الأسرة المسلمة بين الاتفاقات الدولية والمقاصد العليا للشريعة*
د. رشا عمر الدسوقي**
المقدمة:
لقد عقدت الأمم المتحدة المؤتمرات المتلاحقة، لا من أجل حل أزمة دولية أو إيقاف حرب مدمرة، ولكن من أجل المرأة، فجمعت دول العالم لتخدم الحركات النسوية والمنظمات الراديكالية.
المبحث الأول
التعريف بالحركة النسوية العلمانية وأهدافها
المطلب الأول- ماهية الحركة وخلفيتها:
إن المحرك الرئيسى والقوى الدافعة للمؤتمرات النسوية للأمم المتحدة والتي تصيغ وثائقها وتبلور قراراتها الخاصة بالمرأة هي الحركة النسوية “النوعية،” Gender Feminism، الناشط الأساسي في منظمة النساء للبيئة والتنمية. فقد كان لـ “الحركة النسوية” الراديكالية دور واضح، وخطير ومهم في صياغة مسودة برنامج العمل لمؤتمر المرأة في بكين والذي عقد في سبتمبر 1995م، والوثيقة نتاج جهد مضن لحركة ذات نفوذ وأفكار جذرية، وتابِعات لا حصر لهن مؤيدات لها، وتدعمها منظمات نسائية وممولون وسياسيون ذوو قوى مؤثرة يروجون لفلسفة الحركة ويعملون على تنفيذ برامج عملها بكل ثقلهم ونفوذهم.
وتتصف هذه الحركة بأنها عالمية لا تحدها حدود جغرافية ولا تمنعها قيم مجتمع ولا ديانته أو تقاليده من محاولة النفاذ إليه أو إلى الأسرة بصفة عامة والأسرة المسلمة بصفة خاصة، سواء أكانت في الشرق أم في الغرب، تارة بالتستر وراء شعارات “التحرر” و”المساواة”، وتارة ثانية بصياغة عبارات المحافظة على “صحة المرأة الإنجابية”، وتارة ثالثة بالبرامج التنفيذية السياسية والاجتماعية والاقتصادية الدولية التي تهدف في ظاهرها إلى فتح آفاق العمل للمرأة بإدخالها في مشاريع صغيرة ومشاريع “تنظيم الأسرة” وهي في باطنها تتدخل في البنية الاجتماعية لتغيير قيمها الأساسية ومرجعياتها الدينية، وهي كذلك تتحكم في تعداد سكان العالم الإسلامي عن طريق برامج تنظيم الأسرة وخلق شكل جديد للأسرة المسلمة تسميه “أسرة المستقبل”، والهدف هو التحكم التدريجي في خصوبة المرأة ومن ثم تحديد النسل والحد من تكاثر المسلمين[1].
وكان نفوذ المنظمات الأهلية في الأمم المتحدة في السنوات القليلة الماضية قد زاد، وكانت أكثر المنظمات الأهلية نشاطاً فيها هي منظمة النساء للبيئة والتنمية، وكان لهذه المنظمة أكبر الأثر في تنظيم الاجتماع العالمي النسائي الاستراتيجي في جلن كوف بنيويورك في نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر 1994م، وفي ذلك الاجتماع جاء النشطاء من جميع أنحاء العالم وفريق العاملين من الأمم المتحدة للتخطيط لمؤتمر قمة كوبنهاجن للنساء، وحين أخفقت المتطرفات في إدخال التعديل الخاص بالحقوق المتساوية في ميثاق الولايات المتحدة قمن بتكوين منظمة دولية تعوضهن ذلك النقص وهي منظمة “رفع جميع أنواع التمييز ضد المرأة” واسمها: CEDAW[2] وقد حققت لهن ما لم يحققنه من خلال المنظمة الأولى، وهي تعطى حق الإجهاض وتضرب عرض الحائط بالقيم الدينية التي تناقض النسوية الراديكالية، وكانت وحليفاتها مصممات على الفوز في كوبنهاجن وبكين بما لم يستطعن تحقيقه في القاهرة وهو قبول وجهة النظر النوعية متضمنة الحقوق الإنجابية والجنسية: health reproductive and gender.
وبالقليل من التحليل نستطيع فهم مصطلح “النسوية النوعية” Gender Feminism الذي ظهر وراج في كتاب “كريستينا هوف سومرز” بعنوان: “من الذي سرق النسوية؟” حيث شرحت الفرق بينه وبين لفظ “التكافل النسوي” في الحركات النسوية السابقة، قالت إن “التكافل النسوي” هو الاعتقاد بضرورة المساواة الأخلاقية والقانونية للجنسين والمطالبة بالمعاملة العادلة دون تفرقة، وهؤلاء النساء يرين أن حال المرأة في الغرب قد تحسن والدليل على ذلك، في نظرهن، زيادة ارتياد المرأة أماكن العمل خارج البيت وأنها أصبحت بذلك نافعة للمجتمع، إذ إن النساء الآن يشكلن في أمريكا 55% من القوة العاملة، وقد ضاقت الفجوة بين أجر المرأة وأجر الرجل مقارنة بالماضي، “ونساء التكافل العلمانيات” يردن فرصة متكافئة للحصول على الحقوق وفرص العمل. أما “النسوية النوعية” فتعتقد أن النساء الأمريكيات مسجونات في إطار نظام ظالم – نظـام أبوي – يتحكم الرجل فيه ويفرض سيطرته على المرأة، وأن حالها قد ازداد سوءاً ويردن إحداث ثورة نوعية “جنسية”، وهؤلاء هن الراديكاليات أو ويسمين أنفسهن المتحررات Liberals، وهؤلاء لهن نفوذاً في الأماكن السياسية الحساسة على المستوى العالمي.
المطلب الثانى- إخفاء مصطلحات وأهداف الحركة في الوثائق:
وأهم دور قامت به هذه الحركة هو القضاء على ظاهرة الأسرة التقليدية، كما عهدتها مجتمعات العالم منذ بدء الخليقة، والعمل على انقراضها وتآكل دورها كوحدة تراحمية فاعلة ومصدر أساسى للقيم والمبادىء والتثقيف والتنشئة، ليختفى دورها بإحلال غيرها من المنظومات، والقيام بتقويتها بشتى السبل المادية والإعلامية للإسراع بذلك الإحلال. ومن سمات “النسوية النوعية” أنها لا تنادي بحقوق المرأة من أجل رفعتها أو سداد احتياجاتها، بل لفلسفة تعتنقها ولا تقتنع بغيرها.
ولمعرفة الجذور الفلسفية للنسوية النوعية لابد من توضيح “نظرية النوع”. وحسب هذه النظرية تعتقد النساء النوعيات أن الرجل ليس رجلاً لأن الله خلقه رجلاً ولا المرأة امرأة لأن الله خلقها هكذا، إن الحالة التي تبدو لنا طبيعية ليست كذلك، وليست هناك مجموعة خواص لنوع بعينه، وليس هناك جنس أفضل من جنس. فهذه النظرية لا تقبل العلاقة القائمة الآن بين الرجل والمرأة، وتعتبر أنها مفروضة اجتماعياً في إطار الحياة الزوجية بحيث تصبح المرأة الجانب المظلوم مهيض الجناح. ولهذا فالنكاح في نظر “النوعيات” يعتبر اغتصاباً، والعلاقة بين جنسين متضادين لا تعطي المرأة حقها، ومن ثم فالشذوذ هو البديل للعلاقات التي خلقها الله تعالى – العلاقات الفطرية والطبيعية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام – ويصبح الطبيعي في نظرهن شاذاً والشاذ طبيعياً[3].
واستكمالاً لدورهن في محو الأسرة، الوحدة الاجتماعية الأولى، تتهم النسويات النوعيات الأسرة بأنها تخلق العراقيل في سبيل تطور المرأة من الناحية الإنسانية. وبعد سنوات من نشر فلسفتهن راجت فكرة تحدي العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة وفكرة الزواج، وتحرك النسويات في المدارس والجامعات يطالبن بحرية التخطيط لأسرة المستقبل دون التحرج من أي عقوبة قانونية أو اجتماعية وذلك: إذا قامت الأسرة على أساس زواج المرأة بأخرى أو اتخذت الخليلات من أمثالها، أو تختار الفتاة أن تعيش بلا ذرية، أو تختار المشاركة في أمومة اصطنعتها بالحصول على نطف من معامل بيولوجية، أو عن طريق تأجير أرحام الأخريات، وجلب الأجنة والأطفال من الأجيرات، أو اللجوء إلى اللقيطات لخوض هذه التجربة الجديدة، وقد أطلقن على هذا النوع من الارتباط أشكالاً جديدة أو أنماطاً جديدة للأسرة، وبهذه الحقوق يصبح لديهن الحق في استقلالهن التام خارج سجن الإطار النوعي أو الجنسي. وهذه نانسي شودري، الكاتبة النسوية، في كتابها “إنجاب المرأة” تهاجم الأمومة على أنها سجن للمرأة في إطار نوعي تفرضه على نفسها، بمعنى أن السيدة الأم ليس من الضروري أن تكون سيدة ولا أماً، وترى شودرى تغيير نظام المجتمع كي تتغير الأنماط الأسرية التقليدية فتتغير المرأة لتلعب دور الرجل[4].
وتعتقد النوعيات أنه حين يزداد عدد النساء في القوى العاملة خارج البيت يكون هذا مدعاة إلى التغيير داخل البيت، ولا يتوقف ذلك على رغبة النساء، بل يفرض المجتمع عليهن ذلك ويصبح أمراً واقعاً لا يستطعن مقاومته، وكل مناهضة لهذا الوضع تعتبر من قبيل التخلف والرجعية، ويفرض التيار النوعي نفسه فتصبح معتقداته قانوناً بعد أن يخضع له صناع القرار، وترى النوعيات أن مسؤوليات المرأة الأسرية هي العبء الأول على المرأة والعقبة الكؤود في سبيل برنامج عمل النوعيات، فلابد من العمل على اقتلاع فكرة الأسرة التقليدية من أذهان نساء العالمين.
المطلب الثالث – تدويل المواثيق:
وقد استطاعت النوعيات صياغة بنود وثيقة مؤتمر بكين من أجل تطبيقها دولياً حتى على الدول الإسلامية دون الإفصاح عن مصطلحاتهن الخفية. وحتى وقت توقيع الوثيقة لم تكن أي دولة إسلامية عربية على دراية كاملة بحجم الأجندة الدولية ولا بمدى خطورتها. وكان التحقق من مزالق الوثيقة داخل أروقة المؤتمر كافياً ليتخذ ممثلو الدول الإسلامية المناصرون للشريعة قراراً بالانسحاب من المؤتمر وبرفض التوقيع على وثيقته. ولم تستطع أي دولة رفع البنود المعترض عليها من الوثيقة. ولم يتبق لهم أية خيار سوى التحفظ وهو أضعف الإيمان. وحتى التحفظ كان محط كيد صائغى الوثيقة فشنت منظمات الجندر حرباً من أجل رفع تلك التحفظات فيما بعد. لكن لا يفوتنا أن الهدف كان التدرج في إكمال التورط في الوثيقة التي تلزم كل مسلم بتأييد التوجه العلماني النسوي وتحقيق جميع أهدافه من الإباحية والتسيب والانفلات الخلقى، فتمرير النصوص الإنجليزية وخديعة المصطلحات، ثم قبول التحفظ، ثم رفعه، ورط الجميع في التوقيع على وثيقة يشوبها التدليس المتعمد دون علم الموقعين بحقيقة محتواها.
ويسوقنا هذا إلى توضيح حق سيادة كل دولة في الحفاظ على كيانها الداخلي وقوانينها التي تحمى قيمها ومبادئها المختلفة. ولقد تسببت خطورة المواثيق على كيان “الأسرة” في نقد الأمم المتحدة وخرقها حق السيادة. يقول باتريك فاجان “إن مواثيق المرأة وحقوق الطفل تحارب الأسرة والدين والسيادة وتضغط على الدول لتغيير قوانينها ولتصبح معادية للأسرة وتبني أيديولوجية نسوية. ولهذا أصبحت الأمم المتحدة منظمة تعمل ضد الأسرة.
المبحث الثانى
الأضرار التي ألحقتها النسوية العلمانية بالأسرة
المطلب الأول: إقحام المفاهيم المنافية للشرع باسم حقوق الإنسان وفرضها دولياً:
الأسرة هي النواة الصلبة، والقلب النابض، والمحور الذي ترتكز عليه بقية المحاور، والحصن الصامد للأمة الإسلامية والقيم الإنسانية. واستهدافها هو جزء من الموجات العاتية لفرض المبادىء النسوية عليها باسم “المساواة بين المرأة والرجل” وباسم “حرية المرأة وتحررها من الأغلال”، وذلك بدءاً بإعادة صياغة وترويج المفاهيم المنافية للشريعة التي نتج عنها تحجيم النموذج الأسرى الإسلامي المتميز في دول العالم جميعها. فالزواج بأركانه المعتبرة وصورته الشرعية الوحيدة التي عرفها المسلمون هي بين المرأة والرجل من أجل إقامة الأسرة المسلمة، ومحورها عبادة الله تعالى لتحقيق مهمة الاستخلاف في الأرض وإقامة الدين والمحافظة على عقيدة وأخلاق الذرية المسلمة.
1-حق الشذوذ الجنسى: غير أن الوثيقة ابتدعت أنماطاً جديدة، وأشكالاً غريبة، وتكوينات مستحدثة ما هي إلا جزء من الإطار العلماني النوعي النسوي. فلننظر إلى نص الوثيقة باللغة العربية والتي وقع عليها المسلمون حيث جاء بها: “لتدعيم الأسرة، وتدعيم استقرارها مع الأخذ بعين الاعتبار تعدد أنماطها” (الفقرة أ، 2،5)، لم يخف على أحد هنا أن الأنماط تعنى “الشذوذ”. وقد قامت منظمات الأسرة في أمريكا بالاعتراض على جميع البنود التي تشير من قريب أو بعيد إلى هذا المعنى. وإليك ترجمة النص الذي ورد باللغة الإنجليزية وتحليله من قبل رائدة المنظمات الأسرية سوزان رويلانس: “فى الفقرة 97 من وثيقة المؤتمر الرابع للمرأة يتضح معنى الحقوق الجنسية، فمن ضمن حقوق الإنسان للمرأة حقها في التحكم فيما يخص علاقاتها الجنسية بحرية ومسؤولية ويشمل هذا صحتها الإنجابية دون ضغط أو تمييز أو عنف.”[5]
وتعليقاً على إقحام الحقوق الجنسية (الشذوذ، والممارسات الحميمية خارج نطاق الأسرة) كحق من حقوق الإنسان تقول سوزان رويلانس: “كان هناك نقاش طويل حول خلق حق جديد من حقوق الإنسان وما إذا كان لهن (المنظمة النسوية صائغة الوثيقة) الحق في القيام بخلق ذلك الحق. وقد علقت السودان أثناء مناقشة هذا الموضوع بأن هذا المفهوم مبهم يستوجب الإجماع وسيستغرق ذلك وقتاً طويلاً، ولن ندعم حقاً جديداً. ورغم إصرار صائغى الوثيقة أن ذلك ليس حقاً جديداً فقد صدرت تقريرات عديدة بعد المؤتمر تسمى ذلك الحق حقاً جديداً من حقوق الإنسان.”[6]
وقد استخدم صائغو الوثيقة استراتيجية غموض المصطلح عند الإشارة إلى ضرورة “القضاء على أشكال التمييز في الزواج وأشكال الاقتران الأخرى” وأسموها different forms of the family، وهذه الأشكال المتعددة تكون إما أسرة من رجل وامرأة متعايشين أو متحدين بدون زواج، أو أسرة مثلية بين رجلين أو امرأتين ومن حقهما الحصول على طفل بالتبني، أو السفاح، أو استئجار الأرحام، أو أسرة تتكون من مجموعة من النساء والرجال يتبادلون المتعة وقد ينجبون أطفالاً غير معروفي الأب. وقد استخدم المؤتمر عبارات لا تنم عن الهدف الأساس من هذا الاجتماع العالمي الذي حضرته 36000 امرأة، وكان قد أُعلن عن هدفه في تحقيق الدعم الأفضل للأسرة، والعمل على استقرارها، وزاد بين السطور، الأخذ في الاعتبار “تعدد أشكالها”، واتضح فيما بعد أن “التعددية” ما هي إلا المباشرة بدون زواج والتماثلية في العلاقات[7]. لقد تحول مؤتمر بكين إلى مؤتمر للشذوذ، وقد أيد بنود الشذوذ مسيرة جابت أرجاء ساحة المؤتمر وعدد أعضاؤها 7000 عضوة سحاقية أو مؤيدة لحق السحاق.
وغني عن القول إن الحكم الفقهي في السحاق وهو الزنا بين النساء، حرام بإجماع الفقهاء، فقد روي عن الرسول الكريم قوله: “السحاق زنى النساء بينهن”، وقوله: “لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد”. أما الشذوذ فقد حدد عقوبته فقهاء الأمة، من المالكية والشافعية بالأدلة الشرعية وهو يتراوح بين قتل الفاعل والمفعول به أو توقيع العقوبة التعزيرية[8]. والشاذ المحصن يقتل عند الشافعية وغير المحصن يجلد وعقوبته هنا كحد الزنا، فاللواط كالزنا، ويقتل المحصن وغير المحصن عند المالكية. أما عن إشاعة الفاحشة، وخلق الفوضى الأخلاقية، والعمل على محاربة الفضيلة، ونشر الجريمة، وخلخلة الأمن، ومحاربة القيم، وانهيار المجتمع، والإفساد في الأرض، فالحد حد الحرابة[9].
إن تغيير وتبديل مرجعيات الأمة بالمنظومات النسوية الإباحية هو صد عن سبيل الله وتعطيل لتطبيق الناس شرع ربهم، بل هو صدمة حضارية تصيب مفاهيم الأمة وتصدر لها مرض الميوعة الذي ينسيها خصوصيتها وثقافتها الإسلامية ويحدث لها الارتباك الفكري والخلط القيمي، ويسرب لها التخبط في التعابير والمصطلحات التي تصطدم بالدين الإسلامي بكل ما يحتويه. “ومعلوم حين تصطدم حضارتان أو ثقافتان فإن الأقوى (بضغطها وإجبارها الآخرين على اتباعها) تطرد الأضعف وتحجمها ثم يتبع ذلك فقدان الثقة بها من قبل أهلها وتتوقف عن التعامل مع الواقع”[10]. وهذا يعنى أنه بالقوة القسرية يجبر المسلم على هجر تعاليم الإسلام. إن الدين، للإنسان المسلم، هو منهج حياة، ولأن الحركة النسوية لا دين لها فهي ترى الإباحية نوعاً من التحرر الفكري الذي لا علاقة له بالدين. وفى النهاية إن فرض تغليب المنظومة العلمانية على المسلمين هو صد عن مقاصد الشريعة في حفظ الدين عقيدة وأخلاقاً وسلوكاً.
2- حق الثقافة الجنسية في المدارس: ويستمر استهداف الأسرة المسلمة باستهداف الأطفال والشباب في المدارس باسم استقلالية الأطفال ومنحهم “الحرية” في الممارسات وانتشار “الثقافة الجنسية”. وقد طبق ذلك فعلاً في الولايات المتحدة وقام بعض الآباء والأمهات من المسلمين بتقديم طلبات إعفاء أولادهم من مقرر “وحدة الأسرة” في المدارس العامة لمخالفته تعاليم دينهم، فهذا المقرر يتعامل مع مفهوم الشذوذ على أنه أمر طبيعى. كما اعترضت منظمات الأسرة الأمريكية على ذلك[11]. وقضية ترويج الشذوذ في المدارس هي غيض من فيض مما تهدف إليه الثقافة الجنسية التي تدفع بالإباحية والانحراف وممارسة العلاقات الحميمية خارج نطاق الأسرة الشرعية التي يحلم بتكوينها الشاب المسلم.
وغنى عن الإيضاح أن هذا الاستهداف يؤدى إلى تفريغ المجتمع من بنيته التحتية المتمثلة في شباب الأمة الحاملة لمهمة الرسالة الاستخلافية وإعمار الكون بمبادىء وأخلاق الإسلام. فلا مستقبل لإسلام رغب الشباب فيه عن الزواج الشرعي الذي يجسد الطاعة لله، واستعاض عنه بالزنا الذي يغضب الله. وهكذا نرى أننا بصدد منظومة ثقافية وافدة تحمل جراثيم الانحلال والإباحية وتشكل أمراضاً اجتماعية تفتك بكيان المجتمع[12]. إن تغليب هذه الثقافة هو إيذان بإنهاء الثقافة الإسلامية التي إذا فقدها المرء ماتت ثقافته الدينية[13]. وما نشر ثقافة الشذوذ الجنسى والصحة الإنجابية بين الأطفال والشباب إلا صد عن مقصد الشريعة في حفظ العقل المناط بالتكليف. فتغييب إرادة العقل المكلف بنبذ الشرع يعطله عن فهم الدين وتنزيله على الواقع لحماية الإنسان من ارتكاب الآثام. ناهيك عن تخدير العقل واحتوائه وغسل أدمغة العامة والشباب بالزخم الإعلامى المستمر والمسخر لخدمة تلك المفاهيم الوافدة.
3- تقوية حقوق الأبناء برفع سلطة الآباء عنهم: وهذه الأجندة ما هي إلا استكمال لأجندة أخرى صدرت في مؤتمر “حقوق الطفل” الذي أعلنت وثيقته في نوفمبر 1989 تحت شعار “محاربة القسوة والتمييز ضد الأطفال”، ونتج عنه إعطاء الطفل سلطة مستقلة عن الآباء. واستمر هدف تقوية الأبناء على الآباء في ميثاق المرأة في بكين، حيث نصت الوثيقة على تحجيم دور الآباء وتهميشهم. وفوق ذلك أعلنت منظمة اليونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) أن “كل الأطفال أطفالنا”، وأعطت نفسها حق سن القوانين الدولية لإثبات هذه المقولة. وللعالم أجمع أن يسأل “ما هي سلطة الأمم المتحدة كي تحدد علاقة الطفل بأبيه؟”. وقد كررت وثيقة بكين (1995) حقوق الآباء اثنتين وعشرون مرة تناقصت إلى ثمان مرات عند نهاية المفاوضات على الوثيقة. لقد حُجِّم دور الأب فصار إرشادياً فقط وأُلغيت سلطته التربوية[14]. وحسبنا ما حدث في السياسات الرسمية للولايات المتحدة، وهي الدولة السباقة إلى تنفيذ المواثيق العلمانية وتدمير الأسرة رغم محاربة جميع منظمات الأسرة الناشطة واعتراضها على جبروت المواثيق. فمع وجود الآباء نجد أنه يتحكم في الطفل كل من المدرسة، والخدمات الاجتماعية، وجهة العمل، والمجتمع ذاته (البيئة)، والمجتمع الطبى، والكنيسة؛ الجميع، بمن فيهم الآباء، بدرجات متساوية[15]. ولقد تم فعلاً تنفيذ جميع ما ورد عن الصحة الإنجابية لتدمير الشباب المسلم؛ فقد وضع مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان مفهوم الصحة الإنجابية موضع التنفيذ وفقاً لبرنامج عمل مؤتمر السكان والتنمية كجزء من سياسات الصحة العامة في البلاد المسلمة بمساعدة صندوق وزارات الصحة والسكان تحت مسمى “التوازن بين الجنسين”، وتتضمن مفهومي الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية وتأمين وصول خدمات الصحة الإنجابية المتيسرة والمأمونة لجميع فئات السكان وخاصة الشباب “اليافعين”، وقد نجح المكتب في تأمين 3.0 ملايين دولار في إحدى الدول بما في ذلك 2.4 مليون دولار أسهمت بها حكومتها في الصندوق الاستئماني. وتستمر الجهود لتأمين أموال إضافية تلزم من أجل مشاريع مكونات قيد الإنجاز تستهدف اليافعين والممارسات التقليدية الضارة[16].
وفى العام المنصرم، رصدت الأمم المتحدة ثمانية مليار دولار لإباحة الممارسات الجنسية الفوضوية[17]. وقد سُخِّرت جميع وسائل الإعلام من أجل الترويج لتلك السياسة وسبل تنفيذها، وبالثقل الإعلامى الناتج عن تكريس تلك الوسائل اكتملت استراتيجيات القضاء نهائياً على مجرد تخيل تكوين أو محاولة تكوين أسرة شرعية.
المطلب الثانى- استهداف العلاقات الأسرية:
1- فرض الإباحية على أفراد الأسرة: وقد وصل مروجو الصحة الإنجابية والعلاقات الإباحية فعلاً إلى الكيان الأسري، واستهدف علاقة المرأة بزوجها وأطفالها. فالمرأة بالذات فرد أساس وركن داعم للبنية الأساسية للأسرة. وكان الهدف هو تخليها عن مهامها الأسرية واستهداف أولادها في برامج الصحة الإنجابية والبرامج الإباحية، وفوق ذلك مطالبة الوالدين بالتغاضي عن النشاط الجنسي للمراهقين، عن غير طريق الزواج، واعتبار ذلك من الشؤون الشخصية أو من الحرية الشخصية التي لا يحق لأحد أن يتدخل فيها. ومع الأخذ في الاعتبار أن المرأة في الإسلام قد منحها الله عز وجل جميع الحقوق التي تصبو إليها نساء العالم الآن بما فيها حق التمثيل السياسي وتقلد الوظائف الملائمة لطبيعتها لخدمة المجتمع والنهوض به[18] إلا أن استهداف أنوثتها وأمومتها ووظيفتها كزوجة حانية وكأم مربية سيؤدي إلى الاضطراب في هيكل الأسرة المسلمة المعاصرة كوحدة أساسية ونواة للمجتمع.
2) استهداف الأمومة وإجارة الأرحام: ثم نادت الوثائق بحق آخر باسم “حرية التحكم في الجسد” بإجارة رحم المرأة، فقد وردت صراحة في بنود بكين +5 (بند 79) وأباحت الوثيقة جميع أشكاله. فالمعترف به شرعاً أن كل صور تبادل الإخصاب غير شرعية ما عدا ما هو بين الزوج والزوجة الشرعيين. ولا يجوز تبرع الزوج لإخصاب أى امرأة غير زوجته الشرعية ولو كانت عاقرًا. والجائز علاجها أو إخصابها صناعيًّا عن طريق زوجها (IVF). ما ورد في الوثائق هو إباحة التلقيح الخارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل (متبرع)، وبويضة من امرأة ليست زوجتة (متبرعة)، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة (وهي غير المتبرعة بالبويضة). وهذا حرام شرعًا[19].
وقد فتحت الوثيقة الباب على مصراعيه لعقود إجارة الأرحام وهو عقد تتعهد بمقتضاه امرأة بشغل رحمها، بأجر أو بدون أجر، بحمل ناشيء عن نطفة أمشاج مخصبة صناعياً لزوجين استحال عليهما الإنجاب لفساد رحم الزوجة. ولصاحبة الرحم أسماء متعددة: “الأم الحاضنة،” “الأم البديلة”، “أم بالوكالة”، “(ذات) الرحم المستعار”، أو”البطن المؤجر”، أو”الرحم المؤجر”، “والبيع حسب الحالة المستقبلة من أجل أجنة بالوكالة”. “وتأجير الأرحام” هو الاسم الأكثر انتشاراً في أوروبا وأمريكا. وقد يتشابه عقد إجارة الأرحام في بعض خصائصه مع بعض العقود غير أن عقد إجارة الرحم مناف للشرع شكلاً وموضوعًا. وقد أصبحت عمليات الأرحام المستأجرة في أوربا وأمريكا منظمة في شكل شركات ووكالات لتأجير الأرحام كجمعية “الأمهات البديلات”، ويتوافد عليها عدد كبير من الأزواج القادرين على دفع آلاف الدولارات للنساء الراغبات في استضافة أجنة لهم في أرحامهن بسبب الفقر[20]. وهذا نذير بما تحمله الوثائق الموقعة من برامج متكاملة ومترابطة طبقت في البلاد التي التزمت بالتوقيع على تلك الوثائق وغُرر بها لعدم وضوح المصطلحات. والغزو الوثائقى يكمل زحفه على مجتمعاتنا الإسلامية لو أبيحت هذه الممارسات المحاربة لشرع الله عز وجل.
لقد سادت الإباحية عالم المرأة الغربية من جراء سياسة المؤتمرات والوثائق والبرامج التنفيذية، واستهداف المرأة المسلمة في عُقر دارها بات غاية في الوضوح. إن ممارسة إجارة الأرحام يُفقد المرأة كرامتها وتصير كالدابة المستأجرة للاستخدام حسب الطلب، ولتصبح التجارة في بدنها باستئجار رحمها تحقيراً وامتهاناً لعفتها واستغلالاً لأنوثتها وتحجيماً لدورها كأم. لقد نظرت الوثيقة للمرأة على أنها جسد بلا روح فأفقدتها إنسانيتها ولم تعترف بأن لها روحًا أصلاً أو أن لها احتياجات روحية، وادعت أنها تمنحها حقاً من حقوق الإنسان التي منحها الشرع الحنيف إياها مسبقًا بما يواكب فطرتها، فقد ألغت الوثيقة الحقوق الفطرية للمرأة كحقها في العفة، وحقها لحماية عِرضها، وحقها في الفضيلة، وحقها لحفظ نسلها واستبدلت كل هذه الحقوق بالاتجار في العِرض وجعلته حقًّا إنسانيًّا[21].
وقد نجحت الوثيقة في نزع الحياء عن المرأة في الغرب العلماني وأفقدتها علاقتها المتينة بالفضيلة، بعد أن عملت برامج الأمم المتحدة على إيصال المفاهيم المتردية إلى الفتيات في المدارس. وبتطبيق الوثائق في بلادنا صارت بنية ذلك المجتمع مفككة وأعضاؤه بعيدين عن مهمة الاستخلاف في الأرض وإقامة الدين وإصلاح الأخلاق والاستقامة في المعاملات. ناهيك عن القيام بدور ذي قيمة في التنمية والارتقاء والنهضة. إن ضياع العفة والفضيلة هو صد واضح عن مقصد الشريعة في المحافظة على الأعراض.
غير أن انهيار الأسرة الأمريكية بسبب الحركة النسوية العلمانية قد تسبب في ردة عكسية عند آلاف من النساء الأمريكيات اللاتى قمن نتيجة التفلت الأسري والاجتماعي باستنفار أمهات العالم في مؤتمر أعدته المنظمة القومية للنساء (أكتوبر 2002) من أجل القيام بثورة قيمية سموها “حركة الأمومة”. وعَقدت ندوة بعنوان “الأمومة النسوية: دروس مستقاه لأمومة القرن الواحد والعشرين”. كما قام المجلس بعقد مقابلات مع ألفىّ أم أدلت برأيها عن الأمومة. وكانت النتيجة أن 90% منهن عبَّرن عن عشقهن لهذه المهمة الفريدة والهبة الربانية التي تستمتع بها المرأة. وقد أعد الجميع تقريراً جاء فيه:
“نحن النساء اللاتى يربين أطفالهن، نحن اللاتى يمنحن الحنان والأمومة، نوجه نداءاً لجميع الأمهات من أجل تجديد تحديد الهدف، وتجديد العاطفة، وتجديد القدرة على العمل من أجل الأمومة. نحن نوجه النداء لجميع الأمهات من أجل تجديد الالتزام للقيام بتكريم دور الأم ودعم الأمومة. نحن نوجه النداء إلى حركة الأمومة لضمان كرامة الأطفال وسلامتهم. نحن نطالب بحركة الأمومة التي تهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات في مجتمعنا، المجتمع الذي تدفعه الفردية المتطرفة وقيم الاستهلاك التي فقدت الشعور بقيم عالم المرأة، تلك القيم الأخلاقية الضرورية التي لا غنى عنها للأطفال والمجتمع الصالح. نحن نطالب بالتوقف الكامل للهجمة على الأمومة وثقافة تحقير الأمومة، وعمل الأمهات. ومن هذا المنطلق فنحن نطالب بالدعم الكامل للحركة النسائية المناصرة للأمومة…. إن العمل الذي نقوم به يحتل المرتبة الأولى في الأولويات غير أنه دائمًا لا يلاقى التقدير الملائم. كما أن المجتمع وأجهزة الإعلام تهمش رعاية الأطفال والعناية بهم. نحن نواجه فراغًا متناميًا في معاملة ورعاية بعضنا البعض واهتمام بعضنا بالبعض. وملخص البرنامج العملى التنفيذي للحركة نبلوره هنا في عدة نقاط هامة هي: التصدي الفكري لانهيار القيم الأخلاقية ونشر الأبحاث والمقالات في الصحف عن تغير القيم في مجتمعنا. التصدى للخطاب السلبي عن قيم الأمومة والأسرة. عمل برامج كاملة لتدريب الأمهات والآباء وتقوية ثقافاتهم عن مسؤولية التربية. دعم ورش عمل تدربهم على حل المشاكل بين الأب والأم وبين الآباء والأبناء. حل أسباب الخلافات الزوجية وخلق الجو الأسري الملائم لاحتضان الأطفال دون ضغوط نفسية تنعكس عليهم. حماية جو الأسرة حتى لا ينفر الأطفال من محيط الأسرة. عمل جدول لأفراد الأسرة تمكنها من قضاء وقت أكبر تقوي فيه العلاقات الأسرية. تنظيم ورش عمل تدرب الآباء والأمهات على علاج مشاكل الطفل والتدريب على كسب ثقته ومصاحبته. إذا كانت المرأة مضطرة للعمل فلابد من توعيتها بعدم ترك الأطفال إلا مع الجدات أو مَن هم أقرب للأم أو الأب لضمان حسن الرعاية”[22].
المطلب الثالث- تفعيل آليات إفقاد الأسرة وظائفها الأساسية:
1- الطعن في “القوامة”: لقد عملت المواثيق على إفقاد الأسرة وظائفها الأساسية. ويتضح ذلك بتحليل العوامل التي أثرت على العلاقات الأسرية بين الزوج والزوجة أي التي أثرت في كيان الأسرة الداخلي. وهي تبدأ بالطعن في المعنى الشرعي للقوامة[23]. فقد عملت الحركة النسوية بالإعلام المكثف والأدبيات المنتشرة غربًا وشرقًا على تشويه معنى القوامة وطمست صحة مبادئها، واستغلت سوء فهم معظم الرجال لمعنى القوامة الحقيقي، واستدلت على ذلك بسوء المعاملة داخل الأسر فأثرت على النساء وصدرت لهن فهمًا سقيمًا عن الحرية والاستقلال، وحثتهن على رفض ذلك المفهوم، وخلطت الأمر بالشرع وليس بسوء فهمه أو تطبيقه، ومن ثم حثت العامة من النساء على رفض المبادىء الدينية بعد نشرها بشكل مغلوط وادعاء أن الله يفضل الرجال على النساء.
غير أن الشريعة كلها عدل وكلها رحمة. ومقاصدها في الزواج هي تكوين وحدة تسودها المودة والرحمة، يتعامل فيها الأب والأم على أنهما من نفس واحدة، يحترم كل منهما الآخر، ليحققا المقصد الأول وهو حفظ الدين ثم النسل أو الذرية وتعليمها ذلك الدين. كما أن من مقاصدها في الزواج الحفاظ على العِرض، فالإعفاف والإحصان وتبعل كلا الزوجين للحفاظ على علاقتهما الحميمية من خلال الشرع هو وظيفة لتسهيل الاستمتاع المشروع، وهو مسؤولية لحماية الفضيلة، وليس رفاهية أو واجبًا يستهان به في أجواء تنازع فيه القوى الخارجية الزوج والزوجة وظيفتهما الأسرية بمعناها الشمولى. وحتى المحافظة على الفضيلة في الكيان الأسرى كانت مستهدفة في وثيقة بكين. فحق الفراش، الذي هو حق ناتج عن علاقات طبيعية بين الزوج والزوجة، سمته الوثيقة “اغتصاب الزوج”[24]، بمعنى أن طلب الإعفاف من قبل الزوج الشرعي المستقيم، حاربته الوثيقة واستبدلته بممارسة الحريات الجنسية من خلال مفاهيم الصحة الإنجابية والإجهاض واستئجار الأرحام.
2- إدماج الزوجة الأم في التنمية بهدف الإضرار بواجبات الأمومة: وبعد تقوية الأبناء على الآباء حثت الوثيقة على التمكين للمرأة في القوى العاملة كي تزيد من الدخل القومى. وهو ما أسمته The Empowerment of Women وهو مفهوم في ظاهره يعنى دعم مشاركة النساء في الحياة الاقتصادية والسياسية. واعتمدت سياسة التمكين الاستخدام الكثيف للسلطة في بلاد المسلمين، وارتبطت مساحة المكون القمعي فيه بمقدار التخلف ودرجة المقاومة للتغييرات التي تسعى إليها الدولة المعينة. إلا أن سياسات التمكين لم تتوقف عند حد الأدوات الدستورية والقانونية، بل تضافرت مع مختلف القوى الإعلامية والسياسية الأخرى[25]. وحين استجابت المرأة لهذا النداء كان ذلك له أسوأ الأثر على أسرتها. والضغط كان شديداً على عامة النساء للخروج إلى العمل، لضرورة أو لغير ضرورة، في وسط هذا الخضم الهائل من التشويش الإعلامي الذي حثهن على التكسب ومنافسة الرجال في قوامتهم أو الاستقلال عنهم أو الوصول إلى مركز مرموق في المجتمع يرفع من شأنهن ويسد فراغهن المادي والعاطفي والثقافي[26]. وبهذا تحولت المرأة إلى آلة منتجة تعمل خارج البيت ثم تعود منهكة لتعمل داخله بتقصير لا إرادى.
واستجابة لأجندة بكين، واستجابة لسياسة التمكين للمرأة، تفخر النساء المصريات مثلاً بالعدد الكبير الذي يتقلد المناصب السياسية[27]، ولم يسأل أحد: من يرعى أزواجهن وأولادهن؟. فليس المقصد الأعلى للشرع في بناء الأسر توفير المادة للمحافظة على الأجساد فقط أو تقلد المناصب المرموقة للتفاخر بالمستوى الاجتماعي أمام الناس. إن التنشئة والرعاية مهمة الأم أساسًا بمساعدة الأب، ولم تكن ولن تكون أبدًا مهمة المجتمع، أو المدرسة، أو الخادمات، أو البيئة المحيطة المليئة بالموبقات والتي تنشر الفوضى القيمية والتربوية والصحة الإنجابية والإباحية والشذوذ واستئجار الأرحام.
3- تغييب دور الأب: نتج عن غياب الرجل القوام، الاضطراب في العلاقات والقيم، سواء بسبب إفساح الزوج المجال للزوجة لتحمل عبء الإنفاق (حوالى75% من الأسر المصرية تقوم على دخل المرأة)[28]، أو لفقدانه الشعور برجولته الحقة، أو لعدم وعيه بمهمته كراع مسؤول عن رعيته بتعليمهم الصلاح والاستقامة، أو بسبب اللامبالاة نتيجة تراكم المصائب على الأسرة ففقدت اتجاهها الرباني وأصابها التخبط. وكل هذا يدلنا على انفصام عُرى العلاقة بين الزوج والزوجة، الأب والأم، والتي تحولت إلى علاقة غير طبيعية انقلبت فيها الموازين وأصابها التوتر بسبب الجفاء والبعد والغياب عن الحصن الأسرى التراحمي، منبع السكن والقرار.
لقد قضت وثيقة بكين على معنى وقيمة القوامة بنشر مفاهيم المساواة بالطريقة التي تواكب المنظومة المعرفية العلمانية. واستطاع الإعلام المؤيد لهذه المنظومة أن يحدث انقلاباً في الأسر المسلمة بتخلي الأب عن قوامته ورعايته أسرته وحمايتها من الناحية القيمية بغيابه عن بيته سعياً للكسب خارج البلاد وترك الأسرة بحجة جلب المال[29]، وفى ذات الوقت تخلت المرأة عن أمومتها ورعايتها ودورها التربوى. ونتج عن هذا انتشار التفكك الأسري وارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع المصري[30].
المبحث الثالث
غياب الصورة الطبيعية لهيكل الأسرة ووظائفها الشرعية
وبتبديل ثقافة الأمومة بثقافة “الحرية” يغيب عن الأسرة التي وقعت ضحية للمواثيق النسوية تمحورها حول الله عز وجل والعمل لابتغاء مرضاته. كما يغيب عنها أسوة رسول الله ﷺ ومعاملاته التي تتميز بالمودة والرفق والرحمة مع الزوجة والأطفال والأحفاد. فغياب الغائية في الأفعال هو غياب أو تغييب لمقصد المكلف من العبادة. فالأسرة المسلمة وحدة متلاحمة يزداد أفرادها تفاعلاً لقربهم واتحاد هدفهم. وركون كل من الزوج والزوجة للآخر يخلق علاقة تكاملية، يتبادل فيها الرفيقان الحنان والرغبة في العطاء والرعاية. وهي مزيج من القوة والاحتياج، القوة في العطاء والاحتياج للعطف الداعم لهذا العطاء. وفى النهاية، الكل يعمل من منطلق مرضاة الله ومن أجل ذلك. ونستنتج من كل ما سبق أن الحركة النسوية قد أحدثت من خلال الوثائق والإعلام المصاحب لها تشويشاً على معنى الأمومة لإنهاء تلك الوظيفة. وبهذا حققت الحركة النسوية، التي صاغت الوثائق، هدفها بإخراج المرأة من حصن الزوجية إلى الشارع. لهذا زهدت معظم الأمهات في تلك الوظيفة التي فطر الله عليها أمهات العالم. فباسم “الحرية” تساوت المرأة مع الرجل وأعطيت حق السحاق! وباسم “الحرية” دعوها لاستئجار رحمها ضد فطرتها التي كانت عليها. وكان الله تعالى قد أعطاها ذلك الحق الفطري وتلك الهدية لرحمته بها؛ تحمل كرهاً، وتضع كرهاً، وتستمتع بحملها وهناً على وهن، وتحتسب ذلك عند الله وترضع حولين كاملين إن أرادت إتمام الرضاعة باختيارها، ليتكامل معنى الأمومة كما أرادها الله عز وجل. ثم تقوم بدورها في التربية استكمالاً لمهمتها الاستخلافية في الأرض. ولهذا حث الله عز وجل أبناءها على الإحسان إليها ويلحق بهذا رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ثلاث درجات فوق الأب لتحملها مشقات الأمومة.
المطلب الأول- إصابة حياة الأم العاملة بالتخبط والإسراف وتغييب الأمومة الحقة:
وحين خرجت الزوجة الأم لسوق العمل تكبدت الجهد والمشقة ونفقات أخرى بددت ما أتت به من دخل لنفسها أو لأسرتها لتسد فراغ غيابها كنفقات الخادم والحضانة. كما تكبدت نفقات على مظهرها في العمل بالملبس اللائق، ومصاريف التنقل اليومية في المواصلات العامة، التي إلى جانب تكلفتها تجبرها على مخالطة الرجال في أوضاع الزحام والتحشر مما ينافي ضوابط الاحتشام والعفة، وإذا تفادت ذلك الوضع بالمواصلات الخاصة ارتفعت نفقاتها على وظيفتها التي كان من المفروض أن تساعد على التنمية في المجتمع. وحين تخلت الزوجة الأم عن وظيفة الأمومة نسيت التنشئة والتربية بمفرداتها وتفاصيلها وسبلها من الصبر والمثابرة والتؤدة لإكمال المهمة الربانية. وتلك المهمة تستغرق وقتاً طويلاً منذ اللحظة الأولى حين تُرزق بالذرية فتزرع نواة القرآن في قلوب الأبناء وتحفظهم إياه وتعلمهم تدبره، وبحنانها وعطفها تحتويهم وتؤصل فيهم ما يشرح صدورهم ويهديهم، وترويهم من نبعه العذب، ليذوقوا حلاوته، فتراهم كالزهور اليانعة، النورانية، المتفتحة بربيعه وتستمتع بثمار حبهم له والعمل به. كما تعلمهم حب نبيهم واتباع منهاجه وتطبيق القيم الأخلاقية الإسلامية الرفيعة والراقية في المعاملات اليومية وتجهزهم للتعامل الملائم مع المجتمع الخارجى. وهي الأم الواعية بتغيرات عصرها الخطير، والساهرة على أولادها تحصنهم من الجراثيم الدخيلة التي تهاجم عقولهم وكيانهم الثقافي والقيمي، كزملاء السوء، وثقافة الإباحية، والانحلال، والتمرد على الوالدين. وهي التي لا تكل ولا تتعب فتمضي الوقت معهم تسمع شكواهم وآلامهم وتعينهم على حل مشاكلهم. فحين يقضي الولد أكثر ساعات يومه في بيئة مليئة بالموبقات لابد أن يجد الصدر الحنون والحصن الآمن يلجأ إليه طالباً الحماية والعون.
وهذه الأمور الخاصة بحفظ الأرواح والقلوب والعقول، والخاصة بالتنشئة والتثقيف تأخذ وقتاً طويلاً ورعاية ممتدة من الأم العارفة بدينها والمتفانية في خدمته. لكن معظم الأمهات تعاني من الجهل بهذه الآليات البدائية للتربية، والجهل بثقافة الأمومة وعدم الوعي بالدين هو الأمية الدينية بعينها. فالأمومة ليست مجرد التواجد في البيت، بل هو ممارسة ذلك الدور باستمتاع واحتساب. وقد غاب ذلك عن الأم بقصد أو بدون قصد. واستثمر تلك الأمية المنادون بالصحة الإنجابية والتماثلية وتجارة الأرحام. فكيف لها أن تتخلى عن إيداع الرسالة المحمدية الخالدة في صدور أبنائها حتى لا تضيع الأمانة التي حملها الله كل مكلف مستخلف في الأرض؟
المطلب الثانى- البطالة وتغييب دور الأب وتذويب العلاقات الزوجية:
ولن تكتمل وظيفة الأم بدون وظيفة الأب ومعاونته وهو الحانى الحامى لكيان تلك الوحدة التراحمية. فعلاقة الزوج والزوجة لا يمكن أن تكون شكلاً بلا مضمون، أو مظهرًا دون جوهر، أو تواجداً بلا تفاعل، أو جسدًا بلا روح، أو أطرًا فارغة، أو رسميات دون مشاعر عميقة حية، تنبض بالود والتفاهم. فالزوج والزوجة هما مزيج متكامل يقوى بعضه بعضاً، ويؤازر بعضه بعضًا، ويتدافع قدمًا لتحقيق هدفه ونجاحه وما ذلك النجاح إلا نجاح الأسرة كوحدة متماسكة، تكاملية، مبصرة بهدفها الأسمى والأرقى في مرضاة الله. فالوئام والثقة والارتياح لذلك الرفيق والاطمئنان إليه وائتمانه على مكنون نفسه، داخل ذلك الصرح البالغ الخصوصية، هو ما يدعم الشعور بالإنتماء. وتلك الألفة والانسيابية في العلاقات تمنح الوليف الشعور بصداقة متينة تزداد قوة بمرور الوقت والرعاية المستمرة. فالتجانس الذهني ييسر الاتفاق ويضفي الليونة في التعامل ويمنع الاستهزاء أو السخرية بذلك الرفيق الذي يحافظ على شعوره ويتألم لألمه ويفرح لفرحه. ذلك الرفيق المؤتمن الذي أصبح سترًا وغطاء في حضور رفيقه أو في غيابه. فضلاً عن أن جميع الأعضاء يشعرون بوجود ملجأ وملاذ وحصن يحتمون فيه وقت الشدة وعند الابتلاء والأزمة التي لا تخلو منها الحياة بمتاعبها. والاستقرار بين الزوج والزوجة يعينهم على خلق الجو الهادىء وتكوين النموذج الطيب والقدوة الصالحة للأبناء التي بغيرها تصبح محاولات التربية والتقويم ضرباً من العبث.
لقد أدت البطالة بسبب دفع المرأة للاندماج في التنمية إلى إحلالها محل الرجل في سوق العمل. وكما أن غيابها يحدث شرخًا في الكيان الوجداني للأسرة، فإن بطالة الرجل تشعره بالإحباط نتيجة عدم القيام بدوره في الإنفاق، وما يتعلق بذلك من رعاية وحماية، وهو ما فضله الله تعالى به وهو دوره الطبيعى. وينتج عن ذلك الشعور بفقدان ربان السفينة. إلى جانب أن البطالة تثبط طموحات الأسرة وتوقعات أعضائها وتؤثر على علاقاتهم وتقف في سبيل تحقيق أهدافهم بأكملها، وينعكس ذلك على علاقة الأسرة كوحدة اجتماعية تتفاعل مع باقي الوحدات في المجتمع. والنتيجة الطبيعية لهذه الظروف المفروضة على الكيان الأسرى، أن ينتهي دور القوامة. فالآية: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34) توضح أن القوامة تعني مسؤولية الرعاية والحماية والإنفاق على الأسرة. فقد أوضح ابن حجر في فتح الباري في “كتاب النفقات على الأهل والعيال” أن المراد بالأهل هو الزوجة وعطف العيال عليها من عطف العام بعد الخاص، أو المراد بالأهل الزوجة والأقارب وكذلك الخدم، وقد ذُكرت الزوجة مرتين تأكيداً لحقها. ومن السنة حديث جابر عند مسلم “ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف” (ويوضح ابن حجر أنها محبوسة عن التكسب). وهذا تكريم لها ومراعاة لما تتحمله من مشقة الحمل والولادة والرضاعة، وليس لزوجها أن يجبرها على التكسب، وعليه أن يترك لها فرصة رعايته وتربية الأطفال بمعاونته[31].
وتحمل القوامة أيضاً في طياتها معنى الكرم والجود والعطاء، فمعنى القوامة الشرعية يحمي المرأة من احتقار الرجل لها إذا لم تستطع العمل بسبب مهامها الأسرية، أو أن يعتبر ذلك عجزاً منها عن زيادة دخل الأسرة. إن المنظومة المعرفية المبنية على القرآن والسنة تتمايز عن المنظومات الأخرى التي تعطى معنى الغطرسة أو السيطرة أو التحكم بالمال على الزوجة، كما يستحيل أن تكون الدرجة بمعنى التمييز العنصري بين الرجال والنساء لإعلاء الرجال فوق النساء. لقد ألغى الإسلام التميز والتمييز والتعالي والكِبر والتظالم، وأُلغيت جميع الفوارق القسرية كاللون والعرق والجنس والذكورة والأنوثة، كما جُعلت هذه العلاقة منبت الإنسانية وسبيل امتدادها وتشكلها وانتشارها من رحم واحد، وحملت العابثين بالأرحام والظلم في العلاقات الإنسانية مسؤولية كبرى[32]. فالله هو حكم عدل، ورسوله الكريم لم يفرق بين أسود وأبيض ولا بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، وهي ليست حكراً على أحد، وكان يعامل صحابته الكرام سواء بسواء كأسنان المشط، وعتْق الرقاب جميعها إنهاء لاستعباد البشر للبشر. ويقول القرطبي في تفسيره الآية: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة: 228)، عن ابن عباس أن هذه الآية “إشارة إلى حض الرجال على حسن المعاشرة والتوسع للنساء في المال والخلق” وزاد “أي الأفضل أن يتحامل على نفسه” من أجل أسرته[33]. فالتكبر والتعالي والتحكم والفظاظة في المعاملة ليس من الإسلام في شيء.
وحضور الأب، الذي غيَّبته المنظومة النسوية، له أهمية عظيمة في تماسك وتشابك وتقوية العلاقات الأسرية. “وعليه أن يشعر الجميع بقربه منهم، وأنه معهم يشاركهم فيما يهتمون به ويتعرف على ما يرغبون فيه. إن واجب الرجل نحو أسرته ليس مقصوراً على الإنفاق المادي، فالقوامة التي منحها الله للرجل تعني المسؤولية بمفهومها الشامل، ولا تشغله أعماله، مهما تكن، عن الرعاية التي فرضت عليه لكل أفراد أسرته. وليكن قدوته في ذلك الأب والزوج الكريم النبي محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.”[34] وحنان الأب وعطفه على الجميع يجعله متداخلاً في نسيج العلاقات وليس منفصلاً عنها. وغيابه بسبب انشغاله بمجالسة أصدقائه وخروجه معهم للترفيه المتكرر، أو السهر خارج البيت لساعات طوال، أو غيابه أو سفره بعيداً لإدارة الأعمال أو حتى الدعوة إلى الله يعرض أسرته للضياع لأنها “فقدت الراعي، ويسرت للذين يتلقفون الأبناء من أصدقاء السوء أن يزينوا لهم وسائل الفساد. إن عدم فهم الزوج لدرجة القوامة يجعله يقصر في واجباته نحو زوجته وأولاده، وقد يعتقد بمقتضى هذه القوامة أن له الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء دون أن يراجعه أحد من أفراد أسرته، وهذا السلوك من الزوج يرتد على الأسرة بالاضطراب وفتور العلاقة الزوجية، وقد يصل الأمر إلى الشك الذي يدمر هذه العلاقة.”[35]
والأخطر من كل هذا، عدم فهم الأب لدرجة القوامة، فليس لأي من “الأفراد اتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة (أوتوقراطية) أو فردية فإنها تضعف الزواج.”[36]
المطلب الثالث- نتائج تآكل وظائف الأسرة:
إن برامج المواثيق الدولية أرادت أن تتآكل الوظائف العديدة للأسرة التي أوضحت جانباً واحداً فقط منها. وقد أذابتها المرجعيات النسوية الوثائقية في هياكل مستغربة مستحدثة في خبثها، كلها تنافى مقاصد الشريعة. وأرادت المواثيق أن تؤصل النـزعة الفردية حتى تتسلل في كل مكان بزيادة تباعد أفراد الأسرة الواحدة في برامج مستقلة إيذاناً بتحلل العلاقات الاجتماعية وجفاء المعاملات وسيادة المادة. فهذه المواثيق وبرامجها التنفيذية تشكل طابوراً للفساد[37] تشل به إرادة المرأة والشباب وتضع الرجال في متاهة بين أسرة مفككة وبطالة وفراغ وإهدار للطاقة. وذريعة انخراط المرأة في التنمية أثبتت فشلها. فكيف لأسرة انقطعت أوصالها وانفصمت عراها باستقطاب كل فرد فيها على حده في برامج انحلالية أن تساهم في رقي المجتمع أو تحقق إنتاجاً نامياً أو إنجازات حضارية دون حصن يحتويها ومأوى يحميها وسند يقويها؟ خاصة وقد انشغل كل فرد “بمشكلاته الشخصية عن مسؤولياته الاجتماعية، وبدلاً من أن يكون رافداً منتجاً في المجتمع يصبح فرداً محبَطاً يحتاج إلى جهود تُبذل لمساعدته لتجاوز تلك المشكلات التي تواجهه، وكان بالإمكان صرف تلك الجهود في نواحي أخرى هي بحاجة لتلك الجهود. وكما قال أحد الباحثين في موضوع التنمية: تظل إنتاجية المجتمع المحور الأول والمحصلة النهائية لما يعايشه المجتمع ويعيش فيه من مظاهر وسمات، وما يربط أفراده من روابط وصلات.”[38]
المبحث الخامس
واقع الأسرة وأهلية المكلفين
وللنظر الآن إلى مقاصد الشريعة العليا بتنزيلها على واقع الأسرة وما يجب أن يكون حالها، فمهمة الأسرة في الأرض غائية استخلافية تعبدية بالدرجة الأولى. إن وظائف الأسرة، المفصلة فيما أسلفت، تعكس الصورة التي يجب أن تكون عليها حين يكرس المكلفون فيها طاقاتهم للقيام بوظائفهم الطبيعية لمواكبة مقاصد الشريعة بكلياتها الخمس. فعمارة الأرض لا يمكن أن تعنى فقط بناء المبانى الشاهقة وناطحات السحاب أو الدور للسُكنى. فالمقصود من الوجود عبادة الله بكل الوسائل المتاحة وتفعيل مقاصد الشرع وتنزيلها على الواقع. “يقصد المكلف من عمله بالتكاليف الشرعية المقاصد التي وجه الله عباده إليها وارتضاها لهم.”[39]
والمطلوب من المكلفين مقاصد عالية تتمثل في تحقيق عبادة الله وإنجاز مهمة الاستخلاف من خلال الإيمان ومقتضياته: “من العمل الصالح المحقق للسعادة في الدنيا والآخرة، والشامل للنواحي المادية والروحية والذي يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع، والذي يجمع بين المصلحة القومية الخاصة والمصلحة الإنسانية العامة، وبين مصلحة الجيل الحاضر ومصلحة الأجيال المستقبلة، كل ذلك بالنسبة للإنسان والأسرة والأمة والإنسانية جمعاء.”[40]
والكليات الخمس كلها متداخلة ومترابطة. فمقصد حفظ الدين، قد تم بكون الله حفظ القرآن من التحريف وأنزل الرسالة الخاتمة. ولكن الدين يشمل العقيدة والأخلاق والأعمال وتطبيق الشرع. ولن يتم تفعيل حفظ الدين إلا بالتزام العبد به واتخاذه منهاجاً لحياته. وحفظ الدين يقوم على التحذير من فعل المنكرات والترهيب منها لإبعاد الناس عن التخبط في العقائد وعدم الوقوع في الانحراف والضلال ولينقذ الناس من الطقوس الزائفة وعبادة الأشخاص من دون خالقها[41].
وحكمة الباري في حفظ النفس عظيمة، فقد كرس الله لها كل ما يحفظها وحرم ما يضرها، وغلظ في عقوبة القتل لعلو النفس وسموها وتكريمها وتسخير الكون لها ولكونها الوعاء الذي يحفظ الدين ويقيمه.
وحفظ النوع أو النسل لا يكون إلا بالزواج الشرعي الذي حث الله عليه بأركانه وسلامة عقده، وعدل شهوده، وغلظة ميثاقه، والنهى عن التبتل والعنوسة والعزوف عنه، وتحريم جميع السبل التي تخالف معنى ومقصد الزواج الشرعي على الدوام. وقد حرم الله الأنكحة الفاسدة والبغايا وهتك الأعراض والعلاقات الآثمة، وغلظ في حدود جريمة الزنا تأكيداً على حفظ الأنساب من الاختلاط والضياع. وحفظ العِرض يلحق حفظ النوع أو النسل.
والمال ضرورة لا تحمد إلا في خدمة الدين فلابد أن يكون حلالاً طيبًا. ونهى عن الإسراف وتبديد المال أو إنفاق المال في غير موضعه أو في الحرام، وحرَّم المشاريع الفاسدة التي تؤدي إلى ضياع الخلق.
فالمسلم عليه تفعيل المقاصد الشرعية في العقيدة والثقافة والاقتصاد والحياة الاجتماعية[42]. وعليه ألا يقف موقف المتفرج منها ويدع الثقافات الدخيلة تحجم دوره كمسلم مكلف يبتغى مواكبة قصده في العمل قصد الشارع. وحال الأمة الآن أنها تتصدى لمن يريد أن يفرض قيماً ترفضها لأنها مخالفة لطبيعتها وثقافتها. فزرع القيم الأخرى هو مرحلة من مراحل تبديل ثقافة الأمة وحضارتها الأخلاقية القيمية التي تمنحها الهوية. وذلك لتصبح القيم المفروضة هي الثابتة مع غفلة الأمة ونسيانها أو تناسيها ثقافتها الأصيلة وعدم امتلاكها الوسائل النافذه إعلاميًّا وتنفيذيًّا لتوقف هذا الاستعمار الثقافى[43].
المطلب الأول- إغفال مآلات الأفعال:
وأهم قاعدة من القواعد المقاصدية المنهجية هي إعطاء الوسيلة حكم المقصد. فالمشرع يجب أن يضع نصب عينيه ما يترتب على إعمال الوسيلة من المصالح والمفاسد. فتقويم مآلات الأفعال لمصلحة تُجلب أو مفسدة تُدرأ هو مقياس الإقدام على فعل ما أو الإحجام عنه[44]. وهذا المقياس الشرعي يطبق على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، أى بدءًا من الوحدة الصغيرة إلى الوحدة الأكبر بطريقة تصاعدية. فالمفسدة التي يتوقف عليها العمل تجنب العبد التخبط في الوحدة الصغرى وهي الأسرة، ثم تجنب أفراد المجتمع التخبط فيه، ثم تجنب الدولة مبالغ باهظة للتحكم في الفساد والجريمة التي انتشرت في المجتمع. فقصد الشارع من المكلف أن يكون قصده من العمل موافقاً لقصد الشارع من التشريع. فعلى هدي مقدمة المصالح والمفاسد ومقدمة اعتبار موافقة قصد المكلف قصد الشارع نفهم اعتبار مآلات الأفعال[45]. “لقد وضعت الشريعة لتكون أهواء العباد تابعة لمقصود الشارع (لا العكس)، ولقد وسع الشارع على العباد في شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم ولا يفضي إلى مفسدة ولا إلى مشقة.”[46]
فقد يكون الفعل مشروعاً، كإعطاء المرأة حقوقها المشروعة ورفعتها في المجتمع، ولكنه رغم أنه مشروع فهو يؤدي إلى مآل غير مشروع لفقدانه ضوابط الشرع وعدم تغليب مصلحة الأسرة على المصلحة الفردية الظاهرة في المساواة مع الرجل والكسب المادى. وتعليم المرأة والناشئة الإباحية والشذوذ ونزع الحياء والفضيلة هو مفسدة عظيمة تؤدي إلى انهيار مجتمع بأكمله نتيجة هذه الأفعال الوافدة من منظومة غير شرعية أصلاً، ومن علمانية في الفكر والتطبيق دون اعتبار لشرع الله عز وجل. إن التعاون على الفاحشة لا يمكن أن يكون تعاوناً على الخير ولا يمكن أن تغلف الأفعال المحرمة بغلاف الصلاح أو الإصلاح.
المطلب الثانى- معارضة تطبيقات النسوية العلمانية المقاصد العليا للشريعة:
من كل ما تقدم نستخلص التقويم النهائي للوثائق ونظرتها لمقاصد الشريعة. إن بنود الوثائق القائمة على الحركة النسوية قد عارضت وحاربت مقاصد الشريعة الجزئية ومقاصد المكلفين في الأسرة في إطار المقاصد الأساسية والكلية والعالية، وذلك بعرقلة الأمومة والأبوة والانتماء الأسري، واستخدمت وسائل متعددة للإضرار بالأسرة، وآليات متعددة لتكريس المساواة والتماثلية التي أدت إلى التخلي عن المرجعية الشرعية واستبدالها بالمرجعية العلمانية النسوية، ومحورها تغييب القوامة باسم المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، الزوج والزوجة، الأب والأم. وقد اتهمت الوثائق الرجل بالذكورة المتسلطة والغطرسة والتحكم وما يسمى “بالمجتمعات الأبوية” مما أثر في العلاقات الزوجية، وبغياب الزوجة بحجة التنمية ازدادت العلاقات جفاء، وغياب التراحم في العلاقات الزوجية أنتج التخلي عن واجبات القوامة الشرعية الحقة وما تحويه من واجب الإدارة الأسرية والقدوة، والأسوة الحسنة، والرعاية، والحماية.
المطلب الثالث- فقدان وظيفة الاستخلاف التعبدى
كما أن تخلى المرأة الزوجة عن وظائفها يخالف منظومة الاستخلاف التعبدي من خلال العلاقة الزوجية التراحمية والأمومة الحانية. وقد أحدثت هذه الاندفاعات العشوائية أو الفوضوية سلوكيات عامة غير مدروسة أدت إلى خلل عام وفقدان للرؤية، ومن ثم طغيان المصلحة الفردية المادية على المصلحة العامة للأسرة. كما أحدثت خللاً في ميزان القوى العاملة في المجتمع بصفة عامة كالبطالة الزائدة من جراء منازعة المرأة الرجل وظائفه في سوق العمل، وهو المناط والمكلف بالقوامة وتحمل أعباء الأسرة من الناحية المادية وضمان استقرارها وسكنها ليمكنها من التفاتها لمهامها الشرعية ومقاصدها الغائية. كما أدت إلى انتشار الجريمة بسبب تآكل وانقراض المساحة التربوية في المجتمع وهجرة الأزواج خارج مجتمعاتهم بحثاً عن الرزق.
المطلب الرابع- فقدان الدور التربوي الإرشادي:
وقد أدت هذه الفوضوية بالتالى إلى تخلى كلا الوالدين عن الوظائف والاختصاصات الاستخلافية والعلاقات التراحمية والواجبات الإرشادية والتثقيفية التربوية للأبناء. وكما اتضح من التحليل المفصل للبحث أنه قد تسنى للخطاب النسوي وآلياته الفاعلة التزيين التدريجى لهذا الخلل السلوكي والاجتماعي عن طريق التفعيل التدريجي للمصطلحات ذات الصدى الإعلامى الموجه لخدمة النسوية، ثم تذويب ما بقي من الشكل الأسري بإقناع المرأة بـ “الحرية” و”الاعتماد على الذات” ثم انسلاخ الزوجة الأم وإدماجها في “التنمية.” والقصد من ذلك عزلها عن المجتمع وعن المساهمة فيه بقواها الفاعلة من أجل خدمة دينها والمصلحة العامة لنساء المسلمين بتقلد الوظائف المفيدة كالطب، والتمريض، والعلم، والفقه، والتدريس، على سبيل المثال لا الحصر. وليس الهدف من توظيف مواهبها أن ندفعها باسم تنمية زائفة أو للتنافس والتسلق في ميدان العمل لتحصيل مكانة مماثلة لسيدات “الأعمال” مثلاً. ومما سبق نرى أنه قد تم اكتساح مساحات أوسع من المجتمع من قِبَل جحافل النسوية العلمانية والتحديث والعولمة.
وفى النهاية نجمل معارضة وثائق الأمم المتحدة المستحدثة لجميع المقاصد العليا كحفظ الدين والعقل بتبديل المرجعيات والمنظومات الشرعية، وعرقلة الخضوع والاستسلام لله، وتذويب مهام الاستخلاف التعبدي في المجتمع، والحيلولة دون مواكبة مقاصد المكلفين لمقاصد الشارع. كما عارضت مقاصد حفظ النفس بإفسادها وإضلالها عن الطريق المستقيم فغلبت الأهواء والمصالح الشخصية على المصلحة العامة للأسرة والمجتمع. وعارضت مقاصد الشارع لحفظ العرض بفرض حق إجهاض حمل السفاح. وهذا بذاته يؤدي إلى تشجيع انتهاك الأعراض. كما أنها تسعى لفرض استئجار الأرحام ونشر الشذوذ والفاحشة والثقافات الجنسية المؤيدة لانهيار الخلق. وعارضت مقصد حفظ المال بالتشجيع على تبديده. وأوقفت التنمية بتحطيم النواة الأسرية وإقحام المرأة في ميادين العمل وتكبيدها الجهد والمشقة والوقت ونفقات الخادم والحضانة والملبس، والتنقل، وضياع ذريتها، وأسرتها. كما عارضت مقصد الشارع حفظ العرض باستباحة خلط الأنساب واستئجار الأرحام لخلق الأم البديلة والحاضنة. وعارضت مقصد حفظ النسل بضياع النسل كله بتغييب دينه، وعلمنة ثقافته ومنظومته المعرفية، وتغييب عقله عن فهم عقيدته وتطبيق الشرع الحنيف.
الخاتمة:
إن الأمة التي تفقد تمايزها بدينها عقيدة وشريعة، أخلاقًا وسلوكًا، فكرًا ومنهاجًا تفقد عناصر مكوناتها الحضارية. ولا تستطيع أن تكون أهلاً للشهادة على الأمم الأخرى التي أراد الله أن يشهدها عليها كما جاء في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: 143). والأمل في إنقاذ الأمة من الهلاك هو عودتها إلى تعديل مسارها وتفعيل مقاصد الشريعة على جميع مستوياتها، لتتمشى مقاصد المكلفين فيها أفرادًا وجماعات مع مقاصد الشريعة العليا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* البحث منشور في مجلة المسلم المعاصر. ع. 131. ص ص. 215 – 259.
** أستاذ مشارك في كلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر التعليمية.
[1] لقد أصدر هنرى كيسنجر تقريرًا عن خطورة تعداد نسل المسلمين في العالم. انظر مقالنا “مؤامرة صندوق الأمم المتحدة،” المجتمع 1343(موضوع العدد). NSSM-200-Kissinger-report.pdf وتحليل الوثيقة.
[2] Committee on the Elimination of all Forms of Discrimination against Women
مؤتمر رفع جميع أنواع التمييز ضد المرأة.
[3] Dale O’Leary, Gender: “The Deconstruction of Women: Analysis of the Gender Perspective for the Fourth World Conference on Women, Beijing, China, September 1995.”
حضرت الباحثة ديل أوليرى المؤتمر ووزعت بحثها على الحاضرات.
[4] المرجع السابق.
[5] Susan Roylance, The Traditional Family in Peril: A Collection of Articles on International Family Issues 8 (Utah: United Families International, 1996), p. 129.
يدرج فيما بعد تحت عنوان الأسرة التقليدية في خطر متبوعا برقم الصفحة.
[6] المرجع نفسه.
[7] د. الحسينى سليمان جاد، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية رؤية شرعية (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، جمادى الأولى 1417) ص 59.
[8] استنادًا إلى أمر الرسول ﷺ المثبت في الحديث الصحيح، رواه الترمذي وابن ماجه وأبو داود.
[9] المستشار على على منصور، نظام التجريم والعقاب في الإسلام (القاهرة: مطابع الأهرام التجارية،1967) ج1 ص 341.
[10] نعمان عبد الرازق السامرائى، نحن والحضارة والشهود (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 80، ص 7.
[11] الأسرة التقليدية في خطر، ص 61.
[12] مالك بن نبى، مشكلات الحضارة: مشكلة الثقافة (دمشق: دار الفكر المعاصر، 200) ص، 14.
[13] المرجع السابق ص 50 تفسير الثقافة أنها علاقة الإنسان بعالمه الروحي الذي ينمى فيه وجوده النفسى.
[14] للمزيد من التفصيل، انظر مقالنا “مؤتمراسطنبول للإسكان والإعمار: خطة جديدة لتدمير الأسرة والمجتمع في العالم الإسلامي،” المجتمع، 1201 ص 22-26.
[15] الأسرة التقليدية في خطر، ص126.
[16] تقرير المديرة التنفيذية للمجلس التنفيذى لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى وصندوق الأمم المتحدة للسكان، 5 مايو2000 وفى السودان، تقدم خمسون نائبا في مجلس الأمة بمذكرة لاستجواب وزير الصحة حول ما أثير من تعقيم الفتيات وتوزيع وسائل منع الحمل خارج الإطار الأسرى [د. أمانى صالح، حولية قضايا العالم الإسلامي: أمتي في العالم: مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة 2000 ص 246].
[17] مقال مصطفى سليمان ومنال مهران، “القاهرة تحفظت ثم تراجعت” جريدة الأسبوع، 13 مارس،2007.
[18] انظر عبد الحليم أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، ستة أجزاء (الكويت: دار القلم، 1410-1990)، د. فاطمة نصيف، حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة (مصر: مطبعة المدنى،1992)، د. محمد البلتاجي، مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة (القاهرة: مطابع الدار البيضاء، 1996). وكتابنا باللغة الإنجليزية:
The Resurgent Voice of Muslim Women (Illinois: Foundation of Islamic Knowledge, 1999).
[19] ليس هذا مجال الإسهاب في الموضوع وللتفصيل انظر على محيي الدين القرة داغى، فقه القضايا الطبية (بيروت: شركة البشائر الإسلامية، 2005) ص 575-590.
[20] لقد حرم الفاتيكان جميع الممارسات الجنسية خارج نطاق الأسرة واعتبرها غير أخلاقية وغير قانونية ومنع تأجير الأرحام والمتاجرة بماء الإخصاب أو الاحتفاظ به في البنوك الخاصة بذلك: انظر مقال أودرى جيشين، مركز الدراسات الأخلاقية.
www.newr.bham.ac.uk/pdfs/Reproductive/Background%20report%20on%20reproductive%20rights.pdf
[21] لنقد التوجه العلمانى انظر: د. أحمد الريسونى، و د. محمد الزحيلى حقوق الإنسان: محور مقاصد الشريعة (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، 2002).
[22] Katherine Seligman, “A Report from The Motherhood Project, 2002,” “The Motherhood Movement.” www.motherhoodproject.org/?cat=19-19k
[23] لقد بالغت أدبيات الحركة في نقد القوامة. ولمعرفة مدى الهجوم على مفهوم القوامة في الإسلام، أنظر على سبيل المثال لا الحصر:
Kate Millet , “What is to be Done”( lawreview.kentlaw.edu/articles/75-3/MILLET.pdf), Valentine Moghadam, “Patriarchy in Transition: Women and the Changing Family in the Middle East” Journal of Comparative Family Studies, 22 March, 2004, www.accessmylibrary.com/coms2/summary_0286-21047447_ITM
[24] هو المصطلح في الوثيقة باللغة الإنجليزية “Marital Rape”.
[25] د. أمانى صالح، “المرأة المسلمة بين قرنين: الإنجازات والتحديات، “الأمة في قرن: أمتي في العالم (مركز الحضارة للدراسات السياسية،2000: 28 مكتبة الشروق الدولية) 2004 ط 4 ص373.
[26] للمزيد من التفصيل عن عواقب غياب الأم والأب انظر عبد المجيد بن مسعود، التفكك الأسرى: الأسباب والعواقب والحلول، كتاب الأمة 85 (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية).
[27] أكدت السفيرة نائلة جبر مساعد وزير الخارجية المصري أن 20% من دبلوماسيي مصر من النساء، وأن منهن ست نساء يتقلدن منصب نائب وزير الخارجية، وقالت إن جميعهن يدرن موضوعات فنية وسياسية غاية في الأهمية مشيرة إلى أن نسبة المرأة في الملحقات الجدد “ملحق دبلوماسي” بوزارة الخارجية تبلغ 20%. عن جريدة المصري اليوم 22 يناير 2006.
[28] هذه إحصائية رسمية من منظمات العمل المصرية. إن الزيادة في دخل المرأة تؤدى إلى زيادة إنفاق الأسرة على التعليم والصحة والتغذية أكثر مما تؤدى إليه الزيادة في دخل الرجل وبالتالي زيادة رأس المال البشرى للمجتمع كله. ناهيك عن مردود التعليم على معدل الخصوبة وتغذية وصحة الأطفال. كما أكدت د. هبة الليثي في مؤتمر المرأة المصرية والأهداف التنموية للألفية، اللجنة الاقتصادية. وهذا عكس ما يريده الشارع من قوامة الرجل المفضل بالإنفاق.
[29] هذه الظاهرة متكررة. انظر د. أمانى صالح.
[30] عن جريدة الرياض، الثلاثاء، 4 شعبان-5 أغسطس 2008 العدد 14652.
[31] ابن حجر، فتح البارى، ج9، ص408- 409 (القاهرة: الريان، 1987).
[32] د. عمر عبيد حسنه، التفكك الأسرى: الأسباب والحلول المقترحة (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 83.
[33] تحليل وتعليق د. عبد الحليم أبو شقه، تحرير المرأة في عصر الرسالة، ج5، ص99.
[34] د. أمينة الجابر، “التفكك الأسرى: الأسباب والآثار” التفكك الأسرى: الأسباب والحلول المقترحة، (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 83.
[35] المرجع السابق.
[36] الشيخة العنود بنت ثامر بن محمد آل ثاني، “التفكك الأسرى: العلاج والحلول،” في المرجع السابق.
[37] عبد المجيد بن مسعود، التفكك الأسرى: الأسباب والعواقب والحلول (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 85.
[38] د. صالح بن إبراهيم الصنيع، المرجع السابق.
[39] عمر سليمان الأشقر، مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين (الكويت: مكتبة الفلاح، 1981) ص 487.
[40] د. جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة (دمشق: دار الفكر للطباعة والتوزيع،2003) ص 94، 122.
[41] محمد بكر اسماعيل حبيب، مقاصد الشريعة الإسلامية تأصيلاً وتفعيلاً (جدة: رابطة العالم الإسلامي، 1427) 305 – 312.
[42] المرجع السابق، ص 313-338 بتصرف.
[43] نعمان عبد الرزاق السامرائي، نحن والحضارة والشهود (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 80. ص26-37. قضية الأهلية للشهود الحضارى كتب فيها العديد من المفكرين. وقد استدل بهم الكاتب في سياق تحليله لمفهوم الحضارة.
[44] مصطفى حسنين، “اعتبار مآلات الأفعال ودوره في إثراء الاجتهاد المقاصدي،” ص 3، المجلس العلمى. الموقع على الشبكة:
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=351
[45] عمر سليمان الأشقر، ص500.
[46] د. جمال الدين عطية ص123.
قائمة المراجع
أولا: المراجع العربية
- ابن حجر، فتح الباري (القاهرة: الريان، 1987).
- د. أحمد الريسونى، و د. محمد الزحيلى. حقوق الإنسان: محور مقاصد الشريعة (قطر: وزارة: الإسلامية، 2002).
- أماني صالح، “المرأة المسلمة بين قرنين: الإنجازات والتحديات،” الأمة في قرن: أمتي في العالم (مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2000: مكتبة الشروق الدولية).
- أمينة الجابر، “التفكك الأسرى: الأسباب والآثار” التفكك الأسرى: الأسباب والحلول المقترحة (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 83.
- الشيخة العنود بنت ثامر بن محمد آل ثاني، “التفكك الأسرى: العلاج والحلول”، التفكك الأسرى: الأسباب والحلول المقترحة (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 83.
- جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة (دمشق: دار الفكر للطباعة والتوزيع،2003).
- الحسيني سليمان جاد، وثيقة مؤتمر السكان والتنمية رؤية شرعية (كتاب الأمة: العدد 53، جمادى الأولى 1417).
- عبد الحليم أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، ستة أجزاء (الكويت: دار القلم، 1410-1990).
- عبد المجيد بن مسعود، التفكك الأسرى: الأسباب والعواقب والحلول (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 85.
- المستشار علي علي منصور، نظام التجريم والعقاب في الإسلام (القاهرة: مطابع الأهرام التجارية، 1967).
- عمر سليمان، الأشقر، مقاصد المكلفين (الكويت: مكتبة الفلاح، 1981).
- د. عمر عبيد حسنه، “المقدمة”، التفكك الأسرى: الأسباب والحلول المقترحة (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 83.
- عمر عبيد حسنه، التفكير المقاصدى (بيروت: المكتب الإسلامى1999).
- عمر عبيد حسنه، فقه التدين فهما وتنـزيلا (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية) كتاب الأمة 22.
- فاطمة نصيف، حقوق المرأة وواجباتها في ضوء الكتاب والسنة (مصر: مطبعة المدنى،1992).
- مالك بن نبي، مشكلة الثقافة (دمشق: دار الفكر المعاصر، 200).
- محمد بكر اسماعيل، مقاصد الشريعة تأصيلا وتفعيلا (جدة: رابطة العالم الإسلامى،1427)
- محمد البلتاجي، مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة (القاهرة: مطابع الدار البيضاء،1996).
- نعمان عبد الرزاق السامرائي، نحن والحضارة والشهود (قطر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية) كتاب الأمة 80.
- يوسف احمد محمد البدوي، مقاصد الشريعه عند ابن تيميه (بيروت: دار النفائس، 2000).
ثانيا: المراجع الأجنبية:
- Dale O’Leary, “Gender: The Deconstruction of Women: Analysis of the Gender Perspective for the Fourth World Conference on Women, Beijing, China, September, 1995.
- Rasha al-Disuqi, The Resurgent Voice of Muslim Women (Illinois: Foundation of Islamic Knowledge, 1999).
- Susan Roylance, The Traditional Family in Peril: A Collection of Articles on International Family Issues (Utah: United Families International, 1996).