بعض مفاهيم العولمة والحداثة .. رؤية د. عبدالوهاب المسيري

بعض مفاهيم العولمة والحداثة .. رؤية د. عبدالوهاب المسيري

أحمد محمد علي *

تستعرض هذه الدراسة المفاهيم التالية المرتبطة بالعولمة ورأي د. المسيري فيها:

  1. مفهوم الهيومانية ومفهوم الأنسنة.
  2. مفهوم الحلولية.
  3. مفهوم الأمركة.
  4. مفهوم التسلع والتشيؤ.
  5. مفهوم الحوسلة.

يعد الدكتور عبدالوهاب المسيري واحداً من أهم النماذج الفكرية العربية التي عرف عنها إهتمامها المركزي بمشكلة الإنسان (مطلق الإنسان) في كل مراحل حياته الأكاديمية والخاصة كما يعد من أهم من ساهم في إعادة التأسيس لنزعة الإسلام الإنسانية من مدخل فلسفة التوحيد.

فقد انتهي به المطاف بعد رحلة طويلة من التنقل بين المذاهب الفكرية والفلسفية إلي تبني الرؤية التوحيدية الإسلامية باعتبارها أرقي المنظومات الفلسفية تسامياً وتحقيقاً لإنسانية الإنسان. كما حاول المسيري بلورة هذه النزعة الإنسانية في شكل اقتراب فلسفي يصلح للتطبيق العملي في دراسة الظواهر السياسية والإجتماعية، فقدم أفكاراً وأطروحات نظرية وعملية من منظور إنساني. وهذا ما يتضح لنا من معظم دراساته إبتداءاً من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية وانتهاءً بقصص الأطفال.

وسنحاول في السطور القادمة أن نبرز الجهد الذي قام به الدكتور المسيري من خلال إستعراضنا المبسط لبعض المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالعولمة.

1- مفاهيم النزعة الإنسانية

يشيع استخدام كلمات النزعة الإنسانية والأنسنة ومشتقات أخري في الفكر العربي والإسلامي باعتبارها كلمات واضحة المعاني والدلالات لكنها لا تبدو كذلك، فعادة ما تستخدم كلمة الأنسنة أو النزعة الإنسانية كمرادف أو كترجمة للمصطلح الإنجليزي “Humanism” دون تحديد لمدلولات مفهوم الهيومانزم أو خلفيته التاريخية والحضارية، علي اعتبار أنها مفردات عامة تشترك في كل الثقافات والحضارات ولا داعي لتعريفها أو البحث في مدلولاتها، فالجذر اللغوي واحد، وهو الإنسان ويقابله بالإنجليزية (Human)، غير أن استقراء مصطلح الهيومانزم في الفكر الغربي في سياقه التاريخي يشير إلي دلالات غاية في الأهمية تختلف كثيراً عن التصورات الذهنية السائدة عن دعوات الأنسنة التي ترفعها تيارات علمانية ليبرالية في السياقين الغربي والعربي. وفي السطور التالية سنقوم بشرح مبسط لمفاهيم النزعة الإنسانية.

أ- مفهوم الهيومانية (Humanism)

مصطلح الهيومانزم مصطلح علماني بطبعه وبحكم تاريخ نشأته وسياقه الحضاري، فقد نشأ في عصر النهضة وأخذ في التبلور كرد فعل علي الحقبة التاريخية الكهنوتية التي عاشتها أوروبا في العصور الوسطي، فظهر هذا المفهوم ليعبر عن نقلة نوعية في مركز اهتمام الفلسفة الغربية الحديثة، من الله إلي الإنسان، ومن ثم لا يمكن فهم مثل هذه المصطلحات بعيداً عن سياقها الحضاري والتاريخي.

 ويشار إلي أن الأستاذ فوزي طرابلسي هو أول من نحت مصطلح الأنسنة (كمرادف للمصطلح الغربي  humanism)  ثم تلاه محمد أركون في رسالته للدكتوراه “نزعة الأنسنة في الفكر العربي :جيل مسكويه والتوحيد”[1]

والهيومانية تشكل رؤية كونية للعالم ومذهباً فلسفياً قائماً علي مركزية الإنسان في الكون وإزاحة الإله .ومن خلال رؤيتها للدين لا تقوم الهيومانية العلمانية علي فكرة إعادة تأويل الأديان أو حتي تهميش دورها في المجال العام،وإنما علي فكرة نسفها وعدم الاعتراف بها. حتي وصل الأمر الي حد إقرارها بالإلحاد[2].

المعاني المختلفة للمفهوم:

تتفق معظم المعاجم الأجنبية علي مضمون كلمة “Humanism”  الذي لا يخرج علي معني رفض المعتقدات الدينية وأي معتقدات مفارقة للواقع الإنساني المحسوس، ولكنها تختلف في توصيفها، فهي “نمط تفكير ونسق فكري وفلسفة “نظرية”  “موقف” “معتقد” ” اتجاه” ” حركة” “مذهب في التعلم” ” رؤية للعالم”. وتتراوح التعريفات في مسألة الموقف من الدين، فيأتي بعضها بصيغة أقل حدة من الرفض، كما في تعريف معجم كامبريدج حيث تعرف “بأنه نسق من المعتقدات تنطلق من القول بأن حاجات الإنسان الروحية والعاطفية يمكن تلبيتها أو إشباعها بدون اتباع إله أو دين[3]

ثم تأتي تعريفات عامة أخري ما بين هذا وذاك، فيعرفها البعض بكونها “نزعة الاهتمام برعاية الناس ورفاهيتهم” أو أي نمط من التفكير أو الفعل تقدم فيه مصالح الانسان وقيمتها وكرامتها وفي تعريف أخر هي “حركة ثقافية نخبوية علمانية في عصر النهضة نادت بالإهتمام بالدراسات الكلاسيكية، ،وبالاخص الثقافة والأداب اليونانية والرومانية[4].

السياق التاريخي والحضاري للمفهوم:

بدأت دلالات المفهوم تتشكل مع بداية عصر النهضة الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر وظهور حركات الإصلاح الديني، حيث بدأ التحول في تلك الفترة من الدين إلي العلم، ومن الله الي الإنسان (وفقاً للسرد الغربي) فكان أهم ما ركز عليه الإصلاح الديني خاصة مع “مارتن لوثر كينج” في القرن السادس عشر هو الاعتراف بدور العقل ومكانته في البحث الحر، وزعزعة الأستاذية العقائدية التي كانت تمارسها الكنيسة دون الخروج النهائي علي الإطار العام للوحي. وفي هذا السياق بدأ رفض فكرة التوسط بين الله والإنسان، وجعل علاقة الله بالإنسان مباشرة كما تم رفض احتكار تفسير الكتاب المقدس وإعلان حرية الإيمان[5].

وهكذا شكلت الهيومانية من خلال التنوير الأوروبي، أحد أعمدة الحداثة الغربية، خاصة أن الهيومانية تشتبك مع العقلانية والعلمانية والتاريخية، فهذه العناصر تشكل جوهر الهيومانية لأن الاهتمام بالإنسان معناه إعطاء الأولوية لعقله في الإدراك والتمييز وبناء الأحكام المعيارية ورفض كل أسبقية دينية أو ميتافيزيقية يمكنها أن تحد من إبداعه وفعاليته في الحاضر والتاريخ والمستقبل[6].

كما تستند الهيومانية إلي مقولات الفلسفة المادية في الرؤية للكون، فالعالم وفق هذه الرؤية هو مادة في حالة حركة دائمة، والمادة هي كل دافع موضوعي مستقل عن الذهن ولا يحتاج إلي الذهن كي يوجد.

“نتيجة التمحور حول الإنسان ورفض الأديان والمطلقات الغيبية أصبحت الفلسفة الهيومانية تقترب من كثير من الفلسفات والمذاهب الأخرى، حتي صار الإلحاد مذهباً إنسانياً، ويمكن تلخيص مقولات الفلسفة الهيومانية العلمانية في النقاط الأتية:

  • الهيومانية العلمانية فلسفة مادية ترفض أي إدعاءات بوجود ما يفوق المادة.
  • الهيومانية فلسفة طبيعية ترفض أي إدعاءات بوجود ما يتجاوز الطبيعة.
  • الهيومانية فلسفة علمية تعتمد علي العلم التجريبي في صياغة الرؤية للحياة.
  • الهيومانية فلسفة أخلاقية ترفض وجود أخلاق مطلقة أو نهائية مقابل الأخلاق النسبية الإنسانية وبالتالي ترفض الادعاء بوجود أخلاق ذات مرجعية إلهية.
  • الهيومانية فلسفة متفائلة تدعم الفرح بالحياة هنا والآن، فهي ضد الإيمان بالآخرة وزوال الدنيا وما إلي ذلك.
  • الهيومانية فلسفة دولاتية ديمقراطية علمانية[7].

رؤية الدكتور عبدالوهاب المسيري لمفهوم الهيومانية:

انطلاقاً من أن مفاهيم الإنسان والإنسانية والطبيعة البشرية تشكل الخط الناظم في كل ما كتبه المسيري بدءاً من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية وحتي دواوين الشعر وقصص الأطفال، بحيث يمكن القول إن منظومة أفكار عبدالوهاب المسيري ذات نوعية إنسانية واضحة يمكن لأي قارئ أن يستشفها من قراءة أي كتاب أو مؤلف له، لكن النزعة الإنسانية التي تتسم بها أفكار المسيري لا تنطلق من النزعة الإنسانية الغربية وإنما من نمط حضاري آخر، وهو الحضارة العربية الإسلامية، ولذا فهو عادة ما يترجم مصطلح “humanism” بالهيومانية الغربية أو الهيومانية الإنسانية الغربية، ولا يترجمها بالإنسانية عامة كما يفعل غيره من المثقفين العرب، تمييزاً لها عن غيرها من الإنسانيات أو الهيومانيات الأخري، وتأكيداً علي رفض المركزية المعرفية الغربية التي تحتكر مفاهيم الإنسانية والتقدم والتمدن.

ومن هنا إشارته إلي الإنسانية الماركسية في سياق تحوله الفكري، تمييزاً لها عن الإنسانية الليبرالية وصولاً إلي إشارته إلى الإنسانية الإسلامية، تمييزاً لها عن غيرها من النزعات الإنسانية التي قد تأتي من حضارات مجاورة، في إشارة الي أهمية احترام الخصوصيات الثقافية الحضارية والانطلاق منها في إطار عملية تنافسية بين عالم الأفكار علي مستوي العالم دون احتكار أو مركزية.

إن نقْل مفهوم الهيومانزم للمجال العربي والإسلامي قد أحدث إشكاليات عديدة، بدأت باختلاف الكتاب والمفكرين والمترجمين العرب فيما بينهم حول الكلمة التي يضعونها مقابلاً للمصطلح الغربي (Humanism)  مما سبب الكثير من اللغط والتشويش لدي القارئ وحتي عند بعض الكتاب، وصار المفهوم غامضاً ودلالته أكثر غموضاً. فهل يقصد بالأنسنة الاهتمام بالإنسان واستعادة مركزيته في حياتنا بعد تهميش طويل علي المستويات الثقافية والسياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي، أم يقصد بها العلمنة وإزاحة الدين من المجال العام وربما الخاص، ومحاولة نقل حالة الصراع الغربي بين الله والإنسان، إلى العالم الإسلامي والإسلام تحديداً[8].

في ظل هذا الغموض ظهرت مصطلحات عدة في المجال العربي مثل : النزعة الإنسانية والأنسنة والإنسانوية وغيرها، وبدت هذه المصطلحات غامضة في دلالاتها لكثرة استخدامها دون تحديد معناها وبالأخص مصطلح الأنسنة والذي ورد استخدامه في نصوص وكتابات كثيرة بمعان مختلفة في شتي المجالات دون تحديد مجال بعينه، وهو ما سنحاول رصده في السطور التالية.

ب- مفهوم الأنسنة

استخدم المسيري مفهوم الأنسنة وفقاً للموضوع أو الظاهرة التي يتناولها، ومن هذه الاستخدامات ما يلي :

الأنسنة في مواجهة المادية أو الحوسلة، وهذا المعني يظهر في نقد المسيري للفلسفات المادية التي تختزل الإنسان في بعده المادي بإعتبارها فلسفات الإنسان ذات البعد الواحد، ويستخدمها أيضاً في نقد الظاهرة الاستهلاكية والرأسمالية، فيشير الي سيادة النموذج المادي الاستهلاكي ويعتبره نموذجاً معادياً للإنسان [9].

فالإنسان الغربي قد تم استيعابه في منظومة استهلاكية مادية معادية لإنسانيته تحول معها إلي مجرد شئ أو سلعة، أو ما يعرف عند المسيري بظاهرة التشيؤ أو الحوسلة[10].

ويستدعي هذا المفهوم في التأسيس الفلسفي للنزعة الإنسانية من مدخل إسلامي توحيدي في مواجهة النزعات الهيومانية الغربية التي  هشمت الإله واتخذت من الإنسان مركزاً للكون ومعياراً لكل شئ، فقد دافع المسيري عن الرؤية التوحيدية الإسلامية باعتبارها الضامن الوحيد لإنسانية الإنسان، وذلك بعد رحلة طويلة من التنقل بين المذاهب الفكرية والفلسفية أهمها الفلسفة الماركسية.

وينحت المسيري مصطلحات مثل “أنسنة اليهودي” “وأنسنة العدو” حين يناقش قضايا الصراع العربي الإسرائيلي واليهود واليهودية، ويستخدم هذه المصطلحات في نقد الصور الذهنية السائدة عن الصهاينة في الذهنية العربية باعتبارهم شياطين، فاليهود -وفق هذه الرؤية الشيطانية- شخص يتصف بكل صفات الغدر والخيانة والكذب والنفاق والتضليل ونقض العهد بشكل تلقائي، وكأن المسألة مجرد جينات وراثية يكتسبها الفرد بمجرد كونه يهودياً. في المقابل يطرح المسيري رؤية بديلة لمدخل “أنسنة اليهودي” أكثر اتساقاً مع الرؤية الإسلامية التأسيسية وأكثر نفعاً للمقاومة، وتقوم علي قاعدة الاعتراف بإنسانية اليهودي، فهو إنسان مثل باقي البشر ويخضع لكل المؤثرات المادية والمعنوية، وتعتريه كل العوامل التي تعتري الإنسان العادي، وبالتالي فإن استخدام مصطلح “أنسنة العدو” و “أنسنة اليهودي” يساعد في إزالة الهالة الشيطانية التي تلصقه بالعدو بما يجعلنا نراه علي حقيقته إنساناً مثل باقي البشر يخاف ويرتعد ويهرب ويستسلم ويرضخ، وليس كما نصوره بأنه عدو لا يقهر ويمتلك خزائن الأرض وقوتها، ويتحكم في كل العالم ويديره من خلف الستار.

يستدعي الدكتور المسيري أيضاً هذا المفهوم في سياق نقده للمركزية الغربية، فيرفض احتكارها لصفة الإنسانية، ويؤكد علي معني غربية أو أوروبية منتجاتها الفكرية والحضارية، فما ينتجه الغرب من أفكار ليس عالمياً أو إنسانياً كما يدّعون، وإنما في حقيقته غربياً أو أمريكياً، وأن ما يطرحونه بإعتباره إنسانياً قد يكون غير إنساني بالمرة ومعادياً للإنسان عموماً  (إنسانهم قبل إنساننا) وهذا ما التفت اليه المسيري في تحليل كثير من الظواهر الغربية مثل العلمانية والعنصرية والرأسمالية والاستهلاكية، وانتهي إلي أن الحضارة الغربية الحديثة صارت خطراً علي الإنسان الغربي نفسه والإنسانية جمعاء.

كما يدعو المسيري الي المراجعة الدائمة لكل المنتجات الحضارية الغربية ونقدها وتفكيكها وإعادة بناء منتجات حضارية متنافسة من أرضيات حضارية أخري علي قاعدة المنافسة في مواجهة المركزية، فسبل التقدم الإنساني لا يشترط  فيها أن تكون علي الطريقة الغربية، ويمكن للحضارات الأخري أن تطور مداخل للتقدم تفوق في إنسانيتها تقدم الحضارة الغربية. ويطبق المسيري هذا في إعادة بناء النموذج الإسلامي في مواجهة المركزية الغربية.

2- مفهوم الحلولية

الحلولية مفهوم قديم بلفظه، متغير في معانيه ودلالته الاصطلاحية، وقد استعمل خلال القرون الماضية بمعان مختلفة. والحلول لغةً “هو النزول”، يقال حل بالمكان، إذا نزل فيه. والكلمة لها حقول دلالية واسعة، اختلفت وتطورت بحسب اختلاف وتطور الملل والنحل، ففي أنماط العبادة الطوطمية يعني الحلول أن ثمة قوى إلهية أو روحية فائقة للطبيعة حلت في حيوان أو إنسان. وفي عقيدة التناسخ، يعني الحلول انتقال الروح  إلى الكائنات الإنسانية عند موت إنسان وميلاد آخر. وفي المسيحية تعني الاتحاد بين الإله والإنسان، بحيث تكون الإشارة إلى أحدهما، بمنزلة الإشارة إلى الآخر. وفي الإسلام يستند بعض الحلوليين إلى آيات مثل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه}[11] أو {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم}[12] ففسروها تفسيراً حرفياً مادياً ووظفوها في خدمة رؤيتهم الحلولية.[13]  وقد سقط بعض المتصوفة وغلاة الشيعة في الحلولية. وقد استخدم الحلاج الكلمة على نحو جريء، حين قال في شعره:

         أنا من أهوى ومن أهوى أنا                                         نحن روحان حللنا بدنا

الدكتور المسيري يري بأن الله -حسب هذا التصور- يظل يقترب من مخلوقاته إلى أن يتوحد بها، فلا يكون أقرب إليهم من حبل الوريد فقط وإنما يجري في عروقهم، بحيث يصبح العالم كله جوهراً واحداً وسقفاً واحداً وهو السقف المادي لأن الله أصبح جزءاً من مخلوقاته فلا يوجد فارق بين الخالق والمخلوق.

ويواصل المسيري القول بأن الحلولية هي المذهب القائل بأن العالم كل واحد متماسك بشكل عضوي، لا تتخلله أي ثغرات أو مسافات ولا يعرف الانقطاع أو الثنائيات، خاضع لقوانين واحدة كامنة فيه. ويذهب مذهب الحلول إلى أن كل ما في الكون الإله والإنسان والطبيعة مكون من جوهر واحد. فالمبدأ الواحد المنظم للكون ليس مفارقاً أو متجاوزاً له أو منزهاً عنه وإنما كامن حال فيه. ولذا فالعالم مكتف بذاته يحتوي على مركزه،  وركيزته الأساسية مطلقة داخله. ولأن الكون كله مكون من جوهر واحد، ينكر هذا المذهب وجود الحيز الإنساني المستقل عن الكل وعن الطبيعة وعن الخالق، كما ينكر إمكانية التجاوز، وينكر وجود أي مسافات بين المثير والاستجابة وأي اختلاف بين الإنسان والطبيعة/المادة. وفي إطار الحلولية الكمونية يمكن رد كل الظواهر، مهما بلغ تنوعها وعدم تجانسها، إلى مبدأ واحد كامن في العالم. ومن ثم تتم تسوية الإنسان بالكائنات الطبيعية وتُلغى كل الثنائيات. وتسود وحدة الوجود التي تتسم بالواحدية الصارمة التي تنزع القداسة عن كل الأشياء فتصبح كل الأمور متساوية ومن ثم نسبية[14].

إن التمييز بين الطبيعي والإنساني هو الفكرة الأساسية الكامنة وراء رؤية الدكتور المسيري العامة، وهي أيضاً الفكرة الأساسية الكامنة وراء نموذج الحلولية. ويتبدى التمييز بين الطبيعة والإنسان في التمييز بين ما يسميه “النزعة الرحمية[15] “نسبة إلى رحم الأم و”النزعة الإنسانية أو الربانية”. ويذهب إلى أن هاتين النزعتان أصيلتان في النفس البشرية، تتنازعانها بشكل دائم. أما النزعة الرحمية فهي نزعة لرفض كل الحدود وإزالة المسافة التي تفصل بين الجزء والكل، والفرد والمجموع، والطبيعة والإنسان، والمخلوق والخالق إلى أن يصبح الإنسان كائناً لا حدود له. ولكن حينما تتحقق هذه النزعة، يجد الإنسان نفسه جزءاً من كل أكبر منه يحتويه ويشمله ويخضعه لقوانينه.

وهذه الرغبة في إزالة الحدود والتحكم الكامل هي، في واقع الأمر، رغبة في التخلص من تركيبية الذات الإنسانية ومن عبء الخصوصية والوعي الإنساني، وهي محاولة للهرب من الواقع الإنساني بكل ما فيه من ثنائيات وتدافع، وخير وشر، وإمكانيات النجاح والفشل، والنهوض والسقوط، والحرية والحتمية، ومحاولة التجاوز والتكيف، أي إنها نزعة للهروب من الحيز الإنساني المركب متعدد الأبعاد إلى عالم بسيط أحادي البعد (مثل الطبيعة/المادة). هذا العالم الذي يهرب إليه الإنسان عالم سائل بسيط أملس يشبه الرحم حيث كان الجنين يعيش بلا حدود ولا قيود، لا يفصله فاصل مادي أو معنوي عن رحم أمه، ولا توجد مسافة أو حيز يفصلان بينهما، حين يتصور أنه جزء لا يتجزأ من أمه، أو يشبه الطفل الرضيع في الأشهر الأولى من حياته، حينما يمسك بثدي أمه يتصور أنه لا يزال جزءاً لا يتجزأ منها، وأنه تحكّم في العالم بأسره، وأن الدائرة قد انغلقت عليه هو وأمه فيشعر بالطمأنينة الكاملة، ولا توجد لديه أي حاجة للتجاوز، وهو لا يدري أنه لا حرية ولا إرادة مستقلة له في عالمه البسيط الضيق هذا. ويظل الإنسان في هذه الحالة إلى أن يتم فطامه وانفصاله عن أمه. والنزعة الرحمية حالة نفسية ذات أصل بيولوجي، ولكنها تستقل عن أصلها البيولوجي، وتصبح حالة نفسية ورؤية للكون[16].

واستخدم المسيري السفر بالدرجة الأولى في الطائرة كصورة مجازية للحالة الرحمية. فالمسافر يدخل الرحم (الطائرة) ويجلس في كرسيه فيعامل وكأنه طفل مدلل يطلب فيجاب طلبه، والمضيفات لا هم  لهن إلا إدخال السعادة علي قلبه. ويبدو أن مصمم الإعلان التلفازي عن سيارة BMW  في التلفاز الفرنسي قد أدرك شيئاً من هذا القبيل. يبدأ الإعلان بثدي أم، ثم تظهر صورة طفل يمسك بهذا الثدي ويبدأ في الرضاعة. ثم تنتقل آلة التصوير (الكاميرا) إلى صورة رجل يجلس مسترخياً على كرسي السيارة، وكأن الرجل في علاقته بالسيارة مثل الطفل في علاقته بثدي أمه. إن النزعة الرحمية هي العودة إلى عالم بلا مشكلات ولا أبعاد. وإذا كانت ثمة مشكلات فهي بسيطة يمكن حلها، وإن كان ثمة أبعاد فهي أبعاد تتسم بالبساطة وعدم التركيب. وتعبر النزعة الرحمية عن نفسها في طلب الإشباع الفوري وعدم المقدرة على الإرجاء، فلا يوجد مسافة بين المثير والاستجابة، ويتبدى هذا في السعار الجنسي والاستهلاكي الذي يصيب الإنسان في المجتمعات المتقدمة. وفي تصور المسيري أن الإعلانات توظف نزعة الهروب من المسؤولية والاختزال في تسويق السلع.  وجوهر أي إعلان هو ظهور مشكلة ما {القشرة- الصحون المتسخة… إلخ} ثم حل هذه المشكلة بحيث يصل الإنسان إلى الإشباع الفوري والتحكم الكامل.

إن التصور الحلولي يختزل الإنسان إلى عنصر واحد أو اثنين، بينما تذهب الرؤية الإيمانية الإنسانية للكائن البشري إلى أنه كيان مركب يحتوي على عناصر وأبعاد عدة متداخلة، لا يمكن رصدها في كليتها، وإنما يمكن رصد أو استكشاف بعض أبعادها وحسب.

مثال علي مفهوم الحلولية:

يضرب الدكتور المسيري مثالاً علي الحلولية فيقول بأنها تتبدي في العقيدة اليهودية من خلال الثالوث الحلولي المقًدس. حيث يختفي الإله الواحد العلي المنًزه ويظهر بدلاً من إله يسرائيل الذي يتحد بجماعة يسرائيل وبأرض وتاريخ يسرائيل.وبالتالي يصبح الشعب اليهودي أو جماعة يسرائيل شعباً مختاراً وأمة من الكهنة المخلصين، بل هو شعب مقدس يدخل الإله معه في علاقة حب حميمة تتسم بالغيرة أحياناً.ويشار الي الشعب بأنه ابن الإله. وهنا الشعب يصبح جزءاً من الإله، فالإله والشعب يتكونان من جوهر واحد. “من يضرب رجلاً من جماعة يسرائيل كما لو كان يهين الإله” وتميل المعادلة الحلولية إلي صالح الشعب بحيث يصبح عنصراً في عملية إصلاح الخلل الكوني. ومن ثم فهو الأداة التي يستعيد بها الإله وحدته، أي أن الإله يصبح معتمداً علي اليهود في إصلاح الكون، وفي إكمال ذاته، واليهود بأيديهم الأوامر والنواهي.

3-( الأمركةAmericanization)

يري الدكتور المسيري بأن مفهوم الأمركة هو محاولة لصبغ أي مجتمع أو فرد بالصبغة الأمريكية وإشاعة نمط الحياة الأمريكية، وهذا المصطلح قريب منه للغاية مصطلحات أخري مثل “الكوكلة” أو “الكوكاكوليزيشن” cocacolaization  .والكوكاكولا هي رمز نمط الحياة الأمريكية وانتشارها وتدويلها. والبعض يقول بأن الأمر ليس كوكلة وحسب وإنما هي كوكاكولونيالية، بدلا من “كولونيالية” أي أن الكوكلة هي الاستعمار في عصر الاستهلاكية العالمية، وهى استعمار لا يلجأ للقسر وإنما للإغواء.

والأمركة في أبسط معانيها تعني سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها وتلاعبها بالسياسة والاقتصاد والإعلام وشتي مجالات الحياة  في شتي بقاع العالم. وفي كتابه (توازن الغد) يرى روبرت شتراوس أن المهمة الأساسية لأمريكا تتمثل في توحيد الكرة الارضية  تحت قيادتها، واستمرار هيمنة الثقافة  الغربية وهذه المهمة لابد من إنجازها بسرعة في مواجهة  آسيا  وأي قوى أخرى لا تنتمي للحضارة الغربية[17].

وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية بشتى السبل أمركة العالم قسراً بوصفها تمثل نموذجاً لا بديل له، وعلى جميع دول العالم الالتزام به دون استثناء؛ لأنه نجح في صنع أمريكا وحقق تفوقها المطلق، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. ومفهوم الأمركة هو وجه لنفس العملة لمفهوم العولمة والولايات المتحدة الأمريكية تسعي لأمركة العالم من خلال تعميم أنماط معينة من السلوك والأخلاق والأداب وأساليب العيش المشترك.والأمر برمته لا يعدو إلا أن يكون احتلالاً للعقل وللتفكير وتسييرهما وفق أهداف ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية. إذن فالعولمة أو الأمركة تعمل علي جعل بقية دول وشعوب العالم شبيهة بأمريكا سواء كان خيراً أو شراً، ومن هنا تسعي أمريكا من خلال مفهوم الأمركة الي إلغاء النسيج الحضاري والاجتماعي للشعوب، وهذا يعني القضاء علي الهوية الثقافية والقومية وعلي تراث الأمم والشعوب الفكرية والحضارية.

ويقول الدكتور المسيري بأن المجال الدلالي لكلمة “أمركة” يتداخل مع كلمة “علمنة” باعتبار أن العلمنة الشاملة ليست مجرد فصل الدين عن الدولة وبعض مجالات الحياة العامة وإنما هي عملية فصل كل القيم والثوابت والمطلقات (باعتبارها شكلاً من أشكال الميتافيزيقا) عن العالم والطبيعة وحياة الإنسان العامة ثم الخاصة، إذ يتحول العالم بأسره إلى مادة استعمالية لا قداسة لها ولا خصوصية ولا مرجعية لها سوى المرجعية الكامنة في المادة، أي ما يسمى بقوانين الحركة، (آليات السوق- المنفعة المادية- شهوة السلطة- الجنس- علاقات الإنتاج)[18].

ولكي نفهم الأمركة حق الفهم لابد أن نضعها في سياقها التاريخي والحضاري، ويمكن القول إنه مع منتصف القرن التاسع عشر تبلورت المنظومة الحضارية الغربية برؤيتها للعالم وللآخر وللذات. وتنطلق هذه الرؤية من أن العالم في جوهره مادة، وأن ما يحكمها هو قانون الحركة المادية، وأن ما هو غير مادي ليس بجوهري ولا يمكن أن يؤخذ في الاعتبار حينما ندير شؤون دنيانا ومجتمعنا.

“فانتشار الأمركة في العالم هو تعبير عن هذا الانتقال من مرحلة الخصوصية إلى مرحلة العمومية في المجتمعات القومية العلمانية، وهو ما نشير إليه بالانتقال من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة، ومن الحداثة إلى ما بعد الحداثة”

وانتشار ظاهرة الأمركة في العالم يرجع إلى تزايد الهيمنة العسكرية والحضارية الأميركية. ولعل من أكبر آليات العلمنة والأمركة في العالم السينما الأمركية، فأفلام توم وجيري مثلا تجسد القيم الداروينية بلا مواربة ولا حياء، وأفلام الكاوبوي وكل أفلام العنف مثل أفلام جيمس بوند تقوم بعملية تمجيد للعنف وتطبيع له.

ويضرب الدكتور المسيري المثل باليابان، ولعل الدارس لليابان يعرف ماذا يحدث لها، فبعد أجيال من الحديث عن الشنتو والبوذية واحتفال الشاي والكيمونو والكابوكي والنوه والهايكو، وبعد سنين طويلة من التمسك بأهداب الخصوصية، اكتسحت الحضارة الأمركية الأجيال الجديدة، فهم الآن يلبسون التيشيرت ويشربون الكوكاكولا ويأكلون الهامبورغر ويرقصون الديسكو ويجرون عمليات جراحية على عيونهم حتى لا تكون ضيقة مثل عيون الآسيويين.

والشيء نفسه ينطبق علي الدولة اليهودية التي يستند سبب وجودها إلى تحقيق الهوية اليهودية الافتراضية. هذه الدولة اكتسحتها تماما النزعة نحو الأمركة وإن كانوا يدّعون أن هناك هوية يهودية.

ويجب أن ندرك أن هذه الأمركة ليست مؤامرة أو حتى مخططا، وإنما هو نسق حضاري (أو شبه حضاري) لا يحطم الحضارات الأخرى وحسب بل ويحطم الخصوصية الأمركية والثقافة الأمركية ذاتها.

لهذا يمكننا القول بأن الأمركة، في واقع الأمر، مترادفة مع “العولمة” و”الكوكبة” التي تزيل الحواجز بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والأشياء، ليظهر الإنسان الطبيعي الذي لا خصوصية له ولا هوية.

مثال علي مفهوم الأمركة:

يضرب د. المسيري مثالًا لمفهوم الأمركة: في عام 2011 تم إفتتاح محلات “كنتاكي” في الصين ما اعتبره البعض بالقول بأن القوة الناعمة الأمريكية تغزو أخر معاقل الشيوعية،حيث إصطف عدد من الشباب أمام فتاة صينية، ترتدي نفس الزي الذي ترتديه نظيرتها الأمريكية التي تعمل في نفس الوظيفة وفي مطعم يحمل نفس الاسم في الولايات المتحدة، هذه صورة مما يحدث على أرض الواقع في العاصمة الصينية بكين، داخل أي من مطاعم «ماكدونالدز» و «كنتاكي» الأمريكيين واللذين باتا يملكان اليوم أكثر من 3 آلاف فرع في الصين وحدها، ونسبة أرباحهما في الصين هي الأكبر في إجمالي أرباحهما على مستوى العالم[19]. وهذا الإقبال الكبير علي هذه المطاعم بات يمثل رمزاً للثقافة الأمريكية أينما وجدت.

4– التسلع (Commodification)  والتشيؤ (Reification)

في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة يقول الدكتور المسيري بأن مصطلحات مثل “التسلع” و “التشيًؤ” من أهم المصطلحات التي تستخدم لوصف بعض الظواهر التي أفرزتها المجتمعات العلمانية الحديثة[20].

استخدم مفهوم التسلع لأول مرة عام 1975 وأصبح إستخدامه شائعاً مع ظهور وانتشار تحليل الخطاب النقدي في السينما[21]. والتسًلع بالإنجليزية يعني Commodification  وهو يشير إلي أن السلعة وعملية تبادل السلع تصبح هي النموذج الكامن في رؤية الإنسان للكون ولعلاقاته مع الأخر والمجتمع. وإذا كانت السلعة مركز السوق والمحور الذي يدور حوله، فإن التًسلع يعني تحول العالم إلي حالة السوق، أي سيادة منطق الأشياء.ووفقاً لأرجون أبادوراي فإن التسلع يعني تحويل الخدمات والأفكار والناس إلي سلع أو أشياء تجارية[22].

إنتقد كارل ماركس أيضاً الأثر الاجتماعي للسلع واعتبرها شكلاً من أشكال الرأسمالية ونقطة انطلاق رئيسية لتحليل هذا النظام السياسي والاقتصادي[23].

ولأن السلعة شئ، فإن التسًلع يعني أيضاً التشيًؤ Reification  أي تحول العلاقات بين البشر إلي ما يشبه العلاقات بين الأشياء (علاقات آلية غير شخصية). ومعاملة الناس باعتبارهم موضعاً للتبادل (أي حوسلة البشر بإعتبارهم أشياء). وحينما يتشيأ الإنسان، فإنه سينظر إلي مجتمعه وتاريخه (نتاج جهده وعمله وإبداعه) بإعتبارهما قوي غريبة عنه، تشبه قوي الطبيعة (المادية)، تُفرض علي الإنسان فرضاً من الخارج، وتصبح العلاقات الإنسانية أشياء تتجاوز التحكم الإنساني، فيصبح الإنسان مفعولاً به لا فاعلاً، يحدث ما يحدث له دون أية فاعلية من جانبه، فهو لا يملك من أمره شيئاً. وقمة التشيًؤ هي تطبيق مبادئ الترشيد الأداتي والحسابات الدقيقة علي مجالات الحياة كافة[24].

ويمكن القول بأن التشيؤ هو أن يتحول الإنسان إلي شئ تتمركز أحلامه حول الأشياء، فلا يتجاوز السطح المادي وعالم الأشياء، والإنسان المتشيًئ هو إنسان ذو بُعد واحد، قادر علي التعامل مع الأشياء بكفاءة غير عادية من خلال نماذج اختزالية بسيطة، ولكنه يخفق في التعامل مع البشر بسبب تركيبيتهم. والإنسان المتشيئ إنسان قادر علي الإذعان للمجردات المطلقة، وأن يتوحد بها، ويتصرف علي هديها. وهذا وصف جيد للإنسان الطبيعي الرشيد، الذي يعيش حسب قوانين الطبيعة والمادة والمطلقات العلمانية الأخري التي تُعد تنويعاً علي الطبيعة/المادة.

هذا ويأتي طرح عبدالوهاب المسيري للتشيؤ متأثراً بما قدمته مدرسة فرانكفورت، ورافضاً للتشيؤ لأن كل دراساته تنطلق من فكرة أنً الإنسان كائن مزدوج، مركب ومتجاوز.

وما ظاهرة التشيؤ – حسبه – إلا نتيجة لتطليق الإنسان الغربي للإلهي وللميتافيزيقا، ليعيش بذلك في كهف علماني مادي، ولتبنيه العلم والتقنية المنفصلين عن القيمة، ودخوله العالم المعولم واعتماده علي العقل المادي، وتبنيه المرجعية الكامنة كمرجعية نهائية له. فضلاً عن الإمبريالية النفسية التي تمارس عليه القهر بمختلف أساليبها.

لذلك اقترح مشروعاً فكرياً يحاول أن يخرج الإنسان من جموده وتبعيته للأشياء، وان يعيد له مركزيته وطمأنينته وسكينته الوجودية، ويتمثل في مشروع الحداثة الإنسانية الإسلامية الصالحة للإنسان الغربي والعربي، والتي عمادها العدل والمواءمة بين حقوق الفرد والمجتمع.

وهي حداثة تحارب المدً الاستهلاكي لتحقًق التًراحم والتوازن مع الطبيعة ومع الذات.

وهكذا نري ان الدكتور المسيري انتقد مفهومي التسلع والتشيؤ، معللاً ذلك بأن نتائجهما السلبية مؤدية إلي تحييد إنسانية الإنسان، فيسقط في عالم السلع المادية، مسلوخاً عنه أي معني للقداسة والقيم.

أمثلة علي مفهومي التسلع والتشيؤ:

1- نحن نعيش في عالم يحولنا إلى أشياء مادية ومساحات لا تتجاوز عالم الحواس الخمس، إذ تهيمن عليه رؤية مادية للكون. ولنضرب مثلاً بـ”التي شيرت” (T-Shirt) الذي يرتديه أي طفل أو رجل. إن الرداء الذي كان يُوظَّف في الماضي لستر عورة الإنسان ووقايته من الحر والبرد، وربما للتعبير عن الهوية، قد وُظِّف في حالة “التي شيرت” بحيث أصبح الإنسان مساحة لا خصوصية لها. فأصبحت توظف هذه المساحة في خدمة شركة الكوكاكولا (على سبيل المثال)، وهي عملية توظيف تُفقد المرء هويته وتحيّده بحيث يصبح منتجاً وبائعاً ومستهلكاً، أي أن “التي شيرت” أصبح آلية كامنة من آليات تحويل الإنسان إلى شيء. ويمكن قول الشيء نفسه عن المنزل، فهو ليس بأمر محايد أو بريء، كما قد يتراءى للمرء لأول وهلة، فهو عادةً ما يُجسِّد رؤية للكون تؤثر في سلوك من يعيش فيه وتصبغ وجدانه، شاء أم أبى.

فإن قَطَنَ الإنسان المسلم في منزل بُنيَ على الطراز المعماري العربي والإسلامي فلا شك أن هذا سيزيده من ثقة في نفسه واعتزازه بهويته وتراثه. ولكننا لا نرى في كثير من المدن من العالم الإسلامي أي مظاهر أو آثار للرؤية العربية الإسلامية (إلا في المسجد)، وبدلاً من ذلك أصبح المنزل -عملياً وظيفياً- يهدف إلى تحقيق الكفاءة في الحركة والأداء ولا يكترث بالخصوصية، أي أنه مثل “التي شيرت” أصبح هو الآخر خلواً من الشخصية والعمق.

2- مثال أخر علي تشيؤ الطعام حيث يقول المسيري بأن الحضارة الغربية الحديثة أو ما يسميها “الحضارة الاستهلاكية العالمية” لها سماتها وفنونها ورموزها، ومن أبرز هذه الرموز “الهامبرجر” حيث إن تناول الطعام قديماً يختلف عن كيفية تناوله حديثاً، فقديماً كانت الأسرة والأصدقاء يجتمعون ويتبادلون أطراف الحديث، ويتناولون طعامهم في جوً أسري حميمي. وقد كان هذا سائداً في جميع أنحاء العالم تقريبًا [25].

  لكن سرعان ما انفصل الطعام عن القيمة بعد ظهور حضارة الهامبرجر، التي قضت علي أواصر التراحم والوشائج الأسرية، بأنً وفًرت للإنسان طعاماً يعتمد السرعة مقياساً له، ولا يتميز ساندوتش عن الأخر فسابقه مثل لاحقه، وهو طعام يعدً بطريقة نمطية جمعية ولا شخصية يُشتري من أنثي (البديل الحديث للأمً) تبتسم للمشتري بطريقة بلاستيكية، معقمة( الابتسامات نفسها توزًعها علي الجميع/منمطة).

أمًا عن الكيفية التي يتم بها تناوله، فيقوم الفرد بالتهامه، وهو يلهث من عمله إلي منزله أو العكس، وقد يأكله وهو سائر، أو شبه نائم، أو هو أمام التيليفزيون.

ويشبهه المسيري بالوقود الذي يضعه الإنسان في سيارته حتي يستمر في العدو، فهو مادة استعمالية لا طعم ولا لون ولا رائحة لها، وشئ عام لا خصوصية له، لا يختلف عن الإنسان الطبيعي/ المادي الذي يقذفه في جوفه، إنه الطعام/ الشئ الجدير بالإنسان/ الشئ.

ولكن وجب الإشارة إلي أن المسيري وعلي الرغم من انه يستنكر هذا الطعام النمطي، لكنًه ليس ضده. لأنه أحياناً يكون ضرورياً للإنسان في ظل عصر السرعة، هو يحذر فقط من منتجات الحضارة المادية التي لا تعادي الخصوصيات الغربية فقط، وإنًما هي معادية للخصوصيات الإنسانية ككل.

3- يضرب الدكتور المسيري مثالاً اخر علي تشيؤ وتسلع اللغة، فيقول بأن اللغة في المجتمع الصناعي لغة تم ترشيدها وتحييدها. فأصبحت لغة واحدية تشير إلي أشياء محددة، ولا تعدو ان تكون أداة للتعبير عن الأفكار العلمية والمعادلات الرياضية وعمليات البيع والشراء والإعلان والتعاقد القانوني، لغة البيروقراطية التي تتعامل مع البشر بانضباط ودقة بالغة لأنها في الأساس لغة العقل الأداتي في القمع والسيطرة وهي لغة الصحافة الغخبارية والإعلام.

ومع انتشار عمليات التسلع والعلاقات التعاقدية والتبادلية تغلغلت اللغة التعاقدية الرشيدة في الحياة الخاصة، وأصبحت الوسيلة الشائعة للتعبير عن ذواتهم.

ومن أسباب تشيؤ اللغة أيضاً ظهور الفكر الوضعي، الذي يشترط في اللغة أن تكون واضحة ومحايدة تماماً، كما يشترط ان تكون اللغة شفافة تماماً، وموصلة بشكل كامل، وقادرة علي تمثيل الواقع.

واللغة في العصر الصناعي الصاخب تراجعت عن وظيفتها الحقيقية وهي التعبير عن الإنسان والوجدان، وتركته وحيداً يواجه كل هذه الموجات الاستهلاكية والمادية التي تحاول ضربه وسلبه أقدس ما يملك، وتجعله يكبت كل ما هو ذاتي فيه ويتقن فقط اللغة أحادية البعد، المتشيئة التي تعبر عن الرغبة في الحاجيات المادية والنفعية فقط [26].

5– الحوسلة (Instrumentalization)

“الحوسلة” منحوتة من عبارة (التحويل إلي وسيلة). والعلمنة الشاملة والترشيد المادي يرميان إلي تحويل الطبيعة والإنسان إلي وسيلة، أي حوسلتهما[27].

والترشيد المادي هنا هو إعادة صياغة الواقع المادي والإنساني في إطار نموذج الطبيعة/المادة أو المبدأ الواحد الكامن في المادة، بالشكل الذي يُحقق التقدم المادي وحسب مع استبعاد كل الاعتبارات الدينية والأخلاقية والإنسانية، وكل العناصر الكيفية والمركبة والغامضة والمحفوفة بالأسرار، بشكل تدريجي ومتصاعد، حتي يتحول الواقع إلي مادة استعمالية، ويتحول الإنسان إلي كائن وظيفي أُحادي البُعد.ومن ثمً يمكن توظيف (حوسلة) كلً من الواقع المادي والإنساني بكفاءة عالية، إلي أن يتحقق حلم اليوتوبيا التكنولوجية التكنوقراطية ونهاية التاريخ، حين تتم برمجة كل شئ والتحكم في كل شئ، بما في ذلك الإنسان نفسه، ظاهره وباطنه، ويؤدي الترشيد المادي إلي ضمور واختفاء الحيز الإنساني والإنكار الكامل للتجاوز، ومن ثمً فهو شكل من أشكال العلمنة الشاملة[28].

نحت الدكتور المسيري كلمة “حوسلة” وهي اختصار لعبارة “تحويل الشئ إلي وسيلة” وهي تستخدم عندما يتم التعامل مع الانسان ليس بصفته البشرية، ولكن كأنه مادة استعمالية بعيدة كل البعد عن الخصوصية، أو القداسة، أو أي اعتبارات أخلاقية، مجرد وسيلة لشيء معين فقط، دون مراعاة أبعاد أخرى. وبالإنجليزية تعني (Instrumentalization)  [29].

والحوسلة مرتبطة تماماً بالواحدية المادية، والترشيد الإجرائي وبالعقل الأداتي، والعقلانية المادية، والرؤية العلمانية المادية. فالواحدية المادية ترُد العالم بأسره إلي مبدأ واحد هو الطبيعة/المادة، وتراه في إطار المرجعية المادية الكامنة. والترشيد هو إعادة صياغة الواقع في هدي القانون الطبيعي المادي، ثم إدارته انطلاقاً من هذا المبدأ الواحد. والرؤية العلمانية المادية هي أيضاً رؤية ترُد العالم إلي مبدأ واحد، وتري الإنسان والطبيعة باعتبارهما مجرد مادة استعمالية يمكن توظيفها في أي هدف أو غرض يحدده الإنسان (صاحب القوة). وهذه هي الحوسلة [30].

مثال علي مفهوم الحوسلة:

“الدكتور المسيري يضرب مثالاً ليوضح من خلاله مفهوم الحوسلة فيقول اقتحمت أخلاقيات السوق عالم الرياضة فيتم “بيع” لاعب مغربي لنادي إيطالي، ولاعب إيطالي لنادي ليبي وهكذا، وكأننا في سوق النخاسة.

ولذا بدلا من الانتماء إلى الوطن والقيم يصبح الانتماء إلى المال، المحرك الأول للإنسان الاقتصادي. ونسمع بعد ذلك عن عدد كبير من الرياضيين يستخدم المخدرات والأدوية المنشطة الممنوعة لتحقيق النصر. ويتقاضى أعضاء الفريق الفائز مبالغ طائلة مكافأة لهم، وهى مكافآت سخية على أدائهم، قد تصل إلى مرتب أستاذ جامعي لعدة سنوات.

بل في إحدى الجولات الرياضية حصل كل عضو من أعضاء الفريق الفائز على سيارة “بي.أم.دبليو” وهذه قمة الأحلام العلمانية! أين كل هذا من قيم التعاون والصراع الرقيق والمرجعية الإنسانية؟ لقد اقتحمت اقتصاديات السوق هذا القطاع تماما، وسيطرت عليه قوانين العرض والطلب والمادية وتمت حوسلة الإنسان ونزع القداسة عنه، وتحوّل إلى مادة استعمالية مرنة ليس فيها من الإنسانية سوى الاسم[31].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث ماجستير بقسم العلوم السياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. جامعة القاهرة.

[1]– محمد أركون، ترجمة:هاشم صالح،نزعة الأنسنة في الفكر العربي:جيل مسكويه والتوحيد، (بيروت، دار الساقي، 1997).

[2] -فالملحدون يرفضون الاعتراف بوجود ألهه لنقص الأدلة علي ذلك من وجهة نظرهم، بينما مذهب الهيومانية يقوم بهذا وأكثر حيث يرفض الإتكال علي الألهة او الخضوع للألهة من حيث المبدأ في عالم المركز فيه الإنسان بينما في عالم الأديان يكون الإله هو معيار كل شئ وهو يحدد الجدوي الأخلاقية وسعادة الإنسان تكون في رضاه بينما في مذهب الإنسانية يكون الإنسان وسعادة الإنسان وتقدم الإنسانية هي معيار كل شئ وهي من تحدد الجدوي الأخلاقية.

[3] – At the website: http://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/humanism?fallbackFrom=british-grammar&q=humanism+

[4] – Nicola Abbagnano, Humanism, Translated by  Nino L angiulli. In the Encyclopedia of Philosophy, editdn By Paul Edwards, )Macmillan Publishing coinc, 1967, Vol. 4(, pp. 69-70.

[5] – اندريه ناتاف، ترجمة رندة بعث، الفكر الحر، ( دمشق: دار المدي, 2005)، ص 63.

[6] -عبدالإله بلقزيز، العرب والحداثة: دراسة في مقالات الحداثيين، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2007) ص 62.

[7] -رجب السيد الدسوقي السيد، النزعة الإنسانية في فكر عبدالوهاب المسيري: دراسة مفاهيمية (رسالة ماجيستير غير منشورة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2015) ص 66.

[8] النزعة الإنسانية في فكر عبدالوهاب المسيري: دراسة ماهيمية، مرجع سبق ذكره، ص ص 67-68.

[9]-عبدالوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان،(دمشق، دار الفكر، 2002)، ص ص 12-40.

[10]-راجع مقال المسيري “الانسان والشئ” علي موقع الجزيرة علي الرابط التالي:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2008/7/3/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84%D9%87

[11] – سورة البقرة، الأية، 115.

[12] – سورة الفتح، الأية، 48.

[13] – عبدالوهاب المسيري، العلمانية والحداثة والعولمة, “حوارات مع الدكتور المسيري ج2“, )الطبعة الأولي، 2013(ص ص 61-66.

[14] العلمانية والحداثة والعولمة، “حوارات مع الدكتور المسيري ج2، مرجع سبق ذكره، ص 64.

[15] -المجتمع التراحمي كما يوضحه المسيري هو المجتمع الذي تقوم علاقاته علي التراحم والتعاطف بين أفراده, علي النقيض من المجتمع التعاقدي الذي تقوم العلاقات فيه علي أساس تعاقدي ومصلحي. يضرب المسيري الأمثلة علي المجتمع التراحمي بالنظر الي المجتمعات التقليدية حيث يوجد نظام مساعدة العريس “النقطة” في الأفراح المصرية, حيث يتم دس المال في يد العروس (للمساعدة) بحيث لا يراه أحدا وفي إطار هذه العملية التبادلية يتم توزيع الثروة بين المجتمع فعطاء الأثرياء يكون عادة أكثر من عطاء الفقراء.

[16] -عبدالوهاب المسيري، “رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر-سيرة ذاتية غير موضوعية”، ( دار الشروق، الطبعة الأولي، 2000)، ص 58.

[17] -راجع مقال المسيري، الأمركة والكوكلة والعولمة، الجزيرة، علي الرابط التالي:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2007/5/29/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%83%D9%84%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A9

[18] – العلمانية والحداثة والعولمة،حوارات مع الدكتور المسيري ج2، مرجع سبق ذكره، ص ص 239-244.

[19] -كنتاكي في الصين..قوة أمريكية ناعمة تغزو أخر معاقل الشيوعية. المصري اليوم، علي الرابط التالي :

http://www.almasryalyoum.com/news/details/130206

[20] – عبدالوهاب المسيري, “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”, (الطبعة الأولي, دار الشروق, القاهرة, 2002( , ص ص 139-141.

[21] –  commodification, n. Second edition, 1989; online version November 2010. Avilable at: http://www.oed.com/?authRejection=true&url=%2Fview%2FEntry%2F37198

[22]   Arjun Appadurai, “Introduction: commodities and the politics of value,” in Arjun Appadurai (ed.), The Social Life of Things: Commodities in a Cultural Perspective, Cambridge University Press, 1986, p. 3 Marx, Karl (1867). “Capital: A Critique of Political Economy, Vol. 1, Chapter 1, Section 3.

[23] – The Form of Value or Exchange-Value, p 4

[24] -عبدالوهاب المسيري، “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: المجلد الأول” (الطبعة الأولي، دار الشروق، القاهرة، 2002) ص 140.

[25] – نحو حداثة إنسانة جديدة، مقال للدكتور المسيري، موقع الجزيرة علي الربابط التالي:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2009/10/14/%D9%86%D8%AD%D9%88-%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9

وأنظر أيضاً: صباح قارة ” إشكالية تشيؤ الإنسان في الحداثة الغربية من منظور عبدالوهاب المسيري“( مذكرة لنيل شهادة الماجيستير، كلية الأداب، جامعة فرحات عباس، الجزائر، 2012) ص 141.

[26] إشكالية تشيؤ الإنسان في الحداثة الغربية من منظور عبدالوهاب المسيري، مرجع سبق ذكره، ص ص 145-146.

[27] – عبدالوهاب المسيري،“العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: المجلد الثاني” (الطبعة الأولي، دار الشروق، القاهرة، 2002) ص 463.

[28] العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: المجلد الثاني، مرجع سبق ذكره، ص 463.

[29] والنحت هو اشتقاق كلمة من كلمتين أو أكثر، علي أن يكون هناك تناسب في اللفظ والمعني بين المنحوت والمنحوت منه. وقد أجازت المجامع اللغوية في الوطن العربي النحت عندما تلجئ الضرورة إليه. وقد وجد الدكتور المسيري أن من الضروري نحت كلمة “حوسلة” لدواعي الإيجاز اللغوي، ذلك لأن عبارة “تحويل كذا إلي وسيلة” عبارة طويلة ولا يمكن توليد مصطلحات منها.

[30]العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، مرجع سبق ذكره، ص 131.

[31] – راجع مقال المسيري “الانسان والشئ” علي موقع الجزيرة، علي الرابط التالي:

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2008/7/3/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A1-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84%D9%87

عن أحمد محمد علي

شاهد أيضاً

الفلسفة – المنهج – الفكر “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

التباسات الحداثة

المعرفة المستدامة

مغامرة المنهج

في نقد التفكير

سؤال السيرة الفلسفية

التاريخ الإسلامي “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها

إعادة ترسيم الشرق الأوسط العثماني

لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.