مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

العنوان:  مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي

المؤلف: مالك بن نبي

ترجمة: بسام البركة، أحمد شعبو.

إشراف و تقديم: عمر مسقاوي.

الطبعة: ط. 1.

مكان النشر: دمشق

سنة النشر: 2002.

دار النشر: دار الفكر.

الوصف المادي: 182 صفحة، 24 سم.

السلسلة: مشكلات الحضارة.

الترقيم الدولي الموحد: 5-036-57574-1.

المقدمة:

   اهتم مالك بن نبي منذ ريعان شبابه “بمشكلات الحضارة” الذي تناولها بمنهجية ناضجة درست مشاكل  العالم النامي برؤية فكرية متعمقة تتغلغل في جذور المشكلة وتبحث عن حلول فعالة لها. يعتبر مالك أحد رواد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين وله جهود متميزة في بناء الفكر الإسلامي الحديث.

 وقد تناول مالك بن نبي من خلال تلك الدراسة مشكلة الحضارة الإسلامية في الزمن المعاصر، والتي تكمن في خمود الأفكار الإسلامية الأصيلة, والانسياق وراء الأفكار الغربية المستعارة، وقابلية عقلية المجتمع الإسلامي للاستعمار والانزلاق نحو المغالاة في الأشياء و تقديس الأشخاص, واندثار الأفكار لصالحهما بطريقة كبلت ديناميكية المجتمع الإسلامي وأثبطت خطاه.

     اتخذ المجتمع الإسلامي المجتمع الغربي نموذجا يسير علي خطاه و يتبع أسلوبه في الحياة، وذلك باستجلاب أفكار غربية غريبة عن الأفكار الأصلية للعالم الثقافي للمجتمع الإسلامي، بشكل أحدث تخبط وتشويش وازدواجية وانقسام في المجتمع الإسلامي الذي لم يستطع الاتصال مع أصالة أفكاره الإسلامية, ولم يدرك فعالية الأفكار الغربية المستعارة, كما أنه لم يستطع اقتباس الأفكار الإيجابية المثمرة في العالم الثقافي الغربي مع الحفاظ علي أفكاره وقيمه وتقاليده الأصلية، كما فعلت بعض المجتمعات كالمجتمع الياباني، بل ما قام به المجتمع الإسلامي هو تقليد العالم الثقافي الغربي واستعارة أفكاره حتي  تلك الأفكار المميتة (الأفكار السلبية) في بيئتها الغربية.

    من ثم أحدث ذلك النهج تشوش وتمزق في المجتمع الإسلامي ورؤيته لنفسه ورؤيته للعالم, وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في “الأفكار” التي تملأ عقلية المجتمع الإسلامي والتي تظهر في سلوكه وممارساته. وقد تناول ذلك الكتاب مشكلة الحضارة في العالم الإسلامي والعالم الثالث علي حد سواء بمناقشة وتحليل الأفكار ذات التأثير الحيوي علي بناء وديناميكية تطور المجتمعات، وذلك للأهمية الوظيفية للأفكار، فالحضارات الكبري في التاريخ مرتبطة دائماّ بفكرة دافعة تنبثق وتتكون منها وتستمر بها.

 وقد تناول ذلك الكاتب من خلال  17 فصل كل فكرة علي حدة في فصل منفصل، وقام بدراسة الأفكار بترتيب و تراتب منطقي كحلقات متصلة و مترابطة كل حلقة بالتي تليها والتي تسبقها بشكل يكون الفكرة الكلية التي يهدف إليها الكاتب، و كأن التحليلات و الحلول التي قدمها في تناول كل فكرة علي حدي تجيب جميعها وبتجميعها وربطها ببعضها البعض علي أسئلة  لم يقدمها الكاتب بصيغة مباشرة ولكنها موجودة بين ثنايا الصفحات والسطور، وهي: “لماذا تقهقرت الحضارة الإسلامية؟” ” و”ما هي مواطن الانطلاق لإحياء الحضارة الإسلامية؟” وسيتم توضيح ذلك من خلال تناول كل فصل علي حدة كما تناوله الكاتب.

الفصل الأول: الإجابتان عن الفراغ الكوني

      يتناول ذلك الفصل موقف الإنسان في عزلته و طريقته لملء فراغه, حيث أن الطريقة التي يملأ بها الإنسان وقته هي التي تحدد ثقافته وحضارته. وهناك نموذجان من الثقافة لملء الفراغ وهما:

أ- ثقافة السيطرة “حب تملك الأشياء”.  ب- ثقافة الحضارة (حب التأمل في الأفكار والبحث عن الحقيقة). وتناول مالك طريقة الإنسان لملء فراغه بشكل مقارن بين الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية:

أ- الثقافة الغربية “المادية”: الفكر الغربي يدور حول الوزن والكم، وعندما ينحرف نحو المغالاه يصل للمادية ب- الثقافة الإسلامية “الفكرية”: الفكر الإسلامي يدور حول فكرة حب الخير وكره الشر، والمغالاة تدفعه للتصوف وعدم الدقة والغموض والتقليد الأعمي والافتنان بالغرب.

    تتكون ثقافة أوروبا من مزيج من الأشياء وأشكال من التقنية والجمال. بينما الشرق الإسلامي ثقافته مركبة من مزيج من فكرتين هما الحقيقة والخير, ويرى مالك أن تلك الرؤية لا تخص مرحلة معينة من التاريخ، بل أنها تصف كل مراحله، فضلاّ عن تداول الصعود والهبوط بينهما بين قمة الحضارة وحضيضها، فحينا تكون القمة لثقافة من تلك الثقافتين و الحضيض للأخري, بينما يكون العكس في أحيان أخرى. وفي المراحل الوسيطة تحدث فترة إخصاب متبادل.

     تناول مالك فكرة “الزمن” بسرد قصتين أحدهما من الأدب الغربي والأخري من الأدب الشرق إسلامي, و ذلك لتوضيح نمط الثقافة الغربية و الشرق إسلامية. فنمط الثقافة الغربية يضع الزمن في خدمة اقتصاد شخصي نفعي بحت، بينما نمط الثقافة الشرق إسلامية لا يضع الزمن فيه لصالح شئ مادي، ولكن لصالح بناء الأفكار واكتشافها. وعليه فيجب أن تقدر البلاد الإسلامية  قيمة الزمن في ثقافتها وتدرك الآثار السلبية التي لحقت بها لتفريطها في قيمة الزمن في نشاطها مقارنة بالغرب.

الفصل الثاني: الطفل و الأفكار

    يتناول ذلك الفصل الظروف الاجتماعية التي تكوِن أفكار الطفل واندماجه الاجتماعي، حيث يولد الطفل إنسان منعزل، وبمساعدة الأسرة و المدرسة يندمج في المجتمع بطريقة تختصر وتكمل عملية إندماج الطفل, وأثناء عملية الاندماج يمر الطفل بسياقات نفسية وجسدية ترسم الملامح الأخلاقية والتقنية لتفكير الطفل، فاطراد إندماج الطفل بيولوجياّ ومنطقياّ  تشتمل علي ثلاث أعمار طبقا لثلاث عوالم يندمج فيها الطفل مع مجتمعه والتي تظهر في صورة تطورات في سلوكه: 1-العمر الذي يكتشف فيه عالم الأشخاص تلقائياّ. 2- العمر الذي يتم فيه اكتشاف عالم الأشياء تدريجياّ 3-العمر الذي يكتشف فيه عالم الأفكار أخيراّ.

    يركز الفصل علي المرحلة الأخيرة “عالم الأفكار”، ويوضح ذلك من خلال ملاحظة التطورات التي يمر بها الطفل أثناء الثلاث مراحل بمقارنة سلوكه في أعوامه الأولي، وهي فتح فمه قليلاّ كإشارة لاستعداده لتلقي ومص أي شئ، لكن كلما تقدم في السن فإن فمه ينغلق بتأثير دوافع داخلية “النضج”، وذلك تبعاّ لتطوره النفسي والعقلي.

 واستشهد بذلك من خلال تجربة له مع فريق من العمال الجزائريين تم تكليفهم بتعليم القراءة والكتابة لمجموعة من الأميين، ووجد أن كلما تقدمت التجربة شيئاّ فشيئاّ خلال 9 أشهر كانت تعابير وجوه التلاميذ تتغير بما ينم عن التطور النفسي و الفكري لهم “النضج”.

 بنفس النهج فإن الاندماج يأخذ مداه باطراد في كل مراحل الحياة (النضج، الشيخوخة، ما بعد الشيخوخة) لتحول شيئاّ فشيئاّ نحو عدم الاندماج، حيث إن الشيخوخة انحدار من عالم الأفكار إلي عالم الأشخاص إلي الأشياء، مستشهداّ بالآية الكريمة (ثم جعل من بعد قوة ضعفاّ). وتتعايش العوالم الثلاثة مع بعضها البعض في إطار تفوق أحدهم على العوالم الأخرى، وذلك طبقاّ للفرد واندماجه الاجتماعي وظروف المجتمع الذي يندمج فيه.

الفصل الثالث: المجتمع و الأفكار

      يتناول ذلك الفصل التشابه بين بعض مظاهر نمو العقل عند الفرد والتطور النفسي الاجتماعي للمجتمع، حيث يمر المجتمع بمراحل الأعمار الثلاثة التي يمر بها الفرد (مرحلة الشئ, مرحلة الشخص, مرحلة الفكر)، ولكن الانتقال من مرحلة لأخرى ليس بالسهولة والوضوح التي يمر بها الفرد، حيث إن كل مجتمع له عالمه الثقافي المعقد الخاص به مهما كان المستوى الذي وصل إليه من التطور، فالعوالم الثلاثة يتشابك نشاطها، ولكن يظل هناك رجحان دائماّ لأحد هذه العوالم الثلاثة، و هذا الرجحان الذي يظهر في سلوك المجتمع وفكره يميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات.

    يسجل المجتمع التاريخي في تطوره مراحل ثلاثاّ (مرحلة ما قبل التحضر، مرحلة التحضر، مرحلة ما بعد التحضر). ويميز المؤرخون بين الوضع الأول والثاني, ولا يولوا اهتماماّ للتمييز بين هذين الوضعين والوضع الثالث، لأنهم يروا أن مجتمع ما بعد التحضر يستمر في نهج حضارته، ولكن الكاتب يرى أن مجتمع ما بعد التحضر لا يقف مكانه، بل يتراجع للخلف بعد أن ترك سبيل حضارته، ويتشابه مجتمع ما بعد التحضر ومجتمع ما قبل التحضر في أنهما لا يفتقران للوسائل وإنما للأفكار. ويستغل بعض المتخصصين في الصراع الفكري هذا اللبس لتزييف الحقائق، وفي ضوء ذلك -ورداّ من الكاتب علي من يزعم أن الإسلام فشل في بناء مجتمع متقدم- فإن مالك يرى أن المجتمع الإسلامي مر بهذه المراحل الثلاث منذ العصر الأول وحتي سقوط دولة الموحدين وهو يعيش الآن عصر ما بعد الحضارة.

الفصل الرابع: الحضارة و الأفكار

  النقطة الأساسية التي يدور حولها ذلك الفصل أن الفكرة هي الرحم الذي يولد منه الحضارة، حيث أن لكل حضارة فكرة دافعة تخرج  منها و تستمر بها، فالمعجزات الكبري في التاريخ مرتبطة دائماّ بالأفكار الدافعة،  “فالحضارة هي نتاج فكرة جوهرية تطبع علي المجتمع في مرحلة ما قبل التحضر وتدفع بها في التاريخ ويبني عليها المجتمع  نظامه الفكري طبقاّ للنموذج الأصلي للحضارته”.

ويحدد المحيط الثقافي للمجتمع خصائصه التي تميزه عن الثقافات والحضارات الأخري، وللأفكار دور وظيفي في فترة إندماج مجتمع ما في التاريخ، كالفكرة المسيحية التي أخرجت أوروبا إلي مسرح التاريخ. وتضيف  قوة وإرادة المجتمع صفة الموضوعية علي وظيفة الحضارة، وكلما تحسنت قوة وإرادة المجتمع كلما استطاعت أن تساعد الفرد في تحقيق ذاته.

وللحضارة ثلاثة أطوار 1- مرحلة الروح،  2-مرحلة العقل، 3-مرحلة الغريزة. و يعرف الكاتب الحضارة بأنها “جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره”.

الفصل الخامس: الطاقة الحيوية و الأفكار

    يدور ذلك الفصل حول تأثير الطاقة الحيوية للفرد علي تطور المجتمع، حيث ينفق الفرد طاقته الحيوية التي خصته به طبيعته ويندمج في المجتمع وفق قواعده وأصوله وبشكل راشد، وبذلك يستطيع تحقيق المعادلة الصحيحة لتوظيف طاقته الحيوية بما يؤثر علي تطور المجتمع، حيث أن: 1- تحرير الطاقة يدمر المجتمع 2- كبت الطاقة يعرقل تطور المجتمع 3- التوسط في الطاقة يساعد في عمارة المجتمع.

وتخضع الطاقة الحيوية للفرد للتكيف ويرتبط التكيف ارتباطاّ جوهرياّ بالعوامل التي لها دور في وجود الحضارة والانتقال بين مراحل المجتمعات، بالإضافة إلي أن قدرة المجتمعات ليست متساوية علي التأقلم علي فكرة ما، بل أن قدرة المجتمع الواحد علي التكيف لفكرة ما تتغير من مرحلة لأخري.

الفصل السادس: عالم الأفكار

     يناقش ذلك الفصل أنماط الأفكار التي تمر بها المجتمعات ما بين 1- أفكار أساسية رائدة: ترثها الأجيال وتعتبرها مخزونها الأخلاقي. 2- أفكار عملية تاريخية: أفكار توجه أنشطة المجتمعات كالوسائل التقنية، حيث أن التغير و التحول الذي يحدث في المجتمعات يطرأ علي عالم الأشخاص لا علي عالم الأشياء، وحتي الوسائل التقنية في تلك المرحلة لا تتجه نحو الأشياء، بل نحو الإنسان باعتبارها تقنية اجتماعية تحدد العلاقات الجديدة داخل المجتمع.

 في عالم الأفكار داخل المجتمع يوجد تراتب بين الأفكار التي تغير الإنسان والأفكار التي تغير الأشياء، فالأفكار الأولي تضع قدرة تكيف الطاقة الحيوية علي عتبة الحضارة، والأفكار الثانية تطوع المادة لحاجات الحضارة. وعندما يسيطر التشويش وانعدام التماسك علي عالم الأفكار في المجتمع يظهر ذلك بوضوح في سلوك أفراده وممارستهم و إنتاجهم.

الفصل السابع: الأفكار المطبوعة والأفكار الموضوعة

   كل مجتمع له أفكاره التي تميزه عن المجتمعات الأخرى، وشبه الكاتب عالم أفكار المجتمع باسطوانة النغمات الموسيقية، حيث أن اسطوانة كل مجتمع تم طبعها بطريقة مختلفة عن اسطوانه المجتمع الآخر. فالمجتمع يتكون من أ) أفكار مطبوعة: هي الأفكار الأساسية والنماذج المثالية، ب) وأفكار موضوعة: أنغام لها توافقتها الخاصة بالأفراد والأجيال التي تضيف إليها.

وقد تلقي المجتمع الإسلامي رسالته المطبوعة منذ أربعة عشر قرناّ في عصر الرسول (ص) والخلفاء الراشدين, و تناول أفكاره الموضوعة في الفترات المشرقة للمجتمع الإسلامي أثناء الخلافة الأموية والعباسية. أما حالياّ يعيش المجتمع الإسلامي في فترة الصمت الذي وصفه ب”صمت الأفكار الميتة”.

الفصل الثامن: جدلية العالم الثقافي

     يتناول ذلك الفصل حركية العالم الثقافي وعدم سكونه، حيث أن حياته وتاريخه والعلاقات الداخلية بين مقاييسه الثابتة في العالم الثقافي (الأشياء والأشخاص والأفكار) هي التي تتحكم في أنشطة المجتمع في كل مسيرته عبر مراحله التاريخية. و يتم تحديد العلاقة فيها بخصوصية أكثر عندما يزيد ثقل أحد هذه المقاييس علي المقاييس الأخري، وذلك لتركيز النشاط علي الأشياء أو علي الأشخاص أو علي الأفكار بنمط أكثر خصوصية، مما يؤدي لإحداث خلل في التوازن يميز هذه اللحظة الخاصة من التطور التاريخي لمجتمع ما.

   بالتركيز علي المجتمع الإسلامي فإنه يعيش من جديد مرحلة ما قبل الحضارة ويواجه صعوبات للعودة لمرحلة الحضارة، وتتمثل مظاهر مرحلة ما قبل الحضارة التي يعيشها المجتمع الإسلامي علي عدة أصعدة: أ-علي الصعيد النفسي و الأخلاقي: تمحور عالم الثقافة في المجتمع الإسلامي حول الأشياء واحتلت الأشياء القمة في سلم القيم و تحولت الأحكام النوعية إلي أحكام كمية. ب) علي الصعيد الاجتماعي: اتجه المجتمع نحو المظاهر الاجتماعية والمغالاه نحو النزعة الكمية والشيئية. ج) علي الصعيد السياسي: سلبت الشيئية والمغالاة في الاهتمام بالأشياء قدرات المجتمع. ويشهد المجتمع الإسلامي حالياّ تداخلاّ بين طغيان الأشخاص وطغيان الأشياء, وأدي طغيان الأشخاص علي المجتمع الإسلامي الى نتائج سلبية علي الصعيدين الأخلاقي و السياسي.

الفصل التاسع: جدلية الفكرة و الشئ

    يتناول ذلك الفصل البنية الديناميكية للعالم الثقافي والتي تتوافق مظاهرها المتتابعة مع العلاقات المتغيرة بين تلك العناصر الحركية(الأشياء,الأشخاص, الأفكار)، والتي قد تسبب ديناميكيتها في حدوث: أ- أزمة في المجتمع: بانتصار أحد تلك العناصر وقلب التوازن لصالحه وتوليه السلطة علي قلب العالم الثقافي. ب- فاصل زمني: بحدوث صراع بين العناصر الثلاثة في قلب العالم الثقافي .

    ركز الكاتب علي الصراع بين الفكرة والشئ وذلك لآثاره النفسية والاجتماعية علي المجتمع, حيث طغت الشيئية في المجتمعات المعاصرة وفقدت الفكرة التوازن مع الشئ، وذلك رغم اختلاف ظروف الصراع من حالة الى أخرى، الا أنها وصلت لنفس النتيجة بمواجهة الشيئية بحالة نفسية واحدة فنجد: أ- في بلد متخلف: يفرض الشيء طغيانه بسب ندرته(عقد الكبت تؤدي للتكديس الذي يتحول لإسراف) ب- في بلد متقدم: يفرض الشئ طغيانه بسب وفرته(تنتج نوعاّ من الإشباع).

الفصل العاشر: صراع الفكرة- الوثن

    يتناول ذلك الفصل العلاقة بين الفكرة والشخص فبعض المجتمعات تعظم الشخص لدرجة تجعل منه “وثن” مقدس بدلاّ من أن يتم تعظيم الفكرة، حيث يحدد العالم الثقافي للمجتمع حجم عالم الأشخاص فيه، وخاصة عندما يمر بعمر معين أو بظروف معينة أو أثر حادث ثقافي معين يتجه المجتمع لتحديد و تشكيل أفكاره  وأحكامه وفقاّ لمعايير تشكل العلاقة بين الفكرة و الشخص، وأحياناّ يحدث خلل في إعادة تشكيل العلاقة بينهم يترتب عليها: 1- خلل في التوازن الثقافي يتسبب في نتائج اجتماعية سلبية. وقد يحدث ما يسمي 2- “قضية اختلال أساسي للتوازن”  التي يستحوذ ويستقطب فيها شخص ما علي النشاطات الثقافية لصالحه، بحيث يمكن الربط بين تعظيم “الشخص” بدلاّ من “الفكرة” في المجتمعات الحديثة من ناحية وتعظيم الوثن في المجتمعات الجاهلية من ناحية أخرى.

الفصل الحادي عشر: أصالة الأفكار و فعاليتها

    تناول ذلك الفصل عدم وجود علاقة  بين أصالة الفكرة من ناحية وفعاليتها واستمرارها من ناحية أخرى، فتاريخ الفكرة يبدأ عندما تخرج للنور، وعندما تكون الفكرة صحيحة تحتفظ بأصالتها للأبد، و لكن هذا لا يعني استمرار فعاليتها، وذلك لعدم وجود علاقة ارتباطية بين صحة الفكرة وفعاليتها، فالفكرة تكون فعالة عندما تضيف شيئاّ أو تهدم شيئاّ أو تفتح صفحة جديدة من صفحات التاريخ الإنساني, وربما تفقد فعاليتها وهي في مهدها. فنجد أن أوروبا نجحت في السيطرة علي العالم بفعالية أفكارها لا بأصالة هذه الأفكار، حيث وضعت ثلاث كلمات كأساس لحضارة القرن العشرين”العلم, التقدم, الحضارة”، وقد انتهجت أوروبا دائما في فرض سيطرتها و في أسلوبها الاستعماري ترجيح فعالية أفكارها على أصالتها.

 ثم تناول الكاتب أصالة الأفكار الإسلامية وقوة فعاليتها في عصر الرسول (ص) والخلفاء الراشدين، ثم خمود فعالية الأفكار الإسلامية الأصيلة شيئاّ فشيئاّ منذ عصر ما بعد الموحدين حتي أصبح العالم الإسلامي يقلد الحضارة الأوروبية رغم عدم أصالة أفكارها.

الفصل الثاني عشر: الأفكار وديناميكيا المجتمع

     تناول ذلك الفصل الأفكار كبنية للمجتمع وديناميكته ومعايير الحكم علي صحة الفكرة. ففي عصر الإنتاجية كان “النجاح” هو معيار الحكم علي صحة الفكرة  (الفكرة تكون صحيحة إذا نجحت) فكانت المعايير عملية وليست أخلاقية أو فلسفية، وعليه رأى الكاتب أن العالم الإسلامي يجب أن يدافع عن عالمه الثقافي باستعادة تقاليده العليا ومعها حس الفعالية للقيم الإسلامية، وخاصة في وقتنا هذا الذي يتم فيه مقارنة القيم الإسلامية بقيم البلاد الصناعية لإثبات عدم صلاحية الإسلام في القرن العشرين.

    في ضوء التخطيط لإصلاح المجتمعات والتطور نحو الأفضل تناول الكاتب فكرة “خصوصية المجتمعات”، أي أنه لا يوجد منهجية معينة بأفكار معينة يمكن تطبيقها كحل أمثل لإصلاح المجتمعات، فخطط الحل تأتي من المجتمع نفسه باختيار المنهجية الملائمة لديناميته الاجتماعية، وبالتحديد الملائم للوسائل التي سيتم بها تنفيذها، وذلك من خلال الإشارة لعدة تجارب لمجتمعات ذات ظروف مختلفة طبقت المنهجية الغربية كخطة إصلاح، بعضهم نجح و بعضهم فشل، من ثم فإن فكرة تطبيق المنهجية الغربية كحل أمثل صالح للتطبيق علي كل المجتمعات فكرة غير صحيحة، وعليه فإن المجتمع الإسلامي يستطيع أن يستعيد فعاليته من خلال تحريك ديناميته الاجتماعية بتفعيل قواه الإنتاجية واستثمار إمكانياته المتاحة.

الفصل الثالث عشر: الأفكار في الاطراد الثوري

    يتناول ذلك الفصل الاطراد الثوري، فالثورة تندلع كانفجار للمجتمع من شدة ضغوطاته، وتاريخ الثورات يشير إلي أن اندلاع الثورات لا يضمن استمرارها في مسارها الصحيح الإيجابي، فبعض البلاد مرت بثورات لم تتضمن شئ إيجابي لها، بل إنها قد وجدت نفسها بعد الثورة في الوضع السابق لها، بل ربما في وضع أكثر خطورة. ففي بعض الثورات التي حدثت في الدول الإسلامية حدثت مظاهر عدة انحرفت بمسار الثورة، سواء نتيجة حدوث خطط مدبرة من الخارج أو افتعال ثورة مضادة أو تحول الثورة الأصلية لثورة مضادة أو استخدام الزعماء في تحريف الطاقات الثورية، و تحدث الأخطاء التي تتعلق بالاطراد الثوري بسبب: أ- أخطاء نابعة من العالم الثقافي لبلاد الثورة. ب- أخطاء مولدة. وفي كلتا الحالتين الخطأ الحقيقي يرجع للعالم الثقافي للبلد الذي يعظم الشئ والشخص، وسينتهي الخطأ باستعادة الأفكار سلطانها في العالم الثقافي للدولة الإسلامية.

الفصل الرابع عشر: الأفكار والسياسة

      يتناول ذلك الفصل “الحرب” كأحد الأدوات في الحياة السياسية، و عرف الكاتب الحرب بأنها “استمرار للسياسة بوسائل أخري”، والانتصار في الحرب يتم بناء علي قوة الجيش التي تتمثل في ثقة  قوات الجيش بالقاعدة السياسية التي تؤيده وتمده وتؤمنه والتي تأتي من ثقة المحكومين في الحاكم ومن ثم في الجيش, وفي ضوء ذلك سرد الكاتب حوار دار بين الحكيم كونفشيوس و أحد طلابه الذي سأله عن السلطة فأجابه أن أهم ما يجب أن تقدمه السياسة هو توفير قدر كافي من ثقة الناس بحكامهم. وأكد الكاتب تلك الفكرة بسرد قصص من التاريخ الإسلامي بلورت فكرة “ثقة المحكومين في الحاكم” كأحد الأسس للسياسة الصحيحة، بالإضافة إلي النزاهة والكفاءة والحسبة كأسس يتم وضعها نصب العين كنموذج ومرجع.

الفصل الخامس عشر: الأفكار وازدواجية اللغة

    يتناول ذلك الفصل تأثير ازدواجية اللغة التي غرسها الاستعمار الأجنبي في الهياكل الاقتصادية والإدارية والاجتماعية في البلاد الإسلامية، والتي أثرت بدورها علي تشويش البناء الثقافي والعقلي لتلك البلاد، فتفاوتت نتائجها الاجتماعية من بلد لآخر، فأثرت علي المستوي الفكري لبعض البلاد (كمصر) وأثرت علي الاتجاهات العادية للحياة اليومية في بعض البلاد (كالجزائر وتونس)، فضلاَ عن الانشقاق الثقافي الذي أحدثته والذي أخذ طابع أخلاقي وفلسفي ولم يقتصر علي الطابع الجمالي فقط، وفي بعض البلاد تعمق الانشقاق وأحدث شرخا في تماسك المجتمع واتجاهاته فأصبح المجتمع مجتمعين أحدهما يمثل البلاد في وجهها التقليدي والتاريخي، والثاني يريد صنع التاريخ بدءّ من الصفر، وأصبحت (الأفكار المطبوعة) الأفكار الأصلية التي تعبر عن المجتمع الإسلامي في حالة تشويش، أما (الأفكار الموضوعة) الأفكار التي تم بثها في المجتمع الإسلامي غامضة بشكل جعل المجتمع يريد أن يثور علي قيد الأفكار الأصلية, ومن ثم أحدث ازدواج اللغة تعارض كلي مع الثقافة الوطنية للمجتمع الإسلامي.

 

الفصل السادس عشر: الأفكار الميتة و الأفكار المميتة

    يتناول ذلك الفصل تأثير الأفكار الميتة والأفكار المميتة علي المجتمع الإسلامي، حيث أن الأفكار الميتة هي نتاج الإرث الاجتماعي الذي ولد القابلية للاستعمار، أما الأفكار المميتة هي الأفكار التي تمت استعارتها من الغرب وتولد الاستعمار، ولكن أفكار العالم الثقافي الغربي ليست كلها مميتة، وذلك لأنها مازالت تبعث الحياة في حضارة تنظم مصير العالم حتي الآن، فالمشكلة لا تتعلق بطبيعة الثقافة الغربية بل بطبيعة علاقة البلاد الإسلامية بها، وفي إطار ذلك قارن بين الانطلاقة الحديثة التي قامت بها اليابان من ناحية والمجتمع الإسلامي من ناحية أخرى علي نمط الحضارة الغربية، فاليابان التي تعتبر قوة اقتصادية كبيرة اقتبست من الثقافة الغربية ما يفيدها ويدفعها نحو التقدم، وحافظت في نفس الوقت علي تقاليدها وثقافتها ولم تضللها الأفكار المميتة للثقافة الغربية، بينما ضل المجتمع الإسلامي رغم عظم ورقي حضارته وتاريخه، وأصبح مجتمع ذو نموذج متخلف.

الفصل السابع عشر: انتقام الأفكار المخذولة

     يتناول ذلك الفصل التدهور المزدوج لانتقام الأفكار المخذولة سواء كانت أفكار أصلية أو أفكار مستعارة: أ- أنتقام الأفكار الأصلية للعالم الثقافي الأسلامي: الأفكار التي أثبتت فعاليتها في بناء الحضارة الإسلامية منذ ألف عام فقدت فعاليتها والتصاقها بالواقع، ب- انتقام الأفكار المستعارة من أوروبا: أفكار أوروبا التي نجحت في تشييد الحضارة الأوروبية فقدت فعاليتها في العالم الإسلامي، وفي نفس الوقت تسببت في تدهور قيمة الأفكار الموروثة، وأعاقت نمو العالم الإسلامي أخلاقياّ ومادياّ. ومن ثم يعاني سلوك العالم الثقافي الإسلامي من التنكر المزدوج، فهو لم يستطع الإتصال بقيمه وأفكاره الأصلية و لم يستطع أيضاّ الاتصال والتعايش بفعالية مع العالم الثقافي الأوروبي.

الخاتمة:

    تناول الكاتب مشكلة الحضارة التي يعيشها المجتمع الإسلامي المعاصر، وافتنان المجتمع الإسلامي  بالغرب، واتباع مظاهر عالمه الثقافي, واستعارة أفكاره غير الملائمة لبيئة المجتمع الإسلامي، بل والأخطر من ذلك هو استعارة أفكار مميتة في بيئتها الأصلية، مما أضر المجتمع الإسلامي, فلا يمكن للمجتمع الإسلامي المعاصر أن يصنع حضارة وتاريخ بتقليد خطأ الآخرين في الدروب التي سلكوها، بل إن إصلاح المجتمع وإعادة إحياء حضارته ستأتي من تلك الأفكار الدافعة التي تأتي كوليدة لبيئتها.

ومن ثم فإن مشكلة العالم الإسلامي تكمن في قابلية عقلية المجتمع الإسلامي للاستعمار, حيث أنها مشكلة أفكار وليست مشكلة افتقار للوسائل.

    من ناحية أخرى يرى الكاتب أن هناك اتجاه في المجتمع الإسلامي للمغالاة في تعظيم “الأشياء” وتقديس “الأشخاص” وتهميش “الأفكار”، رغم أن الأفكار هي الركيزة الأساسية  لتطور المجتمع وبناء الحضارة, ومن ثم فلكي يواجه المجتمع الإسلامي مشاكله المعاصرة  يجب أن يضيف الفعالية لأفكاره الأصلية وتوفير المنهجية والوسائل الملائمة للعصر الحديث والتي لا تتناقض مع مضمون الأفكار الإسلامية الأصلية أو مضمون الشريعة الإسلامية، وأن يحرر عقليته من القابلية للاستعمار والأفكار المستعارة ولاسيما الأفكار المستعارة المميتة، من ثم فإن مشكلة انطفاء وخمود الحضارة الإسلامية تكمن في انطفاء وخمود الأفكار والمناهج.

     يتميز ذلك الكتاب بأنه عمل ثري  يجمع درر التجربة التي خاضها بن نبي عبر كتاباته وقد تمحورت حول مشكلة الحضارة في العالم الإسلامي  بشكل خاص و العالم الثالث بشكل عام، و من خلال المنطقية  في العرض والتحليل قدم الكاتب المشكلة وحلها, وتميز الكاتب في عرض أفكاره بالمنطقية وترتيب وتسلسل الأفكار سواء في تناول الأفكار الفرعية لتحليل فكرة رئيسية مبوبة في فصل كامل لمناقشتها وتحليلها, أو في ترتيب و تسلسل الأفكار الرئيسية كلها التي تناولها كفصول منفصلة عن بعضها البعض, حيث أن كل فكرة مرتبطة منطقياّ بالفكرة التي تسبقها والفكرة التي تليها.

     فضلاّ عن تميز أسلوب عرض الكاتب بإعطاء الكثير من الأمثلة في مجالات مختلفة وأزمنة مختلفة لشرح أفكاره وإعطاء الحيوية لها مما يشير لثقافة ومرونة تفكير كبيرة، و تميزت مقدمة الكتاب والذي أعدها المشرف علي إعداد الكتاب بالمعلومات الكافية عن تاريخ الكتاب منذ أصله الفرنسي المصحح بخط يد الكاتب وحتي قيامهم بترجمته للعربية للمرة الثانية، وتميز تقديم الكتاب بإضافة الحواشي كهوامش لتوضيح أفكار الكاتب بشكل جلي للقراء.

عرض:

أ. دينا رحومة فايد

باحثة مصرية.

عن دينا رحومة فايد

شاهد أيضاً

البيئة الثقافية للصناعة والتقنية

أ. د. ممدوح عبد الحميد فهمي

لا أستطيع أن أبدأ هذا البحث قبل أن أُعرِّف القارئ بنفسي وبعلاقتي بموضوع البحث. ولدت في الجيزة وتلقيت تعليمي الجامعي في هندسة الطيران وفي الرياضيات في جامعة القاهرة في الستينيات.

ازدواجية التنوير: دراسات في النقد الثقافي المقارن

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

ازدواجية التنوير: دراسات في النقد الثقافي المقارن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.