الشباب والقيم الروحية في عصر العولمة*
د. إبراهيم عبد الرحمن رجب**
- ما هي العولمة:
تشير العولمة أساسًا إلى التطورات السريعة في تكنولوجيا الاتصالات والمواصلات والمعلومات ، التى قربت أقاصى أصقاع العالم من بعضها حتى أضحت قريبة المتناول[1].
يعرف أنتوني جيدينز العولمة بأنها مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة ، تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي، حيث يحدث تلاحم غير قابل للفصل بين الداخل والخارج، ويتم فيها ربط المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية [2].
ويعرفها رولاند روبرتسون بأنها العولمة هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم، وزيادة وعي الأفراد والمجتمعات بهذا الانكماش)[3].
ويعرفها مالكولم واترز بأنها هي كل المستجدات والتطورات التى تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد[4].
تشير تلك التعريفات إلى عدد من الخصائص الهامة لمفهوم العولمة نلخصها فيما يلي :
- أن القوة الدافعة للعولمة إنما هي التطورات العلمية والتكنولوجية المذهلة في مجال الاتصالات ، والمواصلات، والمعلومات التى شهدها العالم في العقود الثلاثة الماضية .
- أنه قد ترتب على تلك التطورات الهائلة إلغاء المسافات الطبيعية في الانتقال، وإلغاء المسافات في التواصل بين البشر، على نحو غير مسبوق في تاريخ العالم.
- أن سكان المعمورة قد بدأوا يدركون ويعون مغزى هذا التقارب المدهش الذي يوشك أن يوحي بأنهم يعيشون بالفعل في قرية كونية واحدة، لما يرونه من تعاظم تأثير العالمي على المحلي.
- ولكن تلك العملية (الطبيعية) التلقائية المحايدة في جوهرها تستخدم اليوم كعملية (مقصودة ناشطة) من جانب بعض الدول والمنظمات عن قصد لتحقيق مآربها، وذلك من خلال العمل المخطط لتحميل تلك العملية بحمولة أيديولوجية محددة ، تخدم أهداف الأقوياء ولا يبدو أنها تأخذ مصالح الآخر في الاعتبار.
لعل هذه السمة الأخيرة تحديدًا أن تكون هي المصدر المباشر للكثير من المخاوف، فالدول ليست سواء من حيث مدى قوتها الحالية ومدى قدرتها على التأثير في مسار هذه اللحظة التاريخية الرائعة وتوجيهها لخير الإنسانية كما هو مأمول، فلقد بادرت الدول الصناعية الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات في (استغلال) تلك العملية التاريخية المحايدة في جوهرها لتتخذ منها أداة للهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية على الأغلبية الفقيرة والمتخلفة صناعيًّا وتكنولوجيًّا ، ولتحاول أن تعيد صياغة العالم على صورتها، على وجه يضمن لها الاحتفاظ بتفوقها وتميزها، إبقاء على تبعية الآخر بل وتكريسًا لتلك التبعية، وعلى وجه يتسم بقصر النظر الذي تغذيه صلافة القوة .
ينبغي في ضوء التحليل السابق أن نميز بوضوح بين منظورين للعولمة لكل منهما صدقه في التحليل النظري:
- النظر إلى العولمة كعملية طبيعية تلقائية تراكمية محايدة ، تتمثل أساسًا في التطورات العلمية والتكنولوجية الكبرى في مجال الاتصالات والمواصلات والمعلومات، والتى تعتبر بمثابة القوة الدافعة أو (الطاقة المولدة والمحركة للعولمة، كما أن لحظة العولمة هي لحظة الاستفادة القصوى من معطيات ونتائج هذه الثورة، بل إن العولمة والثورة العلمية والتكنولوجية هما وجهان لا ينفصلان لعملة واحدة)[5].
- النظر إلى العولمة في صورتها المقصودة أو المصنوعة ، المحملة بأحمال أيديولوجية من خلال استخدام تلك العملية عن قصد لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والسياسية والثقافية على العالم، احتفاظًا بالتفوق من جانب الأقوياء وتكريسًا لتبعية المستضعفين ، والتى تظهر في ( … سعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة صياغة النظام العالمي طبقًا لمصالحها وتوجهاتها وأنماط القيم السائدة فيها)[6]، ودعوتها النشطة لفرض نظرتها اللبرالية الجديدة التى يسميها البعض (أصولية حرية السوق) أو (الليبرالية المتطرفة) أو (اللبرالية الطائشة) على العالم[7].
وتتجلى أهمية هذه التفرقة بين المنظورين في أنها تجنبنا الخلط بين ما هو محايد بل مرغوب فيه ( أي التطورات العلمية والتكنولوجية) من جانب، وبين ما هو محمل أيديولوجيًّا ( أي ما يتصل بمحاولات فرض الهيمنة) التى أصبح البعض لا يراها من جانب آخر إلا (الظاهرة الاستعمارية الجديدة)[8].. ذلك أن خلط الأوراق يؤدى إلى الوقوع في خطأ الدفاع عن الوجه الثاني لعملية العولمة (الهيمنة) بالإشارة إلى الفوائد المحققة والمزايا المفروغ منها للوجه الآخر (التطورات العلمية والتكنولوجية).
يرى الكثيرون أن العولمة هي أساسًا مفهوم (اقتصادي) قبل أن تكون مفهومًا علميًّا أو سياسيًّا أو ثقافيًّا أو اجتماعيًّا، حيث إننا نجد أنفسنا اليوم أمام نظام اقتصادي عالمي واحد بلا حدود اقتصادية ، يتم فيه النشاط الاقتصادي على الصعيد العالمي عبر شركات عابرة للقارات تندمج مع بعضها لخلق كيانات أكبر وأكبر، وتدير عملياتها الإنتاجية بمعزل عن الدول ذات السيادة، مع زيادة معدلات التجارة العالمية وانتقال رؤوس الأموال والعمالة عبر حدود الدول، مما أدى إلى عولمة عمليات الإنتاج، والتسويق، والتمويل، وانتقال السلع والخدمات على وجه يكاد يبلغ (مرحلة الاستقلال التام عن الدولة القوميــة وعن الاقتصاديــات الوطنية )[9] … أما بالنسبة للمترددين أو المتقاعسين عن الاندماج في هذا النظام العالمي فإن المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية قد أصبحت تستخدم للضغط على تلك الدول لتبني السياسات التى تضمن فتح أسواقها بلا حدود أمام قوى العولمة الاقتصادية مهما كانت الأضرار المحتملة على تلك الاقتصاديات المحلية النامية .
ترتبط الجوانب السياسية للعولمة بالجوانب الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا ، وتتمثل في (تراجع أهمية الدولة ، وبروز مراكز جديدة للقرار السياسي العالمي، في الوقت الذي تتجه فيه الدول للتخلى الطوعي أو الاضطراري عن مظاهر السيادة التقليدية) ، فالدولة القومية (ذات السيادة) التى تمارس صلاحياتها على أرضها دون تدخل أجنبي قد أصبحت اليوم (نقيضًا للعولمة) ، فالعولمة تحاول خلــــق (عالم بلا حــدود سياسية ، [وهذا] هو جوهر العولمة السياسية) ، حيث يتم الانتقال الحر للقرارات والسياسات والتشريعات عبر المجتمعات والقارات بأقل قدر من القيود والضوابط، ويرى البعض أن الدولة (لم تعد هي صاحبة القرار الوحيد، وهي حتمًا ليست المسئولة مسئولية كاملة عن أفرادها وحدودها واقتصادها وبيئتها وأمنها ومصيرها) رغم أنها ما زالت تدعى ذلك نظريًّا ، ولكن (على أرض الواقع لم تعد الدولة قادرة على الثبات على هذه الأحقية التاريخية)[10].
أما العولمة الثقافية فتشير إلى (بروز عالم بلا حدود ثقافية حيث تنتقل الأفكار والمعلومات والأخبار والاتجاهات القيمية والسلوكية بحرية كاملة على الصعيد العالمي، وبأقل قدر من التدخل من قبل الدول)[11]، وذلك بسبب التقدم الهائل في وسائل ووسائط نقل المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، مما أدى إلى الانتشار السريع والفعال لأنماط القيم الغربية في الفن والملبس والمأكل والتسلية التى تحمل رؤية محددة للعالم Worldview تختلف اختلافًا جذريًّا من جوانب متعددة مع رؤية المجتمعات غير الغربية للوجود، تلك الدول التى أصبحت ترى شبابها بوجه خاص يتبنون تلك الرؤية الغربية عن غير وعي، حيث تقوم على ترويج تلك الاتجاهات والسلوكيات آلة تجارية وإعلامية رهيبة لا حدود لإمكاناتها، لأنه لا حدود لمكاسبها، فتحولت الثقافة الاستهلاكية (إلى آلية فاعلة لتشويه البنى التقليدية وتغريب الإنسان، وعزله عن قضاياه … والتشكيك في جميع قناعاته الوطنية والقومية والدينية ، وذلك بهدف إخضاعه نهائيًّا للقوى والنخب المسيطرة على القرية الكونية، وإضعاف روح النقد والمقاومة عنده حتى يستسلم إلى واقع الإحباط فيقبل بالخضوع لهذه القوى أو التصالح معه)[12].
ينبه الكثيرون من الباحثين إلى مخاطر عولمة الثقافة وثقافة العولمة على المجتمعات العربية والإسلامية بوجه خاص … تلك المجتمعات التى تتلقى أكثر من نصيبها من محاولات طمس الهوية بشكل مقصود، حيث يمكن فهم تلك المحاولات على أنها ليست إلا استمرارًا طبيعيًّا للمحاولات التاريخية من جانب الغرب للهيمنة على موارد المنطقة من خلال السيطرة على سكانها بكل الطرق، والتى يعتبر من أيسرها وأكثرها أمنًا دون أي مخاطرة تقريبًا ( مقارنة بالاحتلال العسكري) القيام بفرض (حضارة عالمية وثقافة كونية واحدة .. تهدف إلى صهر الثقافات المحلية في بوتقة واحدة ابتغاء تمثلها في ثقافة الآخر، تضيع معها خصوصية الثقافات المحلية، ومن بينها الثقافة العربية والإسلامية، أو تتعـــرض للتشــويه على أقــل تقدير )[13].
إذا كان التعامل العلمي مع المعطيات والمشاهدات الإمبيريقية يتنافى مع المبالغة والتهويل في تقدير الموقف فيما يتعلق بتلك التطورات الجارية التى لازالت تتسم بالسيولة، فإنه يتنافى أيضًا مع التهوين غير المسئول من شأن المخاطر التى تتعرض لها الأمة في إطار هذه العواصف والأعاصير الثقافية التى نشاهد آثارها المدمرة اليوم في كل أرجاء العالم العربي والإسلامي ، والواقع أن الملاحظة العابرة للحالة التى وصلت إليها مؤسسات الثقافة وأجهزة الإعلام الرسمية تكفى للوصول إلى نتيجة توحي بأن تلك الأجهزة تكاد ترى مجتمعاتنا بعيون لا تنتمى إلى أرضنا وثقافتنا وتراثنا، كما تكفى الملاحظة العابرة للاتجاهات العامة لتعديل مناهج التعليم في اتجاهات تباعد بالتدريج بين الأجيال الجديدة وبين ثقافتها العربية الإسلامية للوصول إلى نفس النتيجة .. تكفى هذه وغيرها لتعطى المحلل المحايد دليلاً ملموسًا على أن لفح عواصف العولمة الثقافية يوشك أن يحقق ما يريده نظام الهيمنة العالمي من أهداف بأيدي أبناء الأمة ذاتهم، سواء جاء ذلك بقصد من جانبهم أو بغير قصد _ كل هذا في وقت نجد فيه أن تلك الحضارة الغربية الغالبة اليوم وثقافتها (كما سنرى) لاتمثل إلا مجرد مرحلة عابرة تاريخيًّا ومتأزمة في ذاتها من الناحية الواقعية ، مما يشير إلى ضرورة التسلح بنظرة تاريخية/ حضارية/ مقارنة _ إذا كنا جادين حقًا _ من الناحية المنهجية _ فيما يتعلق برد الأمور إلى أصولها بعيدًا عن التناول التسطيحي أو التفتيتي أو الانتهازي.
لتحليل مشكلات الشباب وقضاياه في ضوء ما تقدم فإن لنا أن نتساءل عما يستدعى إفراد تلك الشريحة العمرية عن غيرها بتناول خاص ، وهنا فإننا سنجد على الفور أن الشباب لا يخرجون عن كونهم قطاعًا مستعرضًا ممثلاً لبقية المواطنين يتأثر بما يتأثرون به دون مبرر قوي لإفراده بالدراسة المستقلة، اللهم إلا بعض الاعتبارات غير متميزة كثيرًا وهي:
- طبيعة التغيرات البدنية والنفسية التى تميز تلك المرحلة، ويلاحظ أن هذه التغيرات ليست بأشد أو أعنف التغيرات التى تطرأ على حياة الفرد مقارنة ببعض المراحل العمرية الأخرى.
- طبيعة التوقعات الاجتماعية للأدوار المستقبلة بالنسبة لتلك الفئة العمرية من حيث إعدادها للمشاركة الكاملة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، وتلك مرة أخرى توقعات لا تزال فاعلة ومؤثرة فيما بعد مرحلة الشباب.
- قابلية الشباب للتأثر بالبيئة الاجتماعية والثقافية، الناشئة عن قلة الخبرة الحياتية وقلة الفرص التى تتيحها مجتمعاتنا لتكوين التفكير النقدي عند الناشئة.
ومن هذا يتبين أن القضية في جوهرها ليست تحديدًا قضية (الشباب) كمجموعة عمرية بقدر ما هي قضية مدى فاعلية النظم الاجتماعية الرئيسية في المجتمع في القيام بوظائفها من جهة، كما أنها قضية مدى التكامل الثقافي الذي يحكم مختلف جوانب حياة المجتمع الفكرية والعلمية والاقتصادية والسياسية والقانونية والتعليمية من جهة أخرى.. مع ملاحظة أهمية التعامل مع هاتين القضيتين العريضتين بنظرة ديناميكية لا استاتيكية ، نظرة تأخذ في الاعتبار مشكلة التأثير والتأثر بالأنساق الاجتماعية والثقافية الدولية الفاعلة في عصر العولمة على وجه غير مسبوق في تاريخ الإنسانية .
فإننا نؤكد هنا أن الخط الذي تتبناه هذه الورقة إنما يقوم على أن الشباب ( وما يتسمون به من خصائص تميز مرحلتهم العمرية تلك) إنما هم في أي مجتمع صنيعة النظم الاجتماعية والأطر الثقافية التى أفرزتهم ، وأن هذه النظم الاجتماعية والأطر الثقافية بدورها إنما هي محصلة لاختيارات حضارية / ثقافية ذات أبعاد تاريخية لا يمكن إغفالها بأي وجه من الوجوه إذا أردنا وضع قضايا الشباب في إطارها الصحيح، وإذا أردنا أن نتجنب النظرة الميكروسكوبية الضيقة (بل وأجرؤ على وصفها بقصر النظر) التى تتعرض لمثل تلك القضايا بطريقة (هات من الآخر كما يقولون!) والتى تضيق صدرًا بالمواجهة التكاملية للقضايا والمشكلات.
* نظرية سوروكين*** في تداول الثقافات الروحية والمادية:
- تعتبر النظرية التى توصل إليها بيتريم سوروكين عن (التحولات الثقافية / الاجتماعية) Sociocultural Fluctuations من أفضل الأطر النظرية لتحليل قضية (الشباب والنواحي الروحية في عصر العولمة) ؛ لأن تلك النظرية لم تتوقف عند مجرد التطبيق الواقعي للتحليل النسقي على أرقى مستوى وحسب، ولكنها فوق ذلك قد سلطت أضواء البحث التاريخي المقارن لتكشف لنا موقف الحضارات والثقافات الكبرى فيما يتعلق برؤيتها للوجود المتراوحة بين التوجهات المادية والروحية، فبينت بجلاء ما يترتب على اختيار تلك الحضارات لكل من تلك التوجهات من آثار فكرية واجتماعية وسياسية ونفسية على المجتمعات، وبناء على ذلك فإنها قد نجحت في وضع الحضارة الغربية المعاصرة الفاعلة والمؤثرة في مجتمعاتنا وفي شبابنا اليوم موضعها الصحيح على خريطة التوجهات المادية والروحية، وبهذا فإنها قد مهدت الطريق لتوصيف أوضاع مجتمعاتنا وشبابنا اليوم ووضع النقاط فوق الحروف فيما يتعلق بموقفنا من التأثيرات التى تقودها جحافل العولمة من خلال المنظمات الدولية الرسمية وغير الحكومية لمحاولة تشكيل سياستنا الاجتماعية وفقًا لأجنداتها المعلنة وغير المعلنة ، كما تضع الأساس المنطقى الطبيعي لعرض قضية العوامل والقيم الروحية والشباب في ضوء التصور الإسلامي كبديل عن هذه التأثيرات.
- يعتبر بيتريم سوروكين بحق (أعظم علماء الاجتماع في العالم) _ وهذا بالمناسبة هو عنوان الكتاب الذي ألفه عنه زيمرمان[14] … ولعل من أعظم أعمال سوروكين تلك الدراسة الحضارية الكبرى التى استغرق إجراؤها عشر سنوات ، والتى استخدمت منهجًا تاريخيًّا / إحصائيًّا / مقارنًا والتى نشرت بعنوان (ديناميات التحولات الاجتماعية والثقافية) Social and Cultural Dynamics في أربع مجلدات، والتى قام فيها سوروكين مع فريق من مساعديه بتحليل الكتابات الفلسفية والعلمية، والوثائق التاريخية والقانونية، والآثار واللوحات والأعمال الفنية، التى أنتجتها الحضارة الغربية على مدى 2500 عامًا، والتى قاموا فيها بتتبع التحولات الثقافية الكبرى التى تناوبت على المجتمعات الغربية (مع المقارنة بغيرها من حضارات الشرق الأوسط والصين والهند واليابان وغيرها) على مدى تلك الحقب، ليس فقط بهدف رصد وتوصيف أبعاد تلك التحولات الاجتماعية والثقافية، بل ولمحاولة فهم أسباب ومحركات تلك التحولات الكبرى أيضًا.
- ولقد توصل سوروكين إلى أن أي ثقافة أو حضارة ليست كومة متناثرة من الأجزاء المبعثرة المتجاورة في المكان دون رابط يربطها، ولكن كل ثقافة إنما هي كل متكامل تنتظم مكوناته حول (مبدأ رئيس Basic Principle يتغلغل في كل تلك المكونات ويعطيها معناها ومغزاها)[15]، ويتمثل هذا المبدأ في قيمة أولية محورية تحدد نظرة تلك الثقافة للحقيقة المطلقة، وبذلك تحدد تصورها للوجود، كما تشكل فلسفة الحياة أو رؤية الكون Weltanschauung التي تتبناها تلك الثقافة، وتكون إطارًا عامًّا لقيمها الأخلاقية والاجتماعية، وتشكل الأعراف والقوانين وألوان السلوك المقبول وغير المقبول في إطارها. وقد انتهى سوروكين من دراسته الضافية للمجتمعات والحضارات إلى أن هناك نوعين أساسيين من الثقافات لكل منها عقليتها المتميزة Mentality ، ولها أنساق الحقيقة والمعرفة الخاصة بها، ولها نوع ديانتها ونوع مقدساتها، وأنواع آدابها وفنونها، وأنساق الصواب والخطأ التى تدين بها، ولها أنواع التنظيمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى تميزها ، بل إنه يشيع في كل منها نوع خاص من (الشخصية البشرية) Human Personality بسلوكها وعقليتها الخاصة، وفيما يلي نبذة عن كل من هذه الأنواع من الأنماط الثقافية الرئيسية:
- الثقافة المعنوية الزهدية Ideational Culture :
في مثل هـذا النمط الثقافي فإن الله (جل وعلا) يعتبر هو الحقيقة المطلقة وهو المبدأ الأسمى، المتجاوز للمحسوس Super – Sensory ، والمتجاوز للعقول البشرية Super – rational الخالق العليم العادل، رضاؤه منتهى المرام ، مُحِل الحلال ومحرم الحرام، أما الدنيا فكلها تحول وزوال ، والانسحاب منها والخلاص من أدناسها رأس الفضائل، أما الآخرة فهي الحياة الحقيقية الباقية، وينظر إلى الطبيعة البشرية في نطاق هذا النمط الثقافي على أساس أن الحاجات الروحية للإنسان هي أصل وجوده ، وأما البدن فيجب قهره وإضعافه، وأما الحاجات البدنية فإن الواجب إنكارها وإماتتها بقدر الإمكان، وحياة الرهبانية والزهد هي أقصر الطرق لتحقيق الخلاص من هذه الدنيا المدنسة التى لا خير فيها على الحقيقة.
- الثقافة المادية الحسية Sensate Culture:
المبدأ الأول والحقيقة المطلقة بل والوجود كله في هذا النمط الثقافي وجود مادي إمبيريقي بحت، والكون يتمثل فقط فيما تدركه الحواس وحدها، ولا مكان فيه لعالم الغيب ولا مكان فيه لله أو لأى مقدس، وتشيع في هذا النوع مــــن الثقافــــة الاتجاهــات الأغنوستيـة Agnostism اللاأدرية* ، أما حاجات الإنسان فهي حاجات مادية بحتة ؛ ولذلك ينظر إلى تحقيق السعادة على أنه مرهون بالحصول على أكبر قدر ممكن من الإشباع المادي وتحصيل اللذات الحسية، وهذا النمط الثقافي في أول مرحلة من مراحله المسماة بالمرحلة الحسية الفاعلة أو النشطة Active Sensate Culture يعمل بكل قوة لتغيير البيئة المادية وتطويعها لمطالبه، فيحقق تقدمًا علميًّا وتكنولوجيًّا عظيمًا، كما يحقق انتصارات عسكرية كبيرة ، لكن تلك المرحلة تسلم الزمان لمرحلة حسية سلبية Negative Sensate Culture تسودها عقلية تتسم بقصر النظر، يتحول فيها الناس إلى استغلال البيئة بكل طريق لإشباع حاجاتهم بصورة طفيلية ، وكأن العالم ببساطة لم يوجد إلا لإشباع الحاجات إلى الطعام والجنس واللهو والترفيه (شهوات البطن والفرج) والبحث عن اللذات الحسية[16]، وينتهى المطاف بالثقافة الحسية المادية إلى مرحلة أخيرة يسميها سوروكين بالمرحلة الحسية الكلبية أو الهزؤية Cynical Sensate Culture التى تفتقر إلى أي نوع ذي بال من القيم، والتى تشيع فيها النفعية والعدمية Nihilistic والتى يشبع الناس حاجاتهم فيها بطرق نفعية صرفة، مع التظاهر الشكلي بالالتزام الأخلاقي دون اقتناع حقيقي، فيتم استخدام المداهنة والنفاق والخداع على نطاق واسع في المجتمع[17].
ولكن سوروكين قد وجد أيضًا أنه في بعض الفترات التاريخية تظهر بعض المجتمعات التى تتبنى نمطًا ثقافيًّا ثالثًا ، يتكامل فيه أفضل ما في النمطين السابقين من قيم ومبادئ محورية، أسماه نمط الثقافة المثالية Idealistic Culture وفيما يلي نبذة عن هذا النمط الأخير:
- الثقافة المثالية Idealistic culture :
إذا كانت النظرة إلى الحقيقة والوجود في النمطين السابقين نظرة منقوصة وذات بعد واحد one-sided ، فإن الحقيقة في هذا النمط الثقافي ينظر إليها على أنها متعددة الجوانب تضم في وئام وتكامل ما هو حسي مع ما هو متجاوز للحواس Super – Sensory ، وينظر إلى العالم الذي نعيش فيه على أنه نتيجة للتفاعل بين الجوانب المادية والروحية، وحاجات الإنسان، في مثل تلك الثقافة ينظر إليها على أنها حاجات روحية وأيضًا مادية، مع تغليب الجوانب الروحية، وأساس المعرفة في هذا النمط الثقافى قيام العقل بالجمع بين معطيات الخبرة الحسية من جهة وبين نصوص الوحي المنزل من جهة أخرى[18] فتتكامل في هذا النوع من المعرفة الحقائق الدينية (المتعالية على العقلانية (Super – Rational) والحقائق العلمية (الحسيـــــــة/ الإمبيريقيـــــــة ( Empirical، والأفكــــار الفلسفيـــة ((العقلانية (Rational ، في اتســاق بديع.
- أزمة الثقافة الغربية المعاصرة وتداعياتها على مجتمعاتنا.
لقد قام سوروكين بتتبع الأطوار التى مرت بها الحضارة الغربية على مر العصور إلى العصر الحاضر، وبين ماهية القيم المحورية التى سادت في كل عصر من العصور، وحدد موقع كل منها على خريطة الأنماط الثقافية ما بين الحسية/ والمعنوية الزهدية / والمثالية، فأوضح أن الحضارة الأوربية في العصور الوسطى كان المحور الذي تدور حوله من نوع الثقافة (المعنوية الزهدية) Ideational ، وكانت تلك الثقافة تدور حول قيمة رئيسة ومبدأ أول وحقيقة مطلقة تتمثل في وجود الله (جل وعلا) .. لكن هذا المبدأ المحورى قد بدأ في التدهور في نهاية القرن الثاني عشر مع بزوغ نجم القيم (الحسية) .. ثم إنه من تكامل المبدأين (المادي الحسي ، والمعنوى الزهدي) نشأت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر مرحلة من الثقافة (المثالية) Idealistic … ولكن هذه المرحلة القصيرة سرعان ما تهاوت بدءًا من القرن السادس عشر تحت وطأة الاندفاع الشديد في الاتجاه المادي الوليد على حساب المكون المعنوى الروحي، فدخلت الحضارة الغربية بقوة في العصر الحديث … عصر الثقافة المادية الحسية Sensate … عصر يقول سوروكين أنه تسوده المبادئ (الدنيوية ، العلمانية ، النفعية this worldly, secular and utilitraian ([19]..
ولقد حققت تلك الثقافة المادية على مدى خمسة قرون إنجازات علمية غير مسبوقة في محيط العلوم الطبيعية، كما توصلت إلى عدد هائل من الابتكارات التكنولوجية الرائعة، ولكنها في الوقت ذاته قد ضيقت نطاق رؤيتنا للوجود وللحقيقة _ كما يقول سوروكين _ فاستبعدت كل ما ليس ماديًّا وكل ما هو متجاوز للحواس بما في ذلك مفهوم الله (عز وجل) بل ومفهوم العقل ذاته، بل وانتقلت من مرحلة الثقافة (المادية الإيجابية النشطة) إلى مراحل الثقافة (المادية السلبية) و (المادية الكلبية) ، مما أدى إلى شيوع الاتجاهات المادية الميكانيكية المتطرفة ، والتركيز على اغتنام اللذائذ والشهوات الحسية والجنسية ، وشيوع الاتجاهات الإمبيريقية والوضعية السطحية ، كما تدنت قيمة الإنسان نفسه في الحياة المعاصرة، فلم يعد ينظر إليه على أنه أكثر من مجرد كائن بيولوجي Organism لا قيمة خاصة له، ولا كرامة خاصة تميزه عن بقية الكائنات الحية.
ولقد أدى هذا كله إلى دخول الحضارة الغربية المعاصرة منذ العقود الأولى من القرن العشرين في إسار ما أسماه سوروكين (أزمة العصر) The Crisis of our age ، تلك الحالة التى جعلها عنوانًا لواحد من مؤلفاتــه الهامة (1992) ، والتى وصفها في ضوء أكوام الأدلة التى تم جمعها في دراسته الكبرى كما يلي:
(إن كل جانب مهم من جوانب الحياة والتنظيم والثقافة في المجتمع الغربي إنما هي في حال أزمة مستحكمة … إن جسد [الحضارة الغربية] وعقلها سقيم، ولا تكاد توجد في بدنها بقعة خالية من التقرحات، ولا يوجد واحد من الألياف العصبية فيها يؤدى وظائفه بكفاءة … إننا نعيش ونفكر ونتصرف ونحن في نهاية حقبة من الثقافة الحسية المادية الرائعة التى امتدت على مدى ستة قرون، ولا زالت أشعة الأصيل المائلة تلقى بأضوائها على أمجاد تلك الحقبة المتلاشية .. ولكن ليل الفترة الانتقالية قد بدأ يلوح أمامنا بكوابيسه وأشباحه المفزعة وأهواله التى تمزق نياط القلوب).
ولقد كرس سوروكين صفحات ذلك الكتاب القيم كله لدراسة المظاهر التفصيلية لتلك الأزمة التى واجهتها الحضارة الغربية في القرن العشــرين في مختلف جوانب الحياة فيها (والتى لا يتسع المقام لعرضها هنا) ، والتى تنبأ باستمرارها شدة وقسوة في المستقبل … اللهم إلا إذا عادت تلك الحضارة إلى رشدها باستعادة القيم الروحية والدينية لتتكامل مع ما تعتد به اليوم من الجوانب المادية / الإمبيريقية… فيما يمكن أن يؤدى بها إلى بدء حقبة جديدة رائعة من حقب (الثقافة المثالية)، يتم فيها (تصحيح الأخطاء القاتلة للثقافة الحسية المادية بالإعداد بصورة متناغمة للثورة الفكرية الأخلاقية الثقافية / الاجتماعية المحتم حدوثها في المجتمع الغربي)، ولقد فصل سوروكين القول في توصيف أحوال المجتمعات في حالات التحول Transition من نمط (الثقافة الحسية / المادية) المتدهورة إلى (النمط الثقافي المثالي) الذي يتوقع أن يحدث في المستقبل (لثقته في أن الحضارات الكبرى تصحح نفسها في النهاية طال الوقت أو قصر) ، وبيان ما تشهده تلك الفترة الانتقالية من مآس وتظالم وسفك دماء ومذابح دون وازع من ضمير حي أو نخوة إنسانية … بصورة أثبتت الأيام صدقها بعد ما يزيد عن نصف قرن من توقعاته، خصوصًا إذا أخذنا في الاعتبار ما شهدته البشرية من حروب ومذابح وتطهير عرقي ومآس أخلاقية يندى لها الجبين في العقود الأخيرة من القرن العشرين وإلى اليوم .
تلك هي الحضارة الغربية الغالبة اليوم، وتلك هي رؤيتها للوجود والكون والحياة، وتلك هي نظمها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التى تسعى جحافل العولمة لفرضها على شعوبنا، والنفاذ بها إلى عقول وقلوب شبابنا لتشكيلهم على صورتها، مستخدمة في ذلك كل صور الإغراء والتأثير، ومستعينة في ذلك بالآليات الفعالة لتلك الثورة الاتصالية والمعلوماتية العصرية .. وتلك هي الرسالة التى تضغط المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية على حكوماتنا لتبنيها، وإلا تعرضت للعقوبات المقدرة على الخارجين المارقين على الاتفاقات الدولية وعلى مقررات المؤتمرات الدولية، وهي _كما رأينا _ من خلال التتبع التاريخي المقارن الذي قام به سوروكين ومساعدوه _ رسالة تعبر عن موقف الحضارة الغربية التى تعاني في كل جوانب حياتها الأخلاقية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية من حالة من الاحتضار الثقافي والأخلاقي والخواء الداخلي الشامل، وهي تندرج ضمن الأعراض المشاهدة تاريخيًّا والتى تسود تلك المرحلة الانتقالية للثقافة الحسية / المادية، لكن الحضارة الغربية لا زالت بالطبع تعيش في ظلال إنجازات رائعة لماض زاهر… والتحدى الأكبر الذي يواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم إنما يتمثل في كيفية المحافظة على نمطها الثقافي الأقرب بطبيعته إلى (النمط المثالي) Idealist الذي يرى الحقيقة في صورتها التكاملية التى يطلق عليها سوروكين اصطلاح Integral Theory of Truth and Reality ، فتدعم فيه نصوع قيمها الروحية والدينية في نفس الوقت الذي تدعم فيه الجانب الحسي / المادي من حضارتها التزامًا بوسطية هذه الأمة وخيريتها دون إفراط أو تفريط … في نفس الوقت الذي تقوم فيه بمواجهة ضغوط (وإغراءات) قوى العولمة التى تسعى ولو باستخدام القوة التعسفية لتشكيل ثقافتنا وقيمنا في اتجاهات مصابة بالمرض بل (مسمومة) بتعبير سوروكين نفسه.
* التأثيرات الدولية والاستجابات المحلية:
- إن من يقوم بتحليل الاتجاهات العامة لوثائق الأمم المتحدة حول السياسات والبرامج الخاصة بالشباب لا يملك إلا أن يلاحظ بوضوح سيادة منطلقات الثقافة الأمريكية / الأوروبية على تلك الاتجاهات، بكل ما يشيع فيها من اتجاهات وقيم (الثقافة الحسية / المادية) في مراحلها المتأخرة التى لا تعتد بغير الحاجات البدنية / الحسية للشباب، وكأن الشباب ليسوا إلا مجرد كائنات عضوية نفعية وسيلية لا تحتاج لما هو أكثر من التغذية التى تتوفر لها الشروط الصحية ، وإلى الأنشطة الرياضية التى تركز على تنمية الأجسام (دون نظر إلى التنمية الروحية)، وإلى التعليم والتدريب الذي يهتم بالإعداد المادي للشباب كأدوات قادرة على المشاركة في العمل والإنتاج بل والاستهلاك .
- ولعل مجرد تصفح (برنامج العمل الدولي للشباب إلى العام 2000 وما وراءه) World Programme of Action for Youth to the Year 2000 and Beyond والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 1996، أن يكشف لنا بجلاء سيادة هذه النظرة الحسية/ المادية بكل أعراضها التى فصلها سوروكين ، وهذا البرنامج يدعو الدول على المستوى القومي وعلى المستوى الإقليمي وعلى مستوى التعاون الدولي للعمل على تحقيق أهداف الاستراتيجيات والسياسات التى قررها لتحسين أحوال الشباب فيما يتصل بالقطاعات العشرة التى أسماها (مناطق الأولويات) Priority Areas وهي: العمالة _ الجوع والفقر _ الصحة _ البيئة _ المخدرات _ انحراف الأحداث _ أنشطة قضاء وقت الفراغ _ البنات والشابات _ المشاركة الكاملة والفعالة للشباب في حياة المجتمع ، المشاركة الكاملة والفعالة للشباب في اتخاذ القرارات، وذلك على النحو التالي :
- تقديم الفرص التعليمية للشباب وإكسابهم المهارات التى تتيح لهم الحصول على وظائف منتجة تتمشى مع طموحاتهم، وتتيح لهم الاعتماد على أنفسهم في المستقبل .
- إعطاء أولوية خاصة لمسألة إتاحة فرص العمل التى تتمشى مع إمكانات الشباب .
- توفير الطعام والتغذية الكافية اللازمة للمشاركة الكاملة للشباب في حياة المجتمع .
- توفير البيئة الطبيعية والاجتماعية الكفيلة بالنهوض بالصحة الجيدة والحماية من الأمراض والإدمان والخالية من العنف بكل أشكاله.
- ضمان التمتع الكامل بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية لكل الشباب دون تمييز بسبب الجنس أو النوع أو أي شكل من أشكال التمييز، خصوصًا التمييز ضد البنات والشابات.
- فتح الفرص لمشاركة الشباب في عمليات اتخاذ القرارات.
- توفير الأماكن والتسهيلات اللازمة للأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية لتحسين مستوى معيشة الشباب في الريف والحضر .
- مقابلة الحاجات الخاصة للشباب في مجال الممارسة المسئولـة لتنظيم الأسرة(!!)، والحياة الأسرية ، والصحة الجنسية، والصحة الإنجابية ، والأمراض المعدية جنسيًّا ، مع التأكيد على تعليم المراهقين كيف يتجنبون الحمل غير المرغوب فيه (!!)، ويلاحظ أن برنامج العمل فوق ذلك يتضمن الإحالة باستمرار إلى مقررات المؤتمرات الدولية الأخرى كمؤتمرات السكان، والمرأة ، وحقوق الإنسان… تلك المؤتمرات التى سارت شوطًا بعيدًا في اتجاه تكريس هيمنة القيم الحسية / المادية وفق النموذج الغربي بصورة لم تفطن لها الحكومات إلا أخيرًا، وقد أدى ذلك إلى ظهور اتجاه له وزنه في الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة (المرأة عام 2000: المساواة بين الجنسين، والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين) لمراجعة _ بل للرجوع عن _ التجاوزات الصارخة التى كانت قد أقرت في مؤتمر بكين، بعد أن كان التوجه السائد قبل الدورة هو زيادة الدفع بعنف نحو مزيد مما تعتبره النسويات النشطات مطالبهم النهائية المتمشية في حقيقتها مع أهواء هذه الحقبة التى تسودها الثقافة الحسية / المادية ، وذلك بعد أن ظهر للجميع أن عددًا لا يستهان به من مقررات بكين تتعارض بشكل صارخ مع الشريعة الإسلامية ومع تعاليم الفاتيكان.
- أما إعلان لشبونة حول السياسات والبرامج المتصلة بالشباب الذي أصدره المؤتمر الدولي للوزراء المسئولين عن الشباب في أغسطس 1998 فقد أكد على نفس الأولويات والتوجهات ذاتها، مع دعوة الدول بقوة إلى الالتزام بوضع سياسات قومية للشباب ، مع برامج تنفيذية مصاحبة تجسد نفس هذه التوجيهات، إضافة إلى إنشاء الأجهزة التى تتولى التنفيذ والمتابعة على أعلى مستوى.
* العوامل الروحية ودورها في تشكيل الشخصية الإنسانية:
لقد تبين لنا -مما سبق- أن سياسات العمل مع الشباب في العالم المعاصر مبنية في الغالب الأعم على مسلمات قيمية مبتورة، متأثرة بتوجهات الحقبة التاريخية التى تعيشها الحضارة الغربية والتى تحاول فرضها على العالم اليوم، وأن تلك التوجهات إنما تعكس بشكل سافر ما أسماه سوروكين (الثقافة الحسية/ المادية) Sensate، التى تشيع فيها النـزعات الدنيوية المادية العلمانية ، والتى لا ترى في الإنسان إلا بدنه، ولا تأبه إلا بإشباع حاجاته المادية (والنفسية والاجتماعية المتفرعة عنها دون أن تتجاوزها إلى رحابة عالم الروح)، والتى انحط فيها قدر الإنسان إلى مستوى ذرائعى وسيلي يكون له فيه اعتباره وقيمته فقط بقدر ما يأتى به من نفع أو عائد.
ولكنه قد تبين لنا في الوقت ذاته أن قضايا الشباب لا تنفصل بحال عن قضايا المجتمع وعن مدى كفاءة النظم الاجتماعية في أداء وظائفها، وعن قضايا التنشئة الاجتماعية للشباب منذ الصغر… ولعله أن يكون قد اتضح لنا أن نجاة الشباب _ بل نجاة المجتمع _ من التيارات العاصفة التى أصابت توجهاتنا الثقافية والحضارية مع العولمة بل وما قبل العولمة بكثير ( وإن يكن بدرجات أقل حدة وخفاء وإن لم تكن أقل فاعلية وخطرًا) مرهونة بالانطلاق من ثقافة تكاملية (تكاملاً حقيقيًّا) بين العوامل الروحية والعوامل المادية .
وفي ضوء ما تقدم تصبح مهمتنا الآن أن نحاول توضيح المعالم الرئيسية للتصور الثقافي الحضاري البديل الذي نادي به سوروكين بأعلى صوته لإنقاذ الحضارة الإنسانية المعاصرة ألا وهو التصور المنطلق مما أسماه الثقافة المثالية Idealistic، والذي يضم في أرقى مستوى من التكامل كلاًّ من الجوانب المادية والروحية (مع تغليب الروحية حسب توصيفه المحدد) ، والتكامل بين الوحي والعقل والحواس، بين العالم الإمبيريقي المحسوس وبين عالم الغيب المتجاوز للحواس super – sensory ، والذي – ومن عجب _ يمثله أصدق تمثيل التصور الإسلامي للإنسان والوجود والمجتمع! فلننتقل الآن لمحاولة رسم أبعاد ذلك التصور وبيان ما يترتب على الأخذ به فيما يتعلق بقضايا الشباب في عصر العولمة وفي كل عصر ومصر.
- تكوين الإنسان ومكانه من الوجود في التصور الإسلامي:
- الإنسان (كائن فريد) خلقه الله سبحانه وتعالى مبدع هذا الكون وموجده وصاحب التصرف المطلق فيه {أَلاَ لَـــــــهُ الْخَلْـــقُ وَالأَمْــــــــر} (الأعراف:54)، وقد كرم الله عز وجل هذا الإنسان وفضّله على كثير ممن خلق تفضيلاً {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} (الإسراء:70) .
- اقتضت مشيئته تعالى خلق الإنسان لغاية أو لوظيفة رئيسة تتمثل في (عبادة الله) المتضمنة لمعرفته، وتعظيمه، وطاعة أمره، والقيام بما شرع لعمارة الأرض التى استخلفه فيها {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون} (الذاريات: 56) .
- الإنسان مخلوق من عنصرين (جسد) من طين و (روح) نورانية من أمر الله ، تحل في الجسد فتحييه، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ(28)فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين} (الحجر: 29) ، وينتج عن اندماج الروح والبدن (نفس) تدبر هذا المخلوق وتعطيه وحدته وتكامله .
- 4يترتب على الطبيعة المادية الطينية للجسد وجود ميل طبيعي في النفس للإفراط و (تجاوز) الحدود سعيًا وراء ضمان المحافظة على بقاء الإنسان واستمرار وجوده، مما ينتج في النفس صفات ( كنفاذ الصبر والاستعجال) لما ليس عندها، (والشح والبخل) بما عندها، (والبطر والفرح والعجب) بما تراها تميزت به عن الآخرين، (والجزع واليأس والهلع) عندما تفقده ، (والمراء واللدد في الخصومة) إن تنازعته مع الغير وهكذا {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلاَّ الْمُصَلِّينَ(22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ(23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25)وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26)وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(27)إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ(28)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون} (المعارج : 19 – 29) .
- إذا ترك لتلك الصفات (التجاوزية) الفرصة لأن تعبر عن نفسها تعبيرًا طليقًا متمشيًا مع هوى النفس فإنها تصبح غير وظيفية disfunctional بمعنى أنها تصبح متعارضة مع متطلبات بقاء الإنسان في حياة اجتماعية تعاونية منظمة ، مع أن تلك الحياة الاجتماعية لازمة وضرورية لإمكان إشباع حاجات الإنسان المتعددة والشديدة التنوع، لأنه لم يخلق قادرًا على إشباعها منفردًا أبدًا .
- هنا يأتى دور الطبيعة الروحية للإنسان، والتى تمثل في جوهرها عنصر (ارتباط الإنسان بربه وخالقه) ، والتى تقوم بمعادلة أو موازنة تلك الاتجاهات التجاوزية غير الوظيفية، مما يعطى الإنسان قيمته الحقيقية كإنسان … ولكن بيان دور العوامل الروحية في تحقيق الإنسان لقيمته الحقيقية وكرامته الإنسانية على الوجه الذي أوضحناه يتطلب مزيدًا من التفصيل والبيان.
- العوامل الروحية ومكانها من طبيعة الإنسان:
- يتصف الله _ خالق الإنسان والكون _ بكل صفات الجلال والكمال، فهو سبحانه القوى القادر العليم الحكيم، المنتقم الجبار، الرءوف الرحيم، الغفور الودود .
- عرف الله سبحانه وتعالى خلقه به وهم في عالم روحي سابق على الوجود في هذه الدنيا ، فأشهدهم على ربوبيته ووحدانيته في عالم الذر ، كيلا يحتج أحد بعد ذلك بأنه كان عن هذا من الغافلين {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} (الأعراف: 173:172).
- عندما يولد الطفل في أسرة وبيئة اجتماعية معينة فإن الأسرة عادة ما تلقنه عقائدها وعاداتها التى قد تتمشى وقد لا تتمشى مع مطالب الفطرة ومقتضيات الإشهاد ، قال e :(ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) (متفق عليه) ويلاحظ أنه e لم يقل أو يؤسلمانه لأن إسلام الوجه إلى الله عز وجل إنما هو أصل الفطرة المتضمن في مفهوم الإشهاد.
- ولكنه سبحانه وتعالى _ إيقاظًا وتدعيمًا لما أودعه كامنًا في هذه الفطرة _ قد أرسل الرسل مذكرين بما هو كامن في الفطرة، ومبشرين لمن تابع الشرائع الصحيحة وسار على نهجها، ومنذرين لمن أظلم قلبه ونكل عن متقضيات الفطرة وأوامر الشريعة … وإرسال الرسل على هذا الوجه يقيم الحجة على كافة الخلق لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فمن حافظ على صفاء فطرته ونقاء سريرته فإنه يسارع عند سماع الرسل بالتصديق والانضمام إلى أهل الإيمان، وأما من التوت فطرته فإنه يلتصق بالأرض وينضم إلى أهل التكذيب والضلال، وهذا هو جوهر (الاختبار الإنساني) في هذه الحياة ، وهو أيضًا المحك الذي في ضوئه تتحدد (نوعية حياة) الإنسان.
- فأما من آمن برسالات ربه، ثم اهتدى بإرشاد الرسل ، فوعى رسالته ووظيفته في هذه الحياة ، وعرف حق ربه، فوقف عند أمره ونهيه ، فإن ثمرة ذلك تتمثل في ضبط تلك الصفات التجاوزية البدنية وكبح جماحها {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلاَّ الْمُصَلِّينَ(22)الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ(23)وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24)لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(25)وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26)وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ(27)إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} (المعارج : 19 – 28) ، ويلاحظ أن الاستثناء بإلا هنا يشير إلى سلوكيات ، وعبادات ، وعقائد، كلها منبثقة من قوة الصلة بالله عز وجل أو مؤدية إليها، كما أن ثمرة هذا كله في النهاية هي تحقيق الفلاح في الآخر {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى(40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}(النازعات: 40 _ 41) ، والعكس صحيح على كل المستويات وبكل المقاييس .
- ثم إن الله جل وعلا راد الناس يوم القيامة إلى معاد، فمحاسبهم على ما استخلفهم فيه ، ومجازيهم على أعمالهم في حياة أخرى هي في التصور الإسلامي (الحياة) الحقيقية ، أما الدنيا بكل ما فيها فإنها دار ابتلاء واختبار في مدى ودرجة الالتزام بواجبات العبودية الحقة لله، (فالإنسان الذي يقوم بالعبادة _ التى من أجلها خلق _ حق القيام فقد استكمل الإنسانية ومن رفضها فقد انسلخ من الإنسانية فصار حيوانًا ودون الحيوان، كما وصف الله الكفار {إِنْ هُــــمْ إِلاَّ كَالأَنْعَــــــامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان: 44) )[20].
- ومحور الحياة الروحية للإنسان هو (القلب) الذي يمثل الرابطة بين (المعرفة والاعتقاد) من جهة (والسلوك والإرادة) من جهة أخرى، وقد عرف الإمام الغزالي القلب بأنه هو (الروح الإنساني المتحمل لأمانة الله، المتحلى بالمعرفة ، المركوز فيه العلم بالفطرة، الناطق بالتوحيد بقوله (بلى شهدنا) ، وهو بهــــذا محل معرفــة الله عز وجل[21]، فإذا قام القلب بوظيفته الروحية المتمثلة في معرفة الله عز وجل وحبه وعبادته وذكره وإيثار ذلك على كل شهوة سواه، استقامت حياة الإنسان ككل، فجاء سلوكه متمشيًا مع ما يرضى خالقه وبارئه، ومثل هذا الإنسان يحيا حياة طيبة مليئة بالطمأنينة والسكينة، ويعيش من حوله منه في راحة، حتى إذا جاء أوان الارتحال … القريب دائما … عن هذه الدنيا كان مآله نعيم الآخرة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} (النحل: 97) ، وأما إذا مرض القلب فلم يقم بتلك الوظائف وانقطعت صلته بالله فإن ذلك يكون مدعاة لاضطراب حياة الإنسان ككل ، فيعيش معيشة ضنكًا مهما تقلب في زخارف الدنيا ، وكان الناس منه في بلاء وشر ، ثم هو في الآخرة من الخاسرين ، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه : 124).
- هذا هو موضع العوامل الروحية ومكانها من السلوك الإنساني في التصور الإسلامي … فالعوامل الروحية (بمعنى نوعية صلة الإنسان بالله عز وجل) هي بمثابة القلب من وجود الإنسان كائنًا من كان … في ضعفها (بمعنى ضعف صلة الإنسان بالله عز وجل أو انقطاعها) المعيشة الضنك ، والضيق الداخلي ، والخواء الروحي مهما كثر المال وعظم الجاه وازدحمت الحياة بالمقتنيــــات الماديــة ، وفي قوتها (بمعنى قوة صلة الإنسان بالله عز وجل) الحياة الطيبة ظاهرًا وباطنًا، في الدنيا وفي الآخرة، لا تفوت شيئًا من حلال نعيم الحياة الدنيا، ولا تضيع شيئًا من ثمار التقدم العلمي والتكنولوجي المحافظ على الحياة والبيئة.
* القيم الدينية والتنشئة الاجتماعية وصلاح الأمم:
- التنشئة الاجتماعية في المجتمع المسلم :
- تتحمل الأسرة المسئولية الأولى عن الحفاظ على سلامة فطرة أبنائها من الناحية العقيدية، كما تتحمل الأسرة من جهة أخرى مسئولية تدريب أبنائها على تحقيق التوازن بين الإشباعات المادية والروحية ، فالأسرة التى تقوى عند أبنائها استمراء الإشباعات المادية مع إهمال الجوانب الروحية، تجعلهم يشبون على اتباع الشهوات والأهواء التى تطمس الفطرة.
- تعويد الأطفال والشباب على ممارسة العبادات والطاعات منذ الصغر يساعد على تحقيق الأهداف السابقة؛ إذ إنها تعين الأبناء وتيسر عليهم الطاعة والامتثال لأوامر الله ، كما تجعلهم يشبون على حسن التوكل على الله والثقة فيما عنده أكثر من ثقتهم بما في أيديهم ، أما إذا لم تقم الأسرة بمسئولياتها الدعوية فإن الأبناء ينشأون على انحراف الاعتقاد واستمراء البدع ، واتباع الهوى والشهوة ، وتلك هي الأمراض التى تصيب (القلوب) فتعميها والتى يترتب عليها اضطراب الحياة الدنيا، والخسران المقيم في الآخرة، ومن أعراض ذلك ما نسمعه باستمرار من شكوى حول حيرة الشباب وضياع الشباب وكأنها أمور قد أضحت طبيعية أو ملازمة للعصر بأي وجه، وليست كذلك على الحقيقة.
- إذا انطلقت المدرسة بمناهجها ومناخها اليومي والعلاقات بين طلابها ومعلميها والعاملين فيها من نفس النسق القيمي الدعوى ، فإن هذا يدعم ما قامت به الأسرة من جلاء للفطرة وتهذيب لنفوس الشباب ، ويتطلب ذلك تصميم المناهج الدراسية على صورة تتكامل حول التصور الإسلامي الصحيح للإنسان والوجود والمجتمع في كل المقررات الدراسية وكل الأنشطة وكافة برامج التربية الرياضية والتربية الاجتماعية .
- أما أجهزة قضاء أوقات الفراغ وأجهزة الترويح وأجهزة الإعلام وجميع أجهزة وأدوات التوجيه المجتمعى فإنها إذا انطلقت من نفس المنطلقات الدعوية الربانية فإن ذلك يؤدى في النهاية إلى أن يتنفس الشباب نسمات العقيدة الصافية في كل مراحل حياتهم فتصح قلوبهم وعقولهم وتسمو أرواحهم ويستقيم سلوكهم حتى يلقوا ربهم غير مبدلين ولا مفتونين {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُون} ( الأحقاف: 16) .
- والعكس صحيح، فإذا أهملت الأسرة واجبها الدعوى اكتفاء بتوفير أصناف الطعام والملبس والمركبات وفرص الرياضة والترفيه التجارى وغيرها من الحاجات المادية وحدها، فإن الأبناء يستمرئون الشهوات ويسعون بدرجات متزايدة ومتسارعة للحصول على مزيد مما يحقق لهم باستمرار جرعات أكبر من الاستثارة الحسية مما يجرهم إلى تجربة وإدمان المواد المسكرة والمخدرة، كما أنهم يصابون بأمراض الشبهات والشكوك التى تصيب قلوبهم فتعميها حتى نسمع عن شباب يعبدون الشيطان في أوطان لا إله إلا الله ، وكذلك إذا أهملت المدرسة جانب المحافظة على سلامة الفطرة مكتفية بسلامة الأبدان وتعليم العلوم والصناعات ، وإذا تاهت أجهزة الترويح والإعلام عن أهداف الحياة في الإسلام، وخبطت في كل واد مستمدة توجيهاتها من قيم (الثقافة الحسية / المادية) في مراحل الانحدار فتوقفت عند الجمال الحسي ( الملون بالألوان الطبيعية)، وعند الإثارة بالعنف والجنس، فإن النتيجة المحتومة لهذا كله هي التشتت والاضطراب والقلق والإحباط المستمر الملازم للشباب بل وللمجتمعات في هذه الدنيا، وكانت النتيجة المحتومة أيضًا هي الخسران المبين في الآخرة {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } (الزمر:29).
- توفير الظروف البنائية المواتية:
- يقوم التصور الإسلامي على ضرورة إقامة الترتيبات المجتمعية التى تضمن للشباب أفضل إشباع ممكن لحاجاتهم المادية والنفسية والاجتماعية _ أو بالأصح _ التى تضمن (إتاحة الفرصة) أمامهم لإشباع تلك الحاجات في إطار التوجيهات الإلهية وفي ضوء درجة التنمية الروحية التى وصل إليها كل منهم ، وذلك بإتاحة ما يمكن أن يعبر عنه (بأفضل إشباع ممكن) ، لنترك المجال أمام الشاب ليرتفع عن قيود الأرض إلى أرفع قدر يستطيعه، أو ليتوقف عند حدود استطاعته ، ما دامت في نطاق (القصد) والاعتدال .
- ويرتبط بهذا المبدأ قضية شعور الشباب والناس جميعًا بأن المجتمع قائم على توفير (العدالة الاجتماعية) المتضمنة لحسن توزيع الثروة من خلال الترتيبات الوجوبية كالزكوات، أو الطوعية كالصدقات، أو من خلال التربية الدعوية التى تغرس في الأفراد معنى العطاء دون حساب، مع المحافظة في الوقت ذاته على حق الملكية الفردية ومع شيوع عواطف التراحم والتواد بين المعطى والمتلقى ، دون منّ ولا أذى ولا استعلاء .
- قيام الدولة بمنع التظالم بكافة صوره وأشكاله وألوانه، ووضع الضوابط التى تكفل ذلك يؤدى إلى شعور الشباب وشعور جميع أبناء المجتمع المسلم بملكيتهم لهذا المجتمع وبانتمائهم له فيضمحل الاغتراب والإحباط ونزعات العدوان عند الشباب إلى أقل حد ممكن.
- مسئولية الفرد عن اختياراته وسلوكه:
- مع التأكيد على دور الترتيبات البنائية فإن التصور الإسلامي يقوم على أن الإنسان أيضًا مسئول عن المحافظة على نقاء فطرته وسلامة قلبه وتزكية نفسه ، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّــــــاهَا} (الشمس :10)، ومن هنا فإنه يتم تعليم الشباب أن طاعة الله فيما أمر ونهى ، تسليمًا لحكمه ، وثقة في علمه وحكمته، ووعده ووعيده، فيها الضمان لسلامة القلب، وأن السلوك المنحرف ينكت على القلب نكتًا سوداء حتى تكاد تعميه عن رؤية الحق فلا يراه حقًّا، وتكاد تجعله يكره ما ينفعه من الخير ويحب ما يضره من كل باطل {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُـــوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون}(المطففين : 14 ) .
- يحتل مفهوم (مجاهدة النفس) مكانًا محوريًّا في الحياة الداخلية للإنسان المسلم، فالنفس (المتمثلة في تيار الوعي الإنساني) تتنازعها قوتان : الدوافع المادية البدنية الأرضية التى تلح على الإشباع المباشر، وتنزع إلى الظلم والتجاوز في ذلك، والنوازع الروحية التى تتوق إلى القرب من خالقها وإرضاء بارئها، الذي عرفته الروح في عالم الذر بما يتصف به سبحانه من صفات الجمال والجلال، فهي لهذا تستشعر حبه وتشفق من غضبه وعقابه… فترتفع بالإنسان إلى آفاق تضمحل معها قيمة إشباع الحاجات الدنيا إلى حد كبير ، يصل إلى حد استعذاب الاستشهاد في سبيل الله، رغم أنه يعنى زوال النفس الواعية المكونة من البدن والروح، كما يعنى فناء البدن، لأنه فوق هذا يعنى صعود الروح الباقية إلى حياة الخلود في النعيم والرضوان من رب العالمين ، وليس هناك من مفهوم يستحق أن يكون محورًا للنظام التعليمي والتربوى والتثقيفي للشباب أرقى من مفهوم (مجاهدة النفس) .
- الضبط الاجتماعي من منظور الإسلام لا يستهدف مجرد المحافظة على الأموال أو الأنفس أو الأعراض مع أهميتها _ ولكنه يستهدف أولاً وقبل كل شيء المحافظة على طهارة الأرواح والقلوب والحفاظ على صلتها ببارئها باعتبارها محور الوجود في الدنيا والآخرة. وأول الضبط وأهمه ما كان منبثقًا عن تقوى الله عز وجل ومراقبته في كل قول وفعل انطلاقًا من الفطرة السليمة ، ثم من التنشئة الاجتماعية السليمة، التى تنتهى إلى غرس معرفة الله عز وجل وحبه وتقواه في نفوس الشباب وقلوبهم فلا تخرج الأفعال والسلوكيات إلا مستجيبة بطبيعتها لتلك العواطف النبيلة .
- الأمر المعروف والنهى عن المنكر كمفهوم، والاحتساب كتجسيد شرعي ورسمي لهذا المفهوم ، يقوم بدور مكمل ومؤيد للضبط والرقابة الشخصية، ولكنه ضبط يقوم به الآخرون جميعًا، حيث يكون كل مسلم راعي أخيه ومعاونه على المحافظة على سلامة فطرته، وحافظ مجتمعه من أن تسوده الفاحشة ، فظهور الفاحشة وشيوعها أمام الشباب في الشارع وفي النادي وفي أجهزة الإعلام يؤدى إلى إصابة الأبرياء منهم وتشجيع المترددين منهم على الولوغ في المخالفة، كما يفتح الباب للتعريض Exposure لأنماط السلوك الانحرافي المجرم بما يؤدى إلى انتشار العدوى بين قطاعات جديدة من الشباب، ومن هنا فإننا نستطيع أن نفهم كيف أن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كان سببًا في حلول غضب الله ونقمته على بنى إسرائيل، حيث جاء ضمن حيثيات حلول اللعنة عليهم {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُون} (المائدة:79) .
- أما الضبط الرسمي فإنه يقوم في المجتمع المسلم على مبادئ ثابتة شرعًا في شكل حدود قررها الشارع بشكل لا يمكن الطعن بانحيازه لفئة أو جماعة أو طبقة _ كما هو الحال في التشريع الوضعى _ وفي شكل تعازير ترك فيها المجال للاجتهاد وفق الحاجة؛ ضمانًا للمرونة في مواجهة أشكال الانحراف . والمبدأ الأساسي هنا هو أن التطبيق ينبغي أن يستهدى ما يرضى الله سبحانه وتعالى، وأن يضمن العدل إلى أقصى حد يطيقه البشر الذين يراقبون الله في كل ما يصدر عنهم في هذا الشأن ، بصرف النظر عن هوية أو مكانة الذي يتعرض للعقوبة على المخالفة من نحو قوله e:((وايم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) (متفق عليه) ، مما يقطع الطريق على نزعات اللامعيارية لدى الشباب المعرضين للانحراف ممن يشيرون دائمًا إلى حالات التحايل والالتفاف حول القانون لخدمة أصحاب الثراء والنفوذ ، وبها يبررون لأنفسهم ارتكاب الجرائم كنوع من المساواة والعدل (المريض طبعًا) .
- لقد وعد الله سبحانه وتعالى الأمم بأن تحيا حياة طيبة ، وأن يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، وتوعد الأمم التى لا تقيم حدود الله، والتى تكفر بأنعم الله بأن يذيقها من صنوف الجوع والخوف والهوان، وبأن يلبسها شيعًا ويذيق بعضها بأس بعض بما كانوا يصنعون . كما قضى سبحانه بأنه لم يكن مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وبيّن الكتاب وبينت السنة أن الغضب والعذاب يتنزل على الأمم وفيها الصالحون لأنهم لم يستنكروا منكرًا ولم تتمعر وجوههم غضبًا لله ، وخصوصًا في الإنكار على أئمة الجور وذوى المكانات القيادية والتأثير في قطاعات عريضة من الناس، لأن الناس بهذا يتركون الأبواب مفتوحة للنفوس والأرواح عامة أن تضل، وللقلوب أن تزيغ عن فطرة الله التى فطر الناس عليها ، فتشيع الفاحشة ويستحق العذاب على الجميع .
- شيوع الترف والبطر والكفر بأنعم الله يجلب غضب الله وعقابه الأليم على الأمم ، وترتبط هذه الظواهر بالظلم والبغى برباط وثيق {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا ءَاخَرِينَ(11)فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ(12)لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ(13)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(14)فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِين} (الأنبياء:11 _ 15) .
- ذلك هو التصور الإسلامي للإنسان وفطرته الروحية التى فطره الله عز وجل عليها، والتى تقدم البديل (الوحيد) في عالم اليوم لتوجيه السياسات الاجتماعية عامة وسياسات العمل مع الشباب خاصة .. البديل عن التصورات المبتورة المنحدرة لحقبة الحضارة المادية المتدهورة، التى تقدم لنا نماذج (مسمومة) على حد تعبير سوروكين لا يمكن أن ينتج عنها إلا ما نشاهد وما نرى مما يشكو منه العام والخاص ، ويبدو أنه لا خلاص لنا ولا لشبابنا من هذا إلا أن نأخذ حكم التحليل التاريخي الثقافي المقارن مأخذ الجد … بل ( استغفر الله) إلا أن نأخذ وعد الله عز وجل ووعيده مأخذ الجد {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} (فصلت: 53).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*. بحث منشور في مجلة المسلم المعاصر، العدد 104.
**. الأستاذ بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان.
[1]. Ahmed, Akbar and Hastings Donnan (1994) Islam Globalization, and postmodernity (London: Routledge).
[2]. عبد الله ، عبد الخالق (1999) (العولمة : جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها) عالم الفكر ، المجلد 28، العدد 2، ديسمبر ، 1999، ص. 52.
[3]. مصدر سابق.
[4]. مصدر سابق.
[5]. مصدر سابق. ص. 61. و
إبراهيم، حيدر (1999) (العولمة وجدل الهوية الثقافية) عالم الفكر ، المجلد 28، العدد 2، ديسمبر 1999، ص 189.
[6]. إبراهيم، حيدر (1999). مصدر سابق، ص 191.
[7]. الجنحاني، الحبيب (1999) (ظاهرة العولمة : الواقع والآفاق) عالم الفكر ، المجلد 28، العدد2، ديسمبر 1999.ص. 17 ، 30.
[8]. الإمام ، محمد محمود (1999) الظاهرة الاستعمارية الجديدة ومغزاها بالنسبة للوطن العربي ، في: عبد الباسط عبد المعطى (محرر) العولمة والتحولات المجتمعية في الوطن العربي (القاهرة : مدبولي)، ص. 73- 74.
[9]. عبد الله ، عبد الخالق (1999). مصدر سابق، ص ص. 55، 67. و إبراهيم، حيدر (1999). مصدر سابق، ص 188.
[10]. عبد الله ، عبد الخالق (1999). مصدر سابق، ص ص. 55- 82.
[11]. عبد الله ، عبد الخالق (1999). مصدر سابق، ص. 55.
[12]. حجازى ، أحمد مجدى (1999) (العولمة وتهميش الثقافة الوطنية) عالم الفكر، المجلد 28، العدد 2، ديسمبر 1999، 133- 134.
[13]. الشاذلي ، خلاف خلف (2000) (المجتمع العربي الإسلامي بين عولمة الثقافة وثقافة ا لعولمة) ورقة قدمت إلى مؤتمر (العلوم الاجتماعية واستشراف المستقبل) الذي نظمته رابطة الجامعات الإسلامية بالتعاون مع كلية الآداب بجامعة المنيا في الفترة من 6- 8 مارس 2000، ص. 3.
*** سوروكين (1889 – 1968) عالم اجتماعي أمريكي من أصل روسي، نشر في حياته أكثر من ثلاثين كتابًا، ويعتقد الكثير من علماء الاجتماع أن تاريخ النظرية الاجتماعية يجب أن يتوقف طويلًا عند ثلاثة كبارهم كونت، دوركهايم، وسوروكين.
[14]. Zimmerman, Carl (1968) Sorokin : The World’s Greatest Sociologist (Saskatoon: University of Saskatchewan).
[15]. Sorokin Pitrim A. (1957) Social and cultural Dynamics (1985 Ed.) (New Brunswick, NJ: Transaction publishers, P. 14.
*. اللاأدرية أو الأغنوستية توجه فلسفي أو مذهب لا ديني يقول إن قضايا وجود الله أو الذات الإلهية موضوع غامض كلية، ولا يمكن تحديده في حياة الإنسان.
[16]. Sorokin Pitrim A. (1957). Op. P. 38.
[17] . Johnston, Barry (1990) “Integralism and the Reconstruction of Society: The Idea of Ultimate Reality and Meaning in the work of Pitrim Sorokin”, ultimate Reality and Meaning, Vol. 13, No.2P. 100.
[18]. Sorokin Pitrim A. (1957). Op. P. 9- 228.
[19]. Sorokin Pitrim A. (1992) Orig. 1941) the Crisis of our Age, 2nd ed. (Oxford: One world Publications). P. 17- 19.
[20]. الدباغ، عفاف إبراهيم (1991) (المنظور الإسلامي للطبيعة البشرية) بحث مقدم لندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية (المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة، 1412هـ).
[21]. الدباغ، عفاف إبراهيم (1991) مصدر سابق، ص. 11.