القوامة والحافظية في العلاقة الزوجية

القوامة والحافظية في العلاقة الزوجية*

رشيد كهوس[1]

عني الإسلام بالأسرة، ودعا إلى الحفاظ عليها وتحصينها وحماية حقوق أفرادها، وجعلها صورة مصغرة للمجتمع ودعامته الأولى التي تقوم مقام الأساس من البناء، ومهد الطفل ومرعاه الأول. منها تنطلق مسيرته لبناء شخصيته في جميع مراحل عمره وفي رحابها يكتسب أخلاقه وعقيدته؛ ولذلك أحاطتها الشريعة الغراء بسياج متين، وجعلت لها نظامًا متميزًا يقيها الفتن التي تتصيدها صباح مساء، وقيدتها بمجموعة من الضوابط والأحكام التي حددت بموجبها مسؤولية الزوجين وواجباتهما، ووزعت الوظائف والمسؤوليات فيها حسب خصوصية كل فرد وقدراته الجسمية والنفسية. وجعلت هدفها الأسمى بناء أسرة سعيدة قاعدتها التشاور والتفاهم والتعاون والإيثار، وجمالها المحبة والمودة والرحمة، لتتحقق للمجتمع الطمأنينة والسكينة والاستقرار بعيدًا عن التفكك والانهيار.

ومن أهم الواجبات والمسؤوليات التي جاء بها القرآن الكريم في مجال الأسرة وبينتها السنة العطرة مسؤوليتا القوامة والحافظية، قال الله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) [النساء: ٣٤]. وتستلزم هذه من الزوجين القيام بها لتحقيق رسالتهما في الحياة، والمحافظة على سلامة الأسرة من الانحرافات والمشكلات الداخلية، وتأمين سعادة عناصرها، وصونها من التصدُّع والانهيار، وحمايتها من النزوات العارضة.

ويبدأ تحمل المسؤولية الأسرية بذلك الرباط الوثيق والميثاق الغليظ بين الرجل والمرأة عن طريق الزواج الشرعي. وأقصد بالمسؤولية الأسرية: جميع الالتزامات والواجبات والأعمال والمهام التي توفر لجميع أفراد الأسرة حاجياتهم وتضمن لهم مصالحهم في الدنيا والآخرة، وتحقق لهم الشعور بالرضا والسعادة. ولم يكن توزيع الإسلام للمسؤوليات الأسرية تبعًا للأهواء أو ميلاً إلى جهة دون أخرى -كما يزعم البعض من دعاة تحرر المرأة-؛ وإنما كان توزيعًا عادلاً، وتكليفًا لكل عضو من أعضاء الأسرة بالجانب الميسر له الذي هو مُعان عليه من الفطرة، ولِما اختص به من خصائص في التكوين والاستعداد والوظائف والاختصاصات؛ فعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم “كلكم راع وكلكم مسؤول، فالإمام راع وهو مسئول، والرجل راع على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيتها وهي مسؤولة، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول”[2]. ومن السنن الإلهية في الأسر أنها أُسست على قطبين تتكامل مسؤولياتهما وتتجانس وظائفهما وتتآلف قلوبهما بما يحقق أفضل عون لملازمة طاعة الله وعبادته، وبما يؤسس لجيل تضمن له الرعاية الأسرية التربية السليمة على قواعد إسلامية متينة والرعاية الدينية والدنيوية، حتى تكون الأسرة لبنة لتحقيق سنة الله في الاستخلاف والتعبد.

وعليه، فتَوْهِين هذه المسؤوليات الأسرية أو تهميشها أو عدم القيام بها أو التفريط فيها يُؤدي لا محالة إلى التفكك الأسري والتصدع المجتمعي، ولذلك فإن المسؤوليات الأسرية تحتاج إلى دراسة عميقة متحررة من التقليد البليد الأعمى. دراسة في ضوء القرآن الكريم والحديث النبوي والسيرة العطرة (التفسير التطبيقي للقرآن)، لتقديم حلول لمشكلاتها في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الحياة، وطغى فيه تيار المادة الجارف.

أولاً: مسؤولية الرجل الزوج (القوامة):

بيَّن الإسلام – في القرآن الكريم والسنة النبوية – مبادئ المحافظة على الأسرة وضمان استمرارها، ووزع المسؤوليات حسب الاختصاصات لتحقيق هذا المقصد؛ فجعل للرجل القوامة، وللمرأة الحافظية، والاختلاف في المهمات والمسؤوليات اختلاف تنوع تشتد إليه حاجة المجتمع المسلم في مختلف المراحل وفق سنة الله في الاختلاف. وعليه، فكل أسرة كان الرباط فيها خشية الله وتقواه دامت وتعمقت، وما إن تعصف بها رياح الأنانيات والتنازع على المسؤوليات تدخلها الشياطين فتفسد ما بين الزوجين وتهدم العش على من فيه، فلا قرار ولا استقرار ولا سكينة. وقد كلّف الله تعالى الرجل بالقوامة، والقوامة شرع إلهي ووسيلة تنظيمية ضرورية. فما معنى القوامة؟ وما هي أسبابها وحدودها؟ وما علاقتها بقوله تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228]؟

  1. معنى القوامة وأسبابها وحدودها:

أ- ماهية القوامة:

القوامة في اللغة: من قام بالأمر يقوم به قيامًا، فهو قَوَّام وقائمٌ. واستقام الأمر، وهذا قوامة -بالفتح والكسر– (وتقلب الواو ياء جوازًا مع كسرة)؛ أي: عماده الذي يقوم به وينتظم. والقَيِّمُ هو السيَّد، وقَيِّمُ القَوْم: سيّدهم الذي يسوس أمورهم. يقال: فلان قَوَّام أهل بيته وقيام أهل بيته: وهو الذي يقوِم شأنهم، وقام الأمير على الرعية: أي ساسهم ورعاهم. وقيام للشيء وهو المراعاة للشيء والحفظ له، ويسمى الزوج قيِم المرأة وقوامها[3]، أي: وليّها وزوجها الذي يقوم بأمرها وحمايتها.

أما اصطلاحًا: فالقوامة إدارة الأسرة ورعايتها والقيام بشؤونها، من غير استبداد ولا استكبار ولا قهر ولا إلغاء لشخصية المرأة ولا إهدار لحقوقها. و”القيام بمعنى: قيام الرجال بمصالح النساء الرجال قوامون على النساء..[4]. و”القوامة: كفالة ورعاية وإنفاق”[5]. ويمكن تقسيم القوامة إلى قسمين: قوامة عامة أو عظمى؛ أي: قيام الولاة على الرعية. وقوامة خاصة أو صغرى، وهي: قيام الرجل بإدارة شؤون أسرته، كالولاية على النفس والمال والنكاح والطلاق. وإذا تتبعنا عبارات الفقهاء نجدهم يطلقون لفظ “القوامة” على نوعين من الولايات:

– ولايات مكتسبة، وهي:

  • ولاية يفوّضها القاضي إلى شخص كبير راشد، بأن يتصرف لمصلحة القاصر في تدبير شؤونه المالية. وكثيرًا ما يسمّي الفقهاء القيّم بهذا المعنى “وصي القاضي”، ويسمّي المالكية القيّم “مقدم القاضي”.
  • ولاية يُفوَّض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف والعمل على إبقائه صالحًا ناميًا بحسب شرط الواقف.

– ولاية شرعية أو أصلية، وهي:

  • ولاية يُفوَّض بموجبها الزوج بإدارة شؤون أسرته وتوفير حاجياتها وضرورياتها ورعاية حماها، وسيكون حديثنا عن هذا المعنى.

فكل المعاني التي ذكرتها -اللغوية والاصطلاحية- متماسكة يكمل بعضها بعضًا، وتجمع على أن القوامة هي الصيانة والرعاية والكفالة والحماية وأمانة ومسؤولية. وقوامة الرجل في بيته تعني أن يوفر لهم أسباب الحياة من مسكن ومطعم وملبس، فضلاً عما يتعلق بالحياة الأبدية؛ أي أن يعلمهم دينهم وما ينجيهم من الجحيم، لقوله سبحانه وتعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون) [التحريم: 6].

   والأصل في قوامة الرجل على أسرته قوله تبارك وتعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]، والآية تبين أسباب هذه القوامة، فالأول وهبي، لقوله جل وعلا: (بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) في العقل والتدبير والطبع.. والثاني كسبي، لقوله تعالى: (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)؛ لأن الرجل هو الذي يؤدي المهر، وهو الذي يتكلف بكفالة زوجته والذب عنها والنفقة عليها، وهو الذي يسهر الليالي الطوال لضمان حياة أسرته واستقرارها. جاء في تفسير المحرر الوجيز: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء)، قوّام فعال: بناء مبالغة، وهو القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد، فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة يقتضي أن للرجال عليهن استيلاء وملكًا ما، قال ابن عباس: الرجال أمراء على النساء”[6]. ولعل المتأمل في عبارتي “والاستبداد بالنظر فيه” و”أن للرجال عليهن استيلاء وملكًا ما” يجد فيهما نوعًا من التضييق والتشدد في تفسير آية القوامة، لكن القوامة ليست استبدادًا ولا استيلاء ولا استعلاء، ولكنها مبنية على الرحمة والمودة والرأفة والتشاور والمجادلة بالتي هي أحسن، وهي ليست مؤسسة عسكرية؛ لأن الهدف من هذه القوامة هي تحقيق ذلك السكن الحقيقي بين الزوجين لقوله تبارك وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) [الروم: 21].

    وقوله جل وعلا: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين) [الأعراف: 189]. من هنا، فالبيت الذي تسوده المحبة والإخاء والوئام والتفاهم والتراحم والتعاون على الخيرات تتحقق فيه السعادة الأبدية في الآخرة والدنيا. أما إذا كان الرجل آمرًا ناهيًا صلبًا فظًا غليظ القلب -لا حنان ولا عطف ولا تشاور ولا تعاون– فلا محالة أن هذا سبب كل الآفات والمصائب التي تتخبط فيها الأسر المسلمة في عالمنا المعاصر. وعلاوة على ذلك، فإنه إذا غابت المحبة والمودة والرحمة والتفاهم ساد الحقد والبغض والكراهية والقسوة والخراب والانهيار، والنتيجة واضحة: الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

ويتحدث الشيخ الشعراوي[7] –رحمه الله– عن ماهية القوامة فيقول: “إذا قيل: إن فلانًا قائم على أمر فلان، فما معنى ذلك؟ هذا يوحي بأن هناك شخصًا جالسًا، والآخر قائم. فمعنى (قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) أنهم مكلفون برعايتهن والسعي من أجلهن وخدمتهن إلى كل ما تفرض القوامة من تكليفات، إذن فالقوامة تكليف للرجل، والقوامة تحتاج إلى مجهود وحركة وكدح من جانب الرجل ليأتي بالأموال، يقابلها فضل من ناحية أخرى، وهو أن المرأة لها مهمة لا يقدر عليها الرجل فهي مفضلة عليه فيها.. فالرجل لا يحمل ولا يلد، ولكن إذا نظرنا إلى كل من المهمتين معًا، سنجد أنهما متكاملتان، فللرجل فضل القوامة بالسعي والكدح؛ أما الحنان والرعاية والعطف فهي ناحية مفقودة عند الرجل لانشغاله بمتطلبات القوامة. ولذلك فإن الله تعالى يحفظ المرأة لتقوم بمهمتها ولا يحمّلها القوامة بتكليفاتها، لكي تفرغ وقتها للعمل الشاق الآخر الذي خلقت له”[8]. ومن كلام الشيخ الشعراوي -رحمه الله- يتبين أن القوامة جعلت بيد الرجل؛ لأنه فُضّل على المرأة بخصائص نفسية وخلقية وعقلية كقوة النفس والطبع والحركة والكدح. وجعلت الحافظية بيد المرأة؛ لأنها فُضّلت على الرجل بالإحساسات اللطيفة والعواطف الرقيقة وسرعة الانفعال والاستجابة السريعة لمطالب فلذة كبدها، وهذه الخصائص مناسبة لمسؤوليتها من حمل وإرضاع وتربية وحفظ لبيتها وأهلها ونفسها.

ب- أسباب القوامة:

يرجع اختصاص الرجل بالقوامة إلى أمرين أحدهما وهبي والآخر كسبي: فالأول: “ما فضله الله به من التبصر في العواقب، والنظر في الأمور بعقلانية أكثر من المرأة التي جهزها بجهاز عاطفي دفاق من أجل الأمومة. والثاني: أن الرجل هو الذي ينفق الكثير على تأسيس الأسرة، فلو انهدمت ستنهدم على أم رأسه، لهذا سيفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرار تفكيكها[9]. أما من يزعم بأن النفقة الواردة في آية القوامة (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) هي المهر فقط، فنجيبه بأن هذا تعسف في تفسير النص القرآني وفهمه، يقول الشيخ السعدي[10] في تفسيره هذه الآية الكريمة: “وكذلك خصّهم -الرجال- بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. ولعل هذا قوله: (وَبِمَا أَنفَقُوا) وحذف المفعول ليدل على عموم النفقة”[11] ويدخل في عموم النفقة المهر وسائر النفقات التي ينفقها الرجل على أهل بيته[12].

وعلى ذلك، فإن التكوين الفطري للرجل يجعله كفؤًا لاختصاصه بالقوامة والإشراف والرعاية، إضافة إلى ما يبذله لصالح الأسرة، فتكون الحكمة إذن ما يبذله الرجل من ماله ووقته وصحته لزوجته وأبنائه من الجانب الكسبي، ثم ما أودعه الله فيه من خصائص فطرية تجعله أهلاً لتحمل تلك المسؤولية الثقيلة التي تتطلب قوة وصبرًا وشجاعة وتحملاً وطول النفس من الجانب الفطري، “ولو كانت المرأة كالرجل في قوة جسدها وذكائها إلا أنها سرعان ما تنصرف عن ذلك عندما يتعرضها الحمل الذي يترتب عليه الآلام والمتاعب، فضلاً عما تتطلبه الرضاعة والحضانة وتربية النشء من بيئة مستقرة وتحقيق السعادة لسائر أعضاء الأسرة من زوج وأبناء وغيرهم[13]. يقول سيد قطب -رحمه الله- عن قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء): “تحدد هذه الآية أن القوامة في مؤسسة الأسرة للرجل”، ويذكر أسباب هذه القوامة: تفضيل الله للرجل بمقومات القوامة وما تتطلبه من خصائص وتكليفه الإنفاق على المؤسسة، وبناء على إعطاء القوامة للرجل يحدد كذلك اختصاصات هذه القوامة في صيانة المؤسسة من التفسخ وحمايتها من النزوات العارضة. والمسلّم به ابتداء أن الرجل والمرأة كليهما من خلق الله، وأن الله -سبحانه- لا يريد أن يظلم أحدًا من خلقه، وهو يهيئه ويعدّه لوظيفة خاصة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة وقد خلق الله الناس ذكرًا وأنثى –زوجين- على أساس القاعدة الكلية في بناء الكون. وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع، وهي وظائف ضخمة أولاً وخطيرة ثانيًا، وليست هينة ولا يسيرة. فكان عدلاً كذلك أن ينوط بالشطر الثاني –الرجل- توفير الحاجيات الضرورية وتوفير الحماية -كذلك- للأنثى كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة. ولا يحملها أن تحمل وترضع وتكفل. ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد، وكان عدلاً كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك. وكان هذا فعلاً. ولا يظلم ربك أحدًا..[14].

إذن، فسبب قوامة الرجل راجع إلى سعيه وكده لضمان استمرارية حياة الأسرة وحمايتها من كل المخاطر والخطوب، هذا جانب، أما الجانب الآخر فإن الله تبارك وتعالى خلق من كل شيء زوجين، وخصّ كل واحد بخصائص في خلقته –فخلقة المرأة ليست كخلقة الرجل-، وأعد كل واحد لوظيفته الخاصة التي تتناسب مع خلقته وطبيعته الفطرية، وبهذا التنوع في الوظائف يتحقق ذلك التكامل بين الزوجين، فهما وجهان لعملة واحدة، فكانت الشريعة بهذا في منتهى العدل والحكمة.

وشأن الإنسان في النهاية إذن لا يصلح إلا بالصلابة والتؤدة والاتزان والتبصر بالعاقبة والحزم والعقل والدور الاجتماعي التي هي من طباع الذكور أصلاً، والعاطفة والرقة والحنان والاهتمام واللين التي هي من خصائص النساء، وإلى هذا المعنى اللطيف أشارت الآية الكريمة: (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء: 32][15]. ولهذا كله فإن المنهاج الرباني يراعي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وما يتميزون به من خصائص تجعلهم يتحملون وظائف مختلفة، والله لا يظلم أحدًا، فكل واحد منحه الاستعدادات اللازمة ليؤدي مسؤوليته على أحسن وجه، وبما يعود بالخير والصلاح على الأسرة.

ت- حدود القوامة:

إن الشرع الحنيف لما جعل القوامة بيد الرجل لم يجعلها له أمرًا مطلقًا يفعل بها ما يشاء وكيف يشاء وفق هواه وما تشتهيه نفسه، ولم يطلق له العنان ليعبث بأسرته ويقودها إلى المهالك، ولم يقصد بأن تكون هذه القوامة سيفًا مسلطًاً على المرأة أو استبدادًا بحريتها وانتهاكًا لكرامتها، وإنما جعل لهذه القوامة حدودًا، وأحاطها بسياج متين حتى تحقق أهدافها ومقاصدها في بناء أسرة مستقيمة تسير سويًا على صراط مستقيم. يقول سيد قطب -رحمه الله-: “إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني ولا إلغاء وضعها “المدني”، وإنما هي وظيفة -داخل كيان الأسرة– لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة وصيانتها وحمايتها. ووجود القَيِم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها والعاملين في وظائفها. فقد حدد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية وصيانة وحماية وتكاليف في نفسه وماله وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله”[16].

وقوامة الرجل على أسرته التي قضى بها الشرع ما هو تقتضيه الفطرة وأصل الخلقة لكل منهما، هذه القوامة للرجل في مصلحة الأسرة والمرأة نفسها، وقوامة الرجل على أسرته تقوم على أساس المودة والرحمة فيما بينهما. وعلى هذا، فإن استمرار الحياة الزوجية واستقرارها وتحقيق مقاصد الزواج وحفظ مصلحة الزوجة، كل ذلك يستلزم أن تقر الزوجة راضية بأن القوامة في الأسرة هي للزوج بحكم الشرع، وأنه القوّام عليها، وأن القوامة لها مضمون حقيقي يجب أن تسلّم به الزوجة، وأن على الزوج أن يفقه الغرض من هذه القوامة التي قررها له والأساس الذي قامت عليه حتى لا يسيء استعمالها أو يتعسف في استعمال ما تخوله هذه القوامة من سلطة، فهي لا تعني القهر والاستبداد ولا تعني إهدار شخصية المرأة وأهليتها ومقومات إنسانيتها كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان السقيمة، بل هي تحرير للمرأة وإحاطتها بالحماية الدائمة، ولها الحق أن تعبر عن وجهة نظرها فيما ينبغي الأخذ به من شؤون الأسرة. وأي غضاضة في أن يكون للرجل هذه القوامة ما دامت حقوق المرأة مكفولة وكرامتها مصونة، ولم يجعل الإسلام شخصيتها تذوب في شخصية الرجل ووجودها يتلاشى في وجوده[17]. والله تعالى ختم سياق آية القوامة بقوله: (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34] ليوجه الرجل ويبين له ألا يستعلي أو يستكبر في قوامته على المرأة؛ لأن الكبر والعلو من صفات الله تعالى وحده. ومن هنا تكون القوامة حماية ومدافعة، لا بخس فيها ولا انتقاص، ولا قهر فيها ولا سلب إرادة. فالقوامة رعاية ومشاركة وحماية وتكليف، وليس كما يظن بعض الناس أن قوامة الرجل على أسرته تعني منحه حرية التصرف فيها كما يحلو له، ووفقًا لأهوائه وما تمليه عليه نفسه وهو مخطئ، فإن هناك داخل البيت المسلم ما يسمى “حدود الله”،[18] وهي كلمة تكررت في القرآن وهي الكريم اثنتي عشرة مرة،[19] منها: أربع مرات في آية واحدة،[20] ومرة بتعبير “حدود ما أنزل الله”.([21] فإذا “كان البيت مؤسسة تربوية أو شركة اقتصادية فلا بدّ له من رئيس، والرياسة لا تلغي البتة الشورى والتفاهم وتبادل الرأي والبحث المخلص عن المصلحة. إن هذا القانون مطرد في شؤون الحياة كلها، فلماذا يستثنى منه البيت؟!”[22].

أجل، إن القوامة إذن للرجل، وإذا وقع العكس فإن “البيت الذي تتحمل المرأة قوامته لا تكون فيه المرأة سعيدة وراضية، لأن المسؤوليات تتعاظم لديها، وتحس بأنها بحاجة إلى زوج قوي تستند إليه ويخفف عنها الحمل ويقيها من تسلط الطامعين.”[23] وهكذا تبدو القوامة في عمقها مبنية على التآزر والتعاون والتكامل والتوادد بين الزوجين، واقفة عند حدود الله -جل وعلا-، منصاعة لأوامره، سائرة على منهاج نبيه، خاضعة لتوجيهاته النبوية الشريفة التي تضيء لها دروب الحياة وتحفظها من الآفات.

ث- علاقة القوامة بالدرجة:

الإيمان بدرجة الرجال على النساء إيمان بالقرآن وهي مزية ثابتة بالكتاب والسنة. قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة: 228]. وقد جاءت الآية في سياق أحكام الطلاق، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما يقول الفقهاء. فتثبت الدرجة للرجال في الشأن الخاص في الحياة الزوجية وفي الشأن العام في الحياة السياسية والاجتماعية[24]. لكن ما مضمون هذه الدرجة؟ أهي براءة تمنح للرجل تفويضًا لكي يدوس المرأة تحت قدميه، أم مسؤولية رعاية أمينة وقيادة رحيمة؟

إن شرع الله تعالى جاء ليحفظ مصلحة الإنسان في هذا الكون وليبين له طريق السعادة في الدنيا والآخرة، ولذلك جاءت أحكامه في منتهى التيسير والحكمة مراعية لمقاصد الشريعة ومراميها وخصوصيات البشر وطبائعهم. إن الدرجة التي تتحدث عنها الآية القرآنية السابقة ليست مكانة يتبوأها الرجل ليستعلي على المرأة ويدوس كرامتها ويهينها، بل هي درجة القوامة والإشراف والرعاية والذود عن الأسرة. جاء في “التفسير الواضح”: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)، فتلك الدرجة هي المفسرة بقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) [النساء:34]. فالدرجة هي القوامة عليهن والولاية والنفقة عليهن فهو تكليف للرجال أكثر من تكليفهن.”[25]. وهي كذلك درجة الرياسة والإدارة والقيادة؛ إذ كل مؤسسة لا بدّ لها من رئيس ومدير وقائد من غير أن يكون في ذلك تشريف خاص أو إلغاء للآخر. وتحتاج هذه الدرجة إلى الرفق والرحمة والتعاون وكل الصفات الواجبة في حق الرجل في معاشرته لأهله، وليست الدرجة محاباة للرجل ولا تنقيصًا من حق المرأة أو مكانتها، وإنما هي مسؤولية ملقاة على عاتق الرجل وسيُسأل عنها يوم القيامة، هذه الدرجة: “درجة الرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق[26]. فهو “يوجب على المرأة شيئًا وعلى الرجال أشياء، ذلك أن هذه الدرجة هي درجة الرياسة والقيام على المصالح”[27].

وعلاوة على ذلك، فإن “الدرجة” التي أعطاها الله للرجال على النساء بصريح النص القرآني هي تثقيل لميزان الرجل بمثاقيل المسؤولية، وتخفيف عن أعباء المرأة التي ندبها الشرع بمسؤولية عظيمة، الدرجة (الإمارة) في القافلة الزوجية الاجتماعية السياسية هي بمثابة أمير للسفر الذي أوصت به السنة النبوية. إمارة من دونها تكون الفوضى في القافلة فتضعف، فيجد العدو فيها مغمزًا فيعدو عليها ويمزقها. ومع ما ذكرته، فإن هذه “الدرجة ليست درجة السلطان ولا درجة القهر، وإنما هي درجة الرياسة البيتية الناشئة عن عهد الزوجية وضرورة الاجتماع، هي درجة القوامة التي كلفها الرجل، وهي درجة تزيد في مسؤوليته عن مسؤوليتها، فهي ترجع في شأنها وشأن أبنائها وشأن منزلها إليه، تطالبه بالإنفاق وتطالبه بما ليس في قدرتها وما ليس لها من سبيل إليه.”[28].

2. مظاهر القوامة:

إذا تتبعنا الآيات القرآنية والنصوص الحديثية المتعلقة بقوامة الرجل على الأسرة، نخلص إلى أن القوامة تتمظهر في ثلاثة مجالات أو أحكام، وهي كالآتي:

أ- النفقة والرعاية والقيام بالأمر:

النفقة والرعاية والقيام بالأمر من أهم مظاهر القوامة وأبرزها، لذلك وجب على الزوج أن ينفق على زوجه ولو كانت غنية ذات أموال، وذلك نظام التوزيع الاجتماعي، فمالها لنفسها، والنفقة أثر من آثار الزوجية الصحيحة للزوجة. ولو اشترطت ألا ينفق عليها فيكون الشرط باطلاً لأنه نفي لوجوب ما أوجبه الشرع، أو –كما يقول الفقهاء- فيه منافاة لمقتضى العقد. ولو كانت المرأة غنية وزوجها فقيرًا لا تسقط النفقة عنه، ولكن ينفق بمقدار طاقته حتى لا تكون الأحكام ضد الفطرة الإنسانية[29]. لذلك يجب أن يعول الرجل زوجته، فالنفقة واجبة عليه ولو كانت هي غنية أو فقيرة، مسلمة أو غير مسلمة، على ألا تمنعه شيئًا مباحًا تقدر عليه، وأن تطيعه في معروف وفيما هو حقه[30].

 والجدير بالذكر –هنا- أن بعض الكتاب يزعمون أنه لا حاجة لقوامة الرجال في هذا العصر الذي أصبحت فيه المرأة تعول نفسها بعملها وتشارك زوجها في الإنفاق على الأسرة، لكن قولهم هذا حق أريد به باطل، فالقوامة لا تسقط عن الرجل ولو شاركته الزوجة في الإنفاق على الأسرة؛ لأن القوامة وظيفة الرجال والحافظية وظيفة النساء، كما هي وظائف أعضاء الجسد، فلا يمكن لليد أن تقوم بوظيفة العين ولو أصيبت العين بالعمى، فكل واحد يقوم بما توجبه عليه الفطرة الإنسانية، لكن في تعاون شامل وتكامل بينهما، ولا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر. ولا يقف الأمر عند الإنفاق فقط بل يتجاوزه إلى الرعاية الدينية للأسرة؛ أي أن يعلمهم دينهم وشريعتهم لقوله – تبارك وتعالى-:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6]، وقوله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [طه:132].

ب- الولاية:

الولاية في اللغة هي النصرة والقرب والحلف، وكلها معان تدل على تقوية جانب الضعف من المولى عليه، وولي المرأة: من يلي عقد النكاح عليها ولا يدعها تستبد بعقد النكاح من دونه[31].

أما في الاصطلاح، فالولاية سلطة لمن ثبتت له القدرة على إنشاء التصرفات والعقود وتنفيذًاً من غير توقف على إجازة أحد[32]. أما إذا كانت متعلقة بشؤونه كتزويجه نفسه أو التصرف في ماله فهي الولاية القاصرة. والولي في الزواج: “من له على المرأة ملك أو أبوة أو تعصيب أو إيصاء أو كفالة أو سلطة أو ذو إسلام”.[33]. ويرى الإمام مالك -رحمه الله– أن: “كل من وضع المرأة في منصب حسن فهو وليها، سواء كان من العصبة أو من ذوي الأرحام، أو الجانب، أو الإمام، أو الوصي.” [34]. قال الجزيري:[35] الولي في النكاح هو الذي يتوقف عليه صحة العقد فلا يصح بدونه، وهو الأب أو وصيه والقريب العاصب والمعتق والسلطان المالك.” [36] وتنقسم الولاية إلى قسمين: ولاية على النفس وولاية على المال؛ فالولاية على المال هي: حفظ مال غير راشد أو سفيه أو مجنون.. وإجراء التصَرُّفات الشرعية بما يعود بالمصلحة عليهم. وأما الولاية على النفس، فتنقسم إلى قسمين:

  • ولاية الحفظ والصيانة، للصغير والكبير معًا، لجلب المصالح إليهم ودفع المضار عنهم.
  • وولاية تزويج الفتاة، أو ما يسمى بولاية النكاح ولا حرج إذن في هذه الولاية ولا عنت، ولا تضيق المرأة ذرعًا بها؛ لأن فيها صيانة مما نشاهد اليوم من استقلال بعض الفتيات بتزويج أنفسهن، وما ينتج عن ذلك من نتائج سيئة تعود على الولي والأسرة والمجتمع بالندم والخسران والضرر، وكذلك نهى الإسلام الأولياء أن يكرهوا النساء على الزواج بمن لا يرضين؛ إذ يتنافى هذا مع مقاصد الشرع التي جعلت الزواج أساسه الألفة والمحبة والوئام، أو يعضلوهن فلا يمتنعوا عن تزويجهن متى كان الخاطب كفئًا، ولا يضاروهن بحبسهن عن الزواج لهوى أو مصلحة، فإن امتنع الولي عن التزويج بلا عذر مع كفاءة الزوج واستقامة الحال سقطت ولايته وأصبح عاضلاً، وانتقلت الولاية إلى القاضي لينفذ الزواج، لأن العضل ظلم، وولاية رفع المظالم إلى القاضي[37]. وهذا يعني أنه ليس في الولاية تسلط على المرأة من قبل الرجل، ولا أية استهانة بها أو انتقاص من قدرتها[38]؛ إذ شرعت الولاية لحفظ كرامة المرأة ومصالحها ودفع الضرر عنها، ولا يخفى أن الحكمة من جعل الولي ركنًا في عقد الزواج هو أن للزواج مقاصد متعددة، والمرأة كثيرًا ما تخضع لحكم العاطفة فلا تحسن الاختيار، فيفوتها حصول هذه المقاصد، فمنعت من مباشرة العقد وجعل ذلك لوليها لتحصل مقاصد الزواج على الوجه الأكمل من غير أن تتعرض للابتذال إذا هي تولت العقد بمحضر من الرجال إلا بما ينوب عنها. ولذلك يشترط في الولي أن يكون أهلاً لممارسة هذه المهمة بأن يكون ذكرًا بالغًا عاقلاً رشيدًا حرًا[39].

 إذن، لا تشكل ولاية التزويج طعنًا على المرأة في عقلها ولا إلغاء لشخصيتها ولا سلبًا لحريتها ولا تنقيصًا من أهليتها، وإنما هي مظهر من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، يراعى عدم خبرتها بالرجال، فقد يغرها المظهر في مال أو جمال، وقد تتعلق بحسب أو نسب وتقع فريسة لزواج غير متكافئ معها في دين أو في غير ذلك مما هو معتبر في العرف، ويكون الزواج مآله الفشل، لذلك كلف الإسلام الرجل بأن يضع نفسه في خدمة المرأة التي في ولايته ليعينها على اختيار الزوج الصالح بإذنها ورضاها واستشارتها، وليصونها عن الابتذال والوقوف من زوجها المنتظر موقف المساوم المماكس. فهذه الولاية إذن لا تتعارض مع الحرية التي منحها الإسلام للمرأة في حق اختيار شريك الحياة، لأنه في حال تعنت الآباء يمكن للقضاء أن يتدخل، لأن الولاية التي يريدها الشرع ليست ولاية تسلط وتحكم واستبداد، بل هي ولاية مشورة ونصيحة وتوجيه تراعى فيها مصلحة المرأة. أما مشروعية ولاية التزويج فقد وردت في آيات وأحاديث وآراء فقهية كثيرة لا مجال لذكرها فهي ليست مناط البحث.

ت- الطلاق:

 الطلاق هو: حلُّ رابطة الزوجية من جانب الزوج –بوصفه المخول بهذا الحق– أو جانب الزوجة إذا ملكها طلاق نفسها. وعليه، فإن الطلاق المظهر الثالث للقوامة، ومن مظاهر رحمة الله تعالى بعباده أن جعله بيد الرجل، لقوله تبارك وتعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة: 231]، ولقول النبي: “إنما الطلاق لمن أخذ بالساق”.[40]. وذلك لاعتبارين: أولهما كسبي، فهو القوام على بيته يتحمل تبعاتها وحاجاتها. والثاني فطري، لكونه أكثر تحكماً في تصرفاته وأقل اندفاعًا مما يجعله أكثر تبصرًا وتأملاً. ولقد حذر الإسلام من الطلاق من غير سبب، والإكثار منه يؤدي إلى خراب البيوت والمجتمعات، فهو أخف الضررين لنكاح فاشل سدت جميع الأبواب في وجهه، ولحياة زوجية لا تطاق بعد نفاد كل الوسائل والحلول للمّ الشمل، فيكون الطلاق رحمة في حياة نكدة لا تطاق، وبعد صلح لم يؤت ثماره. ولقد حدده الله تعالى في ثلاث فقال: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 229]، فكان تشريعه رحمة ووسطًاً بين طلقة بائنة وبين طلاق مطلق تتلاعب به النفوس والأهواء. ثم من مكملات هذا المظهر تشريع عدة المرأة المطلقة، وألا تطلق وهي حائض مراعاة للحالة النفسية التي تصحب الحيض..، كل هذا يعطي فرصة للزوجين للتأمل والتروي ورعاية مصلحة الأسرة.

ثانيًا: مسؤولية المرأة الزوج (الحافظية):

١ – معنى الحافظية:

الحافظية لغة: الحفظ، تارة يقال لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إلى الفهم، وتارة لضبط الشيء في النفس، ويضاده النسيان، وتارة لاستعمال تلك القوة، فيقال: حفظت كذا حفظًاً، ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية، قال الله تعالى: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ) [النساء:34]؛ أي: يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهم بسبب أن الله تعالى يحفظهن، أي: يطلع عليهن، وقرئ: (بِمَا حَفِظَ اللّهُ) [النساء:34] بالنصب، أي بسبب رعايتهن حق الله تعالى لا لرياء وتصنّع منهن[41]. يقول الله –تبارك وتعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34]. والشق الأخير من الآية يحدد مسؤولية المرأة، لكن تفاصيلها وردت في أحاديث نبوية أخرى. روى الإمام ابن جرير عن أبي هريرة قال: قال النبي: “خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك”، ثم قرأ رسول الله هذه الآية: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء…) إلى آخرها.”[42]. وما جاء في الآية الكريمة وهذا الحديث النبوي الشريف جامع وشامل لمعاني الحافظية التي تعني: المساكنة الزوجية، والاستقرار الأسري، وصيانة النفس، وطاعة الزوج وحفظه في ماله وبيته وأسراره، وحفظه في أبنائه بالتربية الحسنة، والأدب النافع في الدين والدنيا، في غيابه وحضوره بما أمر الله تعالى به أن تحفظ لا تقصر في مسؤوليتها ورعايتها بعد أدائها حقوق الله عليها..، وما أدرجت المرأة في صف الصالحات إلا بأدائها لحقوق زوجها عليها. يقول الإمام أبو بكر بن العربي -رحمه الله- في قوله تعالى: (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ) “يعني غيبة زوجها، لا تأتي في مغيبه بما يكره أن يراه في حضوره”[43]. ويقول الشيخ رضا: “أي حافظات لكل ما هو خاص بأمور الزوجية الخاصة بالزوجين، فلا يطلع أحد منهن على شيء مما هو خاص بالزوج.”[44]. ثم تأتي تفاصيل الحافظية الزوجية في آيات أخرى وأحاديث نبوية شريفة، منه على سبيل التمثيل ما قاله سيدنا رسول الله في خطبة البلاغ والوداع؛ إذ قال: “ألا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقَّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَحَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كسوتهنَّ وَطَعَامِهنَّ”.[45]

وخلاصة القول: إن الحافظية هي صلاح المرأة في نفسها وإصلاحها لأبنائها، وطاعتها لزوجها، وحفظها لحرمة الرباط المقدس والميثاق الغليظ بينها وبين زوجها، ولما أوجب الله عليها حفظه من أمور الزوجية في غيبته ووجوده. وحافظية المرأة لا تقتصر على حفظ الحقوق الزوجية فقط، بل تشمل كل الحقوق المكلفة بها، تنطلق من حفظ حقوق الله تعالى والسعي لنيل رضاه وترجع إليهما، فهي عبادة الله تعالى وطاعة له قبل أن تكون حقًا للزوج على زوجه.

2- مظاهر الحافظية:

أ- حفظ بيت الزوجية في الغياب والحضور وحفظ المرأة نفسها:

تشير عبارة (حافظات) في قوله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) إلى أن هناك ما يُضيَّع إن لم تحفظه المرأة الزوج، وتشير التي بعدها (للغيب) بأن هناك غيبًا وحضورًا. يقول الإمام الرازي -رحمه الله – عند تفسيره لقوله تعالى: (قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ) فيه وجهان: الأول: (قَانِتَاتٌ)، أي مطيعات الله، (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ) أي قائمات بحقوق الزوج، وقدم قضاء حق الله ثم أتبع ذلك بقضاء حق الزوج. الثاني: أن حال المرأة إما أن يعتبر عند حضور الزوج أو عند غيبته، أما حالها عند حضور الزوج فقد وصفها الله بأنها قانتة، وأصل القنوت دوام الطاعة، فالمعنى أنهن قيمات بحقوق أزواجهن، وظاهر هذا إخبار، إلا أن المراد منه الأمر بالطاعة. واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها، لأن الله تعالى قال: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) والألف واللام في الجمع يفيد الاستغراق، فهذا يقتضي أن كل امرأة تكون صالحة، فهي لا بد وأن تكون قانتة مطيعة. ف(ما) في قوله: (بِمَا حَفِظَ اللّهُ) فيه وجهان: الأول: بمعنى الذي، والعائد إليه محذوف، والتقدير: بما حفظه الله لهن، والمعنى أن عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن؛ إذ أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن، فقوله: (بِمَا حَفِظَ اللّهُ) يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك. والوجه الثاني: أن تكون (ما) مصدرية، والتقدير: بحفظ الله، وعلى هذا التقدير ففيه وجهان: الأول: أنهن حافظات للغيب بما حفظ الله إياهن، أي لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله، فيكون هذا من باب إضافة المصدر إلى الفاعل. والثاني: أن المعنى: هو أن المرأة إنما تكون حافظة للغيب بسبب حفظهن الله أي بسبب حفظهن حدود الله وأوامره، فإن المرأة لولا أنها تحاول رعاية تكاليف الله وتجتهد في حفظ أوامره لما أطاعت زوجها، وهذا الوجه يكون من باب إضافة المصدر إلى المفعول، واعلم أنه تعالى لما ذكر الصالحات ذكر بعده غير الصالحات، فقال: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ)[46]. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال في قوله تعالى: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ) أي: “الصالحات المحسنات لأزواجهنّ، لأنهن إذا أحسن لأزواجهن فقد صلح حالهن معهم.[47]. ف(فَالصَّالِحَاتُ) مبتدأ، وما بعده خبران لَهُ، و(لِّلْغَيْبِ) مُتعلق ب(حَافِظَاتٌ)، يعني أن المرأة الصالحة هي التي تحفظ حقوق القائم على شؤونها. وعليه، فإن المرأة قد تكون معول هدم في برج السكن إن غابت عنه وغفلت عن المسؤولية الموكولة إليها والمتمثلة في حفظ كل ما غاب عن عين الرجل. فالحفظ إذن استمرار واستقرار وهو العمود الفقري في الحياة الأسرية، والمرأة بطبعها وفطرتها تحفظ استمرار الجنس البشري بما هي محضن للأجنة وراعية لحياتهم ومرضعة وحاضنة ومربية ومدبرة الضروريات معاش الأسرة، وتحفظ أمانة الله على عاتقها بحفظ حقوق الله عليها وحقوق زوجها ونفسها وأبنائها.

ب- الطاعة في المعروف:

إن الله تعالى أوجب على الزوجة طاعة زوجها، لأنه ربان سفينة الأسرة والقائم بشؤونها المادية والمعنوية والمدافع عنها والذائد عن حماها، ولا شك في أن الزوجة إذا أطاعت زوجها فإنها تحفظ بذلك هذه السفينة من الغرق، وتوطد علاقتها بزوجها وتؤلف قلوب أعضاء أسرتها، وبذلك تطرد كل الوساوس التي بإمكانها زعزعة كيان الأسرة. وفضلاً عن ذلك، فإن من مستلزمات القوامة أن يطيع كل أفراد الأسرة القائم بشؤونهم، حتى تنجح هذه القافلة في رحلتها وتصل إلى مقصدها وتعطي ثمارها. وحسبنا قوله -جل وعلا- في سياق آية الحافظية: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ)، فالقنوت: الطاعة[48]، أي الطائعات؛ الطائعات لله تعالى فيما أمر به من حقوق أزواجهن عليهن، وقَتَتَتِ المرأة لزوجها أي أطاعته، وما بعدها يزيد الأمر وضوحًا إلى أن المقصود من (القانتات) الطائعات لأزواجهن، (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) فسرت: “أي تخافون عصيانهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من طاعة الأزواج.” فما على زوجها إلا اتباع مراحل العلاج من وعظ وتأديب.. إلى تدخُّل الأسرة الممتدة للإصلاح بينهما، فإذا حلت المشكلة (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) – وهذا دليل آخر يؤكد مسؤولية المرأة تجاه زوجها– (فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)، فإذا أطاعته فلا سبيل له عليها.

فإذا كان الزوج مطالبًا بالإشراف على الأسرة وبذل جهوده في سبيلها وقضاء حاجاتها، والذود عنها ودرء المفاسد عنها فإن الزوجة مطالبة من جهتها بطاعة زوجها –في المعروف– عندما يأمرها أو يلزمها بشيء، فإن طاعتها له طاعة لربها، وعصيانها له عصيان لربها. وهذه الطاعة التي جعلها الشرع الطاعة حقًا للزوج إنما هي في المعروف، ولا طاعة له إن أمر الزوجة بمعصية الله تعالى، أو أن يأمرها بشيء فوق طاقتها وخارج عن إرادتها.

ثالثًا: مقاصد المسؤوليات الأسرية:

أقام الإسلام العلاقات داخل الأسرة على دعائم ثلاث هي: المودة والرحمة والسكن، كما ضمن للأسرة أحكامها الخاصة، ونظّم العلاقة بين عناصرها، وحدد حقوقهم وواجباتهم مما يستلزم منهم القيام بها لتحقيق رسالتهم في الحياة، والمحافظة على سلامة الأسرة من الانحرافات والمشكلات الداخلية وتأمين سعادة عناصرها، حفاظًاً على المقاصد العليا للشريعة الإسلامية.[49] وأُجمل أهم مقاصد الشريعة الإسلامية للمسؤوليات الأسرية (القوامة والحافظية) فيما يأتي:

1- إقامة حدود الله:

أهم مسؤولية للأسرة هي تطبيق شرع الله تعالى والحفاظ على حدوده، وتطبيق شرعه والسعي في مرضاته بتأسيس البيت المسلم، قال تعالى: (إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ) [البقرة: 1230]. فالأبوان مسؤولان أمام الله عن تنشئة الأبناء على تعاليم الإسلام ومبادئه وأخلاقه، يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ) [التحريم: 6]، وأي تقصير أو إخفاق في قيامهما بمسؤوليتهما ستكون له عواقب سيئة على سلوك الأبناء والبنات، ومن ثم على المجتمع في بنائه وفكره وأمنه. ولذلك، فإن أهم مقصد في بناء الأسرة هو إقامة حدود الله تعالى؛ أي تحقيق شرع الله في شؤون الحياة الأسرية كلها من المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف أو الفراق بإحسان، والتعاون على الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان؛ تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى، والتعاون على تبليغ رسالة الإسلام.

2- المساكنة الزوجية والتكامل الزوجي بين الزوجين:

 يقول الله -تبارك وتعالى- في هذا المقصد (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189]، ويقول عز من قائل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) [الروم: 21]، ويقول -عز اسمه-: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [البقرة: 187]. تتحدث هاتان الآيتان عن أهم مقصد من مقاصد الزواج وبناء الأسرة المسلمة؛ إنه مقصد المحبة والمودة والرحمة التي تحقق ذلك السكن الوجداني والقلبي بين الزوجين، الذي تقوم عليه الحياة الزوجية بما لا يمكن الاستغناء عنه، وعلى ذلك، فإن الحياة الزوجية إذا غيبت فيها هذه الخصال الودية والتراحمية والمحبة الصادقة والإخلاص الدائم فإنها تكون أشبه بجسد بلا روح، لا معنى لهذه الحياة ولا مستقبل لها ولا خير يرتجى منها، لأن تلك الأسس التي تبنى عليها الحياة قد اندثرت، فلا شك في أن هذا البناء -الذي بني بلا أساس- سينهار في أية لحظة. وها هنا سر دقيق لا تقوم الحياة الزوجية إلا به، فالآيات الكريمة لم تشر إلى ذلك السكن الغريزي، لكنها أشارت إلى السكن الروحي والوجداني بين الزوجين.

ومن مقاصد الشريعة الإسلامية فيما يخص المسؤوليات الأسرية، مقصد تحقيق السكن والمودة والرحمة في الأسرة، “حتى لا تنحصر العلاقة بيـن الزوجين في صورة جسدية بحتة، فقد نبهت الشريعة أن مقاصد هذه العلاقة أن يسكن كل من الزوجين إلى الآخر، وأن يكون بينهما مودة ورحمة، وشرعت لتحقيق هذا المقصد أحكامًا للمعاشرة بالمعروف بين الزوجين وآدابًا للجماع، وغير ذلك من الأحكام التي توفر الجو العائلي المملوء دفئًا وحنانًا، ومشاعر إنسانية راقية. والسكن والمودة والرحمة مشاعرٌ هي الأصل في العلاقة الزوجية لا المشاحنات والمشاجرات والأحقاد. السكن اطمئنان شق البشرية للشق الآخر، ومودة ورحمة تكامل من أجل استمرار النسل البشري وتحقيق الاستخلاف في الأرض، وليس صراعًا بين طرفين أسسا بنيانهما على شفا جرف هار فهو مهدد بالانهيار، فإذا كان أساس البنيان هشًا فسرعان ما تفتح الأبواب على مصراعيها أمام الممارسات الخاطئة بما يهدد كيان الأسرة والأمة معًا، بحيث يستعمل كل طرف ما يبيحه لنفسه من أسلحة ليظهر قوته ويثبت ذاته، فالرجل من جانبه يشهر في وجه المرأة سلاح القوامة والدرجة والطاعة، والمرأة في المقابل تستعمل سلاح الحيل والمكائد والشعوذات لتحمي نفسها. فهل المنطلق عند أخذ القرار والاختيار هو المودة والرحمة والسكينة، أم أن الزواج كان هدفًا في حد ذاته لم يستحضر فيه الأصل (عمارة الأرض)، وعلاقة مودة ومحبة في الدنيا تمتد إلى الآخرة لمن كانت التقوى باعثهما.

3- الحفاظ على سلامة الأسرة والمجتمع وضمان استقرارهما واستمرارهما:

الأسرة هي المرعى الأول والمحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظل هذا التفاهم والتعاون والتشاور والتشارك بين الزوجين يستقر بينهما الوئام وينشأ الوفاق بالتقاء مشاعر الحب والوداد والرحمة والتكافل، فتستقر الأسرة وتستمر الحياة في جسدها، وباستقرار الأسرة يستقر المجتمع لكونها اللبنة الأساسية فيه وصورة مصغرة له، بصلاحها يصلح وبفسادها يختل وينهار. وما الأزمات والمشكلات التي حلت بمجتمعاتنا إلا بغياب الاستقرار الأسري وانفراط حبات عقده، فغاب عنه الاستقرار.

4- حفظ الكليات الخمس:

والمقصد الأعلى للشريعة الإسلامية تحقيق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة، وعن هذا المقصد الأعلى تتفرع مقاصد أخرى. وكل أحكام الشريعة في كلياتها وجزئياتها جاءت لتحقيق هذه المقاصد، وبينت الشريعة الغراء نصًا واجتهادًا مقاصد تطبيقها سواء فيما يتعلق بالفرد أم الأسرة أم المجتمع. فإذا قام الرجل والمرأة بمسؤولياتهما -داخل الأسرة- على أحسن وجه وبما أمر الله تعالى، حققا بذلك أهم المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بحفظهما للضرورات الخمس التي تنص عليها الآيات القرآنية وتقررها السنة النبوية. وتتجلى مقاصد المسؤولية الزوجية أو الأسرية أو القوامة والحافظية فيما يأتي:

  • حفظ الدين: إن حفظ الدين هو أول ما تتطلبه المسؤولية الأسرية الملقاة على عاتق الزوجين، حفظ بإقامة شرع الله في البيت، وبالمحافظة على الحقوق الزوجية، وبتعاون كل أفراد الأسرة على عبادة الله تعالى ومعرفته. وهذا المقصد رأس المقاصد وغاية الغايات بل هو خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية.
  • حفظ العرض والنسل: بحفظ العرض وصونه يتجلى صفاء الدين وجمال الإنسانية. وتدنيسه وهوانه ينزل الإنسان إلى مستنقعات الرذيلة. فالزوجان مسؤولان عن أسرتهما، ووجب عليهما تحصين الأسرة من المؤثرات الخارجية وتحذيرها من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وبنائها على تقوى الله والإيمان وكريم الأخلاق. والزوجة تحفظ زوجها في أبنائه؛ تأمر بالحسن وتزجر عن القبيح، وتجيب عن الأسئلة، وتلقِّن اللغة. وإن أنفس ما تحفظه المرأة أنساب الأمة من الاختلاط والرذائل، لأن لفيفًا اللقطاء لا يسمى أمة.
  • حفظ النفس: بالمسؤولية الأسرية يتحقق حفظ النفس؛ ويكون حفظ نفس أفراد الأسرة من جانب الوجود وجانب العدم، فمن جانب الوجود له معنيان: حفظ باطن وآخر ظاهر، أما حفظ الباطن فيقصد حفظها بتنشئة أفرادها على أخلاق الإسلام وتعاليمه ومبادئه وعلى ما يقون به أنفسهم من النار. أما حفظ الظاهر فيكمن في حفظها من متاعب الحياة ومشكلاتها، وبتوفير حاجيات الأسرة من مسكن وملبس ومطعم وتعليم وعلاج. أما من جانب العـدم فـحيـن يـكـون الابن منعدمًا في الوجود، حيث حدد الشرع لحفظه –باختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة– الزواج الشرعي والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ثم حفظه جنينًا برعاية أمه الحامل به صحيًا ونفسيًا وعاطفيًا، وتوفير حاجياتها، واجتناب كل ما يمكن أن يعود على الجنين بالضرر أو يؤثر في مسار نموه.
  • حفظ العقل: وهو سعي الزوج والزوجة إلى تنمية عقول أبنائهما، وتقوية ملكتهم، وحفظ عقولهم مما يتربص بهم؛ لأن أكبر مقتل لأبنائهما هو تركهم عرضة للجهل وموجات التغريب والانحلال.
  • حفظ المال: فالرجل مسؤول عن الإنفاق على أسرته وتوفير العيش الكريم لها، والمرأة مسؤولة عن حفظ مال زوجها في غيابه وحضوره جامعة بين العفة والشرف وتدبير النفقة والاقتصاد ولا تبذر منها شيئًا.

خاتمة:

أهم نتيجة يمكن أن نخرج بها من هذا البحث هي عدالة الإسلام وتفرده المتميز في توزيع المسؤوليات (القوامة والحافظية) داخل الأسرة، وفق الخصوصيات الفطرية والخلقية والنفسية لكل فرد من أفرادها، ودعوته إلى التشاور والتفاهم والتعاون والتراحم والتوادد بين أصحاب هذه المسؤوليات ليبين للجميع أنها متكاملة –وليست منفصلة عن بعضها بعضًا-، لها أهداف عظيمة ومقاصد متنوعة ومنافع عاجلة وآجلة، ليبطل بهذا ما يثيره المغرضون –من المستشرقين والمستغربين– من شبهات حول شريعة الإسلام وأنها شريعة ذكورية تنتقص من المرأة وتهينها! وتتفرع عن هذه النتيجة الكبرى نتائج أخرى هي – هي أهم أفكار هذا البحث – وهي:

  • قوامة الرجل تكليف لا تشريف وأمانة ومسؤولية، وإدارة الأسرة ورعايتها، وذود عن حماها، وتوفير حاجياتها المادية والمعنوية، وهي قبل كل هذا طاعة الله الذي شرعها لضمان استقرار الأسرة واستمرارها.
  • حافظية المرأة هي طاعة الله، وحفظ الفطرة وصيانة النفس ورعاية النشء وطاعة الزوج وحفظه في بيته وماله وأبنائه وأسراره في غيابه وحضوره بما أمر الله به أن تحفظ وترعى.
  • إنا بفهمنا لحقيقة المسؤوليات الأسرية ومقاصدهما العامة والضرورة الملحة لتطبيقهما في البيوت نجعل من أسرنا أسرًا مؤمنة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى رسول الله، قائمة على الاستمساك بشرع الله والصدق والإخلاص والتعاون والوفاء والمحبة والإيثار والاستقامة والتسامح.. ومن ثم تحقيق مجتمع مسلم يؤمن بسنن الله في الكون والحياة، ويحترم الفطرة ويرفض كل تغير في السنن الإلهية.
  • كيان الأسرة ليس رجلاً فقط ولا امرأة فحسب، بل كيان متكامل؛ للرجل مسؤوليته (القوامة)، وللمرأة مسؤوليتها (الحافظية)، إذا تحابا وتشاورا وتسامحا وتفاهما وتعاونا وأدى كل منهما رسالته في التربية والبناء حققا الاستقرار الأسري والمجتمعي، ونالا رضا الله تعالى يوم القيامة.
  • إن المسؤولية الأسرية الفعالة ليست توفير حاجيات البيت المادية أو القيام بأمور البيت الداخلية فحسب؛ ولكنها مسؤولية ضخمة؛ هي صنع أجيال المستقبل، والإسهام في إحياء الأمة والحفاظ على كيانها؛ بتربية الأبناء وبناء القلوب واستقرار الأسرة والمساكنة الزوجية والتخلص من شوائب الخلافات والخيانات والنزاعات التي تنذر بالثبور وعظائم الأمور.
  • إن أسرار الشريعة ومقاصدها في تشريع المسؤوليات الزوجية الأسرية أكثر من أن تعد وتحصى، فيكفي بيانًا لذلك أنها جاءت لتحقق للناس الاستقرار الأسري والسعادة الحقة في الدنيا والآخرة.

وعلى ذلك، فحين تنشأ الأسرة على أسس هشة من الجهل بالمقاصد السامية للمسؤوليات الأسرية وحقيقتها وحدودها ومظاهرها والحقوق الشرعية المتبادلة يكون السقوط السريع عند أول عقبة في مسالك الحياة ومجالاتها. فهل يمكن للأسر المسلمة اليوم أن تلتزم بمسؤولياتها والأمانة الملقاة على عاتقها قولاً وعملاً، فتكون أنموذجًا ساطعًا بأنواره على المجتمع والعالم في ظل العولمة وطغيان المادية والتغيرات العالمية وتكالب الأمم لتحطيم آخر قلاع المسلمين (الأسرة).

متى يتخلص أفراد الأسرة من الأنانيات المستعلية والنزاعات الأسرية والمصالح الفردية المحدودة الأفق، وتتوحد جهودهم لتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال المسؤوليات الأسرية؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أصل المقالة منشورة في:

رشيد كهوس (2015). المسؤوليات الأسرية في الرؤية الإسلامية ومدونة الأسرة المغربية. في: رائد جميل عكاشة، منذر عرفات زيتون “تحرير” (2015). الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة. عمَّان: دار الفتح للدراسات والنشر. ص ص. 611 – 654.

[1]دكتوراه في تاريخ الإسلام، جامعة محمد الأول بوجدة، المغرب، أستاذ جامعي، كلية أصول الدين بجامعة القرويين المغرب البريد الإلكتروني: rachid1433@yahoo.com.

[2]البخاري، محمد بن إسماعيل. الجامع الصحيح، تحقيق: مصطفى ديب البغا، بيروت: دار ابن كثير واليمامة، ط. 3، 1407هـ / 1987م، كتاب النكاح، باب قُوا أنفسكم وأهليكم نارًا، حديث رقم 5188، و5200. انظر أيضًا:

  • مسلم، أبو الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري. صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار إحياء التراث العربي (د. ت)، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ج۳، حديث رقم 1829، ص. 1459.

[3]الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المصباح المنير، بيروت: المكتبة العصرية ط. 3، 1420هـ / 1999م، مادة: قام، ص268. انظر أيضًا:

– الرازي، محمد بن أبي بكر عبد القادر. مختار الصحاح، بيروت: دار الفكر العربي، ط1، 1997م، مادة: قاوم، ص244.

– الزمخشري، جار الله فخر خوارزم محمود بن عمر أساس البلاغة، تقديم وشرح وتعليق: محمد أحمد قاسم بيروت المكتبة العصرية، ط. 1، 1423هـ / 2003م، مادة: قوم، ص. 711.

– الأصفهاني، أبو القاسم بن المفضل المعروف بالراغب معجم مفردات القرآن، ضبط وتصحيح وتخريج: إبراهيم شمس الدين بيروت: دار الكتب العلمية، ط1،1418هـ / 1997م، مادة: قوم، ص. 464.

– الزجاج، أبو القاسم معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، بيروت: عالم الكتب، 1408هـ / 1998م، ج. 2، ص. 46.

[4]الفيروز آبادي مجد الدين بن يعقوب بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، تحقيق: محمد علي النجار، القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1412هـ / 1992م، ج. 4، مادة: قوم، ص. 309.

[5]كركر، عصمة الدين المرأة في العهد النبوي، بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط. 1، 1993م، ص. 216.

[6]ابن عطية، أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: المجلس العلمي بفاس الرباط: منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية 1397هـ / 1997م، ج. 4، ص. 103.

[7]هو: محمد متولي الشعراوي (15) أبريل 1911م – 17 يونيو (1998م)، شيخ الدعاة وإمامهم في العصر الحديث، وعالم دين ووزير أوقاف مصري سابق يعد من أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في هذا العصر، له الكثير من المؤلفات البديعة، منها: “تفسير الشعراوي للقرآن الكريم”، و”الإنسان الكامل محمد صلى الله عليه وسلم”، و”الأدلة المادية على وجود الله”، و”السيرة النبوية”، وغيرها.

[8]الشعراوي، محمد متولي. فتاوى النساء، القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، ط. 4، 1422هـ / 2001م، ص ص. 99 – 100 (بتصرف).

[9]القرضاوي، يوسف مركز المرأة في الحياة الإسلامية، بيروت مؤسسة الرسالة، ط. 1، 1421هـ / 2000م، ص. 24.

[10]هو: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي (توفي 1367هـ)، مفسر، من علماء الحنابلة، من أهل نجد، مولده ووفاته في عنيزة بالقصيم، وهو أول من أنشأ مكتبة فيها (سنة 1358)، له نحو 30 كتابًا منها: الكتب المطبوعة الآتية: “تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن”، و”تيسير اللطيف في خلاصة مقاصد القرآن”، وغيرها. انظر:

  • الزركلي خير الدين الأعلام، بيروت: دار العلم للملايين، ط. 5، 1980م، ج. 3، ص. 340.

[11]السعدي، عبد الرحمن بن ناصر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط. 1، 1420هـ /2000م، ص. 177.

[12]قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34] “يعني المهر والنفقة عليهن”. انظر:

–  ابن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد زاد المسير في علم التفسير، بيروت: المكتب الإسلامي، 1404هـ، ج. 2، ص. 74.

[13]خبيزة، محمد يعقوبي نقض النظرية المغرضة في ظلم الإسلام للمرأة”، مجلة الإحياء، رابطة علماء المغرب عدد 15، الرقم المتسلسل 27، شوال 1420هـ / يناير 2000م، ص ص. 235 – 236.

[14]سيد قطب في ظلال القرآن بيروت دار إحياء التراث العربي، ط9، 1391هـ / 1971م، ج. 4، ص. 353 (بتصرف).

[15]بر، فتنت مسكية حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعة العالمية لحقوق الإنسان، بيروت: مؤسسة المعارف، ط. 1، 1413هـ / 1992م، ص ص.107 – 108.

[16]قطب في ظلال القرآن مرجع سابق، ج. 4، ص. 355.

[17]زيدان عبد الكريم. المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط. 2، 1415هـ / 1994م، ج.7، ص ص. 277 – 279. انظر أيضًا:

– البهي الخولي الإسلام والمرأة المعاصرة، الكويت دار القلم ط. 4، 1404هـ / 1984م، ص ص. 75 – 76.

– بلتاجي، محمد مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، القاهرة: دار السلام، ط. 1، 1420هـ / 2000م، ص. 106.

– نمر، السيد محمد إعداد المرأة المسلمة جدة الدار السعودية ط. 2، 1983 /1404هـ / 1983م، ص ص. 43 – 44.

[18]الغزالي، محمد قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، القاهرة: دار الشروق، ط. 3، 1412هـ / 1991م، ص. 154 (بتصرف).

[19]سبع مرات في سورة البقرة، الآيات (187، 229، 230)، ومرة في سورة النساء، الآية: 13، ومرة في سورة التوبة، الآية: 97، ومرة في سورة المجادلة، الآية: 4، ومرة في سورة الطلاق، الآية: 1.

[20]وهي الآية 229 من سورة البقرة.

[21]كما في الآية 97 من سورة التوبة.

[22]الغزالي، قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، مرجع سابق. ص. 155.

[23]بلحاج، نادية المرأة والوضع الأسري، الرباط مطبعة المعارف الجديدة، 1997م، ص. 140.

[24]ياسين، عبد السلام تنوير المؤمنات الدار البيضاء مطبوعات الأفق، ط. 1، 1996م، ج. 1، ص. 55.

[25]حجازي، محمد محمود التفسير الواضح بيروت: دار الكتاب العربي ط. 1، 1402هـ / 1982م، ج. 1، ص. 67.

[26]عفيفي، عبد الله المرأة العربية في ظل الإسلام لبنان: دار الكتاب العربي، (د. ت.)، ص. 37.

[27]رضا، محمد رشید. نداء إلى الجنس اللطيف: حقوق النساء في الإسلام وحظهن من الإصلاح المحمدي العام، تعليق محمد ناصر الدين الألباني، بيروت ودمشق: المكتب الإسلامي (د. ت.)، ص. 36.

[28]شلتوت، محمود الإسلام عقيدة وشريعة القاهرة: دار الشروق، ط. 17، 1411هـ / 1991م، ص ص. 156-157.

[29]أبو زهرة، محمد المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط. 2، 1401هـ / 1981م، ص ص. 110 – 111.

[30]فروخ، عمر. الأسرة في الشرع الإسلامي مع لمحة من تاريخ التشريع إلى ظهور الإسلام، بيروت: المكتبة العصرية، 1408هـ /1988م، ص ص. 131 – 132. انظر أيضًا:

– البغدادي، القاضي عبد الوهاب المعونة على مذهب عالم المدينة، تحقيق ودراسة: حميش عبد الحق مكة المكرمة مكتبة نزار مصطفى الباز، ط. 1، 1423هـ / 2003م. ج. 2، ص. 569.

[31]الرازي مختار الصحاح، مرجع سابق، مادة: ولى، انظر أيضًا: – الفيروز آبادي، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، مرجع سابق، ج. 5، ص. 281.

[32]الزحيلي وهبة الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق: دار الفكر، ط. 3، 1409هـ / 1989م، ج. 7، ص. 187.

[33]الرصاع شرح حدود ابن عرفة، مرجع سابق، ص. 218.

[34]القرطبي، محمد بن أحمد الجامع لأحكام القرآن القاهرة دار الكتاب العربي، 1967م، ج. 3، ص. 75.

[35]هو عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري، فقيه من علماء الأزهر ولد بجزيرة شندويل (مركز سوهاج بمصر عام 1299هـ، وتعلم في الأزهر ودرس فيه عين مفتشًا لقسم المساجد بوزارة الأوقاف، وكان عضوًا في هيئة كبار العلماء. توفي بحلوان سنة 1360هـ من تصانيفه: الفقه على المذاهب الأربعة”، و”توضيح العقائد”، و”الأخلاق الدينية والحكم الشرعية”، وغيرها. انظر:

– الزركلي، الأعلام، مرجع سابق، ج. ۳، ص ص. 234-235.

[36]الجزيري، عبد الرحمن بن محمد عوض. كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت: دار ابن حزم، ط. 1، 1422هـ /2001م، ص. 826.

[37]صالح سعاد إبراهيم. قضايا المرأة المعاصرة رؤية شرعية ونظرة واقعية، القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، ط. 1، 1423هـ / 2003م، ص. 50.

[38]ابن معجوز، محمد أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية وفق مدونة الأحوال الشخصية، الدار البيضاء مطبعة النجاح الجديدة، ط. 2، 1410هـ / 1990م، ص. 85.

[39]القرطبي، الجامع لأحكام القرآن مرجع سابق، ج. 3، ص. 73 (بتصرف).

[40]ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد سنن ابن ماجه دمشق دار إحياء الكتب العربية (د. ت)، كتاب الطلاق باب طلاق العبد، ج. 1، حديث رقم2081، ص. 672. قال الألباني: “حديث حسن”.

[41]الأصفهاني، معجم مفردات القرآن، مرجع سابق، ص ص. 244 – 245.

[42]الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط. 1، 1420هـ / 2000م، ج. 8، ص. 295. انظر أيضًا:

– الحاكم، أبو عبد الله محمد بن عبد الله المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، ط. 1، 1411هـ / 1990م، ج. 2، ص. 161.

[43]ابن العربي، أبو بكر المعافري المالكي أحكام القرآن بيروت: دار الفكر، (د. ت.)، ج. 1، ص. 435.

[44]رضا، محمد رشيد حقوق النساء في الإسلام بيروت: دار الكتب العلمية، ط. 1، 1426هـ / 2005م، ص. 38.

[45]الترمذي، السنن، مرجع سابق، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها، ج. 3، حديث رقم1163، ص467. وقال أبو عيسى: “هذا حديث حسن صحيح”.

[46]الرازي، فخر الدين أبو عبد الله محمد التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، القاهرة: المطبعة البهية المصرية، (د. ت)، ج.۱۰، ص ص. 87 – 89.

[47]أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي. البحر المحيط في التفسير دراسة وتحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، بيروت: دار الكتب العلمية، ط. 1، 1413هـ / 1993م، ج. 3، ص. 249.

[48]ابن منظور، محمد بن مكرم لسان العرب بيروت دار صادر، ط. 1، (د. ت.)، ج. 2، مادة: قنت، ص. 73.

[49]مقاصد الشريعة هي: “المعاني والأهداف الملحوظة للشرع في جميع أحكامه أو معظمها، أو هي الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها”. انظر: – الزحيلي، وهبة أصول الفقه الإسلامي، دمشق: دار الفكر، ط. 1، 1416هـ /1986م، ج. 2، ص. 1017.

عن رشيد كهوس

شاهد أيضاً

الاعتدال- المعروف- الإحسان

أ. مهجة مشهور

ليست الأخلاق في الإسلام أمراً عابراً أو من الكماليات، بل على العكس من ذلك هي أمر محوري وأساس متين في بناء صرح الإيمان.

الأسرة المسلمة ومواجهة المشكلات المعاصرة

د. إسماعيل راجي الفاروقي

ساهمت عوامل عديدة في تآكل الرابطة الأسرية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، تشمل النزوح إلى التجمعات الحضرية الكبرى، التي لا يعرف أحد فيها أحداً، للبحث عن عمل، والاختلاط بين الجنسين، والتسيب الخلقي، والاستقلال الاقتصادي للمرأة، وروح الفردية الجامحة، واستبطان فكرة إطلاقية الطبيعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.