حرب الذكاء:الذكاء الاصطناعي في مواجهة الذكاء البشري

العنوان: حرب الذكاء: الذكاء الاصطناعي في مواجهة الذكاء البشري.  

المؤلف: نورنت ألكسندر.

ترجمة: محمد سيف.

الطبعة: ط. 1.

مكان النشر: القاهرة.

الناشر: المركز القومي للترجمة.

تاريخ النشر: 2023.

الوصف المادي: 280 ص.؛ 24 سم.

السلسلة: المشروع القومي للترجمة؛ 3325.

الترقيم الدولي الموحد: 8-2707-92-977-978.

مقدمة

  لعل أحد أبرز وأخطر مخرجات الثورة التقنية يتمثل في تطور “الذكاء الاصطناعي”، هذا الذكاء الآلي الذي بات يفرض أسئلة جديدة على مستقبل الإنسان وقدراته وذكائه وعمله. وفي سياق الخوف الإنساني من المنافسة معه على الرغم من أنه صانعه يتساءل الإنسان المعاصر عن مآلات هذا التطور وانعكاساته على حياته. وفي هذا السياق يأتي هذا الكتاب الذي بين أيدينا مسلطًا الضوء على طبيعة المنافسة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي ومستقبل هذه العلاقة وطبيعتها، وذلك في ضوء القلق البشري من السرعة الهائلة التي يتطور بها الذكاء الاصطناعي ووصوله إلى مساحات وميادين لم تكن تخطر على بال الأجيال السابقة القريبة فضلًا عن البعيدة. وتدور الفكرة العامة للكتاب حول ضرورة أن يقوم الإنسان بمسايرة التحولات والتطورات التي يمر بها الذكاء الاصطناعي بشكل واعٍ، وذلك لا يكون إلا بالعمل على رفع كفاءته العقلية، وبالتالي يركز الكاتب بشكل كبير على دور النظام التعليمي والمدرسة باعتبارها المؤسسة الموكلة بعملية التعليم ونقل المعرفة.

ينقسم الكتاب الى خمسة عشر فصلًا تأتي مجموعة من العناوين الجانبية الكثيرة لتنقل الأفكار عبر كل الفصل. ومما تجدر الإشارة إليه أن توجه الكاتب الدارويني اللاديني يلقي بظلاله بشكل كبير على الأفكار التي يطرحها، وهو ما سيتبين خلال هذا العرض.

الفصل الأول

ربيع الذكاء الاصطناعي

هذا الفصل بمثابة مقدمة وإرهاص لباقي فصول الكتاب، يعطي الكاتب فيها نبذه للقارئ عن الذكاء الاصطناعي وتطوره التاريخي، ثم يربط ذلك بهدف الكتاب المتعلق بدراسة العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان، ومن ثم التغيير الذي سيطرأ على التعليم والمدرسة كمؤسسة.

يبدأ الكاتب بسرد -بشكل مختصر- المحطات التاريخية لتطور الذكاء الاصطناعي، بداية من عام 1960 ويقسمها إلى أربعة عهود:

– من 1960 إلى 2010: كان الذكاء الاصطناعي يستند إلى البرامج التقليدية مع خوارزميات تبرمج يدويًا لمعالجة المشكلات البسيطة.

– من 2012: هذا العهد يعبر عن حقبة ما يسمى “بالتلقين المعمق” الذي يمكن الآلة من التصدي لمهام شديدة التعقيد كمعرفة تفاصيل صورة أو فهم لغة.

– أما العهد الثالث والرابع فلم يحدد لهما مدة زمنية واكتفى بذكر أن العهد الثالث سيتطلب جيل من الذكاء الاصطناعي قادر على التذكر والاعتراض وهذا بالكاد لن يكون متوفرًا إلا حوالي 2030، – ولم يذكر الكاتب تعليلًا في اختياره لهذا التاريخ بالتحديد- أما العهد الرابع فقد يشهد –بحسب الكاتب- ظهور وعي اصطناعي.

وهنا يركز الكاتب بشيء من التفصيل على العهد أو الحقبة الثانية الذي نحن بصددها، فيذكر أن التلقين المعمق أحدث انقلابًا في الذكاء الاصطناعي وفي تعلم الآلة، حيث أصبحت الآلة تتعلم ذاتيًا من خلال التراكم، وهنا نستطيع القول إن الإنسان أصبح في منافسة جادة مع الآلة.

تعقيبًا على هذه الحقبة يسلط الكاتب الضوء على بعض سلبيات الذكاء الاصطناعي في هذه المرحلة والتي تتعلق في مجملها حول التساؤلات الأخلاقية المثارة، مثل من يحدد القواعد التعليمية للذكاء الاصطناعي؟ مشيرًا إلى مسألة التحيزات الشخصية المتعلقة بالمبرمجين والتي قد تنتج لنا آلات عنصرية. كذلك يشير إلى ضرورة إنشاء قواعد تجرم الذكاء الاصطناعي عند المخالفات الأخلاقية، مشيرًا إلى أن هذا في حد ذاته يمثل تحديًا كبيرًا يتمثل في كون الأخلاق ليست حسبة معلوماتية أو معادلة رياضية، لكنه يعود ليؤكد أن الغاية النهائية التي يجب أن نسعى اليها هو اصطفاف أهداف الذكاء الاصطناعي مع أهدافنا.

هنا ينتقل الكاتب إلى نصف الزجاجة الممتلئ -على حد تعبيره – فيذكر أن قوة الذكاء الاصطناعي الكامنة في قدرة الحواسيب على إدماج ملايين مليارات المعطيات (البيانات الضخمة) ستقدم للعالم أشياء مبهرة، ومنها معرفة الماضي بدقة نتيجة تزاوج تسلسل الحمض النووي أو أدوات الفيزياء الفلكية مع الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يمكننا التعرف على الأنواع البشرية التي اختفت والذهاب إلى أصل الحياة والكون، وهذا يعود لقدرة الحواسيب اليوم على خفض وقت إنجاز المهام بمعدل ضخم جدا، وهذا كان مستحيلًا من قبل.

  وعن مستقبل الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن يتحقق للبشرية من خلاله يسلط الكاتب الضوء على العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والتعليم ومؤسسته الرئيسية “المدرسة”، مبينًا أن الذكاء الاصطناعي وعلومه سوف تغير مفهوم المدرسة والعملية التعليمية برمتها، خاصة وأن الذكاء الاصطناعي لا يخرج من المؤسسات الحكومية المركزية وإنما تطوره أصبح بين أيدي الشباب.

الفصل الثاني

حواريو الذكاء الاصطناعي وإنجيل تحول الإنسانية الجديد

  في هذا الفصل يحاول الكاتب أن يضع القارئ أمام قوة وسرعة تطور الذكاء الاصطناعي وضرورة الوعي بهذا الأمر، وهو في ذلك يوجه حديثه بشكل رئيسي لمجتمعه الأوروبي بشكل عام والفرنسي على وجه الخصوص، حيث ينطلق في البداية من بيان تأخر المجتمع الأوروبي في اللحاق بركب عمالقة الذكاء الاصطناعي (الولايات المتحدة والصين) مبينًا خطورة ذلك لأن – في نظره- يمثل الذكاء الاصطناعي مصدر كل سلطات القرن الـ 21.

  ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى بيان بعض تحديات الذكاء الاصطناعي مبينًا في البداية أن هناك نمطين من الذكاء الاصطناعي: النمط الضعيف المحدود الذي ينفذ ما يلقن له فهو قيد التحكم الإنساني، وهو ما نواجهه اليوم. والنمط القوى الذي سيكون له وعيًا بذاته أي وعي بالمعنى الإنساني للكلمة، وسيتمكن من تطوير مشروعه الخاص، مفلتًا بذلك من صانعيه. ولكن لن يحدث هذا الآن.

أما بخصوص التحديات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، يشير الكاتب الى المنافسة بين الذكاء الاصطناعي والمخ الإنساني، والى إشكالية معرفة أي مستوى ستصل اليه هذه المنافسة، ثم يأتي تحدي استبدال البشر بالآلات، والفرق بين الميكانيكية والروبوتية وتأثيرهما على البطالة، وهو تحدي له شواهد في الواقع خاصة في ظل قوة وسرعة الآلات اليوم ودقتها في إنجاز المهام. وهنا يوجه الكاتب مسؤولي التعليم إلى التفكير في كيفية تزويد المتعلمين بما يجابهون به هذا التحدي، مبينًا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا بل مرحلة تاريخية تكوِن أسسًا جديدة للاقتصاد والمجتمع. وهنا يؤكد الكاتب على أننا لن نستطيع السيطرة على الذكاء الاصطناعي إلا بالذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال الهجمات السيبرانية المعقدة تحتاج تحسين نظام الأمن المعلوماتي، ولا يمكننا التفرقة بين الحقيقي والزائف من المعلومات -بعدما استطاع الذكاء الاصطناعي التلاعب بالصور والأصوات- إلا عن طريق الذكاء الاصطناعي أيضًا، في ظل حالة يصفها الكاتب بأننا سوف نرى العالم بعيون الذكاء الاصطناعي.

في هذا الإطار يمضي الكاتب نحو الحديث عن التنافس بين الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي، حيث يرى أن العقل الإنساني يتراجع أمام منافسه الاصطناعي وأنه بحسب العاملين في ثورة الذكاء الاصطناعي سيتم تحول العقل الإنساني ليصبح مجرد مكمل للذكاء الاصطناعي المجهز بوعي. وفي هذا الإطار دخل المليارديرات سباق الذكاء الاصطناعي.

   لينتقل الكاتب إلى الحديث عن كيفية إعداد ما يسميهم عمالقة الذكاء الاصطناعي لهذا المستقبل المخيف باستخدام علوم المخ، حيث يتم تداخل الحدود الإدراكية مستهدفة الاتصال المباشر للمخ مع نظام معلوماتي، والهدف هو دفع حدود الإنسان-الآلة لأقصى مدى لها. وتوجد الآن نظم تمكن للمرضى الذين يعانون الشلل الكامل من الكتابة عبر التفكير.  

   يشير الكاتب أن ثورة تقنيات علوم المخ هذه يقف وراءها عدة منافسين يتسابقون في غزو المخ البشري وبالتالي فإننا نحتاج الى إعادة تأهيل اجتماعي لمواجهة هذا الطوفان التقني، ويكون التعليم على رأس سلم الأولويات.

وهنا يعرض الكاتب سريعًا للآراء والمواقف المختلفة للعلماء والفلاسفة من تطور الذكاء الاصطناعي فالبعض كما يصفه “متشائم” خائف من التغيرات التقنية ومآلاتها على حياة الإنسان، والبعض الآخر متفائل سعيد من كون الذكاء الاصطناعي سيمكِن الإنسان من التحكم في مستقبله بدلًا من الانتقاء الدارويني الأعمى الذي يتحكم بالبشرية.

ومن هنا ينتقل الكاتب للحديث عن وادي السيليكون ومَن ورائه من عمالقة الرقمية الذين يمثلون الأذرع الاستراتيجية تستهدف إلغاء كل الحدود الإنسانية وهدم كل المستحيلات من خلال أهداف خمسة وهي القضاء على الموت، وترقية الطاقات البشرية، وتصنيع الذكاء الاصطناعي، وخلق الحياة في المختبرات، وأخيرًا إعمار الكون، ومثال على ذلك شركة كاليكو التي أنشأتها جوجل للقضاء على الموت، وخطة ميكروسوفت للانتصار على السرطان، وغيرها من المشروعات العملاقة.

تداعيات تكنولوجيا الخلية العصبية: لماذا يكون الذكاء الاصطناعي طريقًا باتجاه واحد.

في هذا الجزء يقف الكاتب عند التداعيات السياسية والاجتماعية للذكاء الاصطناعي، فيشير ابتداءً إلى تشظي السلطة السياسية مع بزوغ “الرأسمالية الخيرة” التي تمزج بين احترافية عمالقة الصناعة ورؤية مسيحية مشجعة للطب والعلم. فمثلًا أعلن زوكربرج أنه كرس 99% من ثروته لتشجيع التعليم المتخصص والأبحاث الطبية، وبيل جيتس حرم أطفاله من الإرث ليحقق حماية تطعيمية في أفريقيا. إذن فالدولة للتقنية ومفكريها إعادة هيكلة المجتمع، وتدريجيًا ينتقل إليهم مركز ثقل السلطة، بما أن التقنية أقوى من القانون. وهذا يلقي بظلاله على السلطة التشريعية للدولة وعلى حكم القانون.

يشير الكاتب إلى الاختلاف الكبير بين الزمن السياسي والزمن الإنساني والزمن المعلوماتي. فالزمن السياسي توقيته لم يتغير منذ القرن التاسع عشر، كذلك الزمن الإنساني متأخر عن الآلة والتعلم فيه بطيء ومرهق، أما الزمن المعلوماتي فهو زمن يجري وحده بعيدًا الى الأمام. وبسبب هذا الاختلاف الزمني تراجعت سلطة المؤسسات السياسية والتشريعية التقليدية. وفي هذا السياق يذكر بشكل خاص غياب أوروبا عن ميدان العمالقة الرقميين (الولايات المتحدة والصين)، فالمستقبل يتم بناؤه خارجها، وهنا يؤكد على ضرورة ردم هذه الهوة الزمنية وإعادة هيكلة المؤسسات السياسية التقليدية وفقًا لمعطيات الواقع التكنولوجي.

 ينتقل الكاتب للحديث عن التداعيات الاجتماعية لهذا التطور التقني مسلطًا الضوء على قضية “التعليم” باعتبارها قضية محورية في هذا السياق. حيث يؤكد على ضرورة تطوير التعليم والمدارس بما يواكب التطور التقني ويسد ثغراته، فالمدرسة هي المؤسسة المكرسة لنشر وتطوير الذكاء البشري الذي نحتاجه للتحكم في الذكاء الاصطناعي، من هذا المنطلق يكون من الضروري تطويرها وتأهيل المعلمين ورفع مستواهم من حيث الكفاءة والوعي، مؤكدًا على أهمية منح المؤسسات التعليمية مزيدًا من الاستقلالية، وأن يتم التركيز في المناهج التعليمية على الأمور التي لا تُحسِنها الآلة، فلابد من تطوير مهارات أخرى أكثر من التذكر والقراءة والكتابة، لآن الآلة تقوم بها أفضل منا، وبدلًا من ذلك يجب العمل على رفع مستوى العمل على الحس مثلًا، فلابد من تطوير نظام تعليمي يطور الذكاء الإنساني ليتمكن البشر من التحكم في الذكاء الاصطناعي ويستطيعوا التعايش معه بشكل متناغم.

الفصل الثالث

الذكاء الشيء الأقل تقاسما بالعالم

  يسلط الكاتب الضوء في هذا الفصل على أهمية الذكاء بالنسبة للبشر في معركتهم التنافسية مع الذكاء الاصطناعي، وأن المخ البشري وتطوير ذكائه هو ميدان معركة هذا القرن.

  يعطي الكاتب في هذا الفصل القصير نسبيًا نبذة نظرية عن الذكاء البشري ووظائف المخ، فيبدأ الفصل بالحديث عن الذكاء وتعريفه ومشكلة تفاوت البشر في مستوى الذكاء، مبينًا أن هناك أسباب جينية بيولوجية لهذا التفاوت بالإضافة إلى أسباب أخرى اجتماعية وحضارية أيضًا، وأن تطوير الذكاء الاصطناعي نحتاج فيه رفع مستوى كفاءة الذكاء البشري الذي أصبح أصحابه قلة نسبيًا.

ثم ينتقل للحديث عن المخ البشري والوظائف المعقدة التي يقوم بها، مبينًا أننا بصدد إعادة تشكل المخ بسبب استخدام الأدوات الرقمية التي باتت تؤثر على كفاءة البشر في الاتصال والتذكر وهو ما جعل البشر أكثر تبعية للآلات وهو ما يفتح باب لحرب باردة محورها الذكاء.

الفصل الرابع

حرب الأمخاخ بدأت بالفعل

  يفصل الكاتب في هذا الفصل الفكرة التي قدم لها في الفصل السابق، حيث يركز على فكرة أن حرب القرن الـ 21 هي حرب ذكاء، كما كان القرنان التاسع عشر والعشرون قرون الحرب على الكربون والبترول، فالتطور الخارق لسرعة التقنيات التي تعتمد على الحاجة المستمرة للتجديد تجعل الحاجة للذكاء مركزيًا، فالقدرة على التمييز والتركيب والتصنيف الخلاق للمعلومات هي المحرك الأساسي للإبداع. من هنا تشن الدول الكبرى بالأخص الولايات المتحدة والصين حرب للهيمنة على الذكاء بكل الطرق التي تجذب العقول والمواهب إليها وفتح مجال البحث العلمي على مصراعيه لهم.

  يناقش الكاتب بعد ذلك الأهمية الاجتماعية والاقتصادية للذكاء، حيث يبين أنه أصبح هناك صلة بين الذكاء والنجاح الاجتماعي، ففي عالمنا اليوم يؤثر مستوى الذكاء على دخل الفرد، فكلما كان الذكاء عاليًا كان دخل الفرد أعلى، وبالتالي ستأتي القيمة الاقتصادية من كفاءة خلق الذكاء الاصطناعي، وهنا يقول الكاتب: “في عالم صارت الخوارزميات فيه هي المورد الأرفع للثروة، تعتمد القيمة الاقتصادية على متوسط حاصل ذكاء العاملين”، وبالتالي ستتسع الفوارق في الدخول بين الأفراد الأقوياء وضعاف القدرة الإدراكية بشكل كبير.

بل يذهب الكاتب إلى أبعد من ذلك حيث يرى أن الذكاء لا يعزز اللامساواة فقط في الدخول وإنما حتى في جودة الحياة ومدتها، فالذكاء يساعد على إطالة الحياة نظرًا لأن الأذكياء يقومون بأعمال أقل مشقة ولديهم فرصة أفضل للوصول لوسائل العلاج ويعيشون حياة أكثر سلامة.

وأخيرًا يشير الكاتب مرة أخرى إلى تراجع مجتمعه الأوروبي في المجال الرقمي مؤكدًا على ضرورة تجاوز العوائق التي ساهمت في هذا التأخر واستعادة روح المبادرة.

الفصل الخامس

“كل شيء سيتم التلاعب به قبل عام”

المدرسة صارت الآن تقنية مهجورة

  يؤكد الكاتب أن المدرسة هي المؤسسة التي عليها نقل المعارف الأساسية التي يحتاجها الفرد ليجد مكانًا في المجتمع ويكون نافعًا له. إلا أن المدرسة قد فشلت في تطوير الذكاء، بل إنها قامت بدفن اختلافات الذكاء الموجود بين الطلبة.

  وينطلق دور المدرسة من فكرة أن البعد البيئي يؤثر في البناء العقلي للفرد، وأنها تستطيع إكساب الفرد مستوى أعلى من التحصيل وبالتالي تساهم في تقليل اللامساواة بين الأطفال من حيث مستوى الذكاء، وهي المهمة التي يرى الكاتب أن المدرسة لم تنجح فيها على الإطلاق ثم يُفصِل في أسباب ذلك.

  يعرض الكاتب أولًا لفكرة أن الفرد نتاج تفاعل بين بُعد جيني وبُعد وراثي من جهة وظروف بيئية يحيا فيها من جهة أخرى، وعلى هذا الأساس يذكر أن إخفاق المدرسة يعود أولًا إلى إنكار الاختلافات البيولوجية تمامًا والانطلاق من هذا كمسلمة، ثانيًا أن الإطار الاجتماعي الذي يحكم المدرسة والذي يجعل للتعليم تكلفة عالية يجعل التعليم في المدارس غير متاح للجميع بل يلتحق بها الطبقات الأكثر ثراءً، كما أن المدرسة لا تستقبل الأطفال وقتًا كافيًا لكي تعوض اختلافات البيئة العائلية وهذه الغلبة للوقت العائلي ينتج لا مساواة بشكل اتوماتيكي، بالإضافة إلى ذلك يأتي عامل التأثيرات المجتمعية الخارجية التي يمكن أن تمحو كل جهود المدرسة ولذلك يرى الكاتب أن المدرسة تحتل مكانًا متواضعًا على صعيد تحصيل الذكاء.

  وهنا يسلط الكاتب الضوء على أن للبيئة أهمية كبيرة في بناء كفاءتنا الثقافية والعقلية، ولذلك فهو يتوقع لحاق الأفارقة في معركة الذكاء نظرًا لتغير الأوضاع في أفريقيا، فقد تراجع الفقر وبدأت السيطرة على الأمراض المعدية، مما سيؤدي الى ارتفاع ذكاء السكان في التعليم المدرسي. في هذه المعركة ستكون مؤسسة بيل جيتس أحد المؤثرين على ذكاء الأفارقة.

  إذن لابد أولًا من الارتفاع بمستوى الذكاء عند الأفراد ليرقى بهم للابتكار ليتمكنوا من العيش في مستقبل يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، وإلا لن يجدوا مكانًا لهم أمام سطوة المكننة. وكذلك لابد من حشد كل الجهود العلمية والسياسية والاقتصادية لتحقيق هدف “رفع الكفاءة الإدراكية” بتهيئة الظروف البيئية كلها.

الفصل السادس

في اقتصاد الغد، الذكاء لم يعد خيارًا

  يتناول الكاتب في هذا الفصل تهديد المكننة واستبدال البشر بالآلات والأبعاد الاقتصادية لذلك، مشيرًا إلى أن الخوف اليوم ليس من حركة إحلال المهام الروتينية بالآلات، وإنما ما يتعلق بالمهام الأكثر تأهيلًا التي كنا نعتقد أنها بمنأى عن هذا التهديد، وهنا يضرب مثالًا بالمجال الطبي الذي يشهد غزوًا من قبل الذكاء الاصطناعي في أكثر حقوله دقة كالجراحة والأورام وغيرها، وهذا سيفرض على الأطباء مجموعة من التحديات منها: محدودية القدرة البشرية على تفسير الكم الهائل من المعلومات التي ستوفرها أجهزة الاستقبال الإلكترونية التي تراقب صحتنا، وهنا سيتحول الطبيب الى ممرض خاضع للخوارزمية. كما أن الأخلاقيات الطبية لن تصبح نتاجًا لمخ الطبيب ولكنها ستصبح نتاجًا ضمنيًا للبرامج المعلوماتية، من ناحية أخرى لن يكون الأطباء هم من يوجهون هذه الثورة بل قادة الاقتصاد الرقمي.

  ثم يخوض الكاتب بشكل أكثر تفصيلًا في التحديات الاقتصادية الناجمة عن هذا التطور التقني ويمكن تحديدها في ثلاث تحديات رئيسية: أولًا تحدي ضبط الأسواق في ظل سرعة تطور الذكاء الاصطناعي والمشاريع الضخمة المرتبطة به. ثانيًا تحدي تكون شكل من أشكال الأوليجارشية الاحتكارية نتيجة أن ما يمكن أن نسميه سوق التنافس الرقمي يذهب فيه النجاح للنجاح –كما يعبر الكاتب- بمعنى أن الفائز فيه يحصد كل شيء، ففي ظل لامحدودية الوصول للموارد الرقمية وقدرة المستهلك على أن يختار الأفضل في كل شيء – فالمستهلك على سبيل المثال غير مضطر لاستخدام محرك بحث من الدرجة الثانية إن كان بإمكانه استخدام جوجل مجانًا- ينشأ نوعًا من الاحتكار بفعل تحكم الأقلية. أما التحدي الثالث فيتمثل في حواجز دخول السوق، فالعمالقة الرقميين من خلال احتكارهم للسوق عبر مراكمة أصحاب المواهب الذين يُدفع لهم المليارات يخلقون حاجزًا أمام المشاريع التقليدية لأسباب تمويلية وسيكولوجية بل سياسية. وبناءً على ذلك يبين الكاتب ما يحتاجه اقتصاد الغد يتمثل في عمالة مؤهلة بشكل فائق بالإضافة إلى نظام بيئي رقمي وأخيرًا عقلية استراتيجية.

ينتقل الكاتب بعد ذلك لمناقشة فكرة الخوف من “موت العمل” وتهديد البطالة الذي يفرضه التطور التقني، مشيرًا إلى أن هذا الخوف قديم قدم تعامل الإنسان مع الآلة، ويؤكد في هذا السياق على ضرورة إزاحة هذا الخوف ومنعه من أن يكون عائقًا أمام التطور التقني الذي يُمكِن الإنسان من تحسين حياته وحل مشكلاته حتى لو سيؤدي ذلك إلى اندثار بعض الأعمال، بل ما يجب هو –كما يقول مارك أندرسين- “أن ندع السوق يعمل من أجل تمكين رأس المال والعمل من سرعة إعادة توزيع وخلق أعمال جديدة”، وعلى هذا الأساس يبين الكاتب الأسئلة التي يجب أن تطرح والتي تتعلق بالكفاءات التي يجب أن تغرس في أجيال المستقبل، والتي يمكن تلخيصها في التكيف والمرونة والقدرة المستمرة على التعلم.

  هنا ينتقل الكاتب إلى مناقشة بعدًا آخر من مشكلة البطالة وهو ما يتعلق بالدعم الحكومي للأفراد، حيث يبين أن الدعم الاقتصادي يحمل في طياته خطرًا لابد من الحذر منه خاصة وأنه مؤيد بشكل كبير من العمالقة الرقميين، فهم يريدون من ناحية تهدئة الانتفاضات الشعبية التي قد تحدث بسبب الخفض السريع الذي سينتاب بعض المهن، ومن ناحية أخرى يريدون احتكار الذكاء لأنفسهم، والدعم العام سيكون بمثابة حصر الجمهور في الاسترخاء واللامبالاة، وهنا يؤكد الكاتب على أن الدعم الاقتصادي يجب أن يكون مؤقت ولا يجب أن يصبح حجة لعدم قيام الدولة بدورها في تحديث النظام التعليمي ورفع ذكاء الأجيال القادمة.

الفصل السابع

التحول الأول “للمدرسة”

الحقبة القصيرة “لتقنيات التعليم”

  يركز الكاتب في هذا الفصل على التحول الذي يجب إجرائه على “المدرسة”، ويذكر أن المدرسة ابتداءً تواجه تحديين رئيسيين: تحدي عدم كفاءتها الحالية، وتحدي عدم قدرتها البنيوية على إعداد كفاءات الغد. وهذا يعود إلى مشكلات هيكلية عميقة تعاني منها المدرسة منذ عقود.

  في هذا السياق يسعى الكاتب إلى تقديم رؤية تعمل على إخراج المدرسة من مأزقها الحالي، ويؤكد على أن السبيل الرئيسي لذلك ينطلق من اعتناء المدرسة بعلوم المخ وكل موارد علوم الأعصاب، وفي هذا الإطار يذكر أن أبحاث علوم الإدراك تؤكد على ضرورة فهم الكيفية التي يستوعب بها التلاميذ المعارف المختلفة على اختلاف مستوياتهم، بما يقدم أسلحة للمعلمين ليكونوا أكثر كفاءة، هذا بالإضافة إلى أهمية الوسائل الرقمية في العملية التعليمية. وهنا يشير الكاتب إلى بعض النماذج الناجحة التي بدأت تستغل التقنية لتجاوز بعض مشكلات المدرسة التقليدية، وهؤلاء يقومون بإتاحة العلوم للجماهير للحصول على أفضل الدروس من أفضل المعلمين في أي وقت ولأي فرد، وبالتالي يكون التأهيل مستمرًا مدى الحياة. من ناحية أخرى تساهم هذه الأساليب الجديدة في التعليم – من خلال الخوارزمية- في الكشف عن ميول الطالب وتقديم اقتراحات تناسبه. وعلى الرغم من هذه المميزات يؤكد الكاتب على أن هذه النماذج مجرد بداية، وأن هذه الوسائل هي مكملة للمعلم وليس بديلًا عنه.

  ويؤكد الكاتب على التفاعلات بين التعليم وبين بنية ووظيفة المخ شديدة التعقيد، ويلخص الكاتب هذه العلاقة المعقدة في ثلاث نقاط:

1- التعلم يعدل بشكل ديناميكي تنظيم المخ، فمتابعة درس بسيط يخلق ويدمر ويعدل آلاف مليارات نقاط الاقتران الصبغي بل ويخلق خلايا عصبية جديدة.

2- بنية المخ في لحظة معينة –تركيبة جدائله وديناميته الإلكترو كيميائية- تؤثر بشكل طاغ على استيعاب التعليم.

3- المناهج التربوية تلعب دورًا في تأثير التعليم على تنظيم المخ.

ومن ثم فإن المعرفة الجيدة بالمخ لدى المعلمين شرطًا أوليًا في تحديث المدرسة، ويبدأ ذلك بمعرفة التشخيص الجيني للأطفال، الذي سيوفر قاعدة من المعطيات التي ستساعد في تطوير برامج شخصنة التعليم بحيث يكون التعليم الذي يتلقاه الفرد متكيفًا ليناسب استعداده الجيني، وبالتالي بناء برنامج تعليمي مخصص يستند للمعرفة الدقيقة لخصوصيات كل فرد.

وبناءً على هذا التعليم المشخصن يؤكد الكاتب أنه لا يجب تعميم تعليم البرمجة على الرغم من أنها أساس الثورة المعلوماتية، فهذا لا يناسب الجميع، بل ما يجب هو تثقيف كل الأطفال بثقافة رقمية أساسية لمساعدتهم في المستقبل، أما الاهتمام الأساسي فلابد أن ينصب على تأهيل عقولهم النقدية التي ستحميهم في المنافسة مع الذكاء الاصطناعي، وهنا يؤكد الكاتب على أهمية رسم خريطة بالأعمال المهددة بالانقراض نتيجة الذكاء الاصطناعي والتركيز على أعمال التأهيل التي ستعطي الأجيال القدمة فرصة ليكونوا مكملين له. وتعد الأعمال اليدوية أول فئة مهددة، أما المهن ذات المضمون المعرفي القوي فإنها ستكون في منافسة مع الذكاء الاصطناعي خاصة مع تقدم التلقين المعمق، أما المهن شديدة الابتكار واليدوية المتجددة كالفنانين والموسيقيين والكتًاب والفنانين التشكيليين وغيرهم فسيكون لهم مكانهم باستمرار.

في نهاية الفصل يؤكد الكاتب على أن تقييم مستوى كفاءة المدرسة لا يعني التقليل من أهميتها كمؤسسة، ولا يعني التقليل من دور المعلم بل للارتقاء بهما. كذلك لا يجب أن يتلقى الطفل المعرفة منعزلًا بل الهدف هو تنمية ذكاءً جمعيًا يمر عبر العمل الجماعي، فالأطفال سيتعلمون في أوقات مفتوحة وهذا يشمل التعليم من المنزل أحيانًا، ويقومون في الفصل بما كان يشكل فيما مضى الواجبات المنزلية مع معلمين يعاونوهم ويستمعون إلى اسئلتهم ويقيمون معهم مشاريعًا علمية عملية، وأخيرًا يؤكد الكاتب على أن السنوات القادمة ستقوم بتحويل المدرسة تحويلًا جذريًا.

الفصل الثامن

من التعليم المخي إلى رفع كفاءة المخ

 ينتقل الكاتب في هذا الفصل إلى موضوع رفع كفاءة المخ، ليس فقط باللعب على البيئة والعملية التعليمية كما في الفصل السابق وإنما بالتدخل المباشر في المخ ذاته من خلال التعديل الجيني الجنيني، حيث يرى الكاتب أنه لن يمكننا منافسة الذكاء الاصطناعي إلا من خلال علم تحسين النسل الذي سيمكننا من رفع مستوى الذكاء لدى الأفراد منذ الميلاد. وبالتالي فالبقاء في سباق التنافس مع الذكاء الاصطناعي أمام الكائن الإنساني كما يرى الكاتب لن يكون إلا من خلال خياران هما: النسالة البيولوجية أو علم تحسين النسل وهو ما يتناوله في هذا الفصل، أو ورفع كفاءة الخلايا العصبية إلكترونيًا وهو موضوع الفصل القادم.

  وفي إطار ما يتعلق بالنسالة البيولوجية يشير الكاتب إلى الجدال العلمي بين مناصري التعديل الجيني للأجنة وبين معارضيها، مشيرًا إلى أن المجتمع الصيني يعد من أكثر المجتمعات تسامحًا فيما يخص هذا الأمر، وليس لديهم أية عقدة –كما يسميها- في رفع حاصل ذكاء أطفالهم بواسطة الأساليب البيوتيقية وهو ما سيسهم في حصولهم على تقدم جيوبوليتيكي كبير في مجتمع المعرفة.

  بناءً على هذه الرؤية التي يدعو لها الكاتب بشدة يعرض بعض الأسئلة التي يمكن أن يثيرها تطبيق تحسين النسل على نطاق واسع، ومنها سؤال الهوة التي ستكون بين مستوى ذكاء الآباء والمعلمين ومستوى ذكاء الأطفال المرتفع، أيضًا السؤال الأخلاقي المتعلق بالتفاوت بين المجتمعات التي تملك اقتصاديًا أن تقوم بذلك وبين مجتمعات أخرى لا تستطيع أن تقدم ذلك لأبنائها.

  وفي الأخير يشير إلى أنه بعد تعميم الأمر سيعاني الأطفال المولودين بشكل طبيعي من التخلف الاجتماعي وعدم القدرة على الاندماج اقتصاديًا واجتماعيًا.

الفصل التاسع

لماذا تطرح المزدرعات المخية نفسها

  يتناول الكاتب في هذا الفصل الخيار الثاني لبقاء الكائن الإنساني في سباق التنافس مع الذكاء الاصطناعي وهو طريق “السايبورج” الذي طرحه إيلون ماسك والذي يتعلق بالمزدرعات المخية (أو الشرائح المخية)، وبحسب ما يراه الكاتب فهو طريق واعد أكثر بكثير من طريق تحسين النسل نظرًا لسرعة تطبيقه الآن دون الحاجة إلى انتظار الأجيال الجديدة.

  تقوم هذه التقنية على مزاوجة الحاسوب بالمخ أي بجعل المخ الإنساني عضوا سيبريًا، فالخلية العصبية ستكون متصلة بمكونات إلكترونية لرفع الكفاءات، وهذه العملية تتطلب التحكم في الرمز المخي وهو مالم يتم معرفته بوضوح حتى الآن، إلا أن الكاتب يؤكد على أن التقدم في هذا الصدد ملحوظ، فعلى سبيل المثال قامت شركة أمريكية بتطوير أجهزة تعويضية بصرية موصَلة بالمخ في العصب البصري تمكِن فاقدي البصر كليًا من التنقل وضبط التوجه والتعرف على الأشياء. وهناك مزدرعات توضع داخل الجمجمة لعلاج مرضى الاضطرابات النفسية أو لمرضى الباركنسون، وهي تخلق نبضات تمكن من تنشيط بعض دوائر الخلايا العصبية التي بها قصور. كذلك هناك قسم كبير من الأبحاث على المخ مكرس لفهم مرض الزهايمر.    

وفي النهاية يقول الكاتب أن الفرد في السنوات القادمة سيكون محصلة نظام بيئي معقد مكون من اختصاصي الجينات والبيولوجيا العصبية، واختصاصي الإلكترونيات العصبية والمخ والأعصاب، واختصاصي الذكاء الاصطناعي المطبق في مجال التعليم. وبحسب هذا التفاعل فإن المدرسة ستصبح آلة شديدة القوة لإنجاح كل الناس ولن يكون الإخفاق خيارًا في مدرسة 2060.

الفصل العاشر

مدرسة 2060 ستجعل كل الأطفال أذكياء

  يتحرك الكاتب في هذا الفصل نحو المستقبل الذي سيتم فيه رفع مستوى ذكاء الأفراد، فيرى أن الحق في الذكاء المرتفع للجميع سيصير بديهيًا بداهة المساواة العنصرية أو المساواة بين الرجل والمرأة. وتحسين الطاقة الدماغية سيكون أولًا ضرورة اقتصادية كشرط لازم للحصول على الوظائف، وثانيًا ضرورة واقعية متمثلة في الضغط الاجتماعي من أجل المساواة في المنافسة مع الذكاء الاصطناعي، فاللامساواة التي ستنتج عن ترقية ذكاء بعض الأطفال من خلال عملية طبية / تقنية روتينية ستكون محركًا قويًا لمزيد من المساواة وذلك بتعميم تقوية الخلايا المخية لدى الأطفال نظرًا للفارق الذي سيكون بين المؤهلين وغير المؤهلين. ويرى الكاتب أنه في غضون أربعين أو خمسين عامًا سيبدو قبول اللامساواة في الذكاء أمرًا شاذًا شأنه شأن القبول بالتفوق الاجتماعي المؤسس على الانتماء الأرستقراطي أو العنصر الأبيض.

  ينتقل الكاتب لوقفة تاريخية مختصرة يبين فيها سعي البشرية الحثيث إلى تحقيق المساواة بشكل عام ثم يعود ليبين أن الذكاء كان دومًا خارج هذه المعادلة -على غرار الجمال- يعتبر جزءًا من اللامساواة التي –حسب تعبيره – يفضل الناس أن يحجبوها ويراقبوها في صمت منزعج، ولكن تهديد اللامساواة في الذكاء اليوم ليس فقط يضعف الكائن البشري أمام الذكاء الاصطناعي بل يهدد الديمقراطية أيضًا، ومن ثم يدعو الكاتب إلى تعميم تقنيات تحسين الذكاء سيفضي إلى مساواة ولكن بعد أن يمر المجتمع في المرحلة الأولي من تطبيق تلك التقنيات بانفجار من اللامساواة، ففي غالب الأمر ستكون تقنيات تقوية المخ مكلفة للغاية في البداية وبالتالي فالأغنياء المتعلمون هم من سيتمكنون من استخدامها مع أطفالهم، ولكن سرعان ما سيتم تجاوز هذه المرحلة عندما يُقبِل الناس على تطبيق هذه التقنيات وتتدخل الدولة بالدعم.

  أخيرًا يؤكد الكاتب على ضرورة سن القوانين التي تدفعه للأمام بحيث تصبح المساواة في حاصل الذكاء نتيجة استخدام ما سبق طرحه من تقنيات أمرًا بديهيًا طبيعيًا، إذ لا يمكن أن نقبل عالمًا من سرعتين، يتطور البعض فيه في حين يتخلف أكثر الفقراء في دوامة من الاستبعاد الاجتماعي.

الفصل الحادي عشر

من زلاجة النسالة إلى الدكتاتورية العقلية ثلاثة سيناريوهات لمستقبل واحد

في هذا الفصل يتناول الكاتب مآلات السعي نحو مجتمع ذكاء مرتفع معمم، وفي هذا السياق يعرض الكاتب سيناريوهين متطرفين لمستقبل العالم:

السيناريو الأول هو سيناريو مناهضة هذا المجتمع الرقمي الجديد من قبل السياسيين المحافظين والمحافظين البيولوجيين لأسباب فلسفية أو عقائدية، ذلك أن أنصار تحول الإنسانية هم في قطيعة جذرية مع الأيديولوجيا اليهودية المسيحية التي أسست الحضارة الأوروبية. وعلى الصعيد السياسي سيحل هذا الصراع محل المعارضة بين اليسار واليمين، لكن سرعان ما سيتلاشى في نهاية المطاف أمام ضغط التقنيات المتوفرة ذات الثمار المغرية من تمكين الإنسان من الوقوف بوجه الشيخوخة والموت وغزو الأكوان، مؤكدًا على أن هذه المعارضة طبيعية وتحدث في بدايات أي تغيير مجتمعي، ويستشهد هنا بأن هؤلاء المحافظين يستخدمون اليوم الكهرباء والثلاجة والإنترنت. وتجدر الإشارة هنا الى أن الكاتب لم يتوقف عند الفارق الكبير بين الأمثلة المذكورة وبين ما يدعو إليه من تقنيات من الناحية الأخلاقية.

أما السيناريو الثاني فهو السيناريو السيئ من وجهة نظر الكاتب، ففي عصر المخ ستحل الحرب على أرض الذكاء، فالنزاعات على السلطة والنفوذ التي تنخرط فيها البلدان المختلفة منذ الأزل ستجد في تقنيات المخ أرضًا جديدة للمنافسة، وهو ما سيجلب المزايدة النسالية والمزايدة في مجال تقنيات المخ، وهو ما سيحول دون التحكم في الذكاء الاصطناعي، فالنزاعات على السلطة بين الدول ستجد في تقنيات المخ أرضًا جديدة للنزاع، وستصبح وسائل لا غنى عنها للسيطرة على البلدان الأخرى، وسيتم تسويغ كل الانتهاكات وبالتالي ستهمش الدول التي سترفض السير في هذا الطريق.

وفي سياق الحديث عن المآلات المحتملة يشير الكاتب إلى أحد المآلات المتوقعة لهذا التقدم التكنولوجي وهي إطالة أمد الحياة التي سترافق هذا التقدم، وتغيير في معدل المواليد. على صعيد آخر ستصبح هوية المجتمع مختارة ولن تكون مفروضة، وهنا يقول الكاتب -بحسب اعتقاده الدارويني- أنه “للمرة الأولى في تاريخ الإنسانية لن يكون توزيع الذكاء نتيجة ليانصيب جيني وتبعًا لبيئتنا، ولكن سيجري بناء الهوية بشكل واعي بفضل تقنيات المخ”.

السيناريو الثالث يتضمن آفاقًا مرعبة من وجهة نظر الكاتب، فهو يتعلق بما يسميه الدكتاتورية المخية من قبل العمالقة الرقميين، وهنا تكمن خطورة دكتاتورية التلاعب بالمخ، فتقنيات المخ يمكن أن تصبح بذلك سلاحًا فتاكًا في خدمة الطموح السلطوي، ففي اللحظة التي سيكون فيها ممكنًا قراءة ما في المخ يمكن أن يظهر بوليس على الفكر، كذلك فإن كل نظام غير ديمقراطي سيحاول زرع ما يرى أنه نمط التفكير الصحيح لدى شعبه. وبالتالي فإن حريتنا في التفكير وامتداد ذاكرتنا وطبيعة قناعتنا، كل هذا سيكون محل للتلاعب، وتعيين الحد بين التعليم المخي وبين التلاعب سيكون تحديًا دائمًا.

الفصل الثاني عشر

الإنسانية أمام خطر الموت

يطرح الكاتب هنا مجموعة من الأسئلة التي تحاول استشراف مستقبل الذكاء الاصطناعي وتداعيات تقدمه على مستقبل الإنسانية، وفي هذا السياق يطرح تساؤلات حول إمكانية ان يكتسب الذكاء الاصطناعي وعيًا ذاتيًا أو أن يكون لديه مشاعر، وهل خضوع البشر للذكاء الاصطناعي أمرًا محتومًا؟

ويخلص من هذه الأسئلة المفتوحة إلى أن ما يجب فعله أمام خطر موت الإنسانية أمام سرعة تتطور الذكاء الاصطناعي هو الثبات في معركة القدرة التقنية المخية وأنها ستكون سبب بقاء البشر كنوع بيولوجي.

الفصل الثالث عشر

هل نحن صوب تآلف دولي لترويض الذكاء الاصطناعي

ينطلق الكاتب في هذا الفصل من افتراض اكتساب الذكاء الاصطناعي وعيًا مستقلًا عن الإنسان، وعلى هذا الأساس قد يكون هناك تداعيات سيئة ويصبح مؤذيًا للجنس البشري، ومثال على ذلك الروبوتات التي وُضِع لها في الخمسينيات ثلاثة أسس ما زالت تمثل الدعامة الضرورية للعلاقات المستقبلية بين البشر والروبوتات، وهذه الأسس الثلاثة هي: ألا يكون هناك حق لروبوت في الإضرار بإنسان، وألا نظل سلبيين إزاء حالة إنسان تعرض لخطر. ثانيًا ضرورة طاعة الروبوت لأوامر الإنسان. وثالثًا يحمي الروبوت وجوده الخاص في الحدود التي لا تتعارض فيها هذه الحماية مع النقطتين السابقتين. ويرى الكاتب ضرورة غرس هذه القوانين الثلاثة في صلب تشغيل الذكاء الاصطناعي خلال عملية تطويره. وبهذه الطريقة يمكن أن تكون للإنسانية فرصة في الحفاظ على التحكم.

  وفي ظل التنافس الشديد بين الدول في تطوير الذكاء الاصطناعي يؤكد الكاتب على ضرورة تطوير تعاون دولي مشترك لتجنب قيام دولة في الخفاء بتطوير ذكاء اصطناعي قوي من المحتمل أن يكون عدوانيًا. وقد أعلم إيلون ماسك: “أعتقد أن على الناس أن يقلقوا بالفعل، فالذكاء الاصطناعي هو أكبر خطر يهددنا كحضارة” كما قال: “الذكاء الاصطناعي هو أحد الحالات النادرة التي يجب أن يكون تنظيمها سابق التأثير وليس رد فعل لأننا عندما نتعامل معها برد الفعل سيكون الوقت متأخرًا”.

ولمواجهة خطر الذكاء الاصطناعي يفكر الكثير من الخبراء في تثقيف الذكاء الاصطناعي بمبادئ أخلاقية لكي يعرف الخير والشر. ويذكر الكاتب في هذا الإطار أن نسبية الأخلاق وسرعة تغيرها تمثل عائقًا أمام هذا الأمر.

الفصل الرابع عشر

“الجسم، والعقل، والصدفة”

الدعائم الجديدة الثلاثة التي تحل محل الحرية والمساواة والأخوة

يحاول الكاتب هنا الإجابة على سؤال: ما هي الحدود التي يجب تعيينها عند اتصال المخ الإنساني بالحاسوب؟، وبناءً على ذلك يقول إن هناك ثلاثة محاذير أو ثلاثة دعائم للإنسانية يجب أن تكون خط أحمر ويجب تأبيدها للحفاظ على الكرامة الإنسانية وهم:

1- الحفاظ على الجسم الآدمي: الرهان الأول هو إنقاذ جسدنا -عكس ما يراه أنصار تحول الإنسانية المتطرفون- لأن جسدنا هو سبيل الحفاظ على الواقع المعاش أمام الواقع الافتراضي الذي يتطور بشكل كبير ويصبح أكثر جاذبية خاصة مع تطور الجانب الترفيهي فيه والذي يصبح أكبر مخدر ومهرب من الواقع الإنساني المعاش، فهو عالم لا يهتم بإعطاء معنى للوجود ولا يطرح اختبارًا ولا تضحية بل يعمل على تحقيق المتعة للإنسان وإشباعه الدائم بها، ومن هنا يؤكد الكاتب على ضرورة الحفاظ على الجسد وبالتالي على الواقع المعاش، وهذا وإن كان سيكلفنا أننا سنستمر في مواجهة الموت وسنترك جزءًا من لذة الواقع الافتراضي إلا أنه ضروري حتى نتجنب الاندماج التام في الآلة.

2- الحفاظ العقل الإنساني: فهو ملجأنا الأخير للخصوصية ولوعينا الفردي، وذلك عن طريق أن يكون هناك إمكانية نزع الاتصال عن الشبكات الاجتماعية وما سيؤول اليه تطورها من مركز عالمي لتجميع الوعي.

3- الصدفة: وانطلاقًا من المسلمة التي يؤمن بها الكاتب من أننا وجدنا بفعل الصدفة يؤكد على أن إمكانية التحكم في كل شيء الذي ستتيحه لنا القفزات التقنية القادمة -مثل اختيار الخواص الفيزيقية والثقافية لأحفادنا -لابد يكون له حدًا بحيث نحافظ على جزء من الصدفة التي تسَير حياتنا حتى لا نفقد متعة الحياة.

الفصل الخامس عشر

أن تكون خالقًا حكيمًا من أجل التحكم في الذكاء الاصطناعي

في هذا الفصل الأخير من الكتاب يناقش الكاتب أولًا شكل العلاقة بيننا وبين الذكاء الاصطناعي، ويرى أننا لو ظللنا نفس البشر الموجودين اليوم، فنحن لا نساوي شيئًا في مواجهة الذكاء الاصطناعي. ولذلك سيكون علينا التفكير بالطريقة التي تمكننا من التعايش مع هذا الذكاء الاصطناعي، والتحكم فيه، وكذلك تحديد السرعة القصوى لنشر الذكاء الاصطناعي الذي يمكن احتماله اجتماعيًا، ويرى الكاتب أن هذا يعتبر أحد الأسئلة الأكثر تعقيدًا الذي لم تطرحه أية مؤسسة.

ثم يذكر الكاتب دور المدرسة في مواجهة تحدي الأزمة الاجتماعية الناجمة عن التنافسية الفائقة للذكاء الاصطناعي، والأزمة الأخلاقية الناجمة عن رفع قدرات المخ، وأخيرًا الأزمة الوجودية الناجمة عن تحدي الذكاء الاصطناعي لقدراتنا كأفراد وككائنات إنسانية، ويرى الكاتب أنه على المدرسة أن تدافع عن ثالوث الجسد والعقل والصدفة لتجنب الذوبان التام لأمخاخنا مع الآلات.

ينتقل الكاتب لشكل العلاقة بيننا وبين الذكاء الاصطناعي خاصة في ظل مستقبل ستتنوع فيه الذكاءات بين الإنسان التقليدي، والإنسان الذي سيتم تطوير ذكائه بالمزدرعات المخية، أو بواسطة التعديلات الجينية، هذا بالإضافة إلى ترسانة من الذكاء الاصطناعي، وهنا يؤكد الكاتب على ضرورة احترام كل أنواع الذكاء ونبذ العنصرية حتى ضد الذكاء الاصطناعي!

وفي هذا الإطار يتطرق الكاتب إلى بعض الأبعاد الأخلاقية المختلفة، منها سؤال هل لنا الحق في عدم طاعة الذكاء الاصطناعي خاصة وأن احتمالية الخطأ عندنا كبيرة في مقابل احتمالية خطؤه، فالبشر على سبيل المثال يتسببون في كم كبير من حوادث السيارات في مقابل وجود سيارات بلا سائق أكثر أمانًا، ويأتي هذا ضمن “علم أخلاق الذكاءات” التي – حسب ما يرى الكاتب – ستمثل قضاياه إحدى المهن المستقبلية، هنا يؤكد الكاتب على ضرورة أن نعمل مع الذكاء الاصطناعي وليس ضده، بمعنى أن نتكامل معه، في هذا السياق سيكون دور السياسي متعلق بفن ترتيب التعقيد التقني.

وأخيرًا وفي محاولة لاستشراف المستقبل والتنبؤ بما يمكن أن يمر به الذكاء الاصطناعي يطرح الكاتب خمسة عشر سيناريو محتمل بمثابة إشارات فقط بدون تفصيل:

السيناريو 1: أن أحد الذكاءين سيقضي على الآخر على غرار المبدأ الدارويني البقاء للأقوى.

السيناريو 2: أنه نظرًا لتركيبة المخ الإنساني المعقدة فإن الذكاء الاصطناعي سيصبح أسرع أكثر فأكثر لكنه لن يمتلك أبدًا فهمًا للعالم أو وعيًا بذاته.

السيناريو 3: أن صعوبة فهمنا لكيفية عمل الذكاء الاصطناعي أحيانًا قد تجعله عدائيًا لنا.

السيناريو 4: أن يظل الذكاء الاصطناعي -بتعبير الكاتب- “وفيًا” للإنسان لا يتمرد عليه.

السيناريو5: أن يتحول الذكاء الاصطناعي لسلاح مدمر يوجه من قبل الدول أو الجماعات الإرهابية.

السيناريو 6: أن يكون الذكاء الاصطناعي مستقلًا عنا يمضي في تطوره السريع ويترك الإنسان في بطئه.

السيناريو 7: أن يصبح الذكاء الاصطناعي أداة للتلاعب بنا، فكما أن جوجل اليوم تقرر لنا كيف نرى العالم من خلال ما تختاره لنا من نتائج بحث، فقد يذهب الذكاء الاصطناعي لأبعد من ذلك فيتحكم في قواعد معلوماتنا ويحللها خاصة في ظل وجود مزدرعات مخية تجعلنا نحيا في عالم مصطنع.

السيناريو8: أن الذكاء الناشئ عن التحام المخ بالآلة سوف يتماس مع المشكلات الكونية الكبرى للحيلولة دون فناء الكون وموته.

السيناريو 9: أن تكون العلاقة بيننا وبين الذكاء الاصطناعي علاقة تكامل لا يستغنى طرفًا فيها عن الآخر.

السيناريو 10: وهو ما يسميه الكاتب الذكاء الاصطناعي الأبوي، وهو أن يعمل الذكاء الاصطناعي على إنقاذ البشرية من جانبها العاطفي السيئ اللاعقلاني.

السيناريو 11: أن يتعاون الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي وأن يتقبل الإنسان بمرونة الهزيمة أمام الذكاء الاصطناعي أحيانًا.

السيناريو 12: أن يجعلنا الذكاء الاصطناعي نفكر بطريقة مختلفة، فبدلًا من أن يقلدنا يمكن أن نقلد أسلوبه في التفكير والعمل.

السيناريو 13: أن الذكاء الاصطناعي وإمكانية نسخ الأمخاخ البشرية سيخلق مجتمعات جديدة.

السيناريو 14: يتعلق بالتجزئة المخية التقنية، فالمزدرعات المخية التي سينتمي كلًا منها لشركة أو جهة ستجعل لدينا مزدرعات فيسبوك أو بالأحرى بشر فيسبوك، وبشر نيورالينك التابعة لإيلون ماسك، وبشر جوجل، وسينشأ عن هذه التجزئة معارضة بين طرق التفكير ورؤية العالم ومن هنا سيكون لابد من طرح مسألة التوحيد المخي التقني.

السيناريو 15: على طريقة المنطق الدارويني في التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل فسيكون لدى البشر الذكاء الاصطناعي الذي يستحقونه.

في الأخير يؤكد الكاتب على ضرورة أن نجعل المدرسة كيان متكامل مع الذكاء الاصطناعي وأن يتعلم الأطفال كيفية توظيفه من ناحية وكيفية العمل والحياة معه من ناحية أخرى، وهنا يؤكد الكاتب أن الذكاء البيولوجي لن يموت بسبب الذكاء الاصطناعي وعليه أن يكون هو المحرك لنصل إلى رفاهة الذكاء التي ليس لدينا اليوم فكرة عنها.

في نهاية الكتاب يقدم الكاتب خلاصة لما سبق طرحه ولعل أهم ما ذكره في هذا السياق والذي على القارئ المسلم أن يتوقف على دلالاته ما يتعلق بالأسئلة التي يفرض علينا الذكاء الاصطناعي طرحها، وأولها الأسئلة المتعلقة بالعقائد والأهداف النهائية وغاية الإنسان من هذه الحياة والوجود، وكذلك أسئلة معرفة الذات، وأخيرًا سؤال الواجب والعمل، مؤكدًا في النهاية على أننا لم نعد بحاجة للمعاني الإيمانية العقيدية أو الكشف الإلهي الذي يحمل لنا الراحة من الإكراه والقدر لأننا سنكون في وضع الإله بمعني أن ما نأمل فيه يمكننا بلوغه بأنفسنا.

وفي وصيته لأولاده الذين سيعيشون في عالم الخلود بفضل التقنية يدعوهم لأن يفعلوا الخير باسم أخلاق متخلصة من الربوبية وأن يكونوا متحررين في الصراع ضد الحتميات البيولوجية والجينية.

تعليق

بالنظر إلى ما سبق عرضه لابد من التأكيد على أهمية بعض الأفكار التي طرحت في الكتاب، خاصة ما يتعلق بضرورة استشراف طبيعة التفاعل مع الذكاء الاصطناعي في المستقبل ومتطلبات ذلك، وللقارئ والباحث المسلم أن يخوض في هذا الحقل الجديد مدركًا لما يفرضه من تحديات على أصعدة مختلفة خاصة وأنه يتماس مع الأسئلة الوجودية الكبرى، فالمنطلق العدمي الذي ينطلق منه الكاتب والسمة الاستعلائية للقدرة البشرية على التحكم في العالم التي تصبغ الكتاب، وفتح الباب لكل الاحتمالات دون وجود خطوط حمراء أو حقائق ثابتة، ينذر بشدة حاجة العالم للمنظور الإسلامي الذي يشتبك مع هذه القضايا ويقدم لها رؤية عميقة ومتزنة تنطلق من مرجعية ثابتة، ولا تضع قيودًا على التطور العلمي إلا بالقدر الذي يتعرض به هذا التطور مع محكمات الدين والفطرة وإجاباته على الأسئلة الكبرى، ومن ثم فعلينا مواكبة الثورات التقنية بمنظار الوحي الذي ينفي العبثية عن الأشياء ولا يؤله الإنسان بأي حال ولا يدخله أيضًا في دوامة التشيئ وينزله عن مقام الكرامة الإنسانية.

عرض:

أ. يارا عبد الجواد*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحثة في العلوم السياسية.

عن يارا عبد الجواد

شاهد أيضاً

الذكاء الاصطناعي “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتحولات القوة العالمية

حرب الذكاء

تطبيقات الذكاء الاصطناعي ونظرة المدرسة النقدية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

أ. أحمد محمد علي

تسرب الذكاء الاصطناعي بطريقة غير محسوسة الى كافة مجالات حياة الإنسان المعاصر في العقود القليلة الماضية، بحيث أصبحت هذه التقنية جزء لا يتجزأ من كافة أنشطة البشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.