أخلاق التقدم: رؤية فلسفية تطبيقية

العنوان: أخلاق التقدم: رؤية فلسفية تطبيقية.

المؤلف: محمد عثمان الخشت.

تقديم: عمرو شريف.

الطبعة: ط. 1.

الوصف المادي: القاهرة: نيو بوك للنشر والتوزيع، 2017.

الوصف المادي: 22 سم. ، 239 ص.

الترقيم الدولي الموحد: 8-13-6519-977-978.

          الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت علم في الأوساط الفلسفية والفكرية؛ هو أستاذ فلسفة الدين والفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة القاهرة. وشغل سابقًا منصب المستشار الثقافي المصري ورئيس البعثة التعليمية بالمملكة العربية السعودية.

          للدكتور الخشت أكثر من أربعين مؤلفا في مجالات الفلسفة والبحث العلمي والمجالات السياسية والاجتماعية والشرعية. وله مقالات عدة في أكثر من ثلاث عشرة جريدة ومجلة عربية في المجالات نفسها.

          يقدم للكتاب الدكتور الطبيب عمرو شريف أستاذ ورئيس أقسام الجراحة الأسبق كلية الطب جامعة عين شمس.

          والكتاب الذي بين أيدينا يعد من الأهمية بمكان حيث يتناول جل ما يسعى إليه كل مجتمع في وقتنا هذا؛ ألا وهو التقدم. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ يرى الكاتب أن أول لبنات التقدم هي الأخلاق، بل قل هي حجر الزاوية.

          على مدار مقدمة وسبعة فصول يقدم لنا الدكتور الخشت أطروحته الفلسفية برؤية معاصرة تطبيقية للوصول إلى أسس أخلاقية يمكن أن ترتكز عليها دعائم التقدم.  

          في الفصل الأول “من الأخلاق إلى فلسفة الأخلاق” يبدأ المؤلف بتعريف أخلاقيات التقدم والحد الدنى الأخلاقي وهي مفاهيم يتطرق إليها بالشرح الوافي فيما يلي من فصول. ثم يتناول النظرة الفلسفية للأخلاق والعلاقة بين الأخلاق والتقدم أو بين الفضيلة والعلم، ومن ثم يتطرق لسؤال هام هل التقدم العلمي سبب في التقدم الأخلاقي؟ ويطبق ذلك على النموذج الغربي. ثم يعرض للمباحث الفلسفية الأساسية حول الإنسان: المعرفة، العاطفة، والأخلاق. ويؤكد على التفريق في البحث الفلسفي بين الأخلاقية Morality، وعلم الأخلاق Ethics، الذي ينقسم بدوره إلى علم الأخلاق الوصفي، وعلم الأخلاق المعياري. ويفرق أخيرًا بين علم الأخلاق وما بعد الأخلاق وهو اتجاه في الفلسفة المعاصرة للتحليل اللغوي للعبارات والقضايا الأخلاقية.

وفي الفصل الثاني “من الرؤية الأخلاقية للحياة إلى الحياة التطبيقية” يعرض الكاتب الرؤية الأخلاقية على مر الأزمان والحضارات فالفلسفة الإنسانية حلقات متكاملة، بداية من الحضارات القديمة المصرية والصينية والهندية وسمات كل منها، وصولا إلى الفلسفة اليونانية الغنية والمتشعبة؛ ويستبعد أن تكون هذه الأخيرة قد نشأت من عدم ولكنها تواصل للفكر الإنساني السابق عليها. ويوضح أن الاهتمام بعلم الأخلاق ظهر على يد سقراط ومحاولة اكتشاف القواعد العامة الكلية للمعرفة والأخلاق، وتزامن ظهور السفسطائيين ونشأة جدال واسع بينهم. ثم أفلاطون، وأرسطو، وظهور المدارس والمذاهب الفلسفية المتأثرة بفكرهم الفلسفي. أو التي ابتعدت عنهم وكان من أبرزها: القوريانية والأبيقورية، واللتان اعتبرتا أن اللذة هي الخير الأقصى أو الغاية الكبرى للأفعال، وبيان سمات كل مذهب. ثم يأتي الكاتب إلى ذكر الرواقية ويصفه بأنه أكبر التيارات ذيوعا في هذا العصر؛ وكانت تدور حول ثلاث محاور : المنطق، والعلم الطبيعي، والأخلاق، وكان هذ الأخير من أهم جوانبها، وشدد الرواقيون على النزاهة والمثابرة واعتبروا أن وظيفة الفلسفة هي مساعدة الإنسان على العفة، والعدالة والشجاعة. ثم نشأة مدارس الشك وهو مذهب فلسفي يؤكد على عجز العقل البشري عن المعرفة اليقينية. ثم ظهور الفلاسفة المسلمين متأثرين بعقيدتهم قرآنا وسنة ومتأثرين كذلك بالأخلاق السقراطية أو الأفلاطونية أو الأرسطية. ومن أشهرهم في تناول مبحث الأخلاق ابن مسكويه والإمام الغزالي. ثم بداية الفلسة الحديثة على يد بيكون وديكارت، ويفصِّل الكاتب ما تلاهما من مدارس مختلفة ومذهب كل منها. ومن ثم يصل إلى الفلسفة المعاصرة وتيار الشخصانية، ثم الوجودية، والبراجماتية، والتحليلية، وما بعد الأخلاق، والتفكيكية. وأخيرًا ظهور تيار الأخلاق التطبيقية والذي ينصب اهتمامه على أخلاقيلات المهنة لمختلف التخصصات.

أما الفصل الثالث “ألأخلاق بين الدين والواجب” فيبدأ فيه الكاتب بعرض تعريف الفلاسفة للدين، ورأيه الشخصي. ثم يقسم العلاقة بين الدين والأخلاق كسلوك وعلم، وهل هو محدد لها أم هي سابقة عليه. واختلاف أراء الفلاسفة في ذلك موضحا أراء المعتزلة وابن رشد، وديفيد هيوم وكارل ماركس ونيتشه. والتي تعارضت ما بين توافق بين الدين والأخلاق، وبين عداء سافر للدين. ثم المبحث الثاني وهو الأخلاق والواجب وكان من أعلامه كنت ويسهب الكاتب في شرح هذه النظرية، ويقدم نقد هيجل لها ثم نقد المؤلف لفلسفة هيجل.  

أما في الفصل الرابع “الشروط الأولية لأخلاق التقدم” يوضح الكاتب أن الفلسفة في عصورها الأولى وصولا إلى الفلسفة الحديثة، كانت تتناول الأخلاق عامة خيرها وشرها، وما يتعلق بالفرد أو بالمجتمع وما هي المعايير التي يجب الاحتكام لها. ويرجع سبب نشأة الفلسفة المعاصرة إلى احتياج الإنسان لحل إشكاليات ما مر به من أزمات، ومنها فلسفة أخلاق التقدم. يفند المؤلف الأراء والمذاهب والمدارس الفلسفية الخاصة بهذا المبحث، ويقدم لنا فلسفته الخاصة موضع التقدير والتطبيق. ويستخلص ما يمكن تسميته “بالشروط القبلية لممارسة أخلاق التقدم” أو مدونة السلوك.

وفي الفصل الخامس “أخلاق التقدم والحد الأدنى الأخلاقي” يعرض أراء الفلاسفة المعاصرين فيما يعتبرونه الحد الأدنى الأخلاقي، ومعنى الفعل الأخلاقي ومحدداته، وبداية التطبيق المحلي والإقليمي، وأثر نظرية مايكل والزر استاذ العلوم الاجتماعية الأمريكي وتفنيد مستفيض لها. ويؤكد أن أخلاق التقدم تشمل الحقوق والواجبات مع بيان هذا الوضع في البلاد المتقدمة والنامية. والتفريق بين الالتزامات الدينية والأخلاقية.

أما الفصل السادس “كيف يمكن تحديد أخلاق تقدمية؟” فيتناوله من حيث الشكل المعياري ومن حيث المضمون. ويتلخص في الارتباط بالواقع، وعمق المستويات الأخلاقية، وقابلية المعيار للفهم، والحصول على إجماع عليه. ثم يتطرق المؤلف للواقع المصري الراهن ويكشف لنا عن المفاهيم السلبية والأمراض الاجتماعية التي أدت إلى تدهور القيم، والتي يجب استبدالها بأخلاق التقدم. ويحدد المؤلف المبادئ والتوجيهات التي يجب أن يؤسس عليها أخلاق التقدم في مجتمعنا المعاصر. ويقدم نماذج من المهن التي تقتضي التزام خلقي لا يحيد حتى يستقيم المجتمع.

 والفصل السابع “أخلاق التخلف” يختتم به المؤلف كتابه القيم ببيان الأسباب الأخلاقية المورثة للتخلف في البلاد النامية، مقدما نماذج سلبية تنتشر- من أسف – في مجتمعنا، موضحا ان القاسم المشترك بينها هو “الرعونة” على حد تعبيره. ويقدم حلولًا تطبيقية عملية، مصححا بعض المفاهيم الأخلاقية والدينية. ويتطرق للأمراض الاجتماعية التي تردي إلى التخلف كالشائعات والحسد.

 ويبلور د. الخشت في النهاية أسس أخلاق التقدم في “كلمة أخيرة”: ألا وهي الإنصاف، وإصلاح الذات؛ فعلى كل فرد أن يبدأ بنفسه لأن المحيط الخارجي محبط، ولا بد من تطبيق القانون من أجل إيجاد بيئة تنافسية عادلة .

          يميز الكتاب لغة سلسة رغم عمق الفكر الفلسفي فيه. قدم المؤلف كتابه في لغة يمكننا وصفها بالعلمية المبسطة، حيث يتمكن كل قارئ مهما بلغت ثقافته من الوصول لفحواه. كما عرض الأفكار عرضا متسلسلًا شائقًا، يجذب القارئ لينهل من فيض هذا النبع العلمي الرائق.

          وفي هذا الصدد ننوه إلى خصوصية الفصل الثاني، الذي يزخر بثراء فكري هائل، حيث يقدم المؤلف من خلاله، بفضل خبرته ومكانته الفلسفية، ما يمكن اعتباره بمثابة موسوعة مصغرة للفكر الإنساني الفلسفي منذ نشأته الأولى وتطوره على مر العصور والحضارات والثقافات. وتباين آراء الفلاسفة، وتناقض المذاهب الفلسفية، تارة، أو تكاملها وتأثيرها بعضها في بعض، تارة أخرى. هو فصل فيه الكفاية لمن أراد الاطلاع على الفلسفة الإنسانية والأخلاقية، بحيادية وموضوعية وبراعة وحنكة.    

          وعندما يتناول المؤلف هذه الأراء بالتفنيد، في الفصل الرابع، تبرز لنا نظرته الفلسفية الخاصة المتكاملة، والتي بطبيعة الحال تتأثر بموروثه الديني الثقافي، وخبراته العلمية الفلسفية، فتكون الأقرب للتطبيق في مجتمعاتنا العربية الراهنة.

          في انتقاله من العام إلى الخاص، أو لنقل من التنظير إلى التطبيق على الواقع المصري،لا يخفى ثمة اختلاف في الفصل السابع، من حيث الشكل والمضمون والأسلوب، حيث يكون أقرب لمجموعة مقالات. فمن حيث الشكل تتعدد العناوين الفرعية، أو يتكرر نفس العنوان الفرعي بترقيم متسلسل (1-2-3) (المرجفون في المدينة 1-2-3 ، الحسد 1-2-3). ومن حيث المضمون يسلط الضوء على أحداث راهنة، يعيشها المواطن : (اليوم الثاني للوزارة، خطاب رئيس الوزراء، المتوقع من أداء الوزارة، أحداث 28 نوفمبر، نماذج لفساد الذوق والفن الهابط). ومن حيث الأسلوب تنحو لغته في بعض المواضع إلى استعمال بعض المصطلحات العامية مثل “الفهلوة” أو العبارات التي يمكن أن نسمعها على لسان المواطن في حديثه اليومي : (يا سلام كانت أيام حلوة!، المواطن الغلبان )؛ وهو اسلوب يبعد بنا عن المحاضرات الفلسفية أو القضايا المنطقية، ليقترب ويلائم وصف الواقع اليومي للمواطن المصري المعاصر. 

          من الملاحظ أن د. الخشت كان حريصا على تبسيط المفاهيم الفلسفية فقدم لكل منها شرحا وتفسيرًا، إلا أننا نجد مصطلحات قليلة، أصبحت تستعمل بشكل يومي في المقالات، كنا نتمنى أن يقدم الكاتب تعريبا لها. سيما أن لغتنا الغنية الفياضة لا يعجزها أن تاتي بمرادفات لمصطلحات أدرجت فيها بصيغتها الأجنبية؛ على سبيل المثال : البراجماتية، و الديماجوجية.

في نهاية هذا العرض لا يسعنا إلا أن نعرب عن إعجابنا بهذا الكتاب الممتع في قراءته؛ فهو يفتح كثير من الآفاق المعرفية والفلسفية، ويقدم – بروية وتمكن – رؤية متكاملة وحلولًا لقضية باتت تهم كل من يحمل بخاطره حلم وطن متقدم أخلاقيا وحضاريا، وهو حلم كل أبناء هذا الوطن بحق.    

عرض:

أ. أميرة مختار

باحثة ومترجمة مصرية.

عن أميرة مختار

شاهد أيضاً

مركزية الفعل الأخلاقي في الرؤية الإسلامية

د. عبد الرزاق بلعقروز

إن إعادة بناء منهج النظر إلى القيم الأخلاقية يجب أن يتم بنقل القيم من دائرة الوجود الكمالي أو التجزيئي أو التهميشي الى دائرة النموذج الحاكم والإطار المرجعي.

التاريخ الإسلامي “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها

إعادة ترسيم الشرق الأوسط العثماني

لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.