في البنيوية

فى البنيوية

أ. وليد القاضي *

* باحث ماجستير في العلوم السياسية.

مقدمة:

البنيوية: النشأة والتطور:

كان علم اللغة هو الميدان الفسيح والأرض الخصبة التى نما فيها المنهج البنيوي وترعرع، بل وأضحى يُطلَق على عالم اللغة السويسرى فرديناند دو سوسور Ferdinand de Saussure (1857 – 1913) الذى حمل شعلة هذا المنهج فى الميدان اللغوى “أبو البنيوية” نتيجة لإسهاماته العميقة فى هذا المضمار ([1]). وتنبغى الإشارة هنا إلى أن دو سوسور لم يبلغ مكانته هذه فى حياته، نظراً لأن آرائه المفتاحية فى هذا المجال لم يتم نشرها وشيوعها إلا بعد وفاته بثلاث سنوات على يد تلامذته، وذلك فى كتابٍ حمل عنوان “محاضرات فى علم اللغة العام” Cours de linguistique generale. ومن ثَمَّ، يمكن القول أن المبادىء الأولى للبنيوية – الحديثة والمعروفة – قد تم طرحها فى سياق علم اللغة والألسنيات. 

فى أواسط العقد الثانى من القرن العشرين، حمل أحد أعلام المدرسة الشكلية الروسية ([2])، وهو رومان جاكوبسون Roman Jakobson(1896 – 1982) ([3])، راية المنهج البنيوى، بعد اطّلاعه على أعمال دو سوسور وهضمه إياها. وكان ذا حماسٍ شديد لهذا المنهج، حتى أنه بعد مغادرته موسكو إلى براغ  فى عام 1920 نتيجة الضغط السياسى الذى واجهته المدرسة الروسية، دعا فوراً إلى تأسيس حلقة براغ الألسنية خلفاً لحلقة موسكو، وهى حلقة عملت على استخدام المنهج البنيوى فى أبحاثها ودراساتها. وفى عام 1928، عكف جاكوبسون –مع زميله يورى تينيانوف Youri Tynyanov (1894 – 1943) ([4]) –على كتابة البيان البنيوى الأصيل تحت عنوان “إشكاليات فى دراسة اللغة والأدب”، والذى كان بمثابة تطبيق للنموذج البنيوى الذى طرحه دو سوسور للغة فى مجال الأدب، لينشأ بذلك رافد البنيوية الأدبية.

ولكن تنبغى الإشارة هنا إلى إحدى النقاط الجدلية المرتبطة بالكشف الحقيقى عن محطة الانطلاق الأولى لمصطلح البنيوية؛ حيث ذهب البعض إلى القول بأن المدرسة الشكلية الروسية، ونظراً لجهودها الملموسة فى نشر الفكر البنيوى، هى التى تمثل ما يمكن أن يُطلَق عليه بـ “البنيوية المبكرة”؛ إذ كان أول مَن استخدم كلمة “أبنية” هو تينيانوف، وتبعه جاكوبسون الذى نحت لفظ البنيوية لأول مرة فى عام 1929، بينما لم يأتِ ذكرهما فى محاضرات دو سوسور المنشورة سلفاً. ولكن أخذاً فى الاعتبار إسهامات السابقين، فيمكن القول أن البنيوية من تأسيس هؤلاء، لاسيَّما دو سوسور، لكنها لم تُعرَف ولم تظهر فى الفكر الغربى بهذه التسمية إلا على يد الروس فى العِقد الثالث من القرن العشرين ([5]).

فر جاكوبسون لاحقاً من براغ جرَّاء الإرهاب النازى إلى اسكندنافيا ثم إلى الولايات المتحدة، وهناك قدَّمت له المدرسة الحرّة للدراسات المتقدّمة كرسياً فى الألسنية العامة. ولقد لعبت سلسلة المحاضرات التى كان يلقيها جاكوبسون دوراً عظيماً فى مرحلة البنيوية الفرنسية الذى بدأ فى عام 1942، إذ كان جاكوبسون أول من عرّف كلود ليفى شتراوس على الألسنية البنيوية لكونه تلميذاً – وصديقاً له، ويُقَال أنه “من غير جاكوبسون، ما كان لليفى شتراوس أن يصير بنيوياً قطّ؛ ومن غير ليفى شتراوس، لعلّ الفرنسيين ما كانوا ليسمعوا بهذه الفكرة مطلقاً” ([6]). ويُذكَر هنا أن جاكوبسون قد خطَّ كتاب “الأطروحات” الذى ضمَّن فيه رؤاه عن البنيوية، وأهداه لشتراوس، الذى وضع أسس ما يُسمَّى بالبنيوية الأنثروبولوجية ([7]).

فى الواقع، كان شتراوس Claude Levi Strauss(1908 – 2009) ([8]) هو الشخصية المفتاحية التى شهد عبرها الفكر البنيوى انطلاقته الكبرى نحو الذروة فى فرنسا خصوصاً وفى أوروبا بشكلٍ عام. ونظراً للتأثير الذى اعتراه جرَّاء الاتصال بجاكوبسون وأعماله، حملت أطروحة شتراوس للدكتوراه عنوان “بنى القرابة الابتدائية” (1949) التى أكَّد فيها أن علاقات القرابة – التى تعتبر جوانب أساسية لأى تنظيم ثقافى – تمثل نوعاً محدداً من البناء؛ إذ تعتبر الرسوم الجينية للآباء والأمهات والإخوة والأخوات نموذجاً لنظم القرابة التى تم تمثيلها فى صورة أبنية ([9]). وفى عام 1955، أصدر شتراوس كتاب “المدارات الحزينة – Tristes Tropiques”، الذى كان بمثابة سيرة ذاتية أنثروبولوجية، ثم أتبعه بكتابه الآخر “الأنثروبولوجيا البنيوية – Anthropolegie Structuralism” فى عام 1958 ([10]).

وتجدر الإشارة إلى أن ما طرحه شتراوس فى كتاباته بشأن المنهج البنيوى قد عُدَّ ثورة فى ذاته، ولاقى قبولاً واسعاً لدى الكثيرين، وجلب له شهرة كبيرة فى الوسط الفرنسى بشكلٍ خاص، والأوساط الغربية بشكلٍ عام. ولعل الذى ساعد على ذلك هو أن المنهج البنيوى قد ظهر كردة فعل على الأفكار الوجودية والماركسية التى كانت قائمة وسائدة آنذاك، والتى استغلت التشظِّى المعرفى بين الميادين الحياتية، وحالة العزلة بينها (ما عُرِف بالنظرية الذرية – Atomistic Theory) للادعاء بأن هناك عزلة مماثلة بين الإنسان وواقعه والعالم الذى يعيش فيه. الأمر الذى ولَّد لديه حينذاك شعوراً بالإحباط والضياع والعبثية، لاسيَّما فى ظل ما عاناه من ويلات الحرب العالمية الثانية. أمَا وقد تغيرت الظروف وحثَّت أوروبا الخطى نحو البناء والتعمير، ظهرت الحاجة إلى اتجاهات فكرية جديدة مفتوحة غير مغلقة، مرنة غير جامدة، تساعد على البناء والتنمية. ومن ثَمَّ، ظهرت الأصوات التى تنادى بالنظام الكلى المتكامل والمتناسق الذى يوحد العلوم ويربط بعضها ببعض، ومن هنا جاءت البنيوية كمنهجية شاملة تقوم بهذا الدور، وتحاول تفسير الظواهر الإنسانية كلها بشكل علمى، وتوجهت البنائية توجهاً شمولياً إدماجياً ينظر للعالم بأكمله، بما فى ذلك الإنسان، على أنه بناء هائل من مجموعة من العلاقات البنيوية المنظمة والمتناسقة ([11]).

ومن ثَمَّ، اعتبر البعض أن ظهور البنيوية فى الأوساط الغربية “قد ابتلع كل الأيديولوجيات والمناهج السابقة، ليصبح المهيمن صاحب السيادة والسلطة التوجيهية فى الفكر الغربى” ([12]). وبانتقال المنهج البنيوى من اللغويات إلى الأنثروبولوجيا على يد ليفى شتراوس، ونتيجة النجاح الكبير الذى انطوى عليه هذا الانتقال، ونظراً للاحتياج الفكرى سالف الذكر، تتابع انتقال البنيوية إلى ميادين وعلوم أخرى، حيث كان “جاك لاكان” Jacques Lacan(1901 – 1981) ([13]) رائداً للبنيوية فى التحليل النفسى، و”رولان بارت” Roland Barthes(1915 – 1980) ([14]) فى النقد الأدبى، و”جان بياجيه”Jean Piaget (1896 – 1980) ([15]) من خلال نظريته البنيوية فى المعرفة، والتى كان لها الدور الأكبر فى انتقال البنيوية إلى ميدان التربية، وغيرهم الكثير. وهكذا، نجحت البنيوية فى فرض نفسها على مجالات عدة كاللغة والأدب والأنثروبولوجيا وعلم النفس وكافة العلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى، بما فى ذلك العلوم السياسية.

بيد أن هذا الازدهار البنيوى لم يلبث أن واجه الكثير من الانتقادات والتحديات، حتى أخذ المشروع البنيوى فى الانهيار، وكان ذلك فى عام 1967 تحديداً، بتأثير عددٍ من المفكرين مثل جاك دريدا Jacques Derrida وجوليا كريستيفا Julia Kristeva، وغيرهما، وبتأثير الأحداث السياسية، ليعقب هذا المشروع تشكيلة متنوعة من ما بعد البنيويات التى انتشرت فى جميع أرجاء أوروبا والولايات المتحدة. وسنأتى إلى بيان ذلك عند الحديث عن الفكر ما بعد البنيوى فى الجزء المخصص له فى هذه الورقة. ولكن أولاً… ما هى البنيوية؟

البنيوية… لغةً واصطلاحاً:

    من تكوينها الحرفى، تُشتَق كلمة بنيوية من لفظة “بناء” أو “بنية”. و”تشير الدلالة اللغوية لكلمة “بنية” على أنها موضوع منتظم، له صورته الخاصة ووحدته الذاتية، فحين نتحدث عن البناء الاجتماعى أو بناء الشخصية أو البناء اللغوى، فإننا نشير بذلك إلى وجود نسق عام، أهم ما يتصف به هو عنصر النظام، فالبناء هو صورة منظمة لمجموعة من العناصر المتماسكة. ومن ثَمَّ، فإن التعريف المبسط للبناء أو البنية يقوم على اعتباره “مجموعة من العلاقات الثابتة بين عناصر متغيرة يمكن أن ينشأ على منوالها عددٌ لا حصر له من النماذج و]المعانى[” ([16]). وبالتالى، فإن “أى زيادة فى المبنى يفضى إلى زيادة فى المعنى؛ إذ يؤدى كل تحول فى البنية إلى تحول فى الدلالة؛ لأن كلمة “بنية” فى أصلها تحمل معنى المجموع والكل، وأنها عبارة عن عناصر متماسكة، يتوقف كلٌ منها على ما عداه، ويتحدد من خلال علاقته بما سواه” ([17]).

   أما من حيث التعريف الاصطلاحى العملى للكلمة، فيُذكَر أنه غير متفق عليه، رغم انقضاء ما يربو عن خمسة عقود منذ اشتهار الفكر البنيوى؛ والسبب فى ذلك يرجع إلى الأشكال المتنوعة العديدة التى تجلت فيها البنيوية؛ الأمر الذى حدا بميشيل فوكو –أحد رواد حركة ما بعد البنيوية كما سيأتى– إلى القول بأنه “من الصعب إعطاء مفهوم للبنيوية، وذلك لأنها تجمع اتجاهات ومباحث وطرقاً مختلفة؛ إنها مجمل المحاولات التى تقوم بتحليل ما يمكن تسميته بالوثيقة؛ أى مجمل العلامات والآثار التى تركها الإنسان خلفه، والتى ما زال يتركها إلى يومنا هذا” ([18]).

    وقد يكون استخدام البنيوية لكثيرٍ من المناهج والتطبيقات النقدية، التى يحاول كلٌ منها إعطاء فهم لدلالة لفظة البنية – هو الذى جعل من الأخيرة كلمة واسعة فضفاضة لا تكاد تعنى شيئاً، لأنها تعنى كل شىء. وفى ذلك يذكر تيرى إيجلتون: “أن كلمة بنيوية ذاتها تشير إلى منهج فى البحث يمكن تطبيقه على مجال كامل من الموضوعات، من مباريات كرة القدم وحتى أساليب الإنتاج الاقتصادية” ([19]).

     وللخروج من هذه الدائرة الخلافية، نذكر إجمالاً أن البنيوية “تُعنَى فى معناها الواسع بدراسة ظواهر مختلفة كالمجتمعات، والعقول، واللغات، والآداب، والأساطير، فتنظر إلى كل ظاهرة من هذه الظواهر بوصفها نظاماً تاماً، أو كلاً مترابطاً؛ أى بوصفها بنيةً، فتدرسها من حيث نسق ترابطها الداخلى لا من حيث تعاقبها وتطورها التاريخيين. كما تُعنَى أيضاً بدراسة الكيفية التى تؤثر بها بُنَى هذه الكيانات على طريقة قيامها بوظائفها. أمّا فى معناها الضيق والمألوف، فالبنيوية محاولة لإيجاد نموذج لكلٍّ من بنية هذه الظواهر ووظيفتها على غرار النموذج البنيوى للغة، وهو النموذج الذى وضعته الألسنية فى أوائل القرن العشرين… ]والذى يهتم بدراسة[ اللغة بذاتها ولذاتها”، وذلك على خلاف ما كان سائداً قبل ذلك من حيث نزوع الفلاسفة وعلماء الاجتماع ونقاد الأدب على دراسة اللغة من وجهات نظرهم المختلفة وتبعاً لغاياتهم المتباينة ([20]).

      ومن ثَمَّ، يمكن القول أن الهدف الرئيسى للبنيوية هو توفير منهجية موضوعية وعلمية عامة، قابلة للتطبيق على كافة ممارسات العلوم الإنسانية من خلال أطر ومفاهيم وآليات لغوية نموذجية تتكفل بتقديم وصف نظامى للبنية؛ بمعنى وصف القوانين والأحكام والقيود التى تجعل ظاهرةً ما تعمل كما تعمل اللغة من خلال التحكم فى منطق نظام البنية وأدائه ([21]).

ومن هذا المنطلق، أضحت البنيوية تتماس مع علوم كثيرة كالسياسة والاجتماع وعلم النفس، كما يتضح ارتباطها الوثيق باللسانيات وعلم اللغة؛ فاللغة هى المنشأ الأول للمنهج البنيوى، وهو بذلك فرع من اللسانيات. ولهذا لم تنكر البنيوية فضل علم اللغة عليها؛ إذ أرجعت أنواع الثقافات جميعها إلى اللغة، بعد دعواها أن الأخيرة هى المهيمنة على أنشطة الإنسان كافة، وقامت بتطبيق النظرية الألسنية على مواضيع أخرى غير اللغة ذاتها ([22]).

المنهج البنيوى… خصائص ومبادئ أساسية:

يتسم المنهج البنيوى بعددٍ من الخصائص والمبادىء العامة والأساسية، والتى جعلت منه منهجاً مثيراً فريداً يمكن تطبيقه على أىٍ من المجالات العلمية المختلفة. ولعل من المفيد قبل سرد هذه الخصائص العامة الإشارة أولاً إلى أن البنية موضوع منتظم، له صورته الخاصة ووحدته الذاتية، وأنها مجموعة من العلاقات الثابتة بين عناصر متغيرة يمكن أن ينشأ على منوالها عددٌ لا حصر له من النماذج والمعانى.

وهنا نأتي إلى الخصائص العامة للمنهج البنيوى ككل، وذلك على النحو التالى ([23]):

  • أسبقية الكل على الجزء:

من أهم المبادىء المسلَّم بها فى المنهج البنيوى هو وجود أسبقية للكل على الجزء. فالمنهج البنيوى يتميز بالنظرة الكلية إلى الموضوع أو الظاهرة محل البحث، وهو بذلك يتبع مدرسة الجشطالت[24] Gestalt التى تنظر إلى الكل قبل الجزء، بيد أنه يتميز عنها بأنه يبحث فى علاقات الأجزاء والبنى ببعضها البعض، بعكس الجشطالت التى تكتفى بمعرفة الكل وأجزائه بصرف النظر عن العلاقات التى تربط تلك الأجزاء .وبمعنىً أعم، فهو يسعى للتغلب على مشكلة التجزؤ والانقسام عبر محاولة التوصل إلى قواعد وثوابت كلية محددة فى كل الميادين البشرية. فالكشف عن “الكل المنتظم” هو الهدف النهائى من أى دراسة.

  • استقلالية الظاهرة وتجريدها عن روابطها الخارجية:

     يقوم المحلل البنيوى بعزل النص أو الظاهرة محل الدراسة عن الأحداث التاريخية والاجتماعية المرتطبة بكليهما ([25]). فهو منهج يدرس الشىء فى ذاته ولأجل ذاته، ويتعامل معه بعيداً عمَّا يدور خارجه، من قبيل علاقته بالواقع الاجتماعى أو الحالة النفسية للشخص المرتبط به، فيتم التعاطى مع هذا الشىء باعتباره بنية مستقلة فى نهاية المطاف ([26]). وخلاصة القول أن المنهج البنيوى لا يعتد بأى شىء خارج النص أو الظاهرة، ويرفع شعار “موت المؤلف”.

  • لا مركزية التحليل:

يتوقف مفهوم البنية والعلاقات بين البنى وبعضها على السياق بشكلٍ كبير، ما يمكن معه القول بأن الفكر البنيوى فكر لا مركزى؛ لأن محور هذه العلاقات لا يمكن تحديده مسبقاً، وإنما يختلف موقفه باستمرار داخل النسق أو النظام الذى يضم البنية مع غيرها من البنى.

  • الاهتمام بالنسق وإهمال المعنى:

يفترض المنهج البنيوى أن لكل مؤلف أو ناقد أو محلل تصوره الخاص عن البنية التى تشكل ظاهرة ما، ويعود السبب فى ذلك ببساطة إلى أن البنيوية تهمل المعنى وتهتم بالنسق وطريقة نظمه. وبالتالى، فإن النتيجة المترتبة على ذلك هى نسبية المعانى وتنوعها وتعددها من محلل لآخر، وذلك قد يكون فى المجال العلمى الواحد والظاهرة الواحدة، ناهيك عن حدوث ذلك بالطبع فيما بين ميادين العلوم المختلفة.

  • الاعتماد على القيم الخلافية والمتناقضة:

    يقابل المنهج البنيوى بين الظواهر أو المفاهيم المختلفة وينظمها فى سياقٍ واحد، مستغلاً اختلافها؛ إذ تعتقد البنيوية أن المفاهيم الجديدة يكون لها معنى أفضل فى الذهن حينما تتباين وتختلف مع مفاهيم أخرى. والكلمة الواحدة فى نسقٍ ما لا يُعرَف معناها إلا من خلال اختلافها عن الكلمات فى النسق ذاته ثم بالكلمات الأخرى داخل النص المحدد. وهكذا يعترف المنهج البنيوى بالفوارق بين الظواهر والمفاهيم المختلفة، محاولاً معرفة العلاقة بينها، وتنظيمها حول محور واحد بحيث تبدو كتنويعات مختلفة لشىءٍ يتسم بالتوافق والائتلاف .

  • الامتداد عمقاً لا عرضاً:

يهتم المنهج البنيوى بالدراسة التفصيلية لظواهر وموضوعات معمقة محددة؛ إذ من غير المجدى دراسة موضوعات كثيرة بشكل سطحى، فهذا لن يؤدى إلى أى نتائج ذات قيمة. ومن ثَمَّ، يعتقد المحلل البنيوى –أياً كان مجاله- أنه من الأفضل دراسة ظواهر قليلة بتحليل عميق، والمهم هو اختيار مواضيع تسمح بصياغة أحكام حاسمة لأنها تمثل غيرها تمثيلاً صحيحاً، عملاً بمبدأ القيم الخلافية والمتناقضة. وعليه، يمكن الادعاء بأن هذا المنهج يعتمد على الاستنتاج والاستنباط أكثر من اعتماده على الاستقراء .

  • الطبيعة التحليلية التركيبية:

فالمنهج البنيوى يقوم على تحليل الظاهرة إلى أجزائها وبنياتها المكونة لها لمعرفة العلاقات بين هذه الأجزاء وبعضها البعض، ومن ثَمَّ إعادة تركيبها من جديد فى بناء أشد قوة وأكثر رقياً. وعليه، فإن هذا المنهج يحاول استخدام أعلى المستويات المعرفية وأرفع الأداءات العقلية الممكنة للوصول إلى المستوى الإبداعى فى التحليل.

  • ازدواجية التحليل ما بين التجريبى والعقلى:

على الرغم من اهتمام المنهج البنيوى بالعقل قبل الحواس، ونظرته الدونية للمنهج التجريبى، إلا أن الخصائص المذكورة أعلاه تؤكد على أنه يقوم على خطوات ذات طابع تجريبى، كما يقوم على مبادئ ذات طبيعة عقلية، وهذه الطبيعة الازدواجية جعلت منه منهجاً علمياً متميزاً قائماً بذاته، يشكل مَعْلماً من معالم تطور المناهج العلمية فى العلوم الإنسانية والاجتماعية.

البنيوية والميادين العلمية: صورٌ وروَّاد:

سبق القول أن المنهج البنيوى قد شاع استخدامه فى كثيرٍ من الميادين العلمية، وكانت النتيجة أن ظهرت عدة صور أو مصطلحات مثل البنيوية الألسنية والأخرى الأنثروبولوجية والثالثة السياسية… إلخ. ولعل من المفيد فى هذا المقام التعرض إلى أكثر هذه الصور شهرة وروَّداها ولو بشىءٍ من الإيجاز.

  • البنيوية الألسنية:

وهى بنيوية ترتبط بعلم اللغة أو الألسنية أو اللسانيات، وتدور حول المفردات والكلمات اللغوية ودلالاتها والروابط التى يمكن أن تنبنى عليها ووفقها، ورائدها -كما سلف الذكر- هو فرديناند دو سوسور، وأعماله فى هذا الميدان تُعَد من أشهر ما تُوِّجَت به البنيوية الألسنية، كما كانت نبراساً انتقل فى ضوئه لُب النموذج البنيوى السوسورى إلى باقى الميادين العلمية. ولقد كان “العنصر الأساسى فى نظرية دو سوسور هو تصوره اللغة بوصفها نظاماً بنيوياً يشكل أساساً لكل استخدام لغوى أو لكل كلام، سواء كان نطقاً أم كتابةً. وثمة عنصر ثانٍ هو العلاقة –الاعتباطية فى جوهرها– بين أصوات اللغة والمفاهيم التى تعبر عنها هذه الأصوات (أى واقعة عدم وجود ما هو خنزيرى فى كلمة خنزير على سبيل المثال). وهذا ما يدعوه سوسور اعتباطية الدالول ]أى العلامة أو الإشارة – [Sign” ([27]).

“هذا فضلاً عن عناصر أخرى تشتمل على التمييز بين الدراسة التاريخية (التزامنية) للغة وتبدلها والدراسة (التزامنية) لبنيتها الداخلية فى لحظة معينة؛ والتمييز بين المحور التركيبى للغة، وهو المحور الذى تتم بواسطته سَلسَلَة وتجميع العلامات مع بعضها البعض، وما بين محور التداعى الذى يستدعى بواسطته كل دالول دواليل أخرى كثيرة ليست حاضرة، والتمييز بين نظامَى التقابل بين الأصوات والتقابل بين المفاهيم، الأمر الذى يساعد على الحد من اعتباطية الدالول” ([28]).

 ولقد مارس هذا النموذج السوسورى فى دراسة اللغة تأثيراً هائلاً على ألسنية النصف الأول من القرن العشرين، وظل يمارس بعض التأثير حتى منتصف الخمسينيات، حين أفسح المجال لقواعد البنيوية التوليدية أو التحويلية (أو نظرية النحو التوليدى) التى كان رائدها نعوم تشومسكى ([29]) Noam Chomsky. والواقع أن البنيوية التوليدية تُعَد مرحلة متقدمة على تلك اللسانية التقليدية التى ابتدعها دو سوسور، وهى تقوم على مبدأين: الأول مبدأ الاكتساب اللغوى؛ والذى يعنى أن اللغة يكتسبها الفرد منذ صغره من خلال بنية اللغة الضمنية التى يمتلكها بالفطرة والتى تمكِّنه من التعلم السريع لأى لغة، وعلى هذا الأساس يختلف الإنسان عن الحيوان. ثانياً: مبدأ الإبداع اللغوى؛ إذ ما دامت اللغة خصيصة إنسانية، تميز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية، فيُفتَرَض أنه يوجد ما يميزها، ولعل من أهم ما يميزها هو صفة الإبداع، بمعنى قدرة الإنسان على إنتاج وصياغة وتوليد وفهم عدد غير متناهٍ من جمل هذه اللغة حتى ولو لم يكن قد سمعها من قبل ([30]).

والحق أن البنيوية التوليدية قد اختلفت عن البنيوية التقليدية فى عددٍ من النقاط:

أولا: فمن حيث الموضوع؛ كانت بنيوية دو سوسور تتخذ من النصوص اللغوية موضوعاً لدراستها، على حين اتخذت المدرسة التحويلية من قدرة المتكلم على إنشاء الجمل التى لم يكن قد سمعها من قبل موضوعاً لها.

ثانياً: من حيث أسلوب الدراسة والتحليل؛ كانت الأولى تعتمد على وسائل الاستكشاف، فيما تؤمن الأخرى بضرورة الحدس والتخمين، ثم إجراء الاختبار لتقويم الفروض المتضاربة.

ثالثاً: من حيث الهدف؛ كانت الأولى تهدف إلى تصنيف عناصر اللغات المدروسة، بينما اهتمت الأخرى بتعيين القواعد النحوية الكامنة وراء بناء الجملة. وهذا يعنى الكشف عن وجود عدد غير متناه من الجمل فى أية لغة، وتوضيح أى نوع من سلاسل الكلمات تشكل جملاً، وأيها لا يشكل جملاً، وكذلك وصف البنية النحوية لكل جملة.

أخيراً: بينما رأت مدرسة دو سوسور أن لكل لغة بنيتها التى تتفرد بها، يرى التوليديون أن اللغات تتشابه على مستوى المقصود أى المعنى المراد العميق، ويحاولون الكشف عن هذه التشابهات الكلية ([31]).

  • البنيوية الأدبية:

وفقاً لما سلف ذكره، تطورت البنيوية الألسنية على يد رومان جاكوبسون الذى كان له كبير فضلٍ على انتقال المنهج البنيوى الى باقى الميادين العلمية من بعده، كما كان له الفضل أولاً أنه أدخل المنهج البنيوى فى مجال الأدب([32]). ولا حاجة للإشارة هنا إلى العلاقة الوثيقة بين اللغة والأدب، وبالتالى بين البنيوية الألسنية ونظيرتها الأدبية، ذلك لأن الأخيرة تعتمد فى صلبها على المفردات والكلمات والقواعد التى تشكل فى ذاتها قوام اللغة.

تجدر الإشارة إلى أنه عندما استشرى الفكر البنيوى فى أواسط القرن الماضى، حمل رولان بارت راية هذا الفكر فى المجال الأدبى فى فرنسا، وثار على النقد التقليدى الذى كان يفسر العمل الأدبى على ضوء حياة مؤلفه وبيئته وسيرته الذاتية والأحداث التى عاشها، راح النقد البنيوى يفعل العكس تماماً، لينسى ويتناسى حياة المؤلف ويعكف على تفسير النص الأدبى من خلال بنيته الداخلية فقط وتركيبته والنسيج اللغوى الذى يشكله، ثم يحاول بعد ذلك أن يفهم حياة المؤلف ودوافعه من خلال عمله الأدبى وليس العكس. ومن الجدير بالذكر هنا أن البنيوية الأدبية قد بالغت فى هذا النقد الشكلانى اللغوى، ولم تعد تهتم إلا بتحليل البنية الداخلية والعلاقات اللغوية والأساليب البيانية، ونسيت بذلك معنى العمل الأدبى وغايته وأهدافه وفلسفته. ولذلك، يُلاحَظ أن بارت ذاته قد ثار عليها فى مرحلةٍ لاحقة عندما انتقل من مرحلة البنيوية إلى مرحلة ما بعد البنيوية ([33])، كما سيأتى ذكره.

  • البنيوية الأنثروبولوجية:

وهى بنيوية تركز على الأصول الاجتماعية والثقافية للمجتمعات، وظهرت على يد كلود ليفى شتراوس ([34]). كانت بغية شتراوس الأولى هى الكشف عمَّا وراء النسق الخاص بتصنيف ثقافات الشعوب البدائية ونسق علاماتها ودلالاتها، منطلقاً من افتراض يقول بأن كل مؤسسة أو عادة أو خرافة إنما تستند أصلاً إلى بنية لا واعية، على الدارس الكشف عنها؛ إذ يتجلَّى من خلالها شكل النشاط العقلى البشرى بشكلٍ عام. ([35]).

 وفى هذا السياق، كشف شتراوس عمَّا أسماه بـ “نظام القرابة” الذى عكف عليه بالبحث والدراسة، والذى يعتبره “بنية تتشكل عناصرها من الأشخاص وتقوم العلاقات داخلها عبر نظم الزواج وقواعده”. كما اعتبر شتراوس أن النسق الاجتماعى هو مجمل العلاقات الاجتماعية التى تحدد حقوق الأفراد ومراكزهم الاجتماعية. ولقد قدم شتراوس فى كتابه “الفكر البرى”  The Savage Mind(1968) تصورا حول الذات الإنسانية في علاقتها بجدلية الثقافة والطبيعة، فالإنسان تحت وطأة البنيات تحول الى مجال تمارس فيه الأنساق والحتميات اللاواعية.

وتجدر الإشارة إلى أن شتراوس قد اشتبك مع جان بول سارتر فى الستينات من القرن الماضى فى معركة فكرية حول البنيوية والوجودية، حاول من خلالها إثبات آرائه الأنثروبولوجية ذات الصلة بالطبيعة البشرية. فقد اعتقد شتراوس بأن الوجودية هى فلسفة ذاتية وبالتالى غير علمية وغير موضوعية على عكس البنيوية. يُضَاف إلى ذلك أن الوجودية تعتقد بأن الإنسان حر فى حين أنه مقيد بقيود عديدة واعية أو غير واعية. فالبنيوية كما يفهمها شتراوس تعنى أن هناك بنية ذهنية عميقة تتحكم بتصرفات الأفراد وسلوكهم دون أن يدروا. وهناك ثوابت تتحكم بالطبيعة البشرية من خلال هذه التركيبة النفسية أو البنية العميقة الموجودة لدى كل فردٍ منا. ويرى شتراوس أن الطبيعة البشرية واحدة سواء أكنا فى مجتمعات بدائية أم مجتمعات متقدمة لأن الإنسان هو الإنسان أينما كان؛ فهو يحب ويكره ويحسد وينافس أخاه على الرزق والأموال فى كل مكان. وبالتالى فهناك صفات بنيوية للطبيعة البشرية لا تتغير ولا تتبدل. والإنسان محكوم بالبيئة والظروف والطبقة الاجتماعية التي وُلِد فيها أو الطائفة والقبيلة وليس حراً إلى الحد الذى يتوهمه سارتر. وبالتالى فالبنيوية تعبر عن الحتمية لا الحرية. وقد شرح شتراوس أفكاره هذه فى كتب عديدة مشهورة: كالأنثروبولوجيا البنيوية، والمدارات الحزينة، والعرق والتاريخ… إلخ ([36]).

  • البنيوية السياسية:

كان للعلوم السياسية هى الأخرى حظٌ من المنهج البنيوى، حتى ولَّدت العلاقة بين البنيوية والعلوم السياسية ما يُسمَّى بالبنيوية السياسية. وتؤكد البنيوية السياسية على البعد الاجتماعى المشترك للسياسة الدولية. وبالتالى، فإنها تركز أكثر على التنظيمات والمؤسسات الدولية، لأنها الأدوات التى يمكن من خلالها تحقيق وتعزيز الروابط التعاونية بين بنى المجتمع الدولى، والتى يُعنَى بها هنا الدول. يدَّعى البنيويون أن الدول تتمتع بهويات مؤسسية تتولد فى إطارها الأهداف الرئيسية التى تبحث عنها أى دولة مثل الأمن المادى والاستقرار والتنمية الاقتصادية والاعتراف من جانب الآخرين. ومع ذلك، تعتمد الطريقة التى تحقق عبرها الدول أهدافها على هوياتها الاجتماعية، والتى تُبنَى على أساسها المصالح الوطنية. وبالتالى، لا تستبعد البنيوية أن تعترى الفوضى النظامَ الدولى، بل تقول أنها –أى الفوضى- سمة أساسية لهذا النظام، نظراً لصعوبة –إن أمكن القول استحالة– القضاء على اختلاف وتناقض مصالح الدول، بيد أن الفوضى فى حد ذاتها لا تعنى شيئاً. فعلى سبيل المثال، تختلف الفوضى الناجمة عن الأصدقاء اختلافاً كبيراً عن تلك الناتجة عن الأعداء، ولكن الاثنين ممكنتان. ولكن أهم ما فى الأمر هو إمكانية تنوع البنى الاجتماعية –التعاونية والصراعية- فى ظل الفوضى. وبالتالى، يمكن القول أن علاقة الحرب الباردة التى نشأت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتى كانت بنية اجتماعية “صراعية أو عدائية”، حيث اعتبر كلٌ منهما الآخر عدواً له، وحدد مصالحه الوطنية وفقاً لمعايير عدائية، لكن عندما توقفتا عن النظر إلى بعضهما البعض وفقاً لهذه المعايير، انتهت الحرب الباردة ([37]).

هذا، ويُعَد الماركسى لويس ألتوسير ([38]) أحد أشهر البنيويين السياسيين الذين ذاع صيتهم فى فرنسا وأوروبا والعالم أجمع. ونظراً لاهتمامه باستعمال المنهج البنيوى فى تحليل الأفكار الماركسية، فقد أفضت جهوده إلى ظهور ما يسمى بـ “البنيوية الماركسية” فى المجال السياسى. ولقد حاول ألتوسير من خلال قراءة أعمال ماركس وضع دعائم بنيوية ماركسية ذات طابع علمى لا أيديولوجى، وسعى إلى اكتشاف الدور الأبستمولوجى الذى لعبته فكرة البنية فى تفكير ماركس العلمى. وفى هذا السياق، ادَّعى ألتوسير أن كل مستوى من الممارسات (الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية… إلخ) يشكل فى الفكر الماركسى بنية مستقلة نسبياً، ويتحدد “الكل الاجتماعى” بالبنية المعقدة المكونة من الترابط المنتظم للمستويات البنيوية كلها، وليست الممارسة الاقتصادية وحدها هى المحدد لهذا الكل، وإن كانت البنية الاقتصادية هى التى تلعب الدور الرئيسى فى توزيع الأدوار على الأفراد عبر تحديد مواقع هؤلاء الأفراد ومراكزهم فى مجال بنيوى من خلال العلاقات الإنتاجية التى تُعَد علاقات لبنية –طبقية– معينة. فى سياقٍ متصل، ادَّعى ألتوسير أن العناصر والعلاقات الاقتصادية التى تسهم فى تحديد النظام أو الواقع الاجتماعى عند ماركس لا تظهر على ما يقضى به الديالكتيك الهيجلى الزائف. ومن ثَمَّ، “جعل ألتوسير الواقع فى نظر الماركسية بنيوياً وليس ديالكتيكياً” ([39]).

  • البنيوية النفسية:

يشير جان بياجيه فى كتابه “البنيوية” إلى أن الدلالة التى ينطوى عليها مصطلح البنية قد ظهرت فى علم النفس مع بدايات القرن الماضى، وذلك على يد مدرسة فرزبرغ الألمانية للترابطية، والتى كانت تدعى “أن كل شىء يمكن تفسيره من خلال روابط وعلاقات ميكانيكية بين عناصر مسبقة كالمشاعر والصور” ([40]). لاحقاً، وتحديداً فى عام 1953، التقط عالم النفس جاك لاكان بعض المصطلحات البنيوية اللغوية التى ابتكرها دو سوسور، وأدخلها فى مجال علم النفس، ما أعطى قراءة جديدة لأعمال رائد التحليل النفسى فرويد ([41]).

لقد كان أهم ما دعا إليه لاكان هو إعادة قراءة أعمال فرويد، محاولاً الكشف عن أهمية دراسة اللاوعى الفرويدى باعتباره لغة ذات بنية خاصة ([42]). وقد اتخذ لاكان اللغة وسيلة للعبور إلى العالم الداخلى للإنسان؛ وقدم نظريته النفسية البنيوية وفقاً للتصور اللغوى البنيوى، وحجته فى ذلك أن اللغة هى أساس التواصل بصفة عامة، لاسيَّما بين المحلل النفسى والمريض. لذلك ذهب للقول بأن الاعتماد على نموذج اللغة البنيوى سوف يسهم فى تقديم وصف دقيق للاوعى أو اللاشعور بطريقة علمية، ويفصح عن ماهية الداخل الإنسانى بشكلٍ متميز ([43]). ونتيجة لذلك، اشتهر النموذج اللاكانى النفسى بعبارة “بنية اللاوعى تشبه بنية اللغة” ([44]).

  • البنيوية التعليمية أو المعرفية أو التربوية:

يُنظَر إلى البنيوية فى هذا الميدان على أنها كناية عن عملية التعلم؛ إذ تعنى أن معرفة الإنسان تتم عبر عملية تعليمية تراكمية نشطة، كالبناء. ويُعَد رائد هذا الميدانِ السويسرىُّ جان بياجيه الذى ابتكر مصطلح “بنيوية المعرفة” الذى يعنى “أن الفرد هو الذى يبنى معرفته”. فقد دعا بياجيه إلى ربط بناء المعرفة بنمو الفرد منذ طفولته؛ ذلك لأن الطفل يُولَد ولديه اتجاهان فطريان هما: التنظيم والتكيف. وبينما يُعَد التنظيم عملية عقلية مسئولة عن استقبال المعلومات ووضعها فى تراكيب معرفية موجودة عند الفرد، فإن التكيف يعبر عن تعديل هذه التراكيب أو الأبنية المعرفية لتناسب ما يستجد من مثيرات ([45]) .

هذا، ويميز بياجيه بين ثلاثة أنماط من المناهج التعليمية: المناهج اللفظية التقليدية، والمناهج النشطة، والمناهج الحدسية. ويرى أن المنهج النشط هو أفضلها باعتباره متسقاً مع نظريته فى توجيه نشاط المتعلم الخاص للوصول إلى الحقائق بنفسه والحصول على معرفته وتكوين بنياته بذاته؛ إذ إن هدف التربية عند بياجيه هو تكوين الذكاء وليس تأسيس الذاكرة. أما عن طرائق التعليم، فإن بياجيه ينتقد الطرائق التقليدية فى الحصول على المعارف، من خلال ذكاء الآباء والمعلمين أو من خلال لغتهم، مؤكداً أن المفاهيم لا تُدرَك بالاستماع السلبى بل تُبنَى بالفعل والعمل، فالفعل يكوّن صوراً ذهنية من شأنها تشكيل بنى تنظيمية لأفعال جديدة، والسبيل إلى ذلك هو التدريس من خلال النشاط البنيوى للمتعلم الذى يتيح أمامه فرص الاكتشاف المعرفى لنمو وتعديل بنياته ([46]).

البنيوية فى الفكر العربى:

لقد ظهر المنهج البنيوى فى الساحة العربية فى أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين، وذلك عبر التواصل الثقافى والترجمة والتعلم فى الجامعات الأوروبية. وكانت بداية ظهور هذا المنهج فى شكل كتب مترجمة ومؤلفات تعريفية للبنيوية، لتصبح لاحقاً منهجية مستخدمة فى الدراسات النقدية والأطروحات العلمية. هذا، ويمكن القول بأن الدول العربية الفرانكفونية هى السباقة إلى تطبيق البنيوية، وخاصة دول المغرب العربى ([47]).  

يشير أحد عمالقة البنيويين العرب “يوسف وغليسى” إلى أن كتاب الناقد التونسى حسين الواد “البنية القصصية فى رسالة الغفران” (1972) ربما يكون أول الحصاد النقدى البنيوى العربى، “تلته جهود أخرى تشاطره المنطلق المنهجى البنيوى على اختلاف آلياته واتجاهاته، منها: كتاب الدكتور كمال أبو ديب “فى البنية الإيقاعية للشعر العربى” (1974) ثم كتابه اللاحق “جدلية الخفاء والتجلى: دراسات بنيوية فى الشعر” (1979) وكتاب محمد رشيد ثابت “البنية القصصية ومدلولها الاجتماعى فى حديث عيسى بن هشام” (1975)، وكتاب إبراهيم زكريا “مشكلة البنية” (1976)، و”الأسلوب والأسلوبية: نحو بديل ألسنى فى نقد الأدب” (1977) لعبد السلام المسدى، وكتاب صلاح فضل “نظرية البنائية فى النقد الأدبى” (1978)، وكتاب محمد بنيس “ظاهرة الشعر المعاصر فى المغرب” (1979)…” إلخ ([48]). ويُلاحَظ من هذا السرد أن أغلب استخدامات المنهج البنيوى فى الفكر العربى يجىء فى ساحة النقد الأدبى، ولا يعدو فى أكثر الأحوال تناول المنهج البنيوى والمجالات التى تستخدمه بشكلٍ عام. كما يُلاحَظ أن البنيوية الماركسية أو التكوينية هى أكثر الروافد البنيوية الأدبية النقدية انتشاراً فى العالم العربى على نحوٍ لم يُتَح للبنيوية الشكلية، ولعل سر هذا الانتشار يعود إلى الهيمنة التى مارستها الاتجاهات الماركسية فى كثيرٍ من البيئات العربية.

هذا، ومن أشهر البنيويين العرب: محمد بنيس وعبد الله محمد الغذامى وعبد السلام المسدى وفاضل ثامر وعبد الله إبراهيم ويوسف وغليسى وصلاح فضل ويمنى العيد وغيرهم. وقد اختلف المفكرون العرب حول توصيف البنيوية؛ هل هى منهج أو نظرية أو فلسفة أو مذهب فكرى؟ وهل هى تيار أو اتجاه أو مدرسة؟  وقد اعتبر عبد الله محمد الغذامى البنيوية منهجاً: “البنيوية من واقعها ليست مذهباً، وما هى بنظرية، وليست فلسفة، ولكنها منهج. ومن حيث كونها منهجاً، فبالتالى أداة للرؤية، وميزة أداة الرؤية أنها شىء خاضع لمستخدمها، والمستخدم هو الذى يستطيع أن يجعلها مفيدة أو غير مفيدة”، ويتفق مع هذا المنحى كلٌ من فاضل ثامر وعبد الله إبراهيم ويوسف وغليسى، فى حين أننا نجد صلاح فضل قد اعتبر البنيوية نظرية، وهذا ما يمكن استشفافه من عنوان كتابه “نظرية البنائية فى النقد الأدبى” ([49])، أحد المراجع الأساسية المعتمد عليها فى هذه الورقة. 

بعد كل هذا، ولمَّا كانت أغلب الاستعانة بالمنهج البنيوى من قِبَل المفكرين العرب تتم فى مجال النقد الأدبى، الذى يعتمد فى المقام الأول على اللغة ودقائقها، فإنه تجب الإشارة إلى نقطة مهمة للغاية فى هذا المقام، وهى أن بعض البنيويين العرب قد ادَّعوا أن نظرية “النظم” التى ذكرها عبد القاهر الجرجانى فى كتابه دلائل الإعجاز تعنى المفهوم البنيوى فى شكله اللغوى أو الألسنى، بل إن نظرية النظم عند الجرجانى هى أساس الدراسات البنيوية الحديثة، ومن ذلك ما ذكره جودت الركابى: “ما رأيكم فى هذا الكلام –يقصد نظرية النظم عند الجرجانى– الذى قبل قرون سحيقة على لسان عبقرى من عباقرة لغتنا، وأية نظرة صائبة فى بيان اللفظ بالمعنى أو ما يسميه نقادنا العرب بـ (السياق)”. كما صرَّح بذلك البنيوى العربى محمد مندور بقوله: “وفى الحق، إن عبد القاهر قد اهتدى فى العلوم اللغوية كلها إلى مذهب لا يمكن أن نبالغ فى أهميته، مذهب يشهد لصاحبه بعبقرية منقطعة النظير. وعلى أساس هذا المذهب كوَّن مبادئه فى إدراك “دلائل الإعجاز”. مذهب عبد القاهر هو أصح وأحدث ما وصل إليه علم اللغة فى أوروبا لأيامنا هذه، هو مذهب العالم السويسرى فرديناند دو سوسور الذى تُوفّى سنة 1913″ ([50]).

بيد أن هناك فرقاً بين مفهوم المنهج البنيوى والذى يعنى –كما سبق– منهجية تقوم بتحليل النص وتفسيره بمعزل عن محيطه الخارجى، بينما نظرية النظم عند الجرجانى تعنى “أن تضع كلامك الوضع الذى يقتضيه علم النحو، وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التى نُهِجَت، فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التى رُسِمَت لك فلا تُخِلّ بشىءٍ منها”. من جهةٍ أخرى، بينما يقوم المنهج البنيوى بعزل النص عن قائله وفكره ووجدانه، وكل ما يحيط به من مؤثرات، ما يؤدى إلى التعامل مع النص على أنه قالب جامد، ثم تفسيره بمعانٍ غير مقصودة قد لا يحتملها النص، فإن نظرية الجرجانى تهتم ببيان معانى النص والكلمات، والقيام بتتبع معانى النحو، وعدم ابتكار معانى جديدة لا يقصدها صاحب النص أو بعيدة عن مراده؛ إذ تحاول النظرية الوصول إلى هذه المعانى وفقاً لما يريده المؤلف عبر الالتزام بضابط القواعد النحوية ([51]). وعلى هذا، يمكن القول أن نظرية الجرجانى -وإن كانت متقدمة فى عرضها– تختلف عن مفهوم البنيوية وفق ما ذُكِر أعلاه. بيد أنه يمكن وضعها –أى النظرية– فى سياق الانتقادات التى تم توجيهها للمنهج البنيوى، وذلك طبقاً لما سيأتى ذكره.

إشكالاتٌ وانتقادات:

فى الواقع، هناك العديد من القضايا والإشكالات النظرية والتطبيقية التى اعترت عالم البنيوية بتفريعاته المتنوعة ممارسة وتنظيراً، ما أثار عدداً لا بأس به من الانتقادات التى طالت لُب المنهج البنيوى. فنجد ليونارد جاكسون Leonard Jackson إلى وسم كتابه بـ “بؤس البنيوية” The Poverty of Structuralism ويكأنه يرثيها، تعبيراً عن الأزمة التى حلَّت بها جرَّاء الإشكالات والانتقادات العديدة التى واجهتها. وإجمالاً، تمكن الإشارة إلى أكثر هذه الانتقادات حدة فى النقاط التالية:

  • يتميز مصطلح البنيوية بالمرونة إلى حدٍ كبير، والتى جعلته لا يخلو من الإيهام والاختلاط، فتواترت عليه محاولات توصيفية مختلفة، وغنى عن القول هنا أن هذا عائدٌ بالأساس إلى نسبية مفهومه والاختلاف حول تحديد ماهيته وتشخيصه ([52]).
  • نظراً لاعتماد المنهج البنيوى إلى حدٍ كبير على النموذج الألسنى لدو سوسور، فقد ذهب البعض إلى أن البنيوية تنفى وجود أى واقع غير واقع اللغة؛ بمعنى أن الواقع فى نظر المنهج البنيوى ألسنى بأكمله ([53])، وذلك حتى لو كان ذلك فى الميدان السياسى أو الأنثروبولوجى أو النفسى … إلخ. وإذا كان الأمر كذلك بالفعل، فقد اتُهِم نموذج دو سوسور بأنه “عاجز منطقياً عن تقديم نظرة وافية فى اللغات البشرية… ]ما يجعل[ من المستحيل على نموذج اللغة البنيوى أن يفى بالغرض فى الميادين الأخرى، كالأنثروبولوجيا والتحليل النفسى وغيرهما من الميادين التى تم استخدام هذا النموذج فيها… وتتمثل نقاط الضعف هذه فى أن النموذج السوسورى لا يشتمل على تصور وافٍ للنحو أو التركيب، وفى أن فكرته عن المقولة الأساسية فى هذا النموذج، وهى الدالول، فكرة مضطربة مشوشة؛ والأهم من ذلك كله هو تصور هذا النموذج بوصفه “نظاماً من التقابلات المحضة دون أى حدود إيجابية ثابتة”، فلا يكون لدالّ معين كالصوت “cat” أى معنى إلا بتقابله مع دول أخرى كالصوت “dog”” ([54]).
  • بإيمانها باستقلالية الظاهرة وتجريدها عن روابطها الخارجية، والتركيز عليها بذاتها ولأجل ذاتها، فإن البنيوية تهمل خصوصية هذه الظاهرة وملابسات نشوئها، بما فى ذلك إهمال ذات المؤلف ودوافعه النفسية والاجتماعية التى أدت إلى إبداع الظاهرة محل التحليل. وهذا لا يستقيم إطلاقاً؛ فالأعمال الأدبية -على سبيل المثال– لا تعدو أن تكون ظواهر اجتماعية ينتجها الإنسان ويتفاعل معها، والشاعر أو الأديب عضو فى المجتمع الذى يعيش فيه، ويتأثر بسماته وطباعه، وبالتالى لا يمكن عزل العمل الأدبى عن سياقه الاجتماعى أو عمَّا يربطه بمؤلفه ([55]). وعليه، فإن البنيوية قد أخطأت أولاً حين عزلت العوامل الخارجية عن الظاهرة، بما فى ذلك التاريخ بشكلٍ تام، وأخطأت ثانيةً حين قضت بـ “موت المؤلف” أى الشخص الذى أبدع الظاهرة، لصالح التركيز على النسق والسياق.

ولعل من أخطر ما يتعلق بهذه النقطة فى ضوء التمسك بالشكل لا بالمضمون هو اعتبار البعض البنيوية منهج مادى بحت؛ إذ من هذا المنطلق المادى، لا تقيم البنيوية أية قيمة لمضمون العمل أو قيَمه أو الفكر الذى يتضمنه أو التأثير الذاتى الخاص بصاحب العمل. وفى سبيل حرصها على اكتشاف بنية مستقلة لكل شىء، تنظر البنيوية إلى الأشياء جميعها على أنها ذات نظام متكامل أو بنية مستقلة قائمة بذاتها ولا تحتاج إلى أى شىء خارجها، ما يجعلنا نواجه فى نهاية المطاف إلغائها لفكرة السبب والمسبب، وفكرة الخالق المدبر. يُضَاف إلى ذلك أن المنهج البنيوى لا يبالى أبداً بالقيمة الثقافية للعمل الأدبى، وينظر إلى النصوص جميعاً مهما كان موضوعها أو مصدرها على أنها سواء من حيث القيمة المعرفية ([56]).

ومن ثَمَّ، فإن البنيوية قد تخلق نوعاً من العبثية فى ظل انتشار البنى المستقلة بذاتها، التى لا تمييز بين الأجوف والنفيس منها، وهذا الأمر فى جوهره لم يختلف كثيراً عن الرؤى الماركسية أو الوجودية التى ادَّعى البنيويون أن منهجهم هو المنوط به معالجة حالة الإحباط والعبثية التى أفضت إليها هذه الرؤى. وبمثل ما يمكن القول أن الماركسية والوجودية قد عزلتا الإنسان عن واقعه وعالمه، بل وعن خالقه، فإن البنيوية قد عزلت الظاهرة عن مبدعها، سواء كان المبدع هو الإله أو الإنسان. وبالمثل أيضاً، فإن الأثر النهائى لجميعهم واحد، ألا وهو نشر العبثية، وما تؤول إليه من شعورٍ بالضياع.   

  • بسبب اهتمام البنيوية بالنسق على حساب المعنى، ولأن الفكر البنيوى يتسم باللامركزية؛ نتيجة عدم التحديد المسبق لمحور العلاقات بين البنى، فإن هذا المحور يختلف باستمرار داخل النسق الواحد. ولمَّا كانت الكلمة الواحدة فى النسق اللغوى لا يُعرَف معناها إلا من خلال اختلافها عن الكلمات فى النسق ذاته ثم عن الكلمات الأخرى داخل النص، “فلا يمكن للمعنى أن يكتمل إلا بقراءة النص كاملاً، الذى بدوره -أى النص– يحيل القارىء إلى نصٍ ثانٍ يحيله إلى نصٍ ثالث، وهكذا، وهذا يعنى أن المراد من المعنى النهائى للنص لا يمكن فهمه إلى ما لا نهاية”. من جهةٍ أخرى، فإن إهمال المعنى لصالح النسق يؤدى إلى اختلاف تصورات المؤلفين والنقاد حول بنية الظاهرة محل التحليل، وهذا يقتضى التحليل لكلمة بنية لدى كلٍ مؤلف أو ناقد، بل أحياناً تحليلها لدى المؤلف أو الناقد الواحد فى كل كتابٍ له على حدة، هذا إلى جانب ما يسفر عنه ذلك من تعددية فى معنى البنى والسياق ([57]).
  • هذا، ومن الإشكالات التى أثارتها البنيوية فى الميدان التربوى ما يلى :أولاً: ليست كل المعرفة يمكن بناؤها بواسطة الطلاب؛ إذ توجد أنواع من المعرفة –خاصة بعض أنواع المعرفة التقريرية– يصعب أو يستحيل تنميتها من خلال المنهج البنيوى مثل: كتلة الإلكترون، وسرعة الضوء. مثل هذه المعارف ينبغى تزويد الطلاب بها، ولا ننتظر منهم القدرة على بنائها واستنتاجها .ثانياً: التعقيد المعرفى أثناء التعلم؛ فالمنهج البنيوى غالباً ما يتضمن مشكلة يسعى الطلاب لإيجاد حلول لها، كلٌ بطريقته الخاصة، ولذا لابد أن يتزود الفرد بخلفية معرفية منظمة وثيقة الصلة بموضوع المشكلة، وعندما تغيب هذه المعرفة أو تكون غير منظمة فإن المشكلة سوف تتسم بالغموض والتعقيد، مما يدفع الطالب إلى المحاولة والخطأ أو الانسحاب كلية من الموقف .ثالثاً: مشكلة التقويم؛ فالمنهج البنيوى لم يقدم صيغة متكاملة ومقبولة عن التقويم يساير إطاره الفلسفى والتربوى، إذ يرفض البنيويون الاختبارات الموضوعية، وذلك انطلاقاً من تصورهم الفلسفى بأنه لا توجد حقيقة موضوعية يسعى التعليم لتنميتها، فالحقيقة مرتبطة بالذات، وكل واحد يكوِّن حقائقه بطريقته الخاصة. رابعاً: مشكلة القبول الاجتماعى للمنهج البنيوى فى التعليم؛ فالمجتمع –ممثلاً فى الآباء والمعلمين والسياسيين والاجتماعيين– يريد بالدرجة الأولى تعليماً يزود الطلاب بالمعارف المختلفة، وينقل التراث الثقافى من جيل إلى جيل، وهذا أمر لا يبدو واضحاً فى المنهج البنيوى الذى يركز على تزويد الطلاب بأهم المفاهيم والمعلومات الأساسية لبناء المعرفة، ويترك لهم حرية تحصيل تلك المعرفة كل على حدة .أخيراً: مقاومة المعلمين للمنهج البنيوى فى التعليم؛ إذ إن أى ابتداع فى المجال التربوى يصطدم دائماً بطائفة من المعلمين المعارضين للإبداع بسبب تعودهم على نمط معين من التدريس، أو لعدم كفاءتهم فى ذلك المجال. وينطبق الأمر على المنهج البنيوى الذى يتطلب نوعية خاصة من المعلمين المؤهلين والمقتنعين بجدواه فى التعليم ([58]).
  • فى الميدان السياسى، وانطلاقاً من كونه يؤكد على ضرورة التعرف على البنى القائمة لتفسير الحدث –سواء كان صراعياً أم تعاونياً– وفهمه فى ضوئها، انتُقِدَ المنهج البنيوى بأنه يفتقد الميزة التنبؤية، بمعنى أنه لا يمكنه التعرف على البنى المختلفة المسئولة عن تحديد سلوكيات الجماعات أو الدول فى المستقبل؛ فهو منهج يحلل الحدث السياسى وقت حدوثه، دون أن يتعدى هذا الظرف الزمنى، ما يحول دون قدرته على توفير رؤية مستقبلية بشأن طبيعة العلاقات والبنى المتنوعة بين الجماعات والدول المختلفة ([59]).

ما بعد البنيوية (Post-Constructivism or Post-Structuralism):

يُعَد مصطلح ما بعد البنيوية ([60]) تطوراً طبيعياً للمنهج البنيوى الذى انكبَّ مَن فُتِن به على تطويعه واستخدامه قدر الإمكان لتلبية الرغبات البحثية المتنوعة، ما أدى إلى أن استشرى فى كثيرٍ من مجالات الفكر البشرى. ورغم هذا، فإن هذا المصطلح يُعد نقداً فى حد ذاته للمنهج البنيوى الذى اعترته مجموعة من المثالب التى كان من المستحيل التغافل عنها. والحق أنه يصعب القول أن ما بعد البنيوية تعتبر منهجاً تالياً على المنهج البنيوى؛ إذ نعجز عن تأكيد ذلك؛ فمن جهة، تُعَد الأفكار والمناهج والمصطلحات الغربية التى وقعت عليها أعيننا أثناء صياغة هذه الورقة متداخلة -بشكلٍ أو بآخر- على نحوٍ غريب، ما قد يسفر عن خلطٍ مُشكِل، وربما يُفسَّر ذلك بتعدد اهتمامات الشخصيات الفكرية الرائدة المذكورة وموسوعية أبحاثهم، والتى نجدها تشمل جوانب متنوعة من العلوم المختلفة كعلم النفس والأدب واللغة والأنثروبولوجيا والتاريخ… إلخ.

من جهةٍ أخرى، وارتباطاً بالنقطة السابقة، فإنه قد يصعب تحديد الفاصل الزمنى لانهيار منهج معين وبداية آخر. ومما ندلل به على ذلك أن هناك مَن يعتبر أن البنيوية قد شاعت فى خمسينيات القرن الماضى واستمرت إلى ما بعد ثمانينياته، فيما يعتبر آخرون أن نهاية البنيوية قد بدأت منذ عام 1967، على إثر المحاضرة الشهيرة التى ألقاها جاك دريدا فى جامعة جونز هوبكنز الأمريكية بعنوان “البنيوية فى العلوم الإنسانية” فى عام 1966، والتى عُدَّت الانطلاقة الأولى لسهام النقد الموجهة نحو البنيوية وبداية ظهور مصطلح ما بعد البنيوية([61]). وتوفيقاً بين هذه التواريخ يمكن القول أن ما بعد البنيوية هى حركة نقدية للبنيوية ذاتها، والتى نرى من الأفضل عدم وضع نهاية لها- أى للبنيوية؛ فعلى سبيل المثال، لم تنقضِ البنيوية الأنثروبولوجية المنوطة بليفى شتراوس –الذى توفى عام 2009– بظهور النقد ما بعد البنيوى منذ عام 1967.

بعد كل هذا، يجب التأكيد على أن جاك دريدا ([62]) هو الشخص الملهم الذى لم ينازعه أحد لحركة ما بعد البنيوية، ويرجع ذلك فى المقام الأول إلى أنه قد خصّص جزءاً مهماً من كتاباته لقراءة الأعمال النظرية لمعاصريه قراءة متأنية ولفضح بعض ما فيها من فرضيات لم تُمحَّص. ودريدا، شأنه فى ذلك شأن بارت وفوكو، مناهض بشدة لنظم الفكر المتعالية التى توهم أتباعها بأنهم هم المهيمنون فكرياً على مَن هم دونهم ويحكمون عليهم طبقاً لرؤاهم الفكرية الخاصة، كما أنه أيضاً دائم الحركة فى أنحاء المشهد الفكرى ([63]). وفى هذا المقام، تجب الإشارة إلى أن بارت وفوكو ودريدا ليسوا هم الوحيدون ذائعو الصيت عند إثارة الحديث عن ما بعد البنيوية؛ فهناك أيضاً جوليا كريستيفا ([64]) وجيل دولوز ([65]).

وإجمالاً، فإن حركة ما بعد البنيوية قد خرجت إلى النور عبر شيوع مصطلحين أساسيين فى سماء الفكر الغربى، وهما التفكيكية والسيميولوجيا أو السيميوطيقا. ونرى من المفيد الإشارة إلى كلتيهما بإيجاز فى السطور التالية.

  • التفكيكية (Deconstruction):

يُقصَد بالتفكيكية العمل على تفكيك الخطابات والنظم الفكرية بهدف الوصول إلى محور معانيها ومقاصدها، أى العمل على فك الارتباطات المفترضة بين اللغة وكل ما يقع خارجها، بهدف النظر فى خبايا الشىء وفهمه، بما يعنى إنكار قدرة اللغة على أن تحيلنا إلى أى شىء أو إلى أى ظاهرة إحالة موثوقاً بها. ويتخذ التفكيك عدة مظاهر، فأحياناً يظهر بصورة فلسفية أو سياسية أو فكرية، أو على شكل أسلوب فى القراءة. والقراءة التفكيكية تهدف لخلق شرخ بين ما يعرضه النص بشكلٍ صريح، وبين ما يحمله من معانٍ خفية، كما تهدف إلى الوصول لأساس الشىء ومصدره لكشف حقيقته المخفية، فكأنها تعبر عن محاولات قراءة ما بين السطور. وهكذا عُدَّت التفكيكية إحدى أهم الحركات فى النقد الأدبى والفلسفى ([66]). وهكذا عُدَّت نقداً للمنهج البنيوى الذى يقتصر على كشف بنى نصٍ أو ظاهرةٍ ما والتعرف على الروابط القائمة بين هذه البنى دون تجاوز ذلك.

ولقد برز مصطلح التفكيكية أول ما ظهر على يد دريدا فى ثلاثة كتب أصدرها دفعة واحدة فى عام 1967، وهى: “فى علم الكتابة أو فى علم النحو – On Grammatology” و”الكتابة والاختلاف – Writing and Difference” و”الكلام والظواهر –Speech and Phenomena”. وهكذا، أُطلِق على دريدا رائد التفكيكية، ثم سايره فى استخدام ذلك كلٌ من جيل دولوز وميشيل فوكو وغيرهم الكثيرين، لاسيَّما من مفكرى الولايات المتحدة الأمريكية ([67]). ومن أهم ما قامت عليه التفكيكية هو ما جاء به الفيلسوف فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche.

 ومن أهم المبادئ التى انبنت عليها التفكيكية المبدآن التاليان ([68]):

  • مبدأ جينالوجى Geneology: وهو مبدأ مرتبط بالتاريخ والأخلاق، ويهدف للحفر وراء الظواهر بهدف الكشف عن المحركات الخفية الكامنة ورائها.
  • نقد التمركز: وهو المبدأ الذى يقوم بنقد وجود شىء محورى أو مصدر متعالٍ للحقيقة المطلقة؛ إذ يحاول “تعرية المنطق الذى يصون قوة نظام محدد من الفكر، وقوى نظام كامل من البنى السياسية والمؤسسات الاجتماعية”، فهو يرفض “التقاليد والقراءات القائمة المعتمدة أو المتوارثة” ([69]).
  • السیميولوجیا أو السيميوطيقا (Semiotics or Semiology):

   تدلّ كلمة السيميولوجيا على العلم المرتبط بالعلامات والدلالات، فهو “علم العلامات”، وهى ترادف كلمة السيميوطيقا فى مضمونها ومعناها وكل ما هو منوط بها، وتعد السميولوجيا أحد المناهج التى تسعى لدراسة العلامات اللسانية وغير اللسانية دراسة منظمة منتظمة؛ إذ يقوم بدراسة الشيفرات والأنظمة التى تساعد على فهم الأحداث والأدلة بوصفها علامات دالة لها معنىً محدد، وتعمل على دراسة علاقة العلامات بالأنماط المختلفة فى حياة المجتمع ([70]).

والواقع أن مضمون السيميولوجيا ليس حديثاً، بل يعود تاريخه إلى بداية إدراك الإنسان القديم للعالم المحيط به وإقدامه على التواصل معه، أما السيميولوجيا كعلم فقد نشأت بذورها الأوروبية على يد عالم اللغويات السويسرى فرديناند دو سوسور الذى أشرنا إليه سابقاً، وساعد على انتشار السيميولوجيا –ولعله من المفارقات- المنهج البنيوى، بينما عُدَّ رولان بارت الرجل الأساس ذات البصمات الأولى لسبر أغوار هذا المصطلح والتفصيل فيه إلى حدٍ بعيد، وكانت جوليا كريستيفا ممَّن سلك هذا النهج بشدة ([71]).

ومن الجدير بالذكر أن سيميولوجية بارت مكونة من أربعة عناصر رئيسية هى ([72]):

  • اللغة والكلام: فرق بارت بين اللغة باعتبارها مجموعة من الأنظمة والقواعد التى تمتلكها مجموعات بشرية للتواصل، وبين الكلام الذى يعرفه بكونه التجلى التطبيقى للأنظمة اللغوية.
  • الدال والمدلول: يوضح بارت العلاقة بين الدال والمدلول فى علم السيميولوجيا بكونهما مختلفان ومتقابلان، فالدال لا يمكن أن يكون مدلولا. ومن جهةٍ أخرى، فإنهما مرتبطان وظيفياً، بمعنى أن الدلالة هى العلامة التى ترتبط بالاستعمال فى موضع معين، ولا أهمية لها دون وجودها مع الدال فى وقت معين.
  • المركب والنظام: يربط بارت بين اللغة والكلام والعلاقات التركيبية لهما؛ إذ تتمثل هذه العلاقات بالتراكيب التى تتكون من مجموعة من الكلمات المترابطة معاً، وإذا حدث ترابط بين هذه التراكيب بشكلٍ متسلسل فإنه ينشأ عنها ما يُسمَّى بالنظام.
  • التقرير والإيحاء: يُفيد التقرير والإيحاء بفهم الدلالة الإيحائية للنص، ويتسع هذان المفهومان ليشكلا مفهومَى التعبير والمضمون؛ والتعبير هو الذى يدل على الجانب اللغوى الخارجى أو الغلاف الذى يجسد الفكرة بصورة مختلفة، كالغلاف الصوتى أو الحركى أو الخطى. أما المضمون فدوره مرتبط بالفكرة التى تقدمها اللغة التعبيرية.

خاتمة:

بالطبع، لا يمكن لأحدٍ إنكار الدور الذى لعبته البنيوية كمنهج فى إثراء العلوم والأبحاث بوجهٍ عام، رغم ما نالها من انتقادات جمَّة. فهى كأى منهج مُعرَّض للأخذ والرد والتأكيد والتعديل والإقصاء. ودون الوقوف موقف المدافع عن المنهج البنيوى فى التحليل، إلا أنه يجب الإقرار بقدرته الفذَّة على جذب الكثير من المفكرين فى الميادين العلمية المختلفة لمحاولة بحث “البنى” المختلفة، كلٌ فى مجاله. وفى العرض السالف الدلالة الكافية على ذلك.

بيد أن قضية الانتقادات كانت طبيعية للغاية، بل يُخيَّل للمرء أنها اقترنت بمراحل نمو وتطور المنهج البنيوى ذاته، لاسيَّما فى الميدان الأدبى منه؛ إذ إن عزل البنية بوصفها كل مستقل عن أى عامل خارجى يُعَد فى كثيرٍ من الأحيان هضماً وإنكاراً لجوانب أخرى ذات صلة وثيقة بالبنية، وفى مقدمتها الملابسات والتطورات التاريخية وذاتية مؤلف أو مبدع البنية. ولقد سبق القول أن من خصائص البنية القدرة على التحول والتنظيم الذاتى للحفاظ على وحدتها واستمراريتها؛ فكيف يمكن للمرء أن يستوعب فكرة التحول دون أى أثر لعامل خارجى؟ إذ إن التحول لا محالة ينتج عن سبب، أياً كان مصدره أو شكله.   

من بين أمور أخرى يُشَار على وجه الخصوص إلى فكرة مادية المنهج البنيوى النابعة من المشكلة السابقة؛ ألا وهى استقلال البنية. ويمكن القول أن فكرة المادية هذه تظهر عند التعامل مع النصوص الدينية أو النصوص المقدسة على اختلافها عند أطياف البشر ومللهم؛ إذ بتناول نصٍ ما من هذه النصوص كبنية مستقلة منزوعة الروابط عن مبدعها (وهو الله فى بعضها) – قد يؤدى سوء التحليل أو عدم دقة أدوات التحليل إلى نتيجة غير محمودة العقبى. ثم إذا قبلنا عزل النص عن العوامل الخارجية، ما الضامن الذى يضمن عزل المحلل البنيوى عن أى عوامل خارجية قد تؤثر عليه عند إجرائه عملية التحليل؟ وما الذى يضمن حياديته؟

ولعل جوهر ما انطوت عليه حزمة المشكلات المترابطة هذه هو ما أعطى لحركة ما بعد البنيوية الزخم اللازم للانطلاق والانتشار كحركة نقدية للبنيوية، تحاول البحث والنقد فى الظواهر والبنى المختلفة دون هيمنة فوقية من ظاهرةٍ أو بنيةٍ ما، فجميعها ينطلى عليها التغيير والتبديل والأخذ والرد. بيد أنه فى نهاية المطاف، وعلى الرغم من المثالب والانتقادات المذكورة فى طيَّات هذه الورقة، لا يمكن إنكار دور المنهج البنيوى، وكذا ما بعد البنيوية، فى كونهما محاولات لسبر أغوار الظواهر والعلوم المختلفة، وذلك كأى محاولات وجهود مماثلة تسعى للكشف عن حقائق الأشياء والبحث فى جوهرها والإفصاح عمَّا غمُض منها، كلٌ بأدواته ورؤيته الخاصة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث ماجستير في العلوم السياسية.

[1] فرديناند دو سوسور؛ أبو البنيوية؛ عالم لغويات سويسرى، وُلِد فى جنيف عام 1857، تخصَّص فى الفيزياء فى بداية حياته العلمية، ثم انتقل إلى تخصص اللغات الهندو-أوروبية، صدر له أول كتاب عام 1887 بعنوان “النظام الصوتى فى اللغات الهندو-أوروبية القديمة”. وقد درَّس فى باريس مدة عقد من الزمن، وحاز عضوية الجمعية الألسنية الفرنسية، إلى أن جرى تعيينه أستاذاً للغات السنسكريتية والهندو – أوروبية فى جامعة جنيف، ثم عاد إلى باريس مرة أخرى إلى أن توُفِّى بها فى عام 1913. للمزيد، انظر: جون ليشته. خمسون مفكراً أساسياً معاصراً: من البنيوية إلى ما بعد الحداثة. ترجمة: فاتن البستانى. (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 2008)، ص ص 207 – 208. 

[2] تُعَد هذه المدرسة من أبرز المدارس الفكرية المؤثرة فى مجال النقد الأدبى فى روسيا فيما بين عامَى 1910 و1930. وقد كان لها أثر كبير على الكثير من المفكرين الروس وغيرهم، كما كان لها بالغ الأثر على المنهج البنيوى كما هو مذكور فى المتن. ولعل تسميتها بالشكلية نابعة من كونها ترى الأدب على أنه منتج له استقلاليته وخصوصيته، بعد أن كان يُنظَر إليه على أنه نسخة وانعكاس للمؤلف، أى تفضل دراسته دراسة موضوعية بالاستعانة بالجوانب الشكلية المحضة؛ فقد كان من أبرز أفكار هذه المرسة النظر إلى النصوص الأدبية بعيداً عن قائلها وعن ظرفها التاريخى. للمزيد، انظر: محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير، “البنيوية: النشأة والمفهوم – عرضٌ ونقد”. مجلة الأندلس للعلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد 15، المجلد 16، يوليو – سبتمبر 2017 (ص ص 230- 262)، ص 230؛ و- صلاح فضل. نظرية البنائية فى النقد الأدبى. (القاهرة: دار الشروق، الطبعة الأولى، 1998)، ص ص 33 – 35.

[3] رومان جاكوبسون؛ أديب ولغوى، وُلِد فى موسكو عام 1896، والتحق بجامعة موسكو فى عام 1914، طالباً بشعبة اللغات فى قسم الدراسات السلافية والروسية بكلية “علم الاشتقاق اللغوى – التاريخى”. وفى العام التالى، أسس حلقة موسكو اللغوية، ثم شارك فى إنشاء “جمعية دراسة اللغة الشعرية – Opojaz” فى بطرسبورغ فى عام 1916، واللتين كونتا ما عُرِف بالمدرسة الشكلية الروسية. وقد كان له فضلٌ كبير فى نشر المنهج البنيوى، بعد أن ترسخت أقدامه فى التنظير اللسانى، حتى غدت أبحاثه ومقالاته التى تناهز الـ 500 مقالة مورِداً ومرجعاً للسانيات. ومن الثابت عنه أنه مبتكر ما سُمِّى بالبنيوية الأدبية. ولقد ارتحل من موطنه إلى براغ ثم اسكتلندا ثم الولايات المتحدة نتيجة للأحداث التى حلَّت بعصره، وذلك وفقاً لما سيرد أعلاه فى المتن، وتُوفِّى عام 1982. انظر: جون ليشته. مرجع سبق ذكره، ص ص 138 – 146.

[4] يورى تينيانوف؛ مترجم وكاتب وروائى روسى ذى أصول يهودية، وُلد عام 1894 فى إقليم لاتفيا، وتوفى بموسكو عام 1943. كان أحد رواد المدرسة الشكلية الروسية. من أشهر أعماله: “النظرية الشكلية” و”الموت والدبلوماسية فى فارس” ورواية “Pushkin”. – انظر:

[5] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير. مرجع سبق ذكره، ص 234.

[6] ليونارد جاكسون. بؤس البنيوية: الأدب والنظرية البنيوية. ترجمة: ثائر ديب. (دمشق: دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2008)، ص ص 112 – 113.

[7] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير. مرجع سبق ذكره، ص 233.

[8] كلود ليفى شتراوس؛ عالم أنثروبولوجى يهودى، وُلِد فى بروكسل عام 1908، لأبوين فرنسيين، ودرس فى كلية القانون بباريس والسوربون، وحصل على إجازة فى الفلسفة عام 1931. وفى عام 1934، قرر أن يدرس علم الاجتماع فى جامعة ساوباولو، وأن يصبح متخصصاً فى الإثنيات (العرقيات)، وقد أصدر لاحقاً كتابه “المدارات الحزينة” الذى قدَّم فيه قصة رحلاته إلى البرازيل وعمله الميدانى فى ماتو جروسو وأمازونيا. فى عام 1939، غادر شتراوس بلاده إلى الولايات المتحدة، ودرس هناك فى المدرسة الجديدة للبحوث الاجتماعية فى نيويورك، وشارك فى إنشاء مكتبة الدراسات العليا مع بعض زملائه الفرنسيين. وفى عام 1949، عمل شتراوس مديراً مساعداً لمتحف الإنسان، وبعدها بعام عُيِّن مديراً للدراسات فى مدرسة براتك للدراسات العليا، حيث أصبح رئيس قسم “الأديان المقارنة للشعوب البدائية”. لاحقاً، انتُخِب شتراوس عضواً فى الأكاديمية الفرنسية، وظل مساهماً فى الفكر البنيوى ومدافعاً عنه إلى أن تُوفِّى فى عام 2009. للمزيد، انظر: جون سكوت (محرر). خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً. ترجمة: محمود محمد حلمى. (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، 2009)، ص ص 350 – 353.

[9] المرجع السابق، ص ص 350 – 351.

[10] وردة عبد العظيم عطالله قنديل. البنيوية وما بعدها بين التأصيل الغربى والتحصيل العربى. رسالة ماجستير منشورة. (غزة: الجامعة الإسلامية، كلية الآداب، 2010)، ص 6.

[11] ميجان الرويلى وسعد البازعى. دليل الناقد العربى. (الدار البيضاء: المركز الثقافى العربى، الطبعة الثالثة، 2002)، ص 67.

[12] خيرة خرشوش ومنال زناتى. آليات البنيوية التكوينية من خلال كتاب “ظاهرة الشعر المعاصر فى المغرب لمحمد بنيس”. رسالة ماجستير منشورة. (الجزائر: جامعة الجيلالى بونعامة، 2015)، ص 18؛ و – إديث كريزويل. عصر البنيوية. ترجمة: جابر عصفور. (الكويت: دار سعاد الصباح، الطبعة الأولى، 1993)، ص ص 21- 22.

[13] وُلِد لاكان فى باريس عام 1901 لأسرة كاثوليكية برجوازية، وحصل على شهادة الطب كما كانت الممارسة المعتادة من جامعة السوربون، وحصل على دكتوراه الدولة عام 1932 بأطروحة عنوانها “ذهان البارانويا وعلاقته بالشخصية”، وأرسل نسخة منها إلى فرويد فى ذات العام. وتم ترشيحه لعضوية جمعية باريس للتحليل النفسى فى عام 1934 إلى أن نال عضويتها الكاملة فى عام 1938، ليتولى رئاستها فى عام 1953. وقد شاء القدر أن ينشق عنها فى العام نفسه لينضم إلى الجمعية الفرنسية للتحليل النفسى التى ألقى فى حفلها الافتتاحى محاضرته الشهيرة بعنوان “الرمزى والخيالى والواقعى”. وقد كانت هذه المحاضرة سبباً فى منع حصول الجمعية الفرنسية على عضوية الرابطة الدولية للتحليل النفسى، والتى اشترطت لذلك استبعاد لاكان منها. وبالفعل، استقال لاكان منها وأسس مؤسسته الخاصة “المدرسة الفرويدية بباريس”، وتوفِّى فى عام 1981. – انظر: “جاك لاكان”. 29 أغسطس 2016. موقع مؤمنون بلا حدود.

<https://www.mominoun.com/articles/%D8%AC%D8%A7%D9%83-%D9%84%D8%A7%D9%83%D8%A7%D9%86-acques-acan-4263>، تاريخ الدخول: 19 أكتوبر 2019.

[14] رولان بارت؛ أحد أعلام النقد البنيوى، وُلِد فى بلدة شيربورغ الفرنسية عام 1915. وفيما بين عامَى 1934 و1947، عانى بارت من نوبات مختلفة من مرض السل. وفى فترة النقاهة المفروضة عليه، أخذ يقرأ كل شىء بنهم. وقد عمل فى مركز البحث العلمى الفرنسى، وأنجز فيه عدداً من الدراسات فى علم الاجتماع والمعاجم. وفى عام 1957، نشر كتابه “الأساطير”. ولقد احتك مباشرة بثقافات أمم عديدة لمعرفة أنماطها الحضارية وأفكارها وثقافاتها مثل تركيا ورومانيا ومصر واليابان، وعُيِّن فى الكلية الفرنسية عام 1977، وتوفِّى فى عام 1980. ومما يُذكَر عنه أنه قد تقلب بين الوجودية والماركسية والبنيوية وعلم اللغة والأدب، وجمع ما بين علم الاجتماع والنقد الأدبى. للمزيد، انظر: إديث كريزويل. مرجع سبق ذكره، ص 249؛ و وردة عبد العظيم عطالله قنديل، مرجع سبق ذكره، ص 22.

[15] جان بياجيه؛ عالم سويسرى، وُلِد فى عام 1896. كان فيلسوفاً وعالم أحياء ومنطق وعالم نفس وتربوياً، وقدم الكثير من الإسهامات في تلك المجالات، وتوفى عام 1980. يُذكَر عنه أنه حصل على درجة الدكتوراه فى علم الأحياء وعمره 22 عاماً، وتم تعيينه مديراً للدراسات فى معهد جان جاك روسو فى جينيف عام 1921. بعد ذلك، أخذ يصوغ أركان إحدى أبرز إنجازاته ألا وهى نظرية الارتقاء المعرفى لدى الطفل – أو ما يُطلَق عليه الآن علم المعرفة الوراثية، وذلك من خلال كتابيه: “اللغة والفكر عند الطفل” (1923) و”الحكم والاستدلال عن الطفل” (1924). ولقد كرَّس حياته فى دراسة النمو العقلى عند الأطفال، حتى تميز بهذا الاتجاه بين باقى علماء النفس المحدثين بصفة عامة، وعلماء نفس النمو بشكلٍ خاص. للمزيد، انظر: “من هو العالم جان بياجيه”. موقع المرسال. 30 مارس 2019.

< https://www.almrsal.com/post/802727>، تاريخ الدخول: 19 أكتوبر 2019.

[16] عبد الوهاب جعفر. البنيوية بين العلم والفلسفة عند ميشيل فوكو. (القاهرة: دار المعارف، 1989)، ص 2.

[17] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير، مرجع سبق ذكره، ص 239.

[18] المرجع السابق.

[19] وليد قصاب. مناهج النقد الأدبى الحديث: رؤية إسلامية. (دمشق: دار الفكر، الطبعة الثانية، 2009)، ص 121.

[20] ليونارد جاكسون. مرجع سبق ذكره، ص 47.

[21] الفاتح مبارك عثمان، “مفردات نقدية: بنيوية”. موقع سودارس. 28 أغسطس 2011.

<https://www.sudaress.com/hurriyat/33941>، تاريخ الدخول: 30 سبتمبر 2019.

[22] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير، مرجع سبق ذكره، ص 239.

[23] المرجع السابق، ص 243؛ و- صلاح فضل. مرجع سبق ذكره، ص ص 133 – 139.

24 نظرية الجشطالت وضعتها مدرسة برلين في مجال علم النفس، وتعني أنه من الضروري اعتبار الكل، لأن الكل له معنى مختلف عن الأجزاء المكونة له.

[25] ليونارد جاكسون. مرجع سبق ذكره، ص 53.

[26] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير. مرجع سبق ذكره، ص 242.

[27] ليونارد جاكسون. مرجع سبق ذكره، ص 27.

[28] المرجع السابق. وللتعرف على تفاصيل هذه العناصر، يُرجَى الاطلاع على ص ص 75 – 91 من ذات المرجع؛ وصلاح فضل. مرجع سبق ذكره، ص ص 19 – 31.

[29] نعوم تشومسكى؛ عالم لسانيات يهودى، وُلِد فى فيلادليفيا عام 1928، وحصل على تعليمه المبكر فى مدرسة تجريبية تقدمية ثم فى المدرسة الثانوية المركزية فى مسقط رأسه، ثم درس الرياضيات والفلسفة واللسانيات فى جامعة بنسلفانيا. ومع أنه نال شهادة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا إلا أنه استكمل معظم عمله المتعلق بها فى جامعة هارفارد بين عامَى 1951 و1955. ومنذ عام 1955، أخذ يدرِّس فى معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا (MIT) إلى الآن، وقد نال درجة الأستاذية هناك عام 1976. من بين أعماله: “قضايا راهنة فى النظرية اللغوية” و”اللغة والعقل” و”اللغة ومشكلات المعرفة” و”اللغة والمسئولية” و”البنية المنطقية للنظرية اللسانية” و”البنى التركيبية”. للمزيد، انظر: جون ليشته. مرجع سبق ذكره، ص ص 111 – 119.

[30] للمزيد، انظر: صارة أضوالى، “جوانب من النظرية اللسانية عند نعوم تشومسكى”. موقع الألوكة. 4 سبتمبر 2016.

< https://www.alukah.net/literature_language/0/107383>، تاريخ الدخول: 21 أكتوبر 2019.

[31] رمضان عبد التواب. المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوى. (القاهرة: مكتبة الخانجى، الطبعة الثالثة، 1997)، ص 187.

[32] للاطلاع على نص هذا البيان، انظر: صلاح فضل. مرجع سبق ذكره، ص ص 47 – 49.

[33] عرض لكتاب “البنيوية وما بعد البنيوية للمبتدئين” لدونالد د. بالمر. موقع البيان. 15 أكتوبر 2007.

< https://www.albayan.ae/paths/books/2007-10-15-1.798876>، تاريخ الدخول: 20 أكتوبر 2019.

[34] جان بياجيه. البنيوية. ترجمة: عارف ميمنة وبشير أوبرى. (بيروت: منشورات عويدات، الطبعة الأولى، 1985)، ص ص 87- 88.

[35] بيتر كونزمان، فرانز – بيتر بوركارد، وفرانز فيدمان. أطلس الفلسفة. ترجمة: جورج كتورة. (بيروت: المكتبة الشرقية، الطبعة الثانية، 2007)، ص 239.

[36] عرض لكتاب “البنيوية وما بعد البنيوية للمبتدئين” لدونالد د. بالمر. مرجع سبق ذكره.

[37] مارتن غريفينش وتيرى أوكالاهان. المفاهيم الأساسية فى العلاقات الدولية. (دبى: مركز الخليج للأبحاث والترجمة، 2008)، ص ص 108 – 109. للمزيد، انظر:

  • Javier Lezaun, “Limiting the Social: Constructivism and Social Knowledge in International Relations”. International Studies Review, 4, No. 3 (Autumn, 2002), Pp. 229-234. Available at website of J-Store. <http://www.jstor.org/stable/3186483>, Accessed on 12 October 2019.

[38] لويس ألتوسير؛ وُلِد فى الجزائر عام 1918، وتم قبوله كمرشح للحصول على شهادة الكفاءة التعليمية فى الفلسفة فى كلية دار المعلمين العليا بفرنسا، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الثانية ووقوعه سجيناً فى أيدى الألمان أدى إلى تأجيل دراسته، ولم يحصل على الشهادة المذكورة إلا فى عام 1948. تم تعيينه بعد ذلك فى نفس الكلية لتكون وظيفته تحضير المرشحين للشهادة المذكورة، لتمر بين يديه، ولمدة 40 سنة تقريباً، صفوة الأكاديميين والمفكرين الفرنسيين، من بينهم ميشيل فوكو وجاك ديريدا. ذاع صيت ألتوسير وأصبح اسماً معروفاً بوصفه منظراً ماركسياً ذا ميول بنيوية عندما نشر كتابه “إلى ماركس” (1965)، ومن بين أشهر كتبه أيضاً “قراءة فى رأس المال” (1968). ويُذكَر أنه قد دخل فى مرحلة اضطراب عقلى قتل فيها زوجته خنقاً فى عام 1980، إلى أن توفى عام 1990 بباريس. للمزيد، انظر: جون ليشته. مرجع سبق ذكره، ص 85.

[39] زكريا إبراهيم. مشكلة البنية أو أضواء على البنيوية (مشكلات فلسفية- 8). (القاهرة: مكتبة مصر، 1976)، ص ص 236 – 237؛ و – جون سكوت (محرر)، مرجع سبق ذكره، ص ص 32 – 33.

[40] جان بياجيه. مرجع سبق ذكره، ص ص 45- 46.

[41] ليونارد جاكسون. مرجع سبق ذكره، ص 31.

[42] زكريا إبراهيم. مرجع سبق ذكره، ص 235.

[43] إيمان ملال، “جاك لاكان وبنية اللاوعى”. موقع المنهل البحثى.

https://platform.almanhal.com/Files/2/101858<، تاريخ الدخول: 19 أكتوبر 2019.

[44] “جاك لاكان”. 29 أغسطس 2016. موقع مؤمنون بلا حدود. مرجع سبق ذكره.

[45] مرام حامد الحازمى، “البنائية والتربية: بحث في الأصول الفلسفية للتربية”. 25 ديسمبر 2010. موقع الفكر الفلسفى.

(http://philosopherenarabe.blogspot.com/2010/12/blog-post_25.html)، تاريخ الدخول: 7 أكتوبر 2019.

[46] المرجع السابق.

[47] خيرة خرشوش ومنال زناتى. مرجع سبق ذكره، ص أ.

[48] يوسف وغليسى، “البنية والبنيوية فى المعاجم والدراسات الأدبية واللسانية العربية: بحث فى النسبة اللغوية والاصطلاح النقدى”. مجلة الدراسات اللغوية، العدد السادس، 2010 (ص ص 257 – 292)، ص 261؛ و- صلاح فضل. مرجع سبق ذكره، ص ص 7- 10.

[49] سامية راجح، “إشكالات البنيوية فى كتابات النقاد العرب المعاصرين”. مجلة الآداب واللغات، جامعة قاصدى مرباح ورقلة – الجزائر، العدد الخامس، مارس 2006 (ص ص 212 –  221)، ص ص 212- 213.

[50] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير، مرجع سبق ذكره، ص 244.

[51] المرجع السابق، ص ص 245 – 246.

[52] وليد قصاب. مرجع سبق ذكره، ص ص 155 – 156.

[53] زكريا إبراهيم. مرجع سبق ذكره، ص ص 29- 30.

[54] ليونارد جاكسون. مرجع سبق ذكره، ص 27.

[55] خيرة خرشوش ومنال زناتى. مرجع سبق ذكره، ص 13.

[56] وليد قصاب، مرجع سبق ذكره، ص ص  150 – 152.

[57] محمد بن عبد الله بن صالح بلعفير، مرجع سبق ذكره، ص 244.

[58] مرام حامد الحازمى. مرجع سبق ذكره.

[59] مارتن غريفينش وتيرى أوكالاهان. مرجع سبق ذكره، ص 110.

[60] تجدر  الإشارة إلى أن البعض يشير إلى مصطلح “ما بعد البنيوية” كمرادف لـ “ما بعد الحداثة – Post-Modernism”. راجع فى ذلك: وليد قصاب. مرجع سبق ذكره، ص 181.

[61] راجع الفترات الزمنية فى المراجع التالية: إديث كريزويل. مرجع سبق ذكره، ص 7؛ وليد قصَّاب. مرجع سبق ذكره، ص 183؛ و – ليونارد جاكسون. مرجع سبق ذكره، ص ص 23، 32.

[62] جاك ديريدا؛ فيلسوف وناقد أدبى، وُلِد ديريدا لعائلة يهودية فى الجزائر عام 1930، ثم غادرها إلى فرنسا فى 1959، وتلقى تعليمه فى دار المعلمين العليا فى باريس. ولم يذع صيت ديريدا إلا فى عام 1965 عندما نشر مقالتين طويلتين انتقد فيهما كتباً فى تاريخ وطبيعة الكتابة فى المجلة الباريسية “نقد – Critique”، وقد شكّلت هاتان المقالتان فيما بعد الأساس لأهم كتابٍ له، وربما الأكثر شهرة، المعنون “فى علم الكتابة أو فى علم النحو – On Grammatology”. عالج ديريدا مجموعة واسعة من القضايا والمعرفية السائدة فى التقاليد الفلسفية كالمعرفة والجوهر والوجود والزمن، فضلاً على معالجاته المستمرة حتى وفاته لمسائل اللغة والأدب والتحليل النفسى والدين والسياسة والأخلاق، وتوفى عام 2004. للمزيد، انظر: جون ليشته. مرجع سبق ذكره، ص 221.

[63] جون ستروك (محرر). البنيوية وما بعدها: من ليفى شتراوس إلى ديريدا. ترجمة: محمد عصفور. (الكويت: المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب (سلسلة عالم المعرفة)، 1996)، ص 11.

[64] جوليا كريستيفا؛ فيلسوفة وأديبة وعالمة لسانيات وذات نزوع نسوى، وُلِدَت فى بلغاريا عام 1941، ثم رحلت إلى فرنسا كطالبة عام 1965، وانغمست فوراً فى الحياة الفكرية الباريسية، فحضرت ندوات رولان بارت، وانضمَّت إلى كتاب ومفكرين تمحوروا حول المجلة الأدبية (the Quel) التى كانت تطرح أفكار الحركات الرائدة غير التقليدية، خصوصاً فى الفنون. واشتُهِرت كريستيفا بمصطلحها الذى صاغته “Semanalysis” الذى يركز على مادية اللغة (الصوت والإيقاع وطريقة التعبير بالرسم والنقش) بدلاً من مجرد الاهتمام بوظيفتها التواصلية كطريقة للتفاهم. ولقد حصلت كريستيفا على شهادة الدكتوراه فى عام 1974 بأطروحة عنوانها “ثورة فى اللغة الشعرية”. للمزيد، انظر: جون ليشته. مرجع سبق ذكره، ص ص 291 – 293.

[65] جيل دولوز؛ فيلسوف وناقد أدبى، وُلِد فى فرنسا عام 1925، ودرس الفلسفة فى جامعة السوربون فيما بين عامى 1944 و1948، ثم قام بتدريس الفلسفة فى عدة كليات، وفى السوربون وليون، وتم تعيينه أستاذاً للفلسفة فى جامعة فينسان فى عام 1969 بتوصية من ميشيل فوكو، وفى ذات العام ناقش أطروحته الكبرى “الاختلاف والتكرار” وأطروحته الصغرى “سبينوزا ومشكلة التعبير”، ثم تقاعد من التدريس عام 1987. وتوفى عام 1995. للمزيد، انظر: المرجع السابق، ص ص 214 – 220.

[66] محمد عنانى. المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزى – عربى. (القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان، الطبعة الثالثة، 2003)، ص ص 131- 132؛ و- محمد مروان، “ما بعد البنيوية”. موقع موضوع. 13 سبتمبر 2018.>  <https://tinyurl.com/y4tvufw8 ، تاريخ الدخول: 20 أكتوبر 2019.

[67] محمد عنانى. (المرجع السابق)، ص ص 131 – 132؛ جون ستروك. مرجع سبق ذكره، ص 211؛ و- وليد قصاب. مرجع سبق ذكره، ص 186.

[68] محمد مروان. مرجع سبق ذكره.

[69] وليد قصاب. مرجع سبق ذكره، ص ص 185، 187.

[70] ميجان الرويلى وسعد البازعى. مرجع سبق ذكره، ص ص 177 – 178؛ محمد مروان. مرجع سبق ذكره.

[71] محمد عنانى. مرجع سبق ذكره، ص ص 159 – 160.

[72] محمد مروان. مرجع سبق ذكره.

عن وليد القاضي

شاهد أيضاً

الفلسفة – المنهج – الفكر “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

التباسات الحداثة

المعرفة المستدامة

مغامرة المنهج

في نقد التفكير

سؤال السيرة الفلسفية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.