الإسلام في مواجهة المثلية

الإسلام في مواجهة المثلية*

محاضرة دكتور كارل شريف الطوبجي**

تقديم بول ويليمز Paul Williams***

يُطرح خطاب الـ LGBTQ، (الذي يشير إلى مجتمع الشواذ من الجنسين والمتحولين بينهما) (lesbian, gay, bisexual, transgender, queer)، حاليا في الغرب على أنه خطاب أخلاقي “Moral discourse”، أي على أنه مسألة تتعلق بقيم المساواة، والكرامة الإنسانية، وحقوق الإنسان، والعدالة. هذا الخطاب يمثل بالنسبة للشباب المسلم في الخارج تحديا كبيرا. ذلك أنه إذا عارض أحدهم هذا الخطاب فإنه يعتبر معاديا لهذه القيم السامية.

وكما يمثل هذا الخطاب تحديا للشباب، فإنه يمثل تحديا للشيوخ، فقد يذهب الشاب المسلم (الذي يعيش في الغرب) ليسأل شيخا عن موضوع المثلية (homosexuality)، في الوقت الذي يكون لكل منهما تصور مختلف تماما عما يعنيه هذا الأمر، لأن كل منهم يعيش في إطار نموذج معرفي مختلف. فالشاب يتحدث عن مشاعر أو توجه سياسي، في حين أن الشيخ لن يفهم الأمر إلا على أنه إشارة للعملية الجنسية نفسها.

الحاصل أن هذه القضية أصبحت أعقد من مجرد كونها إشارة إلى سلوك جنسي يأخذ حكم الحل والحرمة، فهناك مفاهيم كثيرة مركبة مرتبطة بهذا الأمر. لذا سوف نبحث بعمق في هذه المسألة، حتى نفهم أكثر عما نتحدث، وحتى يكون هناك تواصل أفضل بيننا، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.

ما هي المثلية في التصور المعاصر؟

المثلية في السياق المعاصر عادة تشير إلى:

  • الميل الرومانسي والانجذاب الجنسي لواحد من نفس النوع.
  • الدخول في علاقة جنسية مع واحد من نفس الجنس.
  • تبني هوية شخصية واجتماعية استنادا إلى تلك المشاعر والأفعال.

المثلية تخلط هذه العوامل الثلاثة بشكل ملغم ومضلل في جملة واحدة هي “I am a Gay “، في حين أن هذه العوامل الثلاثة منفصلة تماما في الواقع. هذا التصور حديث جدا في الواقع، ومقصور تماما على الغرب الحديث. إذ تعتبر المثلية هوية وكيان، وليس شعورا يطرأ على الشخص. فهو يقول “أنا أكون” وليس “أنا اشعر أو أنا أحب”. المثلية عرفت قديما لكن لم يحدث أبدا أن تم اعتبارها هوية، بل كانت دائما فعل. وعلينا نحن كمسلمين أن نكون على حذر ووعي دائم بهذا الخلط.

بالنسبة للغرب ما يهم في الأمر هو “التراضي،” فطالما أن هذا الفعل يتم بتراضي الأطراف لا مشكلة. التراضي هو معيار الحكم على الشيء.

أما بالنسبة للمسلمين فالتراضي ليس معيارًا على الإطلاق، المعايير عند المسلمين يضعها الله ورسوله، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} ‎﴿الأحزاب ٣٦﴾‏. وجود الرغبة ليس مبررا للاندفاع ورائها، والتصرف بناءً عليها، هذا ليس مبررا أخلاقيا، وإلا سوف يندفع المرء وراء الكثير من الأشياء غير الأخلاقية.

نحن كمسلمين ننظر إلى ما أحله الله وما حرمه الله، هذا هو المعيار والمبرر لدينا للقيام بالفعل أو تركه وليس مجرد الرغبة.

أين نحن الآن؟

على مستوى الأعمال الأدبية هناك زيادة رهيبة في عدد الكتابات التي تروج لخطاب الـ LGBTQ خلال العقد الماضي، وخاصة الأعمال والكتب الموجهة للمراهقين. ففي عام 2010 كان هناك تقريبا عشرة كتب وجهت لهذا الغرض، وفي 2016 ارتفع هذا الرقم ليصل الى 80 عملا أدبيا. تطور الأمر بسرعة رهيبة، حيث أنتج في عام 2019، 118 فيلما تحمل مضمونا عن المثلية. فالتعبير عن المثلية في الأعمال الفنية يتم بنسبة تفوق نسبة وجودها في الواقع بمراحل. ومن الملاحظ تعمد توجيه الأعمال “عن المثلية والهوية الجنسية” للأعمار الأصغر فالأصغر، حتى إن الطفل في الغرب بمجرد أن يبدأ تعرفه على العالم وعلى نفسه لابد وأن يكون قد تعرض لمادة أو أكثر بهذا الشأن.

من ناحية أخرى، أصبحت “المناهج الدراسية” تتناول المصطلحات المثلية الجديدة، وتعرف بها، وأصبح الأطفال يتعلمون أن هناك فرقا بين “الجنس” و”الجندر” و”الميل الجنسي” و”التعبير عن الميول الجنسية”.

اكتسب الأمر زخما أكبر بعد صدور تشريع فيدرالي في الولايات المتحدة عام 2015 يسمح بالزواج من نفس الجنس في أنحاء البلاد. حتى إنه عندما تجرأ حاكم ولاية فلوريدا في أحد المرات وطلب عدم إثارة الحديث عن المثلية في السنوات الأولى من التعليم، ويقصد بذلك الصفوف الأولى والثانية الابتدائية، تعرض لهجوم ومعارضة شرسة، وخرجت شركة ديزني لتعلن أنها سوف تقف بالكامل ضد هذا القرار.

وفي يونيو من عام 2022 (ما يعرف بشهر الفخر للمثلية) نشرت السفارة الأمريكية في الكويت تدوينة على حسابها تدعم فيها المثلية، جاء فيها “إن كل البشر لهم حق المعاملة باحترام وكرامة والعيش بدون خوف بغض النظر عمن هم أو من يحبون”.

هذه الأمثلة وغيرها تدفع للتساؤل: كيف تفاقم الأمر إلى هذا الحد؟ وكيف تم تسيسه واستخدامه ضد المسلمين على النحو الذي يجري به حاليا؟ ذلك أنه إذا صرح إمام مسلم بأن الإسلام يرفض مثل هذه العلاقات المثلية فإنه يُمنع من الخطابة في المساجد، على اعتبار أنه يستخدم خطابا يحث على الكراهية. وعلى الرغم من أن الديانة اليهودية ترفض هذه الممارسات أيضا، إلا أن الأمر يتم استخدام سياسيا لإثارة الرأي العام ضد المسلمين على نحو أوضح.

من ناحية أخرى، هناك محاولات للاستيلاء على اللغة، وإعادة تعريف مفاهيمها بشكل عاطفي ومتحيز، حتى أصبحت تلك المفاهيم محملة أيديولوجيا. إذ يتم الترويج لمصطلحات مثل “الحق في الحب”، “المساواة في الحب”، “الحقوق المتساوية”، ووصم من يعارض أو يقف ضد هذه المصطلحات الجديدة بأنه غير أخلاقي.

(وهنا يجب التأكيد إن التعامل مع الناس باحترام وكرامة هي فكرة نقدرها كمسلمين، وندعمها، لكن المشكلة في تعريف الاحترام والكرامة هنا!!)

وهناك أيضا محاولات الترويج للمثلية بين المسلمين، عن طريق ادعاء أن الإسلام ليس ضد المثلية، بزعم أن القرآن لم يذكر شيئا عن المثلية. وقد سمحت جامعة أونتاريو في كندا بنشر ملصق ضخم بعنوان “الاحتفال بقوة الحب،” وعليه صور لعلاقات مثلية، منها صورة لسيدتين ترتديان الحجاب الإسلامي وتقبلان بعضهما البعض. مما أثار غضب الطلبة المسلمين في الجامعة، ولم يُرفع الملصق إلا بعد أن تم جمع عدة آلاف من التوقيعات المعترضة عليه.

وتتضمن هذه المحاولات تطبيعا لمفهوم المثلية، وتأكيدا على أنه يشير إلى جملة من الأفكار والمشاعر والهوية، وأنه ليس ممارسة جنسية فقط. ومن يرفض ذلك من المسلمين يتم إظهارهم على أنهم مجموعة من المتعصبين الذين يرفضون شيئا لم يحرمه كتابهم المقدس، واعتُبر ممارسة مشروعة على مدار تاريخهم. (وهذه معلومات زائفة، لا تدعمها أي دراسة بحثية جادة).

كل هذا الحديث عن LGBTQ بالنسبة لأي شاب في العشرينيات صار أمرا عاديا وجزءا من ثقافته، على خلاف من هم في الأربعينيات من العمر، ممن يشعرون بنوع من الصدمة، من كثافة هذا الخطاب، وإلحاحه، خاصة وأنه كان (منذ زمن غير بعيد) خطابا محرما حتى في إطار المجتمعات الغربية نفسها.

لذا فمن المهم بالنسبة للمسلمين أن يفهموا وينظروا كيف سيتعاملون مع هذا الأمر المتسارع جدا في انتشاره.

كيف بدأ الأمر؟

بدأت الثورة الجنسية في الستينيات من القرن العشرين، صحيح إن إرهاصاتها قد ظهرت منذ الثلاثينات، ولكنها تبدت بوضوح في الستينات نتيجة عدة محفزات منها:

  • قانون تحديد النسل وظهور وسائل تحديد النسل: فتاريخيا ارتبط الجنس بالإنجاب، وارتبط كلاهما بالزواج، حتى يكون الطرفان على استعداد لاستقبال أطفال وتقديم البيئة الراعية لهم. وكانت كل الطوائف المسيحية حتى الثلاثينات من القرن العشرين ضد منع الحمل الصناعي، ولم يصبح ذلك الأمر قانونيا إلا في الثلاثينيات. وإذا أصبح الجنس غير مرتبط بالإنجاب فلماذا يتقيد بالزواج بعد الآن؟ شجع هذا الفهم على ممارسة الجنس بدون زواج. بالطبع هناك أسباب اجتماعية أخرى أدت لهذا التغير الاجتماعي. والدليل أنه رغم انتشار وسائل منع الحمل في الصين والبلاد الإسلامية إلا أنها لم تشهد ثورة جنسية كتلك التي شهدها الغرب. إذن هناك تحولات كبرى أخرى أدت لهذا.

وضع ما سبق المؤمنين في موقف صعب. فهذه الأشياء التي تفصلها الثقافة الغربية مرتبطة جدا. ففي المنظومة الدينية الجنس والإنجاب والزواج والأخلاق لا ينفصلون. طبعا في المسيحية هناك نظرة سلبية للجسد والجنس. في حين أن الإسلام له نظرة وسطية في العلاقة بين الروح والجسد، فهو لا ينظر للعملية الجنسية بأي نوع من السلبية طالما هي في إطار الشرع، بل على العكس يثاب المرء عليها “وفي بضع أحدكم صدقة” الحديث.

  • ظهور عدد من الحركات الاجتماعية “التحررية” منها: حركة المساواة، الحركة النسوية. هذه الحركات شجعت النساء على العمل خارج المنازل، مما أدى الى ظاهرة المنازل الخاوية، وإلى ارتفاع ضخم في حالات الطلاق وإلى أفول الأسرة النووية. ما أحدث خللا اجتماعيا رهيبا.

والمعروف أنه حتى الستينات من القرن العشرين كانت المساكنة بين الرجل والمرأة خارج نطاق الزواج شيئا غير مألوف وغير شائع وغير مقبول اجتماعيا. في الستينيات حدث تمرد ورفض عنيف لهذه القيم الأخلاقية. وبحلول الثمانينات أصبح الناس في الغرب يقبلون علاقات الرجل والمرأة خارج الزواج طالما أنها عن تراضي consent وليس بها إجبار.

  • سقوط مملكة الدين في الغرب. بالمقارنة بالعالم الإسلامي الذي ظل فيه الدين والعلاقة بالله سياجا يحفظ علاقات الجنس والأسرة والنسب. وبالمقارنة بالصين التي ظلت التقاليد بها تحمي مؤسسة الأسرة، اختار الغرب طريق العلمانية اللادينية بالكامل. فبالنسبة لهم فإن الخلود خرافة، فبالموت ينتهي كل شيء. وتم تبني أيديولوجيات تعتبر المثلية نوع من الهوية

بدأت الثقافة الغربية بربط الممارسات الجنسية الطبيعية والشاذة بالرغبة، فيما تم الاستغناء عن الأخلاق. فطالما هناك رغبة، وطالما هناك تراض، فإن الفعل لا مشكلة فيه أخلاقيا. وبعد ذلك أصبح هذا الفعل يمثل هوية الشخص. هذه الفكرة، فكرة الهوية الجنسية، تبدو غريبة جدا في أي ثقافة أخرى غير الثقافة الغربية حتى على مستوى اللغة. هذا المعنى غير موجود أصلا فكيف يكون هناك كلمات للتعبير عنه. فالسلوك الجنسي شيء تفعله وليس شيئا تكونه أو يحدد هويتك. بالعربية كيف يمكن أن تقول مثلا: I have a sexuality أو What is your sexuality?، ولكن بالإنجليزية فإن لهذا السؤال معنى واضح بوصفه سؤالا عن الهوية.

تحول المثلية لمسألة هوية يحمل القضية إلى الساحة السياسية، لأن المثلية أصبحت ما نحن عليه وليس ما نفعله في سلوكنا الجنسي، وبالتالي أصبحت أمرا سياسيا حيث السياسة هي القوانين التي تحدد ما هو شرعي وما ليس كذلك. وقد تحولت المثلية تدريجيا إلى أيديولوجية، ثم تطور بها الحال لتصير بمثابة “دين جديد”، لها عقيدة خاصة ولها ممارسات خاصة، ولها محرمات لا يسمح باقترافها!

هذا ويمكن العودة بمقدمات الثورة الجنسية إلى عصر النهضة في القرن 17 وإلى الثورة الصناعية في القرن 18، ثم مع ظهور الحداثة وصعود مبادئ المادية والفردية، والنظرة للعالم على أنه آلة أو مادة مثل الساعة الصماء. وانقطاع الصلة أو العلاقة مع الله.

قبل هذا الوقت كان يتم النظر للأشياء على أنها خلقت لهدف، وكان يتم اعتبار إرادة الله، حتى إنه كان لا يمكن قبول الفرد في الجامعة إذا كان ملحدا، حيث كان هذا يعد أمرا شيطانيا وغير أخلاقي. ولكن مع نهاية القرن 19 جاء نيتشه ليعلن ببساطة “موت الإله”، فانقلب كل شيء. ومع صعود المادية فقد كل شيء المعنى والهدف. ثم جاءت الليبرالية لتضع الحرية الفردية كأولوية. وهكذا صعد الإنسان الفرد إلى القمة، وأصبح هو المتحكم، صاحب السيادة على نفسه وعلى العالم.

وبات الخيار الأوحد الآن بالنسبة للكثيرين أن يعيشوا في عالم بلا معنى، مفتقدين الوجهة والهدف، لأن البديل أن يؤمنوا بالخالق، ما يعني أن يكون هناك معنى وغرض للأشياء (وهذا ما يرفض الكثيرون الإذعان له). فإذا كان الأمر كذلك فإن جسد الذكر أو الأنثى لن يحمل أي معنى بعد الآن، فالشخص نفسه هو الذي يحدد المعنى والهدف الذي يريده.

كل هذه المعتقدات تكمن في خلفية المثلية وهي أساس لما يجب أن نعيه جيدا. فقبل 10 سنوات فقط كان أن تشعر أنك أنثى ولديك جسد ذكر يسمى “disorder”. أما الآن فقد أصبح هذا الشعور يصنف على أنه حق؛ حق أن أعبر عما أشعر به، حق أن أغير جسدي لأكون متسقا مع شعوري هذا. فالعامل الوحيد المهم في المسألة أصبح “العامل النفسي” أو “الشعوري”، وكأن الجسد لا يهم على الإطلاق.

هذه الثنائية بين الروح والجسد (ما أشعر به وما أكونه) موجودة في الفكر الغربي منذ زمن اليونان، حيث كان ينظر للجسد كسجن للروح. أما المسلمون فليس لديهم مثل هذا الاضطراب بين الجسد والروح، فلديهم تعاليم القرآن والسنة الصحيحة، التي هي بمثابة العروة الوثقى المتصلة بحبل الله. فالإنسان جسد وروح وعقل مدمجين معا، لا انفصال بينهم. وبالنظر لصلاة المسلمين نلاحظ هذا الدمج فهي فعل مدمج للجسد والروح والعقل معا.

لذا فمعنى الحرية في الإسلام يشير إلى التحرر من سيطرة النفس، ومن الخضوع لغير الله. إن الخضوع لله يمثل لنا تحقيقا لهويتنا ولفطرتنا العميقة فهو الطبيعة الأصلية لنا. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ‎﴿الذاريات ٥٦﴾.

إن نيتشه عندما أعلن موت الإله أعلن بذلك موت الطبيعة الإنسانية، فكما في القرآن {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} ﴿الحشر 19﴾، وهذا المعنى نراه الآن منطبقا على الناس في الغرب، فعندما نسى الغربيون الله أصبحوا لا يعلمون من هم بعد الآن.

بعد نيتشه جاء فرويد ليعلن أن الجنس أساس سعادة الإنسان والموجه الأساسي لأفعاله. ونظريات فرويد ظلت لعقود طويلة مهيمنة في الثقافة الغربية. (ومع ذلك فإن فرويد نفسه أدرك حاجة الحضارة لاحتواء الجنس والتحكم فيه، كما أدرك بشكل ما الصراع بين الحضارة والجنس). وخلاصة الوضع في الغرب بعد فرويد: ليس لدينا إله فنحن نتخذ رغباتنا وشهوتنا كإله. هذا حرفيا ما فعله فرويد. {فَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ} ﴿فاطر 8﴾.

وهكذا فإن القرآن يخبرنا بكل ما نراه الآن من اتباع البعض للهوى واتخاذهم له إلها. والمسلمون الذين يتخذون القرآن مرجعية ينظرون إلى الأمر من هذه الخلفية، فليس معنى أن يرى الواحد أمرا ما جيدا أنه بالفعل كذلك. قد يكون هذا من تزيين الشيطان {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} ‎﴿النمل ٢٤﴾ وهذا أمر مهم جدا في الرؤية الإسلامية. فمسألة أني استحسن أمرا ما أو أراه جيدا ليست مبررا على الإطلاق لفعله من المنظور الإسلامي، فالحسن ليس ما أراه أنا حسنا، وإنما ما قال عنه الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) أنه حسن. أما الحداثيون فالحسن عندهم هو ما يرونه حسنا، فالذات هي معيار الأخلاق، وهذا مختلف تماما عن الرؤية الإسلامية.

بدءا من الثلاثينات كان ماركيوز وفليهام رياتيش يدفعان نحو الحرية الجنسية، هؤلاء كانوا ضد فكرة الأسرة بشدة، وأرادوا تدميرها، ولم يكن الأمر مجرد رغبة في تحصيل المزيد من المتعة، ولكن لتحقيق المزيد من الحرية الفردية. ثم جاءت “النسوية” ممثلة في سيمون دي بوفوار، لتدفع بنفس الاتجاه، في الخمسينات، كما دعا فوكو كذلك للحرية الجنسية في فرنسا. هؤلاء المبشرون بالنسبة للغرب هم بمثابة الأنبياء، ولا يمكننا أن نغفل أنهم جميعا ملحدون، بل ومتطرفو الإلحاد، فوكو كان منحلا جدا على المستوى الشخصي، ومات نتيجة الإيدز في أحد حمامات سان فرانسيسكو.

في تطور هام، ظهر في أواخر الثمانينات (1989) كتاب “after the ball”. والذي كان همه الأساسي الإجابة عن سؤال “كيف ستتغلب أمريكا على كراهيتها للمثـلية،” وقد وضع مؤلفو الكتاب خطة محكـمة أو “مانفيستو” لجعل أمريكا والعالم الغربي يتخطى رفضه للمثلية ويقبل المثليين، وقد تم تنفيذ هذه الخطة فعلا بشكل مذهل.

جاء في هذا الكتاب أن هذه الخطة تعتمد على دعاية جريئة لا تستحي، دعاية مبنية على علم النفس (ومؤلفا الكتاب كلاهما متخصصان في الإعلان والدعاية من جامعة هارفارد)، وأحد المبادئ الأساسية التي اعتمدا عليها هو: نزع الحساسية تجاه فكرة ومفهوم المثلية عبر تيار من الإعلانات المتعلقة بالمثليين، مقدمة بأحدث الوسائل الجذابة، بحيث أن الرافضين لهذا التيار إن لم يستطيعوا إيقافه، فإنهم سوف يعتادون عليه في النهاية ويتقبلونه.

تحدث الكتاب أيضا عن عمليات تحويل الجنس والترويج لقبولها عبر حملات إعلانية مخططة، مستندة إلى علم النفس، يتم إغراق الإعلام بها. أمام هذه الحقائق لا يمكننا اعتبار الحملة الشعواء التي نشهدها الآن للمثلية أمرا طبيعيا، أو أن هؤلاء مجرد أناس يدافعون عن حقهم في الاختلاف. علينا أن ندرك أن وعينا بالأمر وحساسيتنا تجاهه قد تم توجيهها وإعادة تشكيلها بالكامل بشكل متعمد من قبل متخصصين في علم النفس والإعلان.

نأتي إلى المنظور الإسلامي فيما يتعلق بالجنس:

الله عز وجل خلق الذكر والأنثى، {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ} ﴿آل عمران، 36﴾، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ﴿التوبة، 71﴾، {ِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ﴿الأحزاب، 35﴾، {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} ‎﴿النساء ١٢٤﴾‏. المسلمون يدركون هذا ويؤمنون به ويقبلونه. فالذكر والأنثى لهم دور تكاملي في هذه الحياة، وهم لم يخلقوا على شكل واحد، وبالتالي لا يتم التعامل معهم بنفس الشكل.

هناك حكمة من اختلاف الجسد بين الذكر والأنثى، وهناك وظائف مختلفة للنوعين أرادها الخالق عز وجل. كذلك إن كل فعل جنسي في الإسلام يجب أن يكون لهدف شرعي. فكرة “جسدي اختياري” تلك فكرة لا وجود لها في المنظور الإسلامي، فالجسد أمانة، نحن لا نمتلك حرية التصرف فيها. نحن لسنا ملحدين ولا ماديين. ولا يمكن للآباء والأمهات أن يتبادلوا الأدوار.

ليس هناك تفرقة على أساس العرق في الإسلام، فلا تفاضل إلا بالتقوى. لكن اختلاف النوع معتد به في الإسلام، ليس كفرق في القيمة، فكلا النوعين له نفس القدر والقيمة الإنسانية، ولكنه الاختلاف في التحمل بالأوامر الشرعية. فلا يمكن للمسلمين التوافق مع مفهوم وحدة الجندر ومساواة الجندر.

من أين تأتي الأخلاق؟

في الإسلام تأتي الأخلاق من أوامر الله. {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ﴿الأحزاب، 36﴾. هذه ركيزة أساسية للإيمان لدى المسلمين، فليس خيارا أن ترتدي المرأة الحجاب، أو أن يتصرف المرء بحرية فيما شرعه الله {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} ‎﴿الأحزاب٣٦﴾.

هذه ركائز لا تخضع للمناقشة، فإما أن تخضع لأوامر الله أو أن تصبح عاصيا لله، وكل حالة من الاثنين لها عواقبها التي ندركها كمسلمين؛ عواقب الطاعة، عواقب المعصية. ولكننا لا نختلق المعايير بأنفسنا. لدينا كمسلمين الأخلاق هي ما تحقق السعادة. نحن نعلم أن الله العليم والحكيم يشرع لنا ما هو الأفضل لنا في الدنيا والآخرة، حتى وإن لم ندرك ذلك فعلمه عز وجل محيط بعلمنا. وقد وجد المسلمون أن أخلاق الفضيلة التي جاء بها أرسطو تتوافق إلى حد كبير مع ما جاء في الشريعة.

في الخطاب الأخلاقي المعاصر لا محل لهذا الكلام، لإنه “لا وجود لله” في هذا الخطاب، فالإنسان هو الذي يضع الأخلاق حسب ما يراه. وتم فصل الأخلاق الجنسية عن الدين كما ذكرنا سابقا. “كانط” يعطي السلطة للإنسان الفرد في وضع القانون. و”الأخلاق النفعية” هي الفكرة المهيمنة في الغرب الآن consequentialism، والعواقب النفعية يحكم عليها أو يتم حسابها بشروط ومعايير ذاتية بحتة، ومادية دنيوية بحتة.

أما في الإسلام، فالقوانين المتعلقة بالجنس مركزية وأساسية ومهمة، وهي ليست محلا للنقاش. وهي متعلقة بالإيمان. الزنا على سبيل المثال من الكبائر في الإسلام، ويعد خرقا لواحد من المقاصد الأساسية للشريعة. وهو خطيئة وجريمة اجتماعية. وقضية حفظ الأنساب قضية مهمة جدا في الشريعة.

الآيات المتعلقة بقوم لوط:

الخطيئة الكبرى والأساسية لقوم لوط تمثلت في إقامة علاقة جنسية مع أفراد من نفس النوع. وهذه هي الخطيئة الأساسية التي تم التأكيد عليها في كل الآيات المتعلقة بقوم لوط، نعم ذُكرت خطايا أخرى لقوم لوط مثل قطع الطريق، لكن الخطيئة الكبرى التي تم التأكيد عليها هي الشهوة لنفس النوع. بعض المفسرين الجدد حاولوا إعادة تفسير الآيات وتأويلها لتصبح هذه الخطيئة هي الاغتصاب أو أن يكون هذا الفعل عن غير تراض من الطرفين، لكن هذا غير منطقي على الإطلاق، حيث يؤكد القرآن مرارا على الخطيئة الكبرى لقوم لوط بشكل واضح وصريح، بشكل لا يدع مجالا للتأويل {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} ‎﴿الأعراف ٨١﴾‏. وفي قولهم {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} ‎﴿النمل ٥٦﴾ إشارة إلى أن الأمر ليس اغتصابا إذن.

جاءت الآيات المتعلقة بقوم لوط واضحة جدا، حتى عندما يقول نبي الله لوط {قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} ‎﴿هود ٧٨﴾. فإن الفارق الوحيد بين بناته والضيوف هو النوع، فهن نساء والضيوف رجال.

ورغم هذا الوضوح الشديد للآيات يصر البعض على تحريف القضية وتفسير الآيات على أنها تعني الاغتصاب، أو أن المشكلة تكون فقط في حال عدم وجود تراضي، لماذا؟ لأن عقلهم الحديث المعيار فيه هو معيار التراضي، لكن الآيات واضحة جدا، ولا تقبل هذا التفسير، ومن العبث محاولة فرض رأينا ومعاييرنا عليها.

في المسيحية يمكنهم رفض ما يقول الإنجيل، أو أن يكون لك رأي مخالف، لأن نوع الوحي مختلف، الإنجيل حاليا منتج بشري. لا يمكن أبدا أن نعامل القرآن بنفس الشكل، وإذا قلت إنك تختلف مع القرآن فأنت خارج الديانة. طبعا يحاول الحداثيون المسلمون التعامل مع الأمر بشكل آخر باستخدام السياق الثقافي والتاريخي والقول إن السياق اختلف والظروف وكذا.

السؤال الذي يطرح الآن: هل أكون آثما إذا كان لدي ميل جنسي لنفس النوع؟ وليس لدي ميل جنسي للنوع المقابل؟

هناك مبدأ أساسي في الإسلام؛ وهو أنك محاسب على ما تستطيع التحكم فيه وما هو داخل إرادتك {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ﴿البقرة 286٧٨﴾. فلا تكون آثما لمجرد وجود تلك المشاعر لو أنها خارجة عن إرادتك، لكن هذا لا علاقة له بما تفعله. كون لديك اضطراب في المشاعر الجنسية disorder”” لا يعني أن يترجم هذا لأفعال، فأنت مسؤول عن أفعالك. وهذا الفعل خطيئة وحرام في الشرع الإسلامي. كذلك فان عملية تحويل الجنس في الإسلام هي حرام، وتناول الهرمونات لتحويل الجنس هذا أيضا حرام.

أما فيما يتعلق بالممارسات فأنت ممنوع أن تتشبه بالجنس الآخر في الزي والتصرفات. في كل المجتمعات هناك تمايز بين الرجال والنساء، نحن نخضع له بشكل ما ولا يصح تجاهله، التشبه بالجنس الآخر محرم في الإسلام بشكل قاطع. فلا يجوز لك أن تعبر عن نفسك كما تريد، وتتجاهل تقاليد المجتمع في هذا، هذه ليست فلسفة الإسلام، هذه فلسفة علمانية فردية راديكالية. يمكنك أن تختار دينك ومرجعيتك المعرفية، لكن لا تخلط المرجعيات معا، فهما مختلفتان تماما. فإذا كنت مسلم فتصرف على هذا الأساس، وإذا كنت علماني فتصرف على هذا الأساس.

فيما يتعلق بالصفات manners:

قد يتساءل البعض عن حكم الشريعة في الرجل الذي يكون صوته صوت أنثى أو طريقته في السير كالأنثى “المخنث”، وأيضا عن المرأة “المسترجلة”؟ يقول العلماء إن هذه الصفات قد تكون خلقية أو نتيجة النشأة (مكتسبة)، فإذا كانت مكتسبة صار من الواجب تغييرها، وإذا كانت خلقية ينقسم العلماء في هذا الأمر؛ فريق يرى أنه من الواجب على هذا الفرد أن يحاول تصحيح هذه الصفات ليكون متوافقا مع جنسه، فاذا لم يستطع بعد المحاولة يسقط عنه الإثم. أما إذا لم يحاول فيكون آثما لعدم المحاولة. الفريق الآخر يرى أن الفرد غير ملزم بالمحاولة، طالما أن الأمر طبيعي وخلقي وغير متعمد، فهو غير مجبر على محاولة تغييره. في هذه الحالة لا يجوز شرعا معايرة هؤلاء أو السخرية منهم أو الحط من شأنهم.

فيما يتعلق بالاهتمامات والسلوك:

كأن يكون الرجل عاطفياً مثلا أو سريع البكاء، أو أن يكون مهتما بالطبخ والفن والحياكة وهي أعمال تصنف أحيانا على أنها اهتمامات نساء.. فإن حكم الشرع في هذا الأمر واسع وغير مقيد، وإلا فإن النبي e كان يساعد زوجاته في أعمال المنزل. لذا لا يليق أن نقول إن هذه من أعمال النساء. كذلك لا يوجد ما يمنع من أن تكون بعض النساء قادرات على التصدي لبعض من الأعمال الخشنة، التي تتطلب صلابة وقوة، بعيدا عن الصورة الهشة التي قد يحصر البعض النساء في إطارها.

والخلاصة أن هناك عاملا ثقافيا يحدد ما هو لائق وما هو غير لائق بالنسبة للرجال والنساء، وبالنسبة للتفاعل وطبيعة العلاقة بين الأفراد من الجنس الواحد، لكن مع ذلك هناك قواعد شرعية عامة وحاكمة، فوق الثقافة، تضع حدودا لا يمكن تجاوزها، مثلا هناك سلوكيات محرمة في الإسلام للتفاعل بين الأفراد من نفس الجنس، كتحريم النظر للعورة وتحريم النوم في نفس الغطاء.

إن الجنس والهوية الجندرية والميل الجندري والتعبير عن الجندر يفترض أن يتوافقوا معا بشكل طبيعي، وعدم اتفاقهم يعد خللا، ووجود خلل ما واستثناء لا يعني إهمال القاعدة الأساسية أو تجاهلها. فهذه الأشياء ليست متغيرات منفصلة أو مستقلة كما يتم الترويج الآن، وكما يعلم الأطفال في المدارس.

إن الجندرية بهذا المعنى هي أيديولوجية مختلفة تماما عن الإسلام، ونظرة مختلفة تماما للعالم. ولا يعد عدم اتفاقنا معها إخلالا بمفهوم الكرامة الإنسانية كما يحاول البعض تصوير الأمر، هذا ليس مفهومنا عن الإنسان.

أما فيما يتعلق بوجود حالات فعلية لأشخاص “مضطربي الجندر” فإن هناك قواعد خاصة في الإسلام للتعامل معهم، فهم ليسوا نوعا ثالثا، ولكنها حالة نفسية وعاطفية، وكما قلنا فإن العمليات التحويلية واستخدام الهرمونات كل هذا محرم في الشريعة.

أخيرا بتجميع كل هذه الأجزاء معا نصل إلى تصور ما عن موقف الإسلام من المثلية:

– لا توجد كلمة في الشريعة تعبر عن المثلية، التي هي كلمة حديثة في الغرب نفسه.

– كلمة مثلية كانت تستخدم حتى الثمانينات للإشارة إلى فعل، والموقف تجاه هذا الفعل، هل هو صواب أم خطأ.

– كلمة مثلية ليست هي المستخدمة الآن فقد صارت قديمة نسبيا، بل وتعد مهينة بالنسبة لأنصار LGBT، ومع ذلك أنا أفضل استخدامها لأنه ليس لدينا كلمة في الإسلام تعبر عن هذا المعنى، كما أنها أكثر حيادية من كلمة LGBT المحملة بكثير من المعاني السياسية والاجتماعية كما شرحنا، والأفضل للمسلمين تجنب استخدام هذه الحمولات السياسية والاجتماعية والاقتصار على الإشارة إلى الأفعال.

– اعتبار المثلية مسألة هوية وليس مسألة فعل يبدل النقاش وينقله تماما إلى مساحات أخرى، وهذا مهم جدا لأن الغرب الحديث يصر على أنها مسألة هوية وليست مجرد فعل، ويقف ضد كل من ينتمي لمرجعية مختلفة ويرفض هذا الفعل، ويتهمه بأنه إقصاء لأفراد مختلفين ورفض لوجودهم في الحياة.

لبناء إطار معرفي إسلامي عن المثلية أو لمعرفة ماذا يقول الإسلام عن المثلية:

إن الشريعة الإسلامية إنما تخاطب الأفعال وليس الرغبات، فالإسلام لا يحاسب الناس على أساس رغباتهم ومشاعرهم الداخلية، ولكن على أساس أفعالهم. ولهذا يجب أن نفصل بين الرغبة / الفعل / الهوية فهي ثلاث متغيرات منفصلة لها قواعد مختلفة في التعامل معها.

قبول المفهوم الغربي الذي يدمج هذه المتغيرات معا في شيء واحد يحول المناقشة إلى مسار مختلف تماما، يجعلها مرتبطة بالعدالة والكرامة والوجود الإنساني وغيرها من المفاهيم الوضعية الغربية، وليس بالمعنى المطلق للعدالة والكرامة والرحمة، فبالنسبة لنا كمسلمين فإن الله هو الرحيم وهو العدل وهو أعلم بنا من أنفسنا.

إن المسلمين الذين يجاهدون أنفسهم في مسألة “اضطراب الجندر” يجب تقديرهم ودعمهم. فهم يواجهون تحديا، كما نواجه جميعا تحديات للسير بحياتنا على مراد الله. وهناك مجموعات دعم للمسلمين الذين يعانون من هذا الأمر.

مرة أخرى لا ينبغي أن تقع في فخ الهوية، شعورك الجنسي هو شيء تمارسه، وليس جوهر ما تكونه، ولا يحدد هويتك. فهذا المعنى هو موجود في الغرب المعاصر وليس في الثقافات الأخرى كما لا يوجد في التاريخ، ولا توجد حتى تعبيرات في اللغات الأخرى تعبر عنه.

إن جهاد النفس لتصحيح هذا الاضطراب يأخذ وقتا، ولن يحدث في يوم وليلة. جميعنا نتأثر ببيئتنا وزماننا، ولكن هناك الكثير من المصادر مما يمكن أن تساعد في تصحيح اضطراب الجندر.

في الختام هناك العديد من المصادر المفيدة في الإجابة على أسئلة لم يتم التعرض لها تفصيلا في المحاضرة، منها: كيف نتعامل مع زملاء العمل أو الجيرة غير المسلمين من “المثليين”؟ وكيف نتعامل لو لدينا فرد في العائلة “مثلي”؟ وغيرها.

إن المثلية بمثابة مشروع استعماري، فهي تمثل نوعا جديدا من الاستعمار الفكري غير القابل للتفاوض، فعلى العالم كله أن يخضع له، وفقا للعقيدة الاستعمارية التي تذهب إلى أن “الغرب هو الأفضل أو أن الغرب يعلم الأفضل”.

ماذا نفعل كمجتمع للتعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح؟

نحتاج أن نبني بقوة وثقة “منظورا إسلاميا” مختلفا عن المنظور الغربي. ونركز على المبادئ والمعاني، والحكمة من وراء التشريعات التي وضعها لنا الخالق عز وجل في هذا النطاق..

إعداد:

أ. منال يحيى شيمي****

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* Islam and “LGBTQ”: Gender, Sexuality, Morality & Identity. Available in:

https://www.youtube.com/watch?v=_M4aHFvrCuI

** حصل كارل شريف الطوبجي على درجة البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة جورج تاون ودرجتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة ماكجيل، ويعمل حاليًا كأستاذ مشارك في الدراسات العربية والإسلامية ومديرا لبرنامج اللغة العربية في جامعة برانديز. درّس لمدة خمس سنوات في جامعة هارفارد، تكمن خبرة الطوبجي العلمية في مجال الفكر الإسلامي، مع التركيز على اللاهوت والقانون والفقه. وهو مهتم بشكل خاص بالأسئلة المتعلقة بالعلاقة بين العقل والكشف في التقاليد الإسلامية وتجليات هذه العلاقة في مجالات الفقه الإسلامي الكلاسيكي والتفسير القرآني.

*** بول ويليامز هو زميل معهد بيركلي للدراسات الإسلامية وهو منشئ قناة Blogging Theology، على YouTube، والتي يقدم من خلالها محتوى أكاديمي وعلمي في موضوع الأديان المقارنة، خاصة فيما يتعلق بالأديان الإبراهيمية. وقد أجرى مقابلات مع علماء بارزين في الدراسات التوراتية واللاهوت الإسلامي/المسيحي وفلسفة العلوم من جامعات أكسفورد وكامبريدج وييل وبرينستون وكلية زيتونا، من بين جامعات أخرى كثيرة. درس بول الفلسفة واللاهوت في جامعة لندن بالمملكة المتحدة.

**** باحثة بمركز خُطوة للتوثيق والدراسات، وحاصلة على ماجستير في العلوم السياسية. جامعة القاهرة.

عن منال يحيى شيمي

شاهد أيضاً

العقل الواعي والعقل المستلب

أ. مهجة مشهور

د. شريف عبد الرحمن سيف النصر

تشهد المجتمعات الإسلامية تفاقما مضطردا لظاهرة يمكن أن نطلق عليها اسم "التطبيع الحضاري" وتشير إلى تلك الحالة من التسرب المتواصل لأفكار وتصورات تتعارض مع الهوية الإسلامية إلى صدور وعقول أبناء هذه الأمة، وتثير هذه الظاهرة السؤال حول مدى ثبات الهوية الحضارية للمجتمعات المسلمة.

تعليق واحد

  1. *من أروع التاصيلات التي قرأتها حول هذا الموضوع مؤخراً، فشكرا لكل من ساهم فيه
    * ورد في المقال – المحاضرة، العبارة التالية :

    “لا توجد كلمة في الشريعة تعبر عن المثلية، التي هي كلمة حديثة في الغرب نفسه.”
    أظن أن أقرب كلمة وردت هي الإسراف و المسرف للفرد و المسرفين، كما ذكرها الله في الآية :
    ﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾
    فوصفهم بالإسراف و بأنهم مسرفون، لكن لم يشع استخدامها ربما لكون ان الإسراف في الاستخدام لدى مجتمعاتنا العربية يدل على معاني أخرى و يشمل أفعال و صفات أخرى غير ما تدل عليه المثلية لكن تبقى هي أقرب كلمة استخدمها القرآن بشكل واضح لوصف هؤلاء القوم.
    و كذلك فإن الشريعة تستوعب مصطلحات يتفق عليها العلماء وليس بالضرورة أنها وردت في القرآن أو في السنة، فمصطلح عقيدة، مستخدم بقوة في كل أدبيات الفقه والشريعة، ولم يرد في آية أو في حديث البتة.
    من هنا يمكن نحت مصطلح ملائم ولعل الشذوذ و الشاذون و الشواذ و الشاذ، هي أكثر ما تعبر برأيي عن وصف الحالة ووصف أتباعها وبغض النظر عن مدى قبول الآخر لها.
    عدراً على الإطالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.