العنوان: الدول المارقة : استخدام القوة في الشؤون العالمية= Rogue States: the Rule of Force in World Affairs.
المؤلف: نعوم تشومسكي.
تعريب: أسامة إسبر.
الطبعة: الطبعة العربية الأولي.
مكان النشر: الرياض.
الناشر: مكتبة العبيكان.
تاريخ النشر: 2004.
الوصف المادي: 472ص، 21 سم.
الترقيم الدولي الموحد: 6-467-40-9960.
- الفكرة المحورية للكتاب
يقدم نعوم تشومسكي في هذا الكتاب عرضاً مفصلاً للدور السلبي الذي لعبته الولايات المتحدة في إعاقة تقدم ” العالم النامي” بفعل تدخلاتها الإمبريالية في عدد كبير من دوله، سواء كانت هذه التدخلات مباشرة عبر الاجتياح العسكري، كما في المثال الفيتنامي الصارخ، أو كانت غير مباشرة عبر إجهاض الديمقراطيات الناشئة، ودعم الدكتاتوريات العميلة، كما هو الحال في جواتيمالا مثلاً.
ما يميز الكتاب هو عرضه الوافي للطابع الإمبريالي الذي ميَّز الولايات المتحدة كدولة، بدت دوما فوق القانون الدولي وفوق حقوق الانسان، وقد دلل تشومسكي علي هذا الأمر بعدد كبير من الأمثلة التاريخية التي عرضت للتدخلات العسكرية والسياسة للولايات المتحدة،، وذلك فضلاً عن الدور الأمريكي الكولونيالي في توجيه الاقتصاد العالمي لصالح حفنة من الشركات الرأسمالية (الأمريكية بطبيعة الحال) لتصبح وحدها المتحكمة في مصائر الشعوب والأفراد، وتحولهم الي مادة استعمالية في خدمة الوحش الامبريالي الغربي.
والكتاب عبارة عن تجميع لمقالات كتبها المؤلف حول عدد من القضايا الدولية المختلفة التي تدخلت فيها أمريكا، والتي تبرر وصف أمريكا— على حد المؤلف — بالدولة المارقة.
هذا ويعد مصطلح “الدول المارقة (Rogue Stats)” واحدا من أهم المصطلحات السياسية التي تبنتها الإدارة الأمريكية، وفرضتها لخدمة مصالحها، وذلك بصرف النظر عن أي اعتبارات قيمية أو أخلاقية متضمنة في هذا المفهوم. أما عن ظروف استدعاء وصك هذا المفهوم فيذهب المؤلف إلى أنها وليدة مرحلة سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة حيث مرت الولايات المتحدة الأمريكية وقتها بحالة من عدم اليقين، نتيجة لاختفاء عدوها الاستراتيجي من الساحة الدولية، ما جعلها تبدو وكأنها قد فقدت بوصلة السياسة الخارجية الخاصة بها. وقد تمثلت استجابتها لتلك التطورات في صك مفهوم “الدول المارقة”، الذي سمح لها بتوجيه سياستها الخارجية في وجهات جديدة. وضخ الدماء في ملفات سياستها الخارجية.
وكان من المتصور أن تكون الجهة الأولى بتحديد مفهوم “المروق الدولي” في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية هي “الأمم المتحدة” عبر ميثاقها وقرارات محكمة العدل الدولية والمعاهدات الدولية الأخري، إلا أن الولايات المتحدة أعطت لنفسها — حصرا — حق تحديد معنى المروق، وحق صياغة المعايير التي تصنف على أساسها الدول كدول المارقة. وفي نفس الوقت اعتبرت نفسها معفاة من هذه الشروط، على ضوء خروجها كطرف منتصر ومهيمن فى أعقاب الحرب الباردة. حيث شرعت الولايات المتحدة في تلك الفترة في تأسيس نظام دولي لا مكان فيه لأي ترتيب إقليمي لا تستطيع اختراقه والسيطرة عليها.
وقد ذكر المؤلف العديد من الأمثلة التاريخية التي توضح الدعم الأمريكي للحكام الديكتاتوريين، فإدارة كلينتون مثلاً اعتبرت الجنرال سوهارتو نموذجا لنوعية الحكام الذين تفضلهم الولايات المتحدة، كما دعمت صدام حسين في العراق، أثناء ارتكاب نظامه أعمالا وحشية، ولم يتغير الوضع إلا عندما عصى هؤلاء أوامر السيد الأمريكي أو أساؤا فهمها.
ففي أبريل 1998 أعلن البيت الأبيض أن العراق “دولة مارقة” تشكل تهديداً لجيرانها وللعالم بأثره، وأنها دولة خارجة عن القانون. وصرحت “مادلين ألبرايت” وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، “إن منطقة الشرق الأوسط منطقة حيوية للمصالح القومية الأمريكية، وبالتالي يجب أن تتوافق سياستنا تجاهها مع مصلحتنا القومية، حتي لو تعارضت تلك السياسات مع أي قرارات أممية”.
وقد تجلي فى الحالة العراقية معنى المروق الأمريكي — وفقا للمؤلف — بأكثر مما ظهر معنى المروق العراقي، فقد دعمت الولايات المتحدة صدام حسين في الثمانينات وزودت نظامه بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وهي الأسلحة التي استخدمها الأخير ضد الأكراد عام 1988، وكان ذلك بتغاض وتسامح أمريكي، كذلك حُجبت المساعدات العسكرية والسياسية والإعلامية عام 1991 عن الشيعة المناهضين لحكم صدام، وتعرضوا لمجزرة كبيرة علي مرأي القوات الأمريكية. وقد علقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت عام 1996 في معرض تعليقها حول مقتل نصف مليون عراقي بالقول “نعتقد أن الثمن يستحق كل تلك النتيجة”[1].
وبشكل عام فإن الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية تُحذف من التاريخ، أو تؤول على أنها نتاج اعمال حسنة النية ولكن شابتها بعض الأخطاء عند التطبيق. ولهذا فإنها لم تستدع أي دفاع، أو تعويض، أو محاكمة لمن ارتكبها، وكان التبرير الذي يقدم لهذه الجرائم هو دوما أنها صادرة عن الدولة المخول لها اللجوء إلي القوة متي رأت ذلك مناسباَ وضروريا وفق تقديرها، بحكم انها الدولة العظمى الوحيدة المسئولة عن أمن العالم.
ويذهب تشومسكي إلى أن الممارسات الأمريكية التي تنتهك القانون الدولي تبدو جلية تماما للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الدول الأمريكية (OAS) وهيئتها القضائية واللجنة القضائية الأمريكية والبعثة الأمريكية الدولية لحقوق الإنسان ومنظمة التجارة العالمية (WTO)، ورغم ذلك لم تنجح هذه المنظمات وعلى رأسها المنظمة الدولية المعنية بفرض السلم والأمن الدوليين (الأمم المتحدة) في التصدي للجموح الأمريكي، ولم يتعد أداؤها الإجراءات الروتينية التقليدية في محاولتها مقاومة الدولة الأكثر عرقلة لتنفيذ القرارات الدولية.
ويري تشومسكي أن الولايات المتحدة تنطلق في إجراءاتها المنتهكة للمعايير الدولية من مبدأ القوة الذي تصرح به إدراتها علنا، ويجهر به وزراء خارجيتها وسفرائها في الأمم المتحدة، كما كان الحال في تصريحات مادلين أولبرايت وجورج شولتز في الشأنين العراقي والنيكاراجوي.
ويذهب المؤلف إلى أن الولايات المتحدة لم يكن يعنيها في معظم الأحوال أكثر من تحقيق مصالحها، وأنه ربما دفعها ذلك إلى اختلاق بعض الأزمات السياسية والتدخل في الشئون الداخلية الخاصة والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للحكومات (كما هو الحال في تدميرها للتجربة الجواتيمالية الأولي).
أما فيما يتعلق بالأزمة في البلقان فيذكر المؤلف أنه في الوقت الذي يمنع فيه ميثاق الأمم المتحدة استعمال القوة على نحو ينتهك سيادة الدول، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمنح الأفراد الحق في مواجهة الدول المتسلطة. ومن هذا التجاذب بين النظامين نشأ ما يطلق عليه حق “التدخل الإنساني”، وهو الحق الذي تذرعت به الولايات المتحدة وحلف الناتو للتدخل في حالة كوسوفو. إذ قادت الولايات المتحدة الأمريكية حلف الناتو في مارس 1999م لخوض حرب ضد يوغسلافيا مستخدمة صنوف الأسلحة، بدءا بالقنابل وانتهاء بضرب المنشأت بصواريخ كروز الأمريكية الصنع. وقد علق الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون علي تلك الحرب بقوله ” إننا بقصفنا ليوغسلافيا، نحمي مصالحنا ونعمل في الوقت نفسه علي صيانة السلام العالمي”.
وقد أدت سياسة الولايات المتحدة — التي لا تٌفهم إلا لغة القوة كما يقول تشومسكي— إلي حرب عصابات وإلى ظهور “جيش تحرير كوسوفو”، وكانت هجمات هذه القوات علي الشرطة الصربية مبرراً لإجراءات صربية قاسية، ولأعمال إنتقامية ضد المدنيين الألبان في كوسوفو.
وقد ترتب على ذلك وقوع كارثة إنسانية في كوسوفو من عمل القوات المسلحة اليوغسلافية، كان ضحاياها هم أبناء الطائفة الألبانية الكوسوفيين الذين يمثلون ما يقرب من 90 % من السكان، ويعزو المؤلف هذه الكارثة إلى سياسات الولايات المتحدة التي تخلت وحلفاؤها عن الممكن من الخيارات الدبلوماسية. الأمر الذي لم يؤد فقط إلى كارثة على الجانب الألباني ولكن أيضا على الجانب الصربي، حيث ترتب على قيام حلف الأطلسي بالهجوم الجوي علي صربيا — بحجة حماية الألبان من التطهير العرقي— مقتل مئات من المدنيين الصرب نتيجة هذا القصف، ونزوح عشرات الألاف من السكان من المدن.
وعلى العكس من موقف الإدارة الأمريكية فى البلقان الذي أخذ ظاهريا جانب الانحياز للتدخل الإنساني، كان موقفها من الوضع في دولة كولومبيا، وهي الدولة الأولي في استيراد الأسلحة وتلقي المساعدات الأمريكية، حيث يزيد ما تتلقاه من مساعدات علي مجموع ما تتلقاه دول أمريكا اللاتينية والكاريبي مجتمعة، لكنها في الوقت نفسه الدولة الأسوء في سجل حقوق الإنسان؛ فالجيش الكولومبي والقوات العسكرية المرتبطة بالحكومة يمارسان المجازر والتهجير والطرد بحق مئات الالأف، وبحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، أجبر أكثر من مليون إنسان علي ترك أراضيهم في الريف الكولومبي، وقتل في التسعينيات ما بين 5000 – 7000 فلاح أعزل علي يد القوات الحكومية والمليشيات بحجة “الحرب علي المخدرات”. ورغم ذلك كانت إدراة كلينتون متحمسة بشكل خاص في ثنائها علي الرئيس جافيريا الذي كانت فترة حكمه مسئولة عن المستويات المفزعة التي وصل إليها العنف كما تقول منظمات حقوق الإنسان، بل لقد فاق الحكام الذين سبقوه في ذلك.
ويعلم الأميركان جيدا أن تجارة المخدرات وإنتاجها ترعاه شخصيات ومؤسسات حكومية كولومبية موالية للولايات المتحدة. وقد ذكر مسؤولون حكوميون كولومبيون صراحة أن المخدرات تشكل معظم مصادر الثروة والتمويل لمجموعات اقتصادية ومالية مرتبطة بالحكومة الكولومبية والولايات المتحدة التي تحصل في المقابل على السيطرة على الموارد النفطية في البلد.
ومن المثير للاهتمام أن كولومبيا التي كانت منتجا رئيسيا للقمح في الخمسينيات تحولت إلى زراعة المخدرات، وأصبحت تعتمد على الولايات المتحدة تماما في القمح والغذاء، وهو الأمر نفسه الذي حصل في أفغانستان، حيث “كررت أميركا في أفغانستان سيناريو تحويل كولومبيا من منتج رئيسي للقمح إلى مستهلك للقمح الأميركي”، فهل هي مجرد مصادفة أم شئ أخر !!؟؟
ويدعو تشومسكي النخبه المثقفة والمراقبين السياسيين للسعي إلي كشف اّليات التعمية والكيل بمكيالين التي تعتمدها الإدارة الأمريكية لإضفاء صفة الشرعية علي أفعالها المارقة، كما حدث في تيمور الشرقية التي وقعت تحت هيمنة القوات الأندونيسية منذ عام 1976، بدعم وتأييد من الولايات المتحدة، وعندما أجري استفتاء عام 1999م وكانت نتيجته الاستقلال عن أندونيسيا، تعرض السكان التيموريين لمذابح واضطهاد، ورغم أن هذا كان متوقعاً ومنتظراً. إلا أن الإدارة الأمريكية لم تفعل شيئاً، ولو حتي علي مستوي تقديم المساعدات الإنسانية للمشردين واللاجئين التيموريين، في الوقت الذي قامت فيه بمناورات مشتركة مع الجيش الاندونيسي، بحجة — غير معلنة — مفادها أنه لا يمكن التضحية بالاستثمارات الأمريكية والتعاون الاستخباري والعسكري الأمريكي مع أندونيسيا من أجل أقل من مليون فقير يقيمون في جزيرة صغيرة أسمها تيمور.
وفي الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة أفعالا خارجة عن القانون والعرف الدوليين فإنها تصف دولا أخرى بالمروق ومخالفة القانون الدولي، احد هذه الدول هي كوبا، التي تصنفها الولايات المتحدة كدولة مارقة بسبب تورطها المزعوم في الإرهاب الدولي، وبفعل هذه الإدانة من طرف واحد اتخذت الإدارات الأمريكية المتتابعة — علي مدي أربعين عاماً — إجراءات عدائية ضد كوبا. ويذهب المؤلف إلى أن مشكلة كوبا الأساسية تمثلت في أن زعيمها كاسترو كان يريد أن “يتولي الكوبيون إدارة شئون بلادهم بأنفسهم”، لكن هذا شكل إرباكاً كبيراً للولايات المتحدة الأمريكية، التي ترفض وجود أي نظام سياسي غير قابل للترويض والهيمنة الأمريكيين في أى مكان من العالم.
أما الدول الحليفة للولايات المتحدة فقد ظلت بمنأي عن أي اتهام من هذه الشاكلة، كما هو الحال مع إسرائيل التي انتهكت القرارات الدولية مرارا ورفضت بإصرار تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي فيما يخص القدس وهضبة الجولان، ولكن الإدارات الأمريكية مارست حق النقض عشرات المرات ضد القرارات التي اتخذت ضد الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي. كما وفرت الولايات المتحدة لإسرائيل كل سبل الدعم السياسي والعسكري، بينما هي تشن الحروب والضربات الجوية في حالات أدني بكثير من اعمال إسرائيل الإجرامية. كما حدث عندما قصف القوات الأمريكية المدن الليبية في عام 1986، وكان التبرير الرسمي وقتها هو (الدفاع عن النفس ضد هجوم مستقبلي)، مع العلم أن ليبيا كانت دوما من الدول المتخلفة في بنيتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ومن مظاهر مروق الولايات المتحدة أنها قد تعمد إلي رفض سلطة القانون الدولي دون مواربة كما هو الحال في رفضها للولاية القانونية لمحكمة العدل الدولية على أفعالها وانتهاكاتها للقانون الدولي. فحين شجبت المحكمة الدولية “الولايات المتحدة” لأفعالها غير القانونية وخرقها للمعاهدات، وطالبتها بأن تدفع تعويضات ضخمة للجهات المتضررة. تمثل رد فعل مجلس النواب الأمريكي — الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون — في تأييد تلك الجرائم، فيما بادرت القوي السياسية الأخرى إلي شجب المحكمة ووصفها بأنها “معادية” لأمريكا.
ويذهب تشومسكي إلى أنه من بين الأعمدة الثلاثة للنظام الدولي لما بعد الحرب، إنهار إثنان بشكل كبير، هما نظام بريتون وودز والميثاق، أما الثالث، وهو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فبقي ولكن مع الكثير من العوار. صحيح أن تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948م، قد شكل خطوة إلي الأمام نحو حماية حقوق الإنسان، وإن المبدأ الأعم للإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان هو الكونية. لكن النسبية قد حالت دون تعميم تطبيقه، ما آل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليكون سلاح يُشرع بشكل إنتقائي ضد أعداء معينيين.
وينبه الكاتب إلى وجود اختلافات بالبينة الثقافية داخل الولايات المتحدة نفسها، فهناك المثاليون والواقعيون، وفيما يسعى المثاليون لمواصلة دعم حقوق الإنسان والحرية في جميع أنحاء العالم. يعترض الواقعيون بالقول ” إن الولايات المتحدة لا تملك القدرة على القيام بهذه المهمة، وأنها يجب عليها أن تعنى بمصالحها قبل أن تعنى بخدمة الاّخرين”.
وفي إطار بحثه عن نظرية لتفسير السلوك الأمريكي، يقترح المؤلف العودة لفكرة “الحرب المقدسة”، التي حكمت الفكر الغربي خلال تاريخه الطويل، وخصوصا خلال فترة الحملات الصليبية، فانطلاقا من هذه الفكرة كان يتم إضفاء بُعدا روحيا علي الفظائع والأعمال الوحشية التي يقوم بها الغرب، وتصويرها على أنها مهام مقدسة، يتم القيام بها خدمة لأغراض سامية وقيم عليا.
ويستدعي المؤلف التطور التاريخي لهذه الفكرة ليشرح كيف كان الفارس الذي ينضم إلي الحملات الصليبية يستطيع الحصول علي الخلاص تام والصفح عن الذنوب، من خلال ممارسة القتل طوال اليوم والخوض في الدماء حتى كاحله، ثم حين يخيم الليل يركع باكياً بفعل التقوى والورع”.
ويذهب المؤلف أن الغرب يعاني من ازدواجية في تصوره لمسائل السيادة والحرية وحقوق الإنسان. ففي الحقل السياسي فإن الشعار الذي يتم رفعه عاليا هو “السيادة الشعبية” التي تتمثل في “حكومة من قبل الشعب وللشعب” لكن الإطار الواقعي لتفعيل هذه الأفكار يبدو مختلفا تماماً. فعند التطبيق يتم النظر إلى الشعب كعدو خطير، يجب أن يُسيطر عليه ويتلاعب به من أجل “مصلحته”.
هذا وقد وقف تشومسكي في مصاف جملة من المثقفين الأمريكيين الذين انتقدوا سياسات الإدارة الأمريكية بعد الهجمات الانتحارية علي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ومبني وزارة الدفاع في واشنطن في الحادي عشر من سبتمبر. وتحديدا بسبب التسرع في إطلاق شعارات “الحرب علي الإرهاب” و”محور الشر”. حيث أدت تلك المصطلحات الغائمة، وغير الواضحة من حيث الزمان والمكان إلى إرساء نزعة مخاتلة أشاعت الكراهية لدي كثير من المواطنين الأمريكيين تجاه الشعوب الأخري، كما ان استخدام القوة المدمرة من جانب أمريكا لم يجلب لها سوي الانتقام والعنف. ومن ثم أدى على نحو أو آخر إلى انهيار منظومة القيم الإنسانية التي ادعت الولايات المتحدة دوما أنها تقف من أجل الدفاع عنها.
هذا ويظل الكتاب غاصا بكثير من التساؤلات حول السلوك السياسي الأمريكي في العالم وأهداف الإدارات الأمريكية المتعاقبة في التعامل مع القضايا الدولية، وخصوصا حول موقف الإدارات الأمريكية من القانون الدولي والقيم الديمقراطية، وحول نظرتها إلى الأخيرة من حيث كونها قيما مطلقة أو قيما نسبية تخضع لأكثر من تفسير وأكثر من معيار، فضلاً عن تساؤلات بشأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتم تبريرها والاحتفاء بها داخل أروقة البيت الأبيض والكونجرس والبنتاجون.
عرض:
أ. أحمد محمد علي
باحث ماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] -الدولة المارقة، ص 44