في نقد المقاربة النيوليبرالية في قضايا التغير المناخي
مدخل للتعريف بالانتقال العادل
أ. ميار يحيى منصور*
تقديم:
أدت العلاقة السلبية والصراعية بين الإنسان والبيئة في العصر الحديث إلى ظهور مشكلات بيئية خطيرة لفتت انتباه العالم أجمع واسترعت اهتمامه، وجاءت محاولات حثيثة لمواجهة هذه المشكلات ودراستها للحد من أخطارها وآثارها الضارة على الإنسان والبيئة معًا، وقد لقيت تلك المشكلات اهتمامًا دوليًا ليس فقط لما أحدثته من آثار على المجتمع الدولي فقط، ولكن لآثارها على مسار التنمية الاقتصادية للدول، وتُرجم هذا الاهتمام على المستويات المختلفة؛ الدولية، والإقليمية والوطنية، والذي بدا جليًا في عقد المؤتمرات وإبرام الاتفاقيات والبروتوكولات، والتنصيص في دساتير معظم دول العالم على حق الإنسان في العيش في بيئة سليمة وملائمة، وعليه أصدرت أغلب الدول التشريعات المختلفة لحماية البيئة؛ وقد أصبحت حماية البيئة قضية أساسية من قضايا ديناميات العلاقات الدولية تُعقد من أجلها المؤتمرات وتبرم الاتفاقيات وتُنشأ من أجلها المنظمات لإصلاح الخلل والضرر المتصاعدين الذين يمثلا خطرًا بالغًا على البشرية جمعاء في وقتنا الحاضر المنذِر بحدوث كوارث كبرى تهدد الأجيال الحالية والمقبلة على حد سواء[1].
وبدأ الاهتمام ملحوظًا على المستوى العالمي بالقضايا المتصلة بالبيئة في دول الشمال المصّنِعة في الستينيات من القرن الماضي عندما أُثيرت مسألة الأمطار الحمضية وتسببت في تسميم مصادر المياه العذبة في السويد، وأحدثت خللًا بيئيًا والذي تبين مصدره من الغازات المنبعثة من مداخن المصانع ومحطات إنتاج الكهرباء في دول أمريكا الشمالية، وقد سبق تلك المشكلة ظهور مشكلات بيئية محلية نتيجة تغير أنشطة وأنماط التنمية الاقتصادية والاجتماعية على رأسها التصنيع المكثف وزيادة التجمعات الحضرية التي غزت الريف وغيرت معالمه الطبيعية[2]. فمنذ ذلك الحين لقيت القضايا البيئية اهتمامًا بالغًا على الساحة الدولية.
ومما يزيد القضايا البيئية تعقيدًا ما أفرزه النظام النيوليبرالي أو ما بات يُعرف “بالرأسمالية المتأخرة”[3] من عدم المساواة ليس فقط في توزيع الموارد والثروات بل وفي توزيع الأعباء أيضًا، حيث تشير بيانات موقع [4]one world in Data بأن فقراء العالم هم الأكثر عرضة لمخاطر الانبعاثات الكربونية على الرغم من أنهم الأقل مساهمة في تلك المشكلة؛ ويتجلى هذا التفاوت في أن نصيب مشاركة كل فرد في إصدار ثاني أكسيد الكربون في الدول ذات الدخل المرتفع أكثر من 30 ضعفًا مقارنة بنفس النسبة في الدول ذات الدخل المنخفض، وتعتبر الدول ذات الدخل المرتفع والدول التي تقع في نطاق الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخلUpper Middle-income- والتي تشكل أقل من نصف سكان العالم- مسؤولة عن أكثر من 80% من الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي يؤكد على ضرورة ارتباط القضايا البيئية بالعدالة المناخية واقترانها بمفاهيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، وهو ما تتجاهله الرؤية المادية الرأسمالية لقضايا التغير المناخي.
من هنا يسلط هذا المقال الضوء على المقاربة النيوليبرالية لحل قضايا التغيير المناخي من خلال تسليط الضوء على ركيزتين أساسيتين؛ أولهما آلية أسواق الكربون، وثانيهما آلية “الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة” التي استحدثها صندوق النقد الدولي عام 2022، وسيتم تحليل المقاربة النيوليبرالية والرؤية البديلة لها من خلال التعريف بما يسمى بالانتقال العادل، هذا المفهوم الجديد الذي يعطي أهمية خاصة لتبني مقاربة عادلة وشاملة للعمل المناخي، ودراسة سبل تحقيقه من خلال إقامة تحالفات مجتمعية لدعم الانتقال العادل، وإيجاد هيمنة ثقافية جديدة مقابِلة للهيمنة القائمة وذلك بُغية بناء مسار تحرري، خصوصًا في ظل ما شهدته دول عديدة من انتقال غير عادل ساهم في تهميش المجتمعات الأكثر احتياجًا والأشد فقرًا، وأعاد إنتاج النمط الاستغلالي والإنتاجي الرأسمالي ولكن في ثوب “أخضر”.
تنقسم هذه الورقة لقسمين:
القسم الأول يتناول المقاربة النيوليبرالية لقضايا التغير المناخي: التعريف بأسواق الكربون والصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي.
القسم الثاني يتناول الركائز الرئيسية لمواجهة الهيمنة النيوليبرالية: التعريف بمفهوم الانتقال العادل وممارساته في بعض الدول.
القسم الأول
المقاربة النيوليبرالية لقضايا التغير المناخي
أسواق الكربون والصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي
حتى يتسنى لنا فهم الآليات التي اعتمدت عليها المقاربة النيوليبرالية في قضايا تغير المناخ كأسواق الكربون وآلية الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة الذي أطلقه صندوق النقد الدولي في 2022، ينبغي الإشارة إلى أهم الركائز الأساسية التي استندت عليها المنظومة الليبرالية والتي انعكست على كافة القضايا المعالَجة بما في ذلك قضايا التغير المناخي، حيث إنه لا يُنظر إلى سلوك الفاعل أو أفكاره على أنها مستقلة تمامًا، بل مدمجة في السياق التاريخي الذي يعمل فيه الفاعل. يتكون هذا السياق التاريخي من توزيع للإمكانات والقدرات المادية ومجموعة من الأفكار والخطابات المهيمنة التي تشكل الوعي العام، مما يوفر “إطارًا للعمل” يُفهم من خلاله السلوك الحالي، ومن ثم يعد مفهومًا ومنطقيًا[5].
تتميز العلاقة بين المنظومة النيوليبرالية وقضايا التغير المناخي بالتعقيد؛ حيث تُعزى معظم المشكلات المناخية من ارتفاع درجات الحرارة وحدوث فيضانات وارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات إلى اتباع منطق التراكم الرأسمالي والتسليع والتعامل مع المشكلات البيئية بمنطق مالي بحت؛ فتشير إحدى الدراسات بأنه لم تبدأ درجات الحرارة العالمية في الارتفاع بمعدل مثير للقلق إلا في الثمانينيات، عندما هيمنت النيوليبرالية كقوة اقتصادية في الدول الغربية[6]. منذ ذلك الحين، فرضت المنظومة النيوليبرالية هيمنتها بالتعاطي مع موارد الأرض على أنها سلع، وسمحت للشركات بالإنتاج بمعدلات تتجاوز بكثير قدرة الكوكب على التحمل.
والنيوليبرالية هي المنطق الذي تستند عليه اليوم الرأسمالية على الصعيد العالمي. وتعد النيوليبرالية في هذا السياق نسخة محدثة ومنقّحة من الفكر الاقتصادي الليبرالي الكلاسيكي الذي كان سائدًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قبل الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين (وما كان يُعرف بدولة الرفاه التنظيميةRegulationist Welfare State)). فمنذ منتصف الثلاثينيات إلى منتصف السبعينيات، حلت مقاربة تدخليّة جديدة المتمثلة في النيوليبرالية محل الليبرالية الكلاسيكية التي كانت قائمة على الفكر الكينزي. وفي السبعينيات، عاد الاعتناق بمبادئ الليبرالية الكلاسيكية، أولًا على المستوى الأكاديمي ثم في مجال السياسة العامة[7].
وتشمل المبادئ الأساسية للنيوليبرالية في الوقت المعاصر:
- تحرير الأسواق: تدعو النيوليبرالية إلى الحد الأدنى من تدخل الحكومة بحجة أن هذه الحكومات مسببة عدم كفاءة الأسواق، ومن ثم كان اللجوء إلى الاعتماد على آليات السوق لمعالجة التحديات التي تواجهه هو الحل الأمثل. وعلى مستوى القضايا البيئية؛ يطرح هذا النهج الاعتماد على تقنيات تقلل من التأثير البيئي لاستخدام الوقود الأحفوري[8] من خلال حوافز السوق مثل تسعير الكربون وتجارة الانبعاثات الكربونية دونما التخلي عن ملوثات البيئة المسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
- رفع القيود التشريعية deregulation: تتضمن السياسات النيوليبرالية عادةً تقليل أو إزالة اللوائح التنظيمية المقيدة للأنشطة التجارية والصناعية بدعوى تحفيز النمو الاقتصادي والابتكار والمنافسة.
- الخصخصة: تدعم النيوليبرالية نقل الشركات والخدمات المملوكة للدولة إلى الملكية الخاصة، وذلك بحجة أنها تعزز الكفاءة والإنتاجية عبر القطاعات مثل المرافق والنقل والخدمات الاجتماعية.
- الفردانية: تضع النيوليبرالية تركيزًا على الحريات والمسؤوليات الفردية، مشجعةً الناس على اتخاذ القرارات الاقتصادية، والسعي وراء ريادة الأعمال، وتفضيل مستوى الرفاه الشخصي عن التدخل الحكومي.
- ترابط وتداخل المصالح بين الدول: تعزز النيوليبرالية التجارة الحرة الدولية لإنشاء اقتصاد عالمي أكثر تكاملًا وكفاءة، داعيةً إلى تقليل الحواجز التجارية وزيادة اندماج الدول على المستوى الاقتصادي.
- تدابير التقشف: خلال الأزمات الاقتصادية، قد تدعو السياسات النيوليبرالية إلى تدابير تقشفية مثل تقليل الإنفاق الحكومي وإدارة مالية أكثر صرامة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي، ويتم ذلك بطريقة مؤسسية من خلال الأذرع النيوليبرالية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية).[9]
- إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي: الذي يخلق فرص عمل، وزيادة في الدخل، وتوليد الثروة، مما يؤدي في النهاية إلى تحسينات واسعة في مستوى رفاهية المجتمعات.
أولًا: آلية السوق المشترك والإتجار في الانبعاثات وسوق الكربون
طالت آثار التغيرات المُناخية جميع دول العالم خصوصًا الدول النامية التي تدفع فاتورة تلك التداعيات الناتجة عن الانبعاثات المتسببة فيها الشركات والحكومات في العالم الغربي من خلال الاعتماد على حرق الوقود الأحفوري الذي أعاد إنتاج أنماط الاستلاب ونهب الموارد. ومن ثم فإنه ينبغي للحكومات والمنظمات غير الحكومية وصانعي السياسات اتخاذ ما يلزم لمكافحة تغير المُناخ، وخاصة تجاه انبعاثات الكربون.
في هذا السياق، أشارت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المُناخ (UNFCCC) لعام 1997 إلى الاعتماد على آلية السوق في مكافحة انبعاثات الكربون. وبناءً عليه، جاءت الجهود الدولية في هذا الصدد تؤيد نفس المنحى وتم التصديق على اتفاق باريس في عام 2015 الذي تعهدت فيه الدول 196 دولة على الوصول إلى محايدة الكربون أي صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050.[10]
ولقد تم التوصل لثلاث آليات للوصول لهذا الهدف؛ وهي آلية التنفيذ المشترك، والاتجار في الانبعاثات، وسوق الكربون. تشير الآلية الأولى إلى تنفيذ دولة صناعية مشروعًا يؤدي إلى خفض الانبعاثات في دولة صناعية أخرى بحيث يُحسب مقدار الخفض الذي تحقق ويضاف إلى رصيد الخفض للدولة التي نفذت المشروع خارج أراضيها مقابل ما دفعته من استثمارات لتنفيذ المشروع، ويكمن الهدف من هذه المبادرات في أن تحصل الدول على اعتمادات كربونية من خلال أعمال مثل منع الانبعاثات، أو جمع غازات الدفيئة من الغلاف الجوي، أو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. ثم تُستخدم هذه الاعتمادات بعد ذلك من قبل الشركات أو البلدان لتعويض انبعاثاتها الخاصة.
وتشير الآلية الثانية (الاتجار في الانبعاثات) إلى السماح للدول الصناعية فيما بينها بالاتجار في وحدات الخفض التي تحققت؛ فالدولة التي نجحت في الإيفاء بالتزاماتها لها أن تبيع أي زيادة في خفض الانبعاثات لدولة صناعية أخرى لكي يُضاف إلى رصيدها من وحدات الخفض[11].
أما بالنسبة لآلية سوق الكربون؛ فيعتبر بروتوكول كيوتو لعام 1997 – الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2005 – أول إطار عالمي تم إنشاؤه لأسواق الكربون. يضع هذا البروتوكول أهدافًا ملزمة قانونيًا للانبعاثات من الدول الأكثر تصنيعًا والمعروفة باسم “الشمال العالمي”. تم إدخال مفهوم آليات الإتجار في الانبعاثات في بروتوكول كيوتو من قبل الوفد الأمريكي الذي رسخ عقيدة أن آليات السوق فقط هي التي يمكن من خلالها تقليل الانبعاثات بكفاءة وبتكلفة أقل[12].
ويمكن تعريف أسواق الكربون على أنها نظام تجاري يتم بموجبه بيع أو شراء وحدات من انبعاثات الاحتباس الحراري التي تطلقها الدول وذلك للوصول إلى الحدود الوطنية المسموح بها لهذه الانبعاثات؛ وذلك من خلال تحديد حصص محددة من الانبعاثات الكربونية لكل دولة، وإذا ما تجاوزت دولة حصتها المحددة من الانبعاثات؛ فيمكنها شراء حصص إضافية من الدول التي لديها فائض من حقوق الانبعاثات، وفي المقابل تستطيع الدول التي تحقق لديها تخفيضات في انبعاثاتها أن تبيع حصصها الزائدة للدول الأخرى التي تحتاج إليها، ويرجع استخدام مصطلح الكربون إلى أن غاز ثاني أكسيد الكربون وهو غاز الاحتباس الحراري الأكثر شيوعًا، ويتم قياس انبعاثات الغازات الأخرى بوحدات تُسمى مكافئات ثاني أكسيد الكربون.
ووفقًا للمنظور التشريعي، تُصنف أسواق الكربون إلى نوعين: الأول هو “أسواق الكربون الإلزامية”؛ والتي تهدف إلى استيفاء الدول الشروط المحددة التي تضعها الحكومات، والنوع الثاني هو “أسواق الكربون الطوعية”؛ والتي تسمح للشركات والأفراد بتعويض انبعاثاتهم على أساس طوعي من حيث أرصدة الكربون[13].
ويرى بعض المحللين أن هذه الآليات تهدف إلى فكرة بيع وشراء الكربون في السوق، وهي في واقع الأمر تسمح لكبار الملوثين” شراء حقوق التلويث” من البلدان الأقل تلويثًا التي لا تستطيع الوصول لمستويات تلوث معينة مقررة لهم سابقًا كـ “محفزات استثمار”. فمثلًا، إذا كانت دولة أو شركة تلوث البيئة أقل من الحد المسموح لها بموجب الاتفاقيات الدولية، يمكنها بيع حقوق التلوث غير المستخدمة إلى جهات أخرى تلوث أكثر. وبهذا الشكل، يتم تحفيز الدول الأقل تلويثًا على الحفاظ على مستويات منخفضة من الانبعاثات الكربونية من خلال بيع هذه الحقوق كنوع من “محفزات الاستثمار”. لكن النقد الموجه لهذه الآليات هو أنها قد تتيح لكبار الملوثين الاستمرار في التلويث دون الحاجة إلى تخفيض فعلي للانبعاثات، مما قد يعيق الجهود البيئية العالمية، ويضع العالم بأسره في دائرة مفرغة لا يمكن الفكاك منها ويعمق من تأثير القضايا المناخية على الدول النامية الأكثر ضعفًا والأكثر هشاشة التي ستضطر لاحقًا للتكيف مع هذه التغيرات.
ومن اللافت للنظر أن الاعتماد فقط على واحدة من الآليات الثلاثة المذكورة دونما وجود إرادة حقيقية نحو إحداث تخفيضات حقيقية في الانبعاثات يضعف الجهود الرامية نحو الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، على الرغم من أنها تقدم مسكنات مؤقتة ولا تعالج بشكل فعال المصادر الأساسية لانبعاثات الكربون، خاصة استهلاك الوقود الأحفوري. وعليه، فقد تعرضت مشاريع تعويض الكربون للانتقاد من قبل منظمات دولية غير حكومية مثل “أصدقاء الأرض”، و”غرينبيس Greenpeace” بحجة أن مثل هذه المشاريع تشجع على التعايش مع التلوث المناخي بدلًا من معالجة جذور المشكلة بشكل مباشر.
وتُستخدم آلية تداول الاعتمادات الكربونية غالبًا للتخفيف من انبعاثات الكربون، ولكن هذه الآلية تأتي مع مجموعة من التحديات والانتقادات:
- مخاطر الغسل الأخضر Green Washing: قد تستخدم بعض الجهات الاعتمادات الكربونية لتُسقط المسئولية البيئية الواقعة على كاهلها دون إيجاد حلول حقيقية لتقليل انبعاثاتها الخاصة، مما يؤدي إلى ما اصطلح على تسميته “الغسل الأخضر” وهو يوحي بتقديم صورة مضللة أو مبالغ فيها عن التزامها البيئي. يحدث هذا عندما تهدف الدول إلى شراء تعويضات الكربون بدلًا من تقليل انبعاثاتها الخاصة أو دون وضع استراتيجية دقيقة لتقليل انبعاثات الكربون، مما يثير الشكوك حول فعالية جهودها البيئية.[14]
- صعوبة حساب تعويضات الكربون بدقة، حيث يمكن أن تختلف جهود تقليل الانبعاثات بشكل كبير في فعاليتها بسبب حساسية الانبعاثات لعوامل مختلفة؛ مما يعقد مهمة تحديد التكافؤ بين مشاريع التعويض المختلفة.
- غياب ضوابط الجودة الصارمة والإشراف والشفافية؛ فوفقًا لمنتقدي هذا الأداة، فإن سوق تعويض الكربون يشكل وسيلة إلهاء وتشتيت بدلًا من أن يكون آلية فعالة لمعالجة تهديد تغير المناخ بشكل جوهري.[15] وهذا يرجع بسبب انتشار قضايا الاحتيال في تجارة الكربون؛ حيث استغل بعض السماسرة المعروفين بـ “رعاة الكربون” هذه الأسواق لتحقيق أرباح غير عادلة. عن طريق شراء السماسرة تعويضات الكربون من الشركات والمجتمعات في البلدان النامية (الجنوب العالمي) بأسعار منخفضة، وهذه التعويضات غالبًا ما تكون من مشاريع قائمة على الطبيعة مثل زراعة الأشجار أو الحفاظ على الغابات. ثم يقومون ببيع هذه التعويضات بأسعار مرتفعة للعملاء في البلدان المتقدمة. هذا الوضع يؤدي إلى استغلال المجتمعات والشركات في الجنوب العالمي وعدم تعويضها بشكل عادل عن مساهمتها في تقليل الانبعاثات، بينما يحقق السماسرة أرباحًا كبيرة من هذه العملية.[16]
- الاعتماد فقط على شراء الاعتمادات لتعويض الانبعاثات يثير تساؤلات أخلاقية حول الحياد الحقيقي للانبعاثات وقد يعزز التراخي في تقليل الانبعاثات الداخلية.
- التأثير السلبي على المجتمعات المحلية: قد تضر مشاريع الاعتمادات الكربونية والتي تهدف إلى خفض الانبعاثات الكربونية بالمجتمعات المحلية، خاصة في الدول النامية، من خلال التغيرات التي يتم إدخالها على استخدام الأراضي التي تؤثر على سبل عيش تلك المجتمعات، مثل مشروعات الطاقة المتجددة.) كما سيتضح أكثر في القسم الثاني من هذا المقال من خلال ذكر بعض النماذج).
وعلى الرغم من هذه التحديات، لا تزال الآليات التي ترتكز عليها المنظومة النيوليبرالية قائمة لحل قضايا تغير المناخ؛ إلا أن هذه الآليات تثير الكثير من الإشكاليات فيما يتعلق بتحقيق العدالة المناخية، حيث إن فرص تحقيق تخفيض جذري في الانبعاثات ستظل ضئيلة جدًا بسبب اعتماد هذه الآليات على نمط تسليع البيئة وتقديم مبدأ الربح على إنقاذ البيئة؛ الأمر الذي يفضي إلى تحقيق التنمية غير المتكافئة حيث تستفيد الدول والشركات الغنية من هذه الأدوات على حساب الدول النامية والمجتمعات الضعيفة. هذا الوضع يؤدي إلى تفاقم الأزمات البيئية والاجتماعية، لأنه يعيد إنتاج نفس أنماط الاستغلال والهيمنة الاقتصادية التي أدت إلى الأزمات البيئية الحالية، ويُنذر بضرورة إحداث تحول جذري في النظام الاجتماعي الحالي للإنتاج والتوجهات الأيديولوجية والمادية والتنظيمية المرتبطة به من أجل إحداث تغيير حقيقي ومقاوم لهذه الهيمنة.[17]
ثانيًا: آلية الصندوق الاستئماني للاستدامة والصلابة:
أدرج صندوق النقد الدولي استراتيجية خاصة متعلقة بتغير المناخ في عام 2021 معتبرًا محورية قضايا التغير المناخي على المستوى العالمي وداعيًا إلى “دمج تغير المناخ بشكل منهجي واستراتيجي في الأنشطة الأساسية لصندوق النقد الدولي”، وفي أبريل 2022، أي بعد أقل من عام من إطلاق تلك الاستراتيجية، أنشأ المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي صندوق الصلابة والاستدامة (Resilience and Sustainability Trust Fund)، وهي تعد آلية إقراض ميسرة استحدثها الصندوق لمواجهة تحديات المرونة المناخية والتأهب للأوبئة في الدول منخفضة الدخل، وذلك في إطار دعوة خبراء ومسئولي التنمية في المنظومة الغربية إلى التخلي عن مهمة مؤسسات التمويل الدولية التقليدية في القضاء على الفقر، والتنمية الاقتصادية، والاستقرار المالي، والتركيز بشكل رئيسي على مواجهة تغير المناخ وهو ما يتعرض للانتقاد في إطار ما يعرف بالMission Creep أي تمدد وتوسع المهام الموكلة لصندوق النقد الدولي مما قد يؤثر على كفاءة المهام التقليدية المفترض القيام بها[18].
وقد جاء هذا الصندوق نتيجة لنقص الموارد المالية لدى صندوق النقد الدولي، الذي خصص حوالي 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة (وهي من ضمن العملات الاحتياطية داخل صندوق النقد الدولي) في عام2021 لجميع أعضاء الصندوق البالغ عددهم 190 عضوًا استجابة للمخاوف ذات الصلة بميزان المدفوعات في أعقاب أزمة كورونا، واستفاد من هذا التخصيص بشكل رئيسي الدول الغنية، حيث تم هذا التخصيص وفقًا لحصص كل دولة في صندوق النقد الدولي، مما ترك 55 دولة أفريقية بحصة بلغت 5٪ فقط من إجمالي تلك التخصيصات.[19]
يستخدم صندوق الصلابة والاستدامة حقوق السحب الخاصة المعاد توجيهها لتوفير تمويل ميسر طويل الأجل، لمعالجة عجز ميزان المدفوعات في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل عند التعامل مع قضايا تغير المناخ، حيث أشارت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا في اجتماعات ربيع عام 2023، إلى أن آلية الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة تقدم قروضًا بفترة استحقاق تبلغ 20 عامًا وفترة سماح للسداد تبلغ 10 سنوات ونصف (وهي تختلف عن القروض التقليدية لصندوق النقد الدولي التي تتراوح مدتها بين 3-5 سنوات، مما يعني أنها توفر شروطًا مواتية لظروف الدول النامية مقارنة بالقروض التقليدية في السوق).
ولكن تبين عند تطبيق هذه الآلية في الدول النامية، أنها لا تتماشى مع الوضع الاقتصادي فيها؛ فهي موجهة لدول تعاني أصلًا من ضائقة مادية حتى لو طالت مدد استحقاق تلك القروض، حيث كشف تقرير أصدرته مجموعة الاستجابة للأزمات العالمية التابعة للأمم المتحدة UN Global Crisis Response Group في يوليو 2023 بعنوان A World of Debt عن أن هناك اثنين وخمسين دولة، أي ما يقرب من 40% من العالم النامي يعاني من “مشكلة ديون خطيرة”[20]، ووفقًا لقاعدة بيانات حديثة أعدتها يوروداد Eurodad (التي تضم 48 منظمة غير حكومية من 19 دولة أوروبية) Debt Service Watch Database[21] والتي تفيد بأن دول الجنوب العالمي تعاني من أزمة ديون كبيرة وهي الأسوء على الإطلاق؛ ففي المتوسط، يخصص 38٪ من إيرادات الحكومة لخدمة الديون، وترتفع هذه النسبة إلى 54٪ في أفريقيا في عام 2023.[22]
ويلاحظ أن هذه الآلية لا تتناسب وظروف الدول النامية، بل وتعمق من آثارها السلبية؛ فالشروط المرتبطة بالتمويل الأخضر أو التمويل البيئي المفروض من صندوق النقد الدولي قد لا تتناسب مع ظروف الدول النامية. فبدلًا من تعزيز الاقتصاد وتحقيق الاستدامة البيئية، قد تؤدي هذه الشروط إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على هذه الدول وتفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية القائمة.
كما تخضع هذه القروض الممولة من صندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة لإدارة الحكومات دون مشاركة المواطنين في تطوير مجالات الإصلاح، مع ضرورة تنفيذ تلك الحكومات لسياسات أو مبادرات بيئية مشروطة للحصول على التمويل، مما قد يؤدي إلى تفاقم التحديات الاقتصادية القائمة، هذا فضلًا عن تقييد قواعد الوصول إلى آلية صندوق المرونة والاستدامة؛ حيث يجب أن تكون الدولة المراد تمويلها منخرطة في برنامج مع صندوق النقد الدولي من أجل الوصول لهذا التمويل ويُستثني من هذه القاعدة الاقتصادات التي لديها هشاشة فيما يتعلق بقضايا المناخ Climate-Vulnerable economies والتي لا تزال بحاجة إلى بناء قدرتها على المرونة والصلابة وحتى لو لم تكن تعاني من ضائقة مادية فعلية.[23]
ومما يؤكد عدم فاعلية الاعتماد الكلي على برامج صندوق النقد الدولي في التمويل المناخي أو في التمويل عمومًا، تشير مجموعة واسعة من الأدلة، حتى من داخل صندوق النقد الدولي نفسه[24]، إلى أن سياسات وبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد أثرت سلبًا على ملايين الأشخاص. تشير هذه المصادر إلى أن هذه المؤسسات فشلت في تحقيق أهدافها، بل ساهمت في تعزيز نظام اقتصادي يخدم مصالح النخب والقطاع الخاص بينما يضر بالفقراء والفئات المهمشة وهذا يرجع لطبيعة سياسات التقشف الهادفة بالأساس إلى تقليل حجم الديون التي تؤدي في النهاية إلى تشوه النظام الاقتصادي وإعاقة النمو، مشيرة إلى ارتفاع تكلفة تلك الإجراءات التي فاقت فوائدها بمراحل، كما أن تمويلها لمشاريع الوقود الأحفوري الواسعة النطاق قد وضع سمعتها على المحك.
وقد كشفت ورقة بحثية أعدتها منظمة “أكشن إيد”ActionAid بالولايات المتحدة ومشروع “بريتون وودزBretton Woods Project” أن صندوق النقد الدولي قد قوض الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ من خلال تقديم استشارات تدعم التوسع في استخدام الوقود الأحفوري، مما جعل الدول النامية تعتمد على الفحم والغاز الملوثين، على الرغم من ما يدّعيه الصندوق من ضرورة رفع الدعم عن الطاقة- كجزء من خطته التقشفية والمناخية- لأن الطاقة الرخيصة قد تساهم في توجيه الاستثمارات نحو القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة وتشجّع الاستهلاك المسرف للوقود[25].
وقد تبين حاجة صندوق النقد الدولي إلى مجموعة من الإصلاحات منها تحليل قدرة الدول على تحمل الديون قبل تقديمها قروض الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة للتخفيف من حدة الأزمات التي تعاني منها؛ هذا فضلًا عن ضرورة تكييف المشورة بشأن السياسات المتبعة على مستوى البلد نفسه ؛ وتسهيل الاستثمارات واسعة النطاق اللازمة لمساعدة البلدان على التحول إلى مسار منخفض الكربون .[26]وحتى بعد إدخال هذه الإجراءات الإصلاحية التي يصعب تطبيقها، تظل هذه المؤسسات أداة من أدوات هيمنة الأيديولوجية النيوليبرالية، ويتجلى ذلك ليس فقط في الأدوات التي تفرضها سواء أسواق الكربون أو الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة التي لا تخدم سوى المنطق المادي الرأسمالي، بل تتكشف مساوئ هذه المؤسسات في نقص تمثيل الدول النامية والمعرضة لتأثيرات المناخ في عملية اتخاذ القرارات الرسمية لصندوق النقد الدولي، والحاجة الملحة لإصلاح نظام الحصص الحالي للحفاظ على شرعيته وأهميته على الساحة الدولية، خاصة مع سعيه لمعالجة التحديات العالمية الملحة، بما في ذلك تغير المناخ، في العقود القادمة[27].
القسم الثاني
الركائز الرئيسية لمواجهة الهيمنة النيوليبرالية
مفهوم الانتقال العادل
تتخذ القوى المهيمنة أشكالًا عدة في إنتاج أو إعادة إنتاج نظام اجتماعي يخدم مصالحها، أشكال مختلفة من القوة، تنقسم إلى القوة المادية وذلك من خلال السيطرة على الموارد، والقوة المؤسسية من خلال استخدام القوانين والسياسات وتفعيل الاتفاقيات والبروتوكولات، وأخيرًا القوة الخطابية من خلال تشكيل السرديات أو التصورات العامة. ومما سبق ذكره تبين أن المنظومة النيوليبرالية تستخدم الأدوات الثلاث لتعزيز هيمنتها في علاج قضايا التغير المناخي.
ويلفت هذا التحليل النظر إلى الصراع الذي ينشأ بين القوى المهيمنة والقوى الأخرى المضادة لتلك الهيمنة في النضال من أجل تحقيق الانتقال العادل؛ حيث لا يعني الانتقال العادل إحداث تحول جزئي في النظام سواء على المستوى الفني أو الاقتصادي، بل يطرح تساؤلات حول تحديد أي من الجماعات أو الطبقات سيكون لها اليد العليا في تشكيل ممارسات وسياسات جديدة مستدامة، والذي يتضمن صراعًا بين القوى القائمة (مثل شركات الوقود الأحفوري) والقوى الأخرى التي تدعو إلى استخدام الطاقة المتجددة وتوفير الوظائف الخضراء، حيث تشير الفئة المضادة للهيمنة إلى الدور الحاسم الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني، والنقابات العمالية، والحركات الشعبية في تحدي الهياكل القائمة للسلطة وصياغتها لرؤى بديلة للتنمية، وتعبئة العمل الجماعي، والدفع باتجاه سياسات تضمن توزيعًا عادلًا للتكاليف والمكاسب الناجمة عن الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
كما تؤكد أدبيات الانتقال العادل على تعبئة أشكال مختلفة من القوة (البعد المادي، والمؤسسي والخطابي) لدعم أو مقاومة التغيير. فمثلا، قد تستخدم الشركات القائمة على استخراج الوقود الأحفوري مواردها المادية (رأس المال)، وقوتها المؤسسية (الضغط السياسي من قبل الأنظمة الحاكمة والشركات متعددة الجنسيات)، واستراتيجياتها الخطابية (السرديات حول حتمية النمو الاقتصادي وتسليع قضايا المناخ من خلال فرض الآليات الرأسمالية لعلاج قضايا البيئة) لمقاومة الانتقال العادل، بالتالي يجب على الفريق الآخر المقاوم إيجاد وسائل بديلة للهيمنة.[28]
يحاول هذا القسم الوقوف على بعض المفاهيم وتوضيح أهم العناصر المكونة لهذه البدائل، كمفهوم الانتقال العادل وما يرتبط به من مصطلحات أخرى كالعدالة المناخية والاستعمار الأخضر والاستحواذ الأخضر، ثم بيان إمكانية تحقيق الانتقال العادل في مجال الطاقة، وتقديم نموذج المغرب في هذا الصدد، وتوضيح أهم الدروس المستفادة من هذه التجربة.
نستطيع القول بأن مفهوم الانتقال العادل يُستخدم للإشارة إلى عملية التحول نحو اقتصاد مستدام وأقل اعتمادًا على الكربون بطريقة تراعي حقوق الفئات المتأثرة بهذا التحول، مثل العمال والمجتمعات التي تعتمد على الصناعات التقليدية، ويسعى الانتقال العادل إلى ضمان أن التحول نحو الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة يتم بطريقة تضمن الحماية الاجتماعية، وتوفر التدريب وفرص العمل البديلة، وتُبقي على العدالة الاجتماعية في قلب عملية التحول.
ويتضمن مفهوم الانتقال العادل ركائز محددة. فهو يلفت الانتباه، على سبيل المثال، إلى التأثيرات السلبية التي قد تصيب العمال في قطاعات معينة من خسارة وظائفهم نتيجة لبعض التغيرات المناخية؛ أو نتيجة الانتقال من صناعات التعدين أو غيرها من الصناعات الثقيلة إلى صناعات صديقة للبيئة، والتركيز على تأثير ذلك الانتقال على الفئات المهمشة أو الضعيفة بشكل خاص.
كما يرتبط الانتقال العادل بعملية التخطيط للتغيير، فهو يتطلب عملية شاملة تتضمن العديد من الأطراف المعنية المتأثرة بقضايا تغير المناخ لتحديد الرؤية والاستراتيجية المناخية، بالإضافة إلى إدارة التأثيرات السلبية للانتقال، كما يلفت النظر نحو كيفية تحقيق توزيع عادل لعوائد الانتقال داخل المجتمعات. وهذا جزء من هدف أوسع لمعالجة بعض أوجه عدم المساواة الموجودة مسبقًا، واستخدام مفهوم الانتقال لتحقيق إصلاح اجتماعي واقتصادي أوسع يعزز مجتمعًا أكثر عدالة وإنصافًا[29].
وقد نشأ مفهوم الانتقال العادل في الولايات المتحدة في السبعينيات عندما ظهرت تحالفات جديدة غير مسبوقة من النقابات العمالية والحركات البيئية للنضال من أجل العدالة البيئية في سياق مواجهة الصناعات الملوثة للبيئة. جادلت الشركات بأن الحماية البيئية ستتطلب تسريح العمال، مما دفع النقابات العمالية وجماعات العدالة البيئية والحركات الاجتماعية إلى تكوين تحالفات؛ والتي ركزت على المصلحة المشتركة في تكوين بيئة صحية والحصول على عمل لائق وآمن وذو أجر عادل.
وعلى مدى العقود اللاحقة، انتشر مفهوم الانتقال العادل خارج الولايات المتحدة وكندا إلى مناطق مختلفة حول العالم، وخاصة في أمريكا الجنوبية وجنوب أفريقيا. تعاونت مجموعة متنوعة من الحركات، بما في ذلك الحركات العمالية والعدالة البيئية والمجموعات من السكان الأصليين والنساء والشباب والطلاب، لتطوير وصقل رؤية الانتقال العادل. ركزت رؤيتهم المشتركة على إيجاد حلول جذرية لمعالجة أسباب أزمة المناخ، مع إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وتجديد الاهتمام بقضايا البيئة من منظور سيادة الشعوب. ومع انتشار هذا المفهوم في أوساط عدة، ازدادت محاولة الالتفاف على المفهوم وذلك سعيًا للتخفيف من مغزاه السياسي واستخدامه من قبل أطراف عديدة، بما فيها الشركات متعددة الجنسيات ذات التوجه النيوليبرالي، لوصف مقترحات لا تعدو كونها “استمرار الحال على ما هو عليه” وإيجاد نمط “للاستخراج الأخضر”، وعلى الرغم من محاولات الالتفاف حول هذا المفهوم؛ إلا أن مفهوم العدالة بقي مركزيًا في تعريف ما الذي يعنيه الانتقال العادل.[30]
وقد بدأت الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمناخ بالاعتراف بالتأثيرات الاجتماعية لسياسات تغير المناخ؛ فعلى وجه الخصوص، يتطلب اتفاق باريس من الأطراف الاعتراف بضرورة تحقيق انتقال عادل للقوى العاملة وخلق وظائف لائقة وذات جودة كجزء من التزاماتها تجاه أهداف الاتفاقية لخفض الانبعاثات، وبالتالي، فإن الانتقال العادل في هذا السياق يعني النظر، بناءً على الحوارات والمشاورات، في احتياجات مجموعات العمال والمجتمعات والمستهلكين والمواطنين الذين يتأثرون بالانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، وتقديم سياسات تدعم التنويع في النشاط الاقتصادي، والتدريب على المهارات، وضمان الحماية الاجتماعية.[31]
ويتداخل مفهوم الانتقال العادل مع مفهوم “العدالة المناخية”؛ فيجمع هذا الأخير بين التهديد الذي يحدثه تغير المناخ ونقد اللوائح التنظيمية غير المستدامة وغير العادلة للنظام الرأسمالي العالمي. وفي سبيل مواجهة الخطاب السائد للقضايا البيئية، يدعو مفهوم العدالة المناخية إلى إعادة التفكير في النموذج القائم على النمو الذي يعتمد عليه النظام الرأسمالي العالمي، ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إلى السعي نحو “تغيير الإطار العالمي الحاكم، وليس فقط معالجة قضايا تغير المناخ”، حيث يظهر رفضه للمقاربات المعتمدة على السوق تجاه تغير المناخ والمطالبة بانتقال اجتماعي عادل.
ويعرف بابلو جيروم هوفمان العدالة المناخية بأنها حركة تهدف إلى الانتقال نحو عالم عادل اجتماعيًا ومستدام بيئيًا، مع تأكيد رفض الحركة الجوانب غير المستدامة للنظام الرأسمالي العالمي. تنخرط الحركة في صراع مضاد للهيمنة، وتعارض السرديات المهيمنة حول تغير المناخ، ويعتمد نجاح هذه الحركة على تعبئة النشطاء وبناء ائتلاف واسع. وتشمل العوامل الرئيسية لنجاح هذا الائتلاف وجود هيكل تنظيمي مرن، وظروف سياسية مواتية لتلك الحركة. ومع ذلك، يجب على الحركة أيضًا مقاومة محاولات التفتت من قبل النخب التي تسعى لتشتيتها عن تحقيق أهدافها[32].
وتتمثل أهم تحديات الانتقال العادل في البلدان النامية في: انتشار أسواق العمل غير الرسمية وغياب التمثيل النقابي، مما يترك البعض عُرضة للفقر، والبطالة، هذا فضلًا عن وجود فجوات في المهارات والمعرفة التي تعوق مشاركة أصحاب المصلحة في اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى نقص الخبرة المحلية في إحداث التحول العادل، مما قد يتطلب جهودًا إضافية لبناء القدرات. وبشكل عام، فإن معالجة هذه التحديات أمرًا ضروريًا لتحقيق تحول عادل يأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في تخطيط وتنفيذ العمل المناخي.
هذا ويتأثر خطاب التحول في مجال الطاقة في شمال إفريقيا والمنطقة العربية بشكل كبير بالمؤسسات الدولية النيوليبرالية التي تعتمد بشكل رئيسي على الحلول القائمة على السوق، المطبقة من أعلى إلى أسفل، وتتجاهل الأسباب الكامنة وراء الأزمات المناخية، والبيئية، والغذائية، وأزمات الطاقة. وتميل هذه الحلول إلى تجريد المجتمعات من قوتها وتهميش دور الفاعلية والمقاومة، مع إعطاء الأولوية لوجهات نظر “الخبراء الدوليين” بينما يتم تهميش أصوات الحركات والمجتمعات المحلية. ويكشف كتاب حمزة هاتشومان وكاتي ساندويل[33] “كشف اسرار الاستعمار الأخضر والعدالة المناخية في المنطقة العربية” هذا النهج النيوليبرالي في المنطقة العربية الذي يتجاهل عوامل هامة مثل الطبقة، والعرق، والنوع الاجتماعي، والعدالة، وديناميكيات القوة، والتاريخ الاستعماري، ويُبرز مفاهيم مثيرة للاهتمام مثل الاستعمار الأخضر والاستحواذ الأخضر، ويضرب أمثلة بتجارب “التحول غير العادل” في بعض دول شمال إفريقيا (كالجزائر، والمغرب، وتونس).
ويعبر مفهوم الاستعمار الأخضر عن استغلال المناطق الشاسعة التي تمتلكها الدول النامية بشكل كبير، والتي تعتبر موردًا خصبًا لإنتاج الطاقة المتجددة بهدف تزويد أوروبا بالطاقة الرخيصة لتمكينها من الاستمرار في نمط حياتها الاستهلاكي. ومع ذلك، فإن إنتاج هذه الطاقة يتجاهل بشكل كبير قضايا السيادة والملكية في الدول النامية، مما يؤكد استمرار العلاقات الاستعمارية القديمة التي تتسم بالنهب ونزع الملكية ونقل الأعباء الاجتماعية والبيئية إلى الدول الطرفية. وفي هذا السياق، يظهر مفهوم “الاستعمار الأخضر” كإطار يبرز كيف أن هذه العلاقات الاستعمارية تتجدد في العصر الحديث، ولكن تحت مظلة التنمية المستدامة.
ومن مفهوم الاستعمار الأخضر ينبثق مفهوم “الاستحواذ الأخضر“، الذي يشير إلى الاستيلاء على الأراضي والموارد تحت مسمى البرامج البيئية الخضراء. يشمل ذلك استغلال المعادن النادرة مثل النحاس والنيكل والكوبالت، المستخدمة في صناعة الألواح الشمسية، ومولدات الطاقة الريحية، والبطاريات الكهربائية، مما يساهم في استمرار تقسيم العمل الدولي غير العادل.[34]
وبالتالي فإن مفهوم الاستعمار الأخضر يسلط الضوء على العلاقات غير المتكافئة التي تستغل الدول النامية في سياق الانتقال الأخضر، أما الاستحواذ الأخضر يتعامل مع الاستيلاء على الموارد الطبيعية والأراضي تحت غطاء البرامج البيئية الخضراء، وهو جزء من “الاستعمار الأخضر”، لكنه يركز بشكل أكبر على الأرض والموارد.
ويعكس كلا المفهومين قلقًا متزايدًا حول كيفية استخدام الانتقال الأخضر كغطاء لإعادة إنتاج النمط الاستعماري في علاقات القوة بين الطرف المهيمن والطرف الأكثر ضعفًا.
وعامة يمكن إجمال الركائز الرئيسية للانتقال العادل في:
- تطبيق معايير الإنصاف من خلال الحفاظ على حقوق واحتياجات وقيم الجميع، فلا يتم تفضيل مجموعة واحدة على الأخرى، مع وجود توزيع متساوٍ لأعباء تغير المناخ.
- تقديم حلول شاملة وواضحة، مما يتطلب أن تكون استراتيجيات الانتقال العادل التي يتم تطويرها على المستوى الوطني مصممة بشكل مشترك ومنفذة على المستوى المحلي، بالتعاون مع الجهات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
- أن تكون الحلول مستدامة ومتسقة مع الاستراتيجيات الأوسع والشاملة التي تساهم في التحول الطاقي اللازم للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، أو أقل بكثير من 2 درجة مئوية.
- ضمان مشاركة واضحة ومحددة وفعالة لأصحاب المصلحة، والتركيز على سياسات الحماية الاجتماعية لتعزيز الوصول العادل إلى الفوائد.
- تجاوز فكرة النمو الاقتصادي كمقياس للرفاهية، والإيمان بالتوزيع العادل للموارد، ورفاهية المجتمع، والاستدامة البيئية.
وتدعو نظرية الانتقال العادل إلى تشكيل تحالفات قوية بين مختلف الجهات التي تسعى لتحقيق “انتقال عادل” نحو اقتصاد أكثر استدامة ومساواة. ولكي تنجح هذه التحالفات، يجب عليها خلق هيمنة أيديولوجية ومؤسسية وخطابية بديلة.
هل يوجد ثمة دور يمكن أن تلعبه الدول النامية لمقاومة الهيمنة النيوليبرالية في قضايا التغير المناخي ولتطبيق مفهوم الانتقال العادل بشكل يخدم مصالحها؟
لمواجهة التحديات التي تواجه الدول النامية في انتقالها الطاقوي ولكي يكون عادلًا قدر المستطاع، ومن أجل مقاومة الاستعمار الأخضر والممارسات النيوليبرالية المرتبطة به، يمكن للدول النامية تبني دور نشط ومتعدد الجوانب لتحقيق مصلحة شعوبها وتعزيز سيادتها على مواردها الطبيعية. فيما يلي بعض الخطوات التي يمكن أن تُتخذ لدعم هذا الدور:
1. تعزيز السيادة وتقديم المصلحة الوطنية على تلبية احتياجات العالم الخارجي:
يجب على الدول النامية، التي تتحمل العبء الأكبر للتغير المناخي وتستفيد الدول المتقدمة من خيراتها في انتقالها الطاقوي، أن تعزز قدراتها على التفاوض مع الشركات الأجنبية والمؤسسات المالية الدولية، لضمان أن أي استثمارات في قطاع الطاقة المتجددة تُنفذ بشروط تحقق مصلحة البلاد. يمكن تحقيق ذلك من خلال فرض شروط لها علاقة بنسبة العمالة المحلية، ونقل التكنولوجيا، وضمان استخدام جزء من إنتاج الطاقة لسد احتياجات الأسواق المحلية قبل تصديرها، فمثلًا في حالة مشاريع الهيدروجين الأخضر، يمكن للدولة النامية كمصر والمغرب المطالبة بنقل تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين إلى البلاد، وبناء منشآت تصنيع محلية توفر فرص عمل للعمال المحليين، مما يقلل من الاعتماد على الشركات الأجنبية ويسهم في بناء اقتصاد محلي قوي ومستدام.
2. وضع قوانين لحماية حقوق المجتمعات المحلية:
يجب على حكومات الدول النامية سن تشريعات تضمن حقوق المجتمعات المحلية التي قد تتأثر سلبًا بمشاريع الطاقة المتجددة، مثل مشروعات الطاقة الشمسية أو الرياح. يجب أن تشتمل هذه القوانين المشاورة المسبقة مع السكان المحليين، وتقديم تعويض عن أي خسائر لحقت بهم في أراضيهم أو مواردهم، هذه القوانين يمكن أن تساعد في منع التهجير القسري للسكان وتعزيز قبول المشاريع البيئية على المستوى المحلي، ما يقلل من الاحتجاجات الاجتماعية ويعزز استدامة المشاريع.
3. تنويع مصادر تمويل مشاريع الطاقة المتجددة:
بدلًا من الاعتماد على قروض مؤسسات التمويل الدولية التي تضيف أعباءً على كاهل البلاد، يمكن تنويع مصادر التمويل لمشاريع الطاقة المتجددة من خلال الشراكات الإقليمية مع الدول الأخرى، وإنشاء صناديق سيادية لتمويل المشاريع الاستراتيجية، يمكن أن يشمل ذلك التعاون مع دول الجنوب العالمي لإطلاق مشاريع مشتركة أو الحصول على تمويل من مصادر عربية وإسلامية مثل البنك الإسلامي للتنمية أو صناديق الثروة السيادية في دول الخليج، مما قد يساهم في الانفكاك من التبعية للمؤسسات المالية الغربية.
4. التركيز على تطوير الصناعات المحلية المرتبطة بالطاقة المتجددة:
بدلًا من التركيز على تصدير الطاقة المتجددة للدول الأوروبية، يمكن أن تسعى الدول النامية نحو تطوير صناعات محلية مرتبطة بالطاقة المتجددة، مثل تصنيع الألواح الشمسية، وتطوير بطاريات التخزين، والتكنولوجيا الخضراء. هذا سيساعد في خلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية الاقتصادية، وتطوير مثل هذه الصناعات يساعد على تعزيز القيمة المضافة محليًا، والذي سيكون له آثارًا إيجابية على تقليل من تبعية هذه الدول للخارج.
5. إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات المناوئة للخطاب النيوليبرالي في قضايا التغير المناخي للوصول لبدائل مُجدية (دور مجتمعي توعوي)
ويكون ذلك من خلال تسليط الضوء على مساوئ الحلول النيوليبرالية المقترحة – التي تركز على الخصخصة وتسليع الموارد الطبيعية- وإبراز آثارها السلبية خصوصًا على المجتمعات المحلية في الدول النامية، ودراسة المزيد من حالات الانتقال العادل- إن وجدت- وغير العادل في المنطقة العربية، ولمعرفة كيفية تحسين دور الحركات الاجتماعية الناشطة في مجال البيئة- خصوصًا في ظل وجود هامش ضيق للحريات لتلك الحركات في معظم الدول النامية- لتقديم حلول بديلة عن الخطاب المهيمن.
خاتمة:
استعرض هذا المقال المقاربة النيوليبرالية لقضايا التغير المناخي بالاعتماد على مفاهيم كالهيمنة وعلاقات القوى ولفت الانتباه لمركزية البعد الأيديولوجي، وتبين كيفية توظيف تلك المقاربة البعد المادي من خلال الآليات المرتكزة على السوق والبعد المؤسسي باستخدام مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد الدولي وصياغة استراتيجية تغير المناخ، هذا فضلًا عن البعد الخطابي في هيمنتها على الخطاب السائد لعلاج قضايا تغير المناخ، وناقش المقال تلك المقاربة بتحليل آلية السوق المشترك والإتجار في الانبعاثات وسوق الكربون، وآلية عمل “الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة” المستحدثة من قبل صندوق النقد الدولي في عام 2022، ومدى ملائمة تلك الآلية لاقتصادات الدول النامية، وتبين أن هذه الأدوات تقدم حلولًا مؤقتة غير ناجعة وتُبقي على الوضع القائم محاولةً الإبقاء على الهيمنة وعلاقات القوة غير المتكافئة سواء داخل المجتمعات أو الموجودة على المستوى العالمي.
وتطرق المقال إلى جملة من المفاهيم كمفهوم الانتقال العادل والعدالة المناخية والاستعمار الأخضر والاستحواذ الأخضر، وتبين أنه من أجل الوصول للانتقال العادل فإن ذلك يتطلب تشكيل تحالفات من فواعل التغيير المرتكزة حول مبدأ العدالة، والتي قد تتألف إما من حركات اجتماعية، أو بعض الشركات ودول، ومنظمات غير حكومية، ويتطلب أن تتمتع تلك التحالفات بجاذبية واسعة، مما يسمح لمختلف المنظمات التي تعمل على قضايا متعددة بالاصطفاف خلف مفهوم الانتقال العادل حتى يتولد من هذا الاصطفاف ما يسمى بالهيمنة الثقافية، وإقامة “هيمنة مُقاوِمة” للهيمنة النيوليبرالية القائمة.
وإذا كان الانتقال العادل أمر بعيد المنال على الأقل في المدى القصير؛ نظرًا لما يتطلبه من إجراء تغيير شامل وجذري ليس فقط في نمط الإنتاج واستخراج وتوزيع الموارد بل في علاقات القوة داخل الدول؛ فعلى الدول النامية على الأقل الحذر من الانصياع وراء مشروعات الانتقال غير العادل وإقامة محطات طاقة شمسية على حساب المجتمعات المحلية مثلما حدث في المغرب، والانتباه من إعادة إنتاج نمط الاستعماري في استخراج واستغلال موارد الدول النامية كما هو الحال في مشروعات الهيدروجين الأخضر لتعويض أوروبا عن مصادر الطاقة التي فقدتها في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولة فرض شروطها بشكل يحفظ حقوق المجتمعات المحلي، وعدم الوقوع في فخ الاستعمار الأخضر والاستحواذ الأخضر، ومحاولة مقاومة هذه الهيمنة- ولو من ناحية توعوية- ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مدرس مساعد بمعهد التخطيط القومي.
[1]الحسين شكراني وعبد الرزاق بلمير، ” تفكيك الرأسمالية: بحث في تقويض المشترك البيئي الإنساني“، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2023)، ص170.
[2] I. Rosborg and B. Nihlgard, Health Consequences of Acid Rain in Southwest Sweden —Influence of Acid Well Water on Health and Hair Mineral Pattern, Journal of Geoscience and Environment Protection, 2018, p.126. https://www.scirp.org/journal/paperinformation?paperid=82766
[3] باسل البستاني،” الإنسانية في مواجهة النيوليبرالية“، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2018). ص11.
[4] Hannah Ritchie, “Global inequalities in CO2 emissions”, 2023, Published online at OurWorldInData.org. Retrieved from: ‘https://ourworldindata.org/inequality-co2’ [Online Resource]
[5] Benjamin Stephan, The Power in Carbon A Neo-Gramscian Explanation for the EU‘s Adoption of Emissions Trading, Global Transformations Towards A Low Carbon Society Working Paper Series No 4, January 2011.
[6] V.Basil Hans, “Neoliberalism and Climate Change”, Sprin Journal of Arts, Humanities and Social Sciences. 3. February 2024, 46-54,2024, url:
https://www.researchgate.net/publication/378299243_NEOLIBERALISM_AND_CLIMATE_CHANGE
[7] David M. Kotz, Globalization and Neoliberalism, in Rethinking Marxism, Volume 12, Number 2, Summer 2002, pp. 64-79. https://people.umass.edu/dmkotz/Glob_and_NL_02.pdf
[8] يقصد بالوقود الاحفوري الوقود المستخرج من باطن الارض مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي.
[9] Anders Fremstad, Mark Paul, “Neoliberalism and climate change: How the free-market myth has prevented climate action”, Ecological Economics, Volume 197, 2022, URL:
https://doi.org/10.1016/j.ecolecon.2022.107353
[10] دينا إبراهيم، خفض انبعاثات الكربون: هل أسواق الكربون هي الحل السحري؟، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، 10 أكتوبر 2023، الرابط: https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8873
[11]الحسين شكراني وعبد الرزاق بلمير، مرجع سبق ذكره، ص290 و291.
[12] Steffen Böhm, Maria Ceci Misoczky and Sandra Moog. “Greening Capitalism? a Marxist Critique of Carbon Markets”. Organization Studies, 33(11), 2012, 1617–1638.
https://doi.org/10.1177/0170840612463326
[13] تحدي العدالة: اسواق الكربون الأفريقية..فرص أم قيود لمواجهة تغير المناخ”، 13 ديسمبر 2023، الرابط:
[14] Benjamin K. Sovacool, “Four Problems with Global Carbon Markets: A Critical Review.” Energy & Environment, vol. 22, no. 6, 2011, pp. 681–94. JSTOR, http://www.jstor.org/stable/43735038. Accessed 13th of March 2024.
[15] Carbon trading continues: What’s wrong with the voluntary market, 24 May 2022, URL:https://www.globalwitness.org/en/campaigns/greenwashing/carbon-trading-continues-whats-wrong-with-the-voluntary-market/
[16] Simon Zadek, Trouble With Carbon Markets, Project Syndicate, 1 March 2023, url: https://www.project-syndicate.org/commentary/carbon-offset-markets-scandal-need-to-strengthen-integrity-by-simon-zadek-2023-03
[17] Elah Matt and Chukwumerije Okereke, A neo-Gramscian account of carbon markets: the case of the European Union emissions trading scheme and the clean development mechanism in: Stephan, B. and Lane, R. (eds.) The politics of carbon markets. Routledge Series in Environmental Policy. Routledge, London, 2014, pp. 113-132,https://centaur.reading.ac.uk/38521/1/A%20neogramscian%20account%20of%20crabon%20markets%20Final%20accepted.pdf
[18] Jennifer “DJ” Nordquist and Dan Katz, The World Bank and the International Monetary Fund Should Do Less to Achieve More, Center For Strategic and International Studies, January 22, 2024https://www.csis.org/analysis/world-bank-and-international-monetary-fund-should-do-less-achieve-more
[19] Andrew Wainer and Mark Plant, The Resilience and Sustainability Trust: An Assessment of the First Steps Forward, Center For Global Development, 25 July 2023, URL:https://www.cgdev.org/blog/resilience-and-sustainability-trust-assessment-first-steps-forward
[20]‘Crushing’ debt crisis spells development disaster for billions: UN chief, 12 July 2023, URL: https://news.un.org/en/story/2023/07/1138597
[21] DEBT SERVICE WATCH DATABASE 2023,
https://www.development-finance.org/files/DSW_Data_Summary.pdf
[22] What is the IMF Resilience and Sustainability Trust?, Bretton Woods Project, 13 December 2023
[23]Rakesh Mohan, Irene Monasterolo, and Rishikesh Ram Bhandary,The IMF’s Turn to Lead on Climate, Project Syndicate, May 31, 2023, URL: https://www.project-syndicate.org/commentary/imf-must-improve-climate-change-lending-toolkit-by-rakesh-mohan-et-al-2023-05/arabic
[24] Jonathan D. Ostry, Prakash Loungani, and Davide Furceri Neoliberalism: Oversold? 38 Finance & Development June 2016, url: https://www.imf.org/external/pubs/ft/fandd/2016/06/pdf/ostry.pdf
[25]أسامة دياب، صندوق النقد الدولي وإنهاء دعم الطاقة في مصر، أوراق سياسية منشورة على موقع صفر، 2023، الرابط:
https://alsifr.org/imf-egypt-energy-subsidies
[26] Rakesh Mohan, Irene Monasterolo, and Rishikesh Ram Bhandary, Op.Cit.https://www.project-syndicate.org/commentary/imf-must-improve-climate-change-lending-toolkit-by-rakesh-mohan-et-al-2023-05
[27] Lara Merling, No Voice for the Vulnerable CLIMATE CHANGE AND THE NEED FOR QUOTA REFORM AT THE IMF, Global Development Policy Center, GEGI WORKING PAPER 057, 2022, URL: https://www.bu.edu/gdp/files/2022/10/GEGI_WP_057_FIN.pdf
[28]Adrian Ford, Peter Newell, Regime resistance and accommodation: Toward a neo-Gramscian perspective on energy transitions, Energy Research & Social Science, Volume 79, 2021, https://doi.org/10.1016/j.erss.2021.102163
[29] Atteridge, A. S. et al. Exploring Just Transition in the Global South. Climate Strategies, 2022, url: https://climatestrategies.org/wp-content/uploads/2022/05/Exploring-Just-Transition-in-the-Global-South_FINAL.pdf
[30]حمزة حموشان وكاتي ساندويل (محررين)، آبار قديمة واستعمار جديد: تحديات المناخ والانتقال العادل نحو طاقة مستدامة في شمال أفريقيا، (الجيزة، دار صفصافة للنشر والتوزيع، 2023)، ص20.
[31] Peter J Glynn Andrzej Błachowicz Mark Nicholls, Incorporating just transition strategies in developing country Nationally Determined Contributions, e Climate Strategies Policy Roundtable, hosted by Climate Strategies, on 10 December 2019 at the UNFCCC COP25 meeting in Madrid, Spain,
URL:https://climatestrategies.org/wp-content/uploads/2020/06/CS_Just-Transition-NDCs-report_web.pdf
[32] Pablo Jerome Hoffmann , “System change, not climate change” – Analyzing the elements of counter-hegemonic climate justice mobilization , Treball Final de Màster Màster d’Internacionalització (MOI) Facultat d’Economia i Empresa Universitat de Barcelona , 2020,
https://diposit.ub.edu/dspace/bitstream/2445/168397/1/TFM-MOI_Hoffmann.pdf
[33]Hamza Hamouchene and Katie Sandwell(Eds.),” Dismantling Green Colonialism Energy and Climate Justice in the Arab Region, Pluto Press, 2023, URL:
[34]حمزة حموشان، الانتقال الطاقي بشمال أفريقيا: حضور الاستعمار الجديد مجددًا، في ” آبار قديمة واستعمار جديد: تحديات المناخ والانتقال العادل نحو طاقة مستدامة في شمال أفريقيا”، مرجع سبق ذكره، ص178