الطبيبات ومهنة الطب في التاريخ الإسلامي

يتشرف مركز خُطوة للتوثيق والدراسات بنشر سلسـلة من الدراسات عن الرائدات من النساء المسلمات العالمات في القرون الإسلامية الأولى، والتي تميزت بكونها عصورًا من التقدم العلمي والازدهار الحضاري. تعكس هذه الدراسات الدور القوي للمرأة المسلمة في مختلف المجالات العلمية والعملية، وهو ما شهد انتكاسًا للأسف في العصور التالية. السلسلة للأستاذة الدكتورة أميمة أبو بكر، استهلها المركز بنشر دراسة بعنوان:  “المُحَدِّثَات في التاريخ الإسلامي”، ثم “الفقيهات والمفتيات والشيخات في التاريخ الإسلامي” وننشر الآن ثالث هذه المقالات بعنوان ” الطبيبات ومهنة الطب في التاريخ الإسلامي (ق 7م- ق 17م)”.

ثالثًا: الطبيبات ومهنة الطب في التاريخ الإسلامي*

أ. د. أميمة أبو بكر**

أ. د. هدى السعدي***

 

لماذا هذا البحث؟

قد يقول قائل في تعليقه على فكرة هذه الورقة حول طبيبات الإسلام: «هذا غير وارد، أنتن تكتبن عن شيء غير موجود تردن إيجاده». وهذه العبارة القاطعة تلخص فعلاً المشكلة قديمًا وحديثًا، فتعكس الإحباط الذي يواجه الباحثة في الوقت الراهن عند التنقيب عن مادة تاريخية وافية حول المسلمات في العصور الأولى والوسطى، كما تعبر عن الانطباع الحديث الذي نتج عن ندرة هذه المادة التاريخية وهو أن الأحداث أو الأنشطة إن لم تكن موجودة ساطعة ومؤكدة ومتواترة في سجلات التاريخ الرسمي فهي إذا غير هامة وغير جديرة بالدراسة ولم تستحق التدوين أصلاً. هذه نقطة؛ والنقطة الأخرى: تلك المسألة بالتحديد تمثل التحدي الأكبر للمجتهدات في التاريخ الإسلامي (وللمدرسة التاريخية النسوية بصفة عامة)، المهتمات بدراسة مكانة المرأة في المجتمعات الإسلامية وتحليل التصورات الثقافية والخطابات حول دورها في الحياة. ونحن نرى أن هذه العملية ضرورية حتى يتسنى لنا تتبع التغيرات التي تطرأ على النظرة إلى النساء وعملهن واشتراكهن في مجالات الحياة المتنوعة، والمقارنة بالنموذج المرجعي لتعاليم الإسلام. وفي النهاية قد نكون فعلاً نريد إيجاد شيء غير موجود وهو تفعيل الوعي التاريخي لدى النساء خاصة، لتعزيز الشعور بأنهن قد شاركن في صنع الماضي بكل سعة ممكنة وعلى مستويات متعددة. إن إضافة هذا البعد التاريخي والثقافي لدراسة موضوع النساء في الإسلام (إلى جانب الدراسات النظرية عن تعاليم القرآن والسنة النبوية فيما يخص المرأة المسلمة) من شأنه أن يلفت النظر إلى معنى تطور التشكيل الاجتماعي والثقافي لأدوار النساء والرجال عبر الحقب الزمنية المختلفة، وإلى فعاليات موازين القوة في الواقع وفي تدوين التاريخ واستدعائه.

هل كان هناك طبيبات احترفن المهنة بالفعل في التاريخ الإسلامي؟ وماذا تعني الإجابة لنا الآن كنساء؟ والشق الثاني من السؤال: هل برزت طبيبات بعينهن وهل تركن آثارًا نعرفها؟ ومرة أخرى ماذا تعني الإجابة على هذا السؤال لنساء المجتمعات الإسلامية الآن؟ نحاول هنا تحقيق هدفين شاملين: أو لا، إعادة تكوين صورة النساء المشتغلات بفروع الطب المختلفة لإبراز الموضوع وتأطيره وإعطائه مركزية لم ينلها؛ ثانيًا، وضع هذه الصورة التاريخية في إطار تحليلي جديد لا يأخذ بالفرضية الاستشراقية القائلة بأن المرأة المسلمة لابد وأن تكون مقهورة في كل زمان ومكان بحكم المرجعية الدينية القاهرة، ولا يسلم بأن العراقيل لم توضع في طريقها وأن الخطابات لم تنشأ لتبرير الاستهانة بها وتحجيم دورها في الحياة. وقبل الحديث عن النساء ودورهن نود أن نعطي القارئ نبذة سريعة عن الطب الإسلامي بوجه عام مع عرض لأهم مصادر البحث.

دراسة المصادر:

اعتمدنا في إعداد هذا البحث على عدد من المصادر والمراجع والدوريات العربية والأجنبية، وسوف نقصر حديثنا على عرض لأهم المصادر الأساسية والمراجع. وتأتي في المقدمة كتب الطبقات وأقدم ما بين أيدينا منها كتاب الطبقات الكبيرة لابن سعد (المتوفى سنة 230هـ/ 815م)، والذي عالج فيه الأرستقراطية العربية وقسمهم إلى مجموعات تبعًا لطبقة كل فرد منهم في الدولة الإسلامية سواء كان من الصحابة أو التابعين. وترجع أهمية هذا العمل بالنسبة لبحثنا إلى أن ابن سعد أفرد جزءًا كاملاً خصصه لمشاهير النساء ممن كن مقربات من الرسول والخلفاء الراشدين. وقد استطعنا أن نستخلص عددًا لا بأس به من النساء اللاتي شاركن في مجال الطب من هذا الجزء الخاص بالنساء، غير أن ذلك لم يكن بالأمر اليسير حيث إن المعلومات التي تناولت النساء والعمل الطبي جاءت متناثرة متفرقة عبر صفحات هذا الجزء من كتاب ابن سعد، هذا فضلاً عن أن العمل توقف عند بداية القرن الثالث الهجر/ الثامن الميلادي حينما توفى المؤلف، ولذا كان علينا البحث عن مصادر أخرى لسد النقص في الفترات الزمنية اللاحقة.

وإلى جانب كتاب ابن سعد هناك كتب طبقات أخرى أفادتنا إفادة كبيرة في بحثنا هذا، مثل كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (المتوفى سنة 630هـ/ 1232م) وكتاب الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852هـ/ 1448م) وقد سار هذان العملان على نفس نهج كتاب ابن سعد حيث أفرد كل واحد منهما جزءًا خاصًا من العمل لمشاهير النساء من الصحابيات والتابعيات. ولابن حجر عمل آخر وهو كتاب الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ويعتبر هذا الكتاب من أشهر كتب التراجم التي ظهرت في القرن التاسع الهجر/ الرابع عشر الميلاد. وكتب التراجم بوجه عام تتناول شخصيات متنوعة من ملوك وسلاطين ووزراء وكتاب وقواد جيوش وعلماء وفلاسفة وشعراء وفقهاء وأدباء وغيرهم ممن كان لهم آثار واضحة على مجتمعاتهم حيث أن المؤرخ غالبًا ما يترجم للشخصيات البارزة في بلد معين أو في قرن محدد. وابن حجر في عمله هذا اختار مشاهير المائة الثامنة للهجرة ليترجم لهم فترجم لخمسة آلاف ومائتين وأربعة ممن عاشوا في هذا القرن. من ضمنهم عدد من التراجم لمشاهير النساء غير أننا لم نجد في تراجم النساء هذه أي شيء يشير إلى أن واحدة منهن مارست مهنة الطب ولكن وجدنا أحيانًا ذكرًا لدور طبيبة في معرض ترجمة لشخص آخر مثل أن تكون أمه أو أخته أو ابنته.

ولكي نقوم بتغطية شاملة لكتب الطبقات والتراجم التي تناولت النساء بالدراسة كان لزامًا علينا أن نبحث في كتاب تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (المتوفى 463هـ/ 1073م) والذي أفرد فيه جزءًا خاصًا بنساء بغداد. وقد كان يحدونا الأمل عندما بحثنا في هذا الكتاب أن نجد إحدى نساء بغداد تكون قد شاركت في مهنة الطب ولكن الخطيب البغدادي أهمل دور النساء في هذا المجال وركز فقط على دورهن في الحياة السياسية والدينية وأعمال الخير.

ولتغطية أخبار النساء في المجتمع الإسلامي كان لابد أن نتطرق إلى نساء المغرب العربي ونحاول معرفة دورهن في مجال الطب. وهناك عدد كبير من كتب التراجم الخاصة بهذه المنطقة حيث أن كتاب المغرب العربي اهتموا اهتمامًا كبيرًا بتجميع تراجم وسير أشرافهم ومشاهيرهم مهتمين بإثبات نسبهم العربي بسبب اصطدام العنصرية العربية بعناصر بربرية وصقلبيه. ويعتبر كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (المتوفى سنة 463هـ/ 1073م) من أشهر كتب تراجم هذا الإقليم. غير أن هذا الكتاب لم يفرد جزءًا خاصًا بمشاهير النساء ولكن جاءت تراجم النساء فيه متداخلة مع تراجم الرجال فضلاً عن كونها قليلة جدًا في العدد. وبفحص تراجم النساء هذه لم نجد أي معلومة عن كون أي واحدة منها طبيبة ولكن وجدنا في تراجم الرجال ذكرًا لاثنتين النساء عملن في مجال الطب ونلن شهرة واسعة في بلاد الأندلس والمغرب العربي.

وإلى جانب كتب الطبقات والتراجم العامة هناك كتب طبقات متخصصة اهتمت بتدوين تاريخ أعضاء مهنة معينة أو صنعة معينة؛ مثال على ذلك الكتب التي تخصصت في طبقات الأطباء والتي من أشهرها كتاب عيون الأبناء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة (المتوفى سنة 668هـ/ 1270م) وكتاب طبقات الأطباء والحكماء لابن جلجل (المتوفى أواخر القرن الرابع الهجري/ التاسع الميلادي) وكتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء للقفطي (المتوفى سنة 646هـ/ 1248م). وهذه الكتب الثلاثة على الرغم من أهميتها للباحث في مجال الطب والأطباء في العالم الإسلامي إلا إنها تجاهلت تمامًا دور المرأة في هذا المجال فلم يأت في هذه الكتب الثلاثة سوى ذكر لامرأة واحدة مارست مهنة الطب ضمنها ابن أبي أصيبعة ضمن تراجم أطبائه. وهذا العزوف عن التأريخ الوافي للنساء يجب الوقوف عنده ومعرفة أسبابه. هل هو إهمال عن غير قصد أم تجاهل عن عمد ومحاولة لتصغير دور المرأة وشأنها في المجتمع؟ بوجه عام لم يبدأ التأريخ للأطباء في المجتمع الإسلامي إلا في العصور الوسطى خاصة الفترة التي ساءت فيها أحوال الأمة الإسلامية وانتشر التحرر من الضوابط الأخلاقية الأصلية، وقد انعكس هذا على وضع النساء حيث أن المجتمع قام بوضع المحاذير حول المرأة وعمل على عزلتها خوفًا مما قد تتعرض له من المفاسد وسدًا للذريعة، وأيضًا كرد فعل لهذا الفساد والتسيب الأخلاقي المتزايد في المجتمع ولذا جاء دورها في كتابات الرجال في هذه الفترة محدودًا للغاية إن لم يكن نادرًا[1]. هناك تفسير آخر تذكره الكاتبة روث روديد في كتابها المرأة في كتب الطبقات الإسلامية عن هذا الموضوع حيث قالت إن المرأة في العصور الإسلامية الوسطى ظهرت بصورة جلية على مسرح الأحداث السياسية وتدخلت في شئون الحكم بل أن بعضهن حكمن بالفعل وقد كان حصول المرأة على هذه السلطة السياسية وسيطرتها على مقاليد الحكم مستفزًا لبعض الحكم والمؤرخين الذين قاموا بعزل المرأة من كتاباتهم أو بتقليص دورها في مختلف المجالات كرد فعل لهذا الوضع الجديد الذي رأوا أنه مخالف لتقاليد الإسلام وتعاليمه[2]. ولنا في الجزء الأخير من هذه الورقة تعليق آخر على هذه النقطة.

وبالإضافة إلى كتب الطبقات المتخصصة وغير المتخصصة هناك كتب التاريخ العامة التي من أهمها كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري (المتوفى سنة 310هـ/ 922م). وفي هذا الكتاب يتناول الطبري أخبار البشر من عهد آدم حتى عصره، ومرتبة ترتيبًا زمنيًا. لقد قدم لنا هذا الكتاب مادة علمية واسعة عن أحداث القرن الأول والثاني للهجرة واستطعنا أن نتعرف من خلاله على وضع المرأة بوجه عام في هذا المجتمع وهو الأمر الذي كان ضروريًا للتعرف على تطور انخراط النساء في حياة الجماعة والحياة المهنية العامة.

وتمثل كتب الحسبة أهمية خاصة فهي من أهم مصادر التراث الحضاري وتصور بدقة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمهنية في العصور الإسلامية مثل كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام المحتسب وكتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن عبد الرحمن الشيرازي وكتاب الحسبة في الإسلام لابن تيمية وكلها كتب أمدتنا بمعلومات هامة جدًا وقيمة عن طبيعة مهنة الطب في المجتمع الإسلامي وأصول ممارستها.

وإلى جانب كل هذه المصادر هناك كتاب الأغاني للأصفهاني وهذا الكتاب مثير للاهتمام فهو كتاب موسيقي وغناء وطرب وقد ترجم مؤلفه لأكثر المغنيين والمغنيات المشهورين في صدر الإسلام والدولتين الأموية والعباسية يغير إننا وجدنا أن بعض المغنيات المشهورات عملن في مجال الطب وخاصة الطب النسوي (الولادة والقِبالة).

ومن كل ما سبق ذكره نلاحظ أنه على الرغم من كثرة المصادر عن الطب والأطباء إلا أن المعلومات الخاصة بدور المرأة في مهنة الطب كانت قليلة ومتناثرة ولذا كان علينا بذل مجهود كبير لتجميع هذه المعلومات ومحاولة استنباط ما بين السطور من أجل الحصول على صورة حقيقية لدور النساء في مهنة الطب ولكي نستشف بقدر الإمكان وضعهن وظروفهن في ظل هذا العمل وتصور المجتمع لهن.

ومثلما كان الحال مع المصادر كان الحال أيضًا مع المراجع هناك مراجع كثيرة تناولت الطب الإسلامي وحياة الأطباء وطرق ممارستهم لمهنة الطب غير أن هذه المراجع لم تذكر دور المرأة في هذا المجال سوى بطريقة عابرة وسطحية في سطور قليلة ينقصها التحليل والتدقيق في مسألة دور المرأة المطموس في هذا التاريخ ومسألة التوزيع غير المتكافئ في إتاحة الفرص التعليمية والمهنية. وأملنا أن نسد هذه الثغرة أو نفتح الباب تجاه هذا السبيل ونحقق الفائدة المرجوة التي تحتاجها المكتبة التاريخية الإسلامية.

نشأة الطب الإسلامي:

كان للعلوم الطبية مكافحة خاصة في الإسلام حيث أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان دائمًا يحث الصحابة على البحث عن الشفاء بوسائل العلاج والتطبب المعروفة، مما شجع المسلمين على وضع علم الأبدان في مصاف واحد في أهميته مع علم الأديان[3]، وهكذا اهتم المسلمون بصناعة الطب اهتمامًا كبيرًا فتسابقوا لدراسة الطب بكل نظرياته وقوانينه وأصوله العملية والنظرية، ومنذ بداية الإسلام وحتى اليوم نجد أن تاريخ الدولة الإسلامية حافل بأسماء أطباء عظام خدموا دولتهم والعالم أجمع وأسماؤهم ما زالت تتردد حتى اليوم في الأوساط الطبية في الشرق والغرب. ولكن مثلما كان هناك عدد كبير من الأطباء المشهورين كانت هناك أيضًا طبيبات مسلمات شاركن في مهنة الطب منذ بداية الإسلام وكن جزءًا من تطورها وتدرج أطوارها. غير أن هؤلاء الطبيبات لم ينصفهن التاريخ بل تجاهل دورهن ووجودهم ولذلك رأينا لزامًا علينا أن نظهر دور هؤلاء الطبيبات ونوضح مدى مشاركتهن في الحياة الطبية في الدولة الإسلامية. ولكن قبل الدخول في أية تفاصيل عن حياة هؤلاء الطبيبات أو تحليل البيانات الخاصة بهن، نود أن نقدم للقارئ نبذة سريعة عن مهنة الطب في المجتمع الإسلامي بوجه عام.

الطب، علم الأبدان، «العلم الحافظ للصحة الموجودة والراد للصحة المفقودة»[4]، يعتبر من أكثر العلوم التي أولاها المسلمون رعايتهم واهتمامهم. وقد بدأ اهتمام المسلمين بهذا العلم منذ بداية عهد الإسلام حينما كان الرسول، كما ذكرنا سابقًا، يحث المسلمين على دراسة الطب والتخصص فيه. ومن أجل دراسة هذا العلم دراسة مستفيضة اتجه المسلمون الأوائل إلى قراءة التراث الطبي اليوناني والفرعوني والهندي والبابلي وقد كان للتراث الطبي اليوناني أكبر الأثر على الأطباء المسلمين حيث أن حضارة اليونان تعتبر من أكثر حضارات العالم ثراءً في الإنتاج الطبي[5]. عكف الأطباء المسلمون على دراسة التراث الطبي اليوناني باجتهاد فقاموا بقراءته كله وترجمته ترجمة تفصيلية ثم أضافوا إليه خلاصة تجاربهم وملاحظاتهم العلمية الدقيقة وأخرجوا نظريات طبية جديدة ما زال العالم يتحدث عن عظمتها حتى اليوم[6].

وبسبب أهمية كتب التراث الطبي اليوناني كان من الواجب على طالب الطب أن يبدأ دراسته بقراءة أشهر كتبها مثل كتب أبقراط وجالينوس. ثم بعد ذلك كان الطالب ينتقل إلى كتب مشاهير الأطباء العرب ولقد كان الطالب يعتمد أساسًا على أسلوب الحفظ عن ظهر قلب، وكانت فكرتهم في ذلك تقوم على أساس أن الحفظ يحفظ المادة العلمية عبر السنين في حالات ضياع أو تلف الكتاب أو المصدر[7]. ولم يكن هناك منهج محدد أو كتب معينة يجب أن ينتهي الطالب من دراستها حتى ينال الإجازة ولكن كان كل أستاذ يعطي الطالب الإجازة وفقًا لتقديره وبوجه عام لم تتطلب دراسة الطب السفر والترحال الكثير مثلما كانت تقتضي دراسة العلوم الدينية. وربما كان هذا من العوامل التي يسرت هذا المجال للمرأة في المجتمع المسلم.

كانت هناك ثلاثة طرق رئيسية يستطيع من خلالها طالب الطب أن يحصل على الإجازة ويصبح طبيبًا ممارسًا للمهنة:

أ-   دراسة الطب في المستشفيات حيث كان الطالب يتدرب على مهنة الطب تدريبًا عمليًا فيقضي وقته مع المرضى يتابع حالاتهم المختلفة وتطورات أمراضهم. وإلى جانب الدراسة العملية كان هناك جانب نظري لدراسة الطب في المستشفيات حيث أن معظم المستشفيات في العالم الإسلامي كانت تحتوي على قاعات للمحاضرات ومكتبات كبيرة.

ب- دراسة الطب في مدارس خاصة متخصصة: غالبًا ما كان أطباء مشهورون بإدارة مثل هذه المستشفيات.

ج-  طريقة التدريس الخصوصي: وهي حينما يلازم طالب واحد أو طالبان على الأكثر طبيبًا مشهورًا للتعلم منه، وغالبًا ما يلازم الطالب أستاذه في العيادة والمستشفى والزيارات المنزلية، يتعلم منه طريقة فحص المريض وتشخيص الأمراض. وفي كثير من الأحيان يكون الأب هو الأستاذ أو المعلم الخصوصي لابنه أو لابنته حيث أن توارث مهنة الطب بين أبناء الأسرة الواحدة كان أمرًا شائعًا في العصور الإسلامية الأولى والوسطى[8].

وإلى جانب هذه الطرق الرئيسية في تعلم الطب كانت هناك طريقة تعلم الطب بالممارسة والخبرة العملية بدون دراسة رسمية أو منهجية وقد ذكر «جواتيين» في كتابه مجتمع البحر المتوسط أن عددًا كبيرًا من نساء اليهود مارسن هذا النوع من الطب العملي فلم يدرسن في مدارس أو يتعلمن في مستشفيات وإنما اكتسبن الخبرة في هذا المجال بالممارسة. وهذا النوع من الطبيبات كن ينتمين للطبقة الفقيرة والمتوسطة بأعداد غير قليلة[9]. ومن الممكن لهذه الظاهرة أن تنسحب على بقية أفراد المجتمع العربي المسلم في ذلك الوقت حيث أن اليهود عاشوا وعملوا داخل الدولة العربية الإسلامية وتحت رايتها وفي ظل نظامها الاجتماعي والمهني العام. إلا إنه رغم وجود عدد كبير من النساء المسلمات الممارسات لطب العامة في هذه الطبقات، هناك أدلة على وجود عدد لا بأس به من الطبيبات اللاتي درسن من خلال القنوات الرسمية وفي سياق مجتمع الصفوة، وتعلمن على أيدي كبار الأطباء مثل القوابل اللاتي تعلمن الطب من الطبيب الأندلسي المعروف الزهراوي وعملن مساعدات له[10].

وبعد أن ينتهي الطالب من دراسة الطب بأي من الطرق السابقة الذكر يبدأ في ممارسة المهنة مباشرة في المستشفيات والعيادات أو في بيوت المرضى. ويزور الطبيب المريض الغني في بيته حيث أن الأغنياء فقط كانوا قادرين على جلب الأطباء لعلاجهم في بيوتهم بينما يذهب أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة إلى المستشفيات للعلاج حيث كان العلاج بالمجان. ويعتبر المؤرخون أن «خيمة رفيدة» -إحدى المسلمات الأوليات- أول مستشفى في الإسلام وقد كان يتم فيها تضميد جروح المسلمين وعلاجهم في الحروب. وبعد هذه البداية وضعت أساسها امرأة في المجتمع الإسلامي الأول بدأ المسلمون يهتمون بالمستشفيات وعملوا على تطويرها وازدهارها في العصور التي تلت. وقد ذكر لنا المؤرخ أحمد عيسى في كتابه تاريخ البيمارستانات أن طبيبة تعرف باسم ابنة شهاب الدين الصائغ كانت تعمل بدار الشفاء المنصوري، أكبر مستشفى في مصر في العصور الوسطى وكان لها دور بارز فيه[11]. وسنتحدث فيما بعد عن هذه الطبيبة بالتفصيل.

وإلى جانب عمل المرأة في المستشفيات عملت المرأة أيضًا في العيادات وقامت بزيارات منزلية لمداواة مرضاها مثلها مثل الرجال، فقد ذكر الطبري في كتابه تاريخ الرسل والملوك أن «أبو الحسن المتطبب بباب المحول قال: جاءتني امرأة … فقالت لقد طفت لعلاج جرحى فوصفوا لي هذا المكان أريد أن تعالج شيئًا في كتفي قلت لها: أنا كحال وههنا امرأة تعالج النساء وتعالج الجراحات فانتظري مجيئها فقعدت فقمت معها إلى المتطببة لما جاءت أوصيتها بها فعالجت جرحها وأعطتها مرهمًا»[12]. و «هذا المكان» الذي يتحدث عنه الطبري هنا هو مثل العيادة العامة بها تخصصات كثيرة من ضمنها هذه الطبيبة الجراحة التي تعمل في نفس المكان مع الأطباء الرجال ويرشحها الرجال لمن يحتاج إلى جراحة. أما عن زيارات المرأة الطبيبة لمرضاها في البيوت فقد كانت كثيرة حيث إن القوابل والعاملات في مجال النساء والولادة كن يقمن بعملهن هذا في البيوت. وقد تحدث ابن الحاج في كتابه المدخل الذي جاء فيه تسجيل لبعض جوانب حياة النساء في القاهرة المملوكية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادي، عن كيف كان الناس يستقبلون القوابل في بيوتهم والترتيبات التي كانت تقوم بها القابلة استعدادًا لذهابها إلى بيت الحامل والمهام الخاصة بالتوليد ورعاية الأم والطفل بعد الولادة[13].

وبعد أن عرضنا الأماكن التي كان يمارس فيها الطبيب أو الطبيبة مهنة الطب نود أن نعرض أساليب العلاج وطرق المداواة التي كانت متبعة في هذه العصور. وقد لاحظنا أن المؤرخين لم يقدموا لنا وصفًا دقيقًا لطرق علاج المرضى في هذه الفترة المعنية وقد يكون السبب في هذا أن طرق العلاج نفسها لم تكن دقيقة، فنجد مثلاً أن ابن أبي أصيبعة أشهر من أرخ للأطباء لم يعطنا وصفًا دقيقًا لكيفية تشخيص الأمراض ومداواتها أو أي تفاصيل للأدوية المركبة وطرق تركيبها، ولكننا علمنا من كتب الحسبة معلومات عن بعض الممارسات الجراحية التي مارسها الأطباء في العصور الإسلامية الأولى والوسطى والتي كان من أشهرها وأهمها أسلوب الكي والفصد والحجامة[14]. وإلى جانب هذه الإجراءات الجراحية البسيطة عرف الأطباء في هذه العصور العمليات الجراحية المعقدة مثل جراحات البطن والفتق والدوالي والبواسير والنواصير، كذلك عرفوا جراحات المسالك البولية وجراحات النساء والجراحات الخاصة بالأطفال، هذا كله فضلاً عن جراحات الأورام والعظام وجراحات الحروب[15]. ولكن على الرغم من تطور أساليب الجراحة وتنوعها إلا أن الأطباء في هذه العصور كانوا يفضلون تجنب التدخل الجراحي ويحاولون معالجة المرضى بالأدوية والعقاقير. وقد كان للمرأة نصيب كبير في مجال الجراحة وسنرى فيما بعد كيف أن الجراحات بوجه عام – وعلى غير ما نتوقع أو نعرف – كانت من المجالات التي اشتغلت فيها أيضًا المرأة الطبيبة، إلى جانب القبالة والتوليد والكحالة والعيون.

أما بالنسبة للأدوية والعقاقير كان الأطباء في هذه العصور يهتمون بدراسة أنواع العقاقير المختلفة ويحاولون إعداد وتجهيز أنواع مختلفة من الترياق والدواء. وفعلاً نجح الأطباء المسلمون في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي في اكتشاف وإعداد ثلاثة آلاف نوع من الدواء لم تكن معروفة لغيرهم من الأطباء في البلدان الأخرى[16]. ولقد كانت هناك ثلاث فئات في المجتمع مرتبطة بإعداد الأدوية والعقاقير:

1-  الشرابين: يبيعون عقاقير عبارة عن سوائل غالبًا ما تصنع من العسل.

2-  العطارين: يبيعون الأعشاب الطبية المختلفة وإلى جانبها يبيعون العطور والبهارات.

3-  الصيادلة المتخصصين: على علم كبير بصناعة وحفظ الأدوية والعقاقير البسيطة والمركبة[17].

ومن المؤكد أن النساء عملن في مجال تركيب الأدوية، حيث تقابلنا تفاصيل عارضة عن استخدام النساء لقطرات أو مراهم قمن بتركيبها مثل الطبيبة السالفة الذكر في الطبري وزينب بنت بني أود (ستأتي لاحقًا) والتي كانت تكحل من به رمد فتعالجه، كذلك ذكرت لنا المصادر أن ابن سينا كان يستخدم قطرة بطب العيون ركبتها امرأة خبيرة بصناعة الطب[18]. كما نقرأ أيضًا عن ست الشام خاتون وهي شقيقة توران شاه (من ملوك بني أيوب)، المتوفية سنة 616هـ، فكانت تتبنى وتشرف على «تصنيع بدارها أشربة وسفوفات وعقاقير بمبلغ عظيم ليفرق على الناس»[19].

وترتبط مهنة الطب في المجتمعات الإسلامية بوظيفة «المحتسب» وهو الموظف المختص بضبط الأخلاق العامة والإشراف عليها في الدولة الإسلامية، «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»[20]. وكان المحتسب يشرف على جميع المهن في المجتمع بما فيها مهنة الطب والصيدلة، وكان يشترط على الطبيب أن يأخذ قسمًا قبل الحصول على الإجازة لممارسة المهنة ويتأكد من قدرة الطبيب على تشخيص المرض والعلاج: «يطلب سائر الأطباء بما شرحه يوحنا بن ماسويه المتطبب في كتابه المعروف بـ محنة الطبيب فمن وجده قيمًا بجميع ما حوته شروطه فصلاً آمره في معيشته ومن كان بضد ذلك صرفه عن هذه المعيشة ويمضي في الدروس فيلزم قراءة الكتب قبل انتصابه لمداواة الناس لما في ذلك من الضرر الواقع بالمرضى»[21]. وقد دون المحتسبون في كتاباتهم أصول مهنة الطب وشروط ممارستها وعلاقاتهم المباشرة بالأطباء وعلى رأسهم شيخ الأطباء أو – رئيس الأطباء – الذي كان يتولى هذا المنصب بتعيين من المحتسب[22].

وعلى الرغم من أن المحتسب ذكر تفاصيل دقيقة عن مهنة الطب إلا أنه لم يذكر شيئًا عن المرأة الطبيبة ولكن في أغلب الظن أن المحتسب حينما تحدث عن الطبيب كان يقصد أي شخص يمارس مهنة الطب رجلاً كان أو امرأة فمن المؤكد أنه كانت هناك علاقة مباشرة بين المحتسب والمرأة الطبيبة حيث أن المحتسب كان يشرف على مهنة الطب بكل تخصصاتها بما فيها مجال النسا والولادة الذي كان مليئًا بالنساء طبيبات وقوابل وممرضات.

النساء الطبيبات في التاريخ الإسلامي:

بعد رصد الطبيبات التي جاء ذكرهن في المصادر التاريخية المختلفة في كتب الطبقات والتراجم والسير والتاريخ العام تمكننا من حصر أربعة وعشرين اسمًا لنساء ساهمن في مجال الطب والعلاج وتم إدراجهن في السجلات التاريخية على اعتبار أنهن طبيبات أو لهن إسهامات تستحق الذكر. وعند ترتيب البيانات الخاصة بهن في شكل جداول، حصلنا على صورة عامة ولكن أيضًا مركزة لطبيعة وظروف هذه الفئة من نساء المجتمعات الإسلامية المبكرة.

والجدول التالي يعرض أسماء هؤلاء الطبيبات والمصادر التي تحدثت عنهن:

جدول رقم (1)

م الطبيبات المصادر
1 رفيدة الإسلامية أسد الغابة لابن الأثير
الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر
2 الربيع بنت معوذ الأنصارية الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر
3 أمية بنت قيس الغفارية أسد الغابة لأبن الأثير
4 سلمى أم رافع الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر
5 معاذة الغفارية أسد الغابة لابن الأثير
6 كعيبة الإسلامية كتاب الطبقات الكبير لابن سعد
7 ليلى الغفارية الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر
8 أم العلاء الأنصارية أسد الغابة لابن كثير
9 أم عطية الأنصارية أسد الغابة لابن الأثير
كتاب الطبقات الكبيرة لابن سعد
10 فريدة الكبرى الأغاني للأصفهاني
11 زينب طبيبة بني أود طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة
12 خرقاء العامرية الأغاني للأصفهاني
13 سلامة القس الأغاني للأصفهاني
14 حبابة الأغاني للأصفهاني
15 متيم الهاشمية الأغاني للأصفهاني
16 رحاص الأغاني للأصفهاني
17 محبوبة الأغاني للأصفهاني
18 فضل جارية المتوكل الأغاني للأصفهاني
19 أم أسية القابلة حسن العقبي لابن الداية
20 أم أحمد القابلة تحفة الأحباب للسخاوي
21 أخت أبو بكر بنت زهر وابنتها الاستيعاب لابن عبد البر
22 جارية أبي عبد الله الكنان البيان المغربي لابن عذارى
23 أم الحسن بنت القاضي الدرر الكامنة لابن حجر
24 ابنة شهاب الدين الصائغ خلاصة الأثر للمحبي

 

جدول رقم (2)

م الطبيبات تاريخ الميلاد/ الوفاة الميلاد/ الإقامة
1 رفيدة الإسلامية عصر الرسول المدينة
2 الربيع بنت معوذ الأنصارية عصر الرسول المدينة
3 أمية بنت قيس الغفارية عصر الرسول المدينة
4 سلمى أم رافع مولاة الرسول عصر الرسول المدينة
5 معاذة الغفارية عصر الرسول المدينة
6 كعيبة الإسلامية عصر الرسول المدينة
7 ليلى الغفارية عصر الرسول المدينة
8 أم العلاء الأنصارية عصر الرسول المدينة
9 أم عطية الأنصارية عصر الرسول المدينة
10 فريدة الكبرى العصر الأموي الحجاز ثم الشام
11 زينب طبيبة بني أود العصر الأموي الشام
12 خرقاء العامرية العصر الأموي الجزيرة العربية
13 سلامة القس العصر الأموي المدينة – الشام
14 حبابة توفيت سنة 105هـ البصرة
15 متيم الهاشمية توفيت سنة 244هـ البصرة
16 رحاص توفيت سنة 245هـ بغداد
17 محبوبة توفيت سنة 247هـ العراق
18 فضل جارية المتوكل توفيت سنة 257هـ بغداد
19 أم أسية القابلة الدولة الطولونية مصر
20 أم أحمد القابلة العصر المملوكي مصر
21 أخت أبو بكر بنت زهر وابنتها الدولة الموحدية الأندلس
22 جارية أبي عبد الله الكنان الوفاة في القرن 5هـ المغرب العربي
23 أم الحسن بنت القاضي موجودة سنة 750هـ الأندلس
24 ابنة شهاب الدين الصائغ موجودة سنة 1036هـ مصر

من عرض العصر الذي عاشت فيه الطبيبات ومكان ميلادهن أو إقامتهن نجد أن معظم الطبيبات كن ينتمين للعصر الإسلامي الأول – عصر الرسول والصحابة – فثمان نساء من أربع وعشرين عشن في عصر الرسول والصحابة، أما الباقيات عشن في عصور متفرقة مثل العصر الأموي والعباسي والطولوني والمملوكي والموحدين في المغرب والأندلس. ونلاحظ أيضًا من هذا الجدول أنه باستثناء المدينة مقر إقامة الطبيبات الأوليات ليس هناك بلد واحد أو مدينة واحد اشتهرت بظهور الطبيبات بين أهلها أكثر من غيرها فتوزيع الطبيبات –بالجدول- على البلاد الإسلامية جاء بنسب متساوية تقريبًا.

ويعد وجود معظم الطبيبات في الفترة الإسلامية الأولى دليلاً على تشجيع الرسول والمسلمين الأوائل للمرأة على العمل في هذا المجال فأبلت المرأة بلاءً حسنًا في صناعة الطب ومداواة الجرحى الأمر الذي أخذ في التقلص مع مرور الزمن حتى أننا كما هو واضح من الجدول لم نستطع حصر أكثر من اسم أو اسمين لطبيبات مشهورات في كل عصر من العصور التي تلت، ولكن يمكن القول أن دور المرأة لم يختف اختفاءً حقيقيًا بقدر ما تقلصت كتابات المؤرخين عن المرأة وتسجيلهم لدورها وحياتها، فلا نعتقد أن نمط التأريخ المتناقص كما هو واضح في نموذج الجدول يتطابق تطابقًا تامًا مع الواقع. وقد أبدى المؤرخون الأوائل استعدادًا كبيرًا لتسجيل عدد كبير من النساء وأعمالهن وكل جوانب حياتهن ليكن مثالاً تحتذي به النساء في العصور التي تلت بينما لم تحظ النساء المتأخرات بنصيب عادل في التأريخ بسبب التباين حيث كان الاتجاه العام للمجتمع هو عزلهن وتجنب الحديث عن أعمالهن كرد فعل أو خوفًا من التسيب الأخلاقي والتحرر من العفة الذي تحدثنا عنه من قبل.

جدول رقم (3)

م الطبيبات التخصص المكانة الاجتماعية
1 رفيدة الإسلامية جراحة حروب من المسلمات الأوائل وصاحبة أول مستشفى في الإسلام.
2 الربيع بنت معوذ الأنصارية جراحة حروب من المسلمات الأوائل المبايعات للرسول عند الشجرة.
3 أمية بنت قيس الغفارية جراحة حروب من المسلمات الأوائل.
4 سلمى أم رافع مولاة الرسول قابلة وممرضة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 معاذة الغفارية جراحة حروب من المسلمات الأوائل.
6 كعيبة الإسلامية جراحة حروب من المسلمات الأوائل.
7 ليلى الغفارية جراحة حروب من المسلمات الأوائل.
8 أم العلاء الأنصارية تمرض المرضى (غير محدد) من المسلمات الأوائل المبايعات للرسول.
9 أم عطية الأنصارية الكحالة من المسلمات الأوائل.
10 فريدة الكبرى مولدة – أمراض نسا جارية.
11 زينب طبيبة بني أود الكحالة كانت طبيبة مشهورة وذائعة الصيت بين العرب.
12 خرقاء العامرية الكحالة إحدى نساء بني عامر بن ربيعة، شاعرة وعارفة بالأدب والغناء.
13 سلامة القس مولدة – أمراض نسا جارية وشاعرة ومغنية.
14 حبابة مولدة – أمراض نسا من جواري الخليفة الأموي.
15 متيم الهاشمية مولدة – أمراض نسا جارية وشاعرة وعارفة بالأدب.
16 رحاص مولدة – أمراض نسا جارية ومغنية.
17 محبوبة أمراض نسا جارية وشاعرة.
18 فضل جارية المتوكل أمراض نسا جارية الخليفة المتوكل العباسي.
19 أم أسية القابلة قابلة – أمراض نسا قابلة أولاد السلطان خمارويه.
20 أم أحمد القابلة قابلة – أمراض نسا اشتهرت لأنها كانت تقبل لوجه الله.
21 أخت أبو بكر بنت زهر وابنتها أمراض نسا أخت طبب مشهور وكانت تعالج نساء الخليفة الموحدي جارية.
22 جارية أبي عبد الله الكناني علم الطبائع والتشريح جارية.
23 أم الحسن بنت القاضي فنون من الطب (غير محددة) ابنة قاض مشهور.
24 ابنة شهاب الدين الصائغ لم يحدد تخصصها تولت مشيخة الطب.

نلاحظ من الجدول السابق أن النساء بصفة عامة تخصص في ثلاث مجالات: جراحة الحروب، القبالة وأمراض النساء، والكحالة وأمراض العيون. فهناك سبع طبيبات من أربع وعشرين تخصصن في جراحة الحروب بينما إحدى عشرة اشتغلن بأمراض النسا والولادة في حين أن اثنتين فقط عملتا في مجال العيون وأربعة طبيبات لم تحدد تخصصاتهن. وفي كل واحد من هذه التخصصات كان يعتمد على المرأة لكي تشفي مرضاها وتخفف عنهم آلامهم. فمن أهم الممارسات التي قامت بها النساء في جراحة الحروب كان تطهير الجروح والمحافظة على نظافتها ووقف النزيف. وقد كانت هناك عدة أساليب تلجأ إليها المرأة الطبيبة لوقف النزيف مثل استخدام الصوف المحروق والضغط به كرباط على الجرح كما كن يلجأن أيضًا لأسلوب الكي لوقف النزيف[23]. هذا كله فضلاً عن قيام النساء بإخراج السهام من جرحى الحرب وهو أمر شاق للغاية، غير أن المرأة أثبتت وعيًا وحسن تصرف في عمليات إخراج السهام هذه فقد ذكرت لنا المصادر كيف أن رفيدة الأسلمية عندما رأت سعد بن معاذ قد أصابه سهم في صدره تصرفت بحكمة ووعي فأسرع بإيقاف النزيف ولكنها أبقت السهم في صدره لأنها كانت تعلم أنها إذا سحبت أو أخرجت السهم سيحدث نزيف لا يتوقف في الجزء المقطوع[24].

أما بالنسبة لأمراض النسا والقبالة فقد ذكرت لنا بعض المصادر وصفًا للممارسات التي كانت تقوم بها المرأة الطبيبة المتخصصة في هذا المجال فوصف لنا ابن الداية في كتابه المكافأة وحسن العقبى كيف أن قابلة أولاد خمارويه كانت تمسح جوف الحامل وتنتظر حتى يأتيها المخاض فتجلسها على كرسي الولادة التي كانت تتم عليه الولادة بسهولة[25]، هذا كله فضلاً عن العمليات المعقدة التي كانت تقوم بها القوابل والتي سنتحدث عنها بالتفصيل فيما بعد مثل عملية إخراج الحصاة من النساء. وقد تدربت القوابل تدريبًا جيدًا على أيدي كبار رجال الطب مثل الزهراوي وتعلمن استخدام الآلات الجراحية مثل المشداخ الذي يشد به رأس الجنين أو المدفع الذي يدفع به الجنين وكذلك اللولب الذي يفتح به فم الرحم[26]. أما عن الكحالة وطب العيون فالطبيبتان المذكورتان في الجدول لم تذكر لنا المصادر أن أية واحدة منهما قامت بجراحات في العيون ولكنهما عالجتا مرضاهما بالقطرات التي اشتهرتا بتركيبها[27].

وإذا انتقلنا بعد ذلك للجزء الثاني من الجدول الخاص بمكانة الطبيبة الاجتماعية سنجد أن معظم الطبيبات اللاتي تم حصرهن كن ينتمين بطريقة أو بأخرى إلى الحكام أو الصفوة. وهذا الأمر يثبت أن المؤرخين اهتموا فقط بأخبار هؤلاء المشهورات من النساء مما يجعلنا نقول إنه كان هناك بالطبع عدد أكبر من الطبيبات اللاتي لم ينلن حظ إدراج أسمائهن في كتب التاريخ بسبب بعدهن عن «الخاصة» وارتباطهن بـ «العامة»، والدليل على ذلك وجود ثلاث طبيبات فقط من الأربع والعشرين طبيبة المعنيات، لم يرتبطن بالسلطة أو الصفوة، ولكن نلن شهرة بسبب براعتهن في المهنة: زينب الأودية وخرقاء العامرية وأم أحمد القابلة.

كذلك ومن اللافت للنظر في الجدول السابق وجود عدد كبير من الجواري اللاتي تخصصن في مجال أمراض النسا وكن مولدات مما يغير في أذهاننا الصورة النمطية للجارية كرمز للمتعة واللهو فقط. حيث إن معظم هؤلاء المولدات كن أيضًا عارفات بالأدب والفنون. وخير مثال على ذلك جارية الطبيب أبي عبد الله الكناني التي وصفها ابن عذارى بقوله: «لم ير في زمانها أخف منها روحًا ولا أسرع حركة ولا ألين عطافًا ولا أطيب صوتًا ولا أحسن غناء ولا أجود كتابة ولا أجود خطًا ولا أبدع أدبًا ولا أحضر شاهدًا مع السلامة في اللحن في كتبها وغنائها لمعرفتها بالنحو واللغة والعروض إلى المعرفة بالطب وعلم الطبائع ومعرفة التشريح وغير ذلك مما يقصر عنه علماء الزمان»[28]. ومعنى ذلك أنها نبغت في علوم اللغة والأدب والشعر إلى جانب العلوم الطبية والتشريح.

النساء والعمل العام:

بعد عرض وتحليل مضمون الجداول نلقي الضوء على بعض النقاط المتعلقة بالموضوع بوجه عام؛ فمثلاً نلاحظ ارتباط نشاط الصحابيات أثناء عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مجال التمريض والتطبيب بميادين القتال والغزوات حين كن يخرجن كمقاتلات وساقيات وآسيات[29]، يحاربن ويقتلن الأعداء، يناولن السهام على سبيل الإعانة في خضم رحى المعركة، ويسقين القوم، و «يغزلن» الشعر الحماسي لتشجيع المحاربين في الصفوف، ثم يداوين الجرحى ويمرضنهم أو حتى يقمن بدفنهم ونقل الجثث في آخر الأمر. أي أن هؤلاء النساء الصحابيات كن مجاهدات بحق، تواجدن في كافة مراحل ومجالات الجهاد من أوله حتى آخره. نجدهن في كل مكان يقمن بكل هذا في نفس الوقت، يشاركن في أي نشاط موجود على الساحة يعين الأمة في كفاحها ويقمن بما لزم لدفع ونصرة المسلمين. في هذه المرحلة المبكرة لم يتم إقصاؤهن أبدًا عمدًا أو الحد من حركتهن بأية حجة من الحجج، بل استفاد مجتمع المسلمين من قدراتهن المتنوعة وتكبدهن لأنواع المشاق من هجرة وارتحال وغزو … وخلافه. ومن هذا المنطلق، وفي هذا السياق المتكافئ نسمع أول ما نسمع عن طبيبات التاريخ الإسلامي. وهذه نقطة هامة لأن الملاحظ هو اختفاء الفصل الصارم في هذه المرحلة بين المجالين العام والخاص، أو تقنينه وتجميده بحيث يصبح الانتقال من حيز إلى آخر بمثابة خرق أو تخطٍ لهذه الحدود الفاصلة، بل نلاحظ عدم وجود هذا الاستقطاب الذي أدى بعد ذلك إلى وضع قيمة أعلى على العمل العام الخارجي وتخصيصه لفئة واحدة من المجتمع على حساب أو في مقابل – ما سمى بعد ذلك – بالخاص المتواري عن العيون والمخصص تحديدًا لفئة أخرى. إن تداخل الخاص والعام في هذه المرحلة المبكرة يشي بأن المقياس الوحيد الذي كانت تقاس به الأعمال في مجموعها هو أن «يحسن» الإنسان – أي يجود ويتقن – ما يفعله.

سنتوقف عند بعض النماذج والأمثلة التي قابلتنا في تراجم هؤلاء المسلمات الأوليات ونتأمل دلالتها وتواتر أدلة وتفصيلات معينة تخص عملهن ونظرة المجتمع لهن. نقل لنا ابن الأثير على لسان أم علاء الأنصارية، وهي من المبايعات، أن الصحابي عثمان بن مظعون عندما سكن عندهم من ضمن من سكن من المهاجرين عند الأنصار واشتكى علة من العلل، «مرضناه حتى إذا توفى أدرجناه في أثوابه». وجدير بالملاحظة أن التي تقوم بالرواية والتي أخبرت عما حدث في المنزل من مرض وتمريض ووفاة ودفن هي أم علاء التي تتحدث بصيغة الجمع بما يفيد اشتراكها – ربما مع بقية نساء المنزل – في «تمريض» عثمان، وهذا يدل على اعتياد النساء في ذلك الوقت أو خبرتهن في ممارسة التطبيب وعلاج الآلام والأمراض. ونستنتج أن التمريض في هذه السياقات وفي ذلك الوقت ليس المرادف/ أو لا يتطابق مع مفهومنا الحديث للتمريض الذي يحتل المرتبة الثانية في المداواة فنفصل بينه وبين ممارسة الطب؛ بل هذا التعبير يفيد بأنه كان أقصى درجات العلاج المعروفة في ذلك الحين عن طريق استخدام كل الوسائل والأدوية والإمكانات المتاحة. ما يهمنا هو الانطباع الذي يتولد لدينا عند الاطلاع على هذه المصادر أن العلاج – في مراحله الأولى هذه في المجتمع المسلم الأول – كان يُفهم على إنه من اختصاصات النساء أو من فنونهن وقدراتهن الخاصة. وقد كثر الحديث كذلك عن اشتغال العدد الأكبر من النساء أثناء القتال «بمداواة الجرحى» و «نزع السهام» وما يتبع ذلك من تضميد للجروح ووقف النزيف وأحيانًا البتر والكي واستخدام الحناء والمراهم للقروح وغيره، كما سبق شرحه في تحليل الجداول عن طب جروح الحرب. فنستنبط من هذا كله أن مهام المسلمات المجاهدات الأوليات كانت تتراوح بين الإسعاف المباشر في ساحة القتال وسط الخيل والمبارزة والسهام والنبال، إلى نقل أصحاب الجروح الكبيرة والنزف إلى الخطوط الخلفية في الخيم للعلاج، ثم إلى نقل الجثث على الجمال ودفنهم.

وفي ترجمة أم زياد الأسلمية المجاهدة تقول إنها والنساء خرجن و “معنا دواء للجرحى”، أي أنه كان في حوزتهن أدوية وعقاقير خاصة ركبنها واستخدمنها في الجروح وتسكين الآلام. وهذا يذكرنا بسلمى أم رافع – مولاة رسول الله – التي كان الرسول يقصدها لتداوي قروحه بالحناء. فمنذ البداية تعاملت النساء المسلمات مع تركيب الدواء بغرض العلاج والتطبيب، حتى سمعنا بعد ذلك عن مزيد من الطبيبات يستخدمن قطرات أو كحل أو مراهم.

كان من الطبيعي إذًا أن تقيم رفيدة الأسلمية زمن الرسول أول عيادة أو مستشفى في الإسلام، والتي اشتهرت بـ «خيمة رفيدة»، أقامتها في مسجد الرسول وكانت تداوي الرجال والنساء معًا في وقت السلم والحرب. فمثلاً عندما أصيب الأنصاري المحارب سعد بن معاذ بسهم في غزوة الخندق أشار الرسول لأصحابه «انقلوه إلى خيمة رفيدة». وهناك مكث مع رفيدة في آخر الأمر أن تكوي الجرح لإيقاف النزيف، وكان الرسول يزوره هناك كل يوم. وكانت رفيدة تصحب المسلمين في غزواتهم لهذا الغرض ومعها فريق من نساء الصحابة والمتدربات على الإسعاف والعلاج. وما يعنينا هنا هو مغزى هذه الواقعة المسجلة والتي لم يستغرب لها أو يستنكرها المسلمون الأوائل: أن تطبب امرأة المجتمع المسلم الموجود حينذاك وأن تكون في موقع الصدارة بينهم أو التفوق المهني على رجال الأمة، فتتبوأ الإشراف والإدارة ولو من خلال هذا الشكل الابتدائي البسيط (بالنسبة لنا الآن في الوقت الحالي). كانت رفيدة ومن عملن معها من المؤمنات المجاهدات جزءًا لا يتجزأ من العمل العام والجهاد الشامل لمصلحة الأمة وخدمة رجالها ونسائها، ولا يفوتنا أن نلحظ مقدار الثقة الموضوعة في كفاءة هذه المرأة في أمر خطير يتوقف عليه حياة المسلمين ومستقبلهم مثل علاج المحاربين، فمن الواضح أن المقياس أو القاعدة التي أرساها الرسول في مجتمعه الأول هو تقدير الخبرة والمقدرة المهنية.

المرأة المسلمة المحترفة/ المهنية:

ومع تقلص دور النساء الفعال في الحرب والقتال وبالتالي في الإسعاف المباشر للجرحى، نجد ذكرهن يأتي بعد ذلك وعلى الأخص في مجالات القبالة (التوليد وأمراض النساء) والعيون. فيصادفنا استخدام كلمة «طبيبة» لأول مرة في المصادر عند ذكر زينب طبيبة المنعم الطنجالي الذي قرأ صناعة الطب وقد رأى المؤرخ ابن حجر أن تكون تتمة التعريف به عن طريق التعريف بأنه والد «الطبيبة الأديبة»، التي يبدو أنها أيضًا كانت ذات شهرة وصيت؛ أما جارية الطبيب أبي عبد الله الكناني فقد مدحها المؤرخ وفيما أثنى عليها «معرفتها بالطب وعلم الطبائع ومعرفة التشريح وغير ذلك مما يقصر عنه علماء الزمان».

هكذا أدت المعرفة والثقافة العلاجية والطبية بالنساء إلى الممارسة الفعلية للتطبيب والعلاج خاصة كما ذكرنا في مجالي القبالة والعيون (وإن لم يقتصر كل عمل الطبيبات على هذا فقط). ويؤكد المؤرخ في ترجمته لزينب الأودية أنها «عارفة بالأعمال الطبية» من ناحية و «خبيرة بالعلاج» من ناحية أخرى، أي أنها جمعت بين المعرفة والتطبيق. ومرة أخرى مثل الحال مع رفيدة، تثبت الواقعة المسجلة أن زينب كانت طبيبة عامة تداوي الرجال والنساء دون استنكار أو حرج. ونقرأ في الطبري إشارة إلى «متطببة» عالجت جرحًا لامرأة في كتفها وأعطتها مرهمًا مما يدل على وجود مجموعات من النساء حتى ذلك الوقت كانت لا تزال تعالج جروحًا رغم انتهاء زمن اشتراك المسلمات في الجهاد.

ونلاحظ أن شئون القبالة وأمراض النساء كانت تعتبر فرعًا أو «فنًا» (الكلمة المستخدمة في المصادر) من فنون الطب الممارس في ذلك الوقت، وعندما تطور لقب «القابلة» أو «المولدة» إلى «داية» عرفنا مؤرخين للطب باسم «ابن الداية» مثلاً الذي كتب كتابًا عن أخبار الأطباء، أي أنها كانت مهنة رسمية معروفة يعتد بها في المجتمع وممكن أن تستخدم كلقب أو كنية للبعض في انتسابهم لمهن أمهاتهم أو أخواتهم أو بناتهم مثلاً. وفي هذا المضمار نلاحظ استخدام لفظ «تطببان» في الإشارة إلى عمل أخت الحافظ أبي بكر بن زهر وابنتها اللتان كانتا تعالجان وتقبلان نساء المنصور. إلا أن المعالجات للنساء في أمور التوليد وخلافه كان أيضًا يندرج تحت عملهن وتدربهن علاج حالات أخرى مثل المثانة والمسالك البولية واستخراج الحصوات، فكن بذلك طبيبات لتخصصات عدة في نفس الوقت، وقد وصف الزهراوي عملية إخراج الحصاة من النساء عن طريق الفرج فيقول إن القابلة كانت تفتش على الحصاة بعد أن تضع يدها اليسرى على المثانة وتعصرها عصرًا جيدًا، فإن وجدتها فينبغي أن تدرجها عند فم المثانة إلى أسس مبلغ طاقتها حتى تنتهي إلى أصل الفخذ ثم تشق عليها عند قبالة نصف الفرج عند أصل الفخذ[30].

وتفيد المعلومات التي وصلتنا عن القوابل حتى العصر المملوكي أنها كانت مهنة تتكسب منها النساء ويأخذن الأجر عنها (مثل مهنة المحدّثات مثلاً)، والاستثناء المذكور في السخاوي عن أم أحمد القابلة التي كانت تسكن بالمقطم في مصر وهي أنها لم تأخذ أجرة عن قبالتها تطوعًا بعملها يؤكد القاعدة المعمول بها وهي الاحتراف، ويلفت النظر إلى استغراب السخاوي أو اعتباره أنه شيء غير عادي أن تعمل أو «تعاني» أي تمتهن هذه المهنة بدون أجر. كان للقوابل وسائل معروفة وأدوات خاصة يستخدمنها وينقلنها معهن مثل كرسي الولادة كما ذكرنا الذي ورد ذكره أيضًا في رواية على لسان أم آسية قابلة أولاد خمارويه بن طولون، والتي حكت عن تجربتها الأولى في هذا المجال واستخدمت تعبيرات مثل «حذق صناعة ولطف في مهنة»[31] بمعنى البراعة والدقة المطلوبتين في هذه الممارسة، وشرحت كيف كانت تضع يدها على «جوف» أي بطن المرأة للإعانة على المخاض إلى آخره، مما يفيد بأن هذا العمل كان ينظر إليه على أنه احتراف ويستلزم قدرًا من المهارة والخبرة التخصصية، ومن الواضح أن كلمة «صناعة» هي المرادف لـ «مهنة».

أما ابنة شهاب الدين بن الصائغ التي تولت مشيخة الطب بدار الشفاء المنصوري بعد والدها، فهذا مثل لطبيبة لم يقتصر نشاطها على ممارسة الطب فقط بل تولت رئاسة أطباء عصرها وبلدها، فالمشيخة هي المعادل لنقابات المهن في العصر الحالي، أي أنها تولت نقابة الأطباء في الإشراف على ممارسي المهنة وتحمل المسئولية أمام المحتسب الذي كان من عمله مراقبة المهنيين كما ذكرنا سابقًا في الحديث عن مهام المحتسب. أي أنه كان منصبًا علميًا وقياديًا في نفس الوقت يستلزم المعرفة «بصناعة الطب» وقواعد وأخلاقيات ممارسة المهنة والإشراف على الأطباء.

الخطاب التاريخي:

الملاحظ في ما سبق أنه على الأقل لم يكن مستغربًا أو مستنكرًا تواجد واشتراك النساء في مجالات متنوعة من التطبيب وخلال مراحل تطوره بدءًا من التمريض والإسعاف، إلى أمراض العيون، إلى الجراحة والعلاج، إلى القبالة؛ أو أن يكون نشاطهن على أي مستوى عام يتراوح من المعرفة وحضور مجالس الأطباء إلى الممارسة والخبرة إلى الإشراف والاحتراف. وحتى إذا قلنا إن المؤرخين القدامى قد ضنوا بإفراد مساحات أكبر وتراجم شافية منفصلة للنساء المشتغلات في هذا المجال، فعلى الأقل لا يوجد في هذا القليل المدون نبرة استهجان صريحة تسود خطاب التأريخ نفسه، أو لا نلمس في أسلوب الروايات مثلاً أي دهشة مثل التي قد تعترينا في الوقت الراهن أن طبيبة طلبت من مريض أن يضطجع لتداوي عينيه من رمد أصابه (الواقعة المروية عن زينب الأودية). لابد أن الراوي لم يشعر أن الواقعة بحاجة إلى شرح وتبرير في سياقها المهني الطبيعي – وسنعود إلى هذه النقطة بالتحديد عند مقارنة أسلوب القدماء في الرواية بأسلوب بعض الكتاب المحدثين.

ونعود لنسأل السؤال مرة أخرى: لما التناقص التدريجي في التأريخ للنساء في الثقافة الإسلامية، وهل هذا يعكي فعلاً عدم مشاركتهن على الإطلاق في الحياة العامة؟ قلنا سابقًا ليس بالضرورة أن نستنتج غياب النساء الكامل من مجال الطب مثلاً، فحتى لو رصدنا طبيبة واحدة أو اثنتين فقط ذكر سريعًا أنهما عملتا في مستشفى فليس معنى هذا أنهما ظهرتا فجأة دون سابقة ودونا عن غيرهن من آلاف النساء على مدى قرون، فمن المؤكد أن هذه علامة تدل على وجود تراث سابق أو سياق معين: أي سلسلة متواصلة من التطور سمح لهذه الطبيبة بالتواجد والممارسة المهنية في هذه اللحظة التاريخية بالذات. المشكلة الرئيسية إذا تكمن في تقصير التوثيق التاريخي، حتى لو سلمنا بأنه لو كان أتيح للنساء في المجتمعات الإسلامية فرص متكافئة تمامًا في التعليم والتدريب والممارسة لشهدنا تطورًا أبرز لإمكانياتهن وقدراتهن.

مر بنا من قبل الآراء القائلة: (أ) بأن معظم مؤرخي التاريخ الطبي مثلاً اهتموا بتدوين أطباء الخاصة أو من قرب من السلطة وصفوة المجتمع؛ (ب) أو أنهم صبوا اهتمامهم على الإسهاب في التاريخ للنساء الأوليات من الصحابيات أو التابعيات فقط كقدوة ونموذج أخلاقي يحتذي به في عصر تفشي فساد الأخلاق فيه؛ (ج) أو أن هذا التجاهل كان رد فعل للحد من ظهور وفاعلية النساء في جنبات الحياة المختلفة وعدم الرغبة في الاعتراف بذلك والتأكيد عليه في السجلات الرسمية للتاريخ. وهذا الرأي الأخير يرتبط بتفسير تقدمه الكاتبة ليلى أحمد التي تضيف بعدًا تحليليًا إلى الموضوع عندما تلفت نظرنا أنه بعد الفترة الأولى من المجتمع الإسلامي توقفت النساء عن إنتاج «مادة نصية»[32] مباشرة تكون جزءًا من التراث الثقافي بسبب تدهور مفهوم التكافؤ بين الجنسين والتوزيع غير العادل للقوة والسيطرة على مقاليد أمور الجماعة أو داخل منظومة العلاقة نفسها بين النساء والرجال – وهو تعريف أشمل لعنصر «السياسة» المتحكمة في العلاقات الإنسانية داخل المجتمع، ومعناه أن هذا العامل ينعكس بالسلب – اجتماعيًا وثقافة – على حياة النساء وتوافر فرص التعليم والعمل وعلى الحياة الأسرية الكريمة العادلة[33].

يقول هذا الرأي إذًا بتنامي – عبر التاريخ الإسلامي – مفهوم ضمني عن دونية المرأة وتطور فرضيات وتصورات ثقافية معينة في اتجاه مضاد للقيم التحررية ومنظومة التكافؤ الأصلية لرسالة الإسلام ونموذج الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فتشير ليلى أحمد مثلاً إلى المعادلة الذهنية المتسربة إلى كثير من كتب التاريخ بين «المرأة» و «الشيء» وليس المرأة الإنسان[34]. وفي سياق هذا التحليل نود أن نلفت النظر إلى أنه ما كان ضمنيًا فقط في خطاب القدماء أحيانًا يصرح به في الخطاب الحديث ونجده منطوقًا بالفعل وبإسهاب. فإذا كان القدماء لم يستطيعوا تجنب ذكر المرأة حين تبرز أو تتفرد في علم أو مهنة فلم يكن تدوينهم مذيلاً (أو لم يتبعوا التدوين بتذييل عن) بمفاهيم عن «طبيعة» المرأة و «عاطفتها» المفرطة المعوقة للتفكير المنطقي والعقلاني، ولم يكن واردًا الحديث عن التنميط المقنن لقدرات النساء المتواضعة[35]. ونضرب هنا مثلاً على هذه النوعية من الخطاب ببعض المطبوعات الحديثة التي تتخذ موضوعًا رئيسيًا لها الفوارق النفسية والسلوكية العقلية بين الرجل والمرأة في «الدين الإسلامي» لتبيان القصور في التفكير السليم و «حدة العاطفة وعدم القدرة على مقارعة الحجة بالحجة» وأن «سيطرة المرأة على العالم الخارجي محدودة لأنها لا تملك روح الثبات والصلابة والاستمرار في أي مشروع عمل جدي»، ومن هنا كانت «ضرورة وقوف كل من الجنسين عند طبيعته، خاصة في «أعمال حظرت على المرأة بحكم طبيعتها»[36]، وهكذا إلى آخر هذا الكلام المقصود به تبرير هيمنة فئة معينة على العمل العام الذي يكتسب في هذا الخطاب قيمة أعلى من أي شيء آخر تفعلنه النساء وبعدًا أعقد يصعب على المرأة، كما يقصر على حيز خارجي لا تطوله. مثل آخر يرد في مقال حديث بعنوان «دور المرأة المسلمة في الطب والمواساة»[37]، فالكاتب في معرض حديثه عن المجاهدة الصحابية أم سنان الأسلمية التي أذن لها الرسول أن تخرج إلى الحرب إما مع قومها أو مع المجموعة المصاحبة للرسول وزوجته أم سلمة، يلحق تعليقًا صغيرًا عن أن «خروج المرأة مع الجيش بموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم وموافقة زوجها أو ولي أمرها ومن يتولى إمرة الجيش وأن يخلفها من يدبر أمور بيتها وأن تكون مع جماعة من النسوة ولا يسمح أن تكون مفردة». ونتساءل كيف استدل من الواقعة على كل هذه الشروط المسبقة؟ لماذا نجد أنفسنا اليوم في حاجة إلى طرح هذه المحاذير والشروط والمبررات والمفاهيم التي لم تكن واردة أو غير ذي موضوع في التاريخ القديم؟ هناك إذا تغييرات تطرأ على الخطاب التاريخي وهذا يعكس تغييرات تطرأ على التصور الثقافي ونظرة المجتمع، مما يؤثر بدوره على حياة الناس الفعلية وما يتاح لهم وما يمنع عنهم. ونتذكر هنا كلمات لملك حفني ناصف (باحثة البادية، 1886- 1919) إذ نقول: «لو كنت ركبت المركب مع خريستوف كولمب لما تعذر على أنا أيضًا أن اكتشف أمريكا»[38] كذلك قولها «وما أظن أصل تقسيم العمل بين الرجال والنساء إلا اختياريًا، بمعنى أن آدم لو كان اختار الطبخ والغسل، وحواء السعي وراء القوت لكان ذلك نظامًا متبعًا الآن…» [39].

خاتمة:

خلاصة القول، يتضح إذًا أن الصورة المتكاملة للنساء في المجتمعات الإسلامية الماضية أعقد بكثير مما نظن، فالنسق القيمي الخاص بالإسلام وعرفه لم يمنع من اشتغال النساء بالتدريس كمحدثات، أو بالعلوم الدينية كالعالمات مفتيات وفقهيات وصوفيات، أو بالإدارة والعمل الاجتماعي كشيخات للربط والمساجد ومدارس القرآن، أو بالعلاج كطبيبات. ورغم هذا فإن التمثيل التاريخي لم يكن منصفًا، وحتى عندما لم يجد المؤرخ غضاضة في الثناء على امرأة عندما تبرع في عمل تؤديه، فإن ميزان القوة والسيطرة على الأمور المصيرية ظل غير متوازن تمامًا وفي صالح فئة دون فئة، وظل يفرض نوعية من الخطاب يطل علينا أحيانًا يخلق الأساطير حول شخصية المرأة وينال من إنسانيتها، ولا يأخذ في الاعتبار الظروف المعيشية المفروضة عليها، أو يكتفي بتقرير الحقوق نظريًا دون الاهتمام بتحقيقها وتيسير السبل إليها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش: 

* أميمة أبو بكر، هدى السعدي (2004). النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية (ق 7م- ق 17م). ط. 2. القاهرة: مؤسسة المرأة والذاكرة. (سلسلة أوراق الذاكرة؛ 1). 36 ص.

** أستاذة بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. جامعة القاهرة، وعضو مؤسس في مؤسسة المرأة والذاكرة.

*** أستاذ التاريخ الإسلامي بالجامعة الأمريكية.

[1] Huda Lutfi, «Al-Sakhawi Kitab al-Nisa as a Source for the Social and Economic History of Muslim Women during the Fifteenth Century A.D»., The Muslim World, LXX1 (1981), p. 105.

([2]) Ruth Roded, Women in Islamic Biographical Collections from Ibn Sa’d to Who’s Who, (Boulder & London: Lynne Rienner Publishers, (1994), p. 121.

[3] ابن القيم الجوزية، الطب النبوي، تحقيق محمد فتحي أبو بكر، (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 1994)، ط 2.

[4] ابن أبي أصيبعة، موفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي، عيون الأبناء في طبقات الأطباء، شرح وتحقيق د. نزار رضا، (بيروت: دار مكتبة الحياة، بدون تاريخ)، ص 7.

[5] Muhamed Zubayr Siddiqi, Studies in Arabic and Persian Medical Literature, (Calcutta, 1959), see the Introduction.

[6] Michael Dols, Medieval Islamic Medicine, (California: University of California Press, 1984), the Introduction.

[7]Ibid, p. 30.

[8] Dols, Medicine, pp. 36- 38.

[9] S. D. Goitien, A Mediterranean Society, vol. 1, (California: University of California Press, 1971), p. 128.

تحدث جواتيين بالتفصيل عن الطبيبات بالممارسة وأوضح كيف أن الطبيبة كانت شخصية محترمة محبوبة في المجتمع لها تأثير إيجابي على الطبقات الفقيرة التي كانت تنتمي إليها وتخدمها. وكان يطلق عليها لقب «طبيبة» وهي صيغة تصغير توحي بالحب والتدليل مما يدل على مكانتها الخاصة بين أفراد المجتمع.

[10] عبد العزيز اللبيدي، تاريخ الجراحة عند العرب، (عمّان: دار الكرمل للنشر والتوزيع، 1992)، ص 182.

[11] Ahmad Issa, Histoire des Bimaristans a I’Epoque Islamique, (Le Caire: Imprimerie Paul Barbey, 1928), p. 165.

قام أحمد عيسى في كتابه بتغطية شاملة لتاريخ المستشفيات في الإسلام – ظهورها وتطورها ونظام العمل بها وأهميتها كمكان تعليمي وعلاجي.

[12] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، (بيروت: مطبعة عز الدين، 1992)، ج 10، ص 383- 384.

[13] أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الصدري الخامس المالكي، ابن الحاج، المدخل، (المطبعة المصرية بالأزهر، 1929)، ص 281- 296. وعلى الرغم من رؤية ابن الحاج الانتقادية لكثير من الممارسات في عصره بما فيهم القوابل، إلا أن الكتاب يشكل مصدرًا تاريخيًا ثريًا لتفاصيل وأسلوب الحياة في المجتمع القاهري المملوكي.

[14] محمد بن أحمد بن بسام، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق حسام الدين السامرائي، (بغداد: مطبعة العارف، 1968)، ص 108- 118.

[15] اللبيدي، تاريخ الجراحة عند العرب، ص 155- 234.

[16] Amin A. Khayrallah, Outline of Arabic Contribution to Medicine, (Beirut: American Press, 1946), p. 150.

[17] Sami Khalaf Hamarnah, Health Science in Early Islam, (Texas: Zahra Publications, 1984), vol. 1, pp. 119- 120.

[18] أسعد داغر، حضارة العرب، (مصر، 1918)، ص 192.

[19] صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، الوافي بالوفيات، (إستانبول: مطبعة الدولة، 1931)، ج 15، ص 119.

[20] أبو العباس أحمد بن تيمية، الحسبة في الإسلام، (مطبعة المؤيد، 1900).

[21] ابن بسام، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، ص 108.

[22] Hamarnah, Health Sciences, vol. 1, pp. 119- 120

[23] اللبيدي، تاريخ الجراحة عند العرب، ص 228.

[24] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق على محمد البجاوي، (مصر: مكتبة نهضة مصر، بدون تاريخ)، ق 4، ص 1838.

[25] أحمد بن يوسف الكاتب ابن الداية، كتاب المكافأة وحسن العقبى، تحقيق محمود شاكر، (طبعة؟، 1940)، ص 137- 140. وقد صف ابن الداية في كتابه هذا كرسي الولادة وذكر أنه كان من أهم مستلزمات الولادة في العصور الإسلامية الأولى والوسيطة أن كل داية أو قابلة كانت تملك مثل هذا الكرسي ترسله إلى بيت المرأة الحامل قبل أن تذهب هي.

 [26]Sami Khalaf Hamarnah and Glenn Sonnedecker, A Pharmaceutical View of Abulcasis al-Zahrawi in Moorish Shpin, (Leiden: Brill, 1963), pp. 52- 54.

[27] ابن أبي أصبعية، عيون الأبناء، ص 181.

أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، شرحه وكتب هوامشه عبد علي مهنا وسمير رجب، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1992)، ط 2، ص 41- 47.

[28] أبو العباس بن عذارى، البيان المغربي في أخبار الأندلس والمغرب، تحقيق لافي بروفنشال، (باريس: بولس جنتر، 1930)، ص 308.

[29] وجدنا كلمة «آسى» في لسان العرب بمعنى (طبيب) وهي الكلمة المستخدمة في كثير من المصادر إشارة إلى هؤلاء المجاهدات الصحابيات.

[30] اللبيدي، تاريخ الجراحة عند العرب، ص 182.

[31] ابن الداية، كتاب المكافأة وحسن العقبى، ص 137- 140.

[32] Leila Ahmed, Women and Gender in Islam: Historical Roots of a Modern Debate, (Cairo: AUC Press, 1993), p. 82.

[33] رجاء النظر إلى الكتابين الآتيين، وفيهما عرض وتنظير للاتجاهات الحديثة في الدراسات التاريخية، حول إعادة قراءة التاريخ من وجهة نظر النساء:

Ann- Louise Shapiro, Feminists Revision History (Rutgers, 1994); Joan Wallach Scott, Gender and the Politics of History (Columbia UP, 1988).

[34] Leila Ahmed, Women and Gender, p. 85.

[35] أحيل القراء إلى مقالة د. هدى الصدة، «النماذج النمطية للمرأة في الإعلام وأثرها على وعي النساء» في هاجر 5/6، (القاهرة: دار نصوص، 1998)، ص 45- 56؛ وهي دراسة هامة عن مفهوم النماذج النمطية واستخدامه للتعبير «عن علاقة قوى غير متوازنة بين مجموعتين من البشر «بحيث يتزايد التنميط عند المجموعة الأضعف أو المجموعة التابعة، كما يحول «ما هو تاريخي أو مجتمعي إلى خصائص طبيعية وأبدية» ص 49. وهذا بالضبط ما يحدث في المطبوعة التي نعرضها هنا.

[36] عبد المنعم سيد حسن، طبيعة المرأة في الكتاب والسنة، (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1985)، ص 59، 86.

[37] قام الأستاذ سعيد الديوه جي برصد بعض الأسماء للطبيات في مقالة مختصرة قدمت لمؤتمر الطب الإسلامي بالكويت سنة 1981، ولكنه لم يتطرق إلى تحليل السياق التاريخي الاجتماعي للفترة الزمنية التي عاشت فيها هؤلاء الطبيبات.

[38] ملك حفني ناصف، النسائيات، الطبعة الثالثة، (القاهرة: ملتقى المرأة والذاكرة، 1998)، ص 135.

[39] المصدر السابق، ص 134.

عن أميمة أبو بكر

شاهد أيضاً

المُحَدِّثَات في التاريخ الإسلامي

أ. د. أميمة أبو بكر

هل اشتغلت النساء في القرون الإسلامية الأولى بمهنة التدريس في الحقل الدينی؛ أسوة بعلماء وفقهاء العصر؟. هل كن أستاذات يعلمن الطلبة -رجالًا ونساء- ونقلن إليهم علما ينتفع به؟.

تأويل التاريخ العربي

العنوان:- تأويل التاريخ العربي عند بعض المفكرين المغاربة المعاصرين. المؤلف:- محمد الخراط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.