المرأة في البرامج التليفزيونية النسائية: بين تحرير المرأة والتمركز حول الأنثى

المرأة في البرامج التليفزيونية النسائية: بين تحرير المرأة والتمركز حول الأنثى

أ. رضوى منتصر الفقي[*]

انتشرت البرامج النسائية في الفترة الأخيرة بشكل يثير الانتباه، فنجد على سبيل المثال لا حصر برنامج هي وبس، وبرنامج الستات ما يعرفوش يكدبوا، وتحيا الستات، وقعدة ستات، وعنبر الستات،و 3 ستات، وكلام ستات، والسفيرة عزيزة، وست الحسن، وسيداتي أنساتي، وغيرها….

تلك البرامج التي تقدمها مجموعة من النساء يقمن بمناقشة كل ما يخص المرأة ويعرضن وجهات نظرهن حول القضايا والمشاكل الأسرية والاجتماعية، ولكن على الرغم من تعدد البرامج النسائية وتنوعها إلا أننا لا يمكننا أن نضعها كلها في سلة واحدة، فلكل برنامج توجهاته ووجهات نظر مختلفة عن الآخر، فالبعض من هذه البرامج يحاول توعية المرأة بحقوقها القانونية، والبعض الآخر يستمع للمشاكل الزوجية ويقترح حلول لها، وغيره يهتم بالرشاقة والتجميل وعالم الأزياء والموضة. ولكل برنامج فلسفته في تناول موضوعاته، فالبعض متمرد يسعى للخروج عن السياق المجتمعي، والبعض الآخر وسطي يميل إلى الاعتدال من خلال السعي نحو مواكبة تطورات العصر مع التمسك بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية، ولكن مع كل هذه الاختلافات لا يمكن أن ننكر أن هناك تغيرات واضحة وصريحة طرأت على محتوى البرامج النسائية بدرجات متفاوتة متأثرين بالجذور الفكرية لحركة تحرير المرأة وحركة التمركز حول الأنثى.

فالتطور والتغير الذي طرأ على محتوى البرامج التلفزيونية النسائية لم يكن من فراغ بل كان انعكاس –قد يكون غير مدرك من جانب مقدمات البرامج- للتغيرات التي طرأت على الحركات النسائية، ففي عصر ما بعد الحداثة ظهرت العديد من الحركات التحررية الغربية التي تختلف جوهريا عن حركات التحرر القديمة.

فالحركات الجديدة تؤكد فكرة الصراع بشكل متطرف، فكل شئ إن هو إلا ثمرة الصراع المستمر، والإنسان هو كائن طبيعي يمكن تسويته بالكائنات الطبيعية الأخرى، وهنا تظهر حالة من السيولة والتعددية المفرطة، وفي هذا الإطار يمكن أن يخضع كل شئ للتجريب المستمر، ويبدأ الحديث عن أشكال جديدة للعلاقات بين البشر لا تهتدي بتجارب الإنسان التاريخية، لذا نجد أن حركات التحرر الجديدة تدافع عن كل الظواهر الاجتماعية دون تمييز، الفقراء والسود والشواذ جنسياً وحقوق الحيوانات والأطفال والعراة والمخدرات وعن كل ما يخطر وما لا يخطر على بال أحد.

فكل هذه الأفكار تشكل الإطار الفكري لحركة الفيمنيزم أو حركة التمركز حول الأنثى Feminism التي ظهرت مؤخراً في الغرب، والتي ظن البعض أنها مجرد تنويع على حركة تحرير المرأة Women’s Liberation وبالتدريج حل المصطلح الجديد محل المصطلح القديم وكأنهما مترادفين أو متقاربين في المعنى، ولكن لو دققنا لوجدنا أن المصطلح الجديد مختلف تمام الاختلاف عن مدلولات حركة تحرير المرأة، التي هي واحدة من حركات التحرر القديمة التي تؤمن بمركزية الإنسان في الكون، فتحاول أن تدافع عن حقوق المرأة داخل حدود المجتمع وخارج الأطر الصراعية، فالمرأة في تصور هذه الحركة كائن اجتماعي يقوم بوظيفة اجتماعية ودور اجتماعي، فهي حركة تهدف إلى تحقيق قدر من العدالة الحقيقية والممكنة داخل المجتمع حتى تنال المرأة ما يطمح إليه أي إنسان من خلال حصولها على حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والإطار المرجعي لهذه الحركة هي المفاهيم الإنسانية المشتركة الخاصة مثل مفهوم الأسرة باعتبارها أهم المؤسسات الإنسانية التي يحتمي بها الإنسان ويحقق من خلالها جوهره الإنساني ويكتسب داخل إطارها هويته الحضارية، ومفهوم المرأة باعتبارها العمود الفقري لهذه المؤسسة، ومفهوم الأمومة باعتباره الدور الأهم للمرأة في المجتمع.

وقد أوضح الدكتور المسيري الفوارق العميقة بين حركة تحرير المرأة التي ظلت سائدة في الغرب حتى الستينات وحركة التمركز حول الأنثى، تلك الفوارق التي تتمثل في:

  • إعادة صياغة المجتمع في ضوء معايير المنفعة المادية والجدوى الاقتصادية، وزاد معه تسلع الإنسان أي تحويله الى سلعة، وإنكار المرجعيات المتجاوزة، وهيمنة النماذج الكمية، مما أدى إلى تزايد هيمنة القيم البرانية المادية مثل الكفاءة في العمل في الحياة العامة والتنافس الوظيفي، فبرز الاهتمام بدور المرأة العاملة مع إهمال واضح لدور المرأة الأم، والاهتمام بالقيم الإنتاجية على حساب القيم الأخلاقية والاجتماعية الأساسية مثل تماسك الأسرة وضرورة توفير الطمأنينة والاستقرار للأطفال.
  • تعريف العمل الإنساني على أنه هو العمل الذي يقوم به المرء نظير أجر نقدي خاضع لقوانين العرض والطلب، وبهذا يتم استبعاد دور المرأة كأم وتنشئتها للأطفال وغيرها من الأعمال المنزلية، فهذه كلها أعمال لا يمكن حسابها بدقة ولا يمكن أن تنال عليها المرأة أجراً نقدياً رغم أنها تستوعب حياتها واهتمامها.

وقد أرجع الدكتور المسيري ظهور حركة التمركز حول الأنثى إلى تغلغل المرجعية المادية وتراجع المرجعية الإنسانية  التي تقوم على مركزية الإنسان في الكون، أي أن النموذج العلماني الشامل قد ساد وتم تفكيك الإنسان وتحويله من الإنسان الاجتماعي الى الإنسان المادي الطبيعي. 

الرؤى الفكرية والنظرية لحركة التمركز حول الأنثى:

تؤمن حركة التمركز حول الأنثى بالعلاقة الصراعية بين الرجل والمرأة وكأنه لا توجد أرضية مشتركة بينهما، ومن هنا أصبحت المرأة متمركزة حول ذاتها تود اكتشافها وتحقيقها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة وخارج أي إطار اجتماعي، وهي في حالة صراع كوني وأزلي مع الرجل المتمركز حول ذاته أيضا، لتتحول المرأة من السعي الى الحرية وحصولها على الحقوق الإنسانية والاجتماعية المشروعة لها الى حركة تدور حول فكرة الهوية والتحرر من هيمنة الرجل عليها.

وانطلاقاً من هذه الرؤية ينادي دعاة التمركز حول الأنثى برفع وعي النساء بأنفسهن كنساء وتحسين أدائهن في المعركة الأزلية مع الرجال بالتجريب المستمر وطرح برنامج ثوري ينادي فيه دعاة هذه الحركة بضرورة إعادة سرد التاريخ من وجهة نظر أنثوية، ومن هنا كان التركيز الشديد في الأدب الغربي على الموضوعات الصراعية في علاقة الرجل بالمرأة مثل موضوع الاغتصاب.

وتصل رؤية حركة التمركز حول الأنثى إلى قمتها حينما تقرر الأنثى أن تدير ظهرها للذكر تماماً فهى سوبروومان Superwoman  وتعلن استقلالها الكامل عنه ليصبح السحاق الأمر الطبيعي الوحيد، فكما قالت أحدى دعاة التمركز حول الأنثى إذا كان الفيمنيزم هي النظرية فالسحاق هو التطبيق، هنا لا تلجأ المرأة للعلاقة الطبيعية مع الرجل لإنجاب الأطفال وإنما تلجأ الى المعامل والاجراءات الطبية العلمية المختلفة التي تستبعد الرجل كشريك في الإنسانية المشتركة، وهكذا تصفى الازدواجية ويحسم الصراع لنصل لحالة من الواحدية الأنثوية الصلبة والتمركز اللاإنساني حول الذات الأنثوية.

هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى ظهور جنس واحد أو الجنس الوسط بين الجنسين، فيتم رد الواقع إلى عنصر واحد ينكر أي شكل من أشكال عدم التجانس وينكر وجود ثنائية ذكر/أنثى، فالذكر مثل الأنثى والأنثى مثل الذكر فكلاهما مجرد إنسان طبيعي/مادي، وبهذا تتحول السوبروومان عدوة الرجل إلى سبوومان Subwoman ليس لها هوية أنثوية مستقلة، فهي امرأة تبذل قصارى جهدها لكي تكون متطابقة تماماً مع الرجل، وفي كلتا الحالتين سواء سوبروومان أو سبوومان فإنها أبعد ما تكون عن الأم والزوجة والأخت والحبيبة التي نعرفها والتي لها دور مستقل داخل إطار الجماعة الإنسانية الشاملة التي تضم الذكور والإناث والصغار والكبار.

وبسقوط الأم والزوجة والمرأة تسقط الأسرة ويتراجع الجوهر الإنساني المشترك ويصبح كل البشر أفراد طبيعيين لكل منهم مصلحته الخاصة التي يصارع الآخرين من أجل تحقيقها.

وهنا يتجلى الفارق بين الحركتين، فحركة تحرير المرأة ترى أن هناك إنسانية مشتركة بين كافة البشر (رجال ونساء) وأن هذه الرقعة المشتركة هي أساس التحاور بينهم وهي الإطار الذي نبحث بداخله عن تحقيق المساواة، لذا يمكن للرجل أن ينضم لحركة تحرير المرأة ويطالب بتحقيق العدالة للمرأة، ويمكن للمجتمع الإنساني بذكوره وإناثه أن يتبنى برنامج إصلاحي في هذا الاتجاه ويقف وراءه كلاً من الرجال والنساء لتأييده. أما حركة التمركز حول الأنثى فهي تنكر الإنسانية المشتركة، فلا يمكن أن ينضم إليها الرجل لأنه خصم وعدو، ولا يوجد لها برنامج للإصلاح ولا محاولة جادة لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة أو لتغيير القوانين والسياق الاجتماعي للحفاظ على إنسانية المرأة باعتبارها أما وزوجة وابنة وعضواً في الأسرة والمجتمع، فإن كان لهذه الحركة برنامج إصلاح فهو يصدر عن إطار تفكيكي يهدف إما لزيادة كفاءة المرأة في عملية الصراع مع الرجل أو إلى تسويتها معه على كافة المستويات، فالبرنامج الإصلاحي لها يهدف إلى تغيير الطبيعة البشرية ومسار التاريخ.

إن حركة التمركز حول الأنثى التي تسربت الى مجتمعاتنا العربية والإسلامية من خلال نظام العولمة الثقافي ما هي الا هجمة شاملة ضد قيمنا وذاكرتنا ووعينا وخصوصيتنا وهو ما يجب أن ندركه ونعيه جيداً حتى لا تكون معركتنا معركة جزئية غير واعية.

 فتماسك المجتمعات العربية والإسلامية يرجع إلى وجود بناء أسري قوي قادر على توصيل المنظومات القيمية والخصوصية القومية إلى أبناء المجتمع ومن ثم يمكنهم الاحتفاظ بهويتهم وقيمهم وتاريخهم، وإذا كانت الأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع فالأم هي عمودها الفقري، وقد جاء تركيز النظام العالمي الجديد على قضايا المرأة وتوليد القلق لديها وعدم الطمأنينة بداخلها من خلال إقناعها بأنها لا يمكن لها أن تحقق هويتها إلا خارج إطار الأسرة، وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآكلت وتهاوت وتهاوى معها المجتمع.

نشأة وتطور الحركات النسائية في مصر:

كانت مصر من أولى الدول العربية والإسلامية التي ظهرت فيها حركة تحرير المرأة، فلم تكن منظمة تحرير المرأة المصرية التي عرفت بالاتحاد النسائي هي أول نشاط للحركات النسوية في مصر، بل كان هناك تأسيس نظري وفكري لها ظهر من خلال العديد من الكتب والمجلات مثل مجلة الفتاة ومجلة الفردوس والمرأة الحسناء التي كانت تتناول قضايا المرأة وشئونها مثل قضية تعليم المرأة، وكان لقاسم أمين ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني دور كبير في إصدارها، بجانب خروج النساء لأول مرة لتشارك تحت قيادة هدى شعراوي في ثورة 1919، وكرس الاتحاد النسوي المصري جهوده لخدمة قضايا النسوية وإحداث تغييرات في القوانين الخاصة بالمرأة من أجل تحقيق المساواة بينها وبين الرجل ورفع سن الزواج للفتيات وحصول المرأة على حقوق المواطنة من التمثيل في الانتخابات والتمثيل النيابي والمشاركة في التشريع.

وقد حدث لحركة تحرير المرأة المصرية العديد من التغيرات الجوهرية بالتوازي مع التحولات التي شهدتها حركة تحرير المرأة العالمية والتي انتقلت إلينا من خلال العولمة، وقد تجلت هذه التحولات –من ضمن تأثيراتها- في المحتوى التلفزيوني الذي يقدم يومياً للمرأة المصرية والعربية وهو ما يلقى بظلاله على الداخل الأسري.

ولقد تجلت أفكار حركة التمركز حول الأنثى في البرامج النسائية التلفزيونية، لتخاطب المرأة ليلاً ونهاراً مؤثرة على العمود الفقري للأسرة المصرية، وسنحاول هنا تحسس نقاط القصور في برامجنا النسائية التلفزيونية مع الوضع في الاعتبار أنه لا يمكن وضع كافة البرامج النسائية في سلة واحدة، فكثيراً منها يناقش القضايا الاجتماعية الملحة التي تمس المجتمع بشكل حيادي، ولكن لا ينفي ذلك أن هناك بعض الأفكار المؤثرة على المرأة والأسرة المصرية بالسلب قد بدأت تتسلل إلى محتوى هذه البرامج ولابد من أن ندركها لتفادي تأثيراتها، خاصة أن هذه البرامج تحقق نسب مشاهدات مرتفعة للغاية تتجاوز في كثير من الأحيان المليون، وهو ما يدعونا إلى النظر إليها بعين واعية.

  • الاهتمام بدور المرأة العاملة وتهميش دورها كأم:

تركز معظم البرامج النسائية على دور المرأة العاملة والإعلاء من قيمتها مع إهمال واضح لدورها كأم، فكثيراً ما يتم استضافة (فنانات ومذيعات ودبلوماسيات) والتركيز على ما يقوموا به من مجهودات شاقة وما تتطلبه مهام وظيفتهم من قضاء ساعات طويلة خارج المنزل والسفر لدول مختلفة لإثبات أنهم قادرين على أن يقوموا بكافة المهام واقتحام المجالات التي كانت مقصورة على الرجل قبل ذلك، بل والنجاح في هذه المجالات والتميز فيها، وكثيراً ما يتطرق الحديث مع ضيوف البرنامج من السيدات عن قيامهم بتوفير مصدر للدخل والتخلي عن دور الرجل في الإنفاق على البيت، وكأن دور الرجل يقتصر فقط على الجانب المادي وتناسي الدور الإنساني والتربوي والمعنوي والأخلاقي للأب في الأسرة.

لا يمكن إنكار أهمية دور المرأة العاملة على المجتمع وعلى الأسرة ولكن لا يعني ذلك أن يصبح هذا الموضوع هو محور الاهتمام شبه الوحيد للبرامج النسائية، وأن يكون مصدر الفخر والتباهي الأساسي للمرأة،  وكأن دور المرأة كأم وكمربية الأجيال الجديدة لا يدعو للفخر ولا قيمة حقيقية له. فهم ينظرون لربة المنزل باعتبارها لا تقوم بعمل حقيقي، وعليها أن تسعى ليكون لها شخصية مستقلة ودخل خاص بها يؤمن لها حياتها حتى وإن كان الزوج يقوم بكافة التزاماته المادية، فالعمل الخارجي في رأيهم هو الذي يعزز من شخصيتها ويزيد من ثقافتها، فجاء على لسان أحد ضيوف البرامج أن ربة المنزل لا تهتم بشئ سوى أمور بيتها وأبناءها وليست على دراية بما يدور حولها من أحداث محلية وعالمية فهي بعيدة كل البعد عن الثقافة العامة وليس لها أي تطلعات أو طموحات، وهذا الكلام غير دقيق، فالتطلعات والطموحات لها أشكال عديدة، ليست كلها مادية أو وظيفية.   

وبذلك تكرس البرامج النسائية صورة ذهنية للمرأة الأم وربة المنزل على أنها امرأة محدودة الأفق والقدرات والطموحات تابعة للزوج لأنه ينفق عليها وعلى الأسرة، كما أن هذه البرامج تعلي من الدعوة الى أن العمل هو وحده الذي يعطي للمرأة قيمتها الحقيقية، فأهدافها وطموحاتها لن تتحقق إلا خارج إطار الأسرة وبعيداً عن سيطرة الرجل، وعليها أن تختار إما أن تكون ناجحة عملياً أو ناجحة أسرياً، فنادراً ما تقدم هذه البرامج نماذج ملهمة للمرأة الناجحة القادرة على الجمع بين النجاح الأسري والعملي.

  • التركيز على الجانب الصراعي بين الرجل والمرأة:

تتناول معظم البرامج النسائية ــــــ عن غير وعي بمدى خطورة ذلك ــــــ القضايا الصراعية والمشاكل اليومية بين الرجل والمرأة من أجل جذب المتفرجين وتحقيق أعلى نسب من المشاهدات على حساب القيم الأخلاقية والأسس الاجتماعية، فيعتمد أحد البرامج في محتواه[1] على الرفض لوجود الرجل في المجتمع بداية من إسم برنامج الذي يشير إلى الرغبة في

تخلص العالم من الرجال مروراً بالاعتماد في كافة حلقاته على استضافة سيدات من المشاهير تعددت زيجاتهم ليتحدثوا عن تجاربهم الزوجية السيئة والقهر الذي تعرضوا له والخيانة الزوجية التي عانوا منها.

وتركز بعض البرامج الأخرى على قضايا المرأة ومناقشتها دون محاولة التعرف على وجهة نظر الرجل أومشاركته في النقاش، على اعتبار أنه غير قادر على تفهم مشاكل الأنثى وطبيعتها الفسيولوجية، ولا يمكن للزوجة والزوج أن يشاهدوها معاً لما سوف تتناوله من آراء تثير الشجار والخلاف بينهما ـــــ وقد جاء ذلك بشكل واضح وصريح في إعلان أحد البرامج النسائية ـــــ لما تتبناه في بعض أرائها من عداء واضح للرجل ودعوة المرأة للتمرد وتعزيز موقفها في صراعها مع الرجل على حد تعبير أحد المذيعات “هتبقي أسد”، بجانب تناول عدد من القضايا الخلافية من إهانة الرجل لزوجته والخيانة الزوجية بدلاً من التركيز على المودة والرحمة في العلاقات الزوجية، والتغافل التام عن القيم الأسرية ونشر الوعي بمفهوم المشاركة في المهام والمسئوليات المنزلية وتربية الأبناء.

وفي المقابل كان من الطبيعي نتيجة لذلك أن يظهر برنامج يناقش قضايا الرجل ويقدمه مجموعة من المذيعين الرجال لمناقشة مشاكل الرجال في الحياة الزوجية وسيطرة المرأة على كافة نواحي الحياة، كأن الأمر أصبح حالة صراع متكاملة الأركان بين الرجل والمرأة متناسين القيم الإنسانية والحب والتراحم والمودة والمشاركة التي هى أساس الحياة الزوجية والأسرية.

  • التركيز على حقوق المرأة بدلاً من حقوق المجتمع:

 يمكننا القول أن المشكلة ليست في كم البرامج التي تخاطب المرأة ولكنها تكمن في المحتوى، فبعد أن كان هناك أحدى الفقرات المخصصة للمرأة في في إطار برنامج اجتماعي تلتف حوله الأسرة، وتركز هذه الفقرة على الإعلاء من دور الأم في المنزل وحث أفراد الأسرة على مساعدتها فى أداء مهامها وتقديم النصائح الزوجية والأسرية والقيم الخاصة بصلة الرحم والتجمعات الأسرية وكيفية غرز القيم والأخلاق النبيلة في نفوس الأبناء، أصبحنا الآن أمام كم هائل من البرامج التي تخاطب المرأة فقط وليس في إطار أسري حتى وإن خاطبوا في بعض الفقرات المحدودة مشاكل وقضايا الأسرة.

فمعظم البرامج التلفزيونية النسائية تتعامل مع المرأة وكأنها كائن مستقل منفصل عن المجتمع، وهو ما يتنافى مع عادات وتقاليد المجتمعات العربية والتعاليم الدينية من التواصل الإنساني والترابط الأسري، وحتى أن رأى البعض أن هناك بعض الفقرات التلفزيونية التي تتناول المشاكل الأسرية فهذا لا ينفي أن البرامج بشكل عام موجهة للمرأة ولا تتناول القضايا الأسرية إلا في ثنايا الحديث عن المرأة، فهناك حاجة إلى برامج تتناول قضايا الأسرة بجميع أعضائها وتركز على حقوقها ومشاكلها، فبدلاً من حل مشاكل المرأة عن طريق حثها على هجر الأسرة لاستحالة تحقيق طموحها بداخلها عليها أن تحث الدولة على أن تضع نظام عمل يتوافق مع وظيفة الأمومة ومتطلباتها لتتمكن المرأة من أن تحقق ذاتها دون أن تتخلى عن الوظيفة الأسمى لها، وتثقيف الرجل ليعرف عن قرب العبء الذي تقوم به الأم ويقوم بمشاركتها لتخفيف الأعباء المنزلية عليها في إطار الترابط الأسري.

  • الاهتمام المبالغ بالرشاقة والتجميل:

تركز كاميرات البرامج النسائية على جمال وأناقة مذيعات البرامج وجذب أنظار المتفرجين بأزيائهم ومساحيق التجميل الخاصة بهم وانتقائهم للإكسسوارات من الماركات العالمية، مع ما يتعارض هذا مبدئيا مع الأعباء المادية التي تواجهها الأسرة المصرية.

ترى معظم البرامج المرأة بعين واحدة، لا تهتم سوى بالشكل الخارجي لها وما يتعلق به من خطوط الأزياء والموضة وأدوات تجميل وإرشادات رياضية لتحافظ على رشاقتها متجاهلين القضايا الأكثر أهمية، فتعكس البرامج أهمية الجمال والأنوثة كمطلب أساسي وهام للمرأة تسعى إلى أن تنفق من أجله الغالي والنفيس وأنه الطريق الأمثل لنجاح الحياة الأسرية والاجتماعية، متجاهلاً حاجات المرأة الفكرية والنفسية لتسمو وترتقي وتستطيع أن تقوم بدورها في المجتمع، فلم يعد لدينا فقرات مخصصة لتطوير شخصية المرأة العصرية وتثقيفها بالقضايا والأحداث العامة وحقوقها القانونية والسياسية وكيفية مواجهة الثقافة الاستهلاكية وعدم الانسياق وراء الماركات والبرندات العالمية.

وتركز الفقرات الطبية في معظم البرامج النسائية على الجانب التجميلي دون الاهتمام بالتوعية الصحية، والاعتماد المستمر على استضافة دكاترة التجميل للسمنة وإخفاء التجاعيد ومصممي الأزياء لعرض خطوط الموضة،  كل هذا لكي تظل المرأة مستهلكة للسلع التي تنتجها شركات التجميل لتحافظ على سحرها الخاص ومواكبة الموضة في الملابس والمأكولات التي تساعدها في الحفاظ على رشاقتها وتسريحات الشعر المتنوعة والصبغات المختلفة، لكي يظل الضوء منصب على الصورة الاستهلاكية للمرأة.

وفي النهاية لا يمكن لأحد منا أن ينكر دور المرأة في المجتمعات العربية والاسلامية ولا ما تتعرض له من قمع وتمييز، فهناك مشكلة حادة وعميقة تتطلب حل جذري وعاجل، ولكن لا يتم علاج القمع بقمع ولا التمييز بتمييز آخر، ولا يمكن لنا أن نطالب بمنع المرأة من العمل في الحياة العامة مقابل أجر نقدي أو بالحجر عليها عاطفياً وعقلياً، ولكن ما ندعو إليه هو تناول قضية المرأة من خلال قضية الأسرة وفي إطار الإنسانية المشتركة فتكون الأسرة هي الوحدة التحليلية ورد الاعتبار للأمومة ووظيفة المرأة كأم وزوجة فهي وظيفة إنسانية تسبق أي وظيفة إنتاجية.

وهنا يشير الدكتور المسيري إلى العديد من الدراسات التي تناولت آثار ظاهرة تحرير المرأة في الغرب وما نتج عنها من مشاكل تتعلق بتآكل الأسرة وتكلفتها المادية والاجتماعية، والتي انتهت بانسحاب المرأة من الأسرة واستيعابها داخل السوق وتحويلها إلى طاقة عاملة وما نتج عن ذلك من غربة شديدة للأطفال وتحويلهم لعناصر مدمرة، وخلق أمراض وحواجز نفسية يمكن ترجمتها مادياً إلى أرقام قد كلفت الولايات المتحدة البلايين من الدولارات، كما أن هناك بعض الدراسات الأخرى التي توصلت إلى نتائج تتعلق بأن إنتاجية المجتمع على مستوى الكلي تتزايد مع قيام المرأة بدور الزوجة والأم، حيث أنها تقوم بتربية الأطفال تربية صالحة فيصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع وتهدأ من روع الجميع فالزوج والابناء عند عودتهم للمنزل يستعيدوا توازنهم فتتزايد إنتاجيتهم. 

فما يوصي به الدكتور المسيري هو دراسة قضية المرأة في إطارها الإنساني والتاريخي والبحث عن حلول لمشاكلها من داخل نموذجنا المعرفي ومنظومتنا القيمية والأخلاقية، فالمجتمع لابد وأن يسبق الفرد، فبدلاً من الحديث عن حقوق الإنسان ومنها الحديث عن حقوق المرأة كفرد ثم حقوق الطفل كفرد، يكون من الأفضل الحديث عن حقوق الأسرة كبداية يتفرع منها حقوق الأفراد المكونين لهذه الأسرة، وننطلق منها للحديث عن تحقيق الذات داخل إطار الأسرة وانطلاقاً من هذه الرؤية يعاد تعليم الرجل ليكتسب خبرات الأبوة والعيش داخل الأسرة والجماعة وهي خبرات فقدها الإنسان تدريجيا، وفي إطار ذلك سيكون بوسع الرجل أن يشارك في تنشئة الأطفال وأن يعرف عن قرب الجهد الذي تبذله الأم.

كما يجب أن يعاد تعريف العمل لتصبح الأمومة أهم الأعمال المنتجة، وبذلك يقل إحساس المرأة العاملة في المنزل بالغربة وعدم الجدوى ويزداد احترام الرجل لها، كما يجب العمل على تقديم اقتراحات لخلق الوعي لدى المؤسسات الاقتصادية والدولة بأن تضع نظاماً للعمل يمكن من خلاله تقسيم عدد ساعات العمل ليتوافق مع مؤسسة الأسرة ومع دور المرأة كأم وزوجة، وبذلك يمكن للمرأة أن تشارك في عمليات الإنتاج في سوق العمل دون أن تفقد هويتها كأم وزوجة، ويساهم ذلك في تحقيق المرأة لذاتها دون أن يكون ذلك مشروطا بتخليها عن الأسرة وعن دورها الاجتماعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

[*] حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة.

[1] برنامج “قطعوا الرجالة” الذي تم تغيير اسمه بعض إذاعة عدة حلقات.

المراجع:

  1. عاصم واصل، النظرية النسوية وإشكالية المصطلح، (الجزائر: دار المنظومة)، 2011
  2. عايب كوثر، دور البرامج التلفزيونية النسائية في ترتيب أولويات المرأة تجاه مختلف القضايا، (كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية: جامعة العربي التبسي)، رسالة ماجستير، 2015/2016
  3. عبد الوهاب المسيري، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة: المجلد الأول، (القاهرة: دار الشروق)، الطبعة الأولى، 2002
  4. عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، (دمشق: دار الفكر)، الطبعة الأولى، 2002
  5. عبد الوهاب المسيري، قضية المرأة: بين التحرير والتمركز حول الأنثى، (الجيزة: نهضة مصر)، 2010
  6. منى سعيد الحريري وسلوى إمام علي، المرأة العربية ومنزلتها في الفضاء السمعي والبصري: التجربة المصرية مثالاً، مجلة الإذاعات العربية، متاح على الرابط التالي: http://www.asbu.net/asbutext/pdf/2008_01_056.pdf
  7. نادية لمهيدى، المرأة في البرامج التلفزيونية غداة الربيع العربي، مجلة الدراسات الإعلامية، العدد: 5، نوفمبر 2018
  8. هالة كمال، لمحات من مطالب الحركة النسوية المصرية عبر تاريخها، مؤسسة المرأة والذاكرة، العدد:5، 2016

عن رضوى منتصر الفقي

شاهد أيضاً

الأسرة المسلمة ومواجهة المشكلات المعاصرة

د. إسماعيل راجي الفاروقي

ساهمت عوامل عديدة في تآكل الرابطة الأسرية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، تشمل النزوح إلى التجمعات الحضرية الكبرى، التي لا يعرف أحد فيها أحداً، للبحث عن عمل، والاختلاط بين الجنسين، والتسيب الخلقي، والاستقلال الاقتصادي للمرأة، وروح الفردية الجامحة، واستبطان فكرة إطلاقية الطبيعة.

علاقة الزوجين من منظور فقه الحياة

أ. منال يحيى شيمي

تشهد الساحة الثقافية في مصر منذ فترة جدلا حادا حول موضوعات تتعلق بالزواج ومؤسسة الأسرة، يشتمل هذا الجدل على تفاصيل مثل: واجبات الزوجة داخل المنزل...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.