوتية العربية، فكيف تكون هذه الصيغة مُحدَثة غير قديمة فى ضوء ما ذكرناه؟ ثم لو افترضنا صحة ذلك تجاوزاً، فهل تعنى الآية الكريمة أن الله تعالى يوبِّخ الذين يحدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط لأن “الصيغة الصوتية المُحدثة” التى جاء بها الرسول ويُحدِّثهم بها لا تلقى منهم سوى الاعتراض، فيذهبون إلى اللعب واللهو ([22])؟ أم أن الله تعالى يوبِّخهم لرفضهم ما يأتى به الرسول من كلماتٍ وآيات تدعو إلى توحيد الله تعالى وتندد بما ألفَوا عليه آبائهم المشركين؟ إن الإجابة بالطبع يمثلها الخيار الثانى، لاسيَّما فى ظل اعتقادنا أن الأمر لو كان خاصاً بالإتيان بصيغة صوتية لغوية مُحدَثة وجديدة، فإن الدعوة المحمدية لن تستمر سوى عدة أشهر، على الأكثر، لأنها مخالفة لما درج عليه العرب الفصحاء الذين قد ينظرون إلى ذلك على أنه مسٌ من الشيطان أو ضربٌ من الجنون. ثم إذا نظرنا إلى الدافع وراء إيمان مَن آمن، هل هو الصيغة الصوتية التى يُتلَى بها ما جاء به الرسول، أم هو ما يحويه ما جاء به الرسول من قيمٍ حميدة وتشريعاتٍ جليلة؟ سنجد أن السبب الثانى هو الأوجه. وعليه، يمكننا القطع بأن المراد من الذكر فى الآية الكريمة الكلمات والآيات التى ينطوى عليها القرآن الكريم، ما يعنى أنه هو القرآن بعينه([23]).
  • “ويغدو من الصحيح أن نقول عندما تُتلَى آيات الكتاب “تُتلَى آيات الذكر الحكيم”؛ لقد أوضحنا فيما ذكرناه من منهج الرجل أنه يقول بأن الذكر والكتاب والفرقان والقرآن ليسوا أسماءً لشىءٍ واحد، عملاً بقاعدة عدم الترادف. السؤال هنا: لمَ يقول بأنه يصح أن نقول *نتلو آيات “الذكر” الحكيم* كمرادف لعبارة *نتلو آيات “الكتاب”* ألا يعنى ذلك أن الذكر والكتاب مترادفان؟ ثم إذا كان الذكر فى حد ذاته هو الصيغة الصوتية لتلاوة الآيات، فكيف يمكن لنا أن نتلو “الذكر” وفقاً لقوله “من الصحيح أن نقول تُتلَى آيات الذكر الحكيم”؟
  • قضية العروبة فيما يذكره الرجل: “فقد قال ]تعالى[ للعرب: “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ” (الأنبياء: 10) أى صيغته اللغوية الصوتية فى اللسان العربى المبين لذا قال: “فِيهِ ذِكْرُكُمْ” وهنا جاء أكبر عز للعروبة والقومية العربية… لذا فقد وضع الكتاب شرطاً لفهم آياته بقوله: “وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (الأنبياء: 7) هنا يجب أن نفهم أن أهل الذكر هم أهل اللسان العربى”؛ هنا نلتمس بدايةً إخفاق الرجل الشديد – بل وقلة حيائه – عند تأويله للآيات؛ حيث تشعر وأنت تقرأ تأويل الرجل أن الله تعالى يقول للعرب؛ لقد أنزلنا إليكم الكتاب بلغتكم، فهلمُّوا إلى الإيمان، ويكأن الله تعالى – وحاشاه – يقدم لهم رشوة ليؤمنوا به. وإذا افترضنا أن الله تعالى يتودد إليهم بأن الكتاب أُنزِل بلغتهم، فهل من المنطقى أن يُتبِع قوله فى نفس الآية – رقم 10 – بـ “أَفَلَا تَعْقِلُونَ” كأنه يوبخهم؟ ثم إذا كان صحيحاً أن أهل الذكر هم أهل اللسان العربى على إطلاقهم، فهل يذهب الشخص الأعجمى الذى ربما يصعب عليه فهم آية أو حكم ما فى شرع الله إلى أى شخص يتحدث العربية؟ كيف ذلك وأن من المسلمين المتحدثين بالعربية مَن لا يفهم دينه أصلاً، وكيف ذلك وأن من المتحدثين بالعربية نصارى ويهود وملاحدة غير مسلمين بالكلية؟

فى الواقع، يبدو لنا أن الرجل يميل بحديثه إلى لغة فضفاضة خالية من أى تحديد أو رصانة تحليل، لاسيَّما وأنه يذكر فى موضعٍ آخر: “إنى لا أتصور إنساناً مسلماً وعربياً يمكن أن يقف موقفاً سلبياً من النبى صلى الله عليه وسلم لأن مثل هذا الموقف خيانة للدين من قِبَل المسلم وخيانة للقومية من قِبَل العربى. ولا أتصور إنساناً عربياً بغض النظر عن دينه يقف موقفاً سلبياً من النبى صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه: إنه وطنى أو عربى”؛ فإنى لا أدرى من أين حصل د. شحرور على يقينه بأنه لا وطنية ولا عروبة لمَن يقف موقفاً سلبياً من النبى محمد صلى الله عليه وسلم؟ لاسيَّما وأن ذلك يدخل فى صميم عقيدة وإيمان المرء، وأنه ليس كل مَن هو عربى مسلم؛ فهناك عربٌ نصارى ويهود غير مؤمنين أصلاً بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالى فهم يقفون منه موقفاً سلبياً بالضرورة، عن قصدٍ أو غير قصد؛ إذ يفترض المنطق أنْ لو كان موقفهم إيجابى نحوه، لصدَّقوه ولاتَّبعوه وآمنوا به، ولكن هذا غير حاصل. وعليه، هل يمكن أن نتهم هؤلاء العرب غير المؤمنين بنبى الإسلام بأنهم خائنين وغير وطنيين؟ الإجابة قطعاً لا.

2. فى معرِض تقديمنا أعلاه لركن إنكار الترادف فى منهج شحرور، ذكرنا أن كلمة “الأبوين” فى “وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ” (النساء: 11) لا تعنى “الوالدين”. وهنا يُقرِّر شحرور هذا الأمر إلى جانب أمور أخرى، فيقول: “الوالد هو صاحب الحيوان المنوى والوالدة هى صاحبة البويضة؛ أما الأب فهو مَن يقوم على رعاية الولد ويربيه، وقد يكون والداً وقد لا يكون، لكن فى الحالتين له الحرمة والبر والإرث والنسب؛ والأم هى مَن ترعى الولد وتربيه، وقد تكون الأم هى الوالدة وقد لا تكون، فهناك الأم الوالدة والأم الحاضنة والأم المرضعة والأم المربية، وهناك أم المؤمنين، وكل هؤلاء الأمهات لهن حرمة. لكن هناك أم واحدة لها الحرمة والإرث والبر وهى التى دخلت فى وعى الطفل على أنها أمه لأنها بدأت بتربيته بعد ولادته مباشرة سواء منها هى أو من غيرها” ([24]). نواجه فى هذا السياق عدة إشكاليات، منها ما يلى:

  • إذا كان أمر وراثة الأب كما يقول الرجل، فتجدر الإشارة إلى أن الله تعالى يقول في كتابه الكريم “ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ ” (الأحزاب: 5)، ومن المعلوم لدى أهل السنة – التى ينكر أخبارها شحرور – أن هذه الآية نزلت فى زيدٍ بن حارثة رضى الله عنه، والذى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتربيته ورعايته، بل وتبنِّيه، حتى أنه قد شاعت تسميته “زيد بن محمد”، ثم نزلت الآية المذكورة لتأمر بإنهاء علاقة التبنى، ولتؤكد على أن زيداً هو ابن حارثة وليس ابن محمد.
  • ثم تجب الإشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج مَن كانت زوجة زيد بن حارثة بعد أن طلقها الأخير، بناءً على أمرٍ إلهى، تأكيداً على رفْع الحرَج والمشقَّة عن المؤمنين إذا أرادوا الزواجَ مِن أزواج أدعيائهم؛ أىْ: مَن جعلوهم أبناءً لهم وهم ليسوا بأبنائِهم من أصلابهم، وذلك إذا فارقوهنَّ بموتٍ أو طلاقٍ، وانتهتْ عدتهنَّ. وهذا يتنافى مطلقاً مع الحرمة التى أثبتها شحرور فى النص المذكور.
  • أخيراً وليس آخراً: هل لو جاءت والدة بمربية لظروف عملها مثلاً، هل تصبح الوالدة لا ترث هذا الولد حال وفاته، وترثه المربية بدلاً منها؟ وهل إذا دخلت الوالدة والمربية فى وعى الطفل على أن كلاً منهما أُمه، فقط لأنهما يتعهَّدانه بالرعاية والتربية، فماذا سيكون الأمر حينئذٍ”؛ هل سترثاه كلتاهما؟ ثم هل هذا من العدل، لاسيما وأن المربية تأخذ أجراً نظير تربيتها للولد؟

3. “العباد: جمع مفرد عبد، والعبد من أسماء الأضداد، لأنه يُطلَق على المطيع والعاصي معاً لقوله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات: 56) والعبد هو الذى يختار ويقرر أفعاله بكل حرية ودون إكراه. وعباد الله هم مَن يطيعونه أو يعصونه بملء إرادتهم، لأن عبودية الناس لله تُبنَى على الاختيار أى الحرية المسئولة لقوله تعالى: “إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ” (الفاتحة: 5)، وجاء ذكر المعصية فى قوله تعالى: “قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ” (الزخرف: 81) أى أنا أول الكافرين به. وجاء استعمال المعنيين معاً (الطاعة والمعصية) فى سورة الكافرون: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) = الكفر موقف علنى عدائى؛ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) = لا أطيع ما تطيعون؛ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) = لا تطيعون ما أطيع؛ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) = ولا أنا كافر بما أنتم كافرون به = أنا أعصى مَن تعصون؛ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) = ولا أنتم كافرون بما أنا كافر به = لا تعصون ما أنا أعصيه؛ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) = لكم مبادؤكم ولى مبادئى” ([25]).

  • كما ذكرنا أعلاه، فإن الرجل يرفض ظاهرة الترادف مطلقاً، متابعاً فى ذلك عدداً من أصحاب اللغة، لاسيَّما ابن فارس صاحب كتاب “معجم مقاييس اللغة”، والذى اعتمد عليه شحرور كثيراً فى كافة مؤلفاته. وفى مثالنا هذا، وبرجوعنا لمعجم ابن فارس، وجدنا أن شحرور قد استقى منه ما يفيد بأن كلمة العبد تنطوى على معنيَيْن مختلفَين. ولكن ما تجب ملاحظته هو أن الرجل قد قرأ مفردة “عَبَدَ” فى المعجم على أنها “عَبْد”، وفى هذا نظر؛ إذ إن ابن فارس قد ذكر أن “عَبَدَ ]وليس عَبْد[: العين والباء والدال أصلان صحيحان، كأنهما متضادان.. والأول يدل على لين وذل، والآخر على شدة وغِلَظ… ومن الأول، تأتى الكلمات التى تنطوى على الذل واللين مثل العبادة والعبودية والعبودة والعبيد والمُعبَّد، ومن الآخر تأتى العَبَدَة أى القوة والصلابة، والعَبَد أى الأنَفَ والغضب من قول شىء. وفُسِّر قوله تعالى “قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ” أى أول مَن غضب عن هذا وأَنِفَ من قوله” ([26]). والخطأ الذى وقع فيه شحرور أولاً هو قراءته لمفردة “عَبَد” كأنها “عَبْد” والقيام بتعميمها على كلٍ من الذى يُوصَف باللين والذل والآخر الذى لديه غِلَظ وأنَفَ، فأضحى يُطلِق كلمته على العَبْد والعَبَد، والصحيح أن الحروف “العين والباء والدال” هى الجذر اللغوى للكلمتين مع الاحتفاظ بالاختلاف التام بين معنَيْهما.
  • ولكن إذا تغاضينا عن خطأ القراءة، فإنه يتبين لنا خطأ آخر أكثر جسامة، ألا وهو تأويله لسورة الكافرون وفقاً لفهمه المذكور من “عَبَدَ” وما ذكره ابن فارس فى معجمه بشأنها؛ إذ يتبيَّن تعسفه الشديد فى استعمال اللفظ وتحميل النص القرآنى فوق ما يحتمله، بل وعكس ما يعنيه ويحتمله؛ وهذا يتجلَّى بوضوح من تأويله للآية الرابعة من السورة: “وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) = ولا أنا كافر بما أنتم كافرون به = أنا أعصى مَن تعصون”. إذا راجعنا تفسير الطبرى على سبيل المثال، لوجدنا أن هذه الآية تتعلق بالمستقبل؛ أى أن النبى محمد صلى الله عليه وسلم لن يعبد – أى فى المستقبل – ما عبده ويعبده الكافرون بالله تعالى. والآية ذاتها تُصرِّح بذلك تصريحاً. ولكن وفقاً لتأويل شحرور، وما بلغ به استرساله، فإنها تعنى “أنا أعصى مَن تعصون”؛ أى أن الرسول عليه السلام يعصى مَن يعصيه الكافرون. ولكن هؤلاء الكافرين يعصون الله تعالى، فهل الرسول بالتالى يعصى الله أيضاً؟

4. “الإسلام: هو الإيمان تسليماً بوجود الله وباليوم الآخر وأداء العمل الصالح لقوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 62). فالإيمان بالله هو التسليم بوحدانيته والتصديق بنبوات الأنبياء ورسالات الرسل كلٌ فى زمانه… وشهادة أن لا إله إلا الله هى تذكرة الدخول إلى دين الإسلام مهما كانت ملة الإنسان. والإيمان بنبوة محمد (ص) بعد الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، أى إن الإيمان بالنبى يأتى بعد الإسلام، ويتجلى فى شهادة أن محمد رسول الله، لقوله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ” (محمد: 2) وقد سماهم الله فى كتابه المؤمنين، وأركان الإيمان بنبوته هى أداء الشعائر (الصلاة والزكاة والصوم والحج) لقوله تعالى: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)” (المؤمنون: 1- 4)… ومصطلح مؤمنون أصبح وقفاً على أتباع ملة محمد فقط فى التنزيل الحكيم لأن مصطلح المؤمنون فى زمن كل نبى يطلق على من يؤمن به حصراً ([27]). إنّ الإسلام دين عالمى إنسانى، وهو الدين الوحيد الذى ارتضاه الله لعباده، لأنّه دين الفطرة، وقد تراكم من نوح حتى محمّد (ص). أمّا أركان الإيمان فهى ضدّ الفطرة تماماً كصوم رمضان والصلوات الخمس، ولا يمكن للإنسان أن يقوم بها إلّا إذا أمره أحد بها وهداه إليها ثمّ قبِلَ هو بها، لذا قال تعالى عن الإسلام والإيمان: “يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (الحجرات: 17). وبناءً عليه، يصبح أهمّ إصلاح ثقافى نحن بحاجة إليه هو تصحيح أركان الإسلام وأركان الإيمان بالتمييز بينهما، لأنّ أركان الإيمان وُضعت على أنها أركان الإسلام فى منظومتنا التراثية، ما أوقعنا فى أزمة ثقافية وأخلاقية كبيرة جداً وعزلنا عن بقيّة العالم. لأننا نلاحظ فى الأركان التى وضعوها للإسلام غياباً تامّاً للأخلاق والقيم العليا بحيث جعلوا الإسلام دين تكليف مع أنّه دين يتماشى مع الفطرة على عكس الإيمان القائم على التكليف”.

  • بغض النظر عمَّا ذكره الرجل من فرقٍ بين تذكرة الدخول للإسلام والأخرى الخاصة بالإيمان، فإن ما يعنينا هنا هو الموقف الإيمانى لكل تلك الطوائف التى ذكرها الرجل بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. لقد جاءت رسالة الرسول عليه السلام للعالمين أجمعين، ونعنى هنا الإنس والجن بكافة طوائفهم، كما جاءت خاتمة لجميع الشرائع قبلها وناسخة لها، وباقية إلى أن تقوم الساعة، على حد قول شحرور ذاته ([28]). ومن ثَمَّ، فإنها ناسخة لشريعة سيدنا موسى “اليهودية” ولنظيرتها الخاصة بسيدنا عيسى “المسيحية”… إلخ، ما يعنى أنها تطالب اليهود والنصارى وغيرهم من الملل الأخرى كالصابئين والمشركين والمجوس بضرورة الإيمان بالله تعالى، ومن باب أولى الإيمان بالرجل الذى بعثه الله تعالى (أى النبى محمد صلى الله عليه وسلم) “إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)” (يس). ولو كان الأمر متوقفاً على الإيمان بالله تعالى وحده بعد الرسالة المحمدية، فلا معنى إذاً ولا قيمة لبعثة الرسول عليه السلام، وذلك لأنه جاء لأناسٍ من اليهود والنصارى والصابئين مؤمنين أساساً بالله… فهل بعد ذلك يمكن القول أن الرسول جاء لدعوة المجوس والمشركين من غير الطوائف الثلاثة المذكورة إلى الإيمان بالله تعالى؟ إذاً فأين عالمية الرسالة “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 107)؟ وعليه، لا بد لنا من الإقرار بأن الرسول عليه السلام قد أُرسِل إليهم جميعاً، وعليهم أن يؤمنوا به، كما آمن أسلافهم برسلهم من قبل. ومن ثَمَّ، ليس هناك أدنى معنى للقول بأن اليهود والنصارى والصابئين غير المؤمنين برسول الله عليه السلام – منذ بعثته وحتى الآن – مسلمون. أمَّا مسألة الشعائر والقول بأنها تمثل أركان الإيمان وليس الإسلام، فهذا قولٌ لا حاجة للخوض فيه الآن بعد الذى ذكرناه، كما أنه لا يفيد فى شىءٍ بالنسبة لرجلٍ ينكر التراث الذى نفهم على ضوئه شعائر الإسلام وأحكامه.

5. سبق وقلنا أن شحرور لا يعترف بالتراث الذى لدى المسلمين، بما فى ذلك السنة التى يعتبرها عامة المسلمين وحياً ثانياً. ولكن نجده فى المقابل يصيغ تعريفاً للسُنة المرتبطة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من وجهة نظره، وذلك على الرغم من أن كلمة “سُنَّة” لم ترد أبداً فى القرآن الكريم – الذى يختصه بالبحث – للدلالة على ما يرتبط بسيدنا محمد عليه السلام، وإنما للدلالة على سُنة الله فى خلقه. وعلى كلٍ، يقول الرجل: “إنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم قد جاء نبيّاً مجتهداً غير معصوم فى مقام النبوة: “لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِىِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ” (التوبة: 117)، وجاء رسولاً مبلّغاً ومعصوماً فى مقام الرسالة: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” (المائدة: 67)، وبناءً على ذلك فهناك نوعان من السنّة: سنّة رسولية وسنّة نبوية… ]حيث تتمثل مهمة الرسول (ص) فى السنة الرسولية[ فى تبليغ ما أُوحِى إليه من ربّه فقط ]بما فى ذلك المحرمات الـ 14 التى حددها شحرور ([29])[، أمّا السنة الثانية فكانت مناط اجتهاده من مقام النبوّة كقائد أعلى للمجتمع، وبالتالى ليس فيها محرّمات إطلاقاً وإنما جاءت على شكل أوامر ونواهٍ ظرفية لزمانه. وعلى هذا الأساس فإنّ طاعته فى حالتيه كرسول مُبلِّغ وكنبى مجتهد جاءت لمقام الرسالة لأنّ الطاعة تكون للقانون لا للقوّة. فأمّا طاعته فى السنّة الرسولية فطاعة متّصلة أى لمَن عاصره من أفراد مجتمعه ولمَن بعدهم بطاعته فى ما أُوحِى إليه من ربّه من نصوص تشريعية، وأمّا طاعته فى السنة النبوية فطاعة منفصلة أى كانت لازمة لمَن عاصره من أفراد مجتمعه فقط، وليست واجبة على مَن بعدهم بطاعته فى تشريعاته التى سنّها لهم كقائد أعلى للمجتمع” ([30]). وبغض النظر عمَّا رسمه الرجل من حدود بين السنة الرسولية والأخرى النبوية، والتى نترك لكم مكابدة فهمها، فإننا نركز على مسألة العصمة، ونتساءل: هل محمد شخص واحد أم شخصان؛ رسول ونبى، حتى يكون أحدهما معصوماً والآخر غير معصوم؟ أم هل يعانى من انفصامٍ فى شخصيته ليكون معصوماً تارة وغير معصوم تارة أخرى؟ وإذا كان كذلك، فمتى نفرق بين الحالتين، وكيف نَعِى أنه معصوم حال تبليغه إيانا التنزيل الحكيم، وأنه بلَّغنا إياه دون زيادة أو نقصان ودون سهوٍ؟ ثم إن كلمة “َيَعْصِمُكَ” المذكورة فى الآية الكريمة التى ساقها شحرور “وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” تعنى أنه تعالى يكفيه شرورهم ليتمكَّن من تبليغ الدعوة على الوجه الذى يريده الله تعالى ([31])، وإنه ليُخيَّل إلىّ أن د. شحرور أراد بالعصمة عصمة محمد صلى الله عليه وسلم فى ذاته من الذنوب والآثام والخطايا… وعليه، من الجلى أنه قد حصل لبسٌ عند الرجل بشأن معنى العصمة.

6. “أولو الأمر: هم ممثلو السلطة التشريعية فى المجتمع لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ” (النساء: 59) وتكون طاعتهم واجبة على أفراد مجتمعاتهم فى حياتهم فقط فى ما يملونه عليهم من تشريعات (قوانين) تكون سائدة فى حياتهم فقط. فطاعة النبى (ص) فى ما صدر عنه من تشريعات كانت لازمة على أفراد مجتمعه فى حياته فقط باعتباره كان ولى أمر مجتمعه… لهذا جاءت طاعته كولى أمر منفصلة عن طاعة الله ومتصلة بالمقابل بطاعة أولى الأمر… فأولو الأمر هم الذين يمثلون السلطة التشريعية فى أى مجتمع، وبالتالى فإن الطاعة واجبة للتشريعات التى يسنونها لا لأشخاصهم” ([32]). ولكن هل يمكننا التساؤل: مَن الذى أعطى شحرور الصلاحية ليقرر انفصال واتصال طاعة الرسول بإحدى الطاعتَيْن الأخريين؟! هل يمكن لنا اعتبارها متصلة بطاعة الله وأنها مستمرة فى الأزمان اللاحقة على الرسالة المحمدية – على عكس ما يقرره الرجل – وذلك انطلاقاً من قاعدة انطلق منها الرجل ذاته من أنه لا يوجد فى التنزيل الحكيم تكرار؛ فالرسول بشر وأولى الأمر المذكورين فى الآية بشرٌ كذلك، فلم نصَّ الله بالتالى على طاعة الرسول؛ لقد كان من الأولى – وفقاً لهذا الادعاء وحاشا لله – أن يقول تعالى “وأطيعوا الله وأولى الأمر منكم” والذى يُفهَم منه فوراً أن الرسول من أولى الأمر باعتباره ممثل السلطة التشريعية فى عهده، وبالتالى تجب طاعته. ثم إن ما أطلق عليه الرجل تمييزاً بين السنة الرسولية والسنة النبوية – فى النقطة السابقة – يُصدِّق قولنا هذا؛ إذ إن الآية نصَّت على “الرسول” وليس “النبى”، ما يعنى – وفقاً لمعيار شحرور – أن التشريعات التى أقرها الرسول عليه السلام فى عصره يجب أن نلتزم بها إلى أن تقوم الساعة. وعليه، يمكننا القول أن الرجل يناقض نفسه.

  • ولعل من المفيد الإشارة فى هذا السياق إلى ما ذكره شحرور فى موضع آخر، ويتعلق بذات القضية؛ إذ يقول: “كيف يمكن أن نقول: إن ما فعله النبى صلى الله عليه وسلم هو الاحتمال الأول لتطبيق الإسلام فى القرن السابع، وفى شبه جزيرة العرب، وبالوقت نفسه نقرأ الآية “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ” (الأحزاب: 21)؟!” ([33])؛ أى كيف يمكن أن تكون أسوتنا الحسنة فى الرسول، قاصرة زمانياً ومكانياً، على التأسِّى فقط بالكيفية التى كان يُطبِّق بها الرسولُ الإسلامَ فى القرن السابع وفى شبه جزيرة العرب؟ وهو – أى شحرور – يريد بذلك التأكيد على أن ما كان يقوم به النبى فى عصره كانت طاعته لازمة لمَن عاصره من أفراد مجتمعه فقط. ولكن ما لم ينتبه إليه شحرور، مرة أخرى، هو كلمة “رَسُولِ” فى الآية الكريمة؛ إذ وفقاً لما رسمه هو من تمييز بين ما أطلق عليه سنة رسولية وسنة نبوية، فإن هذه الكلمة تعنى أنه يجب الاقتداء والتأسِّى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، دون التقيد بالزمان ولا المكان… ومن ثَمَّ، لا قيمة للسؤال التعجبى الذى طرحه شحرور، بل ذلك يدفعنا نحن للتساؤل متعجبين: لمَ علينا هجران ما قاله الرسول أو قام به أو قرَّره فى زمانه، دون الالتزام به فى زماننا، كما يدعو إليه شحرور؟ لاسيَّما وأننا نلتزم فى ذلك بأفضل البشر وأشرف رسل الله تعالى وخاتمهم، الذى حاز قمة الحكمة والبلاغة فى أفعاله وتقريراته. وما دام يوجد فى “تراثنا” أن أمنا عائشة رضى الله عنها قالت – حينما سُئِلَت عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم – أن خُلُقه القرآن، فما المانع إذاً من التمسك بسُنةِ الرسول؟ خاصة وأنها تعطينا ملامح مشرقة فى كافة مجالات الحياة، وتبين لنا كيف كان يتعامل عليه السلام مع الأعداء فى الحروب، وكيف كان يتعامل مع زوجاته وأولاده، وكيف كان يتعامل مع الناس، وكيف كانت تؤثر الحصير فى جنبه الشريف وهو فى عز نفوذه وجاهه، وكيف مات ودرعه مرهونة عند يهودى، فهل كانت هذه شِيَم الطامع فى الدنيا والسلطة؟ بالطبع إن المنطق علينا الاستعانة بهذا الكنز النبوى طالما أنه علينا إثبات مصداقية القرآن الكريم كما يقول شحرور ذاته؛ فالنبى عليه الصلاة والسلم هو أفضل مَن جسَّد كلام ربه عزوجل.

7. “الحجاب: له معنى مكانى بحت فى التنزيل الحكيم، وهو عبارة عن ساتر لحجب مَن يقف وراءه عن الرؤية كما قال عن مريم فى قوله تعالى: “فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا” (مريم: 17) ولا حاجة للحجاب باللباس… والجيوب: هى عبارة عن طبقتين قد يكون بينهما شىء ما، فمن هنا جاء جيب القميص مثلاً. جاءت فى قوله تعالى: “وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ” (النور: 31)، والجيوب المذكورة هنا هى الموجودة فى خلقة الإنسان ومنها ظاهرة، وهى الموجودة فى الوجه (الفم، الأنف، العينان، الأذنان)، أما المخفية فهى الموجودة فى باقى جسد المرأة، وهى الفرج والإليتان وتحت الإبطين وفتحة الصدر، وهذه الجيوب هى التى تُعد من خصوصيات المرأة، لذا ذكر فى الآية ما يخص المرأة من الزينة المخفية فقط، وحدد لمَن يمكن مشاهدتها” ([34]). لقد أخذ الرجل مصطلح الجيوب وفقاً لما قرأه فى معجم المقاييس لابن فارس، ولكن إذا صحَّ ما يقوله شحرور بأن الجيوب هى عبارة عن طبقتين قد يكون بينهما شىءٌ ما، مثل جيب القميص، فإنه يجوز لنا أن نُخضِع الجسم كله لتعريف الجيوب؛ فإلى جانب ما ذكره شحرور من جيوب، إذا نظرنا إلى اليدين والقدمين، نجد أن كلهم جيوب نظراً للفتحات بين أصابع اليدين والقدمين، بل وبين عُقَل الأصابع إذا قمنا بثنيها؛ ذات الأمر بالنسبة للرجلين والذراعين؛ فعند ثنى الذراع، يظهر جيبٌ بين الزند والساعد؛ وعند ثنى الرجلين، يظهر جيبٌ بين الفخذ والساق. وبالتالى نجد أن الجسم كله يجب يستره، ويجوز لنا حينئذٍ الادّعاء بأن فهم الرجل للجيوب قاصر وناقص. ثم إذا نظرنا بعد ذلك لما ذكره الرجل من تمييز بين الجيوب الظاهرة والباطنة، فلنا أن نتساءل: إذا كانت الآية قد نصَّت بشكلٍ مُطلَق على تغطية الجيوب دون تمييز بين الظاهرة منها والباطنة، فمَن الذى أباح لنا تغطية الباطن منها وترك الظاهر؟… حينئذٍ لا بد لنا من الرجوع إلى السنة التى تناقلها أصحاب التراث ورفضها شحرور لنفهم ما ترمى إليه الآية.

  • من جهةٍ أخرى، إذا اتفقنا على أن معنى الحجاب هو السِّتر وحجب شىءٍ ما عن بصر الناس؛ فهل يجوز لنا حينئذٍ إطلاق لفظ الحجاب على ما تضعه المرأة على رأسها من غطاء يحجبه عن الأعين؟ بالطبع نعم. لكن إذا رفض شحرور ذلك، فإنه يجب عليه إعطائنا معنى واضح لكلمة “خُمُرِهِنَّ”. ووفقاً لما نفهمه ممَّا ذكره من أن هذه الخُمُر يُرَاد بها الغطاء الذى يُوضَع على الجيوب الباطنة، وبالتالى يجب على المقتنعين بآرائه مدِّ الخُمُر لتشمل الجسد كله وفقاً لحجتنا أعلاه.

8. إننا نجد أن المؤلف قد حصر المحرمات فى الإسلام فى 14 شيئاً فقط، من بينهم الشرك بالله تعالى ونقض العهد ([35]). ونحن نعرف الشرك على أنه “إشراك مَن دون الله فى العبادة لله تعالى”، ولكن من المدهش أننا عندما نأتى إلى التحريم الخاص بنقض العهد، نجد المؤلف يقول: “يُقصَد بالوفاء بالعهد هنا الالتزام بعهد الله الذى يقطعه الإنسان على نفسه أمام الله، ويتمثل فى توحيد الله وعدم الشرك به… واتباع صراطه المستقيم” ([36]). ومن ثَمَّ، فإن التحريمَيْن – أى الشرك ونقض العهد – مترادفان على ما يبدو. ولكن كيف ذلك، ومنهج المؤلف ذاته ينطلق من أنه لا يوجد ترادف بين كلمات القرآن، وأن معنى كل كلمة وتركيب يختلف عن غيره؟ ثم إذا كان الشرك يعنى نقض العهد، فلمَ كرره المؤلف فى قائمة المحرمات، إذ كان من المنطقى أن يقتصر على أحدهما، خاصة وأنه ليس قبل الوفاء بالعهد لفظة تقول: “حُرِّم عليكم نقضُ العهد”، مثلما كان فى حق الشرك؛ “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ” (الأعراف: 33). وتتجلى مشروعية سؤالنا هذا من أن كافة الآيات التى استدل بها د. شحرور على المحرمات الـ 14 التى يقول بالاقتصار عليها تتحدث عن التحليل والتحريم، أمَّا آية نقض العهد، فتقول: “وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الأنعام: 152). إننا فى هذا الصدد – وحاشا لله – لا نستحل نقض العهد، ولكن ارتأينا فقط أن نبرز التناقضات التى يقوم عليها منهج شحرور من اختياره فقط لما يعضد منهجه ويقويه مقابل غيره.

  • ثم إذا جمعنا بين آية الأنعام وآيتَى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ” (النساء: 43) و”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة: 90)، أليست هاتين الآيتين تنطويان على تحريم للخمر لكونها سبب رئيس فى الحؤول بيننا وأداء الصلاة، التى هى وسيلتنا للاتصال بالله تعالى وفقاً لقول شحرور ذاته؛ فلمَ تخرج الخمر من قائمة المحرمات التى ذكرها شحرور؟ وهل لفظة “وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ” أشد فى الردع من لفظة “فَاجْتَنِبُوهُ” ليتم تحريم الأول وتحليل الآخر أو على الأقل جعل الآخر مكروهاً؟ ثم إن “أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ… وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا… وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا” كلها أوامر، فلمَ وضعها شحرور فى قائمة المحرمات وفصل بينها وبين ما عدَّه أوامر وفقاً لرؤيته هو، أى لم يضعها إلى جانب الاستئذان والأخلاق العامة وأداء الأمانة والعدل “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء: 58)؟ ([37])

9. “الحديث: هو أنباء عن مجموعة آيات الأحداث الكونية: “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ” (الغاشية: 1)، والأحداث الإنسانية سواء ما غاب منها فى طيات الماضى أو ما حصل فى زمن النبى (ص) من حروب وهجرة:”لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ” (يوسف: 111)… والحديث قابل للتصديق والتكذيب فقط “فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ” (القلم: 44)” ([38]). مقتصراً على قراءته للجذر اللغوى للكلمتَى “الحديث” و”الأحداث” فى معجم ابن فارس ألا وهو “حَدَثَ”؛ فقد قام بالربط بين الاثنين بواقع وجودهما فى المعجم ([39])، فجعل الحديث ما هو إلا أنباء عن مجموعة من آيات الأحداث الكونية والأخرى الإنسانية، اعتماداً على ورود كلمة الحديث فى الآيتين اللتين ساقهما. والحق أن قراءة الرجل بهذا المعنى لا تنم إلا عن قراءة هشة تأخذ بشكل الألفاظ والبعد عن مضمونها وما تعنيه جملة وتفصيلاً. وإذا تساءلنا: ماذا تعنى الغاشية بالنسبة للرجل؛ هل هى يوم القيامة أم ماذا؟ لوجدنا أنه لم يُعطِنا أى معنىً لها، بل استخدم اللفظ بشكل تعسفى محض لمحاولة إقناعنا بصحة كلامه. ثم إذا كانت الغاشية تعنى الآيات الكونية، كالنجوم والكواكب ودورانها وخسوفها وكسوفها، فما وجه العلاقة حينئذٍ بين آية “هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ” والآيات التى تليها “وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (3) تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً (4)”؟ إن تلك الآيات الكونية آياتٌ لا يفنى جنسها وموجودة بصفاتها إلى أن يشاء الله، فهل توجد كل يوم وجوه تصلى ناراً حامية؟ وإذا كان هذا الإصلاء يتم كل يوم على سبيل الافتراض، فلمَ ذكر “يَوْمَئِذٍ” على سبيل التحديد والتخصيص؟

10. “مواقع النجوم ]المذكورة فى الآية التالية[: هى الفواصل الموجودة بين آيات الكتاب، سواء جاز الوقف عندها أو لم يَجُز، وليست مواقع النجوم التى فى السماء. هى من مفاتيح فهم الكتاب كله خصوصاً بالنسبة للقرآن فى عملية تأويله، لأن مواقع النجوم فى الكتاب تجعل كل آية من آيات الكتاب تحمل فكرة متكاملة: “فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ” (الواقعة: 75 -77)” ([40]). فى الواقع، إن المرءُ يتساءل متعجباً كيف عنَّ للرجل مثل هذا الاستنتاج الغريب؟ ولكن يزول هذا العجب حينما ندرك أن الرجلُ يثبت مع مرور الوقت جهله الشديد بأبسط ما للغة وللإدراك من مسائل، يشاركه فى ذلك صديقه وأستاذ اللسانيات د./ جعفر دك الباب الذى أيَّده فى كل ما توصَّل إليه؛ فبالنظر إلى الآية المذكورة، هل الفهم عصىٌ عن إدراك أن الضمير فى كلمة “َإِنَّهُ” الأولى عائد على القَسَم، فيما يُرَاد بالضمير فى “إِنَّهُ” الثانية القرآنُ الكريم، حتى يقوم الرجل بإسقاط النجوم إسقاطاً وتأويلها على أنها القرآن الكريم، وبالتالى تأويل مواقع النجوم على أنها الفواصل بين آيات القرآن. ثم إذا كانت مواقع النجوم هى الفواصل الموجودة بين الآيات، فما عظمة القَسَم فى أن يُقسِم الله تعالى بها؟ بالطبع إن لله تعالى مطلق الحرية فى القَسَم بما يريد، ولكن لأنه عزوجل عظيم، فلا يُقسِم إلا بعظيم. فإذا أدركنا ذلك، علمنا – دون تكلف – أن النجوم المذكورة فى الآية هى التى فى السماء، وقد أقسم الله تعالى بها وبمواقعها لعِظَم شأنها، وظهور آياته تعالى فيها من كونها ضياءً وهدىً للناس، فضلاً عمَّا يتعلق بها من بروج ومواقع معلومة.

  • هذا، ويحذر شحرور فى موضعٍ آخر من الإبقاء على الفواصل بين الآيات كما هى، عملاً بما أسماه ضرورة عدم الوقوع فى التعضية، لقوله تعالى: “كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ” (الحجر: 90 -91)، وعملاً بما تمليه علينا آلية ترتيل الآيات وتجميعها لفهمها فهماً صحيحاً. فمثلاً أول آيتين من سورة الفجر هما “وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)”؛ وإذا أخذنا قاعدة عدم التعضية، فيجب حذف الفاصل بينهما، أى تصبح جملة واحدة كالتالى: “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ (1)”، مُبرِّراً ذلك بأنه تعالى قال بعدهما “هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)” ([41]).
  • ولكن إذا سِرنا مع كلام الرجل وقلنا أن الله تعالى أقسم بالفواصل بين الآيات، ما نستدل به بالتالى على قدسية هذه الفواصل وعِظَم شأنها عند الله تعالى، فلمَ نقوم نحن ونحذف بعض هذه الفواصل؟ الواقع أن الرجل يؤكد لنا مرة أخرى بغضه لأصحاب التراث، وذلك إذا علمنا أن ترقيم الآيات – كعلامات فاصلة بين الآيات – على النحو الظاهر فى كتاب الله تعالى اليوم لم يُوضَع فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم، ولا فى عهد صحابته، إلا أن الذين عمدوا إلى ترقيم الآيات لاحقاً، جاؤوا متتبعين أثر الوحى، يضعون رقم الآية فى الموضع الذى كان يقف عنده النبى – صلى الله عليه وسلم – لأن الأصل فى تعلم القرآن الكريم حتى يومنا هذا هو النقل والمشافهة. ولمَّا كان هذا الأمر عائدٌ إلى “أصحاب التراث” الذين يعاديهم شحرور، فالأمر لا يعدو لنا إلا أن يكون بغضاً لهؤلاء السابقين وإمعاناً فى الانقلاب على كل ما تركوه ورفضه وتبديله. وإذا قال قائل: لمَ علينا أن نقبل بالترقيم الذى تركه هؤلاء ولا نقوم بتغييره، على النحو الذى يقول به شحرور؟ قلنا: أولاً، لأن هذا قائم على تتبع الموضع الذى كان يقف عنده النبى عليه السلام، كما ذكرنا؛ ثانياً، لو كان الأمر يسير وفقاً للأهواء، فلمَ جعلوا مثلاً “الم” فى مطلع كلٍ من سورتَى البقرة والعنكبوت آية، ولم يفعلوا بالمثل مع “المر” فى مطلع سورة الرعد؟ ثالثاً، إن ترقيم الآيات بالشكل الحالى فى كتاب الله ينطوى على إعجازاتٍ جمَّة قد تجد طرفاً منها فى الهامش المذكور أدناه ([42]).

11. “القلم: هو تمييز الأشكال بصفاتها بعضها من بعض والتعرف إليها، أى هو عملية “التقليم” أو التمييز “Identification” لقوله تعالى: “ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ” (القلم: 1) فالعين تقلم الأشكال والألوان والأذن تقلم الأصوات.. والقلم هو وسيلة اكتساب المخلوقات كلها للمعارف سواء العاقل منها أو غير العاقل بما فيها الملائكة. والمعرفة الإنسانية خط صاعد لأعلى ومحوره القلم، لا تخرج عنه إطلاقاً لقوله تعالى: “اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)” (العلق: 3- 5)” ([43]). كما يبدو، فإنه قد حمَّل كلمة “القَلَم” فوق طاقتها، وأعطاها معنىً بتكلفٍ مبالغ فيه. إننا لا ننكر بالطبع أن كلمة “التقليم” وليس “القلم” تعنى التمييز. ولكن ما نصرُّ عليه هو أن الرجل موهوم فيما نصَّ عليه؛ إذ لا يمكننا بأى شكلٍ من الأشكال حين نأمر بالتمييز بين الأشياء أن نقول “قَلَم الأشياء” بفتح اللام، وإنما نقول “قَلِّم الأشياء” بكسر اللام وتشديدها. والواقع أنه يثبت لنا مرة أخرى أن الرجل لم يستوعب قواعد العربية على النحو الكافى، فإنه قد قال بأن القلم يعنى التقليم فقط لكون جذرهما اللغوى واحد وهو “ق – ل – م”، ولكن شتَّان بين ما تعنيه الكلمتان، تماماً كما استخدم من قبل الجذر اللغوى “ع – ب – د” عند تناوله لكلمة العباد أعلاه.   

12. “الراسخون فى العلم، مَن هم؟ لقد وضع الكتاب تعريفاً لهم بقوله: “بل هو آياتٌ بينات فى صدور الذين أوتوا العلم” (العنكبوت 49) هنا نلاحظ التشابه الكبير بقوله “فى صدور الذين أوتوا العلم” فالصدر هنا ليس جوف الصدر ولا جوف الرأس “الجمجمة”، وإنما الصدر هنا تعنى ما نقوله الآن “الصدارة” كأن نقول إن إسحاق نيوتن يحتل مركز الصدارة بين علماء الرياضيات؛ فالراسخون فى العلم هم من الناس الذين يحتلون مركز الصدارة بين العلماء والفلاسفة… وهكذا أيضاً نفهم قوله تعالى فى سورة الناس: “الذى يوسوس فى صدور الناس من الجنة والناس” بأن الاستعاذة بالله تعالى من الوسواس الخناس الذى يوسوس فى الناس الذين يحتلون مكان الصدارة فى مجتمعهم أو فى العالم بأسره” ([44])… لا تعليق.

  • تعليقاتٌ عامة على قراءة شحرور “المعاصرة”:

يتجلَّى من العرض أعلاه أن هناك نوعاً ما من الخلل فى منهجية الرجل وطريقة تفكيره وتعاطيه مع النصوص الدينية. والحق أن مَن يطَّلع على مؤلفات الرجل يجد الكثير من الخلط بين القليل الصحيح والغثّ الكثير، وسرعان ما يجد غلبة الغث على ما دونه. وإذا ما أردنا القيام بإعطاء توصيف لمجمل الملاحظات التى يمكن استشفافها ممَّا سبق عرضه – وغيره بالطبع – من كتابات الرجل، لوجدنا الآتى:

أولاً: اعتناقه التام لاتجاه عدم الترادف فى اللغة، وتطبيقه بشكلٍ تعسُّفى على الكلمات، دون الأخذ فى الاعتبار أية معايير أخرى، الأمر الذى أوقعه فى أخطاءٍ جمَّة، منها على سبيل المثال تأويل الكلمات على غير ما تحتمله، مثلما رأينا فى تفرقته بين “الأبوين” و”الوالدين”، ما ترتب عليه إصدار أحكام ما أنزل الله بها من سلطانٍ بشأنها، وذلك على النحو المبيَّن أعلاه. والواقع أنه قد فاتته الحقيقة التالية: “إن الأصل فى اللغة أن يكون للمعنى الواحد لفظ واحد يعبر عنه، ولكن عوامل شتى أدت فى كل اللغات إلى إمكانية أن يكون للمعنى الواحد لفظان أو أكثر. وينقسم علماء اللغة العربية إلى فريقين بخصوص هذه المسألة: فريق يسلم بوجوده من أمثال سيبويه وابن يعيش، ويرى هذا الفريق أن كل المترادفات أسماء لمسمى واحد، ومن ذلك قول أبى العلاء المعرى: “الكلب مَن لا يعرف للكلب سبعين اسماً”، وفريق يرى أن المترادفات صفات لمُسمَّى واحد، وهذا الفريق هو الذى يسمى فى اصطلاح اللغويين منكرى الترادف، ]ولقد قال ابن خالويه، وهو من أنصار هذا الفريق[ أعرف للسيف اسماً واحداً، أما الباقى فصفات. فكل ما قاله منكرو الترادف هو أن بين المترادفين فروقاً فى الصفات. ولم يقل أحدٌ منهم أن” الحسام والمهند والسيف والصارم لا تدل على مسمى واحد، وإن كان بينها فروق فى الصفات… ولقد نفى أبو هلال العسكرى سبعاً وخمسين مرة فى كتابه “الفروق اللغوية” الذى أراد به بيان المعنى الفنى لإنكار الترادف، بوصفه أحد الأمة القائلين به، أن يكون المراد به شيئاً أكثر من أن يكون للشىء الواحد اسم واحد، وما عداه صفات له بينهما فروق دقيقة، من ذلك قوله: الفروق بين القرآن والفرقان أن القرآن يفيد جمع السور وضم بعضها إلى بعض، والفرقان يفيد أنه يفرق بين الحق والباطل” ([45]).

وإذا التمسنا العذر لشحرور فى عدم فهمه الجيد لهذا الأمر، فإننا نلقى بالتبعة على د./ جعفر دك الباب الذى لم ينبهه إلى هذا الفرق الدقيق، بل أخذ يوافقه على ما يتوصل إليه من استنتاجاتٍ تعسفية، لاسيَّما إذا علمنا أنه “لا صحة للقول بأن أبى على الفارسى ]الذى استند إليه شحرور كذلك[ من أنصار إنكار الترادف – حتى بمفهوم التفرقة بين الاسم وصفاته – أصلاً، بدليل أن ابن جنى – وهو من تلاميذه – حين عرض للترادف، ضرب له أمثلة مما ذكره أستاذه الفارسى، كما أن كتاب أبى على الفارسى الحجة فى القراءات السبع، يدل على أنه لا ينكر الترادف” ([46]). كما أن ابن فارس ذاته لم ينكر الترادف كليةً، فنجده يذكر مثلاً أن كلاً من كلمتَى “الإِلْف” و”الأليف” تعنيان “الذى تألفه” ([47])، وكان جل عمله الاجتهاد قدر المستطاع فى ذكر جذور الكلمات والتمييز بينها. ولو كان فَهْمُ ابن فارس لما ذكره فى معجمه مطابقاً لما فهمه شحرور من ذلك المعجم، لأضحى من المشروع التساؤل: لمَ لم يقم ابن فارس بتأويل القرآن والتمييز بين كلماته على النحو الذى قام به شحرور؟ وعليه، فإنَّا لا نبرىء ساحة دك الباب من أى أخطاءٍ وقع فيها شحرور.

ثانياً: ارتباطاً بالنقطة السابقة، فإننا نلحظ ضحالة الإلمام باللغة العربية، وضألة هضم قواعدها فى أسلوب الرجل، حتى أنه قد يتم التداخل بين الصفة والفاعل والمفعول، والإتيان بما هو غير معهود عند اللغويين والنُّحَاة… إلخ؛ ومن ذلك على سبيل المثال ما أشار إليه – كما سلف الذكر – من أن كلمة “نِسَاء” تأتى كجمع لكلٍ من كلمتَى “نَسِىء” و”امرأة”؛ علماً بأن مَن له باعٌ فى اللغة يدرك أن الجمع لكلمة “نَسِىء” هو أنساء ونُسُوء، وليس نِسَاء، وذلك وفقاً لما تحويه قواميس اللغة ([48]). وذات المسألة تقع مع كلمة “أمر” التى ذكر شحرور أنها تأتى بخمسة معانٍ، يُفهَم المعنى المقصود منها حسب المعنى العام لسياق الجملة التى وردت فيها ووفق نظمها؛ إذ يُلاحَظ أن الرجل قد قرأها قراءةً على أنها “أمْر” فى معجم مقاييس اللغة، واعتبر أن لها معانٍ خمسة. والواقع أنه لابد من قراءتها على أنها “أَمَرَ”، لأن ابن فارس قد أراد من معجمه تبيان الجذور اللغوية لكلمات العربية، و”أَمَرَ” تشكل الجذر اللغوى لكلماتٍ مثل الأمْر والأمَر والأمير والإمارة والأمارة والإمَّر… إلخ ([49]). فلا يمكن أن تأتى الكلمة التى قرأها شحرور على أنها “أَمْر” هكذا بمعنى “الأمير” فى جملة، فيما تأتى فى جملة أخرى بمعنى “الأمَر” أى النماء والبركة. والخطورة هنا أن ذلك ينطوى على جهالة بأصول اللغة، ومن ثَمَّ بكلماتها، وبالتالى بمعانيها وتراكيبها، ما يعطى قراءة خاطئة وفهم مغلوط للفظٍ ما. ولعل أوضح مثال على هذه النتيجة هو اعتبار شحرور أن كلمة “نسائهن” المذكورة فى الآية 31 من سورة النور “وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ..” مفردها “نَسِىء” وليس “امرأة”، ما جعله يقول بأن “نِسَائِهِنَّ” تعنى مَن تأخَّر ولم يُذكَر فى الآية، وهم ابن الابن والأحفاد وابن ابن الأخ وابن ابن الأخت… إلخ، وبالتالى فإن الكلمة هنا تدل على الذكور المتأخرين الذين لهم علاقة قرابة بالمرأة، تلك العلاقة التى نستشفها من “نون التابعية” بحسب قوله ([50])… فهل يُعقَل هذا؟ 

ثالثاً: التكرار الذى لا داعى له؛ وهذا قد يُستشَف بوضوح من عرضه لنفس الفكرة فى نقاط عديدة دون مسوِّغٍ لذلك؛ فمثلاً نجد فى النظام المعرفى المتبع أو المنهج المتبع الذى ينطلق منه فى محاولة فهم التنزيل الحكيم وتقديم قراءة معاصرة له – أنه يذكر فكرة عدم الترادف فى الفقرات 5 و6 و9 من القسم اللغوى بالمنهج، وكذا ضرورة قراءة المسكوت عنه فى النص ([51]) فى الفقرتين 2 و4 منه، وذلك دون الإتيان بجديد. هذا فضلاً عن تكرار بعض النقاط فيما بين أقسام المنهج، دون تقديم إضافة أيضاً. والأمر البيِّن هنا هو أن الرجل لم يُحسِن صياغة منهجه على القدر الذى تقتضيه مهمة القراءة، فكانت النتيجة أنه لم يُحسِن القيام بتلك المهمة.

رابعاً: المَيْل إلى الاسترسال المُمِل، المُربِك، غير المُقيَّد فى عرض الأفكار؛ إذ يمضى الرجل مع ما يراه هو، ويريد أن يُقنِع به القارىء، دون النظر إلى أى اعتباراتٍ أخرى. وربما تجلَّى هذا بوضوح فى المثال المذكور أعلاه حول “الذِّكْر” والقومية العربية وعلاقتها بتبجيل الرسول صلى الله عليه وسلم. الأمر الذى يترتب عليه الاستنتاج الجزافى دون التبيُّن من الكثير من المعانى والشواهد، ما يمكن أن نطلق عليه “اعتباطية الاستنتاج”. كما تنطوى هذه الملاحظة على إشكاليتَيْن، هما:

  • الإتيان بأشياء زائدة لا تُرجَى منها أية فائدة وإقحامها فى النص، بما لا يُفهَم منها سوى رغبة الرجل فى إظهار نفسه على أنه مُطِّلعٌ ومُثقَّف، ومثال ذلك ما ذُكِر فى مثال “الذِّكر” أعلاه؛ “فإذا أخذنا لفظة الذكر فى الآيتين 6 – 9 فى سورة الحجر لوجدنا أنها جاءت معرفة بـ “ال التعريف” وإذا نظرنا إلى لفظة الذكر فى الآية رقم 1 فى سورة ص لوجدناها أيضاً معرفة بال التعريف. وإذا نظرنا أيضاً إلى الربط بين القرآن والذكر فى سورة ص لوجدناهما مربوطين بأداة “ذى” وهذه الأداة تستعمل للدلالة على صفة الشىء، لا على الشىء نفسه”؛ ولعله يمكننا التساؤل ما أهمية الإشارة إلى “ال التعريف” فى الآيات الثلاث على جملتين، ثم ما علاقة ذلك كله بجملة الربط بين القرآن والذكر؟
  • الانتقال بصورة غير مبررة من شىءٍ لآخر، دون أى توضيح لعلة الانتقال أو وجه الارتباط، ومثال ذلك: “الكتاب من “كَتَبَ”، والكتاب فى اللسان العربى تعنى جمع أشياء بعضها مع بعض لإخراج معنى مفيد، أو لإخراج موضوع ذى معنى متكامل، وعكس كَتَبَ من الناحية الصوتية “بتك” ويمكن قلبها بحيث تصبح “بكت”، وجاء فعل “بتك” فى قوله تعالى “فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ” (النساء: 119). فالكتاب فى المعنى عكس البتك أو البكت” ([52]). فنحن نتساءل: ما هو البتك أو البكت اللذان أرادهما الرجل؟ وهل الدراسة التى يقوم بها دراسة لغوية أم صوتية؟ لا ريب فى أن هذا يُحدِث تشويشاً لكل ذى ارتباطٍ باللغة العربية، ولن يُقرَأ ذلك إلا على أنه انتقال طائش خالٍ من أى علة، كما يجعل المرء يتساءل هل جمع شحرور بين “كتب” و”بتك” و”بكت” فقط لتشابه الحروف؟ إذ إن هذا هو الظاهر… وإلا فما وجه الجمع بينهم؟! إذا قلت لكم أن الجذر اللغوى لكلمة النجوم هو “نَجَمَ”، ثم أتبعت ذلك بأنه عند قلب حروف ذلك الجذر سيكون “مَجَنَ” وتوقفت، هل من فائدة فى ذلك؟ ثم إن عكس الحروف بهذه الطريقة، سيُسفِر عن اختلاف معانى الكلمات بصورة هائلة؛ فمن سمو النجوم سنهبط إلى رذيلة المجون… 

خامساً: شِبه الانعدام فى توثيق المراجع المُستَعَان بها، واللجوء بدلاً من ذلك إلى الإشارة إلى استخدام كلمات فضفاضة، مثل أهل اللسان العربى، وأصحاب التراث… إلخ.

سادساً: طغيان التحيز فى النقل دون دليل، بما يمكن معه نزع صفتَى الأمانة والثقة عن الرجل وعمَّا يذكره؛ إذ نجده يصطفى اتجاهاتٍ معينة اصطفاءً، ويسردها كما هى، كمسلماتٍ، لاستخدامها فى إقناع الآخرين، دون الإتيان بالأدلة التى تقطع بصحتها، أو القول على الأقل – إنصافاً – أنه مختلفٌ عليها. وهذه بلا شك نقطة فى غاية الأهمية والخطورة؛ إذ إن الحد الأدنى من منطق المواجهة والجدال يفرض ضرورة أن يسوق المؤلف الدلائل القاطعة التى تدعم اختياراته من الاتجاهات، لاسيَّما وأنه سيُبنَى عليها نهجٌ مغاير لما عليه عامة المسلمون. الأمر الذى يمكننا معه رفض ما يُقَال؛ إذ ما الذى يدفعنا إلى تبنى رأيه ورفض الرأى الآخر؟ وتكفينا الإشارة فى هذا السياق إلى مثالَيْن وردا سريعاً فى كتابات المؤلف دون أية مراجعة أو نظر، فجاءت هكذا كأمور مُسلَّم بها؛

  • “أن التشريع قابل للتطور، وقابل للإلغاء والاستبدال “يمحوا الله ما يشاء ويثبت” (الرعد: 39) لذا فإن أم الكتاب [أى آيات التشريع والعبادات والأخلاق والمحرمات، والتى تحمل طابع الخصوص فى جزء منها، وطابع العموم فى جزء آخر، والتى طبقها النبى صلى الله عليه وسلم حسب الظروف الموضوعية لشبه جزيرة العرب – إن هذه الآيات]هى مناط الاجتهاد والفقه وأول مَن اجتهد فيها هو النبى صلى الله عليه وسلم وقد ألغى عمر بن الخطاب تطبيق الآية “وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ” (الأنفال: 41)” انتهى ([53]). والشاهد هنا هو ما يتعلق بسيدنا عمر بن الخطاب؛ وكما يبدو لم يذكر الرجل الواقعة التى يتخذها دليلاً ولا ما يحيط بها من ملابسات. وإنا نحيلكم إلى المواقع المذكورة أدناه فى الهامش للاطلاع على ما يدحض تلك الفرية، فلطفاً تتبعوها ([54]).
  • اتهام سيدنا أبى هريرة بالسرقة والرشوة، بقوله: “المُحدِّثين [أى أهل الحديث] يرفضون شهادة رجل كعمر بن الخطاب فى رجلٍ كأبى هريرة، حيث منعه من رواية الحديث، واتهمه بالسرقة والرشوة فى ولايته على البحرين. ومع ذلك زادت أحاديثه فى كتب الصحاح والسنن على الخمسة آلاف حديث”. ([55]) وهذا الاتهام أيضاً له ما يدفعه، وفقاً للمراجع المذكورة فى الهوامش ([56]).

سابعاً: الاقتصار على نص القرآن الكريم، ونبذ ما عداه من علوم ترتبط به مثل الحديث والفقه والسيرة ومناسبات النزول والناسخ والمنسوخ… إلخ، باعتبارها من التراث وغير مقدَّسة من وجهة نظره، ما جعله غافلاً عن الكثير من الأحكام والتوجيهات، وعاجزاً عن توضيح ماهيات شعائر مثل عدد فروض الصلاة وركعاتها وكيفيتها ونصاب الزكاة… إلخ، ذلك لأنها جاءت مجملة فى القرآن الكريم. والحق أن هنا عدة مسائل ربما تهُدُّ بنيان شحرور من أساسه:

  • لقد اتخذ الرجل قراراً حاسماً بضرورة “اختراق الأصول” ([57])؛ أى اختراق التراث الذى تركه أصحاب القرون الهجرية الثلاثة الأولى، من تفسير وفقه وحديث؛ مؤكداً على ضرورة التخلص من “مرض الآبائية” الذى يسمُ العلاقة بين شيوخ الإسلام المعاصرين وأصحاب القرون المشار إليهم. وقد شجعه ذلك على الطعن فى رواة الأحاديث الذين استند أصحاب التراث إلى كثيرٍ من أحاديثهم لاستنباط الأحكام ومعرفة مناسبات نزول آيات التنزيل الحكيم… إلخ، وكان من بين هؤلاء كلٌ من أبى هريرة – كما سلفت الإشارة – وعبد الله بن عباس رضى الله عنهما ([58]). وهنا الإشكال: إذا كان هذا الطعن يدل على وجود شك فى مصداقية غير واحد من رواة الحديث، من بينهم أبو هريرة، أكثر راوٍ للحديث الشريف؛ وإذا كان هناك رفض مجمل للتراث الذى بلغنا من القرون الهجرية الثلاثة الأولى، والذى اختلط كيانه بالحديث الذى تركه رواة الحديث المشكوك بهم، فكيف لنا أن نُجزِم بأن النص القرآنى الذى بين أيدينا الآن هو النص الصحيح الكامل الذى نزل على نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لاسيَّما وأنه من المعلوم أن هذا النص قد تلقيناه فى نهاية المطاف من أجيال القرون الثلاثة المذكورة، تلك الأجيال التى تلقته على يد مَن امتازوا بالعلم بين الناس حينها، أى التابعين وكبار الفقهاء؟ وإنا لنرجو قارئنا الكريم هنا أن يتخلى عن فرضية شحرور من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد تُوفِّى حديثاً وترك لنا القرآن بشكلٍ مباشر؛ إذ إن هذا افتئات على سريان التاريخ وأحداثه وافتراضٌ غير مُبرَّر بكل المقاييس.
  • إذا قلنا بأن النص القرآنى قد بلغنا كاملاً، وهو ما يركن إليه المسلمون ويركن إليه شحرور أيضاً، وإلا لمَا كان لأبحاثه التى أجراها طوال ثلاثين عاماً أية فائدة – فإن هذا يعنى بالضرورة أن أصحاب القرون الثلاثة الأولى كانوا صادقين فى نقل الأمانة وحريصين على تبليغها إلى أجيال تلك القرون ثم إلى الأجيال التالية كما بلغها جبريل عليه السلام النبى صلى الله عليه وسلم. فإذا سلَّمنا بذلك، فهل يُعقَل أن نتنكَّر لجميع التراث الذى تركه أصحاب تلك القرون الثلاثة، والمتعلق بهذه الأمانة، من فقه وحديث وسيرة وتفسير؟ بالطبع لا… حيث يمكننا، على أقل تقدير، وضع احتمال محاولة البعض إدخال أحاديث وآراء ليس لها أساس من الصحة فى هذا التراث فيما بعد عهد هؤلاء أو حتى فى عهدهم، ومن ثَمَّ تكون مهمة العلماء هو التحقق من هذا التراث لتمييز الصحيح من غيره، وذلك وفق قواعد معلومة لدى أهل الاختصاص.
  • إن مسألة إنكار شحرور للسنة أو للوحى الثانى، بدعوى أن رسول الله قد نهى عن كتابة غير نص القرآن، ما يُدخِل السنة، بما تتضمَّنه من حديث، فى جملة التراث الذى ينبغى التنكر له – أمرٌ فى غاية السذاجة. لقد عرَّف المُحدِّثون السّنةَ بأنها “أقوال النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته الخِلْقِية والخُلُقية، وسائر أخباره، سواءٌ أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها” ([59]). ولنا أن نهَبَ أن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قد اتفقت على قرارات يجب أن تلتزم بها الدول الأعضاء بالمنظمة، فهل من المعقول أن يقتصر عمل رؤساء تلك الدول، طوال فترة رئاستهم، على تبليغ تلك القرارات لشعوبهم وتكرار نصوصها لهم فقط، أم يصدرون أوامر بتنفيذها وسن تشريعات قومية تيسِّر من ذلك؟ بالمثل، ولله المثل الأعلى – هل من الحكمة القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عاكفاً – طوال 23 عاماً – على تبليغ آيات التنزيل الحكيم للناس عبر تلاوة نصوصها فقط دون أى عملٍ آخر؟ ثم إذا كان فى عصرنا أن يتهافت رجال الإعلام للظفر بأى خبر عن رئيس دولةٍ ما وآله، لما لهم من شأنٍ رفيع، ويقومون بتدوين ونشر ما يصلون إليه من أخبارٍ وأسرار حول حياة الرئيس وعائلته، حتى إن ذلك ليُعَد أحد الوثائق المهمة التى يستعين بها الباحثون وغيرهم – فهل يكون من الحكمة بعد ذلك استبعاد حقيقة التفاف صحابة كرام حول الرسول صلى الله عليه وسلم ليتلقوا منه آيات التنزيل الحكيم ويأخذوا منه تفاصيل دينهم، وليتلمَّسوا خطاه وخُلُقه ونمط حياته، وليأتمروا بأمره وينتهوا بنهيه، لاسيما وأنه أفضل خلق الله ورسوله الذى اصطفاه لتبليغ رسالته؟ فهل يمكن أن نثبت الاهتمام لرئيس دولةٍ ما وننزعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فإذا قررنا ذلك، فإنه لا بد من التسليم بوجود ما يُطلِق عليه أهل الحديث “السنة”، وما دام هناك سنة، فإن هناك ناقلين لها، وهؤلاء الناقلين تطرقنا للموقف منهم سلفاً.
  • تبقَّت لنا النقطة الخاصة بجملة “مرض الآبائية” التى استخدمها شحرور لوصف العلاقة التى تربط شيوخ الإسلام المعاصرين بأصحاب القرون الهجرية الثلاثة الأولى. ولكن فى ظل ما أُثير أعلاه من تأكيدٍ على أفضلية الرسول صلى الله عليه وسلامه، ومصداقية صحابته الكرام، وتابعيهم حتى نهاية القرن الثالث الهجرى – أى إلى القرن الذى أراد شحرور أن يتوقف عنده – فإن علاقة الآبائية تتسم بأنها محمودة للغاية، وليست مرضاً كما يدَّعى المُدَّعِى، إذ مَن فى الوجود أفضل من هؤلاء الذين شرفهم الله تعالى بصحبة رسوله وأنزل فيهم كتابه، ليقوموا بتبليغنا إياه بحقه، وتزويدنا بسنن المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ فى الواقع، إن المرء ليغمره الاندهاش من أنه كيف يمكن لشخصٍ مسلم عاقل أن يأتى بتوصيف كهذا لهذه العلاقة، وهو على علمٍ تام بأن “مرض الآبائية” يقترن فى كتاب الله تعالى بالكفار والمشركين؟ فهل هؤلاء كهؤلاء حتى يكون التأسِّى بهم والتشرف بوصلهم مذموماً؟ ثم إنى لأقف مذهولاً ممَّا ذكره شحرور فى تعريفه لكلمة “الشرك”؛ إذ يبين النص أنه قد فصَّل معناها تفصيلاً للتعبير عن استيائه من هذه العلاقة؛ حيث يقول: “الشرك: هو الإيمان بمبدأ الثبات… والشرك بالله هو أن يجعل الإنسان لله شريكاً فى العبادة والدعاء… والشرك هو السكون فى الفكر والتوقف عن التطور كما جاء فى قوله تعالى على مَن أنكر التغيير وآمن بالثبات: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا” (الكهف: 35)، والثبات على مبدأ الآبائية هو أيضاً شرك كما جاء فى قوله تعالى: “إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ” (الزخرف: 23)” ([60]). ولكنه – كما سبق وقلنا – لم ينعت الآبائية؛ هل هى الصالحة منها أم المذمومة، فقد افترض أن جميعها مذموم لأنها متخلفة زمانياً عن الحاضر المتطور، ولا يخفى أن فى ذلك تحويرٍ جلىٌ وصريح لمعنى الكلمة.
  • الخاتمة:

فى الواقع، يجدر بالمرء إبداء اندهاشه – وربما إعجابه – بالجهد الذى بذله د. شحرور فى تصنيف مؤلفاته. فعلى مدار نحو ثلاثة عقود، عمل الرجل جاهداً محاولاً الوصول إلى أهدافه. الأمر الذى يعطينا مثالاً متميزاً فى المثابرة المصقولة بالعزيمة والإصرار بغية بلوغ المرام. ولكن ما يُؤسَف له أن منهجه البحثى ونظيره الفكرى قد جعلاه يجتنب الصواب، وصنعا من صفحاته مؤلفاتٍ ضخمة ليس لأغلب ما تحويه أدنى قيمة. وكما سبق وعلَّلنا، فإننا لا نبرىء د./ جعفر دك الباب من تضليله للرجل عبر تأييده لمخرجاته.

ومع ذلك، فإننا لا نبرىء د. شحرور أيضاً نظراً لجرأته على كتاب الله؛ ولتحليله لأشياء مُحرَّمة والعكس؛ ونبذه المُبسَّط للتراث بكامله دون تمعُّن فى تحرِّى الصحيح منه والسقيم؛ وأخيراً وليس آخراً افتقاره لأدنى حدٍ من الإدراك حين يذكر لنا: “أن الإنسانية اليوم لا تحتاج إلى أى رسالة أو نبوة، بل هى قادرة على اكتشاف الوجود بنفسها بدون نبوات، وقادرة على التشريع لنفسها بدون رسالات… لأن المستوى الإنسانى والأخلاقى فى تعامل الناس بعضهم مع بعضٍ الآن هو أفضل بكثير عن ذى قبل، وحتى عن عهد الرسالات… [فـ] مستوى الإنسانية الآن أرقى معرفياً وتشريعياً من ذى قبل. فأما معرفياً فتشهد عليه التطورات العلمية التى حصلت فى مختلف مجالات العلوم والتكنولوجيا، وأما فى التشريع فإننا نجد الإنسانية تعيش مرحلة التشريع الإنسانى بعد انتهاء مرحلة التشريع الإلهى مع الرسالة الخاتمة التى جاءت للرسول (ص)… بحيث أصبحت التشريعات الإنسانية ينسخ بعضها بعضاً تماشياً مع تطور المجتمعات من كل النواحى، بينما من الناحية الأخلاقية يكفينا دليلاً على ذلك أن ضمان حقوق الإنسان فى العالم أصبح كابوساً على رأس كل متسلط، بالإضافة إلى أن المؤسسات المدنية المحلية والعالمية التى تقوم على أساس تطوعى، تتنامى يوماً بعد يوم” ([61]). فحقاً لا أدرى هل كان يعيش شحرور فى عالمنا أم فى عالم آخر؟ أم نحن مَن لا يبصر ما حوله من نعيمٍ وتقدم؟! فى الواقع إنى لا أرى اختلافاً عن عهد الرسالات سوى فى البنايات الشاهقة، فضلاً عن اجتماع الكثير من الظواهر التى هلكت بسببها الأمم قبلنا وفى زماننا الحالى معاً؛ كان فى عهد سيدنا شعيب قطع الطريق والغش فى الميزان، وفى عهد سيدنا لوط المثلية الجنسية، وفى عهود بنى إسرائيل الربا – على سبيل المثال – والتى كانت سبباً فى التنكيل بهم حتى فى القرون التالية على النبوات ([62])، أضِف إلى ذلك ظواهر الشرك والكفر والإلحاد وعقوق الوالدين وأكل أموال الناس بالباطل… إلخ. فأى فضائل يتحدث عنها الرجل فى عالمنا؟ ألم يلاحظ الرجل الفساد الذى استشرى فى البر والبحر على يد البشر؟ ألم يلاحظ أعمال العنف والتشريد التى كانت تحدث فى بلده سوريا وفى دولٍ أخرى من العالم حتى وفاته فى أواخر العام الماضى؟ ألم يدرك أن العالم على شفا حربٍ نووية؟ ألم يُبصِر كيف تعاملت الدول الغربية مع لاجئى بلاده؟ وكيف تدعم دولة كبرى أخرى صغرى تضطهد حقوق شعبٍ عربى وتغتصب أراضيه؟  

ثم إذا كانت أزماننا الحالية متطورة ومتقدمة وقادرة على التشريع لنفسها بعد انتهاء مرحلة التشريع الإلهى مع الرسالة الخاتمة التى جاءت للرسول صلى الله عليه وسلم، فما الحاجة الآن إلى القيام بعملية قراءة معاصرة لكتابٍ تشريعى مضى على نزوله أكثر من 1440 عاماً؟ ثم إذا افترضنا أن الرجل بعمليته هذه قد راجع نفسه ويريد فقط إزالة ما أحاط بها من أمور تسىء لها، فهل يمكن الخروج من هذا الكلام بأن هذه الرسالة صالحة لكل زمان ومكان، ولكن بحسب شروطنا نحن وما نريده نحن؟ للأسف رحل الرجل، بينما هذا ما فهمناه!

هذا، وحرىٌ بنا التأكيد فى نهاية ورقتنا هذه على ما يلى:

  • إن قضية التجديد فى عمومها ليست بالأمر اليسير، فتجديد شىء عظيم يتطلب الإحاطة بكافة جوانب ذلك الشىء وخباياه، حتى يكون تجديده على بصيرة كما يُفتَرَض ألا تؤدى عملية التجديد إلى إحداث أضرار أو مفاسد أو تقوم بتشويه الشىء وفقط، بغية إقناع الذات وهماً بنَيْلها شرف المحاولة والاجتهاد أو حتى بنجاح عملية التجديد. فلا يختلف اثنان على أن العملية البادية على هذا النحو ليست من التجديد فى شىء، وليست من الحُسن فى شىء، بل تُعَد غُبناً وسَفَهاً يستوجبان ضرورة الوقوف لصاحبهما بالمرصاد، لئلا يتعاظم الجهل، ويستشرى الفساد. وإذا كان هذا القول فى حق تجديد شىء عادى، فإنه من الأولى اتخاذ ما علا من الحذر والحيطة عند الحديث عمَّا شاع سماعه من قبيل “تجديد الخطاب الدينى”، بل و”تجديد الدين”؛ إذ إن هذا الأمر ليس بالهيِّن اليسير، بل إن مَن يمسسه دون تمكُّنٍ فى العلم يمسى على خطرٍ عظيم. وتكفى الإشارة فى هذا المقام إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يقول فيه: “مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ” ([63]). ومن ثَمَّ، حرىٌ بالمسلم أن يفكر مراراً وتكراراً قبل أن يطرق باب هذا السبيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث ماجستير في العلوم السياسية.

[1]  محمد شحرور. تجفيف منابع الإرهاب. (بيروت: مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة – الأهالى، الطبعة الأولى، 2008)، ص 15.

[2]  محمد شحرور. أم الكتاب وتفصيلها: قراءة معاصرة للحاكمية الإنسانية – تهافت الفقهاء والمعاصرين. (بيروت: دار الساقى، الطبعة الأولى، 2015)، ص 13.

[3]  محمد شحرور. دراسات إسلامية معاصرة فى الدولة والمجتمع. (بيروت: مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة – الأهالى، 1994)، ص 32.

[4]  محمد شحرور. الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة. (بيروت: مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة – الأهالى، 1990)، ص ص 35 – 36.

[5]  المرجع السابق، ص 19.

[6]  المرجع السابق، ص 44.

[7]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم (المنهج والمصطلحات). (بيروت: دار الساقى، الطبعة الأولى، 2016)، ص 11.

[8]  علماً بأن مَن يطَّلع على كتب د. شحرور يجده يستعين ببعض الأحاديث التى تعضد آرائه، على أن يسبقها أو يعقبها بقوله “إنْ صحَّ أو صحَّت”.

[9]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 21.

[10]  انظر: الكتاب والقرآن (1990)، ص ص 42 – 48؛ تجفيف منابع الإرهاب، ص ص 25 –  44؛ ودليل القراءة المعاصرة، ص ص 19 – 35، (جميعها مراجع سبق ذكرها).

[11]  انظر مفاد ذلك فى: الكتاب والقرآن (1990)، ص ص 24 – 25؛ ودليل القراءة المعاصرة، ص ص 27 و29.

[12]  وهذه الأسرار يحويها كتيبٌ ملحق بكتاب د. شحرور “الكتاب والقرآن (1990)”، من ص 741 فأعلى.

[13]  الكتاب والقرآن (1990)، مرجع سبق ذكره، ص 25.

[14]  المرجع السابق، ص 44.

[15]  انظر فى ذلك: دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره. ص ص 27 – 28.

[16]  انظر النص بلفظه فى المرجع السابق، ص ص 29 – 30.

[17]  المرجع السابق، ص 28.

[18]  الكتاب والقرآن (1990)، مرجع سبق ذكره، ص 25.

[19]  انظر “الذكر” فى “الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة” على موقع د. شحرور، على الرابط التالى: https://shahrour.org/?page_id=606#b1-1-2

[20]  أبو بكر جابر الجزائرى. هذا الحبيب يا محب، ص ص 16 – 17. متاح على الرابط التالى: https://ar.islamway.net/book/5377/.

[21]  “أنبياء العرب”. انظر الرابط التالى: https://www.islamweb.net/ar/fatwa/56981/

[22]  وذلك وفقاً للجمع بين الآيتين الثانية والثالثة من سورة الأنبياء: “مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3)”.

[23]  وعليه، يمكن فهم الآية على أنها: (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) أى: جديدٌ إنزالُه (إلا استمعوه وهم يلعبون) كما قال ابن عباس: ما لكم تسألون أهل الكتاب عما بأيديهم وقد حرفوه وبدلوه وزادوا فيه ونقصوا منه، وكتابكم أحدث الكتب بالله تقرءونه محضا لم يشب. انظر: تفسير ابن كثير للآية، على الرابط التالى: https://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura21-aya2.html#katheer

[24]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 102 – 103.

[25]  المرجع السابق، ص ص 91 – 92.

[26]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. معجم مقاييس اللغة. الجزء الرابع. تحقيق وضبط: عبد السلام محمد هارون. (دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1979)، ص ص 205 – 207.

[27]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 59 – 61.

[28]  المرجع السابق، ص ص 37 – 38.

[29]  وهى حصراً: الشرك بالله، عقوق الوالدين، قتل الأولاد من إملاق، الفواحش، قتل النفس التى حرَّم الله إلا بالحق، أكل مال اليتيم، الغش بالمواصفات (كيل وميزان)، شهادة الزور، نقض العهد، نكاح المحارم، الربا، الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع – إلا ما ذكيتم – وما ذُبح على النصب والاستقسام بالأزلام، الإثم والبغى بغير الحق، التقوُّل على الله تعالى. انظر: محمد شحرور. أم الكتاب وتفصيلها، مرجع سبق ذكره، ص ص 253 – 254.

[30]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 22 و23.

[31]  راجع فى ذلك تفسير الطبرى، ومعه أسباب النزول، انظر موقع: http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura5-aya67.html، وإذا احتج مؤيدو شحرور على هذا بحجة الاستناد إلى أحد التفاسير التراثية التى يرفضها الرجل، فنقول أن هذا هو الواضح من الآية دون أى تكلف.

[32]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 68 – 69.

[33]  محمد شحرور. الكتاب والقرآن (1990)، مرجع سبق ذكره، ص ص 38 – 39.

[34]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 104.

[35]  انظر قائمة المحرمات فى الهامش رقم 29 من هذه الأطروحة.

[36]  محمد شحرور. أم الكتاب وتفصيلها، مرجع سبق ذكره، ص ص 256 و303

[37]  المرجع السابق، ص 335.

[38]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص ص 52 – 53.

[39]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. معجم مقاييس اللغة. مرجع سبق ذكره، الجزء الثانى، ص 36.

[40]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 54.

[41]  محمد شحرور. الكتاب والقرآن (1990)، مرجع سبق ذكره، ص 199.

[42]  أحمد مُحمَّد زين المنّاوي، “تجربة ترقيم الآيات”. انظر الرابط التالى:

(https://quranway.com/article/%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%82%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%8A%D8%A7%D8%AA&pid=75&parent=65

[43]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 97.

[44]  محمد شحرور. الكتاب والقرآن (1990)، مرجع سبق ذكره، ص ص 193 – 194.

[45]  على جمعه محمد وسيف الدين عبد الفتاح (مشرفان). بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية. (القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، الجزء الثانى، 2008)، ص ص 640 – 641.

[46]  المرجع السابق، ص 641.

[47]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. معجم مقاييس اللغة. مرجع سبق ذكره، الجزء الأول، ص 132.

[48]  انظر تفصيل ذلك فى قواميس شتى على موقع المعانى: https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A1/

[49]  أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا. معجم مقاييس اللغة. مرجع سبق ذكره، الجزء الأول، ص ص 138 و139.

[50]  محمد شحرور. الكتاب والقرآن (1990). مرجع سبق ذكره، ص ص 608 و609.

[51]  يُراد هنا بالنص النص القرآنى الكريم، والمثال الذى ساقه شحرور لتوضيح هذه الفكرة هو أنه عندما نقرأ قوله تعالى: “والإثم والبغى بغير الحق” (الأعراف: 33)، فنحن نفهم ضمناً وبالضرورة أن هناك إثماً وبغياً بحق، ولو لم نقل ذلك لفظاً بالنص، وهذا ما يسمى المسكوت عنه. انظر: دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 26.

[52]  محمد شحرور. الكتاب والقرآن (1990). مرجع سبق ذكره، ص 51.

[53]  المرجع السابق، ص 38.

[54]  “ادعاء تعطيل عمر بن الخطاب لنصوص الشريعة حين رفض تقسيم الأرض المفتوحة على المسلمين الفاتحين”

http://www.bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=01-05-0004&value=&type=

و “الرد على مَن يطعن فى عمر بن الخطاب” (https://www.alukah.net/sharia/0/119859/).

[55]  محمد شحرور. الدولة والمجتمع، مرجع سبق ذكره، ص 27.

[56]  “الطعن فى أمانة أبى هريرة رضى الله عنه” (http://www.bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=03-01-0063&value=&type=#_ednref3)؛ “الرد العلمى على مَن يطعن فى أبى هريرة” (https://www.alukah.net/sharia/0/120474/)؛ “هل منع عمر رضي الله عنه أبا هريرة من رواية الحديث” (https://www.islamweb.net/ar/fatwa/49213/)؛ “تفنيد بعض الشبهات حول أبي هريرة رضي الله عنه” (https://www.islamweb.net/ar/fatwa/163029/)؛ و”دفاع عن أبي هريرة راوية الإسلام” (https://www.islamweb.net/ar/fatwa/52673/).

[57]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 16.

[58]  محمد شحرور. الدولة والمجتمع، مرجع سبق ذكره، ص 27. هذا، علماً بأنه يحفظ لسيدنا عبد الله بن عباس مكانته فى كبره، ويتحفظ فقط على روايته للحديث قبل بلوغه، بدعوى أنه كان لديه من العمر عشر سنوات حين وافت رسول الله صلى الله عليه وسلم المنية.

[59]  راجع الرابط التالى: https://www.alukah.net/sharia/0/113657/#ixzz6GKrpFseM

[60]  محمد شحرور. دليل القراءة المعاصرة، مرجع سبق ذكره، ص 62.

[61]  المرجع السابق، ص ص 16 – 18.

[62]  حيث طُرِدوا من بريطانيا 1275 وفرنسا – للمرة الثانية – 1306 وسكسونيا 1348 وهنغاريا – المجر حالياً – 1360 وبلجيكا 1370 وسلوفاكيا 1380 والنمسا 1420 وهولندا 1444 وأخيراً أسبانيا عام 1492. انظر: وليام غاى كار. أحجار على رقعة الشطرنج. ترجمة: سعيد جزائرلى. (دار النفائس، الطبعة الأولى، 1970)، ص 62.

[63]  الحديث رواه الإمام مسلم فى صحيحه (1017)، وكذا الترمذى وابن ماجه والنسائى فى سننهم، بأرقام (2675) و(204) و(2554)، على التوالى.

عن وليد القاضي

شاهد أيضاً

قراءة في فكر محمد شحرور ومعالجته للقرآن الكريم

د. مدحت ماهر الليثي

لا شك أن التجديد من أصول الإسلام ومبادئه ومقاصده، وهو من سنن الله تعالى في كونه وخلقه. والاجتهاد لإدراك الحق والحقيقة أمر واجب على كل إنسان؛ إعمالًا لنعمة العقل السوي والقلب السليم، واستجابًة لحث الله تعالى على ذلك "كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (البقرة: 242).

القراءات الحداثية للقرآن: وظيفة التأويلية الحداثية للقرآن في الخطاب المعاصر

أ. طارق حجي

رغم كثرة تلك الدراسات التي تتناول «القراءات الحداثية للقرآن»، سواء بشكلٍ تثميني أو بشكلٍ ناقد، إلا أنه يبدو وكأن معظم هذه الدراسات تنخرط مباشرة في نقاش طبيعة هذه التأويلية ونتائجها وتفاصيلها الجزئية، دون أن تتساءل أولًا حول سبب ظهور هذه التأويلية ضمن فضاء الخطاب الحداثي العربي والإسلامي من الأساس.

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.