الحداثة- ما بعد الحداثة- بعد ما بعد الحداثة

الحداثة – ما بعد الحداثة – بعد ما بعد الحداثة

أ. مهجة مشهور *

دخل على معجمنا الثقافي على مر السنوات الكثير من المصطلحات المعبرة عن التطور الحادث على مستوى العالم، وقد أصبحت تلك المصطلحات تستخدم كثيرا دون إدراك حقيقي لما تحمله من معان كامنة.

ويسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على ثلاث مصطلحات تعبر عن الأوضاع الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للعالم الذي نعيش فيه. هذه المصطلحات هي الحداثة، وما بعد الحداثة، وبعد ما بعد الحداثة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المصطلحات تعبر فقط عن الرؤية الغربية لكل مرحلة تاريخية وما شهدت من تطورات، فمثلا العصور الوسطى ينعتها المفكرون الغربيون بأنها العصور المظلمة، في حين أنها كانت في العالم الإسلامي هي عصور نهضة دينية وعلمية واجتماعية هائلة. كذلك عصر الحداثة بما شهد من انفصال الكنيسة عن مركز الدولة بالإضافة للتطورات العلمية والتكنولوجية لا يعبر مطلقا عن الأوضاع في العالم العربي والإسلامي.

ولكن أهمية تفهم الحداثة وما بعد الحداثة نابع من كونها مفاهيم تسللت الينا بكل ما تحمل من معان وسمات ورؤى مناقضة لأوضاعنا ولكنها أصبحت في غفلة من الزمان جزء لا يتجزأ من تكويننا العقلي ومن طبيعة حياتنا اليومية.

الحداثة Modernism

يعبر مصطلح “الحداثة” عن الحقبة الزمنية التالية لفترة العصور الوسطى بما تحمل هذه الأخيرة من سمات أساسية تتلخص في سيطرة الكنيسة على الحياة العامة والحياة السياسية، وفي البطء الشديد في التطور العلمي والاقتصادي، وانتشار الأوبئة والحروب، والانتقال إلى مرحلة جديدة تحمل قفزات علمية وتكنولوجية واقتصادية كبيرة، ويتحرر فيها الغرب من سلطة الكنيسة على كافة مناحي الحياة.

  ويختلف الفلاسفة في تحديد بداية عصر الحداثة ونهاية العصور الوسطى، فيرى البعض أن عصر الحداثة بدأ عام 1436م مع اختراع جوتنبرج آلة الطباعة، والبعض الآخر يرى أنها بدأت عام 1520م مع الثورة اللوثرية ضد سلطة الكنيسة، ومجموعة ثالثة تربط بين الحداثة والثورة الفرنسية عام 1789م.

وتشتمل الحداثة على مجموعة كبيرة من التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية والتي تتصدرها الإنجازات التكنولوجية والعلمية الضخمة، أما على المستوى الفلسفي فأدى بروز الفكر المادي العقلاني إلى تشكيل الحضارة الغربية، وعلى المستوى الاقتصادي ظهرت النظرية الرأسمالية (بقيادة آدم سميث) والنظرية الاشتراكية (بقيادة كارل ماركس).  

والرؤية الفلسفية للحداثة أو نموذجها المعرفي هو نموذج عقلاني نفعي مادي، وهو النموذج الكامن وراء معظم معارف هذا العصر وعلومه. ويظن الكثيرون أن نجاح هذا النموذج يثبت أنه نموذج منطقي عقلاني عالمي، يعبر عن الطبيعة البشرية في كليتها، ولكنه في حقيقة الأمر يعبر عن جانب منها وحسب. ويستبطن هذا النموذج سماتا أساسية هي:

أولًا: كل ما في هذا العالم له جوهر واحد هو المادة، ويتسم هذا العالم بالسببية الصلبة الكاملة، بمعنى أن كل شيء له سبب مادي، وأن (أ) ستؤدي حتما إلى (ب) دائما وأبدا إن تكررت نفس الظروف. والكائنات كلها تخضع لمنطق تطوري.

في هذا العالم المادي لا يوجد فارق كبير أو جوهري بين الإنسان والطبيعة. فالإنسان إن كان كيانا مختلفا عن الطبيعة فإنه سيشكل ثغرة وانقطاعا في النظام الطبيعي المادي المتماسك المطرد، إذن فالظاهرة الإنسانية تشكل متصلا واحدا مع الظواهر الطبيعية التي يسري عليها القوانين نفسها التي تتجاوز الغائيات والأبعاد الدينية والإنسانية.

وكان سبينوزا Spinoza  (1632-1677) الفيلسوف الهولندي هو رائد هذا التوجه في الفكر الغربي، فرغم أن “الله” قد أخذ عند سبينوزا مساحة عريضة في فلسفته الا أن الله لديه ليس هو الله الذي نؤمن به من الكتب السماوية، فالله لديه ليس مفارقا عن الطبيعة أو عن الوجود، ولكن الله لديه هو الكون وقوانينه. وبالتالي فقد حوَّل اسبينوزا العالم إلى منظومة واحدية رياضية مصمتة الإله فيها هو الطبيعة، وقوانينه هي قوانين الطبيعة والمادة، والإنسان فيها لا يختلف عن أي شيء مادي في الكون. واعتبر العديد من مؤرخي الفكر الغربي الحديث اسبينوزا أول إنسان علماني، فقد ترك اليهودية ولم يعتنق دينا آخر بل أسس لرؤيته الجديدة التي تدور حول تأليه الطبيعة وتأليه الإله.  

ثانيًا: تنطلق المنظومة المعرفية المادية الحديثة من إعلان أن مركز الكون كامن فيه وليس متجاوزا له. وهذا يعني أن الإله إما غير موجود أساسا، أو أنه موجود ولا علاقة له بالمنظومات المعرفية والأخلاقية. أي أن ثنائية الخالق والمخلوق تصفى تماما.

وكان رائد هذا التوجه في الفلسفة الغربية والذي لاقى رواجا كبيرا في الفكر الغربي هو نيتشه Nietzsche (1844-1900) الفيلسوف الألماني الذي اكتشف أن العالم الذي يصبح الإله فيه قانونا طبيعيا والذي تتحكم فيه حركة المادة هو عالم “موت الإله”، أي عالم مادي تماما لا قداسة فيه، محايد لا قيمة فيه ولا غاية، لا كليات فيه ولا مطلقات. وقد جاءت فكرة “موت الإله” كدعوة لتحطيم القيم البالية والقضاء على مفهومي الخير والشر من منظور الأديان، وكذلك الثواب والعقاب والجنة والنار. ويدعو نيتشه عبر هذه الفكرة إلى رفض ما هو مطلق وكذلك كل القيم المستمدة من العالم الميتافيزيقي والاهتمام بالعالم المادي وحده.

وقد أكد نيتشه أيضا على فكرة “إرادة القوة” وعلى صراع الأقوياء الذي هو صراع طبيعي، وأن إرادة القوة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق السعادة في هذا العالم. فإرادة القوة عنده هي جوهر الحياة. أما الحقيقة فهي نسبية لأنها تعتمد على ما تراه إرادة القوة محققا لأهدافها. ويتغنى نيتشه دائما بـ “الإنسان الأعلى” الذي يحطم كل القيم وكل المقاييس البشرية بحيث لا يكون للإنسان الأعلى أي عقبات أمامه بما فيها الإله. فالإنسان الأعلى ليس لطموحه حد فهو دائم التطور. ومفهوم “الإنسان الأعلى” جاء نتيجة تأثر نيتشه بداروين  Darwin(1809-1882) ونظرية التطور التي ظهرت في كتاب “أصل الأنواع” Origin of Species في عام 1859 أي قبل تسعة عشر عاما فقط من كتابة نيتشه لكتابه “هكذا تكلم زرادشت”  Like this talked  Zoroasterوالذي يتضمن خلاصة فلسفته. فالإنسان –حسب نظرية التطور- هو الصورة الأكثر تطورا من جميع الكائنات الحية.  

ثالثًا: ثم ظهرت الرؤية الإنسانية الهيومانية التي جعلت الإنسان مركزا للكون بل وألهته. وقد احتفى أدب عصر النهضة في الغرب بتلك اللحظة في تاريخ الإنسان، فهي تصوره على أنه سيد الكون وكل المخلوقات. وهنا عادت ثنائية الإنسان والطبيعة ولكن على أسس مادية وداخل إطار مادي.

إذن فقد قامت الحداثة على رؤية تركز على العقل المادي وعلى الحقائق الحسية العقلية فقط، تلك الحقائق القابلة للقياس والتي يمكن مشاهدتها وتعقلها وما وراء ذلك فأوهام. فالمعرفة هي معرفة حسية فقط. وما هو مجهول في الطبيعة هو أمر مؤقت سيصبح معلوما من خلال تراكم المعلومات، وبالتالي ستتراجع رقعة المجهول بشكل مضطرد وتتزايد رقعة المعلوم بما يسمح بالمزيد من التحكم المادي عليها.

وقد ترجمت هذه العقلانية المادية نفسها إلى ما يسمى بـ (حركة الاستنارة)، التي ذهبت إلى أن عقل الإنسان قادر على الوصول إلى قدر من المعرفة ينير له كل شيء، ويعمق من فهمه للواقع ولذاته. وكان الافتراض أن هذه المعرفة هي التي تضفي على الإنسان مركزية في الكون، وهي التي ستمكنه من تجاوز عالم الطبيعة ومن تغيير العالم والتحكم فيه، بحيث يصبح الإنسان إلها أو بديلا للإله أو لا حاجة به اليه، يوًلد من داخل ذاته معياريته، وهذا هو جوهر النزعة الإنسانية (الهيومانية).

وهذه الرؤية الاستنارية يطلق عليها ماكس فيبر Max Weber (1864-1920)اصطلاح “ديانة عالمية” World Religion ، بمعنى أنها تزود الإنسان برؤية شاملة للكون. فهي تحاول أن تجيب عن معظم الأسئلة المباشرة والجزئية الخاصة بتفاصيل حياته، وكذلك عن الأسئلة النهائية والكلية الخاصة بأسباب وجوده ومسار حياته ومآلها، كما تزوده بأنساق معرفية وأخلاقية وجمالية يدير من خلالها حياته. هذه الرؤية الاستنارية تولد لدى الإنسان ثقة بالغة بنفسه وبمقدراته.

وقد نجحت الفلسفة العقلانية المادية في أن تقضي إلى حد كبير على الأساس الديني وغير المادي للمعرفة والأخلاق، وأسست نظما معرفية وأخلاقية تستند إلى نقاط ثبات مثل العقل والطبيعة البشرية والقوانين العلمية، وهي مطلقات مادية تتمتع بقدر من الثبات ويفترض أنها تستند إلى مركز تدور حوله الأشياء.

أما على المستوى الأخلاقي فإن العالم المادي لا يعرف المقدسات أو المطلقات أو الغائيات، ولا يوجد لدى الإنسان سوى المنفعة واللذة وتعظيم الإنتاج بهدف تعظيم الاستهلاك.

وقد تشكلت هذه المنظومة على مستوى الممارسة التاريخية الإمبريالية الغربية، فأصبح الصراع قانون الحياة الأوحد، وبدلا من أن يصبح العالم مادة استعمالية لكل الجنس البشري أصبح العالم ومعظم البشرية مادة استعمالية للجنس الأبيض. وبدلا من أن يقف الإنسان في مركز الكون وقف الإنسان الأبيض فقط فيه وعمل على الحفاظ على هذه المركزية وفرضها على الآخرين، فحول قارتين كاملتين- هما آسيا وأفريقيا- إلى مصدر للمواد الخام والعمالة الرخيصة والى أسواق لمنتجاته.

وأخيرا فقد أفصحت  هذه الرؤية عن وجهها المادي من خلال مجموعة من القيم الحاكمة الكبرى مثل “الصراع من أجل البقاء”، “البقاء للأصلح وللأقوى” والإيمان بأن “الإنسان ذئب لأخيه الإنسان”، والهجوم على أخلاق الضعفاء وتمجيد الإنسان الأقوى (السوبرمان). هذه القيم نبعت من الفلسفات المادية الغربية التي وصلت إلى قمتها في أعمال داروين ونيتشه التي تؤكد على أن القيم المادية البيولوجية الصراعية تحكم كلا من عالم الطبيعة والغابة وعالم الإنسان والحضارة، وأن آلية التطور الوحيدة هي الصراع الدائم والشرس وأن المرجعية الوحيدة لكل من الطبيعة والإنسان هي القوة.

ما بعد الحداثة Postmodernism

“ما بعد الحداثة” Postmodernismهي حركة فكرية نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين كرد فعل لعصر الحداثة، وما نتج عنها من مشكلات متعددة في كافة المجالات، بداية من مشكلة التلوث البيئي وتغير المناخ، إلى انتشار الحروب وتطوير أسلحة الدمار الشامل ونهب خيرات العالم الثالث، إلى مشكلة تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء وازدواجية المعايير الدولية.

فما بعد الحداثة هي تمرد على سطوة التيارات الحداثية الكبرى لعدم قدرتها على تفسير الواقع بمآلاته الجديدة سياسيا ونفسيا واقتصاديا ولغويا واجتماعيا وفلسفيا. فالنظريات الكبرى مثل الماركسية والتقدم والعقلانية والعلم الموحد فقدت جميعها شرعيتها في مجتمع ما بعد الحداثة.

وفكر ما بعد الحداثة فكر تقويضي معاد للعقلانية وللكليات، سواء أكانت دينية أم مادية، فهو فكر يحاول أن يهرب تماما من الميتافيزيقا ومن الحقيقة والمركزية والثبات، ويحاول أن يظل غارقا في الصيرورة، فهو تعبير متبلور عن المادية الجديدة السائلة التي تعمل على إخراج العقلانية من مركز الاهتمام لتصبح مقولات “اللاوعي” و”اللاعقلانية” هي أصل الأشياء إلى أن أعلن دريدا عن خلخلة كل المراكز وانهيار منظومة المعاني تماما.

إذن ففي مرحلة “ما بعد الحداثة” يرضخ الإنسان الغربي تماما لإدراكه إخفاق مشروع التحديث، وقد استلهم مفكري ما بعد الحداثة مقولات نيتشه، كما استلهمها أيضا –وللغرابة- مفكري الحداثة، فإذا كانت الحداثة قد اعتمدت على فكرة موت الإله عند نيتشه فقامت برفض المركزية الإلهية والغيبيات وما ترتب عليها من قيم، وتبنت فكرة إرادة القوة ومبدأ الصراع، فقد ألهم نيتشه مفكري ما بعد الحداثة بنفس هذه المقولة “موت الإله”، فقاموا بإنكار وجود أية نقطة ثابتة أو صلبة أو أية مرجعية متجاوزة، والدعوة للتحرك داخل إطار مادي طبيعي يتسم بالسيولة الكاملة ويساوي بين الأشياء كلها ويسويها. فقد قام مفكرو ما بعد الحداثة بتحطيم كل ما كان الفلاسفة يسمونه مقدسا وخيرا وحقا وجميلا ومطلقا وكليا، وقاموا بتطهير الإنسان من أية قيم وثوابت وكليات وغايات، بحيث يصبح العالم نسقا سائلا بلا يقين أو معنى أو غاية أو هوية.

وقد أدى نقد نيتشه اللاذع للنظريات الفلسفية إلى إخراج إنسان ما بعد الحداثة من سجن “النظريات الكبرى” إلى سجن الشك والريبة والعدمية والعبثية وضياع المعنى والتفكيكية والتعدد اللامتناهي للتأويلات. فالنزعة النسبية الأخلاقية والمعرفية في عالم ما بعد الحداثة تجد “تصميمها” الأفضل في فكر نيتشه العدمي. وهنا اختفى “المفهوم الثابت”، وتم تسديد ضربة قوية لفكر الحداثة بتقويض أي نقطة ثبات سواء أكانت العقل أو المادية أو غيره يمكن أن تستند اليها الأنساق الفلسفية والأخلاقية. وهو موقف ترجم نفسه إلى عالم لا مركز له، أي غير متمركز حول أي مطلق، عالم يتسم بالسيولة الكاملة، وهنا أصبح الإنسان يبحث عن معنى لحياته من خلال الاستهلاك والتوجه الحاد نحو اللذة.

إذن فالإنسان عند مفكري ما بعد الحداثة هو مجموعة من الدوافع المادية والاقتصادية والجنسية لا يختلف في سلوكه عن سلوك أي حيوان، ولذا فهو لا يستحق أي مركزية في الكون، كما أن إدراك الإنسان للواقع ليس عقلانيا وإنما تحكمه مصالحه الاقتصادية وأهواؤه الجسمية.

وقد دخل مصطلح “ما بعد الحداثة” إلى معجم الفلسفة لأول مرة عام 1979 مع نشر الفيلسوف الفرنسي جان فرنسوا ليوتار  Jean Francois Lyotard (1924-1998) كتابه “الوضع ما بعد الحداثي” “The Postmodern Condition”  الذي يعتبر من أهم النصوص المؤسسة لحركة ما بعد الحداثة، حيث قام بنقد الحداثة وإعلان سقوط الأيديولوجيات الكبرى التي يسميها ليوتار “السرديات الكبرى”، ومن خلالها ينتقد فكرة التنوير لأن هذه الأيديولوجيات التي هي من نتاج التنوير كانت تهدف إلى التحرر وتحقيق سعادة الإنسان، ولكن ليوتار يرى أنها سقطت وفشلت فشلا ذريعا.

وقد استمر ظهور نتاج منظري تيار ما بعد الحداثة بقوة في الثمانينات مع ميشيل فوكو، والمفكر الفرنسي جيل دولوز، وجاك دريدا، ثم انتقل إلى علم الاجتماع في فرنسا مع جان بودريار، وفي بريطانيا مع سكوت لاش وأنتوني جيدنز.

ويجب الإشارة هنا إلى أن نقاد عدة قد وجهوا طاقاتهم لمناهضة فلسفة ما بعد الحداثة، منهم الفيلسوف الألماني يورجن هابرماس الذي أصدر أهم كتبه “الحداثة مشروع لم يكتمل” معتمدا على أطروحته في أن تصحيح مسار الحداثة لا يقتضي ردم أفكارها بل تدعيمها وإخراجها من عثراتها. كذلك نجد كتاب “أوهام ما بعد الحداثة” لتيري إيجلتون وكتاب “حالة ما بعد الحداثة” لديفيد هارفي وغيرهم من الدراسات التي وجهت سهام النقد لتيار ما بعد الحداثة.    

  • ما بعد الحداثة واللغة:

من المسلم به أن الإنسانية بأسرها تستند إلى اللغة كوسيلة للتواصل بين البشر وللاحتفاظ بثمرة الحضارات المتعاقبة، وذلك حتى لا تبدأ كل تجربة إنسانية من نقطة الصفر. والتواصل اللغوي يعني أن ثمة إنسانية مشتركة وأن ثمة ثقة في أنه يمكن توصيل المعنى. والهجوم على اللغة كأداة للتواصل بين البشر هو هجوم على المشروع الإنساني بأسره، وعلى مقدرة الإنسان أن يراكم المعرفة، وباهتزاز فكرة الكليات وإعلاء مبدأ السيولة الكاملة في ظل ما بعد الحداثة تنشأ مشكلة علاقة اللغة بالواقع.

وقد بدأ الأمر على مستوى اللغة بمناقشة إشكالية قد تبدو وكأنها إشكالية لغوية محضة وهي إشكالية علاقة الدال (وهو الاسم أو اللفظ وما يساويهما من صور مرئية كعلامات المرور والرموز وغيرهم) والمدلول (هو المعنى الذي يشار اليه). وتشكل إشكالية الدال بالمدلول المدخل الحقيقي لفكر عالم اللغة السويسري فرديناند دي سوسير Ferdinand De Saussure (1857-1913) الذي ذهب إلى أن علاقة الدال بالمدلول علاقة اعتباطية أو عشوائية ولا تستند إلى أية صفات موضوعية كامنة في الدال أو الاسم. ولكن رغم إرهاصات السيولة والنسبية في فكر سوسير يظل هناك مركز، وتظل هناك علاقة بين الدال والمدلول (رغم اعتباطية العلاقة بينهما) وتظل بالتالي هناك إمكانية توليد المعنى والتواصل بين البشر.

هذا يقف على طرف نقيض من خطاب ما بعد الحداثة حينما أعلن انفصال الدال عن المدلول، وهذه العبارة تعني أن الأسماء لا علاقة لها بمسمياتها، وأن الإشارات ليس لها علاقة بما تشير اليه. وهذا يعني أن النسق اللغوي يسقط في قبضة الصيرورة والعدمية. وهنا يكون “كل شيء مقبول”، فكل المعاني ممكنة ويمكنها أن تتعايش معا دون تناقضات، حيث تظل في حالة سائلة.

ويرى أنصار ما بعد الحداثة أن اللغة ليست أداة جيدة للتواصل، وبالتالي فالإنسان لا يتحكم في اللغة بل إن اللغة هي التي تتحكم فيه، وأن العلاقة بين الكلمة ومعناها وبين العلامة والشيء في التوظيف اللغوي تعبير غير مباشر عن السلطة وعلاقات القوة في المجتمع.

هذه الأفكار هي ذاتها البنية التحتية الفكرية التفكيكية. وقد ظهرت “التفكيكية” على أيدي جاك دريدا Jacques Derrida ( 1930-2004) زعيم التفكيكيين المتمرد على البنيوية. فمصطلح “التفكيك” يشير على الصعيد الفلسفي لاستراتيجيات محددة في قراءة وكتابة النصوص، وقد تم إدخال المصطلح إلى مجال فلسفة الأدب مع ثلاثة نصوص نشرها جاك دريدا: في علم الكتابة (1974)، الكتابة والاختلاف (1987)، الصوت والظاهرة (1973). وكان كتاب “في علم الكتابة” أكثر دراسات دريدا شمولية في إرساء خلفية للتفكيك كأسلوب في قراءة النظريات الحديثة في اللغة -خاصة البنيوية-

وتسعى التفكيكية إلى تقويض النص بأن تبحث داخله عما لم يقله بشكل صريح واضح، وهي تعارض منطق النص الواضح المعلن وادعاءاته الظاهرة بالمنطق الكامن في النص ذاته. كما أن التفكيكية تسعى إلى تفتيت النصوص من المعاني الثابتة وتحويلها إلى تفاعل لانهائي مع المعنى، فلا تستقر الدلالة على معنى حتى يهدم ثم يفترض معنى آخر ثم يهدم … وهكذا

 وبالتالي يمكن القول أنه إذا كانت الرؤية الفلسفية هي “ما بعد الحداثة” فإن “التفكيكية” هي منهجها في تفكيك النصوص وإظهار التناقض الكامن فيها والبحث عن المسكوت عنه والمنطق الكامن في النص، لا لبيان المعنى الكامن في النص ولكن للكشف عن التناقضات داخل النص وتعددية المعنى بحيث يفقد النص حدوده الثابتة ويصبح جزءا من الصيرورة وتختفي الحقيقة.

وبناء على مبدأ الهدم والتفكيك اللانهائي للنصوص أصبح الدين متاحا للتفسير والبحث، فلا يمكن حسب رأيهم الإيمان بالوحي مصدرا للمعرفة ولا تأويل النصوص الدينية بقواعد محددة، بل هي نصوص مفتوحة المعنى يمكن تأويلها حسب ما يريد حامل مبضع التفكيك.

  • العنصرية الغربية في عصر ما بعد الحداثة:

في مرحلة الحداثة كان الغرب يؤمن بـ “عنصرية التفاوت”، فهم يؤمنون بوجود تمايز ثقافي بين الأجناس، ثم ينتصرون للجنس الغربي باعتباره جنسا متفوقا، منطلقين من عقيدة أن الشعوب غير الغربية تختلف عرقيا عن الشعوب الغربية، وهذا الاختلاف وراثي، وأن الحضارات غير الغربية أدنى بكثير من الحضارة الغربية على المستوى السياسي والاجتماعي والأخلاقي. وقد دعم الإنسان الغربي دعوى المركزية لنفسه بمجموعة من النظريات الخاصة بعالم الأخلاق والهوية والحضارة. هذه العنصرية هي تجل للرؤية المعرفية العلمانية الإمبريالية.

أما في مرحلة ما بعد الحداثة فقد ظهر في الغرب ما يمكن تسميته بـ “عنصرية التسوية”، حيث يتم تماما رفض التفاوت بين البشر بل بين البشر والكائنات الحية الأخرى من حيوان ونبات. وهي تسوية مفهومة تماما في إطار الرؤية ما بعد الحداثية حيث الإنسان هو مجرد إنسان طبيعي (اقتصادي-جسماني).  

هذه العنصرية الجديدة تأخذ شكل دعوة مساواة وتسامح وتعددية، ومن هنا الإصرار على الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة والشواذ جنسيا والنسوية وحقوق الحيوانات والحق المطلق لأي فرد في أن يفعل ما يشاء. فالدفاع هنا في حقيقة الأمر ليس عن الإنسان وإنما هو هجوم على أية معيارية إنسانية، وهي عملية تسوية للإنسان بالكائنات الطبيعية ورده إلى القاسم المشترك الطبيعي المادي.

ونلاحظ أن هناك إصرارا غير عادي على استخدام مصطلح “أقلية” للإشارة إلى كل جماعة بشرية، فأعضاء الجماعات الإثنية أقلية، وكذلك أعضاء الأقليات الدينية، والنساء أقلية، والأطفال أقلية، والشواذ جنسيا أقلية، والمعوقون أقلية، والبدينون والمسنون أقلية.. ويصر أعضاء كل جماعة من هؤلاء على أنهم أقلية لها سمات فريدة وهوية متفردة تستحق الحفاظ عليها والمطالبة بحقوقها.

وإن قمنا بتحليل الخطاب ما بعد الحداثي الخاص بالأقليات لاكتشفنا أنه قائم على ديباجات التسامح والسيولة، ولكن في حقيقة الأمر هو خطاب لا علاقة له بالتسامح أو بقضية الحقوق، وإنما هو محاولة لهدم المعيارية الإنسانية وإنكار وجود أي جوهر إنساني مشترك.

  • أثر ما بعد الحداثة على المرأة:

يظن البعض أن مصطلح “النسوية” Feminism هو مرادف أو مجرد تنويع على مصطلح “حركة تحرير المرأة Women’s Liberation Movement”. ولكن لو دققنا النظر لوجدنا أن هناك اختلاف جذري بين المصطلحين. فالأول ينتمي إلى فكر ما بعد الحداثة، أما الثاني فهو يدور في إطار إنساني هيوماني، حيث تحاول هذه الحركة أن تدافع عن حقوق المرأة باعتبارها كائن اجتماعي يضطلع بدور اجتماعي، ولذا فهي حركة تهدف إلى تحقيق قدر من العدالة الحقيقية داخل المجتمع، بحيث تنال المرأة ما يطمح اليه أي إنسان (رجلا كان أم إمرأة) من تحقيق لذاته والحصول على مكافأة عادلة (مادية أو معنوية) لما يقدم من عمل. وتطالب حركات تحرير المرأة بأن تحصل المرأة على حقوقها كاملة، سياسية كانت (حق المرأة في الانتخاب والمشاركة في السلطة) أم اقتصادية (مساواة المرأة في الأجور مع الرجل). إذن فإن برنامج حركة تحرير المرأة يتحرك داخل إطار من المفاهيم الإنسانية المشتركة، مثل مفهوم الأسرة باعتبارها أهم المؤسسات الإنسانية ومثل مفهوم المرأة باعتبارها العمود الفقري لهذه المؤسسة.

أما الحركة النسوية فهي تنطلق من مفهوم صراعي للعالم بين الرجل والمرأة وكأنه لا توجد إنسانية مشتركة تجمع بينهما، فدور المرأة كأم ليس أمرا مهما، ومؤسسة الأسرة عبئا لا يطاق. وهنا ينادي دعاة هذه الحركة إلى إعادة صياغة كل شيء من وجهة نظر أنثوية: التاريخ، اللغة، الرموز، بل الطبيعة البشرية نفسها. فيجب إعادة سرد التاريخ من وجهة نظر أنثوية، بل رفضت هذه الحركة كلمة History  نفسها، معتبرين أن معناها  His Story أي أنها تاريخ الذكور فقط. وتقوم الحركة بالهجوم على ما يسمى بذكورة اللغة والدعوة إلى تأنيثها، والى تهذيب اللغات التي تفضل صيغة التذكير على صيغة التأنيث، لكي يعاد بناؤها بحيث تستخدم صيغا محايدة أو صيغا ذكورية أنثوية معا. وتصل هذه الرؤية إلى قمتها حينما تدير الأنثى ظهرها للذكر وتعلن استقلالها الكامل عنه وحينئذ يصبح السحاق التعبير النهائي عن نسويتها، ويصبح من الطبيعي ألا تلجأ المرأة إلى الرجل لإنجاب الأطفال بل تلجأ إلى المعامل والإجراءات العلمية التي تستبعد الرجل كشريك في الإنسانية. كل هذا يؤدي إلى ظهور الجنس الواحد Unisex وتختفي الأم والزوجة والأخت والحبيبة وبالتالي تسقط الأسرة ويتهاوى المجتمع.

 إذن فالهدف الأساسي لحركة النسوية هو رفع وعي النساء بأنفسهن كنساء وتحسين أدائهن في المعركة الأزلية مع الرجل، وجعل كل شيء تعبيرا عن هذا الصراع الكوني بين الذكور والإناث.

بعد ما بعد الحداثة Post- postmodernism

خلال العقدين السابقين شهد العالم كم هائل من التنظير يتحدث عن احتضار ما بعد الحداثة، بل إن بعض الكتابات أصبحت تعلن عن موت ما بعد الحداثة ونهايتها، وتحاول استشراف ملامح المرحلة الجديدة. ويرى البعض أن ما بدأ يتشكل من منظومة متكاملة لعلاقة البشر بأنفسهم وبالآخرين وبالعالم له علاقة ما بمرحلة الحداثة الأولى، بحيث يمكن اعتبار ما بعد الحداثة مجرد فترة انتقالية عابرة بين هاتين الحداثتين، فترة فارغة سِمتها النفي والرفض واللامعنى.

هذه المرحلة الجديدة، مرحلة بعد ما بعد الحداثة- تعبر عن نفسها كما لو كانت عصر نهضة ذهبي يمجد العقل والإبداع والتميز والاحترافية والتمرد على القيم الموروثة والارتقاء بالفردانية، وكان لمنتجات التكنولوجيا الحديثة والسيبرانية التأثير الأعظم في هذه المرحلة، فقامت التكنولوجيا الحديثة بإعادة ترتيب أوراق العالم من جديد، وانطلقت تعيد تعريف كل شيء، المنتِج والمنتَج والمستهلك.

وقد قام راؤول ايشلمان Raoul Eshelman بإصدار كتابه Performatism or the End of Postmodernism عام 2008 (الأدائية أو نهاية ما بعد الحداثة) الذي لاحظ فيه أن جملة الكتابات التي تراكمت منذ بداية الألفية الثانية تحيد عن قواعد ما بعد الحداثة بأنها تحكي قصصا يصل فيها الأبطال إلى مرحلة التجاوز والتعالي على العالم المادي، وهذا يتناقض تماما مع فكر ما بعد الحداثة. ويؤكد ايشلمان أن هناك قوة متزايدة للأحداث الثقافية في العقدين الأخيرين قد تدفع إلى الخروج من عصر ما بعد الحداثة بآلية منيعة تستعصي على نموذج التشظي والتفكيك، ويمكن توظيف فكرة الآداء أو الإنجاز لفهم هذه الآلية.

ويشير الأداء –كما يراه إيشلمان- إلى فعل التجاوز الذي هو في لب جميع الأعمال السردية بعد ما بعد الحداثية، وفعل التجاوز هذا يأخذ بالضرورة شكل الحدث أو الواقعة المدهشة، كما أنه يؤكد أيضا حقيقة أن هذه الأفعال التجاوزية تتجلى لنا من خلال أداء (performance) وهذا الجانب الأدائي هو الذي يلهمنا فنتذكره ونقلده.

وتوظف فكرة الآداء للحفاظ على الإنسان بوصفه وحدة كلية غير قابلة للاختزال وتعتمد على مبدأ الإلزام، هذه الوحدة الكلية تتطلب فاعلية لا يمكن تحديدها الا بمصطلحات ثيولوجية، وبذلك يخلق ملاذا يلتجأ اليه، وهو ما اعتقدت ما بعد الحداثة أنه قد انحل نهائيا، فهناك الغايات والعقيدة واليقين والمؤلف والحب وغيرها من المعاني الثابتة. وهنا سيعبر الإنسان عن نفسه بواسطة الإنجاز الكلي بمعنى تحقيق ما يؤمن به.

ويرى إيشلمان أن الأدائية قد حققت قدرا من الانتصار في اقتحام الدراسات الأدبية والثقافية منذ أوائل القرن الحالي، كما أن هناك وعي عام أن تقانات ما بعد الحداثة أصبحت مستنفدة ومرهقة، ولكن يجب الاعتراف أن نظرية ما بعد البنيوية أو التفكيكية ما زالت هي المهيمنة على الدراسات الأدبية والثقافية.

ويرى إيشلمان أنه إذا كانت هناك ردة فعل تاريخية على ما بعد الحداثة فلا بد أن تكون بتحقيق نوع من الوحدة بين العلامات والأشياء. وقد وجد إيشلمان ضالته في علاج هذه الإشكالية في كتاب Signs of Paradox  لإيريك جانس (Eric Gans 1941) الذي طور فيه جانس مفهوما واحديا عن العلامة يعارض ما بعد البنيوية بصورة جذرية.

ويفترض جانس في كتابه أن السلوك الإنساني قبيل اللغة يستند إلى التقليد والمحاكاة، واللغة، مع ذلك، هي التي تفصل الإنسان عن الحيوان. وبمعنى آخر، فإن توظيف اللغة هو ما يسمح لنا بتجاوز الحالة الحيوانية وأن نصبح بشرا. إذن فإن اختراع اللغة أو العلامة الأولى يجب أن يكون حدثا متعاليا متجاوزا أو دينيا.

يمكن القول هنا –تبعا لإيشلمان- أن المتابع للمشهد العالمي على مدى السنوات العشر الماضية يجد مشكلة في تحديد التطورات التي يصعب التلفيق بينها وبين النظرية ما بعد الحداثية. وتشمل هذه التطورات –في كافة المجالات الفلسفية والأدبية والفنية والهندسة المعمارية- تجدد الاهتمام بالجمال والانضباط في علم الجمال، والجدية والوحدة والشمولية في الأعمال الفنية والأدبية. ولكن لم يبد أي ناقد أو فنان استعدادا لتوصيل النقاط لتشكيل صورة لعصر بأكمله يعارض ما بعد الحداثة ويحل محلها تدريجيا. ويرى إيشلمان أن كافة المجالات السابق الإشارة اليها قد دخلت في المرحلة التي يمكن أن تفهم أفضل بتوظيف مفهوم الواحدية Monist .

تعتبر الواحدية هي الصيغة السيميائية (علاقة الدال بالمدلول) للأداتية، وهي تتطلب تكامل الأشياء ضمن مفهوم العلامة.

الخاتمة:

يمكن ملاحظة أن الانتقال من مرحلة الحداثة إلى ما بعد الحداثة ثم إلى مرحلة بعد ما بعد الحداثة هي انتقالات تصحيحية لأوضاع عانى منها الإنسان في كل مرحلة، فحاول جاهدا التخلص من مشاكله باللجوء إلى حلول كانت في حقيقة الأمر مجرد ردود أفعال انفعالية جنى منها الإنسان مزيد من المعاناة. كما تجدر الإشارة إلى أن الانتقال من مرحلة إلى أخرى لا تعني اختفاء المرحلة السابقة تماما، إذ يتم استصحاب العديد من مكونات المرحلة السابقة.    

إن الغرب يجب أن يصبح مرة أخرى “غربيا” لا “عالميا” ويجب أن ندرك خصوصيته الحضارية، وأن ننفتح عليه بطريقة نقدية إبداعية، وهذا لا يمكن أن يتم الا بإعادة اكتشاف مخزوننا الحضاري الخاص وإصلاح التشوه المعرفي الذي لحق بنا بعد سنوات طويلة من الاستعمار الغربي تم فيها ترسيخ فكرة مركزية الغرب. وبالتالي فاستقبالنا لأي معارف جديدة يجب الا نتلقاها بسلبية على أنها معرفة عالمية عامة وإنما نخضعها للتقييم النقدي ونعمل فيها العقل لنكشف النماذج المعرفية والرؤى الفلسفية الكامنة فيها لنميز بين الحق والباطل وبين ما ينفع الناس وما يبدد البشر. 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدير مركز خُطوة للتوثيق والدراسات، وسكرتير تحرير مجلة المسلم المعاصر.

عن مهجة مشهور

شاهد أيضاً

الفلسفة – المنهج – الفكر “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

التباسات الحداثة

المعرفة المستدامة

مغامرة المنهج

في نقد التفكير

سؤال السيرة الفلسفية

التاريخ الإسلامي “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها

إعادة ترسيم الشرق الأوسط العثماني

لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.