العنوان: ما بعد الحداثة والأخلاق التطبيقية.
المؤلف: أحمد عبد الحليم عطية.
مكان النشر: القاهرة.
دار النشر: مجاز للترجمة والنشر.
سنة النشر: 2019.
الوصف المادي: 298 ص.، 21 سم.
الترقيم الدولي: 7-09-6687-977-978.
المقدمة:
يسود عالمنا اليوم تصور بأننا نعيش أزمة قيم، سببها الرئيسي ازدهار العولمة التي تحصر اهتمامها في التطور التقني، وبالتالي فهي مغرقة في مادية تخلو من أي روح ولا تقيم وزن للقيم. هناك وجهة نظر أخرى مغايرة ترى أن القيم موجودة منذ بدء الخليقة، وأن العولمة ساهمت في اظهار التنوع القيمي بصورة غير مسبوقة من قبل. ويرى الكاتب أن الأزمة ليست في غياب القيم، ولكن المشكلة في ضياع البوصلة الأخلاقية، ونتيجة ذلك لم نعد نتمكن من تحديد الاتجاه الصحيح. ويقول الكاتب أن هذا العمل جاء حول “اتيقا الراهن”، من خلال تقديم خريطة للاتجاهات والتيارات الأخلاقية التي شغلت الفلاسفة في العقود الأخيرة من القرن العشرين.
وينقسم الكتاب إلى بابين:
الباب الأول بعنوان الاتجاهات الأخلاقية المعاصرة.
أما الباب الثاني فبعنوان الأخلاقيات التطبيقية.
الباب الأول
الاتجاهات الأخلاقية المعاصرة
يعيش العالم أزمة غياب الأخلاق بسبب سيادة ظواهر عززت من اختفائها، وهي:
أولًا: التقدم التكنولوجي المذهل، وهيمنته على مختلف جوانب الحياة.
ثانيًا: هيمنة العامل الاقتصادي على أبعاد الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، نتيجة زيادة الدور الذي تقوم به الشركات متعددة الجنسيات، بجانب زيادة حجم التجارة غير المشروعة، كالسلاح والمخدرات.
ثالثًا: زيادة نسب الفقر والعشوائيات نتيجة غياب مقومات توزيع العدالة، وتعرض ثروات الشعوب للنهب.
رابعًا: انتشار الأفكار الراديكالية والعنيفة وارتفاع معدلات العنف والكراهية والتمييز.
خامسًا: فقدان حالة اليقين وانتشار الأفكار العدمية، نتيجة تلاشي الأسس وغياب الغايات الكبرى.
سادسًا: انهيار الأيديولوجيات والسرديات الكبرى.
سابعًا: سيادة النزعة الفردية وانتشار اللامبالاة.
ثامنًا: محورية العلم وزيادة تقدمه، دون الاهتمام بكرامة البشر ومستقبل الإنسانية.
والمحصلة هو الحاجة إلى الأخلاق والحنين إلى الشعور بالمعنى، نتيجة تجاوز العلم الحديث، للأخلاق والميتافيزيقيا، وتركيزه على الوجود والمعرفة التجريبية.
الفصل الأول: بدايات الفكر الأخلاقي الجديد
تنشغل الفلسفة الأخلاقية حاليًا بثلاث قضايا رئيسية:
أولًا: قضية أسس الأحكام القيمية الخلقية؛ وتعاني هذه القضية من إشكالية القدرة على تأسيس نظرية أخلاقية متجاوزة؛ قادرة على استيعاب اختيارات الأفراد والتنوع القيمي الهائل في الثقافات.
ثانيًا: قضية البحث عن مبادئ للفعل تراعي العدالة الاجتماعية دون التعدي على حرية الأفراد.
ثالثًا: قضية تأسيس تطبيقات أخلاقية لمجالات النشاط الإنساني، وعلى رأسها قضايا التناسل، والصحة، والعمل، والبيئة. فينبغي أن تتحول الفلسفة إلى معرفة قادرة على التعامل مع المشاكل الحياتية.
إن العالم اليوم يبحث عن تأسيس فلسفة أخلاقية تساعده على تعويض غياب النظريات الكلية والأيديولوجيات الشاملة. وهنا يقدم الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا دورتييه تساؤلًا خطيراً حول الغاية من البحث في قضية الفلسفة الأخلاقية، فهل هناك فعلاً نية حقيقية وراء هذه القضية، أم أن العالم يبحث إلى إضفاء الصبغة الأخلاقية على الممارسات الحالية، وليس سعي جدي وراء فلسفة أخلاقية. وذلك لأن الأخيرة يجب أن تكون هي المحرك الرئيسي لهذا السعي، وبالتالي فهي قادرة على إعادة تنظيم تلك الأنشطة، أما لو كان الأمر مجرد إضفاء صبغة أخلاقية على الممارسات الحالية، فهذا تلاعب واستغلال للأخلاق في غير غرضها.
ويرى الكاتب أن هناك ثلاثة أنواع من المبادئ تحكم الأخلاق المعاصرة، وهي:
– مبدأ الفاعل الحر المستقل.
-تجديد مجموعة من المبادئ التقليدية مثل الدين والجهد والمئولية والحرية والتفرد والاختلاف واحترام الحياة.
-مبادئ جديدة قدمتها الفلسفة المعاصرة مثل مبدأ التواصل.
ثم يبدأ الكاتب في كل فصل من فصول هذا الباب في عرض النظريات الأخلاقية المعاصرة.
الفصل الثاني: مذهب الرغبة والسعادة، جيل دولوز
إن أخلاق المعطى أو أخلاق الكمون التي قدمها جيل دولوز ومزراحي هي تلك الأخلاق التي لا تتأسس بالانطلاق من مرجعية مَثل أعلى كلي وراء هذا العالم، بل تنبع وتكمن داخل هذا العالم، في قلب ما هو معطى لنا هنا والآن. إذن نحن بإزاء عودة عن المتعال والمقدس شطر الرغبة والسعادة والفرح والواقع حيث تترسخ قيمنا ومعاييرنا الأخلاقية.
يؤكد دولوز وجاتاري أن التحليل النفسي الفرويدي ليس إلا وسيلة في يد الرأسمالية، وذلك لأنه حوَل الرغبة إلى عملية مطاردة تستهدف السيطرة والتقييد وليس الانطلاق والحرية، وذلك لأن هذا التعريف ينطلق من تعريف أفلاطون للرغبة باعتبارها نقصًا وفقدانًا.
ويرى دولوز وجاتاري أن الرغبة أساس الأخلاق والسلوك، فهي قوة مبدعة للقيم، فهي تدل على عمل وابتكار وليس على نقص، فهي تفيض بالحياة وهي إبداع ووسيلة للحكمة. فالرغبة والجسد قوى إيجابية تتيح لنا بلوغ الفرح والسعادة. وهي إبداع يقوم بعيداً عن الموت والشعور بالإثم. فبالرغبة، بالجسد، بالفاعلية ننزع إلى القوة، ليس باعتبارها منافسة وصراعاً، بل بوصفها إبداعاً، خلق قيم جديدة، فالفاعل يبدع هذه القيم باعتناقه الحركية المبدعة.
هاجم دولوز فرويد لقيامه بتغريب الرغبة عندما سجنها في حدود ضيقة؛ في حدود الجنس فقط، كما أنه حصرها في الأسرة. وتبنى فكر سبينوزا بتقديمه للرغبة باعتبارها عمل وابتكار وليس نقصاً. فالأخلاق عند دولوز ليست مجرد تمجيد للمتعة بدون عراقيل، ولكن رؤية للأخلاق على أنها إدراك لذاتنا الحقيقية، التي هي رغبة مبدعة، هي الحياة في نماء متصل.
ويطرح روبرت مزراحي في -كتابه- رؤيته للسعادة التي يرى أنها تقوم على ثلاثة مضامين، الأول: فرحة الفرد بتأسيس حريته. والثاني: الحب والصداقة والعلاقات الاجتماعية. والثالث: الاستمتاع بالعالم حيث الفرحة التأملية. إن أخلاق السعادة تمثل انتقالاً إلى طراز جديد للوجود، انتقال إلى إدراك لذاتنا الفاعلة، إلى القوة والحركة.
الفصل الثالث: أخلاق التعالي الديني، ايمانويل ليفيناس:
ليفيناس فيلسوف يهودي فرنسي، له تفاسير عديدة حول التوراة. والأخلاق النظرية عند ليفيناس تنهل من التعالي. ويظهر المقدس أو المتعالي في أخلاق ليفيناس ليس باعتباره أساساً، بل باعتباره يهب الأخلاق النظرية معناها. إن إعطاء الأخلاق الشكل والمضمون يتم من خلال العودة إلى الدين والتقاليد الدينية التي ترسم طريق التخلق.
ويرى ليفيناس أن الأخلاق النظرية هي مسألة أساسية، وهي تعني العلاقة بالأفراد، وتكلم ليفيناس عن علاقة الوجه بالوجه أي علاقة الإنسان بالآخر، فالأخلاق تنبثق أمام وجه الآخر أي عبر العلاقة الإنسانية، إن اللقاء بالآخر هو الإحساس بالمسئولية تجاهه. فالصلات الاجتماعية “الوعي الأخلاقي” هي علاقة شخصية مباشرة. وكان هدف ليفيناس من الاهتمام بالعلاقة بالآخر، أن يدفعنا للتركيز على اللامتناهي وبالتالي العودة للميتافيزيقا، وذلك لأن رؤية الآخر ستدفع لاستدعاء الأخلاق باعتبارها مسئولية، وتكون المحصلة هي التعالي الديني للأخلاق النظرية ومنحها المعني المفقود في فلسفة هيجل ووجودية سارتر وانطولوجيا هيدجر.
الفصل الرابع: أخلاق المحجة، كارل أوتو آبل:
بدأ الكاتب بالتعريف بالفيلسوف الألماني المعاصر كارل أوتو آبل، وهو من الفلاسفة المؤثرين في فلسفة يورغن هابرماس من مدرسة فرانكفورت الألمانية، قبل أن يختلفا فيما بعد وينتقد كلٌ منهما مشروع الآخر.
لقد أكد آبل أن المجتمع البشري بحاجة إلى الأخلاق أكثر من أي وقت مضى، بعدما فشلت الاتجاهات الوضعية في تناول المشكلات الأخلاقية، فالموضوعية العلمية لا تقدم أي إسهامات جدية في هذا الشأن. بل إن العلم نفسه أصبح يطرح العديد من التحديات الأخلاقية الخطيرة التي تمس جوهر الإنسانية جمعاء في وجودها وذلك لأول مرة في تاريخ البشرية.
يؤكد آبل أن هناك تعارض بين التكنولوجيا التي تسعى إلى تنميط العالم في عصر العولمة، وبين تأسيس أخلاق كلية تلبي حاجات المجتمع البشري، بل أن هذا التأسيس في حقبة التطور التكنولوجي أمر يدعو لليأس. ذلك فإن على الرغم من أن التقنية الشاملة تثير تساؤل أخلاقي أساسي فإن العلم يهدف أن يكون حيادياً فيما يتعلق بالقيم، معنى ذلك أن الأخلاق في عصرنا هي في آنٍ واحد أمر ملح ومحال، طالما أن الفلسفة العلمية تظل في مجال الوقائع التجريبية وترفض الميتافيزيقا والقيم.
يرى آبل أن الموضوعية التي يحرص عليها الفكر التحليلي، والأخلاق التي تنادي بها الفلسفة الوجودية، أمران متكاملان لا متعارضان، وبدلًا من القول بتعارضهما، يمكن الاهتمام ببحث قضية تقسيم العمل بينهما، للاستفادة منهما معًا.
وتتخذ أبحاث آبل اتجاهان: الأول يتابع المشكل التأسيسي أي تأسيس عقلاني للأخلاق. والثاني: إيجاد منطق شكلي ضروري وفق قوله، أي التأسيس لأجل الآخر. وقد اعتمد آبل على البراجماتية المتعالية للإجابة عن هذين السؤالين.
ويتقاسم آبل مع يوناس فكرة “اتيقا-المسئولية” بوصفها اتيقا كونية، حيث بيَن آبل كيفية استثمار مبدأ المسئولية في إطار أخلاقيات المناقشة. ودعا آبل إلى ضرورة تأسيس معايير أخلاقية كونية بناء على أخلاقيات المناقشة، وهي أخلاق تتأسس على افتراضات ترنسندنتالية، افتراضات ذات طابع كوني مفارقة للتجربة وملزمة لكل الأطراف المشاركة في العملية التواصلية. ويركز آبل على الدعوة إلى توجيه العلم توجيهاً أخلاقياً، أي الحديث عن علم معياري موجه بالأخلاق.
الفصل الخامس: هابرماس والأخلاق التواصلية
يعد يورغن هابرماس واحدًا من أهم وأشهر الفلاسفة المعاصرين، وقد استفاد هابرماس من إنجازات علم اللغة والنفس والاجتماع وعلى فلسفة كانط الأخلاقية لتأسيس نظريته القائمة على المناقشة والحوار من أجل بناء معايير أخلاقية متفق عليها للحفاظ على المجتمع ووحدته وترابطه.
وقد طور هابرماس نظريته التواصلية وانتقل بها من مجال أخلاقيات الحوار والمناقشة إلى الفلسفة السياسية، خاصة فيما يتعلق بالديمقراطية، أو ما يطلق عليه “الديمقراطية التشاورية”، حيث تعتبر هذه الأخيرة أحد اهتمامات هابرماس المركزية بالموازاة مع مفاهيم المجتمع المدني والفضاء العمومي. فهابرماس يريد تأسيس ديمقراطية على أساس جماعة خالية من أية هيمنة أو سيطرة، ويعتبر مفهوم التشاور مفهوماً مركزياً، حيث كل ذات مستقلة لها حق إبداء الرأي في القضايا المطروحة للنقاش في الفضاء العمومي.
لا يعتبر هابرماس مبحث أخلاقيات المناقشة مبحثاً أخلاقياً بالمعنى الكلاسيكي، بل يعتبره مبحثاً إجرائياً قعَد فيه للإجراءات الضرورية لتنظيم مناقشة عقلانية تمكننا من التوصل إلى إجماع حول معايير أخلاقية مشتركة ذات طابع كوني. هذه الخاصية هي أحد المرتكزات الأساسية التي تجعل منها أخلاقاً لها راهنيتها في زمن يتطلب المزيد من البحث عن القيم المشتركة لتفادي كل ما من شأنه أن يعمق حدة الصراعات.
ولكن هذا الأمر يشترط أن يتعالى المشاركون عن كل سياق اجتماعي وتاريخي متعلق بجماعتهم الخاصة، لأن الهدف الأساسي من أخلاقيات المناقشة هو التعرف، من وجهة نظر أخلاقية، على ما إذا كان معيار ما قادراً على أن يحصل على اتفاق كوني.
يميز هابرماس بين المسائل الأخلاقية وبين مشكلات الأخلاق النظرية التي تعود عنده إلى اختيارات قيمية تفضيلية لكل فرد. فالأخلاق تقابل منظوراً كلياً يجاوز حدود كل ثقافة، بينما الأخلاق النظرية لا تتناول كلها التساؤل الكلي.
ولكي نستطيع فهم طرق التواصل فهماً أفضل علينا أن نميز بين نوعين من أنواع “الفاعلية العقلية”:
– الفاعلية الأداتية المتجهة نحو النجاح، والتي يتم التركيز فيها على نتائج الأعمال، فإما أن يؤثروا في عالم الأشياء “فاعلية أداتية”، وإما أن يؤثروا في الآخرين “فاعلية استراتيجية”.
الفاعلية التواصلية التي تخضع للتفاهم المتبادل والتي تهدف إلى الاقتناع والقبول بين المشارك. –
وقد ساهم هابرماس بقوة في الحوار الأخلاقي الخاص بقضية تحسين النسل، بكتابه “هل نسير نحو نزعة ليبرالية لتحسين النسل؟”، في رده على كتاب بيتر سلوتراديك الذي ينادي بتأسيس جديد للبشرية عبر ميلاد إنسان جديد مبرمج جينيًا بهدف تحسين النسل وتقوية القدرات البشرية. وقد رفض هابرماس هذا الأمر، باعتبار أن الانتقاء الجيني والبرمجة المسبقة للجنين التي تتم استجابة لرغبات الآباء من أجل اختيار ما يرونه أفضل لأبنائهم هو بمثابة انتهاك لحرمة الفرد واستقلاليته. كما حذر هابرماس أن يحدث هذا التدخل تغييرات عميقة غير مقصودة في الطبيعة البشرية ذاتها.
إذن تبني هابرماس الدفاع عن أخلاقيات للجنس البشري ككل في مواجهته للممارسات الطبية والبيولوجية التي تنتهك حقوق الإنسان، حيث يؤكد أن الولادة الطبيعية هي وحدها التي يمكن أن تضمن تساوي الجميع وحق كل فرد التمتع بأصل طبيعي غير مبرمج مسبقًا. وقد اقترح هابرماس ما يسميه “أخلاقيات الجنس البشري” لمواجهة ما يسميه “تحسين النسل الليبرالي”.
الفصل السادس: أخلاق المسئولية عند هانز يوناس
يعتبر كتاب هانز يوناس “المسئولية كمبدأ” محاولة فلسفية لعلاج محنة الإنسان المعاصر. إذ يتطلع يوناس في بناء نظريته عن الأخلاق الجديدة، أخلاق الحضارة التقنية، نحو المستقبل الذي نحن مسؤولون عنه، ويسود نظريته مبدأ الواقع المتمثل في استبعاد كل أشكال اليوتوبيا، فهو يربط الأخلاق النظرية بالوجود، ويأخذ في اعتباره معطيات العصر التقني. فهو يرى أن ماهية الإنسان ظلت ثابتة خلال زمن طويل إلا أن التقنية الحديثة اتخذت من الإنسان موضوعاً لتجاربها من خلال الجينات الوراثية ومراقبة السلوك وإطالة عمر الإنسان وغيره، وقد خلق ذلك عدداً من المشكلات والأخطار. وقد قام يوناس بصياغة الأخلاق النظرية حول هذه القضايا المعاصرة المتعلقة بالحياة والموت والطبيعة الإنسانية.
ويؤكد يوناس أن بوسعي المجازفة بحياتي الفردية الخاصة، ولكن ليس في وسعي البتة أن أفعل ذلك بالنسبة لحياة الإنسانية القادمة. هنا نجد لدى يوناس إرادة العثور على شكل كلي مغاير لمفهوم الجماعة عند هابرماس، فالإنسانية الشاملة أصبحت معياراً وليس مرجعاً. حيث إنني أهتم بالإنسانية القادمة رغم عدم تقديمها أي منحة لي، هذه اللاتبادلية تشكل عنصراً مميزاً عند يوناس، وهذه هي المسئولية المعاصرة لدى يوناس التي تتناول المستقبل الأبعد للإنسانية. إذن فهم المسئولية عند يوناس هو وعي بالمصير الشامل للإنسانية من خلال إعادة بناء نظرية “المسئولية” في إطار مفهوم أخلاق المستقبل.
الفصل السابع: أخلاق العدالة والإنصاف عند رولز
تعد نظرية العدالة التي قدمها الفيلسوف الأمريكي جون رولز أحد النظريات المعاصرة الأكثر شهرة في الفلسفة الأخلاقية النظرية والسياسية، فقد حاول رولز أن يجمع بين الفكر السياسي ومحاولة تأسيس لأخلاق نظرية، وذلك بسؤاله حول العدل والعدالة والنظام العادل المستقر. وتلاحظ جاكلين روس على عمل رولز ملاحظتين: الأولى، إن رولز لا يحاول حل مشكلة العدالة ككل، ولكنه يعنى بالمبادئ المسيطرة على توزيع المنافع الاجتماعية توزيعاً موائماً، لإعطاء الحقوق والحريات لأصحابها. الملاحظة الثانية: أن نجاح “نظرية العدالة” يعود لما يعرف بـ “عصر الفراغ” الذي ظهر نتيجة أزمة الأيديولوجيا الماركسية.
وبينما يركز المذهب النفعي على حساب الأرباح والخسائر لدى الأفراد مع عدم الاهتمام بسعادة الفرد، ولكنه يهتم بالرفاهة العامة، ينطلق تفكير رولز من مبادئ العدالة ويقترح مقابل النفعية مذهباً تعاقدياً حيث ينتظم الناس في مجتمع سياسي كأساس مثالي للتنظيم الاجتماعي، فيرى تجمع أشخاص أحرار لاختيار المبادئ التي ينبغي أن تقود المجتمع وكيفية توزيع الخيرات الأساسية. ويتم ذلك على أساس مبدأين أساسيين:
المبدأ الأول: المساواة في تحديد الحقوق والواجبات الأساسية.
المبدأ الثاني: العدالة في التفاوت الاجتماعي-الاقتصادي، وذلك من خلال تعويض كل زيادة لصالح الأكثرين حظاً بتقليل أضرار الأقلين حظاً، فلا عدالة في أن يحظى عدد صغير بالمنافع إلا بشرط تحسين وضع غير المحظوظين. وهنا يعتنق رولز وضعاً متوازناً بين مبدأ المساواة وبين سيادة السوق.
ينطلق رولز من مبدأ تقديم العدل على الخير، ويرى أن الأخلاق تتحقق بالالتزام بمعايير العمل كما ينبغي، بغض النظر عن كونه نافع أو خيّر. ووفقًا لهذا المنظور لا يكون الفعل عادلاً وأخلاقياً لأنه صالح، بل لأنه مستقيم. وذلك لا ينفي الخير، ذلك أن المجتمع المنظم جيداً يبدأ من العدل ويحقق خير الجماعة في النهاية. يقول رولز: “إن الفاعلية الجمعية العادلة، هي الشكل الأكثر أهمية للسعادة الإنسانية”.
يتوقف رولز أمام شعور الحسد الناتج عن اللاعدل بين الأفراد الأقل حظاً. ويرى أن الحسد ضار اجتماعياً، والمجتمع جيد التنظيم يعمل انطلاقاً من العدالة إلى تقهقر الحسد.
تعرضت نظرية رولز لانتقادات حادة، انطلاقًا من كونها مجرد تأملات لكاتبها ولا يمكن تحقيقها في الواقع الاجتماعي والسياسي، فقد وصف شفارتز مان نظرية رولز بأنها قوة خيالية لمفكر بورجوازي ليبرالي، يحلم بالحفاظ على النظام الاجتماعي الزائل بمجرد تقديم مجموعة تنازلات بسيطة.
من ناحية أخرى أيد عديد من الفلاسفة نظرية رولز منهم صمويل كورفيتر الذي رأى أن رولز لم يقدم إضافة فريدة إلى الفلسفة الخلقية فحسب، ولكنه أحدث انعطافاً في مسارها من خلال تقرير أن العدل هو الفضيلة الأولى ومحاولته للوصول إلى مبادئ للعدل، ويؤكد كورفيتر أن نظرية رولز هي إحياء لنظرية العقد الاجتماعي عند هوبز ولوك وروسو وقد امتزجت بالطابع العقلاني.
الباب الثاني
الأخلاقيات التطبيقية
الفصل الأول: معنى الأخلاق التطبيقية
عاد سؤال الأخلاق بعد تجدد الاهتمام بالفلسفة في وقتنا المعاصر، وظهرت الدعوة لتأسيس أخلاقيات نوعية في كافة أنشطة المجتمع الحديث، حيث بدأت القضايا التقليدية للفكر الفلسفي تتراجع، وظهرت حقبة فلسفية جديدة أفسحت المجال لجماعات البحث والحوار والتفكير الجماعي، هذا الوضع جعل المهتمين بمستقبل الفكر الفلسفي يعتقدون أن تجديد هذا الفكر سيتم في مجال “الأخلاقيات التطبيقية”، هذا المبحث الجديد الذي أصبح يثبت تدريجياً أن عصر الفيلسوف الموسوعي قد ولى وترك المجال للتفكير الجماعي.
والأخلاقيات التطبيقية هي مجموعة من القواعد الأخلاقية العملية النوعية، تسعى لتنظيم الممارسة داخل مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا وما يرتبط بها من أنشطة اجتماعية واقتصادية ومهنية؛ كما تحاول أن تحل المشاكل الأخلاقية التي تطرحها تلك الميادين، لا انطلاقاً من معايير أخلاقية جاهزة ومطلقة، بل اعتماداً على ما يتم التوصل اليه بواسطة التداول والتوافق. ومن أبرز مجالات الأخلاقيات التطبيقية ما يلي:
1- الأخلاقيات الطبية والحيوية: وترتبط هذه المجموعة من الأخلاقيات بالتساؤلات الناجمة عن تطور التكنولوجيا الصحية، مثل موضوع الإنجاب الاصطناعي، وموضوع الموت الرحيم.
2- أخلاقيات البيئة: ترتبط هذه المجموعة من الأخلاقيات بما يواجهه الإنسان المعاصر من مشاكل نفاد الموارد الطبيعية، وتغير المناخ وغيرها.
3- أخلاقيات الاقتصاد: وهي الأخلاقيات المرتبطة بميدان الحياة الاقتصادية وأخلاقيات التجارة والأعمال.
4- أخلاقيات المعلومات: وهي تلك الأخلاقيات المرتبطة بميدان التكنولوجيا المعلوماتية التي تشمل مختلف التقنيات التي تخص إنتاج وجمع وحفظ ونشر وبث واسترجاع المعلومات.
5- أخلاقيات الإعلام والاتصال: التي ترتبط بالثورة التكنولوجية الحادثة في ميدان وسائل الإعلام في تقاطع مع الثورة المعلوماتية.
6- أخلاقيات التكنولوجيا: تلتقي في هذا المجال كل أنواع التكنولوجيات الحديثة.
7- أخلاقيات تكنولوجيا الفضاء: فبعد تطور تكنولوجيا الفضاء أصبح من الضروري طرح مسألة القواعد الأخلاقية التي يجب أن تتحكم في هذا المجال.
الفصل الثاني: الأخلاق التطبيقية والفلسفة الأخلاقية
تميزت الأخلاقيات التطبيقية بمجموعة من الخصائص على النحو التالي:
- تمثل واقعًا عمليًا وثقافيًا جديدًا تعيشه المجتمعات الغربية.
- تشكل قواعد جديدة لتوجيه الممارسة داخل مختلف الميادين العلمية والعملية في المجتمعات المعاصرة
- هي قواعد عملية وليست نظرية، ورغم ذلك هي تقوم على مفاهيم أخلاقية كلاسيكية، مثل مفهوم الحق ومفهوم المسئولية ومفهوم الواجب ومفهوم الكرامة.
- هي قواعد براجماتية لا يراعي فيها الصدق والكذب أو الخطأ والصواب، أو حتى الخير والشر، بل تراعي فيها الصلاحية.
- هي قواعد علمانية، لا تستمد من الدين، بل غرضها تنظيم الحياة العملية.
- أخيراً هي قواعد تداولية توافقية.
البيواتيقا: الجذور والنشأة: للفكر البيواتيقي جذور فلسفية أساسية يناقشها الكاتب في هذا الفصل، وهي تتمثل في فلسفة التنوير وفكرة حقوق الإنسان، والفلسفة البراجماتية وفلسفة كل من كانط وسارتر، ووقائع ووثائق محاكمات نورنبرج عام 1947 التي يراها البعض البداية الفعلية للبيواتيقا، والتي بلورت مفهوم “الجريمة ضد الإنسانية”. ويعتبر البعض أن البيواتيقا امتداداً للأخلاق الطبية القديمة بعد أن عجزت عن مسايرة التقدم فحلت محلها البيواتيقا. ولكن هناك فرق كبير بين أخلاقيات الطب التقليدية والبيواتيقا على مستوى الموضوع حيث أثارت التقنيات الجديدة قضايا أخلاقية غير مسبوقة. وإن كان هذا لا ينفي أن الأخلاق الطبية هي الوسط الذي انطلقت منه الحركة البيوايتيقية. ويميز “البيواتيقا” كفكر أخلاقي جديد تخلصها من الطابع الديني وسعيها أن تكون مقاربة علمانية.
وينتقل الكاتب لإيضاح المراحل التي مرت بها البيوتيقا منذ ظهورها:
– المرحلة الأخلاقية اللاهوتية: حيث كان من الصعب في المرحلة الأولى من ظهور البيواتيقا أن يتم الفصل النهائي بين الأخلاق والدين. فتم التزاوج بينهما في هذه المرحلة الأولى.
– المرحلة القانونية الفلسفية: وفيها تحول الاهتمام من مشاكل الأفراد الذين تجرى عليهم التجارب إلى الممارسة الطبية اليومية، فتركز الاهتمام على حق المريض في تقرير مصيره. وبارتباط الأخلاق بالقانون ارتبط الفكر البيوايتيقي بالحداثة، طالما أن الحداثة تتميز بهيمنة ما هو قانوني. وبسيادة الخط الفلسفي القانوني توارى الخطاب الأخلاقي الديني.
– مرحلة هيمنة الطابع التجاري الاقتصادي: هيمن الطابع التجاري والاقتصادي على النقاش الأخلاقي في هذه المرحلة. فبعد التطور المتلاحق للطب والهندسة الوراثية، وظهور تقنيات متطورة تم استخدامها بكثافة، وعلى رأسها تقنيات الإنجاب الصناعي والهندسة الوراثية التي تم استغلالها اقتصاديًا، خاصة المتعلقة بالإخصاب الصناعي والإتجار في الأعضاء البشرية، كل تلك القضايا أثارت نقاشات ساخنة حول مدى مشروعيتها القانونية والدينية، إلا أن آثارها الاقتصادية الكبيرة، قد ساهمت في تزايد عدد المتخصصين فيها رغم كافة أشكال المنع والتجريم.
البيواتيقا ومجالات المعرفة المعاصرة:
أولاً: البيواتيقا والقانون: إن الفكر الأخلاقي الجديد هو أيضاً فكر قانوني جديد، وإن العودة إلى الأخلاق في المجال الطبي- البيولوجي صاحبتها عودة إلى القانون. وبذلك حققت الأخلاقيات الطبية خطوة مهمة حين اتخذت طابعاً إلزامياً.
ثانياً: البيواتيقا والدين: مرت علاقة البيواتيقا بالدين بثلاثة مراحل:
– من أواخر الستينات إلى أواسط السبعينات، حيث بدأ الانفصال عن الأخلاق الطبية الكلاسيكية التي كانت تحت هيمنة رجال الدين المسيحي، والكاثوليكيين منهم بشكل خاص. وقد يكون هذا من الدوافع الأساسية التي جعلت البروتستانت في طليعة من صنع الحدث البيواتيقي.
– تمتد المرحلة الثانية من أواسط السبعينات إلى نهاية الثمانينات، وتتميز هذه المرحلة بتراجع الخطاب الديني مع مجيء الفلاسفة ورجال القانون بكثافة إلى الميدان البيواتيقي.
– وأخيراً تمتد المرحلة الثالثة من أواخر الثمانينيات حتى الآن، وفيها عادت القضايا الدينية بقوة إلى البيواتيقا.
ثالثاً: البيواتيقا والفلسفة: أهم أثر تركته البيواتيقا على الفكر الفلسفي هو نقله من النخب لكي تهتم به الفئات العريضة للمجتمع، وإتاحة قضايا فلسفية أصيلة للنقاش المجتمعي مثل الحياة، والموت، والوجود، والمصير..
الفصل الثالث: أخلاقيات العلم والممارسة العلمية:
- يركز الكاتب في هذا الفصل على المعايير الخلقية العامة الأساسية، مثل المسالمة وتعني لا تؤذ نفسك ولا تؤذِ غيرك، والإحسان ويعني أن تساعد نفسك وغيرك، والاستقلال الذاتي، ويعني أن تدع العقلاء يمارسون الخيارات الحرة، بجانب العدالة والمنفعة والإخلاص والأمانة والخصوصية، وكلها مبادئ الهدف منها ترشيد سلوك الأبحاث العلمية لتقليل المشكلات الناتجة عنها.
- وينتقل الكاتب إلى الشروط الواجب توافرها في المتطوعين لإجراء تجارب طبية على البشر: أن يكونوا متطوعين حقيقيين وألا يجبروا على ذلك، كأن يكونوا معتقلين أو أسرى أو حتى مستضعفين، ولا يجوز إطلاقاً إجراء البحوث على حوامل أو مرضعات في حالة إمكانية إجرائها على غيرهن، كما يجب ألا يكونوا معرضين لمخاطر حقيقية بل فقط لانعكاسات جانبية خفيفة، ويجب أن يكونوا مؤمنين بأهمية تلك التجارب، كما لا يجب أن يأخذ هؤلاء المتطوعين أي مقابل مادي، إذ لابد أن تقوم التجربة من بدايتها إلى نهايتها على مبدأ الموافقة الواعية، كما أن لهم الحق في الانسحاب من استكمال التجربة في أي وقت، حيث لابد أن يكون هناك إمضاء منهم بعلمهم بكافة خطوات التجربة.
- الحفاظ على سرية المعلومات، كما يجب توفير الرعاية الصحية لكل الأطراف المشاركة في التجربة، إلى نهاية برنامج البحث، وفي حالة عدم أهلية الشخص للتعبير عن قبوله لا يجوز إجراء أو استكمال البحث. وأخيراً تحريم إجراء أي نوع من الأبحاث على الأجنة داخل الأرحام، وتحريم إجراء البحوث على الأجنة في حالة إمكانية حدث خلط للأنساب أو احتمال تعرضها لمخاطر أو مضاعفات.
الفصل الرابع: أخلاقيات المهنة
الأخلاقيات المهنية هي معايير للسلوك تطبق على هؤلاء الذين يشغلون مهنة معينة، لأن المجتمع يجعلهم موضع ثقة في أن يقدم بضائع وخدمات ذات قيمة، والمهنيون الذين يفشلون في أن يدينوا بالتزاماتهم الأخلاقية ينتهكون هذه الثقة.
وتشكل الأخلاقيات المهنية فرعاً خاصاً يتناول القضايا الأخلاقية في الطب والهندسة والتجارة والأعمال والاتصالات والصحافة والإعلام والتربية والتعليم والحقوق والقضاء…
وتثير أخلاقيات المهنة المشاكل العلمية والمهنية التي تعترض طريق العاملين داخل نفس المهنة، مثل المخاطر المرتبطة ببعض الآلات والتقنيات.. وتتجاوز “الأخلاقيات المهنية” هذا الإطار المهني لكي تتساءل عن الدور الاجتماعي للمهنة ومسئولياتها الاجتماعية، وعلاقتها بالبيئة. ويميز الكاتب هنا بين الأخلاق وعلم الواجبات، الأولى هي الأخلاق النظرية أو الاتيقا، والثانية تعني ما يجب فعله، وهي مرادفة للأخلاق المهنية.
ويفرق الكاتب بين الأخلاق النوعية والأخلاق الكونية، ويرى أن الأخلاق الكونية (تبعاً لرويشي) ثلاث: التعدد والتنوع، حقوق الإنسان التي هي تعبير عن الكرامة الإنسانية، والمصير الإنساني المشترك.
الفصل الخامس: المبادئ الأساسية للأخلاق الطبية
يرى الكاتب أن الطفرة التكنولوجية لم تكن هي العامل الوحيد في زيادة الاهتمام بالمشكلات الأخلاقية في مجال الطب، بل كان هناك أيضاً قلق كبير بشأن تزايد سلطة الأطباء والعلماء مما دفع إلى الاهتمام بـ “حقوق المرضى”.
ثم يعرض الكاتب مفهوم البيوسياسة، الذي أطلقه لأول مرة ميشيل فوكو عام 1974، ويعني هذا المفهوم التوجيه السياسي للبحوث البيولوجية، كما يدل على تدخل الدولة من خلال وضع قوانين تضبط وتحمي كل ما من شأنه أن يعود بالمنفعة على الناس.
الفصل السادس: الموت الرحيم
دار ومايزال جدلًا حول قضية الموت الرحيم، أو الموت الخير، أو الموت الحسن، أو الموت السهل، أو الموت بكرامة، وهذه المصطلحات كلها تشير إلى فعل تؤدي نتائجه إلى موت الشخص الذي يعاني الألم الشديد والمرض العضال الذي لا أمل في شفائه، وذلك من قبيل الرحمة به.
ويصنف الموت الرحيم إلى أربعة أقسام، هي:
- – القتل الرحيم الاختياري الإيجابي: وهي الحالة التي يختار فيها المريض القتل وفقًا لرغبته، لعدم قدرته على الصمود أمام الألم واختياره لتوقف المعاناة، كما أنه إيجابي، لأن الطبيب يتدخل في قتله، من خلال السم أو المخدر أو أي وسيلة أخرى.
- – القتل الرحيم اللااختياري الإيجابي: وهي الحالة التي يقرر فيها الطبيب تدخله لإنهاء معاناة المريض، نتيجة عدم وجود أي أمل من شفائه، وبالتالي يتدخل لإنهاء معاناته دون اختيار منه، نتيجة فقدانه الوعي، أو أي سبب أخر.
- – القتل الرحيم الاختياري السلبي: وهي الحالة التي يطلب فيها المريض من الطبيب أن يوقف العلاج الطبي، أو ينزع أجهزة إطالة الحياة سواء أكانت محاليل أو أجهزة التنفس الصناعي، ولذلك فهو قتل سلبي، حيث لا يتدخل الطبيب باستخدام وسائله لإنهاء حياته، هو فقط يوقف العلاج.
- – القتل الرحيم اللااختياري السلبي: وهنا يقرر الطبيب أن استمرار العلاج يزيد من معاناة المريض دون أمل من شفائه، وبالتالي يوقف أجهزة إطالة الحياة.
الموت الرحيم بين القبول والرفض: تنقسم الآراء حول هذه القضية بين موقفين رئيسيين:
الموقف الأول: ينطلق من مبدأ قدسية الحياة الإنسانية المستمد من الأديان المختلفة، التي ترى أن حياة الإنسان أمانة إلهية ليس من حقه التخلص منها، فهذا اعتداء على حق الله الذي بيده الحياة والموت. وقد قاد هذا الاتجاه إمانويل كانط.
الموقف الثاني: يؤكد على حق الإنسان في حرية اتخاذ قرار الحياة والموت. هذا الحق يعتمد على مبدأ الاستقلال الذاتي فإذا كان في استطاعة الشخص المستقل ذاتياً أن يعيش بأي أسلوب حياة يختار ما دام أنه لا يؤذي الآخرين، فيجب أن تكون لديه القدرة أيضاً على أن يموت بنفس الطريقة.
ويقدم البعض حجة منحدر الانزلاق أو الدومينو، حيث القبول بالقتل الرحيم قد يؤدي لاستخدامه كوسيلة للقتل، ولذا يجب وضع تدابير وإجراءات وقائية تحول دون استخدام هذا الفعل في غير أغراضه.
وهناك من يرى أن القتل الرحيم يجب أن يكون مشروعًا، متى تم تشخيص المريض من قبل طبيبين على أنه يعاني من مرض لا يمكن شفاؤه منه. وأن يمنح فرصة لمدة 30 يومًا قبل عمل اقتراح القتل الرحيم، وفي حضور اثنين حياديين ومشهود لهما بالنزاهة. ويجب أن يكون المريض كامل الأهلية وفوق ال 21 عامًا.
عرض:
أ. طارق جلال*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث ماجستير في العلوم السياسية.