إصلاح الحداثة

العنوان: إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبد الرحمن.

المؤلف: وائل حلاق.

المترجم: عمرو عثمان.

مكان النشر: بيروت.

الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر.

تاريخ النشر: 2020.

الوصف المادي: 400ص. ، 24 سم.

الترقيم الدولي الموحد: 2-203-431-614-978.

طه عبد الرحمن بعيون وائل حلاق

باستعراض عدد من كتب المفكر وائل حلاق وعلى رأسها كتابه الشريعة، نجد أن أطروحته الأساسية تتلخص في نقد الحداثة واستحالة الجمع بينها وبين الشريعة الإسلامية بمعناها الحقيقي. اذ أفقدت الحداثة الشريعة الكثير من مرونتها وسعتها التعددية وبيئتها الحاضنة وثقافتها وأدواتها ووسائل تجددها. ورغم أن حلاق يصل في نهاية كتابه الشريعة إلى طريق مسدود إذ يقول بأنه يستحيل التوفيق بين الحداثة والشريعة. إلا أنه يحاول أن يطرح عدة سبل توفيقية، منها وأهمها دور التجديدين ومشروعاتهم الاصلاحية للحداثة والتجديدية للشريعة[1].

في هذا السياق يأتي كتاب حلاق عن مشروع طه عبد الرحمن “إصلاح الحداثة: الأخلاق والإنسان الجديد في فلسفة طه عبد الرحمن.” إذ يطرح حلاق مشروع عبد الرحمن كأحد أهم المشروعات النهضوية الواعدة/المبشرة في حل معضلة الشريعة/الحداثة. والتي يمكن من خلالها إعادة صياغة الانسان في العالم العربي والإسلامي بما يحقق وجوده الحقيقي في هذا العالم. ويصرح حلاق أن سبب اهتمامه بعبد الرحمن أن مشروعه يرتبط بنفس القضايا التي استولت على انتباهه خلال العقدين الأخيرين وهي قضايا: الحداثة ونقدها، المركزية الغربية، الشريعة، والأخلاق. يحاول حلاق أن يركز على النقاط المركزية والمفاصل الهامة في مشروع عبد الرحمن ويرى أن الخيط الأخلاقي هو ما يجمع كل إسهامات عبد الرحمن، ويمكن اعتباره العمود المركزي لهذا المشروع.

ينقسم الكتاب إلى ستة فصول وخاتمة، يعرض حلاق في كل منها لواحد من المراكز العصبية في مشروع طه عبد الرحمن، لذا جاء معظمها مستوحى من نفس عناوين كتب عبد الرحمن[2]:

الفصل الأول: تجديد النظر في التراث الإسلامي

الفصل الثاني: روح الحداثة

الفصل الثالث: التطبيقات الإسلامية لروح الحداثة

الفصل الرابع: إعادة تشكيل العقلانية

الفصل الخامس: الدين والعلمانية والأخلاق

الفصل السادس: السيادة والتدبير الأخلاقي والائتمانية

خاتمة: مفهوم جديد للإنسان… وهنا يجمع حلاق بين رؤيته ورؤية عبد الرحمن.

والكتاب ليس عرضا لأهم ملامح مشروع عبد الرحمن الفكري فحسب، بل هو بمثابة حوار فكري وفلسفي ثري بين عبد الرحمن وحلاق وعدد كبير من الفلاسفة الغربيين والمفكرين المسلمين القدامى والمعاصرين.

في مقدمة طويلة نسبيا يتعرض حلاق للقطيعة المعرفية التي حدثت مع التراث الإسلامي والشريعة إبان القرن 19 بتأثير الكولونيالية والهجمة الحداثية الغربية فقد أحدثا نوعا من التدمير البنيوي للشريعة ممثلة في بناها الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية والثقافية. وبحلول منتصف القرن العشرين كانت قد اختفت أي آثار للشريعة بمعناها الشامل. مثلت هذه الأجواء السياق والبيئة المهيئة لنشأة فلسفة عبد الرحمن ومشروعه.

يوضح حلاق تميز عبد الرحمن بين سائر المفكرين العرب المعاصرين، فهو لم يقع أسيرا لمفهوم الحداثة، و لم بعتقد كما فعل معظمهم أن تحصيل العلم الحديث هو السبيل لتحقيق نهضة العالم العربي والإسلامي، بل أدرك الخلفية المعرفية لهذا العلم ومناقضتها الجوهرية للخلفية المعرفية في العالم الإسلامي. فالعلم الحديث ليس مشروعا محايدا وليس بديلا سهلا للمعرفة العربية أو الإسلامية، وليس الحل كما يرى معظم المفكرين والمصلحين العرب في العصر الحديث ومنذ مطلع القرن العشرين -مثل فرح انطون والبستاني وعابد الجابري وأركون وغيرهم- في أن يكرس الفرد العربي طاقته في كسب العلم الحديث. لم يفهم هذه الحقيقة في نظر حلاق إلا اثنان: طه عبد الرحمن، وعبد الوهاب المسيري، أما فيما عداهما، فلم يختلف مسار الفكر العربي فيما يخص التراث.

ويخصص حلاق جزءا كبيرا للمقارنة بين رؤية “الجابري” ورؤية عبد الرحمن، وهي مقارنة تفرض نفسها على الساحة الفكرية العربية كصراع بين تيارين فكريين كبيرين، ويعرض بشيء من التفصيل لمشروع الجابري، اذ كان الرد على الجابري نقطة الانطلاق في مشروع عبد الرحمن.

تمثل كتب عبد الرحمن في مجملها مناقشات متعمقة للأخلاق وانتقادات لاذعة للحداثة الغربية. ويتميز عبد الرحمن بتعامله مع الخطاب الفلسفي والفكري الحديث بنفس القدر من الثقة والتمكن التي يتعامل بها مع التراث الفكري الإسلامي، كما أن معرفته بالعقيدة والشريعة والتصوف لا تقل عن معرفته بالمنطق وعلوم اللغة والتراث الأفلاطوني والأرسطي. وكلها معارف وظفها عبد الرحمن في بناء فلسفته الأخلاقية ونقده للحداثة. ورغم خلافه معه في بعض النقاط يؤكد حلاق أن أي نقد سوف يوجهه لعبد الرحمن على صفحات كتابه لا يمس صلب مشروعه ولا ينال من تماسك وتميز هذا المشروع بأي قدر.

أولا: تجديد النظر في التراث

بعد أن يتعرض حلاق إلى المفارقة التي وقع فيها معظم المفكرين العرب المعاصرين بين قوة التراث الأخلاقية وبين الحداثة أو العقلانية الغربية (ص. 48)، يتناول في الفصل الأول المنهج التحليلي النقدي المتميز لعبد الرحمن في تناول التراث وغيره؛ إذ يحلل كل موضوع إلى عناصره المكونة له، فمثلا في التراث يميز عبد الرحمن بين أربعة عناصر: التراث، النظر، التجديد، الكيفية أوالمنهج. فيحدد ما هو التراث فيرى أنه يشمل النصوص وكذلك الممارسات والأعمال. ثم يناقش مفهوم النظر، ويرى أنه يختلف عن مفهوم القراءة ويتميز عنه إذ يتفرع عن النظرية. ثم يناقش مفهوم التجديد فيقول إن المقصود به هو إعادة التفكير وليس خلق أو اختراع من البداية.

ينتقد عبد الرحمن عبر ذلك القراءات المعاصرة للتراث، والتي يعبيها النظرة التجزيئية له، واستيراد مناهج غريبة عنه واستخدامها لتحليل النصوص التراثية ما ينتج عنه فهم خاطئ، ثم ركز على الكيفية أو المنهاجية التي يجب اتباعها عند إعادة التفكير في التراث ويضع لذلك شروطا أهمها على الإطلاق:

النظرة التكاملية: بمعنى مخالفة النظرة التجزيئية التي يفرضها استخدام آليات منقولة على التراث، بحيث يجب أن تستقى آليات إعادة النظر من النصوص التقليدية نفسها “يجب أن تكون الأسس النظرية والمنهجية لمشروع التجديد مستمدة من التراث نفسه” (ص. 71).

الاعتبار العملي: وهو مفهوم أساسي في كل كتابات عبد الرحمن ويخصه بتفصيل معتبر، ويمنح مشروعه بعدا مفتقدا بشكل عام في الفكر العربي المعاصر والغربي الحداثي. فالاعتبار العملي يعين على فتح وفهم آفاق المضامين التراثية. ويرد عبد الرحمن فشل الخطاب العربي الحديث إلى عدم فهم العلاقة الجدلية بين المعرفة النظرية والعمل في النص التراثي، وهو يعزو ذلك إلى غياب العمل المركب في ذلك الخطاب، مما أدى إلى سوء فهم خطير للنصوص التراثية. ويقصد عبد الرحمن بالعمل الممارسة العملية للأفكار والعلم. وفي أحيان كثيرة هو يقصد “العمل الديني” فيقول: “بواسطة العمل/ الممارسة الدينيـة تنفتح في العلم أبواب لم تكن تخطر على البال قبل الدخول فيه [3].. (ص. 66). ويؤكد عبد الرحمن على العلاقة الجدلية بين العمل والمعرفة النظرية في التراث والتي تعد من أهم خصائصه وميزاته، فالعمل والاشتباك الكامل مع التراث لهما أهمية عظمى في أي محاولة تجديدية.

يقسم عبد الرحمن التراث إلى ثلاثة أجزاء: العقيدة واللغة والمعرفة، وعامة يعتمد عبد الرحمن في تعامله مع التراث منهج الوصل لا الفصل. وافتراضه الأساسي يقوم على أنه لا هوية للذات بغير الاستناد إلى تراثها. ورغم ذلك لا يتحرج عبد الرحمن من إخضاع هذا التراث للنقد.. (ص. 71).

يرى عبد الرحمن أن التراث يتميز بتشابك وتداخل العلوم إلى أبعد الحدود ولم يعرف الانفصال. ويقدم براهين منطقية وتاريخية قوية على ذلك. ويرى أن مشكلة الفصل والتجزيء هي آفة العقل الحديث في تعامله مع التراث والتي تؤدي لعدم فهمه.. ويتعرض مرة أخرى في هذا المقام للجابري ونظرته التجزيئية للتراث حيث قسمه إلى ثلاث دوائر منفصلة هي البرهان والبيان والعرفان… او العقل المجرد، العقل المسدد والعقل المؤيد بلغة عبد الرحمن. يرى عبد الرحمن أنه لا انفصال بين هذه الدوائر وإن كان هناك تفضيل. وهو مأخذ أساسي ينتقد فيه عبد الرحمن الجابري (النظرة التجزيئية).

ويركز عبد الرحمن في نقده للجابري على التناقض بين النوايا المعلنة والتطبيق الفعلي، إذ يزعم الجابري تبني نظرة كلية شمولية للتراث في حين أنه يبدأ تحليله الموضوعي بتجزئة التراث الى تلك الدوائر الثلاث كدوائر مستقلة ومنفصلة بل ومتناقضة متصارعة. ويشن الجابري على العرفان هجوما شديدا وينزل به إلى أدنى مراتب العقلانية ويرى استبعاده تماما. وهو ما يرفضه عبد الرحمن ويقلب المنظومة تماما فيجعل العرفان في قمة هرم العقلانية والبرهان أدناها. وينقد عبد الرحمن ابن رشد- كرائد لتيار البرهان في التراث- بشدة ويعده ناقلا مقلدا مبينا أثره في منع تكوين نظرة متماسكة متكاملة للتراث.

يرفض الجابري أيضا بعض المبادئ الأساسية التي تحكم التراث، منها الارتباط بين معنى العقل وبين السلوك والأخلاق، أو بين الحقيقة والقيمة، ويدعي الانفصال بينهما، بينما يرى عبد الرحمن عدم امكانية هذا الفصل اطلاقا (ص. 94).

يظل الجابري – كممثل لتيار كامل – أسير الحداثة إلى حد كبير، ولا يلتفت إلى نقد كثير من المدارس الغربية الاجتماعية لها، ومنها مدرسة فرانكفورت. ويرجع هذا في رأي حلاق إلى القوة المنتجة للخطاب الغربي، التي مكنت هذا الخطاب من فرض معايير الطبيعي وغير الطبيعي، العلمي وغير العلمي، المقبول والشاذ (ص. 37).

في المقابل يدافع عبد الرحمن عن تراث أخلاقي بامتياز (عقيدة ولغة ومعرفة). تراث تتشابك عناصره وتتكامل وتتحدد بنيته بصورة جدلية من خلال التداخل والتفاعل، وتلك أميز خصائص التراث. ويرى ضرورة البدء من التراث وعدم اعتبار المعرفة الأوربية معيارا للعلم. ويدعو لأن تكون للمعرفة الإسلامية الأسبقية على غيرها من المعارف وأن تعتمد المعرفة النظرية على العمل والمعرفة العملية وأن يعتمد العقل الوضعي على العقل الشرعي.

 ثانيا: روح الحداثة

يقوم تعريف عبد الرحمن للحداثة على التمييز بين وجهين: روح الحداثة وواقع الحداثة.. فروح الحداثة إنسانية عامة إذ أن مصادرها تمتد في كل الحضارات.. أما واقع الحداثة فهو أوروبيا أمريكيا. ويرى عبد الرحمن أن هناك تطبيقات عدة لروح الحداثة وإن كان النمط الأشهر هو الحداثة الغربية الأوربية فإن ذلك لا ينفي إمكانية وجود أنماط أخرى من الحداثة. ويدعو من هذا المنطلق إلى حداثة إسلامية تقوم على الأخلاق: “بينما قامت أنماط الحداثة الغربية على إنجازات اقتصادية وصناعية، تقوم الحداثة الإسلامية على الأخلاق”.

ويعرف عبد الرحمن الحداثة كالتالي: جذرها اللغوي من مادة حدث، أي الحدوث في الزمن أو وقوع حدث ما أو ظاهرة جديدة. والحداثة هي: قيام الأمة بواجبات واحد من أزمنة التاريخ الانساني بما يجعلها تختص بهذا الزمان دون غيرها وتتحمل مسؤولية المضي به إلى غايته في تكميل الإنسانية” أو “هي نهوض الأمة بواجبات زمانها”(ص. 118).

تقوم روح الحداثة التي يتحدث عنها عبد الرحمن على ثلاثة مبادئ أساسية هي: مبدأ الرشد، مبدأ النقد، مبدأ الشمول. واستنادا إلى هذه المبادئ الثلاثة فإنه يمكن ظهور نسخ أو تطبيقات متعددة من الحداثة، وليس الأمر حكرا على النسخة الغربية الأكثر انتشارا والتي لا تعبر بصدق كما يرى عبد الرحمن عن “روح الحداثة،” وإنما تعد تطبيقا منحرفا لهذه الروح.

  1. مبدأ الرشد:

ويتكون من ركنين أساسيين: الاستقلال والابداع، ويعتمد عبد الرحمن على كانط في شرحه لمبدأ الرشد، فأحد أهم سمات الحداثة أنها تنقل الجماعة والفرد من حال القصور العقلي إلى الرشد الفكري. والرشد هنا بمعنى الاستقلال العقلي والفكري دون الحاجة للوصاية أو التبعية في التفكير لسلطة خارجية أعلى.

  1. مبدأ النقد

يقوم على ركنين أساسيين هما العقلنة والتفصيل. ويقصد بالعقلنة المطالبة بالدليل والحجة على الشيء قبل التسليم به. والتفصيل بمعنى التمييز بين العناصر المكونة للشيء بهدف فهمها والتحكم فيها. مثال فصل الدين عن السياسة فصل الأخلاق عن القانون.

  1. مبدأ الشمول

يقوم على ركني التعميم والتوسع. فالشمول الحداثي يعني الخروج من حال الخصوصية بنوعيها —خصوصية المجال وخصوصية المجتمع — إلى حال الشمول. فلا تنحصر أعمال الحداثة في مجال أو مجالات بعينها بل إنها تنفذ إلى كل مجالات الحياة ومستويات السلوك. ولا تبقى الحداثة حبيسة المجتمع الذي نشأت فيه بل إن منتجاتها وقيمها ترتحل إلى ما سواه من مجتمعات. وهذا معنى التعميم. روح الحداثة بهذا المعنى اذن هي روح راشدة وناقدة وشاملة.[4]

ويرى عبد الرحمن أن انتشار الحداثة في العالم الإسلامي كانت له آثارا معاكسة لهذه المبادئ، وذلك بسبب التطبيق الغربي للحداثة الذي تم استنساخه في العالم الإسلامي، فكان انتشار المادية والتقنية والتكنولوجيا قبل انتشار القيم الأخلاقية “الحداثية” أثر عكسي، إذ ينبغي أن يكون البدء بالقيم الأخلاقية ثم يتبع ذلك تحديث المؤسسات فمن دون هذه القيم لا يمكن للروح العلمية أن تتطور وبالتالي تصبح إمكانات التطور المادي وإدارته أمرا مستحيلا (ص. 159).

ويرفض حلاق هذا الفصل بين روح الحداثة وتطبيقها، ويوجه نقدا لعبد الرحمن معلقا على نقطتين: الأولى أن هذا الفصل بين الروح والتطبيق ليس الأول من نوعه، فهو دعوى تطلقها الكثير من النظريات والأيدولوجيات مثل الاشتراكية عندما تظهر تداعيات التطبيق (السلبية). الثانية قول عبد الرحمن إن جذور الحداثة ليست غربية فقط، وأنها قابلة للتحقق في أي زمان ومكان، يرفض حلاق هذا إذ أن وجود بذور الفكرة في ثقافة اخرى لا يعني إنتاجها نفس الشيء، حيث يغفل عبد الرحمن أثر التفاعل بين الفكرة والبيئة الاوربية في زمن معين.

ويدور حوار عاصف بين حلاق وعبد الرحمن على صفحات الكتاب بهذا الشأن (انفصال روح الحداثة عن واقعها أو عن التطبيق الأوربي لها) ويرى حلاق عدم الانفصال بين الروح والتطبيق وبالتالي عدم جدوى إصلاح الحداثة فاستبدالها هو الأولى وينبه لعدد من النقاط التي قد يكون أغفلها عبد الرحمن، فإذا كان هدف عبد الرحمن هو إصلاح مشروع الحداثة في عالم المسلمين فإن السبيل إلى ذلك لا يكون باشتقاق روح الحداثة من تجربة أوربية خالصة أو عصر التنوير الأوروبي أو من كانط وغيره، فذلك يعد بداية خاطئة بل يجب أن تؤسس على التراث حتى تؤتي النتائج المرجوة.

ويقدم حلاق اقتراحات لعبد الرحمن باستبدال مفاهيم النقد والرشد بمفهوم الاجتهاد ونظريته وممارسته في التراث الإسلامي. إذ يرى فيه مفهوما متسعا قادرا على استيعاب أي نشاط فكري من نضج ونقد وابداع. كذلك فإن استخدام ركن التعميم/العالمية لا يتفق وهدف عبد الرحمن الأخلاقي إذ أن هذا المبدأ كان في الأساس لخدمة طموحات كولونيالية. ينقد حلاق عبد الرحمن في وصفه للحداثة بالعالمية بمعنى القابلية للتعميم على كافة المجتمعات باختلاف خلفيها التاريخية الثقافية والاجتماعية. ويتحدث عن معنى آخر للعالمية غير الذي يشير إليه عبد الرحمن وهو المتعلق بالعمليات إذ أكد العديد من الباحثين أن الحداثة ارتبطت بسلسلة من التطورات الاقتصادية والمادية احتاجت إلى نظام مواز من القهر والاجبار. وكان للثقافات غير الأوربية معاييرها الداخلية المركزية الأخلاقية التي وضعت حدودا لما يمكن القيام به وما لا يمكن. أما الكولونيالية الأوربية فقد امتلكت نظرة متحررة من تلك المعايير والا ما تمكنت من استغلال أهل هاييتي وسكان أمريكا الأصليين بالطريقة التي تمت، وإخضاع المزيد من مناطق العالم لكولونياليتهم وإعادة هندسة تلك المناطق بما يخدم مصالحهم ويثري خزائنهم. ولو كان التعقيد المادي والعلمي والتجاري (فقط) شرطا كافيا لنشأة الحداثة لأصبح الإسلام باقتصاده الضخم قبل الحديث حداثيا قبل أوروبا بين القرنين العاشر والخامس عشر الميلادي. فلم تكن الكولونيالية مجرد سمة عرضية للحداثة وإنما مثلت بنى الحداثة وشرطها. لذا ففي رأي حلاق يعد التمييز بين روح أو مبادئ الحداثة وبين التطبيق العملي الأوروبي لها بمثابة عدم انتباه من عبد الرحمن للعلاقة العضوية ينهما. ويقترح حلاق على عبد الرحمن استبدال مفهوم الحوار بمفهوم التعميم، إذ الحوار مفهوم متطور يشمل التواصل والمناظرات العلمية وهو متجذر تاريخيا كمفهوم وكممارسة في التراث الإسلامي ومناهض للإمبريالية والهيمنة.

وفي ختام الكتاب يرد عبد الرحمن على حلاق مدافعا عن رؤيته ومبررا أولوية الفصل النسبي بين روح الحداثة وواقعها أو تطبيقها الغربي. ومن الحجج التي يستند إليها:1. أن المعنى مختلف عن المبنى فالمعاني الموجهة للحداثة تختلف عن المباني المجسدة لها.  2. مراعاة مبدأ المناسبة الظرفية والذي دفعه إلى مراعاة الظروف التي تحيط بالمتلقي وهي في هذا السياق حالة سكرة الناس بالحداثة وتصورهم أنها السبيل الوحيد لصلاح أحوالهم. 3. الحرص على توسيع نطاق التواصل الفكري، والذي يكون باستعمال نفس مفاهيم الآخر مع فتح آفاق جديدة فيها.

الحداثة الإسلامية:

بعد تفصيل مبادئ الحداثة يتناولها عبد الرحمن مبدأ تلو الآخر، محللا ومفندا حججه ومسلماته، ثم معلقا كيف يكون تطبيق هذا المبدأ في التصور الإسلامي، بعد استبدال أو تعديل تلك المسلمات. “إن أي تطبيق يقوم على مسلمات ومعتقدات بداية. هذه المسلمات قد تكون معيبة، وبالتالي تؤدي لظهور تطبيق منحرف عن الروح كما حدث في التطبيق الغربي لروح الحداثة. ينبغي إذا أن ننتبه إلى تلك المسلمات التي تتفاعل معها روح الحداثة حتى نتفادى المسلمات المعيبة والتطبيق المنحرف في التطبيق الإسلامي لروح الحداثة.” فيكون التطبيق الإسلامي فيما يخص المبادئ الثلاثة على النحو التالي:

مبدأ الرشد: يقوم مبدأ الرشد كما ذكرنا على عنصري الاستقلال والإبداع. ينبه عبد الرحمن فيما يتعلق بهذين العنصرين إلى عدد من المسلمات المعيبة منها على سبيل المثال مسلمة “رفض الوصاية الدينية”. فالخبرة التاريخية في العالم الإسلامي مختلفة عنها في التاريخ الأوربي، فلم يمارس العلماء ورجال الدين في الإسلام يوما وصاية أو سلطة كتلك التي سادت في أوربا قبل عصر النهضة. وبالتالي فإن التخلص من الوصاية في التطبيق الإسلامي يكون بالتخلص من وصاية الغرب الكولونيالي.

مسلمة أخرى هي أن “الإبداع انفصال عن الماضي”.. في التطبيق الإسلامي الإبداع ليس انفصالا عن الماضي وإنما انفصال حيث يجب، واتصال حيث يجب. فمفهوم الإبداع الإسلامي لا يعتمد على قطيعة كاملة مع التراث ولا استمرارية تامة. ويسميه عبد الرحمن الإبداع الموصول (ص. 149).

“الإبداع يخترع الحاجة” كما يشبعها. في الرؤية الغربية تُخترع الحاجات المادية لزيادة الاستهلاك وزيادة المكسب المادي.. بينما في التطبيق الإسلامي يكون الاهتمام بخلق الحاجات الروحية والأخلاقية.

مبدأ النقد: يتبع عبد الرحمن نفس المنهج في التعامل مع مبدأ النقد. فمبدأ النقد يقوم كما ذكرنا على عنصري العقلانية والتفصيل، فيفند المسلمات والافتراضات المعيبة التي قامت عليها هذه العناصر في التطبيق الغربي للحداثة. يرى عبد الرحمن أن المسلمين قاموا لفترة طويلة بنقد شامل لتاريخهم وتراثهم مستخدمين مناهج النقد الغربية معتبرين إياها المناهج الوحيدة “المعقولة “، وقد قاد هذا ” النقد المقلد” الى الإضرار بتاريخهم وتراثهم من دون تمييز. ولتجنب هذا الضرر ينبغي مراجعة عدد من المسلمات التي قامت عليها مبادئ النقد في التطبيق الغربي للحداثة، ومنها مثلا “أن العقل يعقل كل شيء.” (وهم إمكانية التوصل لنظرية كل شيء) فالعقل لا يستطيع أن يفهم كل شيء، ويعترف دعاة العقلانية الغربية أنفسهم بذلك حين يسمونه العقل الأداتي وقد وجهت له العديد من الانتقادات من داخل الغرب ذاته. ويطرح عبد الرحمن في سبيل إصلاح هذا الضرر مفهوم العقل المؤيد كأحد مراتب العقلانية.

وعن عنصر التفصيل الذي يقوم على الفصل بين السياسة والدين، والفصل بين الدين والأخلاق، بين الاقتصاد والدين. والفصل بين الحداثة والتراث، يرى عبد الرحمن أن الانجازات الإسلامية في العلم والفكر وما تدين به أوربا لهذه الانجازات تشهد بالعلاقة القوية والصلة بين الحداثة والتراث. وأن فصل الدين عن سائر المجالات إنما يعبر عن  فهم خاطئ للدين ناتج عن  التجربة التاريخية الأوربية، إذ أن المقصود كان فصل الكنيسة وليس فصل الدين نفسه.

وفي رأيه يقوم التصور الإسلامي لمبدأ التفصيل في المقابل على: الظرفية والوظيفية، فالفصل ليس دائما وانما هو في ظرف معين ولأغراض محددة، والعناصر المفصولة قد تتحد مرة أخرى في سياق آخر. بل إن الأساس هو الوصل، والفصل يقع حين يوجد سبب خاص وأسباب معينة تجعل هذا الاستثناء من الأصل ضروريا. فالتفصيل مجرد ممارسة عملية تتحلل فور تحقق الغرض منها. وهنا يضيف حلاق أن تغير مفاهيم مثل الحكم والسياسة عن المفهوم السائد لها في الحداثة الغربية سوف يجعل هذا الوصل ممكنا (ص. 157).

وعلى نفس المنوال يتناول عبد الرحمن التصور الإسلامي لمبدأ الشمول بعنصريه: الاتساع و”التعميم” أو العالمية. فيفند مسلمة “أن الحداثة تولد القوة الشاملة.” يجادل عبد الرحمن بأن ذلك في العالم المادي فقط بينما تعاني الحداثة من فقر شديد في العالم الروحي. من ناحية أخرى فإن سيطرة المادية على كل نواحي الحياة شوهت روح الحداثة، فحل العنف محل العقل، والاستبداد محل الديمقراطية، والحرب محل الحوار والتواصل. أدت هذه المادية الطاغية والفقر الروحي إلى أزمات استدعت عودة الروحي، وعودة اللامعقول، ويرى عبد الرحمن أن الوضع في الغرب أضحى مأساويا إلى حد أن الغربيين أنفسهم بدأوا في تبني أديان أخرى غريبة مثل الانتحار الجماعي (ص. 162).

التصور الإسلامي لمبدأ التوسع يقوم على أن كل فعل أو نشاط حداثي يجب أن يستوعب الروح كما يستوعب الجسد، إذ إنه من دون إشباع الروح وتدريبها على التعامل مع جوانب الحياة المادية، لا يوجد ضمان ألا ينحرف سلوك الفرد عن الطريق المستقيم. في مشروع عبد الرحمن إذن يعد الروحي والأخلاقي هما النطاق المركزي. ويشير عبد الرحمن في هذا الصدد إلى القيم العمودية في مقابل القيم الأفقية للفرد الحداثي[5].

مسلمة اخرى تتعلق بأن “الحداثة حتم لابد منه،” يرفضها عبد الرحمن ويؤكد أن التصور الإسلامي يقوم على أن “البشر أقوى من الحداثة” بمعنى أنهم قادرون على تصحيح أخطائها واختيار طريق غير الطريق الذي سلكته الحداثة الغربية”.

وهنا تناقض آخر يرصده حلاق على عبد الرحمن إذ أنه إذا كانت الحداثة ليست حتما وليست واقعا مقدرا وأنها زائلة حالها كحال كل الفترات التاريخية فلم يكلف المسلمون أنفسهم عبء إصلاحها؟ ولماذا يتمسك عبد الرحمن بالحداثة في الوقت الذي ينقدها فيه أشد نقد؟ لماذا لم يلجأ لمفهوم آخر في الوقت الذي يستبدل فيه مفاهيم كثيرة أخرى أقل أهمية؟ (ص. 161).

ثالثا: التطبيقات الإسلامية لروح الحداثة

تتميز الحداثة الإسلامية كما ذكرنا بأنها أخلاقية وهذه سمة أساسية وجودية لها، فهويتها تتكون بالكامل من هذا العنصر. وبنفس القدر الذي يؤكد فيه عبد الرحمن على الأخلاق. يؤكد على محورية العمل والممارسة العملية.

في كتابه روح الحداثة يقدم عبد الرحمن أمثلة لتطبيقات إسلامية لمبادئ روح الحداثة التي سبق أن تحدثنا عنها فيذكر منها : الإبداع الموصول في قضية تفسير القرآن و التطبيق الإسلامي للعولمة وعدد من القضايا الأخرى. نكتفي هنا بعرض رؤيته عن التفسيرات الحداثية للقران الكريم.  

توجد قراءات معاصرة عديدة للقرآن يعتبرها أصحابها حداثية إلا أنها ليست كذلك لأنها لا تعبر عن روح الحداثة إذ هي “مقلدة” للتطبيق الغربي للحداثة، بسبب انفصالها الكامل عن الماضي. حيث انفصلت عن التفسيرات القديمة وكل ما ارتبط بها من علوم. لذا فقدت هذه المحاولات الحديثة أصالتها اذ أن الإبداع الحقيقي -كما يرى عبد الرحمن- يجب أن ينطلق من التواصل مع التراث وليس الانفصال. اتخذت هذه القراءات مسارات ثلاث: التأنيس والتعقيل والتأريخ.

خطط تأنيس القرآن: وتهدف إلى القضاء على المقدس، من خلال إخضاع النص لنظام بحث لا يعترف بالمقدس وجعله معتمدا على القارئ البشري -إذ إنه المصدر الوحيد للمعنى- مثله مثل أي نص بشري. إن هذه الأنسنة تقود الى تواطؤ بين المعرفة والقوة والمعرفة والسلطة ليس هذا فحسب بل أيضا إلى تسيس القرآن (ص. 176).

هنا يستكمل حلاق على عبد الرحمن حيث يرى أنه لم يول هذه النقطة الأهمية الكافية: “إن استقلال الشريعة ونظام تفسيرها لم يكن ليتحقق دون الاعتراف بسيادة التراث الفقهي— الصوفي وهو ما كان بمثابة منزلة دستورية هيمنت على السلطة السياسية.. إن السيادة لا تقع في الإرادة الشعبية ولا السياسية كما تعرفها الحداثة بل تقع في المبادئ الأولى للعدل الكوني (الذي يفصله القرآن)” (ص. 175).

خطط تعقيل القرآن: تسعى العقلنة الى طمس الغيبية، عن طريق الهجوم على مفسري القرآن القدامى واتهامهم بالجمود والتخلف ومنع تطور عقلانية حقيقية. ويشير عبد الرحمن هنا إلى نصر أبو زيد ومحمد أركون، حيث أخضع هؤلاء القرآن للمناهج نفسها التي أخضعت أوربا الكتاب المقدس لها. فصار القرآن يعامل معاملة تلك النصوص المؤنسنة. فقد اقتبسوا النظريات النقدية — من بنيوية وتحليل خطاب وتفكيك…، لدراسة القرآن من دون استيعاب للتبعات التي تنتج عن ذلك.

من آثار هذا التناول.. التغير الجوهري في مفهوم الوحي، واعتبار القرآن مفتقدا لبنية هيكلية أو تتابع منطقي، واعتبار الاشارات التاريخية أساطير ملائمة لجهور سابق وليست مقبولة لجمهور عقلاني أكثر “تقدما.”

يرى حلاق أن عبد الرحمن لم يركز على هذه النقاط التركيز الكاف. ويعتبر أن نتائج استخدام تلك المناهج العلمانية في تفسير القرآن هي أشد خطرا مما يظهر عند عبد ارحمن. ويوليها أهمية عظمى أكبر مما يرى عبد الرحمن نفسه.

ويستطرد على عبد الرحمن في التفرقة بين القانون في التصور الاوربي والقانون في التصور الإسلامي معتبرا ان هذه التفرقة توفر العدة التي يمكن باستخدامها نقد مشروعات الحداثيين المسلمين الذين سعى أغلبهم لتقليص محتوى القرآن القانوني فيما لا يتعدى 80 آية (ص. 178).

خطط التأريخ: ويقصد بها تجاوز أحكام القرآن والبرهنة على أنه لم يقصد بها أن تظل ثابتة لا تتغير. والأسلوب المتبع لتحقيق ذلك هو البرهنة على العلاقة الوثيقة بين الآيات والظروف المباشرة المرتبطة بها أو أسباب النزول. ويتسع الامر في التأريخ متجاوزا الأحكام ليشمل العبادات أيضا. فكما يقولون إن الأحكام والحدود كانت لسياق زماني ومكاني معين، فان العبادات أيضا قد عفا عليها الزمان باعتبارها شعائر أسطورية. كانت ملائمة لجمهور أقل عقلانية من عقول الناس اليوم.

 ويرد عبد الرحمن على هذه الخطط بخطط مقابلة هي: خطط التأنيس المبدعة، التعقيل المبدعة، التأريخ المبدعة (ص. 183). وكما فعل مع القراءة الحداثية للقرآن يقوم بنفس الشيء في العولمة فيفكك التطبيق الغربي ثم يعرض للتصور الإسلامي. والمأخذ على عبد الرحمن فعلا أنه يتبع خطى الغرب الحداثي أو منهجه من حيث يريد الرد. عليه، وكان الأولى تشييد بناء جديد من الأساس.

 رابعا: إعادة تشكيل العقلانية/العقلانية المؤسسة على الأخلاق

يعرض حلاق في هذا المقام تفصيلا لرؤية عبد الرحمن لمراتب العقلانية التي تحدث عنها سابقا عند تناول التراث (العقل المجرد والعقل المسدد والعقل المؤيد)، إذ أن هذه الرؤية هي أساس مشروع عبد الرحمن. ينقد عبد الرحمن العقل المجرد (الأداتي) نقدا شديدا ويدعو لتبني العقلانية المؤسسة على الأخلاق أو “العقلانية المؤيدة”. وهي نمط كثيف من العقلانية، ويصرح في كتابه “العمل الديني وتجديد العقل” أن هدفه وضع الأسس الفلسفية لليقظة الدينية في الإسلام. “هذه اليقظة التي لا تزال تحتاج مرحلة تمهيدية يتم فيها إرساء الأسس النظرية والفكرية للمشروع”.

ويؤكد عبد الرحمن على أهمية التجربة -لا سيما التجربة الروحية الأخلاقية- إلى جانب هذا الإطار النظري الفكري، فالتجربة هي اختبار للمصداقية والشرعية بقدر ما هي اتساق وقوة عقلانيان. “آن الاوان أن نحاسب المتكلم في العقيدة على مدى انطباق ما يقوله على سلوكه ومدى استحقاقه أن يكون قدوة فيما يقول”. ويشن عبد الرحمن هجوما فكريا على التناقض والانفصال بين القول والفعل أو المقاصد المعلنة والسلوك والأخلاق العملية، وينظر إلى ثنائية النظرية والممارسة على أنها غربية الصنع أو أسلوب غربي في فهم العالم والتعامل معه (ص. 212).

العقل والأخلاق

 الأخلاق مقياس أساسي بالنسبة لعبد الرحمن، هي ليست فقط المركز بل هي جوهر الإنسانية نفسها وهي ما يميز الانسان عن سائر الكائنات. بناء على هذا المنطلق يرتب عبد الرحمن أشكال العقل والعقلانية من الأدنى الى الأرقى. فالعقل المجرد أدنى أشكال العقل. العقل المسدد يليه. ثم المؤيد الذي يمثل أرقى أشكال العقلانية والأكثر قوة.

ويعرف عبد الرحمن العقل المجرد: “الفعل الذي يطلع به صاحبه على وجه من وجوه شيء ما، أو سلوك يحاول من خلاله الشخص فهم نفسه والبيئة المحيطة به.” في التراث الإسلامي اتخذ العقل أشكالا متعددة بوصفه عملا من أعمال القلب، كما يفهم العلاقة بين الأشياء القابلة للمعرفة، بحمي الفرد من أهوائه ورغباته الضارة، ويجادل عبد الرحمن أن الجهل والشر ينتجا ليس عن غياب العقل وإنما عن شططه وضلاله. فالسرقة مثلا تأتي بعد تخطيط عقلاني، هكذا يمكن أن يقود العقل أو ينتج أمورا شديدة السوء. كما يمكن أن ينتج أفعالا صالحة. ويفند فكرة أن “العقل” — بمعنى العقل المجرد — هو الحقيقة الواحدة التي يشترك فيها كل الناس، ويتفقون عليها، فيوضح خطأ تلك الفكرة، ويشير إلى التناقضات بين أفكار تستند كلها إلى ذلك النوع من العقلانية. مستشهدا بعدد من أقوال الفلاسفة الغربيين، أمثال كانط وديكارت، مناقشا إياهم وموضحا أوجه التناقض بينهم. ثم ينتقد كذلك الفلاسفة والمتكلمين المسلمين التقليدين المتأثرين بالفلسفات اليونانية. (ص 219).

ويمضي عبد الرحمن موضحا أوجه القصور في العقل المجرد والمنطق الصوري وعجزه عن فهم عددا من الحقائق الكونية/ الإلهية، وعجزه أمام أي حقائق غير مادية فيقول: “وهكذا يتبين أن الطريق إلى إدراك الحقائق الإلهية بواسطة العقل المجرد طريق مسدود أو على الأقل طريق محدود” (ص. 216).

ثم يناقش عبد الرحمن فكرة أن التقنية -كأحد إنجازات العقل- ستحقق سعادة البشرية وتمكنها من السيطرة على الطبيعة معدداً الآثار المدمرة للتقنية، ليس بسبب التقنية ذاتها وإنما بسب العقلانية الآلية المفتقدة لأي بعد أخلاقي والتي تجعل أي عمل يحمل بذور فنائه. ولان التقنية مبنية على مبادئ غير أخلاقية مثل ” كل شيء ممكن، ” كل ما كان ممكن يجب عمله أو تجربته”. ويشير إلى الأبعاد الضارة وغير الأخلاقية في ذلك. كذلك يناقش فكرة أن المعرفة العلمية تراكمية مستشهدا بطرح توماس كون عن الثورات العلمية والنماذج المعرفية. طارحا رؤيته ضمن تلك الدورات العلمية، ويعرج كذلك على فكرة الموضوعية البحتة للعلم هادما إياها.

يتفق حلاق تماما مع عبد الرحمن في هذه النقطة ويرى أن ما يقوله عبد الرحمن عن العقل المجرد تؤكده خبرة قرن كامل، ويعد الدمار الذي أحدثته النازية في العالم مثلا نموذجيا على تلك العقلانية المجردة.

المرتبة التالية من العقلانية هي: العقل المسدد.

العقل المسدد يشير إلى التفكير/والأفعال وفق القانون الشرعي الأخلاقي فهو يتفوق على العقل المجرد لأنه يتقوى بارتباطه بالشرع ليظل على الطريق المستقيم في تحصيل المعرفة النافعة التي تنعكس في العمل.  والشريعة، كعنصر أساسي في هذا النوع من العقلانية، تمثل قيما يفترض علوها على تعسف وتحكمية الأهواء الإنسانية المتغيرة باستمرار.

فمع كل الجهد الفكري الذي قد يأتي به الفاعل في اختيار أفضل الأفعال إلا أنه قد يأتي بعمل يضره أو يضر غيره، يمكن فقط للفعل الذي تحكمه مبادئ الشرع أن يمكن من تجنب الضرر.

المرتبة الأسمى من العقلانية: العقل المؤيد

ويعرفه عبد الرحمن بأنه: التفكير والأفعال التي يسعى صاحبها إلى فهم ومعرفة الأشياء في ذاتها أو جوهرها، وتوظيف العقل وحده لا يوصل الى ذلك، وانما توظيف العقل والعمل مضافا اليهما” التجربة الحية” هو ما يمكن به الوصول لذلك الفهم وهذه المعرفة. وهنا تحديدا يبدأ عبد الرحمن في استخدام عددا من المصطلحات الصوفية التي بها بعض الغموض. مثل الملابسة.. التجربة الحية.

يشتمل العقل المؤيد على بعد نفسي داخلي كما يقول عبد الرحمن وهو يسعى لمعرفة جوهر الأشياء وأعماقها. ويجب أن يحقق العقل المؤيد شروطا ثلاثة حتى يحقق مبتغاه: أولها تلازم العلم مع العمل، وثانيها أن يسعى كل مشروع فكري أو بحثي الى معرفة الله، وثالثها أن تسمح ممارسات العقل المؤيد بالتوسع المعرفي. فهو يشمل العقل المجرد والمسدد ولا يشملانه. ويؤكد عبد الرحمن أن العقل المؤيد يكتسب شكله الأكمل في المجال الصوفي والممارسات الصوفية (ص.233- 235).

وفي رأي حلاق تهدف أنواع العقل الثلاثة عند عبد الرحمن إلى محاولة التوفيق والجمع بين العقل الحداثي والشرعي والصوفي. ويتساءل حلاق “ما الذي يمثل الممارسة الصوفية”؟ وعن هذا يجيب عبد الرحمن باختصار نسبي فيتحدث عن تكوين الشخصية الأخلاقية تبعا للعقل المؤيد، وعن الرابطة الأساسية بين السلف الصالح والسلوك الأخلاقي، وعن التجسيد الأخلاقي لنماذج السلف الصالح. فالتصوف يزرع في الإنسان قدرة خاصة على تجنب سمات الشخصية السيئة مثل الكبر وحب الظهور والتقليد الأعمى والانشغال بالسياسة. وينتقد عبد الرحمن السلفية التقليدية في تركيزها على النصوص من دون محتواها الأخلاقي.

ويختم عبد الرحمن مناقشاته لأنواع العقلانية بأن العقل المجرد هو ذلك العقل المحروم من اليقين على مستوى تصوراته وعلى مستوى الوسائل وعلى جميع المستويات. وكأنه عقل تائه في النسبية. “بينما في العقل غير المجرد تتشابك النظرية والتطبيق والقول والفعل والمعرفة والحركة معا فيتعايشان ويتكاملان وترد الوسائل باستمرار إلى القيم والمبادئ لخدمتها ودعم معانيها. وهذا نمط من الوجود يقوم على عقلانية مؤيدة يستطيع الدين تقديمها لا العلمانية”.

خامسا: الدين والعلمانية والأخلاق

يكرر حلاق في هذا الفصل بعضا من الأفكار التي سبق أن تعرض لها عن العقل المجرد، ويركز على فكرة أساسية عند عبد الرحمن هي: العلاقة بين الدين والأخلاق. يؤسس عبد الرحمن مشروعه على الأخلاق كما ظهر في الفصل السابق، ويرى أن الأخلاق هي الصفة التي تنبع منها كل صفات الإنسان بما فيها العقلانية (ص. 244).

وعند عبد الرحمن تستمد الأخلاق من الدين. فلا أخلاق بدون دين ولا دين بدون أخلاق.[6] يرى عبد الرحمن أن العقلانية الحديثة (المجردة)، بضيقها وقصورها، تفشل في تناول العلاقة بين الدين والأخلاق في حين تنجح العقلانية المؤيدة في ذلك، فهي الوحيدة القادرة على التعامل مع الدين بجدية وهي التي تنظر لتلك العلاقة من زوايا متعددة وتاخذ في الاعتبار الروابط التاريخية والنفسية والاجتماعية والمعرفية والوجودية بين الاثنين. وبالطبع يرفض الحداثيون هذا التقسيم للعقلانية ويصرون على أن العقل المجرد هو النمط الذي ينبغي أن يحكم التفكير في العالم (ص. 246).

ويناقش عبد الرحمن عددا من مدارس الأخلاق الحداثية (الحدسية والطبيعانية والنسبية وغيرها) الذين تناولوا هذه العلاقة موضحا ما يصفه “بالفوضى الفكرية” التي سادت الفلسفة الأخلاقية الغربية، اذ تدعي كل مدرسة الوصول إلى مبادئها الأخلاقية من خلال مناهج عقلية مجردة. فكيف تصدق هذه المدارس جميعها على اختلافها الكبير؟ فمع ادعائهم العقلانية المجردة يصلون إلى نتائج متناقضة. ما يبرهن أنها لا يمكن أن تصدق جميعا وهو ما يؤكد أن عقلانيتهم هي مجرد أحد أنواع العقلانية.  ما يترك احتمال الوصول إلى أنواع أخرى من عقلنة العالم لم يفكر فيها الحداثيون.

وبعد تقديم مجموعة من الانتقادات العامة للفلسفات الأخلاقية الغربية التي ركزت على أي الاثنين (الدين أو الأخلاق) يوجه الآخر ويتحكم فيه. يركز عبد الرحمن على أعمال كانط (وهو الذي أخضع الدين للأخلاق) ويرى أن مفاهيمه ما هي إلا مفاهيم مسيحية تم علمنتها مثل مفهوم الإرادة الإنسانية بدلا من الإرادة الإلهية، ومفهوم الواجب المطلق بدلا من الأمر الإلهي.. ثم ينتقل إلى مقولات ديفيد هيوم (الذي قال بالانفصال التام بين الدين والأخلاق)، فيبرهن أن هذا أمر غير ممكن عمليا وأنه نابع من فهم ضيق ومنحرف للدين. ويثبت تناقض هيوم مع نفسه إذ أنه يستخدم مفاهيم لها أصل ديني مثل الحس الأخلاقي وهو ما يقابل مفهوم الفطرة ومفهوم الدين الطبيعي (ص. 250).

ينقد عبد الرحمن كذلك المدارس الكلامية الإسلامية للأشاعرة والمعتزلة لرضوخها بسهولة للأفكار اليونانية وجعلهم الأخلاق فرعا من الدين، مع إعلاء المصالح المادية على الاعتبارات الأخلاقية. والأصل في العلاقة عند عبد الرحمن أن الدين والأخلاق شيئا واحدا.

ويرى عبد الرحمن أن كل الانفصالات بين الدين والأخلاق، الدين والعلم، الأخلاق والعلم، وغيرها كلها انفصالات تعسفية تعبر عن تحيزات فكرية قامت بها الحداثة الغربية (ص. 279). في نفس السياق يتعرض عبد الرحمن لاهمية الجانب العملي في الأخلاق ويناقش احد أهم سمات الحضارة الغربية في رأيه وهي ما يسميه الانفصال بين القول والعمل.

الانفصال بين القول والعمل في الحداثة الغربية:

يرى عبد الرحمن أن أحد السمات الظاهرة للحداثة هي أنها حضارة قول لا حضارة عمل. فهناك فجوة كبيرة بين الكلام والخطاب من جهة وبين الفعل والعمل من جهة أخرى. ويتناول عبد الرحمن هذه الصفة تفصيلا، مشيرا إلى سيادة التقنية على المعرفة وهيمنة الاجراءات على الانسان المعاصر[7].   

ويختلف حلاق مع عبد الرحمن في هذا الوصف. فكيف يتسق هذا مع الشعور بالتفوق والسيادة غير المسبوق الذي ولدته الحداثة. إن السيادة ارتبطت بممارسات فعلية، واستخدم القول لتبرير تلك الممارسات والأفعال. يقول حلاق ” ليس ثمة شك أن الحضارة الغربية هي حضارة فعل، ولا شك في أن أفعال الحضارة الغربية كان لها آثار مدمرة وغير أخلاقية وقد تم شرعنة ذلك كله من خلال القول”(ص .264). والحقيقة أنه يمكن الجمع بين الرؤيتين، فما قصده عبد الرحمن هو الانفصال لكنه لم ينكر الأفعال المدمرة للحداثة. وقصد أيضا انفصال الفكر المجرد / النظرية عن الممارسة العملية.

وللخروج من حضارة القول بكل آفاتها الأخلاقية ولنمهد الطريق نحو حضارة قول وعمل يقول عبد الرحمن: “يجب أن نكتشف المعنى الكامل للتجربة الدينية المؤيدة” والخطوة الأولى لذلك تتمثل في فهم أن الأخلاق ليست ترفا، بل هي ملزمة كما يلزم القانون، وذات تبعات لمنتهكيها حيث تؤذي أفعالهم الفرد والجماعة، إن الفرق بين منتهك القانون ومنتهك الأخلاق أن الأول يتعرض لعقاب سلطة خارجية في حين أن الثاني تحاسبه سلطة داخلية ذات منبع إلهي. وتحرمه من التواصل مع المعنى الحقيقي للحياة الطيبة (ص. 274).

والأخلاق “المؤيدة ” (أي المستمدة من الدين) عامة وشاملة حيث يرى عبد الرحمن أن كل عمل، كبيرا كان أو صغيرا، يرتبط بواجب أخلاقي لابد أن يكون حاضرا، إما داخليا وإما علنيا. ويتجلى هذا الواجب على كافة المستويات؛ الاجتماعية والفردية، بل وعلى مستوى جميع الكائنات وفي جميع المجالات. فالأحجار والأشجار مهمة أهمية الثروة والوقت، والمتخلق مطالب بأن ينظر بعين التعظيم للحجر الذي يميطه عن الطريق،” وذلك من الشعور بالامتنان للمخلوقات وللخالق (ص. 277).

الأخلاق المؤيدة إذن تتطلب الاهتمام بالممارسة الفعلية والتخلي عن الأفكار المجردة من أجل ذاتها. وهكذا تتمثل الأخلاق في جدلية الأداء والتشكل فما يعرفه المرء يمارسه، وما يمارسه هو ما يعرفه.[8]  

وهكذا يتحدث عبد الرحمن عبر الأخلاق المؤيدة عن إنسان جديد، هو قوام مشروعه “إن هذا الفرد هو أساس هذا المشروع الفكري، والتقويض المأمول لمركزية الحداثة يحدث من خلال هذا الفرد الذي لا تشكله العقلانية الأداتية، والذي يهجر مفهوم الحرية السلبية، ويعتنق الحرية الإيجابية،[9] ويدفع المادية إلى منزلة ثانوية ويرفض الآثار الضارة والطاغية للتقنية[10] (ص. 280).

سادسا: السيادة والتدبير الأخلاقي والائتمانية

يعرض حلاق في هذا الفصل لرؤية عبد الرحمن السياسية، وهي رؤية على قدر كبير من التركيب. لا تحيطها كلمات حلاق (واضطررت للعودة مرات عديدة لكتب عبد الرحمن: روح الدين بالأخص) وهي رؤية ترقى -كما يقول حلاق نفسه- لتكون بمثابة نظرية كاملة في الوجود. لذا فإن هذا الفصل هو الأكبر بين فصول الكتاب.

  • العلاقة بين الدين والسياسة

يعتبر تفصيل العلاقة بين الدين والسياسة عند عبد الرحمن بمثابة نظرية في الوجود الانساني إذ أن هذا الوجود يتحدد أفقه ومعناه وغايته بفضل هذه العلاقة. وينتقد عبد الرحمن كلا الخطابين المهيمنين على الساحة وهما الخطاب العلماني الغربي. وخطاب الإسلام السياسي بأطيافه المختلفة.

ويبدأ نقد المفهوم الحديث للسياسة عند عبد الرحمن من مفهوم الروحي الذي همشته الحداثة الغربية وأهملته. لذا يسمي عبد الرحمن العمل الذي ينقد فيه مفهوم السياسة ويقدم مفهوما جديدا بـ “روح الدين.” نقطة الانطلاق الأساسية في هذه الرؤية الرحمانية “أن البشر يمتلكون طبيعة مزدوجة ووجود مزدوج: روحي ومادي”. هذه الازدواجية خاصية متأصلة في الإنسان وهي ليست اختيارا. فالإنسان لا يوجد في هذا العالم المادي فقط وانما يوجد في عالم الغيب أيضا. أو عالم الملك وعالم الملكوت.

الغيب هو ” كل ما لا يراه الانسان في الحال، سواء سبق أن رآه ولم يعد يراه، أو لم يره بعد وسوف يراه.” ويرى طه أن الحداثيين يبذلون وسعهم لفصل عالم الغيب عن عالم الشهادة دون أن يتمكنوا من تجاهل الغيب أو نسيانه. وغاية ما يفعلوه هو اقتباس بعض خصائص الغيب ومفاهيمه، وتلبيسها ثوبا ماديا… مثلا مفهوم الجلالة.. أطلق هؤلاء على الجلالة السيادة. ذلك أن بعض سمات الغيب لا يمكن تجاهلها أو الاستغناء عنها. إذن تم اقتباس مفهوم الجلالة والتغطية على أصله الغيبي، وتسميته السيادة، ثم نسبتها إلى المؤسسات تارة أو الدولة أو الشعوب وأصبح السعي إليها دليلا على استقلال الفرد وسيطرته على تدبير حياته.

تم كل ذلك تحت وهم أن الإنسان لديه القدرة أن يتحكم في شئون العالم. ونتيجة ذلك تم وضع السيادة بالمكان الخطأ. ما جعل الإنسان سيدا وإلها، يستبد ويستعبد ويطغى ويظلم تحت ستار السيادة، والتي هي بلا شك أحد المفاهيم المركزية في أسلوب حياة الحداثة.

لا يذكر عبد الرحمن أمثلة تفصيلية هنا لكن حلاق يستطرد عليه مستدعيا أمثلة للـ “عقائد السياسية” كالنازية والبلشفية ” كأحد أبعاد الغيبية التي تستدعى إلى عالم الشهادة.. ص 284 “فالفاعل السياسي ينشئ عالما طوباويا يملؤوه بتطلعاته الغيبية ويمنح مشروعه منزلة العقيدة والقداسة “ص 316. ولو أن الإنسان هو إنسان مزدوج أو عمودي كما يخبرنا عبد الرحمن فإنه يزدهر في عالم الغيب كما يزدهر في عالم الشهادة. والسياسة والدين غير قابلين للفصل أو التمييز تماما كما العقل والأخلاق. وتنتقل الفضيلة من عالم الغيب إلى عالم الشهادة من خلال الروح فهي المختصة بأعمال التزكية.

بذلك يتحدث عبد الرحمن عن مسارين لا ثالث لهما في هذه الحياة:

(1) مسار تأليه ذاتي (التغييب) حيث يرفع الانسان أفعاله إلى رتبة الإلهيات.  “السياسة”.

(2) مسار تخليق ذاتي (التشهيد) حيث يتخلق الانسان بصفات الله. ” الدين”.

وهكذا يعد التغييب والتشهيد (السياسة والدين) مسارين مختلفين متناقضين في إدراك العالم والحياة فيه، فهما ليسا مجالان من مجالات الحياة وإنما منهجان متعارضان لإدارة مجالات الحياة والعيش. يمثل المسار الأول منهج العلماني. والثاني منهج المؤمن. وفي كل مجال من مجالات الحياة يختار الفاعل أن يسير وفق أحد المسارين.

وبينما يعد الدين الطريقة الأمثل للتشهيد، تعد السياسة الطريق الأمثل للتغييب. وفي حين تتطلب السياسة (بصرف النظر عن نوع الحكم) الخداع والنفاق والتسخير والإخضاع والشهرة والسيطرة وإثبات السيادة (وكلها أفعال يرفضها الفاعل الديني)، يتطلب الدين: التواضع، الامتنان، الأمانة، الزهد، الحرية، وأعمال التزكية والحياء (ص. 291).

وهكذا يتحدث عبد الرحمن عن مفهوم التدبير الأخلاقي/ الديني كبديل لمفهوم السياسة أو التدبير السياسي الحداثي.

  • تفنيد مقولات العلمانية عن الفصل بين الدين والسياسة

بعد هذا التناول يسعى عبد الرحمن للتدليل والبرهنة على أن الدين هو الطريق الأمثل للتشهيد. وأن السياسة هي الطريق الأمثل للتغييب.، وذلك عبر مناقشة العلمانية —بأشكالها المختلفة — في دعوى الفصل بين الدين والسياسة مؤكدا استحالة الفصل. فهما ليسا عنصرين مستقلين كما سبق أن شرحنا وإنما مساران متعارضان. أحد الحجج التي يقدمها عبد الرحمن: أن في ادعاء الفصل التام بين الدين والعمل السياسي نظرة اختزالية للدين اذ أن الفاعل الديني هو الانسان، والانسان كيان كلي وليس كيانا قابلا للتجزئة والتشظي بحيث يكون دينيا في المجال الخاص ولا ديني في المجال العام (ص 308). كذلك يؤكد عبد الرحمن أن الدين ليس غائبا عن المجال السياسي بل إنه حاضر في السياسة العلمانية الحديثة بأشكال متعددة ولكن أعيد تشكيله عبر تأليه وتقديس كيانات أخرى (ص. 315).

 تدعي العلمانية أن الدولة تهتم فقط بتنظيم المجال العام ولا شأن لها بالمجال الخاص (الذي يعمل فيه الدين)، وذلك بدعوى الحفاظ على الحريات الدينية. لكن هذا الزعم غير صحيح إذ أن التدبير السياسي للمجال العام له آثارا بعيدة المدى على كل جوانب حياة المواطنين، فأولا: لا توجد دولة خالية من الايديولوجيا مهما خفت تلك الايديولوجيا، وثانيا أن الدولة في ضوء العمل بالتدبير السياسي والسيادة تضيق مساحة المجال الخاص باستمرار. ويعد الحظر الفرنسي على الحجاب في المؤسسات العامة نموذجا دالا. فهذا يمثل انتهاكا من الدولة لتعهدها بضمان الحريات الدينية، ونوعا من العنف الروحي اذ تجير أتباعها المتدينين على اتباع سلوكيات ضد معتقدهم الديني. ويسبب هذا العنف الروحي دمارا شديدا في المجال الخاص.

من جانب آخر فالممارسة الدينية لا يمكن ولا ينبغي حصرها في مجال بعينه، “إن الدين لم يقصد به أن يظل حصرا في مجال من مجالات الحياة بل اورد هذه القيم باعتبارها أصولا تبنى عليها الحياة برمتها” فهي قوة روحية هائلة ينبغي ان توجه لليناء.

وكما يرفض عبد الرحمن العلمانية والفصل بين الدين والسياسة يرفض عبد الرحمن كذلك الدولة الدينية الثيوقراطية ويرى أنها ليست أقل ضررا من الدولة العلمانية، والدولة الثيوقراطية هي الدولة التي تمتلك فيها مظاهر الدين اليد الطولى ويحكم قادتها باسم الدين. ذلك أنها تستخدم نفس الأداة وهي “السياسة والتسلط” في التدبير. وتشترك مع العلمانية في سمة أساسية وهي غياب الحوار الديني، أي إلغاء الدين بوصفه صوتا مشروعا في الجدل العام حول إدارة المجتمع (ص. 310).

ينقد عبد الرحمن أيضا وبنفس القدر الحركات السياسية الإسلامية المعاصرة -بكافة اطيافها-ويفند مزاعمها وادعاءاتها حول العلاقة بين الدين والسياسة (ص. 331).

في المقابل يتحدث عبد الرحمن عن التدبير الأخلاقي في مقابل التدبير السياسي، ويعدد مزايا هذا التدبير. والخروج من نطاق السيادة والتسيد يكون بالاعتراف بان للإنسان وجود متعد عن هذا العالم المادي. والايمان بالسيادة لله وحده، ويرتبط هذا طرديا بالحرية الانسانية وكما يقول عبد الرحمن في شرح هذا النظام: “هو نظام أخلاقي قوي يستند الى شكل من أشكال الحرية الإيجابية. وهي الحرية من الحاجة للغير ومن السيطرة على الآخرين ومن هوى النفس وهو الأهم” (ص. 320).

لا يقدم عبد الرحمن حلا فكريا نظريا بل يعرض حلا يستند إلى طرق عمل، وهذا العمل هو العمل التزكوي، وعن طريق العمل التزكوي تتم إعادة تشكيل كاملة لأسلوب الحياة وطرق العيش[11]. والعمل التزكوي هو مشروع حياة متدرج ومتطور طويل المدى ينمو ويغذى. عبر حب التعبد. وممارسة التشهيد. والإيمان بان السيادة لله، فهو تحرير الناس من أنفسهم فضلا عن تحريرهم من غيرهم. ويعرف عبد الرحمن التزكية بأنها: أداء أو الاتيان بالعمل الذي يرفع غطاء النفس عن الروح ويحقق الاتصال بالعالم الغيبي (ص. 511 روح الدين). وتقوم التزكية على خلق الحياء وليس الخوف من الله، فالحياء هو شرط التزكية والعبادة. وهو صفة تواضع تمنع الشعور بالتسيد والسيطرة.

  • الدعوى الائتمانية [12]

يقدم عبد الرحمن نظرية في الوجود قائمة على ميثاقين: ميثاق الإشهاد. وميثاق الأمانة. نظرية تقوم على فكرة أن الجنس البشري قد اختار القيام بحفظ القواعد الإلهية[13]. في التصور الإسلامي الله وحده هو المالك الحق. وملكية الإنسان فرع عن تملك الله. ويعد الاستخلاف علاقة بين عناصر ثلاث: الوديعة والمودع والمودع لديه. والإيداع هنا إيداع رعاية إذ يسمح بتصرف المودع لديه بما يحقق حفظ الوديعة ورعايتها وفق قواعد المودع. وهذا معنى الائتمانية. توجيه التفكير والفعل في تدبير الوديعة ورعايتها.

“الدعوى الائتمانية لا تفصل بين التعبد والتدبير أو الدين والسياسة، كما تفعل العلمانية ولا تصل بينهم كما يفعل أهل الدين (الدياني) مثل أصحاب مقولة ” الإسلام عقيدة وشرعة او دين ودنيا” فهما ليسا عنصرين منفصلين أصلا.. وانما تنزل الدعوى الائتمانية رتبة سابقة على الفصل والوصل وتعود لنقطة الوحدة الأصلية التي منشؤها العالم الغيبي وهي لحظة الامانة التي تحملها الانسان باختياره. اذ لا فصل ولا وصل بين التعبد والتدبير في الامانة.”

إذن لا فصل ولا وصل بين التعبد والتدبير.

يقتضي مبدأ الائتمانية على خلاف مبدأ الوضع أن يكون الانسان لا متسيدا – كما في العلمانية- وانما مستودعا لا ينفك يرعى حقوق الوديعة وفق مراد المودع. والإنسان غير منفصل عن المودع الإلهي -كما في الديّانية- بل متصل به طالما لا يبرح أعمال التزكية.

فلا سياسة من دون ائتمان هنا يبدأ مفهوم التدبير وينتهي (ص. 343).

خاتمة

في خاتمة ثرية يجمل حلاق ما فصله سابقا من مشروع عبد الرحمن ويعلق عليه في نظرة كلية. يتحدث عن أشكال المعرفة التي استوطنت العالم الإسلامي قبل العصر الحديث والتي تضرب أشكال المعرفة الحداثية في القلب. ويتضح هنا بشدة أوجه التلاقي القوية بن حلاق وعبد الرحمن.

يؤكد حلاق أنه لا يمكن وصف عبد الرحمن – كما هو سائد بالفعل- بأنه فلسفة صوفية يمثل الروحي اهتمامها الأساسي. بل هو وبنفس القدر مشروع سياسي بعمق ا!! بوصفه فكرا مضادا للعلمانية والمادية والليبرالية والمركزية.

تقع الأخلاق عند عبد الرحمن في المركز أو قمة الهرم وتخضع جميع المجالات للأخلاق بما فيها نظام التدبير أو (السياسة).

يقوم عبد الرحمن بتصميم خطة توجيهية تعيد انتاج لقاح ذاتي يعالج ” اعياء الحداثة” مقرا بانه لن يكون هناك علاج ناجع مستقى من داخل النظام الذي أنتج المرض. خطة تستند لنموذج تاريخي قام لما يقرب من ألف عام. وتقوم على تصور للإنسان بأنه كائن متعد ويحيا في عدة عوالم ليس العالم المادي فقط.، وهو قادر على التواصل مع عالم الغيب عبر التزكية.

بطرح عبد الرحمن مفهوم التدبير الأخلاقي في مقابل مفهوم السياسة التي ارتبطت بالسيطرة والتسيد والسيطرة والقهر. ويقدم العمل التزكوي كوسيلة للخروج من التسيد.

سعى حلاق عبر أبحاث متعددة لإيجاد صيغة من الشريعة قادرة على الحياة هذا العالم الحداثي أو قادرة على مواجهة أمراض الحداثة. وهنا يقدم له عبد الرحمن هذه الصيغة عبر مفهوم لإنسان جديد أو بالأدق عبر إحياء الإنسان الفرد. يركز عبد الرحمن على بناء هذا المفهوم في كتاباته المتأخرة روح الدين ودين الحياء. فهي نماذج تمثل اسهامات مهمة في صوغ هذا الإنسان الجديد.

وأخيرا فقد نجح حلاق عبر هذا الكتاب في تقديم عرض عميق لمشروع عبد الرحمن الفكري، وكذلك تقديم تعليقات عليه في محاور هامة ومفصلية، وأضاف زخما إليه عبر الاشتباك معه ومحاورته وتقديم أطر عامة ونماذج وأمثلة ساهمت في توضيحه وإثرائه.

و تعد الإضافة الأكثر إشكالية التي يلقيها حلاق في الخاتمة هي تلك الفقرة:

“إن الدعوة إلى نظام الحب الصوفي ليس حكرا على المتدين فأي مفهوم جديد للإسلام يجب أن يكون قادرا على استيعاب كل الاختلافات فالعقلانية القادرة على تجاوز العقل الأداتي والمادي قادرة بالضرورة على احتواء مجموعة كبيرة من المواقف التي يمكن ألا تكون دينية”. وهو رأي بالتأكيد سوف يعارضه عبد الرحمن يعترف بذلك حلاق نفسه!!

هذا الرأي الصادم لحلاق بعد كل هذا الغوص في فلسفة عبد الرحمن يدفعنا للتساؤل كيف تخرج من رؤية عبد الرحمن المنبنية على الدين رؤية لا دينية؟

عرض:

أ. منال يحيى شيمي

باحثة بمركز خُطوة للتوثيق والدراسات،

وحاصلة على ماجستير في العلوم السياسية. جامعة القاهرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] لا يقصد حلاق بالشريعة القانون أو الأحكام. وإنما المعنى الشامل للشريعة كقانون وأحكام وقيم حاضنة ومقاصد كلية وأخلاق و إيمان.. الخ..

[2]   وهذه الكتب على التوالي: تجديد المنهج في تقويم التراث، روح الحداثة، العمل الديني وتجديد العقل، سؤال الأخلاق. روح الدين من ضيق العلمانية الى سعة الائتمانية.

[3] ويدفعنا هذا القول الى أن نسأل عبد الرحمن: أليس هذا حجرا على من يبحث في الإسلام والتراث الإسلامي؟ وكأنه يرى أن من يبحث بدون عمل -وهو أي باحث غير مسلم- لن يصل لعدد كبير من الحقائق. وهذا يخالف الواقع العملي.. إذ توصل العديد من الباحثين بصدق عن الحق إلى تجليات ومعاني كبرى في الإسلام بدون عمل مبدأي منهم مثلا جيفري لانج.. الذي يلتقي مع عبد الرحمن في عدد من الخلاصات المهمة. ومنهم حلاق نفسه!!!!

[4] وكأن عبد الرحمن هنا يتحدث عن مفهوم الحضارة عموما ومبادئها أو مقوماتها وليس الحداثة بالمعنى المعروف للمصطلح المرتبط بعصر التنوير الأوربي والتجربة الغربية.

[5] يقصد بالقيم العمودية تلك القيم المستمدة من مصدر أعلى مفارق وهو “الوحي”.  والقيم الأفقية فهي التي مصدرها البشر والفكر الإنساني.

[6] يتفق عبد الرحمن مع جيفري لانج في هذه النظرة للأخلاق على أنها الهدف من وجود الإنسان. جفري لانج عالم رياضيات أمريكي تحول إلى الإسلام وصاحب الكتاب الشهير “حتى الملائكة تسأل”، ويرى لانج بعد قراءة معمقة في القرآن الكريم أن الهدف من الحياة والاختبار الحقيقي للإنسان هو أن يتحلى بصفات من صفات الله عز وجل. انظر محاضرة جفري لانج: الهدف من الحياة https://www.youtube.com/watch?v=hx3OTwlmbRU

[7] ونلاحظ أن الاختيارات المفاهيمية لعبد الرحمن تشكل أحيانا عائقا في طريق فهم مقصده أو قد تكون أدوات حجب للمعنى وليست إيصالا له) كما أن هناك إفراط شديد في استخدام المصطلحات.

[8] يمكن مقابلة هذا الوجود المتكامل للفرد الذي يتحدث عنه عبد الرحمن مع الوجود المشتت للفرد الحديث. بتقديم مثال مقارن -يقدمه حلاق -بين أستاذ فلسفة في جامعة إسلامية في العصور الوسطى بأستاذ نمطي للفلسفة في العصر الحديث. في الأول هناك تطابق شبه تام بين المعرفة المقدمة في غرفة الدرس والممارسة أو السلوك الشخصي للأستاذ داخل السياق التعليمي وخارجه، إذ خضع هو نفسه لمعيار أخلاقي نموذجي حكم عليه الناس من خلاله. حيث كانت العدالة والنزعة الأخلاقية أسس واجبة لممارسة المهنة بل ولتأهيل الفرد للالتحاق بها في المقام الأول كان الأستاذ نموذج أخلاقي يُقتدى به تماما كما تأثر هو نفسه بنماذج أساتذته وصولا إلى النبي محمد ص. وعند مقارنة هذا بوضع أستاذ الفلسفة في العصر الحديث نجد أن سلوك هذا الأخير خارج قاعة الدرس لا يرتبط بأي شكل بما يدرسه داخلها ولا يعد شرطا لتأهيله للمهنة ولا محل تفتيش أو تقييم. فقد يكون أستاذا في الفلسفة الأخلاقية من أفلاطون إلى كانط ومع ذلك نذلا خسيسا. وهنا يتجلى الفارق بين ما يطلق عليه عبد الرحمن حضارة الفعل وحضارة القول. ص. 277 إصلاح الحداثة.

[9] يتحدث عبد الرحمن عن مفهومٍ للحرية الإيجابية الفردانية يخالف المفهوم السائد. إذ يشير إلى التحرر من أهواء النفس ومن شهوة الاستهلاك وقوة السوق وحب الظهور وحب السيطرة وكل أشكال العبودية لغير الله.

[10]  يستكمل عبد الرحمن رؤيته لهذا الفرد عبر كتبه روح الدين بل وأكثر عبر سلسلة كتب الحياء.

[11]لا يستخدم حلاق صفة العمل “التزكوي” كما سماها عبد الرحمن. ولكن يستخدم لفظ العمل الجذري. ص. 317 إصلاح الحداثة

[12] الائتمانية: مفهوم اساسي عند عبد الرحمن. وهي مفهوم بنائي يصل إليه بعد عمليات نقد وتفكيك عدة. وتعني القول بالوحدة الأصلية بين الدين والسياسة أو بين التعبد والتدبير بحيث لا يصح الكلام وفق هذا المعنى عن حدود بين عنصرين. ص 509 روح الدين.

[13] ويقصد بميثاق الإشهاد: شهادة البشر في عالم الغيب بأنه لا إله الا الله، والذي تشير إليه الآية الكريمة في سورة الأعراف ” وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ “. ويعرف أيضا بميثاق الذر.

أما ميثاق الائتمان فيشير به إلى الأمانة التي حملها الإنسان وأشفقت منها السماوات والأرض

وتشير إليه الآية الكريمة في سورة الأحزاب ” إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَةَ عَلَى السَّمَـوَتِ وَالاْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسَـنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولا”. والأمانة هنا هي أمانة اختيار.

بناء على ذلك تكون المشكلة الأساسية في النظرية الميثاقية: هل وفى الإنسان بالميثاق أم لا؟ وليس خروجه من حالة الهمجية إلى حالة التمدن كما في النظريات الغربية ونظريات العقد الاجتماعي التي ينقدها عبد الرحمن بشدة.

عن منال يحيى شيمي

شاهد أيضاً

الفكر المقاصدي والمقاربة العلمانية

عارف بن مسفر المالكي

يدور منشأ اصطلاح العلمانية حول «اللادينية» أو «الدنيوية»، «لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص: هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد».

العلمانية تحت المجهر: المفهوم والإشكاليات

أ. د. عبد الوهاب المسيري

العلمانية الجزئية: هي رؤية جزئية للواقع (إجرائية) لا تتعامل مع أبعاده الكلية والنهائية. أما العلمانية الشاملة: رؤية شاملة ذات بُعد كلي ونهائي، تحاول بكل صرامة تحديد علاقة الدين والمطلقات والماورائيات بكل مجالات الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.