مركزية الفعل الأخلاقي في الرؤية الإسلامية

مركزية الفعل الأخلاقي في الرؤية الإسلامية*

إن إعادة بناء منهج النظر إلى القيم الأخلاقية يجب أن يتم بنقل القيم من دائرة الوجود الكمالي أو التجزيئي أو التهميشي إلى دائرة النموذج الحاكم والإطار المرجعي. إن حاكمية القيم – بوصفها مفردة مركزية في الرؤية الإسلامية- تسعى إلى وضع أسس قيمية أخلاقية تكون مرتكزات لنموذج الحياة. فإن الحياة بمعزل عن القيم الأخلاقية ما هي إلا إرادة القوة، وشرعة العنف والمنفعة.

إن المشروع الحداثي هو رؤية إلى العالم مبنية على إفراغه من مضامينه الدينية وملئه بالمضامين المادية، فتستحيل وظيفة المعرفة تبعاً لهذه الرؤية، لا كشفاً لآيات الحضور الإلهي في عالم الطبيعة، بل معرفة ناهمة بإرادة القوة للسيطرة على عالم الطبيعة وعالم الإنسان. أما منظومة القيم فقد نُزعت القداسة عنها وتم فصلها عن أي مصدر متعالٍ، كما تم إسكانها في النسبية والسياقات التاريخية، وجعلها وليدة الجدوى والمنفعة، فأصبحت القيم الأخلاقية مرتبطة بمعيار المنفعة والقوة.

ويعتبر المشروع الحداثي الغربي هو المسؤول – معرفياً وحضارياً- عن ابستمولوجيا الفصل بين نظام القيم الأخلاقية ودوائر المعرفة الأخرى، وهذا ما يدفع نحو التحليل والتوسع في الحديث عن مركزية القيمة الخلقية بوصفها إطاراً مرجعياً ومفهوماً شاملاً ونواة محيطة بكل الفاعليات الإنسانية.   

الإطار المرجعي لمنظومة القيم

ليست القيم الأخلاقية في التصور الإسلامي مجرد فضائل؛ أي وصف تكميلي لا يحدث الضرر بفقده، وإنما هي إطار ناظم، وعنصر تأسيسي، ومفهوم محيط بمختلف العناصر الممثلة للحياة. إن السعة المفهومية والاشتقاقية التي يوفرها النص القرآني لمفهوم القيم ينقلها من الوجود المثالي إلى الوجود الفعلي الحركي، وذلك لارتباطها القوي بالاستقامة العملية، عن طريق كف العقل عن الهوى، والنفس عن الشهوات، وتدبير الحياة الإنسانية تدبيراً قيمياً تكون فيه المشروعية للقيم العليا، لا للوقائع المتحركة. وهذا الحضور للقيم في الحياة يعني “أن مهمة القرآن، الكتاب الذي يشمل المثالية الإسلامية في كمالاتها، هي مهمة قيمية بالأساس، فهناك مهمة أساسية عملية تجدها في قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). ومهمة القرآن هداية تقوم على نظام عملي يصوغ حياة طيبة تليق بآدمية الإنسان وإنسانيته”[1].

وتأسيساً على ذلك، يمكن اعتبار القيم إطاراً مرجعياً، ومنظومة تأسيسية، “وأسمى القيم الحاكمة ثلاث: 1. التوحيد 2. التزكية 3. العمران. وسائر القيم الأخرى الكلية منها والجزئية تنتهي إلى هذه القيم الثلاث التي لا يمكن أن ينفصل أي منها عن الآخرين؛ فالتوحيد غاية التزكية وهدفها، ووسيلتها في الوقت ذاته. والعمران ثمرة للتوحيد والتزكية معاً، فلا يوجد على حقيقته، وبشروطه، بدونهما”[2].

التكامل الأخلاقي والشخصية الارتقائية

إن التكامل الأخلاقي ما بين العلم والعمل، أو المعرفة والأخلاق، له أكبر الأثر على إثبات الشخصية وتكامل أبعادها وتجديد فعلها، لأن العلم أو المعرفة مهما بلغت مبلغاً واسعاً فإنها ستكون قاصرة إذا ما كانت منفصلة عن السلوك. ويقول بديع الزمان النورسي: “إن إحياء النموذج الإنساني الذي يرتكز على فلسفة “أحسن تقويم”؛ موقوف حصوله على الانتساب الإيماني والتكامل الأخلاقي، لأن الانتساب إلى الإيمان يعود بهوية الإنسانية إلى حقيقتها الأخلاقية وجوهرها الصافي”[3]. أما التكامل الأخلاقي فينبني على الانتساب الإيماني، فهو الذي يجعل القيم الروحية تتكامل مع القيم الحيوية، والقيم الفردية مع القيم الجماعية، والأشواق الروحية مع الحاجات المادية، كي يكون لائقاً بالأمانة الإلهية ومستخلفاً أميناً على الأرض.

إن إثبات الشخصية، ونقلها من الفتور إلى الحركة، أو نقل السلوك من العبث إلى المعنى، ومن الصفة الاعتيادية إلى الصفة الارتقائية، يجد قوتها الجوهرية في التكامل الأخلاقي بين الإيمان والفعل، وفق منهج أخلاقي يتخذ من الأسس الدينية الإسلامية نبراساً له.

  • التكامل الأخلاقي:

يجرى الاعتقاد أن الصفة الأصلية والمحدد الجوهري لماهية الإنسان هي العقل، العقل بالمعنى المنطقي يونانياً، والعقل بالمعنى الرياضي حداثياً، وكأن الإنسان يجد مفاتيح ذاته في التعقل والتفكير الرياضي. لكن التكامل الأخلاقي لا يساير هذا التعريف للإنسان، إذ أن التكميل الأخلاقي يرى بأن الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان لا ينحصر في العقلانية وفق مفهوم المعنى المنطقي والرياضي، وإنما الأخلاقية هي الحد الفاصل الجذري بينهما، “فالأخلاقية هي وحدها التي تجعل أفق الإنسان مستقلاً عن أفق البهيمة… إنها الأصل الذي تتفرع عليه كل صفات الإنسان من حيث هو كذلك، والعقلانية التي تستحق أن تنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة لهذا الأصل الأخلاقي”[4]. ومن هذا المنطلق، فإن التكامل الأخلاقي يدخل في نسيج الإنسان الذاتي، كمحدد (جوهري) وليس كمحدد عرضي.

إن ثنائية النظر والعمل، أو ثنائية أفعال القلوب وأفعال الجوارح، بينهما علاقة متبادلة التأثير والتأثر، فالعمل يجدد نور السراج الموجود في القلب، وتبعاً لهذا تتجدد الملكات العقلية والنفسية والجسمية في الإنسان. وعندما نتأمل في الآية القرآنية (الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) نجدها تتكرر بصيغتها أو معناها في القرآن الكريم أكثر من خمسين مرة، كأنما تؤكد على ضرورة استعادة وحدة أمرين اعتاد الناس على الفصل بينهما. إن هذه الآية تعبر عن أن الوصل بينهما هو الأصل (هو الإيمان) الذي يقود إلى الأخلاق (عمل الصالحات).

 كذلك يكشف القرآن عن علاقة أخرى عكسية بين الأخلاق والدين، فيوجه نظرنا إلى أن الممارسة الأخلاقية قد تكون حافزاً قوياً على التدين: (لن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران-92]، فمعنى الآية هنا لا يقول «آمن لتصبح خيراً» وإنما على العكس يقول افعل الخير تصبح مؤمناً، وفي هذه النقطة نرى إجابة على سؤال: كيف يمكن للإنسان أن يقوي إيمانه؟ والإجابة هي “افعل الخير تجد الله أمامك”[5]. والقصد من هذا، الأثر الإيجابي للفعل على العقل والذات، وبالتالي فالتكامل الأخلاقي يجد في الوحدة بين العلم والعمل مفتاحاً أفضل للتأهل للانخراط في سلك نموذج الشخصية الارتقائية.

  • الشخصية الارتقائية:

 إن الشخصية بشكل عام هي ما يميز سلوك الفرد عن الآخر، ويقول الفيلسوف سينيك Seneque (4ق. م -65 م): “ليست الشخصية شيئاً فطرياً. إذ يتعين على الفرد أن ينجز وحده شخصيته وهويته”[6]. وهذه اللفتة الأخيرة، التي تؤكد أن الشخصية مسار يكتسب، وصفات تُبنى في الذات الإنسانية، تنسجم مع مقصودنا في الشخصية الارتقائية، التي هي نتاج جهد ومكابدة وفعل عسير، وليست نتاج جهد خفيف، أو سلوك اعتيادي مكرور. ويجدر التنويه هنا أننا سنميز بين الشخصية الاعتيادية؛ والشخصية الارتقائية التي هي ثمرة التكامل الأخلاقي، وبيان ذلك كالآتي:

الشخصية الاعتيادية، أكثر اتصالاً بمجرى الحاجات الإنسانية والدوافع الغريزية، وبالتالي فهي تتوفر على الصفات الاعتيادية التي نجدها عند الإنسان المسلم المتدين، من إيمان بالاعتقادات الأساسية، والالتزام بالقيم الموجهة، وتأسياً بالنموذج النبوي في التعبد لله، والمكاسب الإيجابية للشخصية الاعتيادية أنها:

  • تخرج الوجود من دائرة العبث إلى دائرة المعنى.
  • أنها تخرج السلوك من اعتبار الشكل إلى اعتبار المضمون.
  • أنها تنقل الحياة من الوصف الآلي إلى الوصف الإرادي [7]
  • أنها فردية، قد لا تمتد إلى تخليق كافة الأنشطة الإنسانية: العلمية والعملية.

لكن على قيمة هذا النموذج المتدين في الحياة، فهو، وإن أدرك أهمية الارتفاع عن حظوظه الحيوانية إلى أفق الإيمان، إلا أنه ناقص من منظور التكامل الأخلاقي، وهذا ما يدفع بنا إلى كتابة مواصفات الشخصية الارتقائية التي تتجلى في التكامل بين العلم والعمل، ذلك أن “الإسلام لم يقف عند حد عقد النية، بل ربط الأخلاقية بالقيام بالعمل بالفعل، فبعد أن بيَن أن لا قوام لأخلاقية أي فعل ما لم يكن مبنياً على نية صالحة، أرشد الإنسان على طول الطريق من النية إلى الفعل، من عالم الوعي الشخصي بالزمان والمكان، إلى حومة العمل ومعترك صنع التاريخ. فالقيم أو الإرادة الإلهية لا تقف عند حد امتلاك الإنسان النية الصالحة تجاهها، بل يتعين على الإنسان تجسيدها في أرض الواقع، والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي خلقه الله لتفعيل تلك القيم وتلك الإرادة بحُرية، ولوجه الله تعالى. ويتعين عليه من ثم أن يحرك الموجودات، ويعيد تشكيل الطبيعة (المكونات)، ليجسد فيها البُعد الأخلاقي، وفق المثال الرباني الذي عرفه بالوحي الإلهي المنزل”[8].

وواضح أن الشخصية الارتقائية، تلبس لبوس الطاقة الروحية، أي لباس قيمي إبداعي يثمر نتيجتين أساسيتين؛ “إحداهما أن الجهد الارتقائي يصدر عن الروح… وثانيها أن الجهد الارتقائي يتجلى في العمل بالقيم.. ولا يعمل بالقيم إلا الفطرة التي هي عبارة عن قيم عملية ذات أصل روحي في مقابل الغريزة التي هي عبارة عن وقائع سلوكية ذات أصل مادي… والقيم الفطرية تمتاز عن سواها بكونها لا تكتفي بتسديد الفعل، وإنما تتعدى ذلك إلى بث روح المبادرة فيه، وإمداده بأسباب الإبداع … أي أن صميم الفطرة مجموعة من القيم التي تورث الإنسان القدرة على الإبداع، كما يجوز أن نعرف الإبداع بكونه إحداث شيء غير مسبوق بواسطة القيم الفطرية”[9].

وواضح، بعد هذا، مدلول الشخصية الارتقائية التي ازدوج فيها المعنى القيمي بالمعنى الإبداعي، ما فتح النظر على أهمية الفعل الارتقائي الذي يخترق السائد والمألوف، ويسعى إلى القيام بفعل في الزمان والمكان وفق المثال الإلهي. وبالتالي فإن التكامل الأخلاقي ليس مجرد منهج نظري، وإنما هو دافعية إيمانية مبدعة[10].

منهاج التكامل الأخلاقي

إن التكامل الأخلاقي بوصفه منهجاً عملياً تطبيقياً يستحضر في كل مجالات الحياة عناصر تكوينه المادية والروحية على حد سواء، كما أنه يثمر الشخصية الارتقائية، فماهي المبادئ التي تشكل عناصر هذا المنهاج؟ وما هي حقيقة العلاقة بين هذه العناصر؟

  • الانتساب الإيماني:

ثمة ثلاثة رؤى إلى العالم سائدة وممكنة؛ الرؤية المادية التي تجد في المادة نموذجها التفسيري، والرؤية الدينية التي تجد في الروح أو الضمير نموذجها التفسيري أيضاً، وثمة الرؤية الإسلامية، “والإسلام هو الاسم الذي يطلق على الوحدة بين الروح والمادة، وهو الصيغة السامية للإنسان نفسه، إن الحياة الإنسانية تكتمل فقط عندما تشتمل على كل من الرغبات الحسية والأشواق الروحية للكائن البشري”[11].

والتكامل الأخلاقي يجد أصله التأسيسي بناء على هذه الفلسفة ثنائية القطب في الانتساب إلى الإيمان التوحيدي “ذلك لأن الإيمان يربط الإنسان بصانعه الجليل، ويربطه بوثاق شديد ونسبة إليه، فالإيمان إنما هو انتساب، لذا يكتسب الإنسان بالإيمان قيمة سامية من حيث تجلي الصنعة الإلهية فيه، وظهور آيات نقوش الأسماء الربانية على صفحة وجوده. أما الكفر فيقطع تلك النسبة وذلك الانتساب، وتغشى ظلمته الصنعة الربانية وتطمس على معالمها، فتنقص قيمة الإنسان حيث تنحصر في مادته فحسب؛ وقيمة المادة لا يعتد بها فهي في حكم المعدوم، لكونها فانية زائلة، وحياتها حياة حيوانية مؤقتة”[12]. وهنا ندرك أن قيمة الإنسان لا يستمدها من جسده أو جماعته، وإنما قيمة الإنسان ترتفع بقدر ما يستجيب وبحرية للتكاليف الربانية، وباستجابته للتكاليف الربانية يكون إنساناً صادق الانتساب، ولائقاً بمقام التكريم، لأن الذات الإلهية هي مصدر الخيرية لكل ما في الوجود. وما لم يضع الإنسان تلك الغاية المطلقة الأسمى في الحسبان، فإن كل عُرى سلسلة العلاقات والغايات تتفكك وتفقد وظيفتها. فالأساس القيمي لكل تلك الحلقات والسلاسل العلاقية هو ارتباطها بالقيمة المطلقة العليا”[13]. إنها النسق الإيماني الذي يستمد منه الإنسان قيمته، ويتغذى على أشعة شمسه المتدفقة، “فيتحول هذا الإنسان الذي لا أهمية له، إلى مرتبة أسمى من المخلوقات قاطبة، حين يصبح أهلاً للخطاب الإلهي، وينال شرفاً يؤهله للضيافة الربانية الحقة”[14]. وما يجب أن نشير إليه ضمن مقام الانتساب الإيماني، العناصر التي تدخل في البناء التكويني لانتساب الإنسان إلى الإيمان، وتتلخص هذه العناصر فيما يأتي:

مبدأ الشهادة: “يقوم هذا المبدأ على تقرير أن الشهادة بمختلف معانيها تجعل الإنسان يستعيد فطرته، محصلًا حقيقة هويته ومعنى وجوده، بدءاً بشهادة الإنسان في العالمين: الغيبي والمرئي التي يقر فيها بوحدانية الله وشهادة الخالق على هذه الشهادة، وانتهاء بالشهادة على الذات والشهادة على الآخرين”[15]. وواضح أن الشهادة هنا، مفهوم استيعابي شامل، يبدأ بالشهادة الأصلية، إلى الشهادة الفرعية في عالم الإنسان.

مبدأ الأمانة: “يقوم هذا المبدأ على تقرير أن الأمانة بمختلف وجوهها تجعل الإنسان يتجرد من روح التملك، متحملاً كافة مسؤولياته التي يوجبها كمال عقله… لأن كل الموجودات في العالم الائتماني عبارة عن أمانات لدى الإنسان”[16]. ولا يخفى على الناظر في أحوال الإنسان الحديث، الذي سلبته الأشياء أصالته وإطلاقيته، وأضحى إنساناً يجد هويته في التملك والاستهلاك، وبرزت جهود نفسية، تهدف إلى شق دروب جديدة في الحياة، عنوانها الأعم هو “أن الهدف من الحياة هو مزيد من تحقيق كينونيتنا، وليس الاستزادة من ملكيتنا” [17].

مبدأ التزكية: “يقوم هذا المبدأ بتقرير أن التزكية بمختلف مراتبها خيار لا ثاني له، يجعل الإنسان يجاهد نفسه للتحقق بالقيم الأخلاقية والمعاني الروحية المنزلة، ابتغاءً لمرضاة الخالق جل جلاله، وحفظاً لأفضلية الإنسان في الوجود، وتصدياً لجديد التحديات والأزمات في القيم الإنسانية داخل عالم يزداد ضيقاً ولا ينفك يتغير بوتيرة تزداد سرعة”[18]. ويتبين لنا، من خلال هذا المبدأ، أن التزكية تعني تفجير المكنونات الروحية في الإنسان، وربط التقدم المعنوي، جنباً إلى جنب، مع التقدم المادي، وإنسان التزكية يرتقي من تزكية نفسه إلى الارتقاء الروحي بغيره، وهنا سر انتقال التزكية من دائرة الفردية إلى دائرة الإصلاحية التكاملية الخيرة، فإنسان الانتساب الإيماني إن سألته وجدته بصيراً بالطريق إلى الله سبحانه، وإن أجاب أجابك بالوصف عن طريق سلكه، وعن آفات قد رفضها، وعن مكابدة قد جاهدها، وعن درجات في القرب من الله سبحانه وتعالى قد ارتقى إليها، وأنه لم يصل إلى السرور والراحة إلا بعد المكابدة والمجاهدة، لأن يتحملوا مثل ما لقي حتى يُفضوا إلى الغنى والراحة والسرور”[19].

وهذا البعد الإصلاحي لإنسان التزكية يتطلب أيضاً تطوير علوم نفسية وأخلاقية أو إعادة الإحياء للعلوم النفسية والأخلاقية التي يزخر بها التراث الأخلاقي الإسلامي، وهذا التراث العظيم الذي بدأ بالمحاسبي كان ينبغي أن يكون هو التراث الأهم في إحياء الفكر الإسلامي في هذا العصر، وفي الاستعانة بذلك الفكر في فهم الإسلام في كليته وشموله، وفي بناء وتطوير نظام إسلامي في التربية، وأيضاً في بناء وتطوير علوم إسلامية في مجالات العلوم النفسية والاجتماعية والحضارية… ولم يكن اهتمام علمائنا بالتبصر بالميول المذمومة في طبع الإنسان لمجرد أنها ميول تقترن بدوافع الهوى وتتولد منها صفات مذمومة في النفس فقط، ولكن لأن هذه الصفات عندما تقوى في النفس تشغل صاحبها عن الغايات التي أوجدت فيه من أجلها قواه الفطرية، بل وتصبح حجبا كثيفة بين هذه القوى وبين معرفة الحقيقة، وبين هذه القوى وبين التبصر في ما العبادات من اسرار تربوية”[20] .

إذن، تبدو مرتكزات الانتساب الإيماني مترابطة ومتكاملة، مع أفضلية الشهادة كقيمة عليا ناظمة، على غيرها من القيم الأخرى، وبالتالي؛ فإن التكامل الأخلاقي يتأسس على هذه المحددات أو الكليات الكبرى، لكي ننتقل بعدها إلى ما نسميه: فلسفة أحسن تقويم، كركن ثان في أركان منهاج التكامل الأخلاقي، التي ينتقل بالانتساب الإيماني إلى الإنسان في نقاء فطرته، وفي قابليتها الأصلية للوحي الإلهي، لكي تعود الذات الإنسانية إلى الصورة الأصلية المجبولة عليها، قبل أن ترد إلى أسفل سافلين.

  • فلسفة إنسان أحسن تقويم:

من جملة التحديات الكبرى التي تواجه إنسان الحداثة وما بعد الحداثة، هو التفكير في كيفية استعادة قيمة الإنسان وقيمة الدين مجدداً، “بعد أن لاحت دلائل موت المعنى وفقد الوجهة؛ وبعد أن تم الإعلان عن موت الإله والدخول في مسار النسيان… ذلك أن الإنسان صار في هذا العالم عبارة عن آلة، ثم صار عبارة عن سلعة، ثم صار عبارة عن معلومة، ومعروف أن الآلة مبناها أصلاً على التجريد والتجزيء، وأن السلعة مبناها أصلاً على الثمن والربح، وأن المعلومة مبناها على الرقم والافتراض؛ ولا يخفى ما في هذه الإجراءات والقيم الحديثة من خفض للوجود الإنساني وتضييق”[21]. وبالتالي، فإنه لا أفق يبدو ممكناً في ظل هذا التضييق على الإنسان إلا العودة مجدداً إلى فلسفة إنسان أحسن تقويم، كمعيار كلي ومبدئي في ترميم الذات الإنسانية، وأن تعود بعد هجران وقطيعة مع المنبع الأول الذي كانت فيه الذات مستقيمة، لكن ما هي دلالة إنسان أحسن تقويم من النواحي الإيمانية والمعرفية والذاتية والسلوكية؟

دلالة أحسن تقويم من الناحية الإيمانية: الشخصية الارتقائية ليست نموذجاً جاهزاً يولد مع إنسان، وإنما الجهد الإنساني مع التوفيق والتأييد الإلهيين هما اللذان يصنعان هوية الشخصية، وطبيعة محدداتها، ومآلها في الحياة الأولى والحياة الثانية، لأن هذا هو جوهر الابتلاء، فالإنسان في أصل خلقه حائز لصورة أحسن تقويم، ولكن الإرادة الإلهية المباركة شاءت أن ينزل أسفل سافلين، عالم الحس والتغير والشهوة والهوى، ولكنه بعامله الروحي قادر على تخطي ما يخلد به إلى الأرض، وتخطي أنانيته الضيقة، لأن الأخلاق التي يتخطى بها الأنانية السلبية مستمدة من الفطرة، من عالم المقام الأعلى المنزه، “لأن هذه الفطرة تحفظ ذكرى شهادتها للإله بالوحدانية كما تحفظ شهادة الإله على هذه الشهادة؛ وقد ولَدت هذه الشهادة الغيبية الأولى في أعماق الإنسان قيماً أخلاقية ومعاني روحية لا تلبث أن تصعد إلى طبقة شعوره ما أن يتعاطى شهود آيات التكوين وآيات التكليف في نفسه وفي الآفاق من حوله… وعلى هذا؛ كانت الأخلاق التي تورثها الصورة الفطرية للدين من حيث مآخذ قيمها، أخلاقاً روحية، ومن حيث توسلها بالشاهد الإيماني أخلاقاً ائتمانية”[22]

إن دلالة أحسن تقويم من الناحية الإيمانية تعني، كما أشرنا، استقامة الإيمان ووضوحه فطرياً، لأنه المبدأ الفطري القرآني الأساس الذي ينبثق منه مفهوم نظام System الوجود، وبهذا المبدأ والمفهوم الأساسي تتضح أبعاد الحياة الإنسانية الغائية الأخلاقية العلمية العالمية، ومعنى وجودها، [إنّ] التوحيد هو المبدأ الأساس في الرؤية الإسلامية الكونية؛ لأنه هو الإجابة الكونية الفطرية السوية للبعد الروحي للإنسان في فهم ذاته مبتدأ ومآلًا، وهو سقف المنطق الإنساني في فهم أبعاد الحياة، والوجود، وما وراء الحياة والوجود”[23]

دلالة أحسن تقويم من الناحية المعرفية والذاتية: إن فلسفة إنسان أحسن تقويم من الناحية المعرفية والذاتية تذهب إلى أعماق الوعي الإنساني، من أجل البحث فيه عن الجوهرة النفيسة التي تعد معياراً في البحث عن حقيقة المعرفة، وحقيقة الذات الإنسانية في صلتها بالجماعة أو النسق الثقافي الذي تنتمي إليه، فتحْت ركام ثقافة الجماعة واللاشعور الثقافي، ثمة الفطرة بما هي استعداد ذاتي للتساؤل والمعرفة والبحث عن شفاء لعلل الأسئلة، وهذه الفطرة تتعادل مع الحرية من جهة التكوينية الأصلية، لكن ليست الحرية المادية التي نجدها لدى فلاسفة الليبيرالية، وإنما فطرة وحرية من بُعد آخر في الإنسان هو البعد الروحي، ذلك “أن الروح سلطة فوق النفس والحواس والبدن”[24]. إذن فإن إنسان أحسن تقويم، يجد أداته المعرفية والذاتية في هذا البعد الروحي الذي له ولاية على الأبعاد الأخرى، والروح صفة مشتركة في الإنسان بما هو إنسان، ولهذا، نجد أن القرآن الكريم رد ظاهرة الكفر عند الإنسان إلى تعطيل وسائل المعرفة التي بحوزته، والانسياق خلف أنانيته الضيقة، وبالتالي أخطأ الإنسان التقدير والاختيار. وبيان ذلك أن الله الخلاق العليم أوضح أن الروح من أمر الله، فهي خارج سنّة التكوين الطبيعي.. ويتضح هذا المعنى جيدا في العلاقة مع آدم حين سواه خلقاً مادياً وعدله بشراً ونفخ فيه من روحه (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَرَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) [السجدة-9]، فالروح من خارج التكوين الطبيعي. ثم ربط الله بين السمع والبصر والأفئدة ونفخ الروح، فجُعلت مسؤولية الإنسان في الترقي بقوى الإدراك هذه ليعلو على سنة الطبيعة المادية… فالقيمة الروحية للإنسان، مع ترقيه بقوى الإدراك، تجعله متجاوزاً في تكوينه لخصائص المادة الطبيعية وحركتها، وبالتالي فقد طُلب إلى الإنسان أن يُخضع الطبيعة له لا أن يخضع لها هو، وهذا هو مضمون الاستخلاف”[25]

إن إنسان أحسن تقويم، بما يملكه من وعي فطري بأدوات المعرفة من سمع وبصر وفؤاد، وبما هو عليه في فطرته من حرية، وما الأمانة التي حملها الإنسان، إلا دليل على عظمة الإنسان وقدرته التي هي واحدة في أصلها، لا توجد في ثقافة دون أخرى، بل تخترق الفطرة في أصل خلقتها العارفة الحرة كل الثقافات والأعراق لتخاطب الإنسان بما هو إنسان. ولهذا، يعمل المنهج القرآني في خطابه للإنسان على تصغير ما دونه، تصغير ما يعتقد أنه إلاه سواء بدافع الخوف أم الحاجة، تصغير المخلوقات الأخرى مثل الشمس والقمر والبحر فهي كلها مسخرة له. من هنا كان رفض الإسلام للشرك في صميمه، رفض لكل ما ومَن يتعالى على الإنسان، أو يرفع إلى مكان فوقه، لأن الفطرية العارفة والحرة هي القوة التي تحدد للأشياء مكانتها ومرتبتها التي تليق بها وفق ما استودع خالقها فيها.

دلالة أحسن تقويم من الناحية الأخلاقية: نقصد هنا الصورة الخلقية للإنسان التي من المفروض أن تتوفر في معيارية أحسن تقويم. فكيف يسلك الإنسان المتكامل أخلاقياً في هذه الدنيا، هل يتبع أنانيته ويجعل أجهزته المعنوية وفي طليعتها السمع والبصر والفؤاد مجرد خدم لرغابته الغليظة، أم أنه يحلق حراً بجناح الإيثار للمولى تبارك وتعالى، فيستقيم سلوكه، ويصبح صورة عاكسة لأسماء الله الحسنى. يقول النورسي في هذا المقام، “أما إذا تخلّى الإنسان عن الأنانية، وطلب الخير والوجود من التوفيق الإلهي، وأرجع الأمر كله إليه، وابتعد عن الشر والتخريب، وترك اتباع هوى النفس، فاكتمل عبداً لله تعالى تائباً مستغفراً، ذاكراً له سبحانه، فسيكون مظهراً للآية الكريمة (فَأُولَئكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حسنات) [الفرقان-70]، فتنقلب القابلية العظمى عنده للشر إلى قابلية عظمى للخير، ويكتسب قيمة (أحسن تقويم) فيحلق عالياً إلى أعلى عليين… إن السمو والرقي الحقيقي إنما هو بتوجيه القلب، والروح، والعقل، وحتى الخيال وسائر القوى الممنوحة للإنسان، إلى الحياة الأبدية الباقية، واشتغال كل منها بما يخصها ويناسبها من وظائف العبودية”[26].

وهذا هو سر التكامل في حياة الشخصية الارتقائية. فإذا بقي الإنسان تنهشه تارة الشهوات، وتلسعه تارة أخرى الآراء السخيفة، وتلدغه مرة ثانية نفسه، فلن يكون خليقاً بهذه الصفة المعيارية، ويعيش مشتتاً أو بلغة القرآن الكريم: يعيش حياة الخزي في الحياة الدنيا؛ أما من يستجيب لصورة ذاكرته الأصلية فهو من يكون إنساناً عادلاً، والعدل هنا حالة من الترتيب في العلاقة بين ملكات الإنسان، فإذا ترك الإنسان السلطان للقوى الشهوانية أو الغضبية على روحه، فهو ظالم لنفسه وليس عادلاً معها، أما إذا كسر الإصرار على الشهوات وسكن قلبه وجوارحه تحت موجب العقل والروح، فهنا يكون عادلاً مع نفسه، “ولأن مفهوم الدين في الإسلام يشمل الحياة في جوانبها كافة، فإن كل فضيلة هي فضيلة دينية، أي أنها تهم حرية النفس الناطقة، تلك الحرية التي بواسطتها يمتلك الإنسان القدرة على تحقيق العدل مع ذاته. وهذا معناه أن يكون للنفس الناطقة السلطان والتوجيه والتحكم في النفس الحيوانية وفي الجسد. وهذه القدرة للإنسان على تحقيق العدل مع ذاته بفضل النفس الناطقة تشير إلى التوكيد المتواصل لذلك الميثاق الذي عقدته نفس الإنسان مع الله تعالى، والعمل حسب مقتضياته”[27].

إن خلاصة ما نود أن نصل إليه، “هو إنك – أيها الإنسان – إذا ألقيت السمع إلى النفس والشيطان فستسقط إلى أسفل سافلين، وإذا أصغيت إلى الحق والقرآن ارتقيت إلى أعلى عليين وكنت أحسن تقويم في هذا الكون”[28].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  عبد الرازق بلعقروز (2017). روح القيم وحرية المفاهيم: نحو السير لإعادة الترابط والتكامل بين منظومة القيم والعلوم الاجتماعية. ط. 1. بيرت: المؤسسة العربية للفكر والإبداع. ص ص. 34- 39، 240- 255.

[1]  سيف الدين عبد الفتاح، مدخل القيم: إطار جامع الدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق، 65.

[2]  طه جابر العلواني. التوحيد ومبادئ المنهجية، ضمن عبد الحميد أبو سليمان وآخرون، المنهجية الإسلامية، أمريكا – القاهرة المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار السلام، 2010م، ص 433.

[3] انظر الإيمان وتكامل الإنسان، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، الجزائر، دار سوزلر للنشر، 2014، ص.27.                                          

[4]  طه عبد الرحمن، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية، المغرب: المركز الثقافي العربي، 2000 م، ص 14.

[5]  علي عزت بيغوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، مرجع سابق، ص 196/195.

[6]   الموسوعة الفلسفية العربية، إشراف معن زيادة، المجلد الأول (المفاهيم والاصطلاحات) بيروت: معهد الإنماء العربي، 1986 م، ص. 508.

[7]  طه عبد الرحمن، الحق الاسلامي في الاختلاف الفكري، المغرب: المركز الثقافي العربي، 2005 ص. 223،

[8]  إسماعيل راجي الفاروقي، التوحيد مضامينه على الفكر والحياة، ترجمة السيد عمر، القاهرة. مدارات للأبحاث والنشر، 2014م، ص 143.

[9]  طه عبد الرحمن، الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري، مرجع سابق، ص 230.

[10]  يقول جلال الدين الرومي “مهمتك في هذه الدار؛ أن تتطهر وأن تصبح ناضجا»، انظر جيهان وكويوجو، مولانا جلال الدين الرومي القاهرة: دار النيل، 2014، ص 111.

[11]  علي عزت بيجوفيتش، الاسلام بين الشرق والغرب، مرجع سابق، ص 50

[12]  سعيد النورسي، الإيمان وتكامل الإنسان، ترجمة إحسان قاسم الصالحي، الجزائر: منشورات وزلر، 2014، ص 15.

[13]  إسماعيل راجي الفاروقي، التوحيد، مرجع سابق، ص 43.

[14]  سعيد النورسي، الإيمان وتكامل الإنسان، مرجع سابق، ص 16.

[15]  طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية النقد الائتماني الفصل الأخلاق عن الدين، بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2014م ص 14.

[16]  المرجع نفسه، ص 15.

[17]  إريك فروم، الإنسان بين المظهر والجوهر، مرجع سابق، ص 30.

[18]  طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، مرجع سابق، ص 16.

[19]  الحارث بن أسد المحاسبي، بدء من أناب إلى الله، تحقيق نجدي فتحي السيد، القاهرة: دار السلام، ط. 3، 2008م، ص 34.

[20]  علي عيسى عثمان، لماذا الإسلام وكيف؟، بيروت: دار النفائس، ط 1 م1997، ص186/ .189

[21]  طه عبد الرحمن، من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر، مرجع سابق، ص 105.

[22]  طه عبد الرحمن، بؤس الدهرانية، مرجع سابق، ص. 101.

[23]  عبد الحميد أبو سليمان، الروية الكونية الحضارية القرآنية، المنطلق الأساس للإصلاح الإنساني، مرجع سابق، ص. 115.

[24]  محمد أبو القاسم حاج حمد، حرية الإنسان في الإسلام بيروت دار الساقي ط 2012 م، ص 45 / 46.

[25]  المرجع نفسه، ص 49.

[26]  سعيد النورسي، الإيمان وتكامل الإنسان، مرجع سابق، ص 38 / 42.

[27]  سيد محمد نقيب العطاس، مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية، ترجمة، محمد طاهر الميساوي، ماليزيا، الأردن: دار الفجر، الأردن، 2000م، ص 97.

[28]  سعيد النورسي، الإيمان وتكامل الإنسان، مرجع سابق، ص 57.

عن عبد الرزاق بلعقروز

شاهد أيضاً

الاعتدال- المعروف- الإحسان

أ. مهجة مشهور

ليست الأخلاق في الإسلام أمراً عابراً أو من الكماليات، بل على العكس من ذلك هي أمر محوري وأساس متين في بناء صرح الإيمان.

مكانة علم الأخلاق في التراث العربي والإسلامي

أ. د. حيدر العايب

من الأسئلة التي تتقدم إشكاليات الخطاب الأخلاقي الإسلامي هي مدى حيازة هذا التراث على فلسفة أخلاقية نظيراً للثقافات الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.