التصميم المعماري: رؤية إسلامية

الصفحات التالية من كتاب إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد. محور الفن والعمارة.

التصميم المعماري: رؤية إسلامية* للمهندسة سهير حجازي

شهدت القرون الأخيرة بزوغ نجم الحضارة الغربية والتي سعت تدريجيَّا لبسط سيطرتها وهيمنتها على أرجاء المعمورة بدءًا بالسيطرة العسكرية، ثم تطورت هذه السيطرة إلى سيطرة اقتصادية تصاحبها التكنولوجيا، وقد حرصت الدول الغربية على الاستيلاء المعنوي على الأفراد – إن صح هذا التعبير – فعملت على مد تأثيرها وسيطرتها إلى العادات، واللغة، والأدب، والسلوك، والذوق، والثياب، وذلك اعتمادًا على إبهار الحضارة الغربية وتألقها، فتمكنت رويداً رويداً من أن تسلب الحضارات الأخرى شخصيتها، وتعمل على محو جذورها، وأن تلقي في روع الجميع بصورة مستترة أن اعتناق مظاهر الحضارة الغربية هو السبيل الوحيد للرقي والازدهار واللحاق بقطار العصر، وما عداها إنما هو ردة إلى التخلف، ودعوة إلى الإنغلاق، وتأخرا عن اللحاق بقطار التقدم والرخاء.

والإسلام كدين له تصور خاص عن الكون والحياة والوجود والإنسان، وهو تصور مغاير لكافة التصورات البشرية – قديمها وحديثها – ولذا فهو تصور له مفاهيمه الخاصة، ويصبغ معتنقيه بتكوين فكري خاص، وبنية شعورية مستقلة، ومن ثم له أولويات خاصة، ونقاط بدء خاصة، وله أيضَّا غاياته الخاصة. يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – فيما أخرجه البخاري في الأدب المفرد: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

وقد لازمت هذه السمة الأخلاقية هذه الأمة؛ فكان السمت الأخلاقي الرفيع عنصراً بارزا في كيان الدولة.

أما البشرية اليوم وقد أسلمت قيادها للحقبة الغربية فهي تتعبد ” التكنولوجيا “، فيقول الكاتب الألماني ” ماكس فريسن “: ” إننا لم نعد نتحكم فيما يجب أن تؤديه التكنولوجيا، وإنما نرى التكنولوجيا تتحكم فينا، وتدفعنا إلى ما لا نهاية له” [1].

والعمارة كمظهر هام من مظاهر المجتمع وركن أساسي في ثقافته، وانعكاس صادق لفكره وقيمه، تأثرت كغيرها بتيار التغريب؛ مما أفقدها جزءا كبيرا من مضمونها؛ وبالتالي تشكيلها؛ فجاءت متضاربة غير متناسقة.

وحتى الآن لم تنجح الدول العربية في الوصول إلى صياغة مناسبة لثقافتها، وإرساء لقواعد اجتماعية خاصة بمجتمعاتها، ونمط حياة مواطنيها، وطراز معماري محلي خاص بها لعدة أسباب منها:

1- الانبهار بالحضارة الغربية

جاءت تيارات التغريب في نهايات القرن التاسع عشر إلى الأمة الإسلامية على يد الحملة الفرنسية، فكانت الأمة قد تهيأت لها بكل أسباب الوهن، التي لا يتسع المجال هنا لإفرادها. فالشريعة قد تحجر فقهها كالصخرة في عقل البشر؛ فتوقف الفقه، وعمَّ التقليد والكسل، وعقيدة التوحيد الخالصة شابها الكثير من ظلال الفلسفة والصوفية والملل الإنساني.

ولم تأت الحملة الفرنسية بجيشها المنظم الحديث فحسب، ولكن بجيش آخر أكثر خطورة؛ وهو جيش من العلماء الفرنسيين عكفوا على دراسة وتحليل شتى جوانب الحياة في مصر.

وبعد أن خرج الفرنسيون من مصر بعد ثلاث سنوات، استيقظ المجتمع المصري على إحساس بقوة هذا الغرب، وانبهار بتقدمه؛ سرعان ما لازمه شعور كامن بالدونية والنقص.

وبعد ذلك أسلمت مصر للاحتلال العسكري البريطاني الذي استمر حوالي سبعين عاما، وقد تمخض عن تلك الحقبة الغربية اختيار النمط الحضاري الغربي العام، باعتباره نمط الحضارة المتمدينة الأعلى. وما زال هذا الاختيار ممتدا حتى الآن.

2- العملية التعليمية، ونقص الدراسات والمراجع

يكاد يكون الفكر الغربي هو الفكر الوحيد المطروح في المناهج التعليمية لطلبة الدراسات المعمارية في العالم العربي والإسلامي، وذلك دون النظر في أصول هذا الفكر، ومدى ملاءمته للمجتمع المصري والعربي عموما.

فيوجد نقل شبه كامل لأساليب التدريس من كليات العمارة في الغرب، وكذلك نقل للمناهج والكتب موضع الدراسة؛ بحيث يكون الفكر والمنهج الغربي هو المنهج الوحيد المطروح أمام الطالب في الدول الإسلامية.

فعندما تكون الأمة الناقلة هي الطرف الأدنى والجانب الأضعف، تفقد قدرتها على الانتقاء، أما إذا كان الناقل هو الأعلى والأقوى بزاده الحضاري الأصيل، فيصبح هذا الزاد مانعه من التردي في المحاكاة والذوبان[2].

وبينما  يحدث إسهاب في توضيح النظريات المعمارية الغربية، نجد عدم التركيز على النواحي الإبداعية والابتكارية والبيئية للتراث المعماري للمسلمين والاكتفاء بالإشارة إلى عناصر المبنى، أو تاريخ إقامته، واسم الطراز الذي يتبعه، مما أدى إلى وضع العديد من المحددات أمام النظرية المعمارية النابعة من تعاليم الإسلام، لا من قبل المعماريين في الغرب فحسب، ولكن أيضا من قبل المعماريين المسلمين الذين سيطرت عليهم النظرية الغربية فكرياً ومنهجياً. فحتى الآن، غالباً ما يكون اللجوء للطراز الغربي لتنمية المدن في أي دولة إسلامية هو الخيار المقنع للمتخصصين والمخططين والمعماريين على السواء.

ولابد أن نذكر سبباً هاماً لذلك هو: ” النقص الكامل للدراسات التحليلية للمدينة العربية التراثية” فعدم صياغة منهج علمي ينقل نظرة تصميم المجتمعات تبعاً لأصول الشريعة الإسلامية من مستوى الفكر إلى مستوى التطبيق، وما يلزم ذلك من فهم لما يدخل في المنهج من علوم ومعارف، وما يستلزمه التطبيق من رعاية سيظل دائماً عائقاً أمام تعاليم الإسلام المؤثرة على التصميم المعماري، بالإضافة لعدم تقديم الدعم والمساندة المادية والعلمية في إجراء البحوث التي تتناول علاقة تعاليم الإسلام بالتصميم المعماري، وكل ذلك يعتبر مسؤولية العلماء والباحثين، لأن أي بداية لنظرية معمارية لابد وأن يسبقها وفرة في المراجع والدراسات، وترجمة معاصرة لكتابات علماء المسلمين الأوائل بخصوص العمران.

3- اهتمام الفكر الغربي بإبراز المقومات الشكلية والزخرفية للتراث الإسلامي

اهتم الفكر الغربي بإبراز المقومات الشكلية والزخرفية، حتى يرسخ في وجدان المعماري العربي، ويطغى على القيم الحضارية الإسلامية كمنهج للحياة، بينما لو حاولنا تقييم تلك العمارة الزخرفية والتي ظهرت في العصور المتأخرة، بعد أن ضاعت الروح الحقيقية للإسلام في عصوره الأولى؛ طبقاً للمعايير العقائدية للإسلام، لوجدناها تهبط لأدنى المعاييرالتي تتناسب مع تعاليم الإسلام، رغم أنها ترقى لقمة الأعمال التشكيلية والفنية. فالاهتمام بالتراث كشيء ذي قيمة يأتي من أن الأشكال التراثية تشكل أكثر المصادر أهمية لمعلوماتنا ومعارفنا، ولكننا للأسف قد اعتدنا على النظر إلى عناصر التشكيل العمراني كالمشربية، والقبة، والعقد كمظاهر للتراث والأصالة بدون أي محاولة لاكتشاف الأسباب وراء استعمال هذه العناصر.

وبذلك ساد الاعتماد بأن هذه العناصر لاتخضع للتغيير، فإذا أردنا المحافظة على الاستمرارية مع الماضي لابد وأن نستمر في استعمال هذه العناصر، بينما  دراسة هذه التشكيلات داخل بيئتها الاجتماعية والحضارية سيجعل النتيجة ككل مختلفة.

فإذا نظرنا إلى المهتمين حالياً من المعماريين العرب والمسلمين بتبني الدعوة للاهتمام بالتراث، نجد أن هذه الدعوة قد نبعت بصفة أساسية من المنهج التحليلي ” للعمارة الأثرية”، وليس من المنهج التحليلي ” للعقيدة الإسلامية”، وذلك إما بإضفاء عدد من عناصر العمارة الأثرية على التصميمات الحديثة؛ باقتباس تشكيلات زخرفية وفراغية، أو باستخلاص أسس تصميمية تطبق شكلياً، وكل هذه الاتجاهات تضع المعماري المسلم في قالب الشكل، وتبعده عن المضمون وتعاليم الإسلام، بينما الإسلام هو دين الجوهر، أما الشكل فأمر زائل ومتغير.

وقد كان علماء المسلمين القدامى على وعي تام بهذه المسألة، ” فابن خلدون” مثلا في حديثه عن العمارة لم يتطرق إلى أي منطلق  وصفي أو تحليلي للمبنى المفرد، ولكنه تطرق للعمارة بمفهومها الأشمل من جوانبها الاقتصادية، والاجتماعية، والحرفية، والعقائدية.

فقد كانت نظرته للعمارة من خلال المضمون الحضاري أو الإسلامي الشامل، والشكل لم يكن له شأن إلا بصورة عابرة؛ لأنه وليد المضمون ومكمل له، فالفكر الإسلامي يبحث في أمور العمران بمضمون أشمل وهو: “المضمون الاجتماعي”.

تعاليم الإسلام والأسس التصميمية للمسكن:

إن الشريعة الإسلامية شريعة متكاملة، فقد اهتمت بتنظيم شتى شؤون حياة الإنسان المسلم، ولم تقتصر على تحديد نوعية العبادات له، ومن ضمن تلك الأمور الحياتية وجدت توجيهات اجتماعية يمكن ترجمتها إلى أسس تصميمية تؤثر إلى حد كبير على التصميم المعماري والتشكيل الفراغي للمسكن – كأحد أنماط العمارة على سبيل المثال – وهذا الاتجاه المتمثل في دراسة تعاليم الإسلام الاجتماعية المؤثرة على التصميم المعماري، وترجمتها لأسس تصميمية، لتشكل الخطوط العريضة لطراز محلي معماري لمجتمعنا الإسلامي، هذا الاتجاه على الرغم من أنه الاتجاه المنطقي لنا كشعب مسلم يجعل من القرآن الكريم دستورا لحياته، وتنص إحدى آياته على ذلك:

قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” الأحزاب – 36.

إلا أن هذا الاتجاه حديث الظهور، والاهتمام به ينحصر فى قلة قليلة جدا على مستوى العالم الإسلامي ككل، ولا يزال الموضوع يحتاج إلى المزيد من بذل الجهد والدراسة الجادة، لإجلاء جميع جوانبه، ووضع أسس تصميمية لطراز محلي معماري، يلبي احتياجات الإنسان المسلم، ويتناسب مع الشريعة الإسلامية.

وكمحاولة متواضعة لتلخيص أهم تعاليم الإسلام الاجتماعية التي تؤثر على تصميم المسكن نجد أنها:

1- احترام الخصوصية وستر العورات

فالخصوصية من المفاهيم ذات  التعريفات والمستويات المتعددة[3] والتي تختلف من مجتمع لآخر، وفي مجتمعنا الإسلامي، فإن للمرأة وضع خاص، فقد أمر الله  سبحانه – النساء بارتداء الحجاب أمام الرجال الغرباء[4]، مما يجعل للخصوصية أهمية قصوى في التصميم، كذلك هناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحث على احترام خصوصية المسلم في داره، وتنهي عن تتبع عوراته[5].

والخصوصية على مستوى المساكن يمكن معالجتها عن طريق ” معالجة الفتحات الخارجية”، ويتم بعدة وسائل منها:

  • أ‌- التحكم في ارتفاع الفتحات الخارجية (الشبابيك)، بحيث يمكن جعلها أكثر ارتفاعاً.
  • ب‌- معالجة الفتحات بتطويع التكنولوجيا.
  • ت‌- تبادل الواجهات مما يؤدي لزيادة مسافات الرؤية وغيرها.

أما الخصوصية على المستوى الداخلي للمسكن فتتحقق عن طريق:

  • أ‌- معالجة المدخل الخارجي: عن طريق وجود قاعة مدخل –شبه مغلقة – تقوم بالتوزيع على فراغات المسكن، لعدم التعدي على خصوصية حركة أهل المسكن.
  • ب‌- توفير أماكن لاستقبال الضيوف الرجال بعيداً عن حركة أهل المسكن.
  • ت‌- التوجيه الداخلي للمسكن، فمن الممكن أن تطل فراغات المسكن على ( تراسات) مزروعة تتجة لقلب الوحدة السكنية بدلاً من الشوارع المحيطة، كما يمكن أن تحتوي وحدات سكنية من ثلاثة أدوار على فناء داخلي، مع معالجة خطوط الرؤية.
  • ث‌- ضرورة الفصل بين نوم الوالدين والأبناء، كذلك ضرورة الفصل بين البنين والبنات بعد سن البلوغ، مما يؤكد أهمية توفير مرونة الامتداد المستقبلي للوحدة.

2- مراعاة الجوانب الاقتصادية والدعوة لعدم الإسراف

حرص الإسلام على غرس قيم التجرد والتقشف، حتى مع سعة  الرزق، خشية أن ينغمس المجتمع الإسلامي في البذخ فتنهار قوته وحضارته، والإسلام يعتبر الإنفاق في شؤون البناء من الأمور الحساسة، فإذا تجاوز الإنفاق أداء وظيفة المبنى، يدخل في نطاق التبذير[6]، ويخرج بأموال المسلمين عن دورة الاقتصاد الموجه لبناء المجتمع [7]، وعلى هذا فجميع دراسات الجدوى الاقتصادية، والدعوة لاستخدام مواد محلية ” الأقل تكلفة “، يتمشى مع تعاليم الإسلام.

3- الحث على البساطة والنهي عن المغالاة في الزخارف

أباحِ الإسلام التزين والتجميل كمبدأ عام، سواء تزيين النفس، أو الملبس، أو المسكن[8]، وإن وضع شروطاً حتى يضمن عدم الغلو [9] في هذا التزيين، كما أن تعاليم الإسلام قد نهت المسلمين عن التماثيل والتصاوير[10]، وأباحت التحوير والتجريد لكل ما لا نفس به [11]، ولذلك برع المسلمون في التحوير والتجريد  من الأشكال النباتية والهندسية وفنون الخط [12]

4- إباحة الترويح النفسي والتمتع بالقيم الجمالية

تعاليم الدين الإسلامي لا  تتعارض مع الترفيه النفسي أو الجسدي، مادام في إطار القيم الإسلامية، فقد  أوصى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بسعة المسكن على أنها من السعادة[13]، كما أعطى القرآن الرؤية الجمالية للبيئة المثالية في وصف الجنة [14]، مما جعل المسلم يأنس لوجود الحدائق سواء بمسكنه، أو بالمناطق المحيطة، فتمثل ذلك في الأفنية الداخلية المزروعة فقد أو حتى بعد تعدد الطوابق، فقد احتوت بعض المباني على حدائق مزروعة ومزودة بنافورة، أو أن يملأ ( التراسات) بأصص الزرع والرياحين، فوجود الحدائق والمزروعات في المنزل أو المناطق المحيطة ليس وسائل كمالية أو رفاهية زائدة عن الحد، بل إن لها دوراً كبيراً في الترويح النفسي، وتجديد القدرة على مواصلة السعي. كما حرص الإسلام على تحويل الإحساس بالجمال إلى قيمة إيجابية في الدعوة للعناية بنظافة الشكل والملبس والمحيط الخارجي[15].

5- تجنب مصادر التلوث البيئي

يدعو الدين الإسلامي إلى تجنب مصادر الضرر؛ حرصا على خلق مجتمع تسوده المودة والتكافل والتعاون [16]، مثال ذلك:

 5 – 1 – تجنب المصادر المولدة للأدخنة: فلم تسمح مجتمعات المسلمين بوجود استعمالات مولدة للأدخنة: كالحمامات العامة، والمخابز، وطواحين الأسواق  مجاورة للكتل السكنية.

5- 2 – تجنب المصادر المولدة للروائح الكريهة: فقد حرص الرسول – صلى الله عليه وسلم – على أن يكون مجتمع المسلمين طيب الرائحة، جذاب المجلس[17]، فاتخذ موقف حازم من الاستعمالات المولدة للروائح الكريهة: كمدابغ الجلود،ولذا هناك ضرورة لنقلها خارج نطاق الكتلة السكنية.

5 – 3 – تجنب مصادر التلوث الصوتي: فقد حث الإسلام المسلمين على خفض أصواتهم؛ حتى لايزعج بعضهم بعضا[18]؛ مما جعل علماء وقضاة التشريع الإسلامي يتصدون بحسم لوجود مصادر إزعاج صوتي مثل: الطرق على المعادن، وطحن الحبوب، والأسطبلات داخل الكتل السكنية [19].

مما سبق يتضح أن تعاليم الإسلام قد تضمنت توجيهات اجتماعية تؤثر على تصميم المسكن، يمكن ترجمتها إلى أسس تصميمية، وذلك بدون تحديد أسلوب تحقيق تلك التوجيهات مما يترك المجال للتكنولوجيا الملائمة لكل عصر.

فالشعوب لا تستطيع مواجهة مشاكلها بحلول جزئية متفرقة لا تجمعها تصورات أساسية للكون، والحياة، والإنسان، وحاجاته، ومصالحه، والكثرة من أبناء الأمة الإسلامية تحس إحساسا قويَّا بأن الإسلام  في جوهره، وقيمه العليا، وسماحته، هو أصلح الأسس لتوجيه النهضة المعاصرة، وقيادة الأمة نحو التقدم والازدهار، ولكن هذا الإحساس يخالطه الخوف من الانحصار في الماضي، وعدم القدرة على التعامل مع الواقع، والتشدد، والعزلة، والتزمت.

ولذا كان واجب المثقفين والعلماء من أبناء أمتنا، سرعة العمل على وضع صياغة للتطبيق المعاصر لأصول الإسلام، وكيفية الربط بين توجيهاته وبين شتى شؤون حياتنا المعاصرة، حتى يكون ذلك هو الأساس الذي تنطلق منه أمتنا لتتبوأ مكانها في صدارة الأمم، مصداقا لقوله تعالى: ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” آل عمران – 110 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* سهير حجازي (1998). دراسة التحيز في التصميم المعماري”. في: إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد. محور الفن والعمارة/ تحرير عبدالوهاب المسيري. ط. 3. هيردن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي. ص ص. 93- 123.

[1] عبدالجواد يس (1991). تطور الفكر السياسي في مصر خلال القرن التاسع عشر، القاهرة: المختار الإسلامي. ص34.

[2] سبق للأمة الإسلامية أن ووجهت بتحديات حضارية أجنبية مثل صدامها بالحضارة الهلينية، ذات الجذور الغربية والشرقية المتباينة، وكانت نتيجة المواجهة أنها لم تخرج منها منتصرة وسالمة فحسب، بل استطاعت أن تذيب هذه الحضارة في وعائها وتستوعبها في إطارها لأن الأمة حينذاك كانت تأخذ الإسلام كمنهج حياة، وقد أثارت هذه النتيجة الدهشة عند بعض كتاب الغرب، كما عبر الكاتب الإنكليزي ” مونتغري وات” بقوله: ” إننا لنجد شيئاً لايكاد العقل يصدقه، حين نقرأ عن كيف تحولت الحضارات القديمة في الشرق الأوسط إلى حضارة إسلامية”. أ. عبد الجواد يس – مرجع سابق، ص8.

[3] أغلب تعريفات الخصوصية تدور حول فكرتين: (أ) فكرة الانعزال، وتجنب المعاملات الاجتماعية. (ب) فكرة تحديد أو تنظيم أو التحكم في المعاملات الاجتماعية (م. ماجدة عبيد ” التطور الاجتماعي في مصر” القاهرة: 1986، ص 46).

[4] (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحزاب – 59 .

[5]( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النور – 27.

[6] التبذير كما يفسره” ابن مسعود” هو: ” الإنفاق في غير حق ( سيد قطب، في ظلال القرآن 1974)”

[7] قال تعالى: ” أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ” الشعراء 128 – 129 .

المعنى: ينذر سيدنا هود قومه من الاهتمام بالبناء، وينسون الحساب في الآخرة.

[8] قال تعالى: ” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ” الأعراف – 32 .

[9] غلا في الأمر غلوا أي جاوز حده ( الفيروز آبادي/ تودي 817 ه).

[10] قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ” دعوا الدنيا لأهلها، من أخذ منها فوق ما يكفيه أخذ حتفه وهو لايشعر”. (أخرجه البزار عن حديث أنس)

يقول الإمام الشيخ المقدسي في مختصر منهاج القاصدين في كتاب شرح عجائب القلوب في فصل مداخل إبليس في قلب الإنسان: ” ومن أبوابه: حب التزين في المنزل والثياب والأثاث، فلا يزال يدعو إلى عمارة الدار، وتزيين سقوفها وحيطانها، والتزين بالثياب، فيخسر الإنسان طول عمره في ذلك”.

[11] أفتى ابن عباس رجلاً يعمل في التصوير بأنه سمع من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفساً تعذبه في جهنم” وقال : ” إن كنت ولابد فاعلا فاصنع الشجر وما لانفس له”.

[12] من الزخارف الخطية ما عرف بالخط الكوفي، والفارسي، والديواني وغيرها.

[13] قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء”. ( ابن حبان في صحيحة)

[14] قال تعالى: ” وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ  فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ  وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ  وَمَاء مَّسْكُوبٍ  وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ  لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ” سورة الواقعة 27 – 33 .

[15] قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” النظافة تدعو إلى الإيمان، والإيمان مع صاحبه في الجنة”. (رواه الطبراني)

[16] قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” لا ضرر ولا ضرار”. (رواه أحمد وابن ماجه)

[17] قال رسول الهه – صلى الله عليه وسلم -: ” من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا”.

[18] قال تعالى : ( في وصايا لقمان لابنه): ” وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ” لقمان – 19

[19] حث تعاليم الإسلام على تجنب التلوث البيئي، يؤكد على ضرورة الاهتمام بالعزل الصوتي، وتجميع الخدمات، والاهتمام بالصرف الصحي.

عن سهير حجازي

شاهد أيضاً

الإنسانوية المستحيلة: إشكالات تأليه الإنسان وتفنيدها في الفكر المعاصر

تأليف: د. إبراهيم بن عبد الله الرمَّاح

عرض: أ. يارا عبد الجواد

إن الناظر في واقع حال الأمة الإسلامية اليوم يجد حروبًا على جبهات عدة بعضها بالقوة الخشنة والبعض الآخر – وهو الأكثر خطورة- بالقوة الناعمة والغزو الثقافي الذي بات يأكل في جسد الأمة في الخفاء مستهدفًا وعي أبنائها وعقيدتهم.

إسلامية المعرفة مشروعًا للعلم والإنسان

أ. يارا عبد الجواد

إن الرؤية الإسلامية المنطلقة من مبدأ توحيد الخالق ومن ثم وحدة الكون ووحدة الإنسانية، جعلت حضارة الإسلام في عصور ازدهارها تعكس سمة العالمية وترسي دعائمها بصورة غير مسبوقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.