بعض المفاهيم القرآنية المركزية ودلالتها المعرفية

الصفحات التالية من كتاب القرآن والشريعة* للأستاذ الدكتور وائل حلاق**

بعض المفاهيم القرآنية المركزية ودلالتها المعرفية

إن تحليل المفاهيم والجدليات الدلالية القائمة بينها يمكن أن يؤدَّي إلى تصوُّر يكون القرآن فيه هو الرَّحم التي انبثق منها ليس القانون الأخلاقي والنظام السيكولوجي الحاكم فقط (أقصد هنا النظام الداخلي والخاص أو ما عُرف بعد إسهام فوكو بـ “تقنيات الذات”)، ولكن أيضاً البنى المعرفية والتكوينية الأساسية.

ولنبدأ بدراسة مصطلح “حُكم”، وهو من أكثر المفاهيم مركزيةً في النص القرآني. فمصدر هذا المصطلح يرد 60 مرةً في القرآن على الأقل، في حين ترد مشتقاته ما لا يقل عن 122 مرة. وهو غالباً ما يأتي مرتبطاً ارتباطاً دلاليَّا مع لفظ كتاب (ويعني القرآن أو الوحي)[1]، وهو اللفظ الذي يُكْسِبُ الحكم مزيداً من الأهمية ويحدَّد مدى قوته المفهومية بوصفه مصدراً إليهاً. ففي الآية 16 من سورة الجاثية نجد بني إسرائيل قد أُعطوا “الكتاب والحكم والنبوة”. وفي الآية 114 من سورة الأنعام نجد الصورة أكثر صراحةً وقوةً، فالقرآن يستنكر أن يكون ثمة حَكَمٌ غير الله، وهو الذي “أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً”[2]. وعلى النسق نفسه نجد الآية 79 من سورة آل عمران تنفي السلطة البشرية، كيف وقد آتى الله رسلَه “الكتاب والحكم والنبوة”. وبشكل أكثر تحديداً نجد الآية 231 من سورة البقرة تضرب مثالاً يتعلّّق بما نسميه نحن في عصر الحداثة ” أمراً قانونيّاً خالصاً؛ إذ تدعو الآية إلى تطبيق شرع الله في الطلاق، وتُذَكَّر ما أنزل الله “من الكتاب والحكمة”[3]. وأخيراً، نجد من ضمن الآيات الكثيرة التي تدور حول هذا المعنى قوله في سورة الإنسان (الآيتان 23 – 24):”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا* فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ”[4] فجعل الحكم متوقفاً توقفاً مباشراً على نزول الوحي.

ومن ثَمَّ فإن الحكم ذا المرجعية الإلهية مأخوذ من الوحي (الكتاب)، على الرغم من أن الحكم أيضاً هو القرآن نفسه كما في الآية (13: 37)[5]. وبعض الأنبياء ما إن بلغوا الرشد[6] حتى أوتوا الحُكم، والذي يتعلَّق في الغالب بمفهوم العلم. وإذا رجعنا للمفسرين الأوائل للقرآن[7] نجد الطبري – على سبيل المثال – يعرَّف الحُكم بأنه الرسوخ في العلم بالدين. فعلى سبيل المثال، يُروى عن مجاهد[8] وهو أحد كبار المفسَّرين – أن الحُكم فقه وعقل وعمل. والفقه والعقل هما أعلى مراتب الفهم بما في ذلك صحَّة الاجتهاد،أما العمل فهو تنزيلُ هذا الفهم والاجتهاد على الواقع. وابن إسحاق كذلك يفسَّر الحُكم في الآية بأن الله آتاه فقهاً في دينه ودين آبائه، وعلماً بما في دينه وشرائعه وحدوده[9].

وفي آيةٍ أخرى يوضَّح الطبري بمزيد بيانٍ معنى الحُكم، فهو يؤكَّد على كلَّ ما سبق ويضيف إليه أنه جهدً استباقيٌّ بالدعوة إلى العلم بأوامر الله، وحثٌّ على معرفة شرائع دينه[10]. فهو ليس “العلم بالله” فقط، بل هو حث الناس عامَّة (أمَّة الدعوة) على اتباع أوامر الله وشرائعه. ورسل الله هم خَيْرُ مَنْ أُوتي هذا الحُكم، ليس لأنهم خَيْرُ مَنْ يعلّم الناس فقط؛ بل لأنهم خَيْرُ مَنْ يَفْقَه الوحي ويَدْرسه أيضاً. يقول الطبري: “وأن يكونوا في الطبري رؤساء في المعرفة بأمر الله ونهيه وأئمة في طاعته وعبادته بكونهم معلَّمي الناس والكتاب، وبكونهم دَارِسيه[11]. فالحكم إذن ليس خاصّاً بالآخرة[12]. (كما تفترض الدراسات المعاصرة)، بل هو تدبير الله وتصريفه لأمور عباده فيما شاء وأحبَّ[13]. وهو كذلك بصورةٍ أخصَّ العلم النظري والعملي بأوامر الله ونواهيه وبقوانينه الأخلاقية الموضوعية في هذه الحياة الدنيا[14].

وتوضَّح الآيات 73 – 79 من سورة الأنبياء هذه الطبيعة القانونية للحكم وارتباطه بقدر الله. وكما هو ظاهر من اسم السورة، فإن موضوعها الأساسي هو قصُّ ما كان من أخبار الأنبياء من نوح إلى محمد. وهؤلاء الرسل – خاصَّةً إبراهيمَ وإسحاق ويعقوب ولوطاً وداود وسليمان في هذا السياق – جعلهم الله أئمةً يهدون بأمره، وأوحى إليهم “فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين”. وقد آتى الله داود وسليمان ” حُكْمًا وَعِلْمًا”، كما أعطاهما للوطٍ من قبل، وقد تجلَّى هذا في حكمهما في الحرث الذي نفشّتْ فيه غَنَمُ القوم. وقد رُوي عن ابن مسعود أنه قال في تفسير ذلك : گرم عنب قد أنبتت عناقيده فدخلت عليه الغنم بالليل فأفسدته. وعلى الرغم من أن كليهما كانا نبيين في ذلك الوقت، فإن الله لم يلهم جوابها إلا لسليمان، قال :(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ). فقضى داود أن يأخذ صاحب الكَرْم الغنم تعويضا له، فقال سليمان : غير هذا یا نبي الله، قال : وما ذاك؟ قال : يُدفع الكرم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتُدفع الغنم إلى صاحب الكرم كضمان، حتى إذا كان الكرم كما كان، دفعت الكرم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها[15]. وروي عن ابن عباس أن حكم سليمان كان غير هذا، وهو أنه قضى أن تدفع الغنم إلى أصحاب الحرث، فيكون لهم أولادها وألبانها ومنافعها، ويبذر أصحاب الغنم لأهل الحرثِ مثل حرثهم، فإذا بلغ الحرث الحال الذي كان عليه، أخذ أصحاب الحرثِ الحرث وردوا الغنم إلى أصحابها[16]. ومن غير الواضح في النص إذا كانت الغنم ترد في حال استوفی صاحب الحرث قيمة ما نقص من حرثه أو حين يعود الحرث كما كان، لكن هذا ليس ما يهمنا هنا على كل حال. وثمة روايات أخرى لمفسرين آخرين تختلف في تفسير الحكم الذي قضى به سلیمان، لكنها جميعها بالنسبة إلينا قضاء أيا كان هذا القضاء[17]. وما يهمنا هنا في هذا السياق هو أن القرآن – على الرغم من لغته الموجزة هنا – ربط بوضوح بين الحكم وبين التقاضي/ التحكيم، والذي يُعد بلا شك أمرا «قانونيا » بامتياز[18]. ويمكننا أن نستنتج من ذلك في النهاية – إذا أخذنا في اعتبارنا السياقات القرآنية التي ورد فيها لفظ حكم – أن المدى الدلالي والمفهومي للحكم يمتد من الثواب والعقاب الإلهيين اللذين يقعان على العالم والأمم المختلفة (كعاد وثمود على سبيل المثال) إلى القضاء بأحكام مختلفة في المجال الاجتماعي للأفراد قصدا لله وبرجاء توفيق الله. فالحكم إذن يشمل طيفاً واسعاً من الأفعال يمتد من السلطة الإلهية إلى قدرة العبد على أن يحكم في المسائل القضائية. وهذا أمر لا يثير العجب حتى الآن، فهو يتوافق مع المفهوم القرآني المهم حول أن الأخلاق أمر مركزي للقوانين الدنيوية، كما أنها أساسية للكون وللحياة الآخرة. وإذا تجاهلنا حاليا التمييز الحديث بين القانون والأخلاق، أمكن أن نقول: إن مفهوم الحكم يسود العالم بشقيه المادي والميتافيزيقي، ويربطهما معا ليصيرا عالما واحدا ومجالا واحدا للحق والعدل والقسط[19].

وفي ضوء نقاشنا المستفيض سابقا في موضع آخر عن الصالحات والصالحين[20]، من المهم أن نقول: إن الحكم يرتبط بعمل الصالحات ارتباطا قويا، بداية من الصلاة والصوم والزكاة، ووصولا لأمور أخرى متعلقة بالميراث والطلاق والعوض. وممارسة الحكم تعني بالضرورة القضاء بين الناس بالحق والعدل، وهاتان الصفتان أو هذان النوعان من الفعل يندرجان أيضا تحت الأعمال الصالحة، والتي هي جوهر مراد الله من البشر[21]. وعندما دعا إبراهيم ربه في الآية 83 من سورة الشعراء أن يلحقه بالصالحين ويجعله منهم قال 🙁 رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). أما الآية۲۲ من سورة يوسف فتعكس الترتيب بين الحكم وعمل الصالحات ، فعندما بلغ يوسف أشده آتاه الله حكما وعلما جزاء له أنه كان من المحسنين[22] ؛ فالعلاقة إذن بين الحكم وعمل الصالحات علاقة جدلية بين السبب والنتيجة. فإن تحقق الحكم يعني استدعاء أعمال العبد لعالم الأعمال الصالحة، وفي المقابل فإن المنظومة الشاملة للأعمال الصالحة تؤهل العبد – إن لم نقل إنها تكسبه قدرة – على القيام بالحكم. وبهذا يمكننا أن نتوسع في تصور مفهوم الحكم ومداه الدلالي، فهو ليس عدالة الله المتحققة في الكون والأرض فقط، ولا هو أفعال الإنسان القانونية والأخلاقية وحسب؛ ولكنه كذلك الأعمال والمشاعر كلها جميعا، وصولا حتى إلى الطريقة التي يتصرف بها الإنسان ويشعر تجاه الفقراء والمساكين والخلق جميعا[23]. (ونضيف عرضا هنا أن هذا قد يفسر لنا ظواهر فقه النفس واجتهاد النفس في المنظور الإسلامي العام، وهما الرؤيتان اللتان تشغلان حيزا كبيرا في التصوف الإسلامي والأدب والفقه).

أما لفظً حکیمً فهو مشتق لغوياً ومفهومياً من الحُكم، وكثيرا ما يختزل معناه ليدل على الشخص «الفطن»[24] فحسب. وعلى الرغم من أن هذا ليس خاطئا تماما، فإن تفسير حکيم هنا بأنه الفطن يبدو أكثر تجريدية من الاستخدام الدلالي للكلمة في القرآن. فكل من السياقات القرآنية المحددة التي ورد فيها اللفظ، وفهم المفسرين الأوائل له، لا يسمحان لنا بهذا التوسع الكبير في فهم المعني. فغالبا ما يجيء هذا اللفظ في سياق إرسال الله الرسل بالكتاب والحكم والشرع الموحی به “أوحينا »[25]، كما رأينا في الآية ۷۳ من سورة الأنبياء (وكذلك في الآية 51 من سورة الشورى). أما فيما يتعلق بمتقدمي المفسرين فالطبري والقرطبي فسرا الحكيم بأنه الحاكم[26]، والحاكم اسم فاعل يعني القدير الذي بيده الملك وإليه تصريف الأمور وتدبير الخلق بإبداع وحكمة، وله مجازاتهم بما يجازيهم به من ثواب أو عقاب ، ولزم عن تدبيره المحگم ذاك طاعته، وإلا فلا معنى لكونه الملك المدبر لشئون البشر والكون كله. وهذا هو بالتحديد ما تشير له الآيات 26 – 27 من سورة الروم من أن كل من في السماوات والأرض له قانتون مطيعون بما أنه هو العزيز الحكيم، وهنا يتجلى الارتباط السببي بين الاثنين[27] ،ومن المفيد هنا أن نشير إلى أن الماوردي في شرحه للمعنى الدلالي للفظ الحاكم ذكر أنه المصيب للحق، ومنه سُمي القاضي حاكما ؛ لأنه يصيب الحق في قضائه ، وهي الصفة ذاتها التي يوصف بها الحكيم في إدارته للأمور[28].

وإذا كان هذا هو المعنى المطرد في القرآن للفظ الحكيم، فإن مفهوم الحكمة هنا لا يمكن أن يترجم على أنه الفطنة والحصافة إلا بتجوُّز کبیر[29]. ولما كانت الحكمة صفة للحكيم، فهي إذن تعني العلم بتدبير شئون الخلق، والتشريع جزء لا يتجزأ من حسن التدبير هذا[30]. وإذا تعلقت بأمر من أمور أحد العباد أو بحكم أو قضاء على آخر، فهي أيضا تعني التوافق مع القيم الأخلاقية والقانونية التي أرادها الشارع وهو الله. وقد ذهب الطبري وابن كثير وغالبية المتقدمين من المفسرين إلى أن الحكمة مرادفة للسنة، وليس مرادهم بالسنة هنا كما يبدو هدي النبي محمد فقط؛ بل هي كل تصور أو تطبيق مثالي للقيم الدينية[31]، وهو ما يشمل كل أعمال الإنسان ضرورة. وقالوا: «الحكمة: السنة»، وقالوا : «الفقه في الدين والعمل به»، وكلها واحد لا تناقض بينها»[32]. وقد تأثر الطبري بابن عباس[33] في أن الحكمة : «الفقه بأوامر الله» [34]، فلا يمكن أن يكون لها معنى آخر إذا قلنا: إن «الحكمة مشتقة من الحُكم»[35]. وقد أجمل الزمخشري الأمر حين صنف الحكمة على أنها «الشريعة[36] وبيان الأحكام»[37]. وعلى كل حال، فالحكمة لا تخرج من كونها تدور في فلك العدل والقسط[38].

ولا يجب أن نستغرب من أن الحَكَم الذي بيده الحُكم هو الله نفسه. فالفكرة السائدة في الدراسات المعاصرة أن الحَكَم هو فقط «المحكَّم في الجاهلية »[39] يجب أن يعاد النظر فيها في ضوء لغة وفحوى الآية 114 من سورة الأنعام، وهي الآية التي تأتي في وسط سياق قرآني يتحدث عن أن الله هو الذي أنزل الحق وإليه وحده يرجع العلم. وفي تلك الآية يستخدم القرآن لفظ الحَكَم ليعني القاضي العدل وهو الله، بينما في الآية 35 من سورة النساء والآية 188 من سورة البقرة يشير لفظ الحَكَم إلى القاضي والمحكَّم من البشر، وهذا المعنى لا يعدو أن يكون مجازا للحقيقة الإلهية. ومن المهم كذلك أن نشير إلى أن لفظ الحكم في الآيتين الأخريين جاء ليدل على المحكم القبلي وعلى القاضي بمفهومه «المدني» كما في الآية 118 من سورة البقرة ، التي تتحدث حصرياً عن التعويض «المدني»[40].

ومن ثم فإننا بهذا نكون قد أوضحنا أن لفظ «الحَكَم» ذو مدى دلالي ومفهومي كوني يتعلق ابتداء بالله وانتهاء بالعباد في تعاملاتهم الحياتية، عظمت تلك التعاملات أو صغرت، تماما كما هو الحال بالنسبة إلى كل المصطلحات البنيوية التي أشرنا إليها حتى الآن. ومصطلح «الأمر» بوصفه مصطلحا بنیوياً هو أحد المصطلحات القريبة في مفهومها من لفظ «حُكم»، والتي تزيد من التأكيد على أن مردَّ الحكم إلى الله وحده. وكما قدمنا في الحديث عن الحكم والحق، فإن للأمر معاني مختلفة ومتنوعة، فمعناه يتسع ليشمل الأمر بخلق العالم من العدم، ويضيق إلى أن يشمل الأمر بحكم «قانوني» خاص أو فعل بشري محدد. وكما هو المعتاد، لا نجد هنا تمايزاً مصطلحاً بين المجالات الكونية والميتافيزيقية والدنيوية والأخلاقية والقانونية. فهذا الكون إنما څلِق بأمر الله، كما أن بأمره نزلت كتبه، وتجلت هدايته، وكان حُكمه، وقُضي كل شيء. فإذا وفَّق الله أنبياءه للهداية وألهمهم الرشاد وجعلهم أئمة، فإنما كان هذا بأمره كما صرح الله بهذا في الآية 73 من سورة الأنبياء. وتجمل الآية 15 من سورة الشورى ذلك بوضوح حين تأمر النبي بأن يدعو لعبادة الله، وأن يستقیم مع المؤمنين على الدين الذي شرعه الله، وألا يتبع أهواء الظالمين. فالنبي أمُِر بأن يقول: ، وأمُِر بأن يعدل بينهم: ( آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ)  وأمُِر بأن يعدل بينهم: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)[41] لكن العدل هنا ليس فكرة مجردة، بل هو يشير ويرتبط بوضوح بأعمال الإنسان وقیمتها (َلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ). فأمر الله للنبي مرتبط مباشرة بجميع أعمال الإنسان، بلا تفريق بين نوع أو آخر. ويمكننا أن نقول هنا: إن الأمر للنبي بالعدل في الدنيا ينبع من المنطق ذاته الذي خلق الله على أساسه هذا العالم.

لكننا في حاجة إلى أن نلحظ أمراً مهماً آخر في هذا السياق، وهو أن مفاهيم الأمر والحُكم يقَّوي بعضها بعضاً لتعطي زخماً لمعنى السيادة. فالأمر كله – كما هو الحكم – إنما هو لله (إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)[42] ، فلله الأمر من قبل ومن بعد[43]. وكما قدمنا، فإن فكرة «السيادة الإلهية» هي واحدة من أهم المفاهيم البنيوية في القرآن [44]. ونضيف هنا أنها الفكرة النسقية ، بمعنی أنها ليست فقط الفكرة المركزية في القرآن، بل هي فكرة تحدد كل الأفكار القرآنية الأخرى تقريبا وتشكلها وتصورها[45]. فكون الله هو الواحد الأحد يؤكد ويقوي فكرة السيادة، ويرفع أي لبس قد يشكك في قدرة الله وحده المطلقة على الأمر والحُكم والتشريع. ومما لا جدال فيه أن سيادة الله تستلزم كل شيء آخر، فهي تستلزم رحمته ومحبته وغضبه وكرمه وحتى وحدانيته، ولكنها لا تتوقف على أي من هذه الصفات أو غيرها. فالله هو الذي يقضي في كل من الممكن والواقع* [46].

والمفهوم المركزي الأخير من هذه السلسلة من المفاهيم هو مفهوم “العلم”، وهو مفهوم محوري منتشر في النص القرآني. وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بمصطلح الحُكم، وقد تكرر هو ومشتقاته الأخرى ما لا يقل عن 590 مرة في القرآن.

وعلى الرغم من أن لفظي الحكم والعلم اقترنا مرات في القرآن، فإن لفظي «حكيم/ عليم»[47] اللذين كثيرا ما يُختم بها الآیات قد وردا مقترنين ما لا يقل عن 36مرة[48]. وفي كل مرة تقريباً [49] ياتي العلم ومشتقاته في القرآن مرتبطاً بالوحي والكتب الإلهية ، والأهم من ذلك ارتباطه بفهم مراد الله من خلق العالم والقيام عليه بالقسط [50]. يقول الله : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَهُ عَلَى عِلْمٍ)[51] [الأعراف : 52] لتعلم (أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ)[52] [هود: 14]، وهنا يتضح أنه لا علم إلا لله، وأن العلم البشري إنما هو مستمد من العلم الإلهي وكأنه مجاز، كما يتبين هذا من قوله: (لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[53] [البقرة: 32].

وكون لفظ «عليم» غالباً ما يقترن بلفظ «حکیم» ليس محض صدفة[54]. فلفظ العلم لا يعني القرآن أو الإرادة الموضوعية فقط كما جاء في الكتب السماوية[55]، لكنه كذلك رافعة يتحقق بها وبمعانی «الحكم» و«الحكمة» و«الأمر» البلاغ لمراد الله لعباده. وكأن الله لو كان قد خلق كل شيء إلا العلم، لما كان من الممكن إيصال حكمه وأمره للناس، ولظلت إرادته خفية في نطاق الممكن. والآية 14 من سورة هود والآية  40من سورة النمل تشيران بوضوح إلى أن القرآن أنزل بعلم الله أو معه(أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ)، في حين أن آيات أخرى تسمَّي القرآن نفسه علماً. ومهما يكن من أمر، فإن هذا يوضح العلاقة المشتركة والبناء المتبادل لألفاظ العلم والحكم والحكمة على بعضها البعض. فإذا كان الحكم والحكمة هما الشرع والفقه والأوامر الإلهية، فإن العلم هو جماع ذلك كله كما يُتصور في الذهن، سواء كان هذا العلم علم الله أو النبي أو أي إنسان.

وبعبارة أخرى، فإن «العلم» ينقل «الحكم» و«الأمر» إلى الواقع البشري، فكأنهما لم يكونا ليوجدا لولا وساطته. ويقرر القرآن بوضوح أن «العلم» هو السبيل الوحيد الذي من خلاله يكون المرء مسئولا عن فعله وجهله. فعلى الأقل يذكر القرآن في عدة آيات أن الله يحاسب الناس؛ لأنهم جهلوا بعد أن جاءهم العلم فغَووا[56]. ولن يكون من المبالغة أن نقول : إن التحدي الرئيس – أو على الأقل المهمة العاجلة – في القرآن كان أن ينتشر العلم بين الناس من خلال النبوَّات، خاصة محمداً ؛ حيث نرى في الآية ۱۲۹ من سورة البقرة – كما هو الحال في آيات أخرى كثيرة – مركزية «تعليم» الناس الكتاب والحكمة[57].

ومن أوتي العلم فهو ذلك الذي فاز ببركة معرفة الحكم والكتاب والحكمة، فالعلم الحقيقي يتلخص بالتحديد في تلك المجالات المعرفية. يقول الله : (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)[58] ؛ ولذا فإن العلم يرفع صاحبه لأعلى الدرجات إذا صلح إيمانه. والراسخون في العلم (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)[59]، والراسخون في العلم يؤمنون سرا وعلانية، ظاهرا وباطنا بما أنزل الله من کتاب[60] ، ولذا “يرفعهم” الله ببركة هذا الكتاب درجات في الثواب والأجر عنده[61]. وكما سنرى هنا بعد قليل، فإن الآية ۲۸ من سورة فاطر (والمجال الدلالي عامة الذي يؤكد على هذا المعنى في كثير من الآيات الأخرى) ليست ذات نتائج مهمة في نفسها فقط، لكنها أيضا تصور وتلخص في صورة شديدة البداهة كل المجال المفهومي للفظ “العلم” في القرآن[62].

فالعلم إذن ليس مجرد معرفة بالوحي كحدث أو نص دنيوي، لكنه أيضا في الأساس عملية غير متناهية من اشتباك العقل البشري في التأمل والتفكُّر في إرادة الله ومشيئته في هذا الكون. وهذا الاشتباك البشري مع العلم هو في كل الأحوال اشتباك مع «الإلهي»، فهو اشتباك مع ما يعنيه خلق هذا العالم ، وما يعنيه هذا الخلق للعالم نفسه، ووفق أي مراد وأي غاية. والعلم الحق[63] إنما يكون لله وحده، وإذا كان علم البشر هو مجاراً من العلم الحقيقي لله، فإن معرفة الأبعاد العميقة والأعمق لهذا العلم الحقيقي هي عبارة عن عملية من التساؤل لا نهاية لها، وهو ما سيعرف لاحقا «بالاجتهاد»، وكونه كذلك يعني أيضا أنه كان نوعا من الجهاد والعبادة وإذا كان الله يرى أن العلم جزء لا يتجزأ من عملية إيصال الحكم والأمر والكتاب والحكمة للبشر، فإن العلم – الذي هو صفة الله العليم – لن يكون ذا فائدة للبشر دون مفهوم للانتقال. وإذا كان الله هو المعلَّم الأول (فهو من «علَّم»[64] الرسل)، فإن أي شخص ينال طرفا من العلم يمكنه أن يعلَّم الآخرين ممن هم أقل منه درجة[65] في العلم. وبهذا فإن العلم – كما كان الحال مع الحكم والأمر – مفهوم کوني متدرج : فهو يتنقل بين مجال واسع يتراوح بين خلق الله للعالم (ولذا فهو ملکه وحده)، إلى العلم بأقل أمور الدنيا حتى الحبة في ظلمات الأرض[66]. وعلم الله يقينيُّ، أما علم الإنسان فظنيَّ.

ومن ثم فإن الله كما وصف نفسه في القرآن بأنه المعلم أو المبلغ للعلم، فإن أولئك الراسخين في العلم بطبيعة الحال يجب أن يكونوا مؤهلين ليحوزوا تلك الصفات، كل في أمته. والبشر يجب أن يجِدوا أنفسهم للوصول للعلم، أما الله فلا يَؤوده العلم ولا يحتاج له طلبا، و«الذكر» وخاصة «الدرس»* سبيلان مهمان لذلك. أما الذكر فهو «تقنية تلاوة»[67] تصقل الإيمان، ومن خلال الإيمان توصل للعلم بالأحكام[68]. أما الدرس فهو – بالمعنى الدقيق للكلمة – عملية تربوية لتعلم حقيقة الحكم والحكمة والأمر ومضامينها. والآية 44 من سورة سبأ والآية 37 من سورة القلم تصرحان بالرابط بين الوحي والدرس. يقول الله : (وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا)، ويقول: (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ). أما الآية 79 من سورة آل عمران فتشتمل على مضامين أوسع «للتدريس» و«الدراسة»، وهي مضامین ترتبط ارتباطا قويا بالفرضية التأسيسية التي ستأتي لاحقا، وهو أمر يحتاج ما أن نفرده بالتحليل الدقيق.

وبالتأمل في إحدى البنى النسقية في القرآن[69] نجد قول الله : (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)[70].

وأول ما نتطرق له هنا: هو عدم قبول الله لأي عذر، فأولئك الذين آتاهم الله الرسالة ليس لهم إلا السمع والطاعة المطلقة لما جاءت به الرسالة؛ فالعلم يوجب الالتزام، ومن ثم المسئولية والمحاسبة، كما أكدت على ذلك الآية 66 من سورة غافر.

الأمر الثاني هو أنه لا وساطة لمخلوق بين الله وبين عباده. وهذه الرسالة التي شهد بها النص القرآني في مواضع كثيرة وبنماذج متنوعة[71]، هي أمر معلوم لدى دارسي العلوم الإسلامية، لكن أهميتها كانت دائما محصورة في النطاق الديني. فقد كان ينظر لها على أنها أمر «تعبدي»، أو في أحسن الأحوال أمر يتعلق بالمأسسة (أو حتى ضد المؤسسية)، بمعنى أن الإنسان المسلم مطالب بأن يكون على صلة بالله وأن يدعوه مباشرة بلا وساطة من طائفة أو کنیسة أو ما شابه. لكن هذا المعنى – خاصة كما فُهِم في الفترة التأسيسية للحضارة والثقافة الإسلامية وحتى انهيار النظام الإسلامي بفعل الاستعمار الغربي[72] – له دلالة دستورية وسياسية أيضا. (والقول بأنها لم تُفهم على هذا النحو هو من عمل الدراسات الغربية، التي افترضت استحالة وجود نظام دستوري قوي في الحكم الإسلامي، وهو الافتراض الذي حجب منذ البداية القيام بأي دراسة جادة عن الدستورية الإسلامية)[73].

وفي الآية 79 من سورة آل عمران يأمر الله عباده أنه إذا نزل الوحي عامة والحكم خاصة على أي أمة من الأمم، فإن عليهم أن يتخلوا عن الاختيار البشري تماما (بما في ذلك الاختيار السياسي) كسلطة تشريعية مستقلة[74]. فـ “القانون” وآلية تنفيذه بأدوات دنيوية أو ما فوق ذلك هو من سلطان الله، حتى وإن لم يخبرنا بحكمه في كل أمر من الأمور. وهذه القراءة الدستورية للآية صارت ممكنة بفضل الحفريات الدلالية والمفهومية في مصطلح الحُكم. فإذا كان لفظ الحكم يتضمن المجالات الدلالية – المفهومية التي أوضحناها، فإنه يلزمنا أن نتوصل من ذلك إلى أن الآية لا تقل عن كونها مادة دستورية في أبهى صورة، خاصة أنها تحيط بأحد أنساق القرآن المهمة، كما أكدنا سابقا[75].

أما الفكرة الرئيسة الثالثة في هذه الآية فهي أنها توجِد رابطاً وثيقاً بين العلم والأطر المعرفية للفعل الإنساني من جهة، والبنى الدستورية من جهة أخرى. فالآية تؤكد أنه لا محل للوساطة البشرية في الحكم، وأنه يجب أن يُستعاض عنها بالرشد العقلي، والتي تترجم في الواقع الدنيوي إلى صيغ إقامة العدل. فبدلا من الوساطة البشرية التي تمنح للبعض الحق في أن يطيعهم الناس، فإن القرآن يدعو للإيمان بالربانية وأن يكون الناس ربانيين، وهي لفظة قريبة نوعا ما من مثيلتها في اللغة العبرانية. وهناك شبه إجماع بين العلماء – بما في ذلك المفسرون الأوائل – على أن لفظ «ربانیون» في الآية يعني العلماء أو الفقهاء [76] الذين لديهم من العلم بالحكم والكتب ما يخول لهم تعليم العامة[77]. ولما كانوا هم المعلمين والمربين، فإنه ينظر إليهم على أنهم قادة الأمة وولاة الأمر الذين ينزلون في أعلى المنازل المعرفية والسياسية. وينبغي علينا أن نؤكد هنا أن علم هؤلاء ليس مقصورا على ما نفهمه عادة من لفظ «العلم»، فعلمهم الذي هو انعكاس للحكم يشمل قدرتهم وحصافتهم الكبيرة في إدارة مختلف الشئون العامة، والإشراف على الناس في الأمور الدينية والدنيوية على حد سواء. وقد أجمل الطبري ما ذهب إليه جل المفسرين في قوله: «الربانيون هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا، ولذلك قال مجاهد: وهم فوق الأحبار؛ لأن الأحبار هم العلماء، والرباني: الجامع إلى العلم والفقه البصر بالسياسة والتدبير والقيام بأمور الرعية، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم»[78]. فالعلم هنا ليس أمرا نظريا فقط، ولكنه أمر عملي كذلك.

أما المكون الرابع والأخير من هذه الآية وذروة سنام كل ما سبق من معانٍ، فهو أن الحث أو الأمر بأن يكون المرء ربانياً ينبني مباشرة على «الدرس»[79]. وما يرشد للقيادة الربانية ويبعث فيها روحها إنما هو الكتاب ، وما جاء به من حکم و علم هو الطريق لاكتساب فن إدارة شئون الدنيوي والديني وأساليبه. فدراسة الكتاب (وبالتالي العلم به )[80] هي ما يؤهل للتدريس، وكل من العلم المكتسب والكفاءة في تدريسه هما الصفتان اللازمتان اللتان تؤهلان لقيادة الناس وإرشادهم لحسن العمل. وهذا التدريس ليس محصورا في الجانب النظري ولا في العلم المنفصل عن الواقع، ولكنه متعلق بالعلم الشمولي خاصة الأخلاق العملية (وهي التي تستلزم عدم الانفصال بين التساؤل العقلي والقيم الأخلاقية). فالعلم والحكم يتعلقان تعلقا رئيسا بمعرفة أخلاق السلوك، وتعلقا ثانويا بالمعرفة النظرية والفكرية، والتي إذا لزمت فإنما تلزم لكونها وسيلة وأداة للوصول للعمل الصالح[81]. فلا يمكن للمعرفة النظرية أن تكون غاية في نفسها بأي حال من الأحوال.

بعد أن ناقشنا المصطلحات الأربعة يمكننا الآن تصنيفها، ثم التأمل في مضامينها المعرفية والموضوعية والدستورية.

أولا: بوسعنا أن نلاحظ أن هناك شبه تطابق بين «الحكم» (بما يشمل حگم وحِكمة وحكيم) من ناحية، «والأمر» من ناحية أخرى، بما في ذلك التداخل الواضح بين المدى المفاهيمي والكوني / الدنيوي لكلا اللفظين.

ثانيا : رأينا كيف أن مفهوم «العلم» يعمل على أن يكسب معنى للاتساع المفهومي للـ «أمر». ولأن الإنسان هو خليفة الله في أرضه؛ فقد أعطاه الله «العلم» ليكون وسيلة لاكتشاف «الحكم» كله. وبهذا فإن العلم والأمر والحكم مجالات متداخلة للفعل.

ثالثا: العلم والحكم بنيا على الحق، كونهما قد جاءا بالعدل والقسط[82]، وهي الفكرة الكامنة خلف (إن لم تكن قد سكنت جوهریا) مراد الله حين خلق هذا العالم. فالحكم والأمر إذن منسوجان مع الحق، فهما إذا كانا لُحمة القواعد الإلزامية للسلوك الإنساني القويم وسداها فإن الحق هو الخامة التي حيك منها هذا الثوب. وعليه فإن كان الحكم والعلم يمثلان مجموع السنن / القوانين الإلهية وتجلياتها في العالم البشري، فإن علينا أن نسأل : ما طبيعة تلك التمظهرات في السنوات التأسيسية الأولى في الإسلام؟ وهو ما يعني أن نسأل أيضا: ما دورها الفعلي في نشأة الشريعة وتطورها المبكر؟

ويمكننا الآن أن نحدد على الأقل ثلاث سمات رئيسة لتأثير «الحكم» و«الأمر» فيما سيعرف لاحقا «بالشريعة». فأولى تلك السمات[83] التي كانت محل تركيز الدراسات الغربية وانحصر فيها اهتمامها، هي القانون الموضوعي». فعندما يتحدث المستشرقون عن القرآن ودوره في تشكل الشريعة، فإنهم دائما ما يفكرون في الأمر على أنه متعلق بمجال المبادئ القانونية والقواعد القضائية[84]؛ ولهذا نجد شاخت يصر على أن القرآن ظهر في المشهد الفقهي لاحقا بعد قرن تقريبا من الهجرة[85].

وقد سار غويتين في الإطار نفسه؛ حيث تبنى فكرة «نقطة التحول» التي يرى أنها مثلت إدراك النبي المفاجئ لكون الدين الجديد هو الآخر يمكن (ويجب) أن يكون له قوانينه الخاصة، كما لليهود قوانينهم الخاصة[86].

لكن الأدلة التي يمكننا أن نستنتجها من المفاهيم الأربعة تقودنا لنتيجة المفهوم القرآني للحكم – الذي هو متأصل في عمق بنية النص القرآني – مثل وعيا دقيقا بالحاجة إلى مبادئ شمولية واضحة للسلوك البشري منذ اللحظات الأولى لنزول الوحي، وأي قول خلاف هذا أو أي حديث عن الإدراك المتأځر للدور التشريعي، سيكون عليه أن يتصدى لحل معضلة كبری إن لم تكن مفارقة إشكالية. وبعبارة أخرى، فإن هذا يرتب لزوم نفي كون الحكم مفهوما شمولیا ونسقا بنيويا في القرآن، كما يستلزم أيضا أن يكون الحكم إما ۱) ليس له الدلالة ذاتها التي فصلناها، وإما ۲) أن هذه الدلالة تشكلت في مرحلة لاحقة من تاريخ القرآن. وكلامنا هنا دل على أن كلا الأمرين غير صحيح؛ لأن أ) لغة القرآن نفسها وكيفية فهمها من المفسرين – متقدمهم ومتأخرهم – تقودنا في الأعم الأغلب إلى نتيجة واحدة متسقة ، وهي النتيجة التي توصلنا لها؛ ب) العشرات من السياقات القرآنية التي ورد فيها لفظ الحكم ومشتقاته منتشرة في النص القرآني طوال فترة نزول الوحي.

ولا يجب أن يخدعنا القدر الضئيل من الفروع الفقهية التي جاءت في القرآن، فيجعلنا نقلل من أهمية دور النص القرآني في هذا المضمار. ومن المدهش أن النص القرآني كان بالفعل مُصرِحا بدوره التدريجي في المجال التشريعي، وفي الوقت ذاته دالا على أن جميع الأحكام الجزئية أو على الأقل أن المزيد منها سينزل به الوحي بمرور الوقت. فالله قد أمر النبي في أحيان كثيرة بأن يصبر حتى «ينزل» حكم الله في الوقت المناسب. يقول الله في الآية 48 من سورة الطور: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ)، وقد تكرر الأمر نفسه بالألفاظ نفسها في الآية 48 من سورة القلم. وأما الآية 109 من سورة يونس فتدعو الرسول إلى أن يصبر (حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ). وتحث الآية 37 من سورة الأنبياء على الصبر بصورة غير مباشرة في سياق مقارب. وكذلك تذگّر الآيتان 23 – 24 من سورة الإنسان النبى بأن القرآن أنزل تباعا ؛ ولذا يتعين عليه الصبر، فحكم الله نازل لابد، يقول الله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا). والفكرة نفسها التي تكرر فيها الأمر ب«اصبر» و«لا تستعجل» موجودة في آيات أخرى كذلك (مثل : 2: 109، 6: 59، 7: 87 ،16 : 1).

ويسعنا أخيرا أن نقول بكل ثقة من خلال المدى المفهومي «للحكم» و«الأمر» و«الصبر»: إن القرآن كان لديه وضوح أنه نص تشريعي لكل شئون البشر، نظریا بلا قيود ولا حدود، وعمليا وفقا لما يسمح به السياق الزمني، ولم يكن من الممكن أن يكون الأمر على خلاف هذا ؛ لأن القرآن كان يُعرَّف نفسه (وكذلك كان يراه كل من يقرؤه بعناية) بأنه أصدق تعبير عن الإرادة التشريعية في هذا العالم.

يجب أن ننظر للمدى المفهومي للـ«علم» وارتباطه البنيوي المتداخل بالـ«حکم» و«الأمر» على أنه العمود الفقري الهيرمنيوطيقي والمعرفي والمورد الأساسي لنظام الشريعة، الذي تطور خلال قرنين أو ثلاثة من الهجرة، وهو ما عرف باسم الاجتهاد؛ فهو العمود الفقري لأنه من دون الاجتهاد لم یکن النظام الشرعي ليكون له ذلك الشكل البنيوي الذي صار له، وهو المورد الأساسي لأنه من دونه لم يكن ذلك النظام المكون من خليط قانوني وفلسفى وعقلي ليكون فاعلا، ولا حتى كان سيوجد بالصيغة التي عرفناها. ولذا فإن الاجتهاد ليس مجرد آلية فقهية، بل هو طريقة محددة في النظر إلى العالم، وهو «رؤية كونية» على أعلى مستوى. وهي رؤية متعلقة. كما يستلزم ذلك التفكير العقلي السليم – بمجال الشريعة كله، وهو ما يعني تعلقها بكل مجالات الحياة. فالاجتهاد هو ركيزة الشريعة، وناظم مكوناتها؛ ولذا فهو قلب الإسلام نفسه.

والعلم في القرآن هو الرحم التي انبثق منها الاجتهاد، فمنه نشأت في الأساس طبقة العلماء المعرفية – الاجتماعية. وهذه طريقة أخرى للتدليل على أن مصطلح «علماء» يستلزم معرفيا المعاني والعمليات العقلية المتجسدة في مفهوم الاجتهاد. والدراسة والتدريس هما التمظهرات التربوية للالتزام الديني – الأخلاقي، في محاولة لاكتشاف مراد الله فيما يتعلق بالبشر خاصة وبالعالم عامة[87]. فالعلم البشري دائما ما يتطلع إلى ما لا يمكنه نواله، فعلم الإنسان أدنى شيء في حبل العلم الإلهي، الذي لا يمكن للإنسان أن يجذبه بكامله لهذا العالم، لكنه كلما اعتصم به زاد قربا من الله ونال التكريم لعقليته الاجتهادية، فلا شيء أبلغ سلطانا وأثقل وزنا في الوجود الإنساني من العلم. ولهذا السبب. فإن الركيزة الأساسية للنبوغ الفقهي في الإسلام كانت معرفية، حتى إن الجانب المعرفي قد بلغ شأنا فاق به كل ما سواه، بما في ذلك الجانب الأخلاقي[88] وهذا إنما جاء نتيجة الافتراض الدائم – الذي نشأ من المفهوم القرآني للعلم – بأن الإلمام والتبحر المعرفي الصحيح يجب أن يستلزم منطقيا ومعرفيا الاعتراف بإرادة الله للعدل والحق والقسط في الأمور كلها، جليلها وصغيرها. فأن تكون عالما يطلب العلم الحق يعني أن تعي علة الحكم وجوهره، ببنائه الإلهي القائم على الحق والعدل والقسط، التي هي كلها في نهاية المطاف مبادئ أخلاقية بامتياز. ولكن لأن المجال المعرفي هو السبيل للوصول للمجال الأخلاقي وليس العكس؛ فإن له الأولوية الوجودية في المدى الأفقي والرأسي لثقافة الشريعة قاطبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

* وائل حلاق (2019). القرآن والشريعة: نحو دستورية إسلامية جديدة/ ترجمة أحمد محمود متولي، محمد المراكبي؛ مراجعة وتقدين هبة رءوف عزت. ط. 1. بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر. ص ص.76 – 100.

** أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة مكجيل، مونتريال، كندا، كما دَرَّس في جامعات: واشنطن، تورنتو (كندا)، سنغافورة وإندونيسيا.

[1] ويشار له بأسماء أخرى منها “الذكر” كما في : “سورة الأنبياء”، الآية 50؛ و “سورة يس”، الآية 69.

[2]Khalidi, The Qur’an: A New Translation, p. 111.

أما بكتال فأخطأ في ترجمة “مفصلا” بأن ترجمتها: “مشروحاً تماماً”

 Marmaduke Pickthall, The Meanings of the Glorious Karan (New York: Mentor Classics, ]n.d.[), under Q. 6: 115, p. 117.

وترجمة الخالدي لـ”مفصلاُ” (ككتاب محدَّد يتوافق مع عادات الجزيرة العربية وتقاليدها) ترجمة أكثر قبولا في ضوء أطروحة نيكولاي سيناي في:

Nicolai Sinai, ” Qur’anic Self – Referentiality as a Strategy of Self – Auhorization, ” in: Stefan Wild, ed., Self – Referentiality in the Qur’an (Wiesbaden: Harrassowitz Verlag, 2006), pp.103 – 134, at 120 – 122.

[3] تعكس ترجمة بكتال (Meanings of the Glorious Koran, p. 54) والخالدي (Qur’an,p. 31) الفهم الحديث للحكمة؛ ولذا يترجمونها خطأً بمعنى الفطنة. وسنرى لاحقاً السبب في أن هذه الترجمة غير دقيقة، على الرغم من أن هذه الآية وحدها تبيَّن بلا شكَّ أن “الفطنة” ليست أنسبَ مفهوم هنا، وأن الحديث عن حكمة الكتاب يشير إلى قيمة أكثر خصوصيةً متعلَّقة بتدبير الشئون والأعمال. انظر: المزيد في الأسفل للحديث حول معنى الحكمة والحكيم.

[4] Khalidi, The Qur’an: A New Translation, p. 491.

الخالدي يترجم الآية: “إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلاً جاء بالحقَّ فأطع حكمَ ربك بالصبر”، وهذه الترجمة – خاصَّة كلمة “حكم” – منقوضةٌ بالشقَّ التالي للآية، الذي يترجمه الخالدي نفسه: ” فلا تطع منهم مجدفاً ولا آثماً”. وفي تفسير الطبري (ج. 12 , ص 373) نجده يفسر الآية الثانية [ أي ولا تطع… إلخ] بقوله: “أي يا محمد لا تطع في معصية الله من مشركي قومك آثماً يريد بركوبه معاصيه، أو كفوراً يعني جحوداً لنعمه عنده…”، والإشارة هنا لفعل معَّين أو لمجموعة من الأفعاال كما في قوله “لحكم ربك” واضحةٌ في فهم الطبري للمصطلح، والذي يتصمَّن أولاً الأحكام والأوامر التي أوحى الله بها والتي يسميها الفرائض، وهو اللفظ الذي يترادف لذلك مع الحًكم في اعتقاد الطبري.

[5] نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي، بحر العلوم (تفسير السمرقندي)، تحقيق علي معوض وعادل عبدالموجود، 3 مج (بيروت: دار الكتب العلمية، 1993)، مج. 2، ص 196 (س. 6) وهذا أيضاً هو فهم الأصوليين. انظر: شهاب الدين الرملي، غاية المأمول، تحقيق عثمان أحمد (بيروت: دار الرسالة ، 2005)، ص 75.

[6] التعبير الشائع هنا هو “ولما بلغ أشدَّه” (انظر على سبيل المثال: “سورة يوسف”، الآية 22؛ و “سورة القصص”، الآيتان 14 – 15) وعادةً ما يحدَّد مفسرو القرآن سنَّ الأشد هذه بالأربعينيات أو نهاية الثلاثينات من العمر. انظر: الطبري: تفسير الطبري: جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج 10، ص 41.

[7] قد يقول المشككون: إن الاقتباس من تفاسير القرآن – سواء أكانت قديمة أم حديثة – الشرح النص القرآني هو أسلوب خاطئ من منظور المنهجية التاريخية. لكني أختلف معهم (خاصة فيما يتعلق بالقضايا التي نتحدث عنها هنا)؛ لعدة أسباب : فمن المهم أن نعرف كيف فهم المسلمون أنفسهم القرآن خلال العقود الأولى (إن لم نقل خلال القرن الأول أو الثاني)، وهو ما يمثل بالنسبة إلى غرضنا هنا ميزة معرفية لا نقيصة بطبيعة الحال. وعلاوة على كل هذا، فإن هدفنا هنا هو أن نبحث عن تأثير القرآن في التشكل المبكر للشريعة، وهو ما يعني أن اهتمامنا منصب على الكيفية التي فهم بها المسلمون النص القرآن في القرن الأول فضلا عن كيفية فهمهم له في إبان حياة النبي. كما أنه ليس في وسع أحد أن يدعي صحة القول بأن النص له معني خارج القارئ البشري النسبي، وكأن النص له معنی موضوعي خارج علم اجتماع المعرفة. وكذلك لا تثبت صحة الدعوى بأن القرآن أراد أن يوصل معاني وأن يحقق أهدافا بعيدة ومتجاوزة لمتقدمي المسلمين و / أو متأخريهم. وهذا الغموض أمر طبيعي، ويمثل جزءا كبيرا من أي مشروع هيرمنيوطيقي، كالقرآن والشريعة أو ما كانا عليه. وحتى لو قلنا باحتمالية أن المسلمين أخطأوا في فهم بعض المصطلحات، أو لم يعرفوا معانيها ، فإن هذا الأسلوب التشکیکی لا يمكن أن يتطبق – ولذا هو لا ينطبق على البني العميقة لتلك المصطلحات الأربعة، وعلاوة على ذلك، فإن التساؤل عن «المعاني الغائبة» في القرآن ليس فقط خطأ في المنهجية التاريخية (استفسار أسئلة خاطئة في المقام الأول)، لكنه يمثل أيضا تطوعا ذاتيا بخلق إرادة سلطوية معرفية لا تقوم على أساس. وبهذا فإنه من طبيعة هذه الإرادة السلطوية المعرفية أن تعين ما هو الصحيح في التاريخ الإسلامي وما هو غير الصحيح. وهذا التعيين في حد ذاته أمر تطفلي لا يقوم على أساس، ولا يمثل إلا ميتافيزيقيا أنشأها أهل المجال بأنفسهم. وبما أن جذورها تعود للنزعة التنويرية للهيمنة، فإن هذه السلطوية المعرفية تسمن في لب المشروع الاستشراقي. وللوقوف على موضوعات متعلقة بهذا انظر :

Hallaq, “On Orientalism, Self-Consciousness and History”.

[8] يقال: إن محاهداً كان يسأل ابن عباس عن تفسير كلَّ آية قبل أن يكتبها في تفسيره. انظر: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، تحقيق عبداللطيف عبدالرحمن، 5 مج (بيروت: دار الكتب العلمية، 2009)، ص 1 – 120.

[9] الطبري، تفسير الطبري: جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج10، ص 42.

[10] المصدر نفسه، مج 3، ص 322، في تفسير الآية 79 من سورة آل عمران.

[11] المصدر نفسه.

[12] أشارات لهذا آياتٌ مثل الآية 78 من سورة النمل.

[13] الطبري، المصدر نفسه، مج 8، ص 212، في تفسيره للآية 26 من سورة الكهف.

[14] جمال الدين محمد بن منظور، لسان العرب، 15 مج (بيروت: دار الكتب العلمية، 2009)، مج 12، ص 163؛ حيث يعرف الحُكم تعريفاً معياريّاً بأنه “العلم والفقه والقضاء بالعدل”. وفي الآية 6 من “سورة سبأ” جعل العلم ملازماً للحقَّ، فالعلماء يعرفون الحقَّ، والعكس صحيح، فالذين يعرفون الحقَّ يفوزون بالعلم؛ ولذا فإذا كان الله عالماً فلأنه هو الحقُ.

[15] الطبري، المصدر نفسه، مج ۹، ص49 – ۵۰؛ أبو الحجاج مجاهد بن جابر المخزومي، تفسير مجاهد، تحقيق أبو محمد الأسيوطى (بيروت: دار الکتب العلمية ، ۲۰۰۵)، ص۱6۳ – ۱64، وجلال الدين السيوطي، الدر المنثور في التفسير المنظور، ۸ مج (بيروت : دار الفكر، ۲۰۱۱)، مج ۵، ص 645 – 649

[16] الطبري، المصدر نفسه، مج ۹، ص۵۰. لا بد من الأخذ في الاعتبار أن الطبري قد ذكر روايات أخرى لكيفية التعويض.

[17] الطبري، المصدر نفسه، مج5 ، ص ۰۱ – 5۲.

[18] من الجدير بالذكر أن المحقق قد صنف هذه المسألة في فهرس تفسير السمعاني ضمن كتاب الضمان. انظر : أبو مظفر السمعانی، تفسير القرآن، تحقيق غنيم بن غنيم، 6 مج (الرياض: دار الوطن، ۱۹۹۷)، مج 6، ۳۲۰. ولتفسير الآية انظر : مج 3، ص 394- 396.

[19] وبالتالي، فإن معنی لفظ «الحق» في سورة الأحقاف»، الآية 6 (وكذلك في «سورة الجاثية» الآية ۲۲، و«سورة التغابن ، الآية 3 وغيرها) مطابق لمعنی لفظ «الحق» في «سورة البقرة » الآية ۲۱۳، وهو يشير بلا شك للعدل في الدنيا. وهو المعنى نفسه الذي تدل عليه بوضوح الآيتان۲} و ۱۰۹ من سورة البقرة.

[20] Hallaq, “Groundwork of the Moral Law: A New Look at the Qur’ān and the Genesis of Sharia,” pp. 266-277.

[21] المصدر نفسه، ص۲66 – ۲۷۷.

[22] من غير المثير للدهشة أن الأنبياء – وهم الذين أوتوا الحُكم بطبيعة الحال – هم دائماُ برفقة

الصالحين. انظر على سبيل المثال : «سورة الأنعام»، الآيتان 84- 85؛ وسورة الأنبياء، الآية ۷۲.

[23] يرد أيضا في القرآن بمعنی مجرد الحكم بالمعتاد والمتبادر للذهن، وهو الذي لم يتبعه الإخوة في قصة أصحاب الجنة» الموجودة في «سورة القلم»، الآية 36. وللوقوف على أسباب نزول هذه القصة، انظر: الطبري، تفسير الطبري : جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج ۱۲، ص 189 – 196.

[24] انظر على سبيل المثال :

The Qur’ān: Arabic Text with Corresponding English Meanings (Riyadh: Abulqasim Publishing House, 1997), p. 561 (translation of Q. 30:27), and Khalidi, The Qur’an: A New Translation, p. 328.

انظر أيضاً : الهامش رقم(26) أعلاه.

[25] انظر : «سورة البقرة»، الآيتان ۱5۱ و ۲۳۱؛ و«سورة آل عمران»، الآيتان 48 و۸۱؛

والسورة الإسراء، الآية 39.

[26] الطبري، تفسير الطبري: جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج ۱، ص 258؛ محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، التفسير، تحقیق سالم مصطفى البدري، ۲۱ مج (بیروت: دار الكتب العلمية، 2005) ، مج ۱، ص۱۹۸. انظر أيضاً : أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن کثیر، تفسير القرآن العظيم، تحقیق حسني زهران، 4 مج (القاهرة : البابي الحلبي، (د.ت.)، مج ۱، ص 275.

وقد نصَّ ابن منظور، لسان العرب، مج ۱۲، ص۱6۳ ، على أن “الحكم والحكيم بمعنى الحاكم وهو القاضي”. فإذا كانت كلمة «حکیم» بمعنی قاض، فإن المعنى الدلالي والمفهومي لكلَّ من “حَكَم “و”حكيم” وثيق الصلة بالحُكم بين الأشخاص، سواءً كان حكماً إلهيًا أو قضائياً أو عرفيّاً قبليّاً.

[27] الطبري، المصدر نفسه، مج ۱۰، ص 143 – 144، ۱۷۸ – ۱۷۹ و۱۸۱. لسباق مماثل انظر : «سورة الزخرف»، الآية 63.

[28] أبو الحسن علی بن محمد بن حبيب الماوردي، النكت والعيون، تحقیق سید بن عبد المقصود بن عبد الرحیم، 6 مج (بیروت: دار الكتب العلمية ، [د. ت. ])، مج 6، ص۱۰۰.

[29] انظر: المراجع المقتبسة في الهامشين (26) و (47) أعلاه.

[30] انظر على سبيل المثال : «سورة البقرة»، الآيتان ۱۲۹ و 151. والفهم الذي هو سجية ونور من الله وفي تفسير القرطبي (مج ۲، ص۱۳۲)، قال : «الحكمة : المعرفة بالدين، والفقه في التأويل، والفهم الذي هو سجية ونور من الله، قاله مالك وابن زيد. وقال قتادة : «الحكمة»: السٌّنة وبيان الشرائع. وقيل : الحكم والقضاء خاصَّة، والمعنى متقارب”

[31] الطبري، تفسير الطبري: جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج ۱، ص6۰۷ ومج ۲، ص۲۷۳؛ ابن کثیر، تفسير القرآن العظيم، مج ۱، ص ۲۷5. وفيما يخصُّ السُّنة باعتبارها النموذج المثالي الذي يقود لمعرفة الأوامر والنواهي وكيفية تطبيقها، انظر: ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، مج۱، ص۱۱۹ – ۱۲۰. وفيما يخص مفهوم السُّنة كسلوك وقدوة تُتَّبع وعلاقة ذلك بالسُّنة النبوية، انظر:

Hallaq, The Origins and Evolution of Islamic Law, pp. 46-54.

[32] ابن کثیر، المصدر نفسه، مج ۱، ص275.

[33] علاء الدين عبد العزيز البخاري، كشف الأسرار ، 4 ج (بیروت: دار الکتب العلمية ، ۱۹۹۷)، ج ۱، ص 24 – 25 (وهو شرح على البزدوي). وأضاف البزدوي أن المفهوم القرآني للحكمة يتضمن كلاً من العلم والعمل، وهو ما يعني المعرفة النظرية بالصواب والخطأ وبالأخلاق العملية.

[34] الطبري، تفسير الطبري : جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج ۱، ص 608: «والصواب من القول عندنا في الحكمة أنها علم بأحكام الله ».

[35] الطبري، المصدر نفسه، مج ۱، ص 608.

[36] ومن المفيد هنا أن نذكر بأن لفظ الشريعة من الممكن أن يكون هو الدلالة الفعلية على المسار القانوني الأخلاقي الواجب اتباعه»؛ ولهذا تم تأكيده مرتين في سورة الجاثية»، الآية 18 ، وبشكل خاص في سورة المائدة»، الآية 48، واستبدل الحجاج به لفظ «شرعة في الايات المماثلة الأخرى» (انظر: الهامش (13) أعلاه). وكذلك تتعلق صيغة الفعل (شَرَع) بما نحن بصدده هنا، وقد ورد في سورة الشورى»، الآية 13.

[37] جار الله محمود بن عمر الزمخشري، تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، تحقیق محمد شاهين، 4 مج (بيروت : دار الكتب العلمية ، 2006) مج ۱، ص ۱۸۸ : «والحكمة : الشريعة وبيان الأحكام». انظر أيضاً : السمرقندي، بحر العلوم (تفسير السمرقندي)، مج ۱، ص 158.

[38] وقد وضع ابن منظور لها تعريفا محددا فقال : والحكمة : العدل». انظر: ابن منظور، لسان العرب ، مج ۱۲، ص۱۹۹.

[39] انظر على سبيل المثال :

Encyclopaedia of Islam, 2nd ed., 12 vols. (Leiden: Brill, 1960-2004), s.v., “hakam”.

[40] وكذلك الآية ۲۳۱ من سورة البقرة التي تشير إلى الحكمة بدلاً من الحُكم، والتي تتعلَّق مباشرة بالطلاق.

[41] انظر أيضا: القرآن الكريم، «سورة هود»، الآية 48؛ والطبري، تفسير الطبري : جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج ۱۱، ص ۱۳۷.

[42] المصدر نفسه، «سورة الروم»، الآية 154.

[43] المصدر نفسه، «سورة الروم»، الآية 4.

[44] بالإضافة إلى الحكم والأمر، فإن المدى الدلالي والمفهومي للخلق والملك يسهمان في تشكُّل صفة السيادة.

[45] عن نظرية الأنسقة والنطاقات المركزية، انظر :

Hallaq, The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament, pp. 6-12.

* الممكن والواقع مصطلحان فلسفيان يرجعان إلى أرسطو (المترجم).

[46] للوقوف على مفهوم السيادة ، انظر:

Paul W. Kahn, Political Theology: Four New Chapters on the Concept of Sovereignty (New York: Columbia University Press, 2011); Carl Schmitt, The Concept of the Political, translated by George Schwab (Chicago, IL: University of Chicago Press, 2007); Carl Schmitt, Political Theology, trans lated by George Schwab (Chicago, IL: University of Chicago Press, 1985).

وفي سياق الحداثة الإسلامية انظر :

Hallaq, Ibid., pp. 89-97 and 99-110.

[47] القرآن الكريم: «سورة البقرة»، الآية ۳۲؛ و«سورة يوسف»، الآية ۲۲؛ و«سورة الأنبياء»، الآيتان۷4 و ۷۹؛ وسورة القصص»، الآية 14.

[48] على سبيل المثال : المصدر نفسه، «سورة النساء»، الآية ۲6؛ و «سورة الأنعام»، الآية ۸۳؛ وسورة الأنفال»، الآية ۷۱؛ وسورة التوبة»، الآيتان 15 و60؛ وسورة يوسف»، الآية 6؛ و«سورة الحجر»، الآية 25 ؛ وسورة الحج ، الأية 52؛ و«سورة النور»، الآية 18؛ و«سورة النمل»، الآية 6؛ و«سورة الزخرف»، الآية 84؛ و«سورة الحجرات ، الآية 8؛ و«سورة الذاريات»، الآية ۳۰؛ و«سورة الممتحنة»، الآية ۱۰؛ و«سورة التحريم»، الآية ۲؛ وسورة الإنسان»، الآية 30.

[49] استخدم لفظ «علم» بازدراء وسخرية ليشير إلى العلم الزائف للكفار في حالات نادرة نسبيا كما في الآية 83 من سورة غافر.

[50] للوقوف على التلازم المفهومي بين الحُكم والعدل، انظر: الهامشين رقمي (۳۸) و (58) أعلاه.

[51] المصدر نفسه، «سورة الأعراف»، الآية 52.

[52] انظر أيضا : المصدر نفسه، «سورة هود»، الآية 14؛ و«سورة الرعد»، الآية 43؛ و«سورة النمل»، الآية 40.

[53] انظر أيضا: المصدر نفسه، “سورة البقرة”، الآية 255؛ و”سورة المائدة”، 109؛ و”سورة الأحقاف”، الآية 23؛ و “سورة العلق”، الآية 5.

[54] إذا كان لفظ «حکیم» بالفعل بمعنی «فطن» كما في جميع ترجمات القرآن تقريبا ، فإن اقترانه مع لفظ «عليم» في نهاية السُّور سيكون أمراُ غير مفهوم، علاوة على أنه سيكون إطناباُ لا فائدة منه.

[55] كما تشير لذلك الآية 93 من سورة يونس، والآية 14 من سورة هود بوضوح.

[56] المصدر نفسه، سورة البقرة ، الآيتان ۱۲۰ وہ14؛ وسورة الرعد»، الآية ۳۷؛ وسورة الروم»، الآية ۲۹.

[57] انظر أيضا : “سورة البقرة”، الآيتان 151 و 152 ؛ وسورة آل عمران»، الآية 48.

[58] المصدر نفسه، «سورة النساء»، الآية 113. انظر أيضا: «سورة البقرة»، الآيتان ۱۲۹ و 151.

[59] المصدر نفسه، «سورة آل عمران»، الآية 7.

[60] المصدر نفسه، سورة النساء»، الآية 162

[61] المصدر نفسه ، سورة المجادلة»، الآية 11.

[62] وهو ما يعني أنه حتى لو لم يصح نصب «العلماء»، فإننا لا يمكن أن ننكر أو نقلَّل من المعنى والدلالة الإجمالية لتلك البنية. وبعبارة أخرى، فإنه على الرغم من أن صحَّة تلك القراءة تقؤي طرحنا الذي ذكرناه، فإن ثبوت خطئها لا يعني خطأ فكرتنا الأصلية.

[63] أعني «علما حقيقيا»، وليس «علما مجازيا».

[64] انظر: المصدر نفسه، «سورة البقرة»، الآيات ۳۲، ۱۲۹، 251 – 252؛ و «سورة العلق»، الآية 5؛ ولاسورة سبأ»، الآية 6؛ وسورة المائدة»، الآية ۱۱۰؛ وسورة النساء، الآية ۱۱۳ (بهذا الترتيب).

[65] كما في: المصدر نفسه، «سورة فاطر»، الآية ۲۸.

[66] وقد صيغ هذا الأمر لاحقا في صورة سؤال فلسفي: «هل يعرف الله الجزئيات؟»، انظر على سبيل المثال :

Michael Marmura, “Some Aspects of Avicenna’s Theory of God’s Knowledge of Particulars,” Journal of the American Oriental Society, vol. 82 (1962), pp. 299-312.

* مصدر بمعنى الدراسة (المترجم).

[67] للوقوف على ما يسمى أداء «الشعائر» كتقنية للذات، انظر:

Hallaq, The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament, pp. 110-135.

وانظر كذلك المعنى الإجمالي للآيات في: «سورة آل عمران»، الآية 58؛ و«سورة الأعراف»، الآية 63؛ و«سورة الحجر»، الآية 9 من ناحية، والآيات في: «سورة الأنعام»، الآية ۸۰؛ وسورة غافر»، الآية 58؛ و«سورة السجدة»، الآية 4؛ و«سورة الأحزاب»، الآية 41 من ناحية أخرى.

[68] انظر : تعليق القرطبي للذكر في الآية 41 من سورة فصلت (تفسير القرطبي، مج ۱۰، ص۲۳۹).

[69] استخدمت مصطلح «النسقي» هنا بحرص للإشارة إلى نظريتي عن الأنساق. انظر: الهامش رقم (۷) أعلاه.

[70] علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، اسباب النزول (بيروت : دار الكتب العلمية، ۱۹۹۱)، ص 64.

[71] انظر على سبيل المثال لا الحصر : القرآن الكريم : «سورة آل عمران»، الآية 64؛ وسورة المائدة»، الآيتان 76 و 116؛ و«سورة التوبة»، الآية ۳۱؛ و«سورة يونس»، الآية ۱۰4؛ و«سورة الكهف»، الآية ۲6؛ و«سورة مريم»، الآية 81؛ و«سورة الأنبياء»، الأيات ۲۹ و66.۹۷؛ وسورة الحج»، الآية ۷۱؛ وسورة الفرقان»، الآية ۱۸ ؛ و«سورة غافر»، الأية 66؛ و«سورة الشورى»، الآية ۳۱؛ و«سورة الزخرف»، الآية 45.

[72] بالطبع ذهب أبو الأعلى المودودي وسيد قطب بقوة إلى القول بالسيادة الإلهية، بيد أن جمهور العلماء ينظرون إليهما على أنهما إصلاحيان وتبريریان، كما أنهما لم يصفا أو يحلا التطورات التاريخية خلال المرحلة التأسيسية للإسلام. ومن الجدير بالملاحظة أن قطباً يمرُّ على الآية ۷۹ من سورة آل عمران مرور الكرام تقريبا، فهو لا يعلَّق عليها إلا بقريب من عشرة أسطر دون أن يتطرق الموضوع الدستورية المهم والعميق، انظر: سید قطب، في ظلال القرآن، 6 مج (القاهرة: دار الشروق، 1968)، مج ۱، ص4۱۹-  420. وفيما يتعلق بانهيار النظام خلال القرن التاسع عشر وعواقبه المدمرة، انظر:

Wael Hallaq, Shari’a: Theory, Practice, Transformations (Cambridge, MA: Cambridge University Press, 2009), part III.

[73] لنقد هذه الدراسات والتحليل مقارن بين النظام الدستوري الأورو – أمريكي والنظام الدستوري الإسلامي، انظر :

Hallaq, The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament, pp. 37-73.

[74] وبعبارة أخرى، فهذا لا يعني أننا يجب أن نتجاهل العقل البشري والهيرمنيوطيقا، بل على العكس فبحكم كونهما جزءاُ من العلم فإنهما يمثلان أداة مهمة للكشف عن السنن التي هي تعبير عن مراد الله. وهذه الجملة (في النص الأساسي) تقوم بوضوح على افتراض مفاده أن الدولة الحديثة ذات السيادة هي التي تضع القانون؛ لكونها سلطة مشرَّعة مستًقلَّة. وللوقوف على تمايز المفهوم الحديث للسيادة عن غيره انظر:

Paul Kahn, Political Theology (Columbia: Columbia University Press, 2012.

. بالإضافة إلى المصادر المقتبسة في الهامش رقم (124) أعلاه.

[75] وغني عن القول أن القوة الخاصَّة بهذا النسق قد شكَّلت الطبيعة الخاصَّة بأصول الفقه، وهو النظرية القانونية التي شكَّلت وعكست وحافظت على سيادة القانون، وبالتالي على التنظيم الدستوری. انظر على سبيل المثال : الرملي، غاية المأمول، ص 57 ؛ و موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، تحقیق سيف الدين الخطيب (بيروت: دار الكتاب العربي، ۱۹۸۱)، ص6۰؛ وعبد الله بن محمد بن التلمساني، شرح المعالم في أصول الفقه، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، ۲ مج (بيروت : عالم الكتب، ۱۹۹۹)، ص ۱۳۷.

[76]  انظر: الطبري، تفسير الطبري : جامع البيان في تأويل آي القرآن، مج 3، ص ۳۲۳ ۔ 324 ، وهو مروي عن الحسن ومجاهد وقتادة وابن عباس وأبي رزین و آخرین.

[77] المصدر نفسه، مج 3، ص۳۲5؛ والبخاري، کشف الأسرار، ج ۱، ص۲۸ – ۲۹؛ والسيوطي، الدر المنثور في التفسير المنظور، مج ۲، ص 250 – 251.

[78] الطبري، المصدر نفسه، مج 3، ص 322 – 325.

[79] المشتقات من لفظ «دزس» التي تشير في الغالبية العظمى إلى التعلم والتعليم، وردت في : القرآن الكريم : سورة الأنعام، الآيتان 105 و 156 ؛ و«سورة الأعراف»، الآية 169؛ واسورة سبأ»، الآية 44. انظر أيضا: الطبري، المصدر نفسه، مج 5، ص۳۰۰. ۳۰۱ و مج 6 ص۱۰۷. وهذه المشتقات تأتي مع الفعل المضارع «علم/ يعلم» كما في: (سورة البقرة»، الآيتان 129 و 151؛ و«سورة آل عمران، الآية 164؛ وسورة الجمعة»، الآية ۲.

[80] پروي الطبري أن جل قراء القرآن في الحجاز وبعض مفسري البصرة يقرأون قوله «تعلمون»: «تعلمون». انظر: الطبري، المصدر نفسه، مج 3، ص 236 لكن يجب التأكيد أن هذا التغير في القراءة لا يؤدي إلى التقليل من تأثير وقوة الآية الدستورية والمعرفية على أي حال.

[81] وهو ما كان ابن تيمية على بصيرة منه وأكده بشدة. انظر:

Walid Saleh, “Ibn Taymiyya and the Rise of Radical Hermeneutics: An Analysis of “An Introto the Foundations of Qur’ānic Exegesis”,” in: Yossef Rapoport and Shahab Ahmed, eds., Ibn Tay miyya and His Times (Karachi: Oxford University Press, 2010), p. 129.

[82] للمدى الكوني للقسط، انظر : القرآن الكريم: «سورة الأنبياء»، الآية 47؛ و«سورة محمد»، الآية 3؛ و«سورة النساء»، الآية 135 (التي تنظر للقسط كنظام عال)، وكذلك: «سورة ال عمران»، الآية ۲۱؛ و «سورة النساء»، الآية ۱۲۷؛ و«سورة المائدة»، الآيتان ۸ و 4۲؛ و«سورة الأنعام»، الآية 152؛ وسورة «هود»، الآية 85 على سبيل المثال.

[83] ناقشت السمتين الثانية والثالثة على الترتيب في الجزأين الثامن والتاسع القادمين في هذه الورقة.

[84] بالطبع كان القرآن دائما ينظر إليه على أنه متعلَّق بغرس العرفان» وخشية الله في المجتمعات الإسلامية، لكن ذلك كله لم يتجاوز كونه محفزات دينية، ولم يَرقً أبداُ في نظر الاستشراق إلى مستوى «الحُكمية». وبعبارة أخرى، فإن وظيفة هذه «الروحانية» بل و«العبادات» لم تفهم عندهم من خلال المصطلح القانوني. عن أهمية هذا ، انظر:

Hallaq, The Impossible State: Islam, Politics, and Modernity’s Moral Predicament, pp. 98-138.

[85] Hallaq, “Groundwork of the Moral Law: A New Look at the Qur’ān and the (W Genesis of Shari’a,”pp. 240-243.

[86] وهذا القول يشير ضمناً – وهو الذي أكدته «حادثة المحاورة» بين النبي واليهود – إلى أنه لو لم يحدث ما حدث مع اليهود (الذين لديهم التوراة) لما فگر محمد أنه من الضروري أن يكون للإسلام قانونه الخاص. ومن ثم فإن أهمية «الحادثة» تكمن في كونها عاملاً مساعداً على هذا التغير. انظر النص الأساسي في الهامش رقم (۲۳) السابق.

[87] انظر مقدمات : أبو عمر يوسف بن عبد البر، جامع بیان العلم وفضله، ۲ مج (بيروت : دار الكتب العلمية ، [د. ت. ]).

[88] وهذا بافتراض أن المعرفي والأخلاقي تصنیفان مختلفان، وهو ما لم يكن عليه الأمر بالطبع في السياقات الإسلامية في عصر ما قبل الحداثة. وما نتحدَّث عنه هنا هو أنه في التراث الفقهي الإسلامي بعمومه – السابق منه واللاحق – كانت الفئة المفهومية للعلم لها الأولوية عن الفئة المفهومية اللعدل؛ لأن العلم يمكنه (ويتعيَّن عليه) أن يوصل للعدل، والعكس غير صحيح.

عن وائل حلاق

شاهد أيضاً

البيئة الثقافية للصناعة والتقنية

أ. د. ممدوح عبد الحميد فهمي

لا أستطيع أن أبدأ هذا البحث قبل أن أُعرِّف القارئ بنفسي وبعلاقتي بموضوع البحث. ولدت في الجيزة وتلقيت تعليمي الجامعي في هندسة الطيران وفي الرياضيات في جامعة القاهرة في الستينيات.

إسلامية المعرفة مشروعًا للعلم والإنسان

أ. يارا عبد الجواد

إن الرؤية الإسلامية المنطلقة من مبدأ توحيد الخالق ومن ثم وحدة الكون ووحدة الإنسانية، جعلت حضارة الإسلام في عصور ازدهارها تعكس سمة العالمية وترسي دعائمها بصورة غير مسبوقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.