الغنى والفقر بين العولمة وفقه الحياة
أ. مهجة مشهور *
صدر عن مركز خُطوة للتوثيق والدراسات ثاني إصداراته وهو كتاب “الغنى والفقر بين العولمة وفقه الحياة” تأليف أ. مهجة مشهور مديرة المركز، وينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول:
العنوان: الغنى والفقر بين العولمة وفقه الحياة.
المؤلف: مهجة مشهور.
الطبعة: ط. 1.
مكان النشر: القاهرة.
الناشر: دار الكتاب المصري اللبناني.
تاريخ النشر: 2018.
الوصف المادي: 255 ص.، 24 سم.
الترقيم الدولي الموحد: 8-096-453-977-978.
الفصل الأول: الرؤية الإسلامية الكلية في المجال الاقتصادي وتحته ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: النظام الاقتصادي الإسلامي وعلم الاقتصاد الإسلامي.
المبحث الثاني: النموذج المعرفي الإسلامي أو البعد الفلسفي للاقتصاد الإسلامي.
المبحث الثالث: الرزق والإنفاق والنظرية الاقتصادية الإسلامية.
الفصل الثاني: الغنى والفقر في الرؤية الإسلامية: ويتضمن مبحثان:
المبحث الأول: المجتمع والمال في الرؤية الإسلامية.
المبحث الثاني: في مفهوم الفقر ومفهوم الغنى.
الفصل الثالث: علاقة الغنى والفقر: وبه مبحثان:
المبحث الأول: علاقات الغنى والفقر- اقتراب نظري.
المبحث الثاني: علاقات الغنى والفقر- اقتراب تطبيقي عملي.
ونعرض في السطور التالية تعريف بهذا العمل ومقدمته:
هذا الكتاب
صدر عن المجموعة البحثية لمركز خُطوة للتوثيق والدراسات كتاب أول بعنوان “نحو تأصيل لفقه الحياة، الطفولة نموذجا”، كان هذا الكتاب باكورة إنتاج المركز المهتم أساسا بالشأن المنهجي والقضايا المعرفية.
وقد توصلنا في هذا المشروع البحثي الأول إلى آلية منهجية مستوحاه من الرؤية الكلية الإسلامية أطلقنا عليها مصطلح “منظومة فقه الحياة”.
وكان لهذا الإصدار الأول رد فعل إيجابي بين مجموعة من المفكرين والأكاديميين مما دفعنا إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية من هذا المشروع وهو تشغيل هذه المنظومة لإثبات جدارتها وقدرتها على احتلال مكانة حقيقية في خريطة العمل المعرفي كأداة منهجية جديدة ومتميزة.
وقد بدأ العمل في المشروع الجديد : “الغنى والفقر بين العولمة وفقه الحياة” في يونيو من عام 2010، وتكونت المجموعة البحثية من كل من أ.د. هبة مشهور وأ. مدحت ماهر وأ. منال يحيي ومني، وتم تقسيم العمل بيننا، فبينما قمت مع هبة مشهور بدراسة موضوع الغنى والفقر من خلال آيات القرآن الكريم، قام كل من مدحت ومنال بدراسة الموضوع من خلال أحاديث البخاري.
وكان اللقاء الأسبوعي حول ما تم إنجازه من كل منا فرصة ذهبية للنقاش والتحليل وتبادل الآراء وحتى الاختلاف العلمي الهادئ بل أحيانًا الساخن، وتبين لنا خلال هذه المناقشات أن الموضوع المراد دراسته من خلال منظومة فقه الحياة سيحتاج إلى تأصيل معرفي في جانبه الاقتصادي قبل الخوض في الموضوع الأساسي للمشروع وهو فقه الحياة، لتمهيد القارئ والباحث ذهنيا إلى الرؤية الاقتصادية التي توصلنا إليها من هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة و قراءتنا في الأدبيات الاقتصادية المعاصرة في هذا الموضوع المركب.
وبدأتُ الكتابة النهائية للمشروع في أعقاب ثورة 25 يناير، وقد مرت هذه الكتابة بمراحل قلق واضطراب وتوقف واستئناف قد يكون انعكاسا للوضع العام في بلدنا الحبيب.
وكانت أ. منال يحيي تتابع الدراسة بقراءة فصولها أولًا بأول ومناقشتي فيها وإبداء الملاحظات عليها.
وأخيرًا انضم إلى المجموعة البحثية في هذه المرحلة د. شريف عبد الرحمن بعد عودته من دراسته في بريطانيا لنيل شهادة الدكتوراه، وقام د.شريف بدور العين الناقدة المراجعة للعمل بعد الانتهاء من كتابة المسودة الأولى له، وكان له أفضل الأثر على ظهور هذا العمل بهذا المستوى الذي نرجو الله أن يكون مرضيًا ومفيدًا بإذنه تعالى.
بالتالي هذا العمل يدين بظهوره إلى أفراد هذه المجموعة البحثية مجتمعين، فالشكر لهم جميعا، وبارك الله تعالى في مجهوداتنا لمحاولة الوصول إلى الحق الذي يرضيه.
المقدمة
الاجتهاد ركن أساسي من أركان الدين الإسلامي، فهو الذي يجعل الإسلام كشريعة ومنهج حاضرا ومواكبا للحياة عبر الزمان والمكان، ويستهدف الاجتهاد الوصول إلى الحقيقة في كل مجال من مجالات الحياة. ولم تجعل الرؤية الإسلامية الوصول إلى الصواب شرطا لإجازة الاجتهاد ومكافأته، ولكنها جعلت من المجتهد محور هذه العملية، ففي الوقت الذي تعلي فيه الرؤية الإسلامية مفاهيم التدبر والتفكر وإمعان العقل وتحارب التقليد الأعمى، فهي تراهن في عملية الاجتهاد على من يملك أدواته والمعرفة العميقة للمجال محل الدراسة والإخلاص والمعاناة الصادقة في هذه العملية الشاقة، عملية الاجتهاد. ولذا وبهذه الشروط أجاز الإسلام الاجتهاد “الخطأ” وكافأه، “من اجتهد فأخطأ فله أجر”. فالإسلام يدعو المجتهدين الجادين المخلصين إلى التفكير بلا خوف ولا عوائق ولا “مناطق آمنة” يفضل الابتعاد عنها، وبالتالي فهو يمنح “المجتهد الحق” ثقة وجسارة في البحث وجرأة في الاجتهاد.
وعملية الاجتهاد بطبيعة الحال تحتاج إلى آليات معينة للمجتهد في إبداعه وعطائه الفكري، آليات موضوعية مفارقة للبحث ذاته، يمكن أن تعين المجتهد في عمله مهما كان مجال البحث وتقدم له المنهج والإطار الفكري لهذا الاجتهاد، آليات نابعة من الرؤية الكلية التي يتبناها الباحث المجتهد، تعكس مقومات هذه الرؤية وتساعده على الوصول إلى نتائج لا تتصادم معها.
وقد كان هذا الأمر هو هدف مجموعتنا البحثية في مشروعنا البحثي الأول، فاجتهدنا لسنوات من أجل الوصول إلى هذه الآلية وهذا المنهج المنضبط النابع من الرؤية الإسلامية، وكان نتاج هذا المشروع منظومة منهجية أطلقنا عليها مصطلح “فقه الحياة”، والتي صدر بها كتاب عن دار نهضة مصر للنشر عام 2010 بعنوان “نحو تأصيل لفقه الحياة، الطفولة نموذجا”.
وكانت الفكرة المحورية لهذه الدراسة هو محاولة استنباط منهج اجتهاد من العلاقة الجدلية بين كليات النصوص المطلقة (القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة) من ناحية وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية أخرى، فسعينا في بحثنا إلى التوصل إلى المفاصل المنهجية التي تفسر كيفية إنزال الرسول الكريم “المطلق” من قرآن وسنة على “النسبي” وهي حياة الأفراد اليومية، في ذلك الواقع المسدد بالوحي.
ومن خلال هذه الدراسة تم التوصل إلى خمس قواعد أوآليات منهجية كونت منظومة فقه الحياة، ويمكن إيجاز هذه القواعد فيما يلي:
- المقاصد: وهي الأهداف المعتبرة شرعا والتي تحتل في هذا الطرح موقعا متقدما، بحيث أن باقي عناصر فقه الحياة تتحرك دائما نحو تحقيقها، فهي الأفق والوجهة التي ينبغي استحضارها في الاجتهاد، وهي في نفس الوقت المعيار الاختباري لمدى سلامة السعي.
- القيم: وهي مجموعة من المعاني والأخلاقيات العليا، وهي عنصر فعال لفهم طبيعة الرؤية الإسلامية، بحيث يدلل وجودها على مدى اتساق الفعل البشري مع جوهر العقيدة والشرعة أو عدم اتساقه معها. فالقيم ليست أمرا تحسينيا ولكنها عنصرا جوهريا من نسيج الرؤية الإسلامية.
- السنن: وهي تلك القوانين الإلهية المطردة الحاكمة للفعل الإنساني، والتي يؤدي الوعي بها الوصول إلى النتائج المرجوة من السعي.
- الغيب: وهو المساحة غير المدركة بالعقل أوالحواس التي يتعين أن تكون جزءا أساسيا من الوعي الإنساني، بحيث تتشكل به رؤية مركبة تجمع بين الإيمان بالواقع وقوانينه وسببيته والإيمان بالغيب. وهو يقدم أبعادا وإمكانيات تفتقر اليها المنظومات المادية.
- الأحكام الشرعية: وهي الإطار التشريعي الحاكم لفعل المسلم وفقا لحقيقة التكليف (افعل ولا تفعل) ضمن نسق من الأحكام الجزئية لهذه الأفعال (الحلال والحرام والمندوب والمكروه والمباح)، وتعتبر الأحكام الشرعية السياج الواقي للاجتهاد والسعي من خلال منظومة فقه الحياة.
ومحاولة منا لتشغيل هذه الآلية المنهجية واختبار قدرتها على التفاعل ودعم الاجتهاد البحثي، قمنا باختيار موضوع إشكالي، وهو موضوع الغنى والفقر، وسعينا من خلاله إلى تفعيل هذه العناصر الخمس.
الموضوع محل الدراسة، علاقات الغنى والفقر:
تم التوافق على موضوع الغنى والفقر كمحل للبحث، لأهميته في بنائية أى مجتمع، وإشكاليته الواضحة التي جعلت الموقف منه عنصرا حاسما في التمييز بين المدارس الاقتصادية المختلفة، إذ أن ضبط هذا الموضوع وتنظيم علاقة الأغنياء بالفقراء يمثل مفتاحا أساسيا لتحقيق السلام الاجتماعي في أي مجتمع، فالغنى والفقر مشكلة صاحبت تطور المجتمعات الإنسانية على مر التاريخ، وقد عانت كل التجمعات البشرية في كل الأزمنة ولكن بدرجات مختلفة من الانقسام الطبقي على أساس من القدرة المادية.
كذلك وقع الاختيار على هذا الموضوع لكونه موضوعا غنيا ومركبا، فهو ينتمي إلى مجالات متعددة (اقتصادية واجتماعية وثقافية) مما يبرز ثراء النموذج المعرفي المستخدم في هذا الطرح وتركيبية منهجه، ذلك أن الرؤية الإسلامية –كما سنرى- لا تعترف بالتقسيم الضيق والدقيق للعلوم، بل أنها تتبنى رؤية معرفية شاملة لكل مجال من مجالات المعرفة الإنسانية والاجتماعية.
وتعترف الرؤية الإسلامية كغيرها من الرؤى والفلسفات بهذه المشكلة، وتقوم بتقديم علاجا لها منبثقا من نموذجها المعرفي، فبجانب الاقتراب الفقهي المتضمن فريضة إخراج الغني الزكاة كركن أساسي للعقيدة الإسلامية، والمؤكد على ضرورة توافر المشروعية في وسائل تحقيق الغنى، فإن للرؤية الإسلامية اقتراب ضخم لهذه المشكلة خارج الإطار الفقهي يمكن استنباطه من آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ومن سيرة أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام.
في هذه الدراسة نحاول تسليط الضوء على هذا التناول الفريد لقضية الغنى والفقر، هذا التناول الذي لا يستهدف القضاء على هذه المشكلة تماما -كما قد يتبادر إلى الذهن- نظرا لاستحالة هذا الأمر لتوافر أسباب تواجدها في كل زمن وفي كل مجتمع، ولكن بالتخفيف من حدة التفاوت بين أفراد المجتمع الواحد، وبعلاج الآثار المدمرة الناتجة عن هذه المشكلة، والانتقال بها من ظاهرة مولدة للصراع والشقاق في المجتمع إلى ظاهرة إيجابية تلهم المجتمع معنى القوة والتكامل في الاختلاف، ومعاني الإخاء والتضامن والتكافل.
وللإطلاع على عرض للكتاب إضغط هنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مدير مركز خُطوة للتوثيق والدراسات، وسكرتير تحرير مجلة المسلم المعاصر.