النسوية
مراجعات ضرورية
أ. مهجة مشهور*
النسوية، ذلك التيار الفكري المعاصر الذي ارتفع صوته منذ عقود طويلة في كافة المحافل الفكرية والإعلامية والمعرفية والاجتماعية، كيف نفهمه كأفراد عاديين؟ وكيف نتعامل معه من أرضيتنا الإيمانية ومرجعيتنا الإسلامية؟
إن المتأمل في أدبيات حقوق المرأة في الفكر الغربي وفي الفكر الإسلامي يجد كمًا ضخمًا منها، كما إن التأمل في الحركات النسوية العاملة في المجتمعات المختلفة يثير الدهشة كأن المرأة ومشاكلها قد تم اكتشافها فجأة منذ أوائل القرن الماضي.
واللافت للنظر أيضًا كَون موضوع حقوق المرأة قد تم تناوله في عالمنا الإسلامي كرد فعل لإثارته في العالم الغربي ولاحتكاك المرأة الشرقية بنظيرتها الأوروبية، وليس وليدًا لإشكال خاص بالمرأة المسلمة، وكأنها أدركت مشكلتها في مرآة الغرب. وهذا الأمر ليس بجديد في كثير من الموضوعات المستحدثة، والتي تأخذ حيزًا كبيرًا في الفكر الإسلامي المعاصر بعد إثارتها في الأروقة العلمية والاجتماعية الغربية.
يلاحَظ أيضًا أن الدعوة لحقوق المرأة قد أخذت اتجاها تصاعديا تدريجيا، فانتقلت مما هو حق ومقبول أخلاقيًا واجتماعيًا، إلى ارتفاع الأصوات عالية بعض مما هو غير مقبول وغير أخلاقي.
في هذه الدراسة نحاول استعراض ملامح فكر النسوية الغربية، وأهم محددات النسوية الإسلامية، وذلك بمدخل نقدي، وأخيرًا محاولة طرح مدخل إسلامي مغاير لتناول موضوع حقوق المرأة.
النسوية الغربية
يظن الكثيرون أن مصطلح النسوية feminism هو بنفس معنى مصطلح “حركة تحرير المرأة” Women’s liberation movement الذي كان سائدًا في منتصف القرن العشرين، أن المصطلح الجديد قد حل تدريجيًا محل المصطلح القديم وكأنهما مترادفين أو متقاربين في المعنى، إلا أن هناك اختلاف جوهري بينهما.
فحركة تحرير المرأة[1] هي حركة تؤمن بمركزية الإنسان في الكون، وبفكرة الإنسانية المشتركة التي تشمل كل الأجناس والألوان وتشمل الرجال والنساء، وبفكرة الإنسان الاجتماعي الذي يستمد إنسانيته من انتمائه الحضاري والاجتماعي. والمرأة من ثَم، في تصور هذه الحركة، كائن اجتماعي يضطلع بوظيفة اجتماعية ودور اجتماعي محوري في المجتمع. ولذا، فهي حركة تهدف إلى تحقيق قدر من العدالة الحقيقية على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي داخل المجتمع، بحيث تنال المرأة ما يطمح اليه أي إنسان (رجلًا كان أم امرأة) من تحقيق لذاته والحصول على مكافأة عادلة (مادية أو معنوية) لما يقدم من عمل. ويتحرك برنامج حركة تحرير المرأة داخل إطار من المفاهيم الإنسانية المشتركة التي صاحبت الإنسان عبر تاريخه الإنساني، مثل مفهوم الأسرة باعتبارها أهم المؤسسات الإنسانية التي يحتمي بها الإنسان ويحقق من خلالها جوهره الإنساني، ويكتسب داخل إطارها هُويته الحضارية والأخلاقية، مثل مفهوم المرأة الأم باعتبارها العمود الفقري لهذه المؤسسة.
ولنسمع هذا الخطاب لأحد عضوات حركة تحرير المرأة والذي تم تبنيه بطريقة واسعة من قبل عضوات الحركة: “لأن عمل المرأة يُدفع له أقل مما يستحقه أو لا يُدفع له أصلًا، وأننا أول مَن يُطرد، وما نبدو عليه أهم مما نفعله، وإذا اغتُصبنا فهذا ذنبنا، وإذا ضُربنا فلابد أننا استحققنا ذلك، وإذا رفعنا أصواتنا فإننا نحب النكد…، ولو دافعنا عن حقوقنا فإننا عدوانيات و”غير أنثويات”، وإن لم نفعل فإننا مثال للإناث الضعيفات، ولو أردنا الزواج فإننا خارجات لاقتناص رجل، وإن لم نفعل فإننا غير سويات، و..لأسباب أخرى عديدة فإننا جزء من حركة تحرير المرأة.” [2]
إذن حركة تحرير المرأة هي دعوى تستهدف المطالبة بحقوق المرأة داخل المجتمع باعتبارها كائنًا اجتماعيًا تتحقق هويتها داخل شبكة من العلاقات الإنسانية والاجتماعية المركبة، باعتبارها ابنة وأختًا وأمًا وزوجة، والمطالبة بهذه الحقوق تستهدف من ناحية رفع المظالم عنها كعضو فاعل في المجتمع، ومن ناحية أخرى تستهدف تحقيق نهضة المجتمع وتطويره من خلال إيجاد دور فاعل وصحي لها في هذا المجتمع الجديد، دور مشارك للرجل ومكمل له.
أما النسوية أو “حركة التمركز حول الأنثى”[3] فهي حركة تعتمد الصراع بين المرأة والرجل كأساس لها، فإذا كانت حركة تحرير المرأة تدور حول فكرة الحقوق الاجتماعية والإنسانية للمرأة فإن النسوية حركة تدور حول سعي المرأة إلى تحقيق ذاتها خارج أي إطار اجتماعي، وكأنه لا توجد أي إنسانية مشتركة تجمع بين الرجل والمرأة، وهنا تصبح مؤسسة الأسرة عبئًا لا يطاق، ودور المرأة كأم ليس ذا أهمية أو أولوية. وظهرت في حركة النسوية قضايا معرفية جديدة مثل الدعوة إلى تأنيث اللغة والهجوم على ذكورتها، وتأكيد الدلالة الأنثوية للرموز التي يستخدمها الإنسان، وإعادة سرد التاريخ[4] من وجهة نظر أنثوية، وعن تاريخ النساء المستقل عن تاريخ الرجال، وتتبع مظاهر سيطرة الذكر على الأنثى، والسعي إلى تفكيك العالم الذكوري. أي أن عالم المرأة يصبح عالمًا أيقونيًا مستقلًا تحكمه رؤية معرفية مستقلة، تزعم أن الرجال ليس بمقدورهم فهم المرأة ودخول عالمهم الخاص.
إذن فالهدف الأساسي للنسوية هو رفع وعي النساء بأنفسهن وتحسين أدائهن في المعركة الأزلية مع الرجال، فكل شيء إنما هو تعبير عن هذا الصراع الكوني بين الذكور والإناث. وتسعى هذه الحركة بكل الطرق إلى إيجاد الوسائل التي تتيح لها أن تنصر نفسها بنفسها كقيمة لها وجودها المستقل، بعيدًا عن أية وصاية أو سلطة ذكورية تحاول تحجيم قدراتها وإمكانيتها أو تحاول تحديد مساراتها في الحياة.
وتتوحد تيارات الحركة النسوية حول مفهومين رئيسيين: هما مفهوم النوع Gender ومفهوم الضحية Victim. بالنسبة لمفهوم النوع يعتبر التمييز بين “الجنس” و”الجندر” اختراقًا مفاهيميًا في الأجندة النسوية. فإن الجنس مؤسس بيولوجيًا في حين أن الجندر سلوك مكتسب أي أنه مؤسس اجتماعيًا[5]. فالجنس في الأساس مسألة جينات وتطورات جسدية، أي أن يكون الفرد ذكرًا أو أنثى. أما الجندر فإنه بناءً ثقافيًا يتم تعلمه مجتمعيًا، أي أن الناس يكتسبون الخصائص التي يُنظر إليها على أنها ذكورية أو أنثوية. وترى النسويات أن أهمية الفصل بين الجنس والجندر تكمن في الفصل بين الثابت والمتغير في العلاقة بين الرجل والمرأة، فإذا كانت البيولوجيا موضوعًا ثابتًا لا يتأثر بالإرادة الإنسانية، فإن الأدوار الاجتماعية التي ينتجها المجتمع، أي علاقات القوة هي ليست تلقائية، وإنما هي منظمة حسب الثقافات المختلفة، وهي بهذا المعنى قابلة للتغيير. وهذه النظرة الجديدة للنوع باعتباره نوعًا اجتماعيًا وليس طبيعيًا هي التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير علاقات القوى بين الرجل والمرأة.[6] وهنا يمكن التحدث عن امرأة “مسترجلة” أو رجل “أنثوي”. وأخيرًا بدأ الكلام عن “الجندر المطابق لجنسه” Cis-Gender ، وهو مصطلح يشير إلى هؤلاء الأشخاص الذين بقوا “في الجانب نفسه” أي احتفظوا بالجنس الذي ولدوا به. كما ظهر مصطلح “مجتمع الجندر المثلي” Genderqueer الذي يرفض التقسيم الثنائي بين الجنسين[7].
أما مفهوم “الضحية”[8] فهو يمثل ركنًا أساسيًا في فلسفة النسوية الغربية، وعلى أساس هذا المفهوم ظهرت آلية انتقاد عام للرجال بهدف تعميق الشعور بالكراهية تجاههم، لأن المرأة على حد قولهم ضحية الرجل في علاقة تقتضي تسلط أحدهما على الآخر حسبما نادت “الداروينية الاجتماعية” التي قامت على فكرة البقاء للأقوى تاركة قيم التراحم الإنساني جانبًا.
إذن يمكننا القول إن أجندة الحركة النسوية تعتبر تعبيرًا عما يرونه خللًا في ميزان القوى بين الرجل والمرأة في كافة المجالات المعرفية والاجتماعية، إذ أصبح الجندر منهجًا فكريًا وأداة تحليلية تستخدمها رائدات الحركة النسوية لتمكين المرأة وإحداث تغيير في الوعي المجتمعي ليتمكن من فرض ذاته في الساحة المعرفية.
وفي هذا الإطار ظهرت معضلة العلاقة بين اللغة والتقسيم الجندري، انطلاقًا من مقولة أن اللغة تلعب دورًا معقدًا في تعزيز أشكال التقسيم الجندري في المجتمع وتكريسه والحفاظ عليه. فقد انشغلت النسوية بعلاقة اللغة بالهيمنة الذكورية نظرًا لأن أي فكرة أو نظرية تمر دائمًا من خلال اللغة، وبالتالي فإن النسوية تسعى إلى اكتشاف التحيزات الذكورية في اللغة، والدعوة إلى خصوصية اللغة النسوية، ورفع الوعي لمقاومة أنظمة الهيمنة الجندرية التي تمر باللغة.
حقوق المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية
إن حركة النساء للمطالبة بحقوقهن في الدول العربية والإسلامية ليست وليدة العقود الأخيرة فقط، ولكن جذور هذه الحركة بدأت منذ أوائل القرن التاسع عشر، هذه المساحة الزمنية الطويلة شهدت سجالات ومناقشات وتطور في الرؤى كانت كلها تسعى إلى سحب المرأة الشرقية المسلمة من منطقة الظل لوضعها في منطقة الضوء. ونحاول هنا تتبع هذه الحركة بصورة مختصرة.
شهد عهد محمد علي تطورًا واسعًا في البناء الاجتماعي والاقتصادي والطبقي في المجتمع المصري من خلال زيادة سيطرة الدولة على الاقتصاد وصعود طبقات جديدة حصل أبنائها على نوع مختلف من التعليم سواء في المدارس الجديدة أو في البعثات التعليمية مما أدى إلى تولد توجهات فكرية جديدة لديهم، وقد أثرت هذه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في هذه المرحلة المبكرة على وضع النساء في المجتمع[9]، حيث سعت الأسر الميسورة إلى توفير نوع من التربية والتعليم لبناتهم سعيًا منهم إلى التشبه بالأسر الغربية، بل واستعانت كثير من أسر الطبقات العليا إلى استجلاب مربيات أجنبيات مما أثر على التكوين الفكري والثقافي للبنات. من ناحية أخرى تم إرسال مجموعات من البنات في بعثات دراسية إلى أوروبا، وقد عادوا منها بثقافة جديدة ورؤى مختلفة، وقد أثر ذلك الأمر ليس فقط على طرق تفكير وسلوكيات هؤلاء الفتيات العائدات من الغرب، ولكن أيضًا على فتيات الطبقات الاجتماعية التي ينتمون لها.
وقد ظهرت مجموعة من الرائدات النسويات في أواخر القرن التاسع عشر حتى نصف القرن العشرين اقتحمن ميدان الدفاع عن أنفسهن، بجانب مجموعة من المفكرين الرجال من أمثال طه حسين، وقاسم أمين، ومحمد عبده، وغيرهم. وقد سجل التاريخ على رأس ما عُرف “بالنهضة النسائية” مجموعة من النساء من أمثال نبوية موسى ودرية شفيق وهدى شعراوي وملك حفني ناصف وغيرهن كثير ساهمن في تغيير وضع المرأة المصرية في ظروف بالغة الصعوبة، فطالبن بتعليم الفتيات وبرفع الحجاب عن وجوه النساء وبحق الانتخاب وبالترشح للمناصب السياسية والدعوة لعمل المرأة.
ونجد في الأسباب التي تسوقها واحدة من رائدات النهضة وهي “نبوية موسى” لتدهور وضع المرأة في المرحلة الزمنية التي عايشتها ما يلفت النظر إلى تشابه هذه الأسباب مع ما تسوقه النسويات اليوم بعد عقود طويلة من البحث والتطور: فنبوية موسى ترى أن هذا التدهور يعود إلى سببين: الأول هو أن الرجال قد استبد بهم حكامهم فاستبدوا هم بنسائهم[10]. والسبب الثاني أن الرجال قد أخطأوا في فهم القرآن، فأولوه بما شاءوا تأويلًا بعيدًا عن الصواب، على الرغم أنه لم يأتِ في القرآن نص بحرمان المرأة من العلم والعمل[11].
وقد شهدت المجتمعات العربية والإسلامية تطورًا كبيرًا في أوضاع المرأة التعليمية والوظيفية والسياسية منذ قيام رائدات النهضة النسائية بحركتهن حتى النصف الثاني من القرن العشرين، وكان لهذا التطور آثاره الإيجابية المحمودة على بنية المجتمع. ولكن مع تحقيق المرأة الكثير من النجاحات في كافة مجالات الحياة كان الطموح يكبر وكان التطلع إلى مزيد من التحرر يزداد، وبدلًا من المطالبة بحقوق مشروعة تحافظ بها المرأة على التوازن بين دورها في بيتها ودورها في المجتمع، تحول الأمر إلى واقع اجتماعي محتقن يعاني من شرخ حقيقي في العلاقة بين الرجل والمرأة، حيث ظهرت “ندية صراعية” بينهما، فالخلاف بينهما لم يَعُد مجرد منع الرجل لابنته أو لزوجته حقوق التعليم والعمل وغيره، فذلك أصبح متاحًا لها بحكم الأمر الواقع، ولكن وقعت المشكلة في طبيعة العلاقة بينهما، فلا المرأة تريد الاعتراف بقوامة الرجل عليها بحجة أن هذا نظام أبوي عفى عليه الزمن، أو بحجة عدم أهلية الرجل لهذه القوامة وأنها تقوم بمعظم ما يقوم به الرجل، والرجل من جانب آخر إما يسيء استخدام هذه القوامة بسلوكه العنيف وبسيطرته غير المبررة على زوجته أو يقوم بالتفريط فيها تجنبًا للمشاكل.
وهنا أصبح نموذج المرأة الغربية مثلها مثل كافة أشكال الحياة في الغرب يراود المرأة الشرقية المسلمة، فظهر ما عُرِف بالنسوية الإسلامية.
النسوية الإسلامية
بدأ استخدام مصطلح “النسوية الإسلامية” لأول مرة في مطلع التسعينيات في إيران في مقالات نُشرت في الصحيفة النسائية “زنان” في محاولة لإصلاح الفكر الديني الإسلامي عن طريق قراءة نسوية للإسلام.[12] وكان الهدف من هذه الصحيفة هو ضرورة تحقيق تغيير راديكالي للقوانين والشرائع التي تحكم المرأة وأوضاعها وذلك عن طريق إعادة قراءة الشريعة وتأويل نصوصها من منظور نسوي.
ويمكن تعريف “النسوية الإسلامية” بأنها خطاب نسوي تَشَكل داخل المجتمعات الإسلامية، وهذا الخطاب يستقي تصوره وشرعيته وسلطته من القرآن الكريم، وهو يسعى إلى تحقيق المساواة بين النساء والرجال في إطار من العدالة والحقوق المتساوية.[13]
وبالتأمل في كتابات حركة النسوية الإسلامية نلاحظ أنها تتضمن اتجاهين رئيسيين يتراوحان بين التجرؤ المتجاوز للنصوص من ناحية وبين الالتزام الوسطي من ناحية أخرى، وبين هذين القطبين تتشكل خريطة واسعة من الأطياف المختلفة.
أولًا– الاتجاه المجترئ على النصوص: تعتبر آمنة ودود[14] الاسم الأشهر في هذه المدرسة، ويُعد مؤتمر برشلونة حول “النسوية الإسلامية” المنعقد عام 2005 نقطة انطلاق مهمة لهذا التيار النسوي، حيث شاركت فيه 400 عضو من النساء من بلدان مختلفة.
هذا التيار يؤمن بأن الإسلام دين أبوي في الأساس، وأنه كان كذلك منذ ظهوره وسيبقى كذلك، وعليه فلا يمكن تصور الإسلام كمصدر لتحرر النساء، ويتعين على النسويات تنحيته جانبًا في أية خطابات تتناول حقوق الإنسان الخاصة بالنساء، وبهذا تبقى العقيدة والثقافة والهوية أمورًا شخصية ليس لها مكان في الفضاء العام. والمؤمنات بهذا المنظور يقبلن قبولًا تامًا المواثيق الدولية لحقوق الإنسان بكل ما فيها.
وقد تبنت حركة النسوية الإسلامية منهج الهرمنيوطيقا الغربي وتطبيقه على القرآن الكريم والنصوص الدينية الإسلامية بوجه عام، مع إغفال شبه تام لأصول التفسير وقوانين التأويل للقرآن الكريم في تراثنا الإسلامي وما يتصل به من بيان نبوي في السنة الصحيحة، وكذلك إغفال لوقائع التاريخ والتجربة الحضارية الإسلامية كلها، انطلاقًا من فرض مُسبق يقضي بأن التراث الإسلامي نظريًا وعمليًا كان ذكوريًا منحازًا ضد المرأة، وقد آن الأوان للقطيعة الفكرية مع هذا التراث وإعادة تأويل القرآن والدين على أساس من هذا الفرض، وفي ضوء الهرمنيوطيقا المسيحية الغربية[15].
وقد أصدرت آمنة ودود عام 2006 كتابها “القرآن والمرأة: إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي” الذي أدى إلى إحداث طفرة سريعة لحركة النسوية الإسلامية. فقد تعرضت عملية تفسير القرآن الكريم بداية من هذا الكتاب إلى الجندرة، بمعنى السعي نحو هدم “السلطة التفسيرية الذكورية” التي بناها المفسرون والتي تهدف إلى تهميش المرأة واستبعادها كسلطة دينية وتفسيرية. تقول آمنة ودود: “إن الأمر الذي يشغل بالي غالبًا فيما يتعلق بالتفاسير التقليدية هو أنها قد كتبها رجال فقط. وهذا يعني أن الرجال وخبراتهم كانت متضمنة، بينما النساء وتجاربهن كانت مستبعدة، أو تم تفسيرها من خلال رؤية الرجل أو منظوره أو رغبته في المرأة أو حاجته إليها”[16]
كما ترى كثير من النسويات المسلمات أن أشكال عدم المساواة الواضحة في الفقه الإسلامي ليست من صميم الشريعة وإنما هي من صنع الفقهاء الذين تأثروا في فهمهم للنصوص المقدسة بمجتمعاتهم التي كان يسودها النظام الأبوي والعبودية. فالفقه قانون وضعه علماؤه -وهم بشر- للتعامل مع تغير الزمان والظروف والأماكن، وبالتالي يمكن أن يتغير مع تغير الظروف والأزمان.
ثانيًا- وفي إطار مختلف ظهرت حركة نسوية معتدلة كانت إحدى أبرز رائدتها د. منى أبو الفضل[17]، وقد أطلقت هذه الحركة على نفسها نفس الاسم: “النسوية الإسلامية”، ولكنها طرحت نفسها بأسلوب أكثر التزامًا لانتمائها الإسلامي، فقد جاء تعريف هذه الحركة كالتالي: “المعرفة النسوية هي نوع من المعرفة نشأ في إطار دعم حركة إنصاف النساء وتأكيد حقوقهن في المواطنة المتساوية مع الرجال”[18]. ويؤكد هذا التيار على أن طرح هذه المعرفة من منظور إسلامي ناتج عن المسارات التي انتهت إليها المعرفة النسوية الغربية، تلك المسارات التي تثير شعورًا بالرفض والاغتراب لتناقضها مع الأطر المرجعية الخاصة بالنساء المسلمات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن من دواعي طرح النسوية الإسلامية هي خصوصية المعرفة النسوية الإسلامية وخصوصية مشكلات النساء في العالم الإسلامي.
وتؤكد رائدات هذه المدرسة على أن المعرفة النسوية الإسلامية تستند إلى إطار مرجعي عقيدي، وهي محكومة بالضوابط الموضوعية والمنهجية الإسلامية، مع التمييز بين المقدس الثابت والتاريخي النسبي[19]. كما أن مطالبتها بحقوق المرأة وتحقيق المساواة ليست مطالبة بتشابه وتطابق تام وتذويب الفروق بين الجنسين كما يتخوف البعض، بل هي مطالبة بعدالة حقيقية وولاية متكافئة وعلاقات متوازنة تحافظ على الاختلاف ولكن لا تقر التجني أو الاقصاء والتهميش بحجة الفروق البيولوجية والنفسية[20].
ومن أهم ما يميز هذه الحركة عن غيرها من الحركات النسوية الغربية والعربية والإسلامية أنها لا تستبطن “الصراع” مفهومًا حاكمًا لرؤيتها: الصراع مع الرجل، أو مع الأديان، أو مع البنى الاجتماعية، ولكنها تستبطن مفاهيم أخرى على رأسها مفاهيم “الزوجية”، و”الولاية” و”الرحم”[21]. ومن ناحية أخرى تسعى هذه الحركة إلى استبعاد الفكرة الضمنية السائدة بأن الرجل هو الإنسان المعياري في الخطاب التأسيسي الإسلامي وأن المرأة أقل شأنًا وما هي إلا تابعة له.
ويؤكد هذا التيار من النسوية الإسلامية على أنه يتفق مع الفكر النسوي عامة في نزعته النقدية، ويشير إلى أن هذه النزعة النقدية لا تتجه فحسب إلى الانحيازات في البنية الإسلامية الفقهية والتشريعية والفكرية والاجتماعية، بل تتجه –وبنفس القدر- إلى نوع آخر من الانحيازات مارس درجة كبيرة من القمع على الإسلاميات ألا وهو “التراث الغربي”[22].
ثالثًا- من ناحية أخرى نجد على أقصى اليمين من تيارات النسوية تيار يعمل على التمسك بالجذور باعتبار أن لا موقع للمسلمات في هذا العالم دون دينهن الذي يسمح لهن بالتصدي للهيمنة الغربية. فالإسلام في رأي هؤلاء النسويات يقدم أسلوب حياة متكامل ذا إطار قيمي مستقل عن حقوق الإنسان تدعمه النصوص الأساسية وهي القرآن الكريم والسنة والفقه. ويرى هذا التيار أن الإسلام يمثل تحديًا لفكرة الخضوع الكامل للغرب وتاريخه الاستعماري واستغلاله لشعوب العالم الثالث، وبالتالي فإنه يستخدم الطرح الفقهي التقليدي لموضوع المرأة كسلاح مقاوم لحركة التغريب، ويُسَلِم بأن الإسلام دين أبوي بكل ما تحمله هذه العبارة من أبعاد اجتماعية مؤثرة على العلاقات بين الرجل والمرأة.
رابعًا- وأخيرًا نجد على يسار هذه الرؤى السابقة رؤية ترى أن المعرفة النسوية الإسلامية هي بالضرورة معرفة تحررية ضد السلطة المطلقة لفرد، أو جنس، أو رأي، أو نظام وحيد. وتحررية هذه المعرفة في الإسلام نابعة من جوهر دعوته في تركيز العبودية وحكرها على الخالق المطلق دون غيره من السلطات البشرية، وأن ما عداه من مصادر تدعي السلطات إنما هي مصادر ثانوية تنظيمية وليست تأسيسية، ترتهن طاعتها بقبول البشر وبمدى التزامها بتعاليم الخالق، وتقتضي المراجعة والرقابة الدائمة. والحرية وفق هذا المنظور هي التحرر من الخلق لا الخالق، فهي جوهر المنظور الإسلامي لحرية الإنسان الوجودية وأساس نضاله ضد مصادر الهيمنة والقوة البشرية[23].
“النسوية الإسلامية”، قراءة نقدية
بدايةً يمكن الإشارة هنا إلى تلاقي الحركة النسوية الإسلامية المعتدلة مع حركة تحرير المرأة في الغرب في مرحلتها الأولى. فهما يتساويان في تزايد الوعي النسائي القائم على المساواة في الخصائص الإنسانية مع الرجال في الوقت الذي يستشعران فيه أنهما يعاملا معاملة دونية من قِبل الرجل. وتفترق الحركتان عند المرجعية الفكرية لكلٍ منهما. فحقوق الإنسان والمواثيق الدولية هي مرجعية حركة تحرير المرأة، في حين أن الإسلام هو الإطار المرجعي للمعرفة النسوية الإسلامية.
فإذا كان القرآن الكريم والسنة المؤكدة هما الثوابت التي يلتزم بهما الفكر النسوي الإسلامي المعتدل، إلا أن الإشكال الأساسي في هذا المقام –والذي يعترف به هذا التيار- يتأتى من تحديد الثابت المطلق والمتغير النسبي في إطار الإسلام[24]، حتى يمكن تطوير الفكر النسوي من خلال الاجتهاد فيما هو متغير ونسبي. ونظرًا لاعتماد الخطاب النسوي على القرآن الكريم بالأساس فقد سعت النسويات إلى إعادة قراءة وتفسير بعض الآيات ليستخلصن منها معاني المساواة والعدالة والحقوق بين الجنسين، وذلك لإبطال التفسيرات التي سلطت الضوء على معاني الأفضلية المطلقة والسيطرة والتمييز والتحيز لجنس دون الآخر[25].
ونحاول هنا الإشارة إلى بعض النقاط التي يجب الالتفات إليها في قراءتنا لأدبيات الفكر النسوي الإسلامي، المعتدل منه والمتطرف، مع الأخذ في الاعتبار أن توافر هذه النقاط يزيد وينقص من دراسة لأخرى ومن تيار لآخر:
أولًا– يعتمد المنهج النسوي التأويلي على الانتقاء من النصوص وينزع إلى المنهج التجزيئي أكثر من المنهج التكاملي في التعامل مع النصوص الدينية. فيتم البحث في النصوص والآثار وأقوال العلماء لاستخراج الآراء الداعمة للتوجه النسوي.
ثانيًا- اللجوء إلى التاريخانية، لأن تطبيق منهج تاريخية النصوص يساعد على تحويل المسَلَّمات الدينية إلى تصورات متغيرة. تقول آمنة ودود: “وحتى يمكن اعتبار أي جزء من النص القرآني عالميًا غير محدود بمكان أو زمان فلا يمكن أن نقتصر على مجرد تقليد السابقين – باستثناء حالة الشعائر الدينية الرسمية الثابتة بالضرورة وعليه ينبغي قصر خصوصيات القرن السابع الموجودة في القرآن على تلك البيئة…”[26]
ثالثًا– محاولة مسايرة الحداثة وتأويل ما يُظن أنه يسبب حساسية مع الآخر الغربي، أو يشكل عائقًا أمام الاندماج معه، وتقديم هذه التأويلات كأوراق اعتماد داخل دائرة النموذج الغربي للتحضر والتمدن، أو تبني خطابا اعتذاريًا دفاعيا لتحقيق هدف الانضمام إلى الركب الحداثي.
من ناحية أخرى نتج عن مواقف بعض التيارات الدينية المتشددة والمحافظة رد فعل متطرف من قِبل النسويات في محاولة للتبرؤ من هذه الصورة المرفوضة من الغرب.
رابعًا- المرجعية الأساسية عند النسوية الإسلامية هي منظومة حقوق الإنسان المعاصرة التي جاءت بها الاتفاقيات الدولية، سواء أدركوا هذا الأمر أم تسرب لديهن في اللاوعي. وأصبح توجه النسوية الإسلامية هو تطويع النصوص الإسلامية لكي تتلاءم مع تلك النصوص الدولية لحقوق الإنسان، فأخذ الأمر أحيانًا موقفا تأويليا غير جاد أو موقفا تبريريا أو محاولة التغاضي عن بعض النصوص الدينية ووصفها بالتاريخية.
خامسًا– الخطاب التأويلي الذي تتبناه بعض النسويات في الإطار الإسلامي يعد وسيلة لجلب “الشرعية” للمطالب النسوية حتى لا تُطرد من الساحة العربية باعتبارها مستورد غربي.
سادسًا- وأخيرًا هناك رأي تثيره بعض النسويات وأصبح يأخذ مكانًا واضحًا في الفكر النسوي الذي يبحث عن شرعية دينية تجعله مقبولًا ومرضي عنه، هذا الرأي يرى أن المرأة المسلمة منذ عصر الرسالة كانت مدركة لحقوقها وتطالب بها، ومعنى ذلك أن النسوية ليست تيار فكري مستحدث، ولكنه تيار أصيل في الفكر والثقافة الإسلامية، ويسوق أصحاب هذا الرأي العديد من أقوال بعض الصحابيات في هذا الشأن ويقمن بتأويله من وجهة النظر النسوية على أنه فكر نسوي تقدمي. هذا القول غير دقيق، فهناك فارق كبير بين أن يتم وضع الأسس الشرعية للعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم الجديد على أساس من إيضاح حقوق وواجبات الجميع في هذا المجتمع، رجالًا ونساءً، أغنياء وفقراء، حكاما ومحكومين…، وبين أن تعيد المرأة تعريف دورها في المجتمع انطلاقًا من رؤية فردانية خاصة؛ تقوم على الصراع بينها وبين الرجل، هنا ندرك الفرق الشاسع بين الرؤيتين وسوء النية في استخدام وتوظيف أقوال الصحابيات لتحقيق شرعية زائفة.
طرح مختلف لفكر النسوية
إن تناول موضوع النسوية بالدراسة يقتضي الأخذ في الاعتبار مجموعة من المعاني والمحددات الفقهية والنفسية والقيمية الحاكمة على هذا المجال البحثي، هذه المعاني والمحددات تكوِّن إطارًا يعيننا على تفهم هذا الموضوع المركب بصورة أكثر عمقًا. ونورد هنا بعض هذه المحددات:
أولًا– أن هناك توجها غريزيا عاما لدى كل مَن يتحمل مسئولية ما إلى السعي لفرض إرادته وتحويل هذه المسئولية من التزام يُسأل عنه إلى حق وميزة يتمتع بها وحده. هذا الأمر مشاهد على كافة مستويات الولايات السياسية، والاجتماعية، والإدارية، وغيرها.
ونظرًا لأن المسئولية التي يتحملها الرجل تجاه زوجته ونساء أسرته بصفة عامة هي من أصول بناء الأسرة المسلمة، فقد جاءت الشريعة الإسلامية لتضبط هذه الغريزة وتحجمها وتدفع الرجل إلى مقاومة هذه النزعة السلطوية بقدر الإمكان. فقد جاءت آيات القرآن الكريم لتؤكد على “.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا..” (النساء-34). كما جاء تنبيه متكرر من رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجال على عدم البغي في ولايتهم على النساء، فنجد في خطبة الوداع التي جمع فيها الرسول الكريم كليات أمور أمته توصية طويلة أوصاها –عليه السلام- للرجال تجاه نساء الأسرة: “.. فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرًا”. كما جاء في الحديث الشريف: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم”.
ثانيًا– إن بعض الصياغات الفقهية التي تضبط العلاقة بين الرجل وزوجته قد تثير بعض الإشكالات، ذلك أن في محاولتها تحقيق قدر من الانضباط في العبارات تصل أحيانًا بصورة غير مباشرة إلى معاني صراعية تتعارض مع المقاصد القيمية لهذه العلاقة، فمثلًا القول بأن الرجل ملتزم شرعًا بالإنفاق على زوجته وأبنائه مقابل طاعة الزوجة له، أو أن العلاقة الجنسية حق للأزواج وواجب على الزوجات، وغيرها من المقولات الفقهية التي تحمل في طياتها معنى تعاقدي جاف بعيدًا عن المعاني التراحمية التي تدعو إليها الرؤية الإسلامية ، فهي تعطي المعنى الحدي في العلاقة وتستبطن معنى صراعي في علاقة قائمة أساسًا على المودة والرحمة. فالفقه من حلال وحرام ومباح هو صانع العقل الجمعي لدى المسلمين، ولذلك فمن الضروري الأخذ في الاعتبار حساسية مثل هذه العبارات وما يترتب عليها من نتائج غير مرغوب فيها.
ثالثًا– وإذا كانت الصياغات الفقهية قد تؤدي إلى بعض المعاني الصراعية، فإننا نجد من جانب آخر أن الخطاب الديني قد كرس في كثير من الأحيان علاقة غير متزنة بين الرجل والمرأة في إطار الأسرة، وذلك من خلال التكرار المستمر للأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد على حقوق الرجل على زوجته والتأكيد على ضرورة إعلاء معنى الخضوع والضعف من جانب المرأة تجاه زوجها، “لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”، “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح”، أن النساء ناقصات عقل ودين، مقابل ندرة القول بالأحاديث التي تورد حقوق النساء في الرؤية الإسلامية ودورهن الإيجابي في المجتمع المسلم، مثال على ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها التي كانت – باعتراف كبار الصحابة – المحدثة الأولى عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استدركت على كبار الصحابة الذين كانوا يسألونها عن الفرائض، كما استدركت على الرواة، وقد صنف المصنفون في مستدركات عائشة العديد من المصنفات.[27] ومثال على ذلك مشورة أم سلمة للرسول عليه الصلاة والسلام يوم صلح الحديبية، عندما امتنع الصحابة من النحر والحلق كما أمرهم الرسول الكريم، فقالت له عليه السلام “يا نبي الله، أخرج ولا تكلمن منهم إنسانًا، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق، فلو فعلت ذلك فعل الناس.” وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورتها، وانتهت المشكلة. وغيرها من الأحاديث التي تؤكد على علاقة المودة والرحمة بين الرجل وزوجته وليست علاقة الصراع: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، “النساء شقائق الرجال”.
إذن فتكرار الأحاديث الخاصة بحقوق الرجال دون إعطاء المعنى القيمي لها ودون التأكيد على الحقوق المقابلة للمرأة أدى إلى وجود عقل جمعي غير متزن في العلاقة بين المرأة والرجل داخل الأسرة، مما أثر سلبًا على هذه العلاقة وأدى إلى وجود بيئة غير متوازنة وغير صحية سمحت بدخول الدعوات التغريبية التي تنادي بالباطل بحقوق المرأة المسلمة.
رابعًا- أن علاقة الرجل بالمرأة في إطار علاقة الزوجية علاقة خاصة ومركبة، وتحقيق التوازن الأمثل في هذه العلاقة بين حقوق وواجبات كل منهما أمر شاق ويكتنفه كثير من المشكلات، وباستعراض سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أن بعض الأحاديث تعكس هذا الأمر بوضوح: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: .. والله كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا أنا في أمر أتأمره إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، قال فقلت لها: ما لكِ ولما ها هنا فيما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت: عجبًا يا ابن الخطاب، ما تريد أن تراجَع أنت وإن ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظل يومه غضبان”[28]
هذا الحديث وغيره يعكس كيف دفع الإسلام الرجال في بداية البعثة إلى إعادة النظر إلى المرأة بصورة أكثر إنصافًا، وإعطائهن مساحة كبيرة من الحركة والمشاركة في الأمور الزوجية والحياتية، كما يعكس هذا الحديث ما في العلاقة الزوجية من مساحة يقع فيها أحيانًا الشد والجذب، بل والغضب، وما فيها من استيعاب كل طرف للآخر وتجاوز للصغائر بينهما.
خامسًا- تحتل الأعراف والعادات حيزًا واسع النطاق في المجال الاجتماعي، فبمرور الوقت تتخذ الأعراف قوة ملزمة سرعان ما تصطبغ بمسحة القانون الإلزامي، ومن هنا فقد اتخذت أعراف الناس مكانة متقدمة على المستويين الاجتماعي والقانوني. إلا أن بعض هذه الأعراف قد تشتمل بطريقة أو بأخرى على أنواع من التجاوزات على تعاليم الشرع وآدابه. وبرغم ذلك التجاوز والانحراف فيها عن غايات الشارع ومقاصده إلا أن كثرة تكرارها وممارستها ومن ثم الاعتياد على التعامل بمقتضاها يولد لدى المجتمع شعورًا عامًا بإمكانية تقبلها وإضفاء الشرعية عليها[29]. إلا أن الاعتماد على العُرف في الممارسة، بل وفي فهم النصوص وتأويلها يجب أن يكون دائرا في إطار مسلمات الفكر الديني، فهذه المرجعية هي العماد للتفرقة بين المطلق الثابت بالوحي الإلهي وبين الفكر الديني النسبي المحدود بأطر الزمان والمكان والبيئة المتولد فيها.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أنه يسود في العديد من المجتمعات تحيزات ومعتقدات ضد المرأة، لم تؤثر على وضع المرأة في المجتمعات المسلمة فحسب، ولكنها أثرت أيضًا على فهم وضع المرأة كما جاء في القرآن الكريم، وترتب على هذا الفهم قيام البعض بتقزيم دور الأمومة وتربية الأطفال باعتبارهما أدوار لا قيمة لها في المجتمع، على عكس الأدوار التي يؤديها الرجل في المجال العام، رغم محورية كل من هذه الأدوار في عمارة الكون وتقديم العناصر الفاعلة في المجتمع.
النموذج النبوي في علاقة الرجل بزوجته:
لقد وضع القرآن الكريم تصورًا متكاملًا لمكانة الرجل والمرأة في الرؤية الإسلامية، فهما الاثنان مكرمان، “ولقد كرمنا بني آدم..” وهما الاثنان مستخلفان مكلفان بنفس القدر ولهم نفس الجزاء. “فاستجاب لهم ربهم أني لا أُضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض” (آل عمران-195). “يا أيها الناس إنا خلقناكم مِن ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لِتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” (الحجرات 13). “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظلمون نقيرا” (النساء-124). “من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” (النحل-97).
كما جاءت الآيات الكريمة تؤكد على حُسن معاملة الرجل لزوجته: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة” (البقرة-228). “وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا” (النساء- 19) أي هنا توصية بحسن المعاشرة حتى في حالة الكره. وجعل السَكَن والمودة والرحمة هم إطار هذه العلاقة الزوجية لا السيطرة والصراع والندية، “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” (الروم- 21).
وجسدت السيرة النبوية مواقف الرسول عليه الصلاة والسلام تجاه زوجاته، كتطبيق أمثل للرؤية الإسلامية من ناحية، وكمعيار يتم السعي دائمًا إلى الاستهداء به في إعادة التوازن داخل الأسرة إذا ما حدث أي اضطراب أو خلل في هذه العلاقة. فقد كان تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه تعبيرًا عن حالة حضارية اتسمت بالفرادة في تلك الحقبة، حالة تميل إلى التخفيف من سطوة الرجل وعنفه تجاه نسائه. وتزخر السيرة النبوية بوقائع تكرس قيم أخلاقية عالية في التعامل مع المرأة، فنرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوعب انفعالات زوجاته ويلاطفهن ويساعد في أعمال المنزل، فكان يخيط ثوبه ويقوم على مهنة أهله، ولم يتعد بالضرب أبدًا على إحدى زوجاته: “روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضرب شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا…”[30]. وكان يتعامل معهن بكل رقي وحنان، فنجد السيدة عائشة تنقل عنه أنه، عليه الصلاة والسلام، خاطبها قائلًا: “إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإذا كنتِ على غضْبى، قالت: فقلت: مِن أين تعرف ذلك؟ فقال: “أما إذا كنتِ عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا ورب إبراهيم”.[31] نرى هنا تواضعًا وتبسطًا وتسامحًا، بل ورقي وإنسانية، كانت كلها من السمات الأساسية في شخصية محمد عليه الصلاة والسلام، كزوج وإنسان. فقد كان عليه الصلاة والسلام يستوعب انفعالات زوجاته ويتفهم غيرتهن، ويتركهن يعبرن عما يجيش في نفوسهن. كذلك بيَّن لنا الرسول الكريم أن حق المرأة في المطالبة بحقوقها أمر شرعي في الرؤية الإسلامية: “عن ابن عباس رضي الله عنه أن جارية بكرًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوَجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم”.
الرؤية الإسلامية للمجتمع المسلم:
لقد صاغت الشريعة الإسلامية المجتمع في صورة متكاملة متشابكة متداخلة تسند بعضها البعض. فبنية المجتمع كما أرادها الله سبحانه تقوم على خدمتها منظومة من القيم والشرائع تحدد طبيعة العلاقات بين أفراد المجتمع وأفراد الأسر المكونة لهذا المجتمع، فعلاقات أفراد المجتمع بعضهم ببعض، الأغنياء منهم والفقراء، الرجال والنساء، ذوي السلطة والبسطاء، هذه العلاقات وغيرها تخضع لرؤية معينة تحددها الشريعة الإسلامية وتؤكدها الحقوق والواجبات المنصوص عليها في هذه الرؤية.
وتعد الأسرة أساس المجتمع المسلم والركن الرئيسي فيه، وهي فطرة وسنة اجتماعية حرص الإسلام على تنظيم أحكامها لضمان استمرار وجودها وتماسكها، ففصَّل في أحكامها وفي التشريعات المتعلقة بها ما لم يفصله في غيرها من الموضوعات، ذلك أن في ظلالها ينشأ الأفراد وتتكون وتنمو شخصيتهم من كافة الجوانب الروحية والعقلية، والوجدانية، والأخلاقية، والاجتماعية.
ويمكن القول إن هناك سمتين أساسيتين ينفرد بهما المجتمع المسلم:
السمة الأولى:
وهي نقطة محورية في الرؤية الإسلامية لبنية المجتمع، بنية تُصَدِر فكرة المسئولية أو القوامة في علاقات أفراد المجتمع بعضه ببعض، مسئولية أو قوامة الرجل على أسرته، على زوجته، أخواته، والدته… هنا يكمن مفتاح المشكلة التي عبرت عنها التيارات النسوية بالأبوية. وقد أقيمت العلاقات المجتمعية الإسلامية والأحكام الفقهية في الميراث وعقود الزواج وغيره على أساس هذه النقطة المبدئية في بناء المجتمع المسلم. وإذا كنا سنتعرض لاحقًا لمفهوم القوامة كما أرادها الله تعالى في المجتمع المسلم، إلا أن مجرد فكرة “مسئولية الرجل عن نساء أسرته” كانت المحرك الأساسي للحركات النسوية (حتى في بعض الأحيان الإسلامية منها) التي رأت في هذا الأمر انتقاصًا من أهليتها وتعبيرا عن دونية لم تكن في أي حال من الأحوال هي مقصد الرؤية الإسلامية، التي رأت في هذا الأمر نوعًا من توزيع الأدوار والمسئوليات بطريقة ترفع الحرج عن المرأة في أداء دورها الأساس وهو الأمومة والتربية لأطفالها. فالقوامة تكليف ومسئولية للرجل لقيادة الأسرة والقيام على شئونها حرصًا وضمانًا على استقرار الأسرة، وليست وسيلة تسلط وإذلال للمرأة كما تراها التيارات النسوية.
الأسرة إذن وحدة تتكامل فيها جهود الرجل مع المرأة للقيام بالمسؤولية المترتبة على قيام هذه الأسرة، فللرجل حقوق وعليه واجبات وكذلك المرأة، “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة” (البقرة-228).
والأسرة كأي وحدة إنسانية لا بد لها من رئاسة، ولا يختلف اثنان أن الرجل يمتاز – في عامة الأحوال – بغلبة العقل على العاطفة، بينما تمتاز المرأة بفيض من العاطفة والحنان، بالإضافة إلى الفروق البدنية والنفسية ومنها هشاشة بدنها. بالإضافة إلى ذلك أن الرئاسة في الأسرة ليست استبدادية، بل هي شورية لأن الشورى خُلُق للمسلم في كل شؤونه، ثم هي شرعية أي تحكمها ضوابط شرعية كثيرة[32].
السمة الثانية:
لا تقتصر بنية المجتمع المسلم على الأسرة النووية فقط، إذ إن الأسرة الممتدة لها مكانة أساسية ودور محوري في المجتمع كحاضن معنوي ومادي للأسرة النووية. ففي إطار الأسرة النووية يجابه الإنسان أعباءه اليومية كلها بمفرده، دون مساعدة أو توجيه من أحد؛ ووجود الأسرة الممتدة يسمح بتحقيق قدر من الدعم النفسي والعملي وأيضًا المادي، ويوجد الكثير من المرونة في العلاقات وقدر كبير من تبادل الخبرات والإنضاج الإنساني. والعلاقات داخل الأسرة الممتدة تخضع بدورها لمجموعة من الأوامر والنواهي والقيم الحاكمة لتنظيم هذه العلاقات لتحقيق التوازن والسعادة داخل الأسرة الممتدة والنووية.
هذه المنظومة الفقهية والقيمية المتكاملة المنبثقة من الشريعة الإسلامية تحدد إطارا صحيا متميزا ومرنا للأسرة المسلمة وعلاقات أفرادها بعضهم البعض، ومحاولة التعديل أو التغيير ولو جزئيًا في هذه البنية يؤدي بالضرورة إلى انهيار هذا الشكل الكلي للأسرة وبالتالي المجتمع.
ومن أهم القيم التي تتميز بها الأسرة الممتدة (بر الوالدين) و(صلة الرحم)، وهي ليست قيم أخلاقية فحسب، وإنما هي مفاهيم هيكلية أيضًا تضمن تماسك الأسرة الممتدة واستمرارها، ويظهر هذا بوضوح في ربط الآيات القرآنية بين التوحيد وبر الوالدين “قل تعالَوا أتلُ ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا” (الأنعام-151). “وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا ..” (الإسراء-23)، وبين صلة الرحم والتقوى والعدل والإحسان، مع ربط قطيعة الرحم بالفساد في الأرض والفحشاء والمنكر. فصلة الرحم في الرؤية الإسلامية التزام شرعي لا يخضع للهوى والميول، ولا يمنعه قطع الطرف الآخر لهذه الصلة أو إساءته، بل هو حق الله، وواجب عيني قد يأخذ شكل الصلة الإنسانية، كما يأخذ شكل الالتزام المادي، فالرابطة في الأسرة الممتدة ليست رابطة مصالح مادية وثروة مشتركة بل هي رابطة مسئولية عقيدية لا تحسب بمعايير المنفعة والربح والخسارة المادية، إذ إن مقابلها هو رضا الله على المستوى الإيماني، ووجود تعاون وبذل على المستوى الاجتماعي، وحماية لصلات القرابة التي تمثل سياج حماية للأسرة الصغيرة، وهذا التراحم الأسري هو الذي يحقق قيم التكامل والتضامن في المجتمع[33].
لقد أسست الرؤية الإسلامية علاقة التراحم بين أفراد الأسرة الممتدة من خلال استخدام أساليب الترغيب والترهيب “لا يدخل الجنة قاطع”[34]، وربط تلك العلاقة ببركة الرزق والعمر “من سره أن يُبسط له في رزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه”[35]. كما يمكن القول إن الأحاديث التي تناولت أحكام الميراث لم تقتصر على أعضاء الأسرة النووية، بل تعدتها في كثير من الحالات إلى أفراد الأسرة الممتدة، وكذلك أحكام الصدقات والوقف وكفالة اليتيم والنفقات وغيرها من الأحكام التي رسمت الصورة المثلى للأسرة الممتدة في المجتمع الإسلامي.
وتجدر الإشارة هنا إلى ما تتعرض له المرأة في عصرنا هذا – الذي شهد تراجعًا كبيرًا لمفهوم الأسرة الممتدة – من أعباء ضخمة، منها قضية تولي أمرها وأمر أبنائها عند غياب الزوج في طلب الرزق، أو عند مرضه مرضًا يقعده عن العمل أو عند وفاته.
فإذا كانت الأسرة النووية مهمة في الرؤية الإسلامية لأنها المحضن الشرعي للطفل والسَكَن للزوج والزوجة، فإن الأسرة الممتدة هي المحضن الشرعي للأسرة النووية. إلا أن الحداثة بكل قيمها وفلسفتها قد أثرت سلبًا في الأسرة الممتدة حتى كادت تختفي في تركيبة المجتمعات العربية والإسلامية، بل بدأ الأمر يطال الأسر النووية أيضًا.
الحداثة وتأثيرها على المجتمع المسلم: تنشئ الرؤية الإسلامية مجتمعًا يوازن بين التعاقد والتراحم معًا، مجتمع قائم على أساس مادي لكنه لا ينسى الروح، يحترم الطبيعة ولا ينسى الإنسان، مجتمع يحقق التوازن مع الطبيعة والذات من خلال اقتراب تراحمي إنساني[36].
وقد جاءت الحداثة لتقزم دور الدين، ورأت فيه مرحلة من مراحل تطور العقل الإنساني تزول مع بلوغ الإنسانية مرحلة العقلنة والعلم، حيث ينفتح عهد جديد لم يعد لأي فرد فيه الحق في ادعاء امتلاك الحقيقة، فالحقيقة في الواقع الجديد نسبية، وعلى ضوء هذه النسبية تُبنى المجتمعات الجديدة، فتعاد صياغة فكرة الالتزام الأخلاقي والعقود الاجتماعية.
وقد شهد العالم الإسلامي منذ عقود طويلة تغلغل أفكار الحداثة إلى مجتمعاته، هذه الأفكار لم تصطدم مباشرة بالإسلام، ولكنها خلقت نموذجًا للفرد رافضًا لكثير مما جاء به الشرع، هذه العلاقة الشائكة بين الشريعة الإسلامية والفرد المُعاد تكوينه على صورة الحداثة هي في صميم ما تعاني منه المجتمعات الإسلامية. وأصبحت الحداثة واقع مرير على الشرع أن يتأقلم معه. فالحداثة تقدم للإنسان مدخلًا ماديًا، والمادي يتعامل مع ما يقاس، أما القضايا مثل المودة والرحمة والتكامل وغيرها فهي قضايا لا محل لها في قاموس الحداثة.
والحداثة إيمان عقلاني مادي بالتقدم، والتقدم هو مجرد حركة مستمرة لا نهاية لها، وهو ما يعني سقوط الثبات. وانطلاقًا من هذه الأرضية العقلانية المادية الحديثة، فإن العقل سيقوم بعملية نقدية صارمة لمسلمتنا العقلية وموروثاتنا الثقافية ولن نقبل من التاريخ إلا ما يتفق مع نماذجنا العقلية والمادية. والحداثة لها جاذبية شديدة، فهي تقدم خطابا مريحا لأنه يتوجه لمسائل مباشرة ومحسوسة: الحواس الخمس، الرغبات والاحتياجات المادية وكيفية الوفاء بها، التركيز على الذات وتحقيق الفردانية.. كما تستند عملية التحديث على ما يسمى بثورة التطلعات[37]. فبدأ الإقبال على الحياة الدنيا بشغف شديد وازدادت ثورة التطلعات حدة وبدأنا نتحلى بتلك الرؤية التي تجعل قيمًا مثل الكرامة والرضا والمودة مسألة غير مستساغة. وهنا يجب أن نؤكد على ضرورة أن يدرك الإنسان التضمينات الاجتماعية والإنسانية للحداثة، كما يجب أن يدرك الثمن الاجتماعي الذي يدفعه.
واستنادًا إلى قيم الحداثة أصبح الإنسان تحركه بالأساس دوافع الاقتصاد والجنس، واعتبر البحث عنهما المرجعية النهائية والوحيدة لوجوده، وعليه تحولت العلاقات الإنسانية إلى علاقات تحكمها قوانين العرض والطلب. وأدى انتشار ثقافة الاستهلاك في المجتمع إلى تعطيل الدور الفعال الذي ينبغي أن تقوم به الأسرة في تقديم التنشئة القيمية لأبنائها، وبات النجاح الأكبر بحسب الوعي الاجتماعي السائد ممثلًا في قدرة الآباء على تحقيق مختلف المتطلبات المادية لأبنائهم.
كما أن الفرد في ظل الحداثة أصبح يتبنى في حياته مبدأ “الفردانية”، الذي يُعني إعلاء قيمة الفرد ويجعل أهدافه ورغباته، بل شهواته ونزواته في مكانة أعلى من أي التزامات أو واجبات أسرية أو مجتمعية، ويصبح شعار الفردانية: أن يعيش الإنسان كما يريد، لا كما يجب عليه.
وبما أن قانون التقدم صار هو الذي يحكم منظومة الحداثة التي تم تأسيس الأسرة على أساسها في عصرنا هذا، فقد تم تجاوز المفهوم التقليدي للرابطة الزوجية وسقطت القداسة عن الكيان الأسري، وأصبحت المودة والعاطفة بين أفرادها مبنية على مفهوم اللذة والرغبة والاستهلاك المادي، وأصبحت المقاربة الجديدة لمفهوم الأسرة أنها كيان لأداء وظيفة اقتصادية بعد أن كانت كيانًا لحفظ الوحدة الاجتماعية، فحلت القيم المادية مكان القيم الأخلاقية، وأصبح حق الإنسان الأساسي هو الاستهلاك وإشباع اللذة[38]. وضاعت القوامة من الرجل، وضاع الأطفال في تنازع الإرادتين، وتاهت المرأة في البحث عن حقوقها وعن استقلالها الاقتصادي، وحل الصراع والتقاضي عبر المحاكم بدل التراحم المعهود في الأسرة التقليدية، وساد الأسر شعور بالقلق والتوتر الناجم عن الصراع الدائر داخلها.
إذن يمكننا القول إن آفة العلاقات الإنسانية في عصرنا هذا هو تسلل منظومة الحداثة إلى هذه العلاقات والى عقل الإنسان المسلم، وتصاعد مبدأ الفردانية الذي يجعل الفرد ومنفعته ومتعته الشخصية هو مركز الاهتمام على حساب كل من حوله. بل إننا يمكننا القول إن علاقة الرجل والمرأة في المجتمعات الإسلامية وكل المشاكل التي تدور حولها ما هي إلا عَرض لمرض أكبر وهو التشوهات التي اعترت المجتمعات الإسلامية نتيجة البُعد عن النموذج الأمثل الذي جاءت به الشريعة الإسلامية لشكل المجتمع، والذي جاءنا تطبيقيًا بكل تفاصيله من خلال السيرة النبوية المشرفة. فقد طُمس هذا النموذج بدرجة كبيرة ما أفرز مجتمعًا مسخا متخما بمظاهر العلل والضعف، وأصبح ما يأمر به الدين يمثل حرجًا وخروجا عن السياق، واعترى علاقة المرأة بالرجل خلل تقع مسئوليته على كلا الطرفين، لا يمكن تبرأة طرف وشيطنة الآخر، فالكل شريك بدرجة أو بأخرى فيما وصلت اليه هذه العلاقة من تصدع.
وقد ترتب على هذا الأمر قيام الفكر النسوي الإسلامي بكل أطيافه بالانطلاق من نفس الأرضية المعرفية التي قامت عليها النسوية الغربية، وهي منطلق “الندية الصراعية” بين الرجل والمرأة، هذه الندية الصراعية التي يمكن تفهمها ليس فقط كنتاج للفكر النسوي، ولكن أيضًا بقراءة متأنية لواقع صاغه الرجل ابتداءً على مفاهيم التحكم، بل والظلم في كثير من الأحيان، وهو ما يتعارض تمامًا مع مقاصد الرؤية الإسلامية.
هذه “الندية الصراعية” التي أفرزها الواقع المريض في العلاقة بين الرجل والمرأة والتي استثمرتها تيارات الفكر النسوي للترويج لأفكارها نموذج يتعارض تمامًا مع الرؤية الإسلامية التي تقوم على التكامل والمودة والرحمة والسَكَن بين الرجل والمرأة. بل إن كلمة “زوج” على إيجازها تحمل أبلغ الدلالة على معنى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، فكلمة زوج تعني شيئين أو نصفين يُكْمل كل منهما الآخر بصورة تامة، بحيث يصنعان معًا شيئًا واحدًا.
وهنا نجد من الضروري إفراد مفهوم القوامة بالحديث نظرًا لمحوريته في تكوين الأسرة في الرؤية الإسلامية، ونظرًا لكونه من الموضوعات المحورية التي دلف منها الفكر النسوي الغربي إلى المجتمعات الإسلامية.
مفهوم القوامة:
تناول مفهوم “القوامة” بالدراسة والتحليل يثير إشكاليتين أساسيتين:
الإشكالية الأولى: أن الدارس لمفهوم القوامة يستصحب معه نماذج حية عديدة لتشوهات خطيرة في التعامل مع مفهوم القوامة على مستوى الأسر المعاصرة. هذا الأمر يؤثر بدون أدنى شك على موضوعية فهمنا للرؤية النقية لهذا المفهوم، كما أنه يثير تساؤلًا مشروعا ًعن كيفية تطبيق الرؤية السليمة للشرع على مجتمع شوهت الحداثة والمادية ومفاهيم الصراع فطرته.
الإشكالية الثانية: إذا كان العقل المسلم قد تأثر تأثيرًا عميقًا بالحداثة بما أدى إلى تشوهات عميقة في شكل المجتمع، نجد أنه من الضروري أن نعترف أن كثير من المفسرين والفقهاء قد جاءت قراءتهم وفهمهم للنص المقدس – كما رأينا – انطلاقًا من ثقافة متأثرة بتقاليد وأعراف معينة أدت إلى فهم للنص من زاوية قد تكون بعيدة عن مراد الله تعالى، ومخالفة لما جاءت به السيرة النبوية الغراء، فأنتج ذلك فقها يعكس ثقافة سلطوية لا يمكنها أن تفرز مجتمعًا إسلاميًا صحيًا. ونتيجة لهاتين الإشكاليتين وقعت المجتمعات الإسلامية بين الإفراط والتفريط، وسادت حالة من القلق والاضطراب في العلاقات الإنسانية.
وبالعودة لمفهوم “القوامة” نجد أن هذا المفهوم قد مثَل إشكالية حقيقية بين النسويات، ذلك أن مفهوم “القوامة” يلغي فكرة “الندية” التي تطالب بها النسويات. فهو على رأس التحديات التي يواجهها الفكر النسوي الإسلامي في معركته. ولذا فإننا نجد محاولات عديدة لإعادة فهم “القوامة” بحيث يتم تطبيع هذا المفهوم مع الرؤية النسوية.
المحاولة الأولى- نجد آمنة ودود، في محاولتها لفك هذا الإشكال، تتبنى – كما وصفته – موقفا “مواليا للدين ومواليا للنسوية”. تقول آمنة ودود: “ينبع اهتمامي بصياغة مفهوم جديد للعلاقات بين النساء والرجال يتأسس على التوحيد وليس على القوامة”[39]. “وأرى أننا بحاجة إلى صياغة مفهوم جديد للأسرة النموذجية يتجاوز نموذج القوامة”[40] ، قامت آمنة ودود باتباع منهج نقدي للفقه باعتبار أن الفقه التقليدي يؤكد على النموذج الأبوي للأسرة، بما يعني أن الالتزام بالإسلام يعني ضرورة الالتزام بالأبوية.
ورأت آمنة ودود ضرورة تجاوز الفقه القديم والعمل على إعادة صياغة مفهوم القوامة في الإسلام في ضوء منظومة التوحيد التي يمكن أن تحرر المرأة من إرث قرون من الفهم الأبوي للدين. وهنا سعت آمنة ودود إلى صياغة منظومة التوحيد عن طريق ربط المبدأ الأعلى في الفكر الإسلامي بالأمور العملية المرتبطة بعلاقاتنا ببعضنا البعض بوصفنا بشر[41]. تذهب ودود إلى أن لكلمة التوحيد بُعدًا آخر فائق الأهمية لعملية التواصل الاجتماعي، حيث تعني كذلك إن “الله يجمع”، أي إن الله يجعل جوانب أخرى من الحياة تتجاوز ما يبدو وكأنها اختلافات لا يمكن التوفيق بينها.[42] وهكذا يمكن أن يصبح التوحيد المبدأ الفعال للوحدة التي تتخطى الهيمنة، حيث نجد الأخيرة تنتج التسلط والقهر، بينما تتطلب الأولى التبادلية والمساواة والتناغم في كافة العلاقات الإنسانية.
المحاولة الثانية- من ناحية أخرى نجد أن هناك تيارًا يساريًا من النسويات يرى أن القوامة مشروطة بصفات معينة، فوجود هذه الصفات أو بعضها عند الرجال هي مناط تكليفهم بالقيام بتحمل عبء الإنفاق..، أي بما فضل الله بعض الرجال على بعض النساء، وعليه نستطيع أن نقول إن لبعض النساء كذلك قوامة على بعض الرجال لوجود صفات لديهن يفضلن بها الرجال وتكون مبررًا لقوامتهن عليهم[43].
المحاولة الثالثة– وإذا اطلعنا على رأي المدرسة النسوية الإسلامية المعتدلة نجد إنها تنتقد توجه المفسرين والفقهاء في تعاملهم مع آية القوامة فقهيًا وتفسيريًا بوصفها خلاصة العلاقة النوعية بين الذكر والأنثى وليس مجرد حكم جزئي من الأحكام الخاصة بالرجل والمرأة. “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم” (النساء-34). ترى هذه المدرسة أن العقلية التفسيرية والفقهية لم تستوعب مفهوم الاختلاف إلا من خلال منظور التمييز. كما إنها لم تستوعب البُعد الوظيفي لتقسيم العمل بين الزوجين لصالح العمران البشري، فقاموا بتهميش مخل لدور المرأة في استقبال واحتضان ورعاية معجزة الخلق وفي إقامة دعائم الأسرة على حساب دور الرجل ومسئوليته عن السعي والإنفاق، وقد مثلت مسئولية الإنفاق أهم مبرر عقلي لسيادة الرجل على المرأة فتحولت من مسئولية والتزام وعبء إلى مصدر لمزايا وأفضليات وحقوق يصعب حصرها.[44]
وتطرح أماني صالح قراءة مختلفة لنص القوامة بتتبع لفظ “قوامون” و “قائمًا” و”تقوموا” وغيرها من المشتقات للفظ “قام”، ووجدت إنه في حين فسر الفقهاء آية “قوامون على النساء” باعتبارها تشير إلى ممارسة السلطة والهيمنة والتأديب، فإن لفظ “قوامون على” إنما يدور حول معان النهوض والسعي وبذل المشقة في سبيل شيء والعزم والسهر عليه والرعاية، وتعهد الشيء دون توان أو نكوص، والمثابرة ودوام الالتزام بالأمر[45]. وتدخل مجمل المعاني السابقة في إطار مفهوم الزوجية وما انطوت عليه من توزيع الوظائف بين الزوجين، ويجئ استخدامه – تعالى- لصيغة المبالغة لتأكيد فرضية وثبوت ولزوم ودوام قيام الرجل بهذه المهمة.
إذن القوامة تكليف للرجل وليست تفضيلًا للرجل على المرأة، فقد جاءت الآية الكريمة: “بما فضل الله بعضهم على بعض”، ولو أراد الله تعالى لقال: بما فضل الله الرجال على النساء. فأتي ببعض مبهمة، وهذا معناه أن القوامة تحتاج إلى فضل مجهود وحركة وكدح من جانب الرجل ليأتي بالمال لإنفاق الأسرة، يقابلها فضل، من ناحية أخرى، وهو أن المرأة لها مهمة لا يقدر عليها الرجل فهي مفضلة عليه فيها، فالرجل لا يحمل ولا يلد ولا يرضع، ولكنها تمنح الحنان والرعاية والعطف المفقودين عند الرجل لانشغاله بمتطلبات القوامة. فالمهمتان متكاملتان، ولذلك قال تعالى: “ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض”[46].
لقد جاء مفهوم القوامة، وبالتالي الطاعة، للزوج ليكون تصعيدا لنبرة التحدي في الخطاب النسوي، في حين أن هذا المفهوم “قوامة الرجل” في الأسرة يحمل نفس معاني قوامة الوالي على الرعية، فمع أن التبعية من مقتضيات القوامة إلا إنها لا تعني السيادة والتسلط والاستبداد، كما إنها لا تنفي وجوب التشاور والتعاون والاحترام والحب والتفاهم، فالأسرة لها مقومات الاجتماع البشري وتخضع لقوانينه وقواعده، ومما يقتضيه هذا الاجتماع أن يناط أمر الحسم في القضايا المستشكلة إلى رأي أخير يمنع من المنازعة والصراع[47]. لذلك وجب تخليص مفهوم القوامة من الفهم المغلوط الذي جعلها سلطة استبدادية في يد الرجل من ناحية وجعلها سببًا للصراع والشقاق بين الزوج والزوجة من ناحية أخرى. وقد ختم الله تعالى سياق آية القوامة بقوله: “إن الله كان عليًا كبيرًا” (النساء-34)، ليوجه الرجل إلى عدم الاستعلاء أو الاستكبار في قوامته على المرأة، لأن الكبر والعلو من صفات الله تعالى وحده.
فالقوامة لا تلغي معنى الشورى داخل الأسرة، لما في ذلك من تأليف للقلوب وتعزيزٍ للثقة وشحذٍ لروح المسئولية لدى كل أطراف العلاقة الأسرية والزوجية. فالحياة الأسرية إذا اختلت إدارتها لصالح طرف واحد فيها اختلت تبعًا لذلك الحياة الزوجية لأنها في هذه الحالة تسير بطاقة أو قدرة واحدة وليست بطاقتين متكاملتين أو أكثر[48].
وتجب الإشارة هنا إلى أن ثمة معنى هاما يميز الرؤية الإسلامية، وهو أن قيام العلاقة الزوجية على المودة والرحمة كإطار قيمي يحمي هذه العلاقة من الانهيار يعني أنه في حالة تعذر الرجل عن قيامه بواجب الإنفاق لسبب قهري مثل المرض لا يسحب منه القوامة على أسرته، فالعلاقة الزوجية القائمة على المودة والرحمة ستحقق التناغم والتكامل بين الزوج وزوجته، ولن يكون الإنفاق فقط هو معيار القوامة في الأسرة، فالرجل له القوامة سواء أنفق أم تعذر عليه الإنفاق، لمرض أو لفقدانه وظيفته أو غيرها من الأسباب. كما أن المرأة إذا ما تعذر عليها القيام بواجباتها المنزلية لمرض أو لاضطرارها للعمل، سيكون الرجل سندًا لها، انطلاقًا من قيمة المودة والرحمة.
الخاتمة
في ختام هذه الدراسة يجب التأكيد على مجموعة من الأفكار الأساسية:
أولًا- أن الرؤية الإسلامية في موضوع العلاقة بين الرجال والنساء رؤية مركبة، رؤية قيمية وظيفية. فهي من جانب تؤكد على المساواة الإنسانية الكاملة بين البشر جميعًا، نساءً ورجالًا، أبيض وأسود، غني وفقير… والتمييز بينهم جميعًا يكون بالتقوى، “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، ومن جانب آخر هناك تقسيم أدوار وتوزيع مسئوليات تستدعي وجود درجات بين الأفراد داخل المجتمع.
ثانيًا- استخدام النسويات الغربيات خطاب “الحقوق” وإغفال خطاب “الواجبات”، وإعلاء نبرة المظلومية، والتأكيد على مفهوم الفردانية الذي يضع المرأة في محور الكون مستبعدة الرجل على المستوى الإنساني والمعرفي، أنتج خطابًا مشوهًا صداميا غير متوازن مليء بالثغرات القيمية والمعرفية، خطابا غريبا عن عقل ووجدان المرأة المسلمة.
ثالثًا- إن الصراع التي وجدت المرأة المسلمة نفسها فيه بين خطاب نسوي متطرف يفكك الأسرة ويدمر المجتمع، وبين أوضاع مريضة في المجتمعات المسلمة تحتاج إلى تصحيح وعلاج، أدى إلى وجود خطاب نسوي إسلامي، يحاول تلمس الخطوات نحو الخروج بالمجتمع إلى آفاق قيمية إيمانية تدعم الرؤية الإسلامية وتنقيها مما طرأ عليها من انحرافات في المجتمعات على مر التاريخ الإسلامي.
رابعًا- إن انتشار أفكار النسوية الدخيلة على المجتمعات الإسلامية اعتمد على عاملين أساسيين هيئا بيئة ملائمة لقبول هذه الأفكار:
-علاقات زوجية محتقنة نتيجة سوء فهم أو سوء استثمار لمفهوم القوامة من جانب الرجل، فقد مارس الرجال كثيرًا هذه القوامة بقدر كبير من العنف والضغط على الزوجات اللاتي عانين لمدة قرون من وطأة هذه المعاملة.
-اجتهادات فقهية في مجال المرأة انتصرت كثيرًا للرجل مدفوعة بتقاليد وأعراف متوارثة كانت المرأة فيها – في أغلب الأحيان – ضحية الرجل. هذه الاجتهادات الفقهية لم تستهد بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدر الكافي، ولا شك أن إغفال أفعال الرسول الكريم يُعد إهدارًا لمساحة تشريعية تأسيسية تحكمها المقاصد والقيم النبوية.
خامسًا- أخيرًا يمكننا القول إن جميع التيارات الإسلامية النسوية قد اتفقت على تصحيح الوضع المجتمعي بوضع الرجال في مركز المحاسبة الدينية والأخلاقية (أسوة بالنساء) وذلك بطرح تساؤلات مشروعة حول مفهوم الرجولة وقيمها ودورها داخل المجتمع الإسلامي، وكيف فهم المفسرون والفقهاء القدامى —مقارنةً بالعصر الحديث — دور الرجل وطبيعته، وكيف صاغوا خطابًا يوجَه إلى الرجل، يرشده في تعاملاته مع النساء في ضوء التحذيرات القرآنية العديدة من (البغي) و(العضل) و(الضرار) وعدم العشرة بالمعروف إلى آخره.. وكيف فهموا ضبط ميزان العلاقات بين الطرفين لتحملهم الجزء الأكبر من المسئولية في إقرار العدالة والتراحم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مدير مركز خُطوة للتوثيق والدراسات، وسكرتير تحرير مجلة المسلم المعاصر.
[1] عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. المجلد الأول. الطبعة الأولى. دار الشروق 2002. ص323.
[2] ميشيل بالودي، النسوية وحقوق المرأة حول العالم. ترجمة خالد كسروي. الطبعة الأولى، 2018.
[3] عبد الوهاب المسيري، مرجع سابق. الجزء الثاني. ص. 162.
[4] حتى كلمة تاريخ بالإنجليزية history قد تم تحويلها الى herstory حتى لا تعبر عن قصة الرجل . his story
[5] ماري تابلوت، اللغة والجندر. ترجمة محمود أحمد عبد الله. دار شهريار للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى 2022.
[6] شيرين شكري، المرأة والجندر في الوطن العربي. دار الفكر، دمشق. سلسلة حوارات القرن الجديد. الطبعة الأولى. 2002
[7] ماري تابلوت. المرجع نفسه. ص 277.
[8] سميرة عبد الله الرفاعي، المؤثرات الفكرية في التربية الأسرية وسبل مواجهتها، تيارات الداروينية الاجتماعية وقيم ما بعد الحداثة نموذجا. من كتاب الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة. تحرير رائد جميل عكاشة ومنذر عرفات زيتون. دار الفتح والمعهد العالمي للفكر الإسلامي. الطبعة الأولى. 2015. ص. 597.
[9] أمينة البنداري، مقدمة كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين. سلسلة في الفكر النهضوي، مكتبة الاسكندرية، الطبعة الأولى، 2012. ص. 22.
[10] يقول قاسم أمين: “انظر الى البلاد الشرقية تجد أن المرأة في رِق الرجل، والرجل في رِق الحاكم، فهو ظالم في بيته، مظلوم إذا خرج منه”.
[11] منى أبو زيد، مقدمة كتاب المرأة والعمل لنبوية موسى. سلسلة في الفكر النهضوي، مكتبة الاسكندرية 2011. ص.37.
[12] تاج الدين شوليان، موقف النسوية الإسلامية من قوانين الأسرة. مجلة المسلم المعاصر، العدد 160. ابريل 2016. ص. 153.
[13] تاج الدين شوليان. المرجع السابق. ص. 155.
[14] امرأة أمريكية (1952) من أصول أفريقية، اعتنقت الإسلام وهي في العشرين من عمرها.
[15] حسن الشافعي، حركة التأويل النسوي للقرآن والدين وخطرها على البيان العربي وتراثه. مجلة المسلم المعاصر، العدد 115، يناير 2005. ص. 55.
[16] آمنة ودود، القرآن والمرأة. مكتبة مدبولي. الطبعة الأولى، 2006. ص. 18.
[17] (1954-2008) أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وأستاذة الدراسات النسوية بجامعة قرطبة بفرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
[18] أماني صالح. نحو منظور إسلامي للمعرفة النسوية. دورية المرأة والحضارة. العدد الأول، 2000. ص. 7.
[19] أماني صالح. مرجع سابق. ص. 9.
[20] أميمة أبو بكر، المرأة والجندر، إلغاء التمييز الثقافي والاجتماعي بين الجنسين. حوارات القرن الجديد. دار الفكر بدمشق. 2002.ص. 62.
[21] منال يحيي، السياسات المصرية المعاصرة إزاء قضية المرأة، دراسة في ضوء المواثيق الدولية. رسالة ماجستير في العلوم السياسية. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة. 2014. ص. 236.
[22] منال يحيي. مرجع سابق. ص. 238.
[23] أميمة أبو بكر، مرجع سابق. ص. 64.
[24] منال يحيي، مرجع سابق. ص.234.
[25] أميمة أبو بكر، المرأة والجندر. حوارات القرن الجديد. دار الفكر بدمشق. الطبعة الأولى 2002. ص.71.
[26] آمنة ودود، مرجع سابق. ص. 39.
[27] فريال مهنا، إسلام.. أم ملك يمين؟ دار الفكر دمشق، الطبعة الأولى، 2006. ص. 117.
[28] رواه البخاري.
[29] رقية طه جابر العلواني، أثر العرف في فهم النصوص (قضايا المرأة أنموذجًا). دار الفكر- دمشق. الطبعة الثانية، 2009. ص.7
[30] رواه مسلم.
[31] رواه البخاري.
[32] فريال مهنا، إسلام.. أم ملك يمين؟ دار الفكر المعاصر. بيروت. ط. 1 2006. ص. 43. (نقلًا عن عبد الحليم أبو شقة، مرجع سابق، ص. 100.
[33] هبة رؤوف عزت، المرأة والدين والأخلاق. حوارات القرن الجديد. دار الفكر بدمشق. الطبعة الأولى. 2000. ص. 181.
[34] صحيح البخاري.
[35] رواه الشيخان
[36] عبد الوهاب المسيري، العلمانية والحداثة والعولمة (حوارات)، تحرير سوزان حرفي. دار الفكر. الطبعة الخامسة، 2015. ص. 221.
[37] عبد الوهاب المسيري، العلمانية والحداثة والعولمة (حوارات) دار الفكر. 2009. ص. 197. تحرير سوزان حرفي.
[38] عز الدين معميش، منظومة القيم الأسرية في الفكر الغربي الحديث. من كتاب الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة. تحرير رائد جميل عكاشة ومنذر عرفات زيتون. دار الفتح والمعهد العالمي للفكر الإسلامي. الطبعة الأولى 2015. ص.540.
[39] آمنة ودود، قيم التوحيد فوق اعتبارات القوامة. بحث في كتاب القوامة في التراث الإسلامي. ترجمة رندة أبو بكر. الطبعة الأولى. دار وان ورلد. 2016. ص. 312.
[40] آمنة ودود، مرجع سابق. ص. 316.
[41] آمنة ودود، مرجع سابق. ص. 321.
[42] آمنة ودود، مرجع سابق. ص. 323.
[43] أميمة أبو بكر، مرجع سابق. ص. 67. نقلًا عن كتاب زينب رضوان، الإسلام وقضايا المرأة.
[44] أماني صالح، قضية النوع في القرآن.. منظومة الزوجية بين قطبي الجندر والقوامة. مجلة المرأة والحضارة، العدد الثالث، أكتوبر 2002. ص.48.
[45] أماني صالح، مرجع سابق. ص. 50.
[46] فريال مهنا، إسلام أم ملك يمين. دار الفكر بدمشق. الطبعة الأولى، 2006. ص. 44.
[47] مونية الطراز، مرجع سابق. ص. 238.
[48] الطيب برغوث. مرجع سابق. ص. 164.