الأسماء الحسنى: كيف تكون معاني تخليقية؟

الأسماء الحسنى:

كيف تكون معاني تخليقية؟*

أ. سمير فريدي**

قال الله جل شأنه: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180].

وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الإسراء: 110].

* * * * *

مقدمة:

الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى، والصلاة والسلام على نبيه المبعوث بالخُلق الأسنى، رحمة بالذكر والأنثى، وعلى آله وصحبه ذَوُو المقام الأسمى، أما بعد:

إن التعلق بالقيم الأخلاقية يرجع إلى الأمانة التي حملها الإنسان في عالم الملكوت[1] بموجب التفضيل الإلهي له على سائر الكائنات، وهذا يجعله مأمورًا بالمحافظة على هذه الأمانة، إذ لا يُتصور وجود أمانة بدون وجود مؤتَمِن ومؤتَمَن، ويترتب على هذا أن الأخلاق ذات طبيعية ائتمانية غير امتلاكية، فوجب حفظها إلى حين استردادها من قِبل الذات المؤتَمِنة، ومن ثم فطلبها يكون عن طريق التوسط بهذه الذات الشاهدة العلية، التي خلقت في الإنسان القدرة على التحلي بمكارم الأخلاق؛ ذلك أن الحق سبحانه علَّم النبي الأول الأسماء كلها وجعله وذريته خليفة في الأرض، وأمر الملائكة بالسجود له، وقد دلّ هذا الحدث الغيبي الأول على تمام الخَلق وإكماله، ومن هنا فمفهوم الخليفة يحمل أمانة توحيد الحق سبحانه في أسمائه وصفاته وأفعاله. وعلَّم النبي الخاتم الأخلاق كلها، فكان خُلقه القرآن، ليُذكِّر الخَلق بالميثاق الأول الذي أقروا فيه بربوبية الحق سبحانه، ويزيل الغشاوة عن فطرتهم التي تحفظ لهم مشاهد وشواهد تذكرهم بأحداث هذا اللقاء الغيبي. ولا شك أن ذاكرتهم الروحية هي مستودع الأخلاق، وقد دلّ هذا الحدث الغيبي الثاني على كمال الخُلق وإتمامه. ومن هنا فمفهوم الخليقة يجمع بين الخَلق والخُلق، لأن أصل الإنسان خليقة، وحدُّ الخليقة أن تجمع في آن واحد بين الخَلق والخُلق، فكما أن الخَلق صورة الظاهر، فإن الخُلق صورة الباطن، وهذا ما يجعل الخُلق يتقلب في أحوال، كما يتقلب الخَلق في أطوار، وكما أن الإنسان يخرج من غيب الأرحام قويم الخَلْق إلى عالم الوجود، فكذلك يصير قويم الخُلق بعد أن يدخل في التحقق بالأخلاق في عالم الشهود[2]، وبما أن الفطرة هي مستودع الأخلاق، فإن تحققه بالخُلق يكون على قدر نقاء الفطرة ومجاهدة النفس. وكلما تراكمت طبقات النسيان على ذاكرته الأصلية، فإن تخلّقه ينقص درجة درجة حتى يُفقَد بالكلية، وحينئذ يصبح خلقًا بدون خُلق، فيكون متساويًا مع البهيمة في المرتبة، إن لم يكن أضلّ منها، لأن حد الخليقة لم يعد منطبقاً عليه بسبب فقدانه لشق مهم من إنسانيته. وفي هذه الحالة فإنه يحتاج إلى مجاهدة ومكابدة للنفس يغلب فيها الذكر على النسيان. فبقدر الذكر يكون التذكر، والتذكر يحقق العودة إلى الأخلاق الفطرية المودعة في ذاكرته الروحية، خصوصًا إن كان الذكر بأسماء حسنى وصفات عليا؛ إذ بتضافر الفعل الخُلقي مع الفعل الخَلقي يكون الإنسان إنسانًا، فالإنسان ما خُلق إلا ليتخلَّق.

وبما أن الأخلاق تُعتبر أفعالا بدأت مع الخَلق نفسه، كما أن الفطرة هي بالذات هذه الأخلاق والفطرة من الفطور، أي الخَلق، وهو ما يوضِّح اقتران الفعل الخَلقي مع الفعل الخُلقي، لكون الفطرة هي نفسها هذه الأخلاق التي أودعها الخالق سبحانه في خلقه قبل أن يخرجوا إلى عالم الوجود، فمنهم من تخلَّق بأخلاق الفطرة، ومنهم من تخلٌّق بأخلاق مكتسبة، إلا أن هذه الأخلاق المكتسبة على ضربين اثنين: أخلاق موافقة للفطرة، وأخلاق مخالفة لها. ولا شك أن الأخلاق الموافقة للفطرة تلحق بالأخلاق الفطرية، فلا يمكن أن يكون الإنسان خليفة إلا إذا كان قبل ذلك خليقة، وهذا يتوقف على أن يكون خُلقه أسمى، وطَلَبُ السموّ لا يكون بالنظر في النسبي المتناهي، وإنما بالتفكر في المطلق غير المتناهي، وبما أن الوسيلة لمعرفة المطلق الذي ليس كمثله شيء تكون من خلاله صفاته وأسمائه، فإن هذه القيم الأخلاقية التي تسعى لتحقيق السموّ والكمال عند المتخلق بها يلزم أن يكون مصدرها هو تلك المعاني والكمالات المنطوية تحت الأسماء الإلهية، فكيف يمكن أن تكون الأسماء الإلهية مصدرًا للقيم الأخلاقية؟

أهمية البحث ومقاصده:

إن الهدف من البحث يتمثل في محاولة إخراج الإنسان المعاصر من الحالة الاختيانية[3] التي يتخبط فيها، باعتبارها سببًا رئيسًا في مروقه من الدين ابتداءً، وشروده منه انتهاءً، إلى الحالة الائتمانية التي تستر سوأته ناظرًا إليها بعين بصره، وإلباسها الحجاب الأخلاقي الذي يدرأ عنها آفات التكشف ناظرًا إليها بعين بصيرته. ومن ثم يمكن القول إن الحالة الائتمانية توجب عليه التخلي عن معهوده مروقًا وشرودًا، ثم التحلي بما أودع في ذاكرته الغيبية[4] من فضائل الأخلاق ائتمارًا[5] ثم شهودًا. وهذا يستلزم البحث عن الطريقة المثلى التي بإمكانها أن تُحدث التغيير الجذري لأخلاقية الإنسان، ناقلة إياها من جلال حال بؤسها إلى جمال حال أنسها. ولا شك أن التخليق الأمثل الذي يمكنه أن يبعث الإنسان على التخلق والخروج من حالة العُري الأخلاقي، يستوجب أن يكون مصدره نابعًا من المطلق اللامتناهي. إذ لا يفيد في هذا الباب التخلق بالأخلاق الدهرانية[6] التي وضعها الاختياني[7] النسبي المتناهي، ولو أضفى عليه صبغتي التعقيل والعلمنة. حيث إن ما بُني أصله على ما هو فاسد، يتحتم أن يكون ما يتفرع منه أفسدَ منه، وما بالك إن كان الأس باطلا. ينبغي أن نولي وجوهنا قبلة الأصل الذي تنكر له الاختياني في تأسيسه الأخلاقي، وبالخصوص الأصل الخاتم باعتباره صورته الفطرية محفوظة، وبالأخص أعظم ما يمكن أن يُخلِّق إنسانية الإنسان، ألا وهو الكمالات الإلهية المبثوثة في الأسماء الحسنى، لنُظهر بذلك الأساس الديني للأخلاق، وبه يكون إبطال دعوى الفصل الاختياني للأخلاق عن الدين، لتأسيس دعوى تضادها، وهي الوصل الائتماني بين الأخلاق والدين. ولا شك أن السبب وراء هذه الدعوة الأخلاقية الكبرى هو حالة العري الأخلاقي التي نشهدها في الواقع المعيش، حيث وصلت إلى أقصى حدود الانسلاخ من الأخلاق، وهو ما يستوجب درأها بما يفوقها حتى ترجع إنسانية الإنسان إلى أصلها. ولا غرو أنه لا تخلق أسمى من التخلق بالأسماء الحسنى.

إشكالات البحث:

إن الإشكالية الأساس هنا هي أن نبين كيف يمكن أن تكون الأسماء الحسنى أدوات ومعاني تخليقية. إذن فالطرح المفصلي الذي نسعى إلى تأثيل مفاهيمه وتحليل مسلماته، هو أن القيم الأخلاقية مأخوذة على وجه التعيين من الأسماء الحسنى؛ وتحول بيننا وبين الوصول إلى هذا المقصد الجوهري عقبات عدة، أهمها أنه اشتهر القول بأن الأسماء الحسنى معدودة. ومعلوم أن الأخلاق الإنسانية تتكوثر نظرًا لأن الأفعال الإنسانية متكوثرة أيضًا، فيكون التكوثر في هذه تابعًا للتكوثر في تلك، إذ بالأخلاق تنضبط الأفعال وتستقيم. لهذا فنظرية التكوثر الأخلاقي لا تحصر الأخلاق في قيم معدودة كما ترسخ ذلك في المنقول اليوناني أو في مخلفاته السائدة في مجالنا التداولي، بل هي بقدر أفعال الإنسان. كما أن الخُلق الواحد لا ينحد في مرتبة معينة، فبقدر صفاء سريرة المتزكي يرتقي في درجات السلم الأخلاقي داخل الخُلق الواحد، بله في مختلف القيم الأخلاقية، فكيف يمكن أن نجعل ما هو معدود يضبط ما هو غير محدود، أو قل كيف يمكن أن نستمد من الأسماء الحسنى المحدودة في تسعة وتسعين معاني تخليقية لأفعال إنسانية غير محدودة؟

لا غرو أن مفتاح الوصول إلى استكناه أدوات تخليقية من الأسماء الحسنى، يتوقف على تأسيس نظرية أسمائية تفيد تكوثر الأسماء الحسنى كما تتكوثر الأخلاق والأفعال الإنسانية. وهذا الأمر يحتاج إلى إقامة الدليل على هذه الدعوى وتفنيد ما يضادها من دعاوى، ولعل أبرزها دعوى الحصر، وذلك من خلال مسائل ثلاث، فأما الأولى فهي أن الأسماء الحسنى غير متناهية إذ لا تنحدّ ولا تنعدّ، والثانية أن الأسماء الحسنى تُكوِّن وحدة مطلقة، حيث إن الكمالات الإلهية التي في ضمنها تترابط وتتكامل فيما بينها، والثالثة أنها مصدر القيم الأخلاقية.

المطلب الأول

الأسماء الحسنى من التناهي إلى اللاتناهي

 تجدر الإشارة في البداية إلى أن الأحاديث التي ذكرت أسماء الله الحسنى[8] بينها تبديل وتغيير وتقديم وتأخير في الأسامي، إذ لم تتفق الروايات الحديثية على هذه الأسماء اتفاقا كليًا. فيوجد بينها اختلاف في بعضها حسب الروايات المعتمدة، إن لفظًا أو ترتيبًا، فضلاً عن تفرد بعض الروايات بأسماء لم تذكر في غيرها[9]. وقد كشفت دراسة الأسانيد الحديثية عن أن الزيادة التي فيها عد الأسامي من إدراج الرواة[10]، مع صحة الجزء الأول الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ”[11]، فهل يفيد هذا الحديث أن الأسماء الحسنى محصورة في تسعة وتسعين؟ وهل هي معيّنة معروفة أم لا؟ فإن كانت معيّنة فهل الواجب الاقتصار عليها دون غيرها من الأسماء؟ وإن كانت معلومة فأي الأسماء هي؟ وإن لم تكن معينة فهل يجوز تتبعها واستخراجها من القرآن المجيد والحديث الشريف؟

لقد اختلف العلماء في هل الأسماء الحسنى محصورة في تسعة وتسعين، أم أنها تزيد على العدد الوارد في الخبر[12]. ويرجع سبب اختلافهم إلى الاستدلال من هذا الحديث، فذهب البعض إلى أن ظاهره يقتضي أن لا اسم لله تعالى غير التسعة وتسعين إذ لو كان له تعالى غيرها لم يكن لتخصيص هذه العدة معنى. وهذا ما قرره ابن حزم الظاهري حيث ذهب إلى أن لله تسعة وتسعين اسمًا ومن زاد عليها فقد ألحد، حيث قال: “له تعالى تسعة وتسعين اسمًا مئة غير واحد، وهي أسماؤه الحسنى، من زاد شيئًا من عند نفسه فقد ألحد في أسمائه[13]، وهي الأسماء المذكورة في القرآن والسنة.. وقد صح أنها تسعة وتسعون اسمًا فقط، ولا يحل لأحد أن يجيز أن يكون له اسم زائد لأنه – عليه السلام – قال: “مئة غير واحد” فلو جاز أن يكون له تعالى اسم زائد لكانت مئة اسم، ولو كان هذا لكان قوله – عليه السلام – “مئة غير واحد” كذبًا ومن أجاز هذا فهو كافر”[14].

ويظهر من هذا النص أن ابن حزم شدَّد الوعيد على من قال بأن الأسماء الحسنى تزيد على تسعة وتسعين، فالزيادة عنده تقتضي الإلحاد في الأسماء لعدم ثبوت ذلك في الخبر المنقول عنه عليه السلام، حيث فهم منه الفقيه الظاهري أنها تسعة وتسعون فقط، حيث حمل هذا العدد على وجه الحصر، معتبرًا القائل بالزيادة على هذا العدد كافرًا. كما أنه أشار إلى أن إحصاءها يتأتى عن طريق تتبعها في القرآن العظيم والسنة الشريفة.

ويمكن أن نورد على هذا التأويل الذي حمل العدد المذكور على وجه الحصر الاعتراضات الآتية:

– يرجع سبب الاختلاف في القول بالتناهي أو اللاتناهي لمسألة الاستدلال من الحديث. فمن اعتبره قضيتين ذهب إلى القول بالحصر، ومن اعتبره قضية واحدة ذهب إلى القول بعدم التناهي. فالقصد أن إحصاء تلك التسعة والتسعين يورث الجنة، لا أن الله -عزت أسماؤه- ليس له إلا تسعة وتسعين اسمًا. ونعرض في هذا المقام جملة من أقوال العلماء الذين قالوا بعدم الحصر، نورد بعضها كالآتي:

قال الخطابي: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا” فيه إثبات هذه الأسماء المحصورة بهذا العدد، وليس فيه نفي ما عداها من الزيادة عليها، وإنما وقع التخصيص بالذكر لهذه الأسماء؛ لأنها أشهر الأسماء، وأبينها معاني وأظهرها، وجملة قوله: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة” قضية واحدة لا قضيتان، ويكون تمام الفائدة في خبر “إنّ” في قوله: “من أحصاها دخل الجنة”، لا في قوله: “تسعة وتسعين اسمًا”، وإنما هو بمنزلة قولك: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة. وكقولك: إن لعمرو مئة ثوب من زاره خلعها عليه. وهذا لا يدل على أنه ليس عنده من الدراهم أكثر من ألف درهم، ولا من الثياب أكثر من مئة ثوب، وإنما دلالته: أن الذي أعده زيد من الدراهم للصدقة ألف درهم، وأن الذي أرصده عمرو من الثياب للخلع مئة ثوب”[15].

وقال أبو بكر بن العربي: “إن هذا الحديث فيه إثباتُ هذه الأسماء، وليس فيه نفيُ ما عداها، والدليل عليه أن هذا الكلام هو قضية واحدة لا قضيتان، ومعنى ذلك أنَّ خبر إنَّ – وهو الفائدة- في قوله: “من أحصاها”، فكأن الباري تعالى أراد أن يُعرِّفَ عبادَه أن التسعة والتسعين إذا أحصيت أوْرثَت الجنة، لا أن يعرف أن له تسعًا وتسعين اسمًا خاصَّةً، كقولك: لزيد ثوبان حَسنان للجمعة، لا يمنع أن يكون له غيرهما، والدليل القاطع وُجدانُنا له نَيِّفا على مئة اسم”[16].

وذهب ابن تيمية إلى أنه “يدل على أن له أسماء استأثر بها، وذلك يدل على أن قوله: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة، وإن في أسمائه تسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة”، كما يقول القائل: إن لي ألف درهم أعددتها للصدقة، وإن كان ماله أكثر من ذلك، ولله في القرآن، قال: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف: 180]. فأمر أن يدعى بأسمائه الحسنى مطلقًا، ولم يقل: ليست أسماؤه الحسنى إلا تسعة وتسعين اسمًا”[17].

وتبعه في ذلك ابن القيم فقال: “من أحصاها دخل الجنة” صفة لا خبر مستقبل. والمعنى له أسماء متعددة من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة، وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها. وهذا كما تقول لفلان مئة مملوك وقد أعدهم للجهاد فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد وهذا لا خلاف بين العلماء فيه”[18].

وأبرز طه عبد الرحمن أنه لا يلزم من صيغة الحديث البتة “أن هذا العدد حصري ينفي ما عداه كما إذا قيل: “إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا [فقط]”، وإنما الذي يلزم منه هو أن الذي يحصي هذا العدد بعينه يدخل الجنة.. فدخول الجنة منوط بالإحاطة بهذا العدد، فيبقى مصيرُ من نقص من هذا العدد أو زاد عليه غير معين ولو أن احتمال دخول الجنة في حال الزيادة أكبر منه في حال النقصان”[19].

ويؤيد هذا التأويل ما ثبت عن النبي عليه السلام أحاديث وأدعية تشير إلى أن وجود أسماء أخرى لا نعلمها أو خَصًّ الله تعالى بها عباده المصطفين أو استأثر بها في علم الغيب عنده، كما جاء في دعائه عليه السلام:

“اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ أَعْلَمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأَثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي”[20].

كما ثبت في الصحيح أن من دعائه عليه السلام: “اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”[21].

وفي هذا الحديث الشريف أخبر النبي الكريم أنه “لا يحصى ثناء عليه ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها فكان يحصي الثناء عليه لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه”[22]، فالأسماء الحسنى إذن “لا تدخل تحت حصرٍ ولا تحد بعددٍ، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، كما في الحديث الصحيح.. فجعل أسماءه ثلاثة أقسام:

    – قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزل به كتابه.

– وقسم أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده.

– وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يُطلع عليه أحدًا من خلقه”[23].

وقد أشار الرازي إلى أن بعضهم جعل أسماء الله تعالى تبلغ الألف في القرآن، بل الآلاف في الكتب المنزلة، حيث قال: “لله تعالى أربعة آلاف اسم: ألف منها في القرآن والأخبار الصحيحة، وألف منها في التوراة، وألف في الإنجيل، وألف في الزبور، ويقال: ألف آخر في اللوح المحفوظ، ولم يصل ذلك الألف إلى عالم البشر، وأقول: هذا غير مستبعد، فإنا بينا أن أقسام صفات الله بحسب الأسلوب والإضافات غير متناهية”[24].

ويتضح مما تقدم أن من أحصى تسعة وتسعين من أسمائه الحسنى دخل الجنة، وليس المقصود أنه ليس له إلا تسعة وتسعون اسمًا فقط، فيكون التخصيص لأجل الفوز بالجنة[25]، كما أن الكلام في الحديث الشريف جملة واحدة، لهذا لم يتحرجوا في التصريح بأنه لا حد لأسماء الله الحسنى، فها هو الألوسي يقول: “والذي أراه أنه لا حصر لأسمائه عزت أسماؤه في التسعة والتسعين”[26]. ومن ثم يتأكد أن ظاهر الحديث يقتضي أن من أحصى تلك التسعة والتسعين على وجه التقديس والتعظيم فاز بالجنة، وإن كان له تعالى أسماء أخرى.

ونستفيد من هذه المسألة أن الأسماء الحسنى مبنية على التوقيف لا على القياس- وهذا خلاف قول المعتزلة البصرية في إجازتها إطلاق الأسماء عليه بالقياس- لأن العقول قاصرة ولا تستقل بذواتها في إدراكها، إذ لا حكم لها إلا في الحقائق والمعاني. أما الألفاظ والعبارات فيدل عليها السمع، فلو كان الأمر كذلك لأدرك العقل الأسماء التي استأثر بها المولى سبحانه في علم الغيب، ومن ثم يكون طريق معرفتها هو تتبعها في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا هو المختار عند الأشعري. وذهب أبو بكر بن العربي إلى أن التوقيف يكون فيما طريقه الإثبات، كقولنا عالم، وقادر، وحي، ونحو ذلك. أما باب النفي فلا يحصره ضبط، كقولنا: إنه ليس بكذا في كل معنى لا يجوز عليه سبحانه أو فيه تشبيه بخلقه، أو تكذيب في خبره، أو تجوير في فعله، وليس لذلك ضبط، وإنما مطلق العبارات في كل مستحيل على الله تعالى. والمختار عند الغزالي أن كل ما يرجع إلى الاسم فذلك موقوف على الإذن، أما ما يرجع إلى الوصف فلا يقف على الإذن، إذ الصادق منه مباح دون الكاذب[27].

وذكر الغزالي أنه “لو جوز اشتقاق الأسامي من الأفعال فستكثر هذه الأسامي المشتقة لكثرة الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى في القرآن، كقوله تعالى: (يَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62]، و(يَقْذِفُ بِالْحَقِّ) [سبأ: 48]، و(يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) [الحج: 17]، و(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) [الإسراء: 4]، فيشتق له من ذلك الكاشف والقاذف بالحق والفاصل والقاضي”[28].

وتابعه طه عبد الرحمن على نفس المنوال وأبرز أن القرآن الكريم يتضمن “من صفات الله ومن معانيها ما يربو عددُ أسمائه على التسعة والتسعين المسرودة؛ فهناك الأسماء التي نص عليها باللفظ مثل: “الرب” و”رب العالمين” و”ملك يوم الدين” و”عالم الغيب والشهادة” و”رب المشارق والمغارب” و”بديع السموات والأرض” و”رب العرش العظيم” و”ذو العرش” و”رب الفلق” و”فالق الحب والنوى” و”فالق الإصباح” و”جاعل الليل سكنا” و”نور السموات والأرض” و”أهل التقوى وأهل المغفرة” و”ذو الطول”؛ وهناك أيضًا الأسماء المنصوص عليها والمشتقة من نفس الجذر الذي اشتُقَّت منه بعض الأسماء الحسنى المتواترة نحو “الأحد” و”الشاهد” و”الحافظ”؛ وهناك كذلك الأسماء التي يمكن أن نشتقها من أفعال تكرَّر ذكرها في كتاب الله، لفظًا أو معنى نحو “المنشئ” و”الصانع” و”الممد” و”الممسك” و”شارح الصدر” و”واضع الوزر” و”رافع الذكر”، و”المختار” و”المجتبِي” و”المطاع”[29].

ويلاحظ أن المنهج الذي اعتمده في استخراجه للأسماء الحسنى من القرآن الكريم يتخذ عدة أشكال، وهي:

الأول: تتبع الأسماء المنصوص عليها باللفظ.

الثاني: تتبع الأسماء الحسنى المنصوص عليها والمشتقة من نفس الجذر الذي اشتُقَّت منه باقي الأسماء الحسنى الأخرى التي ثبت تواترها.

الثالث: تتبعها عن طريق اشتقاقها من الأفعال التي تكرر ذكرها في القرآن المجيد لفظًا.

الرابع: اشتقاقها عن طريق إضافة كل شيء إلى الله عزت أسماؤه.

ويُفهَم هذا الشكل الرابع من قوله الذي أشار فيه إلى “أن اسم “الملك” أو “المالك” ليس واحدًا من الأسماء الحسنى فقط، بل هو أيضًا الاسم الذي ينسب الأسماء الحسنى إلى مسماها العلي العظيم، بدءًا من المُلك نفسه، إذ هو “مالك الملك”، وكذا بالنسبة إلى بقية الأسماء، فالمحيي، مثلا، هو “مالك الحياة” والمميت هو “مالك الموت” والنافع هو “مالك النفع” والضار هو “مالك الضر”..، بحيث يمكن أن نَجري على نفس المنوال، فنشتق أسماء أخرى بإضافة كل شيء سبحانه، إذ هو مالك كل شيء كما يلي: “مالك الليل والنهار” و”مالك الشمس والقمر” و”مالك النور والظلام” و”مالك الهداية والضلالة”؛ وبالإضافة إلى لفظ “مالك”، صيغت المالكية الإلهية بأدوات وألفاظ أخرى منها “لام الملك” مقدَّمةً كما في قوله تعالى: (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ)، أي هو الملِك والحميد، أو مؤخَّرةً كما في قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ)؛ ومنها أيضًا اسم “رب” كما في الأسماء: “رب العالمين” و”رب العرش” و”رب العزة”؛ ومنها كذلك اسم “ذو” كما في قوله تعالى “ذو الجلال والإكرام” “ذو العرش المجيد” “ذو الفضل العظيم” و”ذو القوة المتين” و”ذو الرحمة” و”ذي الطول” و”ذي المعارج”؛ وقد نستعمل نفس الأدوات في اشتقاق عدد غير محدود من الأسماء كالتالي: “رب الجنة والنار” و”رب الحشر والحساب” و”رب الغفران والرضوان” و”رب العز والإذلال” أو “ذو الملك والملكوت” و”ذو الرحمة والنفخة” و”ذو الإرادة والقدرة” “ذو الخلق والأمر”[30].

الخامس: التوسيع في شرح الأسماء الحسنى التي لم يُوفِّيها الشراح حقها من البيان مع وقوعهم في تخصيصها.

وقد مثل لهذا الشكل الخامس باسم الله “الواسع”، حيث ورد في القرآن المجيد بصيغة العموم كما في الآية الكريمة: (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54]، أو الآية: (وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) [النساء: 130]، وبصيغة التخصيص عن طريق الإضافة كما في الآية الكريمة: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) [النجم: 32]، أو عن طريقة النعت كما في قوله سبحانه: (فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ) [الأنعام: 147]، كما ورد ذكره في الحديث الشريف، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ”[31]، ويدل هذا الاسم على أن السعة الإلهية تشمل كل شيء، ومن هنا جوَّز أن نعدّ من الأسماء الحسنى “واسع العلم” و”واسع الحكمة” و”واسع المغفرة” و”واسع الرحمة” و”واسع القدرة” و”واسع الكرسي” و”واسع الخلق” و”واسع السمع” و”واسع البصر” و”واسع الكلام” الخ، وهذه السعة الإلهية التي ليس لها طرف تنتهي عنده، هي بالذات ما اصطلح عليه باسم “اللاتناهي”[32].

فبما أن مقام الألوهية مقام اللاتناهي فيلزم من ذلك أن الأسماء الحسنى غير متناهية، لأن الكمالات والتجليات الإلهية غير متناهية، فوجب أن يكون لله تعالى من الأسماء الحسنى بقدر هذه الكمالات والتجليات. وواضح أن هذا المنهج يجعل الأسماء الحسنى تتكوثر ولا تدخل تحت حصر ولا تُحد بعدد، فضلاً أن منها ما علَّمه الله سبحانه للخاصة من خلقه، ومنها ما استأثر به -عزت أسماؤه- في علم الغيب عنده.

وبعد أن تقرر عدم تناهي الأسماء الحسنى فما المقصود بإحصائها في الحديث الشريف، هل العدُّ، أو الحفظ، أو الفهم، أو المعرفة، أو العمل؟

اختلف العلماء في تحديد معنى الإحصاء ويمكن إجمال أهم تأويلاتهم لمعنى الإحصاء ودلالاته فيما يلي[33]:

1- الإحصاء بمعنى العدّ، أي عدها لاستيفاء حفظها، كما في قوله تعالى: (وَأحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدَاً) [الجن: 28]، ويجوز أن يكون معناه من عدَّها من القرآن لأن هذه الأسامي كلها مُفرقة في القرآن، فكأنه يريد أن من عانى في تتبعها وجمعها منه دخل الجنة، نظرًا لحصول الكُلفة والمشقة.

2- الإحصاء بمعنى الطاقة، كما في قوله تعالى – سبحانه-: (عَلِمَ أنْ لَنْ تُحْصُوْهُ) [المزمل: 20]، أي: لن تطيقوه، فيجوز أن يكون معناه من أطاق تمييزها أوتفهَّمها.

3- الإحصاء بمعنى العقل والمعرفة، فيكون معناه أن من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة، مأخوذ من الحصاة، وهي العقل، قال طَرَفَةُ:

وإن لِسَانَ المَرْءِ مَا لم تَكُنْ لَهُ… حَصَاةٌ عَلَى عَوْرَاتِهِ لَدَلِيْلُ[34]

والعربُ تقولُ: فلان ذو حَصَاةٍ، أي: ذو عقلٍ، ومعرفةٍ بالأمور، فيجوز أن يكون معناه من عقَلَها وتدبر معانيها.

4- الإحصاء بمعنى أن يقرأ القرآن حتى يختمه فيستوفي هذه الأسماء كلها في أضعاف التلاوة.

5- الإحصاء بمعنى الحفظ، وقد ورد في روايات أخرى: “مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ”[35]، وهو ما يعضد هذا المعنى، كما روي: “لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ”[36]، واختلف في معنى حفظَها: فقيل معناه: الاعتقاد الحسن والعمل الصالح، وقيل المراد به: من علمها وكان عالمًا بعددها.

وهذا لا يمنع من الجمع بين هذه المعاني الخمسة فيكون فضلها حاصلاً لمن عدها أو حفظها أو فهمها أو عرفها أو عمل بها، لكن قد يذكرها الكافر حاكيًا لها ولا يكون من أهل الجنة، إذ لا بد من عدّها وحفظها وأن يتضمن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والعبرة في معانيها.

وذهب ابن العربي إلى أن المراد بها “من علمها، وكل عالمٍ عادٌّ، وكل عادٍّ عاملٍ، فتكمُل له الفائدة، أو غير عاملٍ فتُنقصُ، وكلُّ عاملٍ مفيدٌ سواهُ أو غير مفيدٍ، فيُنْمى فضلُه ويَتعدَّى، أو يقف فلا يتحدَّى”[37].

وفرَّق القونوي بين معناها عند علماء الظاهر وبين معناها عند أهل الله، فقال: “الإحصاء عند علماء الظاهر بمعنى العلم، وهو معرفة ألفاظها ومعانيها، والعثور على حقائق نتائجها وآثارها. وعند أهل الله الاتصاف بها، والظهور بحقائقها، والعبور على مدارج نتائجها، بحيث يصدُقُ عليهم إطلاق أعيانها.. ويَنْصبِغون بصَبْغ آثارها في سلوكهم على مناهج السنن المشروعة، وسيرهم على مدراج طريقة أهل الولاية، والتخلُّقُ بالأخلاق الإلهية، ويصير ذلك قربة لهم إليه، ووسيلة لديه”[38].

وانطلاقًا من هذين النصين فإن أعلى مراتب إحصائها هو العمل بها، ولا يتأتى العمل بها إلا عن طريق الدعاء بها والاتصاف بها في السلوك الإنساني، أي التخلُّق بها، إذ بالأخلاق تجمُل خليقة الإنسان وترتقي في مراتب الكمال الإنساني، والتجرد منها يهوي به في درك البهيمية؛ لأن الأخلاق هي المعيار الفاصل بين الإنسان والبهيمة، ولا غرو أن أحسن الأخلاق ما انبنى على الأسماء الحسنى.

ونستخلص مما تقدم النتائج الآتية:

– لم يثبت عن النبي عليه السلام تفسيرًا للأسماء أو تعديدًا لذكرها.

– إن أسماء الله تعالى يعزب حصرها ويطول متابعة ذلك في كتاب يزمها، فمنها ما هو جليّ ومنها ما هو خفيّ ومنها ما هو مستتر.

– إن الأسماء الحسنى على خلاف القول المشهور، لا نهاية لعددها ولا لكمالاتها، إذ لا يمكن أن تتناهى أسماء الله تعالى لأن مدائحه وفواضله وكلماته وحكمه غير متناهية: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان: 27].

– إن عدم تناهي الأسماء الحسنى على رتب ثلاث: عدم تناهي ألفاظ الأسامي القدسية، وعدم تناهي المعاني الملكوتية الموضوعة لها في الأصل، وعدم تناهي المعاني التي تلزم عن كل معنى من المعاني الموضوعة لها في الأصل سواء كانت حقيقة أو مجازية.

– إن إحصاء الأسماء الحسنى على رتب متعددة كلها تتضمن معاني التقديس والتعظيم، تبدأ من العدّ والحفظ والمعرفة، مرورًا بالتفهم والتعقل والتدبر، وانتهاءً بالعمل والتخلق، باعتبارها أصلاً للقيم الأخلاقية.

المطلب الثاني

الأسماء الحسنى أساسًا للقيم الأخلاقية

 إن المسعى الذي نود تأثيث براهينه هو أن الأسماء الحسنى هي مستودع الأخلاق التي بها قوام تخلُّق الإنسان. وقد ثبت أن الأسماء الحسنى أسماء متكوثرة لا تُحدُّ بحدٍّ ولا تقف عند عدد، وكما أنه لا توجد نهاية لألفاظها فلا توجد أيضًا نهاية لكمالاتها ومعانيها. مع العلم بأن الأخلاق هي أيضًا متكوثرة بقدر الأفعال الإنسانية، فَتحْت كل فعل إنساني خلق أو أخلاق؛ وفي هذا المقام نودُّ إثارة بعض القضايا التي قد تلتبس على الأذهان وتثويرها دفعًا للأوهام، مع مزيد من النقد والتمحيص، حتى يقوم الدليل على أن القيم تؤخذ من الأسماء الحسنى، ولعل من أبرزها سوء فهم معنى الحكمة التي تناقلها أهل الذوق وهي قولهم: “تخلقوا بأخلاق الله”[39]، حيث اعتقد بعض العلماء أن فيها تأثرًا بتعريف الفلسفة أو الحكمة المشتهر عند بعض الفلاسفة ومقالتهم في السعادة، وقد نُقل في التداول الإسلامي بالصيغة الآتية: “الفلسفة: التشبه بالإله بحسب الطاقة البشرية؛ لتحصيل السعادة الأبدية”[40]، أما أصله فموجود عند أفلاطون حيث قال: “الفلسفة هي التشبه بالآلهة بقدر الطاقة الإنسانية”[41].

وعلى الرغم من أن ابن تيمية من زمرة المعترضين إلا أننا نفهم من كلامه أن الذم موجه لمن قصد بلفظ التخلق التشبه بالله، بل ذكر أن هذا الأثر “قد يفسر بمعنى صحيح يوافق الكتاب والسنة فإن الشارع قد ذكر أنه يحب اتصاف العبد بمعاني أسماء الله تعالى كقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله جميل يحب الجمال”[42]، “إنه وتر يحب الوتر”[43]، “إنه طيب لا يقبل إلا طيبًا”[44]، “الراحمـون يرحمهـم الرحمـن”[45]، “إنك عفـو تحب العفـو فاعف عني”[46]، “إن الله نظيف يحب النظافة[47][48].

كما اعتبَر أن الذين انتقدوا ما ذكره الغزالي في التخلق “بالغوا في النفي حتى قالوا ليس لله اسم يتخلق به العبد”[49]، وفي هذا السياق أشار إلى أن “من أسمائه وصفاته ما يحمد العبد على الاتصاف به كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر”[50]. وحتى يترسخ موقفه في هذه القضية نورد نصًا آخر فصَّل فيه الكلام حيث قال: “وبالجملة فالاتصاف والتخلق والتعبد بما أحب الله من العباد الاتصاف به وهو من صفاته كالعلم والرحمة والإحسان والجمال الشرعي ونحو ذلك هو حق كما دل عليه الكتاب والسنة، بخلاف الكبرياء ونحوه فإنه قد ثبت في الصحيح أن الله يقول: العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدة منها عذبته[51].

وصفات الله نوعان نوع يختص به كالإلهية فليس لأحد أن يتصف بذلك، فإنه لا إله إلا الله، ونوع يتصف عباده منه بما وهبه لهم كالعلم والرحمة والحكمة، فهذا وإن اتصف به العبد فالله تعالى لا كفوا له سبحانه فهو منزه عن النقائص مطلقًا ومنزه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات كماله، بل هو موصوف بصفات الكمال على وجه التفصيل وهو منزه فيها عن التمثيل”[52].

ففي هذا النص أورد لفظ التخلق دون تحرج في استعماله، حيث جعله مرادفًا للاتصاف والتعبد. ومن هنا يتضح أن الإشكال المثار حول هذا الأثر يدور حول أمرين اثنين: فأما الأول فهو خشية استعمال لفظ التخلق للدلالة على التشبه، والثاني مرتبط بالأول، أي تأويله بمعنى فاسد يُخلُّ بمقصوده. فالإشكال إذن واقع في اللفظ لا في المعنى، ولا أدل على ذلك من وجود ما يفسره بمعنى صحيح من الكتاب والسنة، وقد أشار إلى ذلك ابن تيمية. كما فضّل ابن القيم بين الألفاظ المستعملة في هذا الباب وأبرز أن “أشدها إنكارًا عبارة الفلاسفة وهي التشبه، وأحسن منها عبارة من قال: التخلق، وأحسن منها عبارة من قال التعبد[53]، وأحسن من الجميع الدعاء وهي لفظ القرآن”[54].

ونستنتج مما تقدم أن المعترضين على الرغم من أخذهم مسافة من هذا الأثر المنقول عن بعض العارفين، إلا أنهم وجدوا له معنى صحيح في الكتاب والسنة، وبينوا أن الله سبحانه يُحب أن يتصف عبده بمعاني أسمائه الحسنى، وفرقوا بين ما ينبغي الاتصاف به وبين ما لا يجوز التخلق به. كما استعملوا في مواطن من كتبهم لفظ التخلق دون تحرج في استعماله اللفظي للدلالة على الاتصاف بمعاني الأسماء الحسنى، فدلَّ ذلك على أن المقصود بالتخلق بأخلاق الله تعالى، هو الاتصاف بمعاني أسمائه الحسنى -عزت أسماؤه-، فالتوظيف السيء للألفاظ لم يقع في مثل هذه الحكمة وإنما وقع أيضًا لألفاظ الكتاب والسنة، لكن تبقى العبرة بالمقصد والمعنى لا باللفظ والمبنى.

ينبني التخلق بالأسماء على ثلاث أسس: أولها التعلق بها، باعتبارها دالة على الذات الإلهية، والثاني التحقق بها عن طريق معرفتها وإحصاء معانيها، والثالث التخلق بتلك المعاني في السلوك الإنساني، فالتعلق يتجلى في شعورك بمعنى الاسم، ويعبر عنه أهل السلوك بالافتقار إليها مطلقًا من حيث هي دالة على الذات، والتخلق أن يقوم بك معنى الاسم، عن طريق معرفة معانيها بالنسبة إليه سبحانه وبالنسبة إليك، والتحقق أن تعنى في معنى الاسم، فتنسب إليك على ما يليق بك، كما تنسب إليه سبحانه ما يليق به.

وذهب شراح الأسماء الحسنى إلى جواز التخلق بجميع أسمائه تعالى، إلا اسم الله، ومنهم من ألحق به اسم الرحمن، ومنهم من توسع في ذلك فمنع التخلق بالأسماء الدالة على الكبرياء والعظمة، ويقول علي وفا في هذا السياق: “للعبد بأسماء الحق تعالى تعلق وتحقق وتخلق، فالتعلق افتقارك مطلقًا من حيث ماهي دالة على الذات، والتحقق معرفة معانيها بالنسبة إليه سبحانه وبالنسبة إليك، والتخلق أن ينسب إليك على ما يليق به كما تنسب إليه سبحانه على ما يليق به، فجميع أسمائه سبحانه يمكن تحققها والتخلق بها إلا الله عند من يجريه مجرى العلمية، فيقول إنه للمتعلق خاصة إذا كان مدلوله الذات”[55]، فمن رأى أن اسم “الله” بمنزلة العلم منع من التخلق بها، إذ التخلق اكتساب النعوت، ومن رأى أنها اسم لمجموع الصفات الإلهية جوز التخلق به كسائر الأسماء الإلهية، والأصوب عدم التخلق به.

وهناك من ذهب إلى أن المؤمن تجتمع فيه الصفات المتناقضة؛ لأنه ليس له طبع واحد، إنما الموقف والتكليف هو الذي يصبغه ويلويه إلى الصفة المناسبة، فالتخلق بأخلاق الله أن يكون المؤمن قويًا على الظالم، ضعيفًا متواضعًا للمظلوم، على حَدِّ قول الله تعالى في صفات المؤمنين: (أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) [الفتح: 29]، وقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين) [المائدة: 54]، كما استنبط من قوله سبحانه: (وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ) [القصص: 77]، أن الحق سبحانه يريد أنْ يتخلَّق خَلْقه بخُلُقه، فكما أحسن الله إليهم يجب أن يُحسنوا إلى الناس، وقال سبحانه: (أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ) [النور: 22]، فكما تحبون أن يغفر الله لكم، فكذلك اغفروا لمن دونكم إساءتهم [56]، فالمتخلق بالأسماء الحسنى ينبغي أن يكون خيره يتعدى للناس إشعارًا بحبّ الخير والنفع للبشرية، وإدلالاً على توافر صفة الرحمة في قلب المسلم لكل إنسان، فيعفو عن الهفوات والزلات والمزالق، فإن فعل، فالله يعفو عنه ويستر ذنوبه، ويدل على هذا قوله عليه السلام: “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ”[57]، وقال: “لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ”[58]، وقال أيضًا: “إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ”[59]، فالعبد لا يصل إلى هذه المرتبة إلا إذا اتصف بمعاني الأسماء الحسنى كالرحيم والغفور والعفو والمحسن، فالواجب على المتخلق أن يتخلق بما يقدر عليه منها، كأن يتخلق بالحلم من صفة الحليم وبالعفو من صفة العفو وبالكرم من صفة الكريم وباللطف من صفة اللطيف ونحو ذلك، بحيث يكون دائم التعلق بأسمائه وصفاته، ومن هنا يتبين أن الأسماء الحسنى هي منبع القيم الأخلاقية.

ويعضد هذا الطرح أننا نجد في بعض كتب شرح الأسماء الحسنى التركيز على مسألة التخلق بمعاني الأسماء، إذ التخلق بها يحقق سعادة العبد ويجعل أخلاقه وفق التي هي أقوم. وقد عبر بعض شراح الأسماء الحسنى عن هذه الحقيقة بقولهم: “ليس المقصود من شرح أسماء الله تعالى إلا سعادة العبد بالتخلق والتحلي بمعاني الأسماء والصفات”[60]. ومن أفضل الكتب التي اعتنت بمسألة التخلق ابن برجان، حيث استعمل لفظ التعبد بدل لفظ التخلق، ويقرب المعنى من طريقين طريق الاعتبار وطريق التعبد. وأيضا علي وفا في كتابه “المدخل إلى معرفة الأسماء الإلهية”، حيث يتطرق إلى الأسماء الحسنى من ثلاث جهات، وهي جهة التعلق وجهة التحقق وجهة التخلق. ونلمس هذا المُعطى عند القرطبي أيضًا، ولنضرب مثالاً يوضح ما نحن بصدده حيث قال: “والمعافاة أن يُعافى العبد من شر الخلق ويُعافيهم من شره، فمن عرف أن الله سبحانه عفوٌّ طلب عفوه ومن طلب عفوه تجاوز عن خلقه، قال الله سبحانه: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22]”[61].

وبما أن الإسلام هو خاتم الأديان وأشرفها، فإن الله تعالى أعطاه أقوى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء كما روي عنه عليه السلام: “لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ”[62]، فينزل بذلك منزلة الأصل الذي تتفرع عنه باقي الأخلاق. كما أن هذا الخُلق مشتق أيضًا من اسم من أسماء الله الحسنى وهو “الحيي”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ”[63]، وقال كذلك: “إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَبْسُطَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا خَائِبَتَيْنِ”[64].

ومن ثمة فإن التخلق لا يحصل إلا بالأسماء الإلهية، فهي المصدر التي تُؤخذ منه القيم أخذاً مباشراً، أي استبصارًا. كما أنها هي المورد الذي ترجع إليه؛ ولما تنزلت الشريعة الدينية على مقتضى هذه الأسماء الإلهية، صار من اللازم أن تؤخذ هذه القيم من أحكامها أخذاً غير مباشر، أي استدلالاً، فاسم الرحيم، مثلاً، هو مصدر قيم الرحمة أو قل هو مأخذها ومرجعها؛ فهو مأخَذها لأن الإنسان لا يُدركها إلا بتجلي الحق باسم الرحيم؛ فلا يعرف الإنسان الرحمة إلا بمعرفة الرحيم، ولا يستمد منها إلا بإمداده؛ وهو، أيضًا، مرجعها لأن الإنسان لا يعمل على وفقها إلا في دوام التردد عليها، مهتديًا بنور الموصوف بها، جل جلاله، فلا يوفي بتمام مقتضيات الرحمة إلا بالوفاء بما يجب في حق الرحيم من الطاعات التي جاءت بها شريعته المنزلة. وبإيجاز، إن الأصل في الرحمة، إدراكاً واشتغالاً بها، هو الرحيم، إمداداً بها وهداية إليها”[65].

و”لا يخفى على ذي لب أن القيم هي المعاني الروحية التي أُعطيت للإنسان لكي يتمكن من العروج بروحه إلى عالم الملكوت؛ والشاهد على صفتها الملكوتية أن هذه المعاني لا توجد في عالم المُلك وجود الأشياء المتصفة بها، فلا نراها بأبصارنا كما نراها؛ فـ”الشيء الجميل”، مثلاً، موجود في هذا العالم، لكن “الجمال” الذي هو صفة له غير موجود فيه، إذ هو، أصلاً، معنى لا يقوم إلا بعالم الملكوت، فيتنزَّل على الشيء، محدِّدا لصورته، رافعًا لرتبته”[66].

فالتخلق بالأسماء الحسنى إذن هو تجربة إحسانية تجمع بين فضائل الروح ومنافع الحس، وتبعث على تجديد وتخصيص طرق التخلق والتخليق التي تُوصِّل إلى معرفة الله سبحانه، وتصل هذه التجربة الحية إلى أعلى مراتبها عن طريق الذكر والتوجه إلى الله بالدعاء بأسمائه الحسنى[67].

ويستخلص مما تقدم “أن القيم إنما هي المعاني الملكوتية التي يستمدها الإنسان من الأسماء الحسنى أو، بالأحرى، التي تُمده بها هذه الأسماء، فقد رجع مدلول عبارة “التخلق بأخلاق الله”[68] إلى “التخلق بالقيم المأخوذة بالاستبصار من أسمائه الحسنى وبالاستدلال من أحكامه العليا”؛ وعندها، تندفع كل شبهة عن هذه العبارة، فضلاً عن عبارة “التشبه بالإله”؛ فالإنسان لا يتخلق إلا بالمعاني التي تتكشف عنها الأسماء الحسنى، أو قل إن الأسماء الحسنى هي خزائن القيم التي بها قوام تخلق الإنسان”[69]، فعلاقة المتخلق بالأسماء الحسنى هي علاقة ائتمان، لا علاقة احتياز، فضلا عن التخلق بها لا يحصل إلا بمتابعة المتخلق الكامل عليه الصلاة والسلام المبعوث بتمام الأخلاق وكمالها، وإخلاص التوجه والقصد إلى البارئ عزت أسماؤه، وهكذا فإن التخلق بهذا المعنى يتجاوز المقاربة الملكية ويتصل بآفاق القرب الملكوتي.

فالقيم المودعة في الأسماء الحسنى إنما هي عبارة عن معان ملكوتية لا يَملك المتخلق أن ينتزعها انتزاعا، بل هو مُؤتمن عليها باعتبارها أمانات سيُسأل عنها يومًا ليس كسائر الأيام هل حفظها أم ضيعها؟ كما أن بنو آدم في تخلقهم يفترقون إلى صنفين، فأما الأول فإنه يتخلق تخلقًا اختياريًا فيستمد قيمه من الأسماء الحسنى؛ أو بالأحرى هي التي تُمدّه بهذه القيم. والصنف الثاني يتخلق تخلقًا اضطراريًا فيزعم أن منبع هذه القيم يرجع إلى عقله، فيكون شأن تخلقهم الاضطراري كشأن تعبدهم الاضطراري الذي توجبه مخلوقيتهم، غير مدركين أن اشتراك الناس في هذه القيم دليل على أنهم فُطروا عليها كما فُطروا على حاجاتهم البشرية من أكل وشراب ومنكح وملبس ومسكن، والتي لا تنضبط إلا بالقيم الفطرية. فيكون التخلق الاختياري مصحوبًا بالثناء والذكر والشكر، ويكون التخلق الاضطراري مصحوبًا بالصد والنسيان والكفر. ويختص التخلق الاختياري بالمؤمنين دون غيرهم، فيستأثرون به لأنه يتوقف على الإيمان ويتفرع عنه، في حين يختص التخلق الاضطراري بغير المؤمنين، إذ لا يتصور أن يخلو منه إنسان ولو كان ملحدًا بموجب ما أودع الخالق سبحانه في فطرته أولا في عالم الملكوت، وبما أودع في عالم الملك من قوانين سبقت بها كلمته. ولا غرابة أن يدّعي البعض بتفوق غير المؤمن على المؤمن في التخلق -إن لم يحرص على التعلق بالشؤون المادية والأمور الدنيوية-، فتخلق أهل الإلحاد فرضته الصورة الظرفية، وهو ما يتساوق مع تسميته اضطراريًا، لكنه يجعلهم محرومون من الأخلاق الاختيارية على الدوام. أما المؤمن فتخلقه يُبنى على الاختيار لا على الاضطرار، كما لا يتعلق بصورة ظرفية، وإنما بصورة أبدية. كما يتفاضل أهل الإيمان في هذا التخلق على حسب درجة أخذهم لهذا التخلق بقوة.

ومن المعلوم أن اتصال الإنسان بالقيمة يسبق إدراكه لها، فضلاً عن العمل بمقتضاها في عالم الملكوت قبل عالم الملك. ففي عالم الملكوت نعرج على اجتهاد خاص بفيلسوف الأخلاق طه عبد الرحمن، حيث ذهب إلى القول بأن الأسماء التي علمها الله تعالى لآدم عليه السلام والتي عرف بها أقدار مسمياتها قد تكون هي القيم عينها، إذ الاسم موضوع بالأصالة للسمو والتقويم وبالتبع للانتساب والتعيين، والسمو إنما هو الخاصية التي تتحدد بها القيمة أصلاً[70]، حيث أبرز أن “لفظ “الاسم” يُحمل على معنيين اثنين، فقد يشتق من لفظ “السمة”، فيكون بمعنى “علامة مميِّزة”؛ وقد يشتق من لفظ “السموّ”، فيكون بمعنى “قيمة مميِّزة”. فمثلاً، حينما أنادي شخصًا ما: “يا عبد الله!”، فليس مقصودي من ذلك تمييزه من غيره بقدر ما يكون أن يحقق هذا الشخص مثالاً أعلى هو “العبودية لله”. وهكذا، فالأسماء التي نحملها هي بمثابة قيم مخصوصة نجتهد في تحقيقها في سلوكنا؛ وعندئذ، يجوز أن نقول بأن الآية المذكورة، أي (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا)، تعني علَّم آدم القيم التي فطر الإنسان عليها وجعله يبني عليها أعماله وتصرفاته في الحياة الدنيا”[71].

وهنا يتبين أن الإنسان قبل أن يدخل إلى عالم الملك فإنه يكون مُزوَّدا بقيم أخلاقية مودعة في فطرته في عالم الملكوت. كما نجد له اجتهادا في هذا الباب ينبني على الاجتهاد الأول، يُبرز فيه أن القيمة تسبق أيضًا إدراكها والعمل بها حتى في عالم الملك، وذلك حينما يتلقى الأبوين مولودهما وهو لا يكاد يرى نور الوجود “وقد تهلَّل وجهاهما فرحاً بمولده، باسم متخيَّر خاص يطلقانه عليه، باسم يضمِّنانه كل تطلعاتهما التي ملؤها المعاني السنية، فيكون الاسم أول قيمة يتزكى بها هذا المولود، فبالاسم، كما ذُكر، يسمو الإنسان أول ما يسمو، حتى كأن الأبوين، وهما يُلقيان بالاسم إلى ولدهما لأول مرة، بل وهما يستمتعان بمناداته به المرة تلو المرة، يقولان له بصيغة الأمر من فعل “سما”: “اسمُ”، علماً بأن هذه الصيغة مجعولة أصلاً لإفادة القيمة، فيكون نداؤهما له قد اصطبغ بالقيمة، شكلا ومضمونًا؛ فهل تكون كلمة “الاسم” مشتقة من فعل الأمر من “سما” بإدخال “ال” التعريف عليه كما يدخل على صيغة المضارع، فيرقى به إلى الاسمية؟ فحتى ولو كان الجواب عن هذا السؤال بالنفي، فلا يمكن أن ننكر المشاكلة الصوتية بين الصيغتين: “الاسمية” و”الأمرية”؛ يترتب على هذا، أن الإنسان لو فَقد اسمه، فلا يفقد هويته الظاهرة للعيان، ولا نَسبه المعروف لغيره، وإنما يفقد قيمته التي يسمو بها؛ ومن لا قيمة له، لا تنفعه هويته ولا نسبه، إلا أن يدَّثر كلاهما أو أحدهما بلبوس القيمة”[72].

وأضاف قائلاً: “وعلى الجملة، فإن صلة الإنسان بالقيمة هي الصورة الأولى التي يتخذها تعامله مع عالم المُلك، فلا يَلجه البتة مجرَّدا كليًا من المعاني الملكوتية التي لا يملك من أمرها شيئاً، حتى ولو وعى ورشد، بل حتى ولو طغى وانتقد؛ وما ذاك إلا لأن هذه المعاني مأخوذة، أصلاً، من الأسماء الحسنى التي تملأ عالم الملكوت نوراً، فتتسامى بالإنسان، منذ لحظة تسميته، إلى درجة أن يظفر بالثناء بما قد يجاوز قدره، لأن ما يراد به من سموٍّ إنما هو من سموِّ هذه الأسماء العظمى، وما يحظى به من ثناء إنما هو من الثناء الذي يستحقه هذا السمو الإلهي الذي لا يتناهى”[73].

وتأسيسًا على هذا الاجتهاد فإن الإنسان بدأت رحلته الملكوتية بإيداع قيم أخلاقية في فطرته، وائتمن على الحفاظ عليها والعمل بمقتضاها، وعند ولوجه إلى عالم الوجود يبدأ رحلته الملكية بالتسمي باسم يتضمن قيمة أو قيم أخلاقية، فإما أن يكون اسماً على مسمى، أو اسماً على غير مسمى، ولا يكون تساميه إلا بقدر سمو أخلاقه، وسمو الأخلاق يتأتى عن طريق التخلق بالأسماء الحسنى التي تجعله محافظًا على أمانة ربه وعلى معنى اسمه، فينال رضا ربه ورضا والديه، فتشمل رحمة ربه بعد عودته إلى عالم الملكوت.

وهكذا فإن المعاني المستمدة من الأسماء الحسنى تورث الإنسان أكمل تخلق، فوجب أن يتخلق بكل اسم من هذه الأسماء على قدر طاقته. والتعبد بالأسماء الإلهية يحقق التخلق الأكمل والتعلق الأمثل، لأنه يُكوِّن ملكة أخلاقية عن طريق تفعيل إيماني وجهد تزكوي، لا يستهدي فيه الإنسان بذاته، وإنما يسترشد فيه بربه من خلال اعتقاده بأنه يشاهد تخلقه ويراقبه، وهكذا يصل المتخلق إلى إدراك حقيقة الألوهية، وهذا ما يجعل التخلق بالأسماء تخلق لا أسمى منه، لأنها ترتقي بالعبد في مدارج التخلق والكمال عن طريق إمداده بقيمها ومعانيها.

خاتمة:

لقد ثبت أن الأسماء الحسنى لا نهاية لعددها، كما لا نهاية لوحدتها وكمالاتها، بل إن الاسم الواحد منها لا يمكن الإحاطة به أو عدّ فضائله أو إحصاء قيمه، لأنها أسماء وكمالات غير متناهية خاصة بالمطلق، ومحال أن يحيط النسبي بالمطلق، وهذا ما يجعلها تتسم بخاصيتين، هما: خاصية التكوثر، وخاصية عدم التناهي. لهذا فإن منتهى الكمالات الإنسانية يتمثل في التخلق بالأسماء الحسنى، إذ الأخلاق هي المعيار الذي تتحدد به ماهية الإنسان، فكما أن تناسب الأعضاء الظاهرة يُعبَّر به عن الخْلق القويم، باعتباره صورة الظاهر، فإن تناسب المعاني الباطنة يعبر به عن الخُلق الحسن، باعتباره صورة الباطن، وبهما معًا يتحدد مفهوم الخليقة. فإذا فقد الإنسان أخلاقه فقد إنسانيته، ومن ثمة فلا يوجد إنسان بلا أخلاق إن اضطرارًا أو اختيارًا، إلا أن طريق الاختيار يتسامى على طريق الاضطرار لأن المتخلق المختار يحرص على الاتصاف بالقيم الأخلاقية المختزنة في الأسماء الحسنى، فتمده بمعانيها بما لا تمد به غيره. أما المتخلق المضطر فقد وهبه الله تعالى بفضل رحمته التي وسعت كل شيء القدر الذي يجعله يحفظ إنسانيته، هذا إن لم يعلن معارضته للأخلاق أن مروقًا أو شرودًا، فينزل من رتبة الإنسانية إلى درك البهيمية، أو إلى مرتبة أقل منها.

وبما أن الشاهد الأعلى أوْدع القيم الأخلاقية في فطرة الإنسان عندما كان في عالم الملكوت، وأنزل الوحي للناس كافة عند نزولهم إلى عالم الملك، بقصد إخبارهم بوجودها في باطنهم وتذكيرهم بما أُودِع في ذاكرتهم الروحية، وإرشادهم إلى التصرف القويم وفقها، فمنهم من أدى الأمانة ومنهم من ضيعها، حيث إن القيم الأخلاقية عبارة عن أمانات ملكوتية، فضلا عن أن الشاهد الأعلى يراقب تخلق العبد، فيحكم عليه بالصحة فيقبله، أو بالفساد فيرده.

لهذا فإن التخلق بالأسماء الحسنى تخلق لا أسمى منه، فالمعاني والكمالات الإلهية التي يمكن استكناهها من الأسماء الحسنى عبارة عن تجليات السمو المطلق الذي تتعلق به هذه الأسماء، التي تتمثل في قيم الكمال والجلال والجمال.

وبناء على ما تقدم يمكن الخروج بالنتائج الآتية:

– إن الأسماء الحسنى لا نهاية لعددها ولا لكمالاتها، إذ لا يمكن أن تتناهى أسماء الله تعالى لأن مدائحه وفواضله وكلماته وحكمه غير متناهية: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) [لقمان: 27]، فمنها ما هو جليّ ومنها ما هو خفيّ ومنها ما هو مستتر.

– إن عدم تناهي الأسماء الحسنى على رتب ثلاث: عدم تناهي ألفاظ الأسامي القدسية، وعدم تناهي المعاني الملكوتية الموضوعة لها في الأصل، وعدم تناهي المعاني التي تلزم عن كل معنى من المعاني الموضوعة لها في الأصل سواء كانت حقيقة أو مجازية.

– إن إحصاء الأسماء الحسنى على رتب متعددة كلها تتضمن معاني التقديس والتعظيم، تبدأ من العدّ والحفظ والمعرفة، مروراً بالتفهم والتعقل والتدبر، وانتهاءً بالعمل والتخلق، باعتبارها أصلاً للقيم الأخلاقية.

– تُكوِّن الأسماء الحسنى وحدة تعاضدية مقترنة فيما بينها، حيث إن الكمالات الإلهية التي تتضمنها تتكامل وتترابط فيما بينها.

– تشكل الأسماء الحسنى مصدر القيم الأخلاقية السامية، فهي الخزائن الحاضنة للقيم المثلى التي لا تنفد، ولا يتأتى تحصيلها إلا عن طريق بلوغ اليقين بهذه الأسماء الإلهية تعلقاً وتحققاً ثم تخلقاً.

– إن الأخلاق الكاملة هي التي تستمد قيمها من الأسماء الحسنى، فيجب على الإنسان أن يطلب هاته القيم ويتخلق بها قدر المستطاع، فمن مميزاتها تجديد حقائق الإيمان في قلب المتخلق توصله إلى معرفة الألوهية، فيزداد بذلك ترشداً وتنوراً واستبصاراً.

– ينبغي إيلاء الأسماء الحسنى المنزلة التي تستحقها في استنباط الأحكام، إذ هي الأصل في تضمن هذه الأحكام للقيم الأخلاقية، كما يلزم من هذا أن تنزل الأخلاق منزلة الضروريات لا منزلة التحسينيات والكماليات، فكل حكم شرعي ينطوي على قيمة أو قيم أخلاقية، فالأخلاق إذن هي الجانب الذي تبرز فيه معقولية الأحكام الشرعية، أي أنها عقل الأحكام.

* * * * *

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*البحث منشور بالكامل في:

سمير فريدي. (2020). الأسماء الحسنى: كيف تكون معاني تخليقية؟. مجلة المسلم المعاصر. ع. 166- 167. ص ص. 25- 72.

**  ماجستير في الحوار الديني وقضايا التجديد – جامعة السلطان مولاي سليمان – المملكة المغربية.

[1] يقصد هنا بعالم الملكوت عالم الغيب.

[2] يقصد بعالم الشهود العالم الذي نزل إليه الإنسان بعدما أخذ العهد في عالم الغيب (عالم الملكوت) بأن يحفظ الأمانة، فهو يقابل عالم الملكوت، ويمكن تسميته بعالم المُلك.

[3] يقصد بالحالة الاختيانية خيانة الإنسان للأمانة التي حملها في عالم الملكوت والتي أقر بحفظها، لكن بمجرد نزوله إلى عالم المُلك تمرَّد. ولا شك أن حقيقة هذه الأمانة عبارة عن أخلاق فطرية، لكن الإنسان الدهراني أعلن انفصاله عن الأخلاق الدينية محاولا إنشاء أخلاق دهرانية من عنديته، حتى وصل به الأمر إلى المروق من الأخلاق كلية.

[4] أي الفطرة.

[5] يقابل مفهوم الائتمار مفهوم الائتمان، فإذا كان الائتمان يبرز فيه جانب الأمانة التي ترتبط بحفظ القيم الأخلاقية، فإن الائتمار يبرز فيه جانب التكليف، ومعلوم أنه لا توجد أمانة بغير تكليف، لكن قد يوجد تكليف ولا ائتمان معه، ومن هنا فإن الائتمان أسمى مرتبة في التحقق بالقيم الأخلاقية من الائتمار.

[6] الأخلاق التي أسسها الدهراني دون الاستناد إلى الدين، حيث يزعم أنها مستقلة عن الدين؛ أي أنها أخلاق بلا دين.

[7] الاختياني هو الإنسان الذي خان حمل الأمانة المتمثلة في القيم الأخلاقية، حيث عمد إلى إنشاء أخلاق لا دينية.

[8] من روايات الحديث التي وردت في شأن عد أسماء الله الحسنى ما ورد في صحيح ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، ومحمد بن أحمد بن عبيد بن فياض بدمشق واللفظ للحسن، قالوا: حدثنا صفوان بن صالح الثقفي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا شعيب بن أبي حمزة، قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة؛ هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، المجيب، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، المتعال، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، المانع، الغني، المغني، الجامع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور”.

أخرجه الحاكم في المستدرك (1/62)(41) و(1/63)(42)، وابن حبان في صحيحه، (3/88)(808) واللفظ له، وابن ماجة في سننه، باب أسماء الله U (2/1269)(3861)، والترمذي في سننه (5/530)(3507)، وابن الأعرابي في معجمه، (2/842)(1735)، والبيهقي في الأسماء والصفات، باب بيان الأسماء التي من أحصاها دخل الجنة، (1/22)(6)، وفي السنن الكبرى، باب أسماء الله U ثناؤه، (10/48)(19817)، وفي الاعتقاد، باب ذكر أسماء الله وصفاته عزت أسماؤه وجل، وباب ذكر بيان صفة الذات وصفة الفعل، وفي شعب الإيمان، (1/207)101).

[9] جاء في أحاديث أخرى أسماء أخرى لم ترد في الرواية المتقدمة منها: الرب، المنان، البارئ، الكافي، الدائم، المولى، النصير، الجميل، الصادق، المحيط، المبين، القريب، الفاطر، العلام، المليك، الأكرم، المدبر، الوتر، ذو المعارج، ذو الطول، ذو الفضل..

[10] دراسة سند الحديث:

روي حديث من ثلاثة طرق عن أبي هريرة.

* الطريق الأول: وهو طريق الحاكم. ولم أجد من أخرجه من هذا الطريق، وفيه عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان أبو سهل مروزي الأصل، و”قال البخاري: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن معين: ضعيف. وقال مسلم: ذاهب الحديث. وقال ابن عدي: الضعف على روايته بين. وأورد له العقيلي في الضعفاء حديث الأسماء. وقال: لا يتابع عليه وفيه لين واضطراب. وقال الآجري: سألت أبا داود عنه؟ فقال: متروك الحديث.

وقال البغوي: ضعيف الحديث. وضعفه علي بن المديني جدا. وقال النسائي في التمييز: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. قال ابن حجر: وأعجب من كل ما تقدم أن الحاكم أخرج له في المستدرك، وقال إنه ثقة.

العسقلاني ابن حجر، لسان الميزان، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، ط: 1، 2002 م، (5/202).

ومما تقدم يتبين أن عبد العزيز بن الحصين ضعيف، وهذا يدل على أن الحديث ضعيف بهذا الإسناد.

* الطريق الثاني: جاء الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة، عند الحاكم ومن وافقه.

وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي، حيث قال في المستدرك: “هذا حديث قد خرجاه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامي فيه، والعلة فيه عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقته بطوله، وذكر الأسامي فيه ولم يذكرها غيره، وليس هذا بعلة فإني لا أعلم اختلافا بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبي اليمان وبشر بن شعيب وعلي بن عياش وأقرانهم من أصحاب شعيب، ثم نظرنا فوجدنا الحديث قد رواه عبد العزيز بن الحصين، عن أيوب السختياني وهشام بن حسان جميعا، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي r بطوله”. المستدرك على الصحيحين، (1/62).

وقال الترمذي: “هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان بن صالح: وهو ثقة عند أهل الحديث وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي r ولا نعلم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.

وقد روى آدم بن أبي إياس، هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة، عن النبي r وذكر فيه الأسماء وليس له إسناد صحيح”. سنن الترمذي (5/411-412).

وعلق شعيب الأرنؤوط على رواية ابن حبان قائلا: رجاله ثقات، صفوان بن صالح والوليد بن مسلم: كلاهما صرح بالتحديث إلا انه أعل بالاضطراب، واحتمال ان يكون التعيين مدرجا من بعض الرواة، وبالوقف، “وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي r وإنما كل منهما من كلام بعض السلف فالوليد ذكرها عن بعض شيوخه الشاميين كما جاء مفسرا في بعض طرق حديثه ولهذا اختلف أعيانهما عنه فروى عنه في إحدى الروايات من الأسماء بدل ما ذكر في الرواية الأخرى”. دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية، تحقيق: د. محمد السيد الجليند، مؤسسة علوم القرآن – دمشق، ط: 2، 1404، (2/473)، وينظر: ابن تيمية تقي الدين، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، (6/379-382)، وينظر: ابن تيمية تقي الدين، مجموعة الرسائل والمسائل، تعليق: السيد محمد رشيد رضا، لجنة التراث العربي، (5/125).

وحكم عليها الألباني بالصحة دون عد الأسماء. ينظر: الألباني ناصر الدين، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، با وزير للنشر والتوزيع، جدة – المملكة العربية السعودية، ط: 1، 1424 هـ – 2003 م، (2/197)، كما حكم عليها صاحب المشكاة بالضعف. ينظر: التبريزي ولي الدين، مشكاة المصابيح، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي – بيروت، (2/707).

* الطريق الثالث: وجاء الحديث أيضا من طريق آخر عن أبي هريرة عند ابن ماجه.

وفيه عبد الملك بن محمد، وقال المعلق: “في الزوائد لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا من غيره غير ابن ماجه والترمذي. مع تقديم وتأخير. وطريق الترمذي أصح شيء في الباب قال وإسناده طريق ابن ماجة ضعيف لضعف عبد الملك بن محمد. ينظر: سنن ابن ماجة (2/1269).

ومما تقدم يتبين أن الحديث بسند الحاكم الأول ضعيف، ولكن الطريق الثاني قد صححه الحاكم لأن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ، ووافقه في ذلك الذهبي، كما أشار الترمذي إلى أن صفوان بن صالح ثقة عند أهل الحديث، لكن نجد صاحب المشكاة ضعف رواية الترمذي والبيهقي وفيها الوليد بن مسلم وصفوان بن صالح، وتبعه في ذلك الألباني، حيث ضعف عد الأسماء الواردة فيها، ولم يعللا هذا التضعيف، ويمكن هنا ترجيح ما ذهب اليه الحاكم حيث بين أن العلة التي جعلت صاحبي الصحيحين ترك الأخذ به، هي أن الوليد بن مسلم تفرد بذكر الأسامي فيه ولم يذكر غيره، حيث بين أنه أوثق وأحفظ وأعلم وأجل، وهذا يرجح صحته من هذا الطريق.

وعلى فرض صحة السند فإن الروايات الحديثية اختلفت في عد الأسماء الحسنى على الرغم من الإشارة إلى تسعة وتسعين، فمنها ما نقص عن تسعة وتسعين، كما في معجم ابن الأعرابي، حيث ذكر ستة وتسعون اسما، ومنها ما زاد عن تسعة وتسعين كما في سنن ابن ماجه، حيث بلغ مائة وخمسة، بينما نجد تسعة وتسعين اسما في روايات أخرى كما عند الحاكم وابن حبان والترمذي، كما أن أهل العلم في المعرفة الحديثية ضعفوا الجزء من الحديث الذي فيه عد هذه الأسماء لاحتمال أن يكون من إدراج الرواة وليس من كلام النبي r، هذا إن أخذنا بتعديل الحاكم لرواته، وبالخصوص الوليد بن مسلم، وهذا يبين أن أنها من الموصول المدرج في الحديث عن النبي r في بعض الطرق وليست من كلامه، لهذا تتبعها علماء آخرون في القرآن الكريم واستخرجوها، وقد تكون هذه علة أخرى جعلت الشيخان (أي البخاري ومسلم) لا يأخذان بهذه الزيادة التي فيها عد الأسماء، حيث أخرجا في صحيحهما الحديث دون ذكر الأسماء، ومن هنا يتأكد ضعف الروايات التي فيها تعديد للأسماء الحسنى، وذلك من وجهين: أحدهما: أن أصحاب الصحيح لم يذكروها، والثاني: أن فيها تفسيرا بزيادة ونقصان لا يليق بالمرتبة النبوية.

[11] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، باب ما يجوز من الاشتراط، (3/198)(2736)، وفي كتاب التوحيد، باب إن لله مئة اسم إلا واحدا، (9/118)(7392)، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، (4/2063)(2677).

[12] ينظر: ابن بطال أبو الحسن، شرح صحيح البخاري، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد – السعودية، الرياض، ط: 2، 1423هـ – 2003م، (10/141).

[13] يقصد بالإلحاد في أسمائه سبحانه ما حصل من طرف المشركين، حيث إنهم عدَلوا بها عما هي عليه، فسموا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسموا بعضها “اللات” اشتقاقًا منهم لها من اسم الله الذي هو “الله”، وسموا بعضها “العُزَّى” اشتقاقًا لها من اسم الله الذي هو “العزيز” ومنات من المنّان. ينظر الطبري ابن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، ط: 1، 1420 هـ – 2000 م، (13/282) والثعلبي أبو إسحاق، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق: محمد بن عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ط: 1، 1422، هـ – 2002 م، (4/311).

[14] ابن حزم أبو محمد علي، المحلى بالآثار، دار الفكر – بيروت، (1/50-51).

[15] الخطابي أبو سليمان، شأن الدعاء، تحقيق: أحمد يوسف الدّقاق، دار الثقافة العربية، ط: 3، 1412هـ – 1992م، ص24.

[16] ابن العربي أبو بكر، الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، تحقيق: عبد الله التوراتي – أحمد عروبي، دار الحديث الكتانية، المغرب- طنجة، ط: 1، 1436هـ/2015م، ص195.

[17] ابن تيمية تقي الدين، الفتاوى الكبرى، دار الكتب العلمية، ط: 1، 1408هـ – 1987م، (2/383-384)، وينظر: ابن تيمية تقي الدين، دقائق التفسير، تحقيق: د. محمد السيد الجليند، مؤسسة علوم القرآن – دمشق، ط: 2، 1404ه، (2/473-475)، وابن تيمية تقي الدين، درء تعارض العقل والنقل، (3/332)، وابن تيمية تقي الدين، الحسبة، تحقيق: علي بن نايف الشحود، ط: 2، 1425 هـ – 2004 م، ص320.

[18] ابن القيم شمس الدين، بدائع الفوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، (1/167)، وينظر: فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى، ص40.

[19] طه عبد الرحمن، دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني -1- أصول النظر الائتماني، ص60.

[20] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح، (1/690)(1877)، وقال: “هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله، عن أبيه فإنه مختلف في سماعه عن أبيه”، وابن أبي شيبة في مسنده (1/223)(329)، وأحمد في مسنده، مسند عبد الله بن مسعود (6/246)(3712)، والحارث في مسنده، باب فيمن أصابه هم أو حزن (2/957)(1057)، والبزار في مسنده (5/363)(1994)، والدينوري في المجالسة وجواهر العلم (5/14)(1803)، والشاشي في مسنده (1/318)(282)، وابن حبان في صحيحه (3/253)(972)، والطبراني في الدعاء، باب الدعاء عند الكرب والشدائد، (314/1035)، وفي المعجم الكبير (10/169)(10352)، وابن السُّنِّي عمل اليوم والليلة سلوك النبي مع ربه عز وجل ومعاشرته مع العباد، باب ما يقول إذا أصابه هم وحزن (300/339)، والبيهقي في الأسماء والصفات، باب بيان أن لله جل ثناؤه أسماء أخرى (1/27)(7)، وفي الدعوات الكبير، باب الدعاء عند نزول كرب أو غم (1/269)(184)، وفي القضاء والقدر، باب ذكر البيان أن الله تبارك وتعالى عادل (259/359).

وصححه الألباني، ينظر الألباني ناصر الدين، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، لمكتبة المعارف، ط: 1، 1415 هـ / 1995 م، (1/383)(99).

[21] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (1/352)(486).

[22] ابن تيمية تقي الدين، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ط: 2، 1411هـ – 1991م، (3/333).

[23] ابن القيم شمس الدين، فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى، تحقيق: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، غراس، الكويت، ط: 1، 1424هـ/2003م، ص39-40، وينظر: ابن القيم شمس الدين، بدائع الفوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، (1/166-167)، أو ينظر: ابن القيم شمس الدين، شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1398هـ/1978م، ص277.

[24] الرازي فخر الدين، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ط: 3، 1420 هـ (1/142)، وينظر: الرازي فخر الدين، لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات، عني بتصحيحه محمد بدر الدين الحلبي، المطبعة الشرفية –مصر، 1323هـ، ص71.

[25] ينظر: الغزالي أبو حامد، المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، الجفان والجابي – قبرص، ط: 1، 1407 – 1987، ص167، وينظر: رضا محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م، (9/367).

[26] الألوسي شهاب الدين، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1، 1415هـ، (5/115).

[27] ينظر: ابن العربي أبو بكر، الأمد الأقصى، (1/199-200)، والغزالي أبو حامد، المقصد الأسنى، ص173-175، والبغدادي عبد القاهر، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية، دار الآفاق الجديدة – بيروت، ط: 2، 1977، ص326.

[28] الغزالي أبو حامد، المقصد الأسنى، ص165.

[29] طه عبد الرحمن، دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني -1- أصول النظر الائتماني، ص60-61.

[30] نفسه، ص61-62.

[31] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) النساء: 134، (9/117).

[32] ينظر: طه عبد الرحمن، دين الحياء -1- أصول النظر الائتماني، ص62.

[33] ينظر: الخطابي أبو سليمان، شأن الدعاء تحقيق: أحمد يوسف الدّقاق، دار الثقافة العربية، ط: 3، 1412 هـ – 1992 م، ص26-30، والزجاج أبو إسحاق، تفسير الله الحسنى ص22-24، والأندلسي ابن عطية، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1، 1422 هـ، (2/481).

[34] ابن العبد طَرَفَة ديوان طرفة بن العبد، تحقيق: مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، ط: 3، 1423 هـ – 2002 م، ص67.

[35] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها، (4/2062) (2677).

[36] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب لله مئة اسم غير واحد، (8/87)(6410).

[37] ابن العربي أبو بكر، الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، تحقيق: عبد الله التوراتي –أحمد عروبي، دار الحديث الكتانية، المغرب-طنجة، ط: 1، 1436هـ/2015م، ص197.

[38] القونوي صدر الدين، شرح الأسماء الحسنى، تحقيق: د. عاصم إبراهيم الكيالي، ناشرون، لبنان –بيروت، ط: 1، 2012م، ص15.

[39] ينظر على سبيل المثال لا الحصر: الكلاباذي أبو بكر، التعرف لمذهب أهل التصوف، دار الكتب العلمية – بيروت، ص5، والغزالي أبو حامد، المقصد الأسنى، ص150، الرازي فخر الدين، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، (7/58). أما نسبته إلى النبي r فلا تصح، إذ لم يثبت في كتب السنة ولو ضعيفا، وقد تكون نسبته إلى النبي r من طرف أهل العرفان هي ما جعلت سهام النقد توجه إليهم، خصوصا من المازري وقد نقل ذ ذلك عنه ابن تيمية وغيره [ولم أقف على= =قول المازري في كتاب المعلم أو في إيضاح المحصول أو في شرح التلقين، وأرجح أن يكون منقولا من كتاب الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء الذي فيه نقد وإصلاح لما ورد في الإحياء من أحاديث موضوعة، ولم أقف على هذا الكتاب مطبوعا أو مخطوطا، وقد يكون في حكم المفقود]. ينظر: ابن تيمية تقي الدين، الصفدية، تحقيق: محمد رشاد سالم، مكتية ابن تيمية، مصر، ط: 2، 1406هـ، (2/338).

[40] الجرجاني الشريف، التعريفات، دار الكتب العلمية بيروت –لبنان، ط: 1، 1403هـ -1983م، ص169.

[41] أفلاطون، محاورة تياتيتوس لأفلاطون أو عن العلم، ترجمة وتقديم: د. أميرة حلمي مطر، دار غريب – القاهرة، 2000، ص14.

[42] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، (1/93)(91)، وغيره.

[43] تقدم تخريجه.

[44] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، (2/703)(1015)، وغيره.

[45] أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، (11/33)(6494)، والترمذي في سننه، باب ما جاء في رحمة المسلمين، (4/323)(1924)، وأبو داود في سننه، باب في الرحمة، (4/285)(4941).

[46] أخرجه الحاكم في المستدرك، ومن أسمائه U العفو، (2/154)(300)، وغيره.

[47] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الأدب، باب ما جاء في النظافة، (5/111)(2799)، وغيره. وعلى الرغم من استشهاد ابن تيمية بهذا الحديث في هذا الباب إلا أنه ضعيف السند على الرغم من صحة معناه، والحديث كما جاء عند الترمذي: “إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا – أُرَاهُ قَالَ – أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ”، وقال: هذا حديث غريب وخالد بن إلياس يُضعَّف.

[48] ابن تيمية تقي الدين، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، تحقيق: مجموعة من المحققين، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط: 1، 1426هـ، (6/519-520).

[49] ابن تيمية تقي الدين، الصفدية، (2/338).

[50] نفسه.

[51] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الإيمان، (1/129)(203).

[52] ابن تيمية تقي الدين، الرد على الشاذلي في حزبيه، وما صنفه في آداب الطريق، تحقيق: علي ابن محمد العمران، دار عالم الفوائد – مكة، ط: 1، 1429هـ، ص96-97.

[53] استعمل هذ اللفظ ابن براجان في كتابه شرح الأسماء الحسنى.

[54] ابن القيم شمس الدين، فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى، ص32.

[55] وفا علي، المدخل إلى معرفة الأسماء الإلهية (مخطوط)، مخطوطات جامعة الملك سعود، رقم (3032) ص2، وينظر: ينظر: ابن برجان أبو الحكم، شرح أسماء الله الحسنى، ص16.

[56] ينظر: الشعراوي محمد، تفسير الشعراوي (الخواطر)، مطابع أخبار اليوم، 1997، (18/11017-11018) و(19/11804).

[57] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين، (4/323)(1924).

[58] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تبارك وتعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) الإسراء: 110، (9/115)(7376)، كتاب التوحيد، باب قول الله تبارك وتعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) الإسراء: 110، وفي باب رحمة الناس والبهائم من نفس الكتاب، (8/10)(6013)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب رحمته r الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (4/1808)2318).

[59] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تبارك وتعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى) [الإسراء: 110].

[60] البوني محيي الدين، كتاب شرح أسماء الله الحسنى (موضح الطريق وقسطاس التحقيق)، (مخطوط)، ص4.

[61] القرطبي أبو عبد الله، الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، د. محمد حسن بن جبل، دار الصحابة للتراث بطنطا، ط: 1، 146هـ/1995م، ص150-151.

[62] أخرجه مالك في الموطأ، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في الحياء، (5/1330)(3359)، وابن ماج في سننه، كتاب الزهد، باب الحياء، (2/1399)(4181)، وغيرهما.

[63] أخرجه أحمد في مسنده، مسند الشاميين، حديث يعلى بن أمية، (29/484)(17970)، وأبو داود في سننه، كتاب الحمام، باب النهي عن التعري، (4/39)(4012)، والنسائي في سننه، كتاب الغسل والتيمم، باب الاستتار من الاغتسال، (1/200)(406)، والبيهقي في سننه الكبرى، جماع أبواب الغسل من الجنابة، باب الستر في الغسل عند الناس، (1/305)(956)، وفي شعب الإيمان، (10/211)(7393)، وفي الأسماء والصفات، باب جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع، (1/223)(157)، وفي الآداب، باب النهي عن التعري، (234/574).

[64] أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر، (1/675)(1831)، وغيره.

[65] طه عبد الرحمن، دين الحياء -1- أصول النظر الائتماني، ص71.

[66] نفسه، ص71-72.

[67] ينظر: طه عبد الرحمن، العمل الديني وتجديد العقل، ص175.

[68] تردد طه عبد الرحمن في بداية اشتغاله الأخلاقي في القول بأخلاق الله، ظنا منه أن هناك فرقا بين الصفات والأخلاق، كأن تكون الصفات الثابتة والأخلاق متغيرة، لكن بفعل تفكره في الأسماء الله الحسنى زال عن ذهنه هذا التوهم، وتيقن من أن الأسماء هي الصفات، لأن التغير يستحيل في حقه سبحانه. ينظر: طه عبد الرحمن، دين الحياء من الفقه الائتماري إلى الفقه الائتماني -3- روح الحجاب، المؤسسة العربية للفكر والإبداع، بيروت، ط: 1، 2017، ص164.

[69] طه عبد الرحمن، دين الحياء -1- أصول النظر الائتماني، ص71

[70] ينظر: طه عبد الرحمن، دين الحياء -1- أصول النظر الائتماني، ص72-73.

[71] طه عبد الرحمن، الحوار أفقا للفكر، ص47.

[72] طه عبد الرحمن، دين الحياء -1- أصول النظر الائتماني، ص75.

[73] نفسه.

عن سمير فريدي

شاهد أيضاً

إشكالية التراث بين طه عبد الرحمن والجابري

أ. د. وائل حلاق

منذ بداية ما يُطلق عليه النهضة في منتصف القرن التاسع عشر وحتى الوقت الحاضر، كان لابن رشد - الفيلسوف الأندلسي المبرّز- حضور من حين لآخر بوصفه نموذج العقلانية في الإسلام.

د. وائل حلاق: حوار حول مشروعه الفكري وقضاياه الكبرى

أ. وليد القاضي

يُعَد د. وائل حلاق واحدًا من أشهر وأهم المفكرين المَعنيِّين بالدراسات الإسلامية في وقتنا هذا، إذ لديه مشروع فكري ومعرفي رصين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.