التطور التاريخي للحجاب في مصر

التطور التاريخي للحجاب في مصر

أ. رضوى منتصر الفقي *

الحجاب ليس مجرد زي للمرأة المسلمة يعبر عن قناعاتها الدينية، ولكنه أيضا جزء من المشهد المجتمعي، يمكن من خلاله رصد التغيرات والمراحل المختلفة التي مر بها المجتمع المصري من ظروف سياسية وتحولات اجتماعية وتقلبات فكرية وقناعات ثقافية. تحاول هذه الدراسة تتبع هذا الموضوع تاريخيا وتسجيل المراحل المختلفة التي مر بها الحجاب في محاولة لفهم الكيفية التي تحول بها من توجيه إلهي إلى موروث ثقافي ثم إلى عادة اجتماعية يحمل التحلي بها أو نبذها العديد من الدلالات والمعاني.

لا خلاف على ارتباط الحجاب بالتعاليم الدينية التي تضفي قداسة خاصة على الجسد، وتعتبره أكثر من مجرد مساحة محايدة للتعبير عن الشخصية، كما إنه لا خلاف على كون المكون الديني مثل دوما رافدا أساسيا للشخصية المصرية، صبغ عاداتها المجتمعية وتقاليدها الثقافية، ولهذا ظلت المرأة المصرية حتى بدايات القرن العشرين ترتدي شكلا من أشكال الحجاب (ما يغطي رأسها ووجهها) عند خروجها من منزلها، بغض النظر عن معتقدها الديني، أو مستواها الاجتماعي، فحتى عندما تراجع سؤال التدين، كان أن حضرت “الملاية اللف” و”البرقع” و”المنديل أبو أوية” و”اليشمك والبيشة، كجزء لا يتجزأ من الشكل الاجتماعي المقبول والزي الشائع للمصريات، فكان المنديل أبو أوية والملاية اللف[1] هما رداء المرأة في الأحياء الشعبية، بينما كان البرقع[2] هو الأكثر شيوعا بين الطبقات الوسطى، فيما اقتصر لبس البيشة واليشمك[3] على أصحاب الثروة والمنتمين للطبقات العليا.

وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بدأ المجتمع المصري يشهد تحولات اجتماعية وظروف سياسية أدت إلى ظهور العديد من الدعوات والحركات المنادية بخلع البرقع أولاً وامتدت للحجاب بعد ذلك، ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة خلع الحجاب في هذه الفترة لم تأت خطوة واحدة بل جاءت على فترات ومراحل مختلفة متأثرة بالعديد من الأحداث التي مر بها المجتمع المصري.

ظواهر قادت إلى خلع الحجاب:

كانت البداية مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر حيث أصبح من المعتاد مشاهدة الفرنسيات وهن يتجولن في الشوارع المصرية بالأزياء الغربية العصرية — وفقا لما سجله الجبرتي عن تاريخ مصر في هذه الحقبة— فلفتن الأنظار إليهن بسبب عدم ارتدائهن لغطاء للرأس وكشفهن لوجوههن وارتدائهن لأزياء مختلفة عما اعتاده المصريون. ثم تولى محمد علي حكم مصر وزادت أعداد الأوروبيات في مصر، حيث استقدمهن محمد علي لتعليم بناته في القصر، وتبعه في ذلك علية القوم، ثم احتلت القوات البريطانية مصر وجاءت معها أعداد كبيرة من السيدات الإنكليزيات بملابسهن وزينتهن الأوروبية المختلفة عن ملابس وعادات المرأة الشرقية.

ولفترة طويلة ظل ظهور الأزياء الغربية في الملابس النسائية في الشوارع المصرية مقتصرا على الأوروبيات، حتى بدأت دعاوى متتالية لرفع البرقع ونزع الحجاب، أطلقها عدد من المصريين والمصريات أنفسهم.

بدأت هذه الدعاوى بجهود الأميرة نازلي فاضل[4] في دعم حركة تحرير المرأة، حيث بدأت في تنظيم أول صالون ثقافي في الشرق الأوسط عام 1890 ليتناقش فيه رواد حركة التحرير والمؤمنون بحرية المرأة ويتبادلوا الآراء، وكان من أهم أعضاء هذا الصالون الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين، وهم الشخصيات الثلاث التي قادت حركة التحرير في المجتمع المصري على المستوى الديني والفكري والثقافي. ثم توالت بعد ذلك كتابات ومقالات لزعماء ومفكري الأمة في هذا الشأن.

هذا وقد جاءت أول دعوة حقيقية لنزع الحجاب كشكل من أشكال تحرير المرأة في كتاب “المرأة في الشرق” عام 1894 لمرقص فهمي[5]، والذي دعا فيه المرأة الى التحرر من الحجاب والمساواة بالرجل. ثم توالى بعد ذلك ظهور العديد من المجلات النسائية (وخصوصا في عام 1896)، والتي تناولت شئون المرأة ودعت بأشكال مختلفة إلى خلع الحجاب باعتباره رمز من رموز الرجعية، مثل مجلة الفردوس ومجلة مرآة الحسناء ومجلة فتاة الشرق.

وكان لقاسم أمين التأثير الأكبر في هذا الصدد من خلال كتابه “تحرير المرأة” عام 1899[6]، حيث كان لهذا الكتاب صدى واسع وأحدث ضجة في ذلك الوقت بين مؤيد ومعارض، فصدر العديد من الكتب والمقالات الأجنبية والعربية التي تؤيده وتشجعه، وعلى جانب آخر كانت هناك المقالات والكتب التي تستهجن أفكاره وترفضها، منها كتاب “تربية المرأة والحجاب” لطلعت حرب الذي صدر عام 1899[7]، ونشر مصطفى كامل عدد من المقالات في جريدة اللواء يهاجم فيها آراء قاسم أمين، واتهمه البعض بالولاء للغرب، وهو ما دفع قاسم أمين إلى الرد على من انتقدوه في كتاب “المرأة الجديدة” عام 1900[8].

ونشير هنا الى أن دعوة قاسم أمين كانت دعوة إلى برنامج شامل للإصلاح والتقدم الوطني يتضمن تحرير المرأة من خلال رفع البرقع وكشف المرأة عن وجهها حتى لا تحجب عن المجتمع وتتمكن من المشاركة فينهض وتتقدم البلاد! حيث كان يرى أن الحجاب — ويقصد به تغطية الوجه بالبرقع —عادة أخذها المسلمون من مخالطة الأمم الأخرى فاستحسنوها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين. اعتبر البعض دعوة قاسم أمين محاولة ترمي إلى التخلي التدريجي عن الحجاب نفسه، بينما دافع قاسم أمين عن وجهة نظره بالقول إنه يدعو إلى تخفيف الحجاب وفقاً لما ورد في أحكام الشريعة الإسلامية وليس السير على خطى التقاليد الغربية.

ثم صدرت مجلة “السفور”[9] عام 1915 لتدعو النساء إلى خلع الحجاب بأسلوب مباشر، وقد ترأسها عدد من دعاة تحرير المرأة، وركزت هذه المجلة في موضوعاتها والمقالات التي تنشرها على تحرير المرأة وخلع الحجاب والترويج لأشهر دور الأزياء والتصميمات العصرية الغربية وأحدث تصفيفات للشعر.

ثم أخذت الدعوة إلى نزع الحجاب منحى سياسي في إطار ثورة 1919، عندما قامت السيدة صفية زغلول[10] تحديداً في 20 مارس 1919 بقيادة ثورة نسائية للمطالبة بالاستقلال، حينها عنفها قائد قوات الاحتلال وحذرها أن ما يمنعه من إطلاق النيران عليهن أنهن نساء، فقامت بنزع النقاب لتؤكد للمستعمر أنهن مثل رجال مصر ولا يوجد فروق بينهم.

 وعقب ثورة 1919 وتحديداً في 1921 قامت هدى شعراوي[11] وسيزا نبراوي[12] برفع البرقع أمام الحشود الجماهيرية، وذلك أثناء استقبالهم لسعد زغلول عند عودته من المنفى. أضف إلى ذلك الجهود التي بذلها سعد زغلول لنزع حجاب المرأة المصرية، فهو لم يترك فرصة إلا ودعا فيها لتحرير المرأة، وكان يشترط على من تحضر خطبه أن ترفع النقاب عن وجهها.

وتوالت بعد ذلك المجلات المتخصصة في شئون المرأة مثل مجلة “المصرية” ومجلة “المرأة الجديدة” التي صدرت عام 1925، ولم تختلف كثيرا عن مجلة “السفور” فيما تتناوله من موضوعات تخص المرأة، وأصبح صدور الكتب والمقالات التي تدعو الى خلع الحجاب أمرا معتادا، ومنها على سبيل المثال كتاب “السفور والحجاب” لنظيرة زين الدين عام 1928 والذي دعت فيه إلى خلع الحجاب باعتباره أحد رموز تخلف وقهر المرأة.

ومن الجدير بالذكر في هذا السياق، أن تمثال نهضة مصر لمحمود مختار والذي تم نصبه في أحد ميادين مصر الكبرى بجوار جامعة القاهرة في 1928، صور امرأة ترتدي ملابس فلاحة مصرية تضع يدها اليمنى على رأس تمثال أبي الهول، وترفع بيدها اليسرى عن وجهها الحجاب، تعبيرا — كما صرح مختار — عن النهوض والرغبة في إزاحة ما يعوق مصر عن التقدم والرقي، ويحول دون عودتها لمجدها القديم!

واستمرت الدعوات لنزع الحجاب بأشكال وأساليب مختلفة ليكون العقد الثالث من القرن العشرين بدون حجاب. هذا ولم يصدر قانون رسمي بمنع الحجاب كما حدث في بعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، وظل الأمر اختيارا شخصيا، ولكن كان تأثير الحركات والدعوات المختلفة لتحرير المرأة ونزع الحجاب أقوى من القانون، حيث لم يتوقف الأمر على نزع البرقع بل امتد إلى الحجاب لتصبح النساء من جميع الطبقات — منذ بداية أربعينات القرن العشرين — غير محجبات. وقد يكون أحد أسباب هذه الظاهرة هو أن الحجاب لم يعد في تلك الفترة جزءا من المكون الديني وإنما تحول إلى مجرد موروث ثقافي مثله مثل الطربوش عند الرجال، وهو ما جعل هناك سهولة في الاستغناء عنه لمواكبة تطورات العصر، فافتقد الحجاب في ذلك الوقت طابع الإلزام الديني ما جعل خلعه أمرا يسيرا. وهو ما دفع البعض إلى محاولة إيقاظ الحس الديني لدي النساء المصريات ودعوتهن إلى ارتداء الحجاب استجابة للأمر الإلهي، وليس مجاراة للعرف الاجتماعي، وهو ما ظهر مثلا في كتاب “التبرج” لنعمت صدقي عام 1947[13] الذي دعت فيه المرأة المسلمة إلى استكمال أركان دينها بارتداء الزي الشرعي.

ولكن حدث أن تبنت الدولة منذ خمسينيات القرن الماضي خطابات يسارية ورفعت شعارات قومية ما أدى إلى اختفاء الحجاب من الشارع المصري لعقود.

التقرب إلى الله والعودة للحجاب:

لم يعد الحجاب فجأة إلى الشارع المصري، بل مر ذلك بمخاض طويل مهد له زيادة الوازع الديني، ورغبة المصريين في التقرب إلى الله بعد نكسة يونيو 1967، وتراجع المشروع القومي، حاول المصريون البحث في الدين عن وسيلة للتغلب على الشعور بالهزيمة ورفع الروح المعنوية، فكان أن تحول المجتمع تدريجيا نحو الإسلام، وهو ما ظهر في حرب أكتوبر حيث رفعت الشعارات الدينية، حيث رسخ نصر اكتوبر التحول المجتمعي نحو الدين.

وفي هذه الفترة لم تكن أعداد مرتديات الحجاب كبيرة، ولكنها بدأت في التزايد التدريجي في الشوارع والجامعات وأماكن العمل. وقد كان لسفر أعداد كبيرة من المصريين للعمل في دول الخليج في هذه الآونة تأثير كبير على تبني نمط الملابس الخليجية بما فيها النقاب.

وقد ظل الحجاب يتزايد في الشارع المصري، ولم يتأثر بتضييق الدولة على جماعات الإسلام السياسي ووقفها لأنشطتهم بعد اغتيال السادات، ويرجع ذلك إلى أن الحجاب كان قد ترسخ داخل المجتمع وأخذ بعده الديني وليس فقط الثقافي، وذلك بفضل جهود مشايخ الأزهر والدروس والبرامج الدينية التي كانت تبثها الإذاعة والتلفزيون المصرية، وبدأ المشاهير من الفنانات والإعلاميات في ارتداء الحجاب — متأثرين بدروس كبار المشايخ والدعاة من أمثال الشيخ الشعراوي— وذلك بأساليب وطرق مختلفة كان منها بطبيعة الحال ما تناسب مع الموضة السائدة، خاصة في ظل مسارعة مصممي الأزياء إلى تطويع الحجاب وفقاً لمعايير وخطوط الموضة والجمال.

وفي بداية الألفية الثالثة تزايدت أعداد المحجبات من العامة والمشاهير بفضل الدعاة الجدد، وقدرتهم على جذب الشباب من خلال تقديم خطاب إسلامي معتدل، واعتمادهم في أسلوبهم على التبسيط واستخدام المصطلحات الحديثة والطرق العصرية التي اقتربت من شكل دروس التنمية البشرية، وقد ركز هؤلاء قدرا كبيرا من جهودهم لجذب قطاع من سيدات الطبقة الراقية، وقد اتسع نطاق تواجد هؤلاء الدعاة في البرامج التلفزيونية والفضائيات، وبدأوا في الظهور في الندوات التي تعقد في الجامعات والنوادي، كما تم التوسع في توزيع محاضراتهم كشرائط كاسيت على نطاق واسع.

وعلى الرغم من تزايد أعداد المحجبات في هذه الفترة إلا أن الجدال الفكري حول الحجاب لم يتوقف، وقد تجسد ذلك في رفض عدد من المفكرين والصحفيين للحجاب والدعوة إلى خلعه، وكان من أبرز هؤلاء الصحفية إقبال بركة في كتاب لها بعنوان “الحجاب: رؤية عصرية”[14] في 2003 ومحمد سعيد عشماوي في كتابه “حقيقة الحجاب وحجية الحديث”[15]، حيث حاولوا من خلال تأويل خاص لبعض آيات القرآن الكريم وما ورد في السنة الشريفة التدليل على أن الحجاب ليس من الدين وأنه رمز للتخلف.

من جانب آخر تجدر الإشارة الى التضييق الذي واجهته بعض المحجبات في أواخر القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة ومحاولة تحجيم دورهن في المجتمع، وذلك بحرمانهن من شغل الوظائف العليا بالدولة ومنعهن من الظهور بالتلفزيون كمذيعات باستثناء بعض النماذج المحدودة.

دعوات جديدة وخلع الحجاب:

في الفترة الأخيرة بدأ المجتمع المصري يشهد تراجعا واضحا في أعداد مرتديات الحجاب في الشارع المصري خاصة بعد ثورة يناير 2011، ويمكن أن نرجع ذلك لعدد من الأسباب:

  • حالة الشعور بالحرية بعد الثورة، والتي قادت لسلسلة من التداعيات كان من أبرزها حالة التفكك التي طالت العديد من القيم التقليدية، ورغبة الكثيرين في التخلص من القيود الاجتماعية والثقافية والدينية المفروضة ومحاولتهم كسر كل الثوابت، لهدم القديم وإعادة البناء على أسس ومعايير جديدة.
  • إخفاق حركات الإسلام السياسي في تحقيق وعودها لقطاعات واسعة في المجتمع المصري، واهتزاز صورتها لدى الشباب بعد تورطها الصاخب في الحياة السياسية، الأمر الذي أحدث لدى البعض حالة من اللبس، بعد أن تم الربط بين تعاليم الدين الإسلامي وبين أداء هذه الجماعات، وكان مردود ذلك حالة من النفور أو الرفض لكل ما يمكن أن يشير ولو من بعيد إلى الانتماء لهذه الجماعات الإسلامية وكان من ذلك الحجاب.
  • التشوه الذي لحق بظاهرة الدعاة الجدد، فبعدما كان ينظر لهم باعتبارهم رموزا لوسطية الدين واعتداله، صار ينظر إليهم كرموز للخلط بين الدين والبيزنس، كما بدأت تعلوا أصوات السخرية من بعضهم الآخر لتعارض سلوكهم الشخصي مع ما يدعون إليه في مواعظهم ودروسهم الدينية.

هذه الأسباب وغيرها جعلت الطريق مفتوحا أمام حركات المطالبة بخلع الحجاب، والحنين إلى الأربعينيات والخمسينيات حين كانت المرأة المصرية في كامل أناقتها بلا حجاب، وتم التوسع في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لهذه الأفكار، وبدأ طرح الموضوع على شاشات التلفزيون والبرامج الحوارية لمناقشة هل الحجاب عبادة أم عادة دخيلة على المجتمع؟

تدريجيا أصبح خلع الحجاب نوعا من أنواع التحدي المعلن، من ذلك ما صارت تقوم به بعض الفتيات من نشر صورهن وهن يتخلصن من الحجاب بشكل لا يخلوا من الاستفزاز، وكتب البعض الآخر منهن كتبا توثق هذه المرحلة من حياتهن لتشجيع بقية الفتيات والسيدات على التخلي عن حجابهن، ناهيك عما حدث من دعوة بعض الناشطات لمليونيات خلع الحجاب والتي استجابت لها بالفعل بعض السيدات بالوقوف في ميدان التحرير في الأول من مايو عام 2015.

والحقيقة أننا الآن أمام مشهد مجتمعي معقد إلى حد كبير، فالملاحظ أن أعداد المحجبات ما زالت كبيرة، بل يمكن القول إنهن يمثلن الأغلبية في المجتمع، ولكن المشاهد أن أعدادهن في تراجع ملحوظ، وخصوصا في فئة الشباب، بل إن نسبة من المحجبات أنفسهن يراوحن مواقفهن التقليدية، ويتذبذبن بين الشكل الإيماني والشكل الحداثي للحجاب (بارتداء “التربون”، والاسبانيش)، فيما يحاول البعض الآخر تطويع الحجاب وفقاً لرغباتهن وذلك بتغطية الرأس (كيفما اتفق) فيما يظل باقي زيهن أبعد ما يكون عن التدين أو حتى الحشمة المقبولة اجتماعيا.

صحيح أنه وسط كل هذه الدعوات لخلع الحجاب، يمكن رصد ظاهرة عكسية تتمثل في وصول بعض مرتديات الحجاب التقليدي لعدد من المناصب العامة والعليا؛ وزيرات وعميدات ومذيعات. إلا أن هذا لا ينفي الارتباك عن المشهد الكلي في المجتمع المصري.

ختاماً، يمكن القول إن حركة ارتداء ونزع الحجاب هي مؤشر كاشف عن المسافة التي يبتعد أو يقترب المصريون من خلالها مع أطرهم المرجعية، فكون الدين هو السياج المعياري الأساسي للشخصية المصرية، والذي تستمد منه معظم خصائص منظومتها القيمية التي تحكم تصرفاتها وعاداتها، يبدو أنه لم يعد من المسلمات، فالشخصية المصرية تبدو الآن في حالة من التراجع أمام عدد من المؤثرات التغريبية، التي تغريها بتبني أطرا مرجعية ومنظومات قيمية تتضاد مع تكوينها التقليدي. ويبدو أن هذه الحالة من الارتباك الحضاري مرشحة للتفاقم، طالما لم تحسم الأسئلة الجوهرية الخاصة بموقف المصريين من هويتهم من جهة، ومن الأخر الحضاري الغالب سياسيا والمهيمن ثقافيا من جهة أخرى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

* حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. جامعة القاهرة.

[1] المنديل أبو أوية هو قطعة قماش مزركشة بألوان مبهجة تربط بها الرأس. الملاية اللف هي قطعة من القماش الأسود تلف بإحكام حول جسد المرأة ويرفع طرفها على الرأس

[2]البرقع عبارة عن خيوط سوداء متشابكة تغطي الوجه بقصبة ذهبية للتزيين

[3]البيشة نوع من الحجاب تركي الأصل ترتديه المرأة في الأماكن العامة بغرض تغطية الوجه

[4]أميرة من الأسرة العلوية، وهي بنت مصطفى فاصل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا

[5]مرقص فهمي، المرأة في الشرق، (القاهرة: دار التأليف للطباعة والنشر)، 1984

[6]قاسم أمين، تحرير المرأة، (القاهرة: مكتبة الترقي)، 1899

[7]طلعت حرب، تربية المرأة والحجاب، (بيروت: دار الكتاب اللبناني)، 2012

[8]قاسم أمين، المرأة الجديدة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، 1993

[9]هي مجلة صدر أول عدد منها عام 1915 واستمرت في الصدور بشكل أسبوعي حتى عام 1922 وصدر منها ما يقرب من 302 عدد، وتأسست على يد عبد الحميد حمدي ومصطفى عبد الرازق ومنصور فهمي وطه حسين ومحمد حسين هيكل.

[10]زوجة الزعيم سعد زغلول ومن رواد الحركة النسوية في مصر.

[11]تنتمي إلى الجيل الأول من الناشطات النسويات وأول من نادوا بحقوق المرأة في مصر.

[12]صديقة هدى شعراوي ومن رواد الحركة النسوية في مصر.

[13]نعمت صدقي، التبرج، (القاهرة: دار الإعتصام)، 1947

[14]إقبال بركة، الحجاب: رؤية عصرية، دار كيون للطباعة والنشر والتوزيع، 2003

[15]محمد سعيد العشماوي، حقيقة الحجاب وحجية الحديث، (القاهرة: مؤسسة روز اليوسف)، 2002

المراجع:

  • أسماء جمال، رحلة المرأة من البرقع إلى النقاب، موقع دوت مصر، يوليو 2015
  • أماني عبد الغني، حجاب المرأة من البرقع إلى التوربان، المصري اليوم، 23 فبراير 2019
  • بدون مؤلف، 5 يونيو ماذا بقى من طعم الهزيمة في البيت المصري؟، جريدة المصري اليوم، 5 يونيو 2010
  • طلعت حرب، تربية المرأة والحجاب، (بيروت: دار الكتاب اللبناني)، 2012
  • عبد الوهاب المسيري، الحجاب بين الدين والمجتمع، جريدة المصري اليوم، 2 ديسمبر 2006
  • قاسم أمين، المرأة الجديدة، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، 1993
  • قاسم أمين، تحرير المرأة، (القاهرة: مكتبة الترقي)، 1899
  • كاثرين بولوك، نظرة الغرب إلى الحجاب: دراسة ميدانية موضوعية، شكري مجاهد (مترجم)، (أبو ظبي: العبيكان للأبحاث والعلوم)، الطبعة الثانية، 2011
  • ليلى بيومي، محطات في حركة تحرير المرأة، لها أون لاين، أبريل 2004
  • مرقص فهمي، المرأة في الشرق، (القاهرة: دار التأليف للطباعة والنشر)، 1984
  • نعمت صدقي، التبرج، (القاهرة: دار الإعتصام)، 1947

عن رضوى منتصر الفقي

شاهد أيضاً

الأسرة المسلمة بين الاتفاقات الدولية والمقاصد العليا للشريعة

د. رشا عمر الدسوقي

إن المحرك الرئيسى والقوى الدافعة للمؤتمرات النسوية للأمم المتحدة والتي تصيغ وثائقها وتبلور قراراتها الخاصة بالمرأة هي الحركة النسوية "النوعية،" Gender Feminism، الناشط الأساسي في منظمة النساء للبيئة والتنمية.

الإسلام والنسوية ونساء غزة

أ. منال يحيى شيمي

شرعت في كتابة هذا المقال في محاولة للاقتراب من مفهوم "النسوية الإسلامية" وتحديد موقعه على خريطة النسوية العالمية والتعريف به وتحديد الموقف منه من منظور حضاري إسلامي.

4 تعليقات

  1. داليا العرابي

    شكرا لمجهود حضرتك على تتبع الحجاب عبر الفترة المذكورة.
    عندي سؤال، هل الحجاب في بدايات القرن الماضي كان بدافع ديني أم اجتماعي؟ لإنه إن كان لسبب اجتماعي، خاصة أن تغطية الوجه مسألة خلافية دينيا، إذن لا ضرر من التحرر منه.
    أما عن الفترة الحالية، أعتقد أن غياب التربية الدينية السليمة والعقيدة الصحيحة من أسباب خلع الحجاب.

    • شكرا لمجهود حضرتك ما استنبطه من هذا المقال ان السبب الرئيسي وراء كل هذا التذبذب في ارتداء الحجاب وخلعه وأيضا ابتعاده هذه الاونة عن وصف الحجاب فهو اشبه باي شيء إلا أن يكون حجابا السبب في ذلك غياب الوازع الديني والعقيدة الراسخه والتربية الإسلامية للمجتمع

  2. شكرا لمجهود حضرتك ما استنبطه من هذا المقال ان السبب الرئيسي وراء كل هذا التذبذب في ارتداء الحجاب وخلعه وأيضا ابتعاده هذه الاونة عن وصف الحجاب فهو اشبه باي شيء إلا أن يكون حجابا السبب في ذلك غياب الوازع الديني والعقيدة الراسخه والتربية الإسلامية للمجتمع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.