العنوان: Dieu-La Science-Les Preuves. L’Aube d’une Revolution = الله- العلم- الدلائل: فجر ثورة.
المؤلف: Michel-Yves Bollore ، Olivier Bonnassies
مكان النشر: باريس.
الناشر: Guy Tredaniel
تاريخ النشر: 2021
عدد الصفحات: 577 ص.، 24 سم.
الترقيم الدولي الموحد: 6-2585-8132-2-978.
الكتاب من تأليف كل من ميشيل إيف بولوريه، مهندس حاسبات، وحاصل على الماجستير في العلوم، والدكتوراة في إدارة الأعمال من جامعة باريس دوفين. وأوليفييه بوناسيس خريج كلية الفنون التطبيقية، والمعهد الكاثوليكي بباريس، لديه درجة علمية في اللاهوت ومؤلف لحوالي عشرين كتابًا، فضلا عن العديد من المقالات حول مواضيع ترتبط بعقلانية الإيمان.
كان لصدور كتاب Dieu- La Science- Les Preuves وقع كبير في فرنسا حيث حقق المركز الثاني في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً هناك، وقد نشرت مجلة“Le Figaro” مقالا عنه بعنوان “الكتاب الذي هز الإلحاد في فرنسا”. وقد أثار هذا الكتاب ضجة كبيرة وجدلاً واسعاً في العديد من الدول الأوروبية، وصلت بعض أصدائها إلى عالمنا العربي والإسلامي، مما دفعنا لتقديم هذا العرض الموجز له، رغم تحفظنا على بعض مما جاء فيه من أفكار.
استغرق إعداد هذا الكتاب حوالي ثلاث سنوات متعاقبة، قبل أن يظهر إلى النور كثمرة عمل مكثف، شارك فيه أكثر من عشرين عالماً ومتخصصاً. ويهدف هذا الكتاب — كما يشير مؤلفاه — الى تزويد القارئ بالأدوات اللازمة للتفكير في قضية وجود الخالق. هذه القضية التي أصبحت مطروحة اليوم بمداخل جديدة تماماً. فبعد أن كانت الاكتشافات العلمية هي سبب انتصار الفكر المادي في أوائل القرن العشرين، صارت هذه الاكتشافات ذاتها هي التي تثبت اليوم وجود إله خالق للكون. ومن اللافت أن العالم روبرت ويلسون، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1978، هو من كتب التمهيد لهذا العمل.
وينقسم الكتاب إلى:
- مقدمة — فجر ثورة.
- الفصل الأول — الأدلة المرتبطة بالعلم.
- الفصل الثاني — الأدلة من خارج العلم.
- خاتمة.
المقدمة
يرصد المؤلفان في المقدمة حقيقة أننا نعيش اليوم لحظة فريدة من تاريخ المعرفة. فقد توصل العقل البشري إلى إجابات على تساؤلات، كانت في السابق لا يتصور الإجابة عليها. هذا التقدم العلمي تمخض عن انقلاب فكري شامل، حيث كان من المستقر عليه عدم التوافق، بل والتضاد بين المجال العلمي والحديث عن وجود إله. واستمر هذا الوضع حتى منتصف القرن العشرين، حيث كان يسيطر على العقل الإنساني ثلاثة أطر نظرية كبرى، أبعدته تماماً عن أي تطلعات روحية، وهي النظرية الماركسية، ونظرية فرويد، والنزعة العلمية أو العلماوية. ولكن بدأت الشروخ العميقة تظهر في هذه الأطر النظرية الثلاث من خلال:
- سقوط الكتلة الماركسية السوفيتية، والابتعاد عن هذه النظرية الاقتصادية من جانب الكتلة الشيوعية الأسيوية، مع ظهور مواطن من الخلل العميق في هذه النظرية على المستوى الاقتصادي والسياسي والإنساني.
- التشكيك في نظرية فرويد، من خلال كتابات علمية متعددة، كان من أبرزها الكتاب المعنون “الكتاب الأسود للتحليل النفسي” “Le Livre Noir de la Psychanalyse” الصادر عام 2005، والذي كان بمثابة إعلان وفاة لنظرية فرويد، رغم ما خلَفته وراءها من رؤية متحررة بخصوص التربية والحرية الجنسية.
- وأخيراً فإن اليقين في كَون بسيط وآلي وحتمي تم زعزعته من خلال ميكانيكا الكم وفرضياتها غير الحتمية.
بالطبع لم يؤد تراجع هذه النظريات المادية الثلاث الى عودة تلقائية للإيمان، ولكنه أدى إلى إضعاف كبير لهذا النظام الفكري. إضافة إلى ذلك عززت الاكتشافات الكونية الجديدة؛ مثل الموت الحراري للكون ونظرية النسبية ونظرية الانفجار العظيم وغيرها، من الاعتقاد بضرورة وجود خالق لهذا الكون.
ويؤكد الكاتبان أن قدرة الإنسان على تقبل نظرية جديدة لا تعتمد فقط على الأدلة العقلية المنضبطة، وإنما أيضا على البعد العاطفي الذي يمثل تحديا كبيرا في هذا المجال، فالعقل لا يتمتع بالحرية الكاملة في التفكير نظراً لتدخل أبعاد سياسية وعاطفية ومصالح شخصية في العمل الطبيعي للعقل. وقد يأتي على رأس هذه الموضوعات الشائكة والنظريات الجديدة قضية وجود خالق للكون، فهي قضية تصطدم برؤية الإنسان لحياته كلها. في هذه الحالة تقوم “الأنا العميقة” بالدفاع عن نفسها بتعبأة كل إمكانياتها الفكرية، ليس للبحث عن الحقيقة، ولكن للدفاع عن حريتها واستقلاليتها التي ترى أنها مهددة بوجود إله أو سيد للكون. إذن فالأيديولوجية والعاطفة يمثلان سدا منيعا أمام قبول الحقيقة أو الدراسة الهادئة للحجج القادرة على تثوير رؤيتنا للعالم.
في ختام هذه المقدمة يؤكد الكاتبان أنهما لا يستهدفان الدفاع عن دين معين أو تحليل صفات الإله وكينونته، ولكنهما يستهدفان جمع أكثر المبررات العقلية المؤدية الى الاقتناع بوجود خالق لهذا الكون.
وينهي الكاتبان هذه المقدمة بمقارنة بين النظريتين المتعارضتين فيما يتعلق بموضوع مؤلفهما: الأولى والتي تؤكد على مادية هذا العالم، والثانية والتي تؤكد على وجود إله خالق لهذا العالم. وقد قام الكاتبان بتصميم إطار نظري يتضمن ما يتأسس على كل نظرية من فرضيات:
فنظرية الكون المادي تتضمن أن:
- الكون لا يمكن أن يكون له بداية.
- الكون لا يمكن أن يكون له نهاية (الموت الحراري للكون)، لأن ذلك يعني وجود بداية.
- القوانين الحتمية هي نتيجة الصدفة.
- لا وجود لما يعرف بالمعجزات.
- لا وجود للنبوات أو الوحي.
- الخير والشر يتم تقريرهما بطريقة ديمقراطية.
- لا وجود للأرواح، ولا وجود لشياطين أو ملائكة.
أما نظرية وجود إله خالق للكون فتتضمن:
- وجود غاية لهذا الكون.
- وجود نظام ومعقولية ينظمان هذا الكون.
- أن المعجزات ممكنة.
- أن النبوات والوحي ممكنان.
ويؤكد الكاتبان أن الفرضية الأولى تبدو الفرضية الأساسية في موضوعنا، وذلك لأنه إذا سلمنا أن الكون مادي فقط، وأنه ليس له بداية، فإن المقابل الحتمي أنه إذا كان للكون بداية فإن هناك إله خالق له. ويشير الكاتبان هنا إلى أنه من المدهش أن قضية بداية الكون قد أصبحت محسومة بعد الاكتشافات العلمية الأخيرة.
الأدلة المرتبطة بالعلم
ينقسم هذا القسم الى مجموعة من الأجزاء يتناول كل منها مجال من مجالات الاكتشافات العلمية التي تثبت بلا مجال للشك وجود إله خالق لهذا الكون.
أولا- نظرية الموت الحراري للكون: La Mort Thermique de l’Univers
قام الكاتبان باستعراض تاريخ اكتشاف نظرية الموت الحراري للكون والتي بدأت منذ عام 1824 على يد سادي كارنو، حتى أوائل القرن العشرين الذي شهد نقطة تحول حاسمة على يد بولتزمان Boltzmann الذي أثبت من خلال دراسته للديناميكا الحرارية أن الكون له بالضرورة نقطة بداية، وأن الكون في بداياته كان يتسم بالترتيب الشديد والتدبير المدهش والضبط الدقيق، كما تم الانطلاق من هذا الاكتشاف لإثبات مبدأ اللارجعة في الزمن والتمدد المستمر للكون. كل هذه الاكتشافات لم تعد محل نقاش أو تشكيك في مدى علميتها، ورغم ذلك فإن كبار العلماء ما زالوا في حالة صمت حول النتائج الحتمية لهذا الاكتشاف والتي يأتي في مقدمتها أنه إذا كان للكون بداية زمنية فهذا يعني أن هناك سببا يسبق هذا البداية، ويتسبب فيها.
ثانيا- نظرية الانفجار العظيم: Big Bang
يبدأ الكاتبان في هذا الجزء دراسة التطور التاريخي للتوصل إلى نظرية “الانفجار العظيم” بدءاً من أينشتاينEinstein ، واكتشافه المبهر لنظرية النسبية التي كانت خطوة عملاقة لفهم الكون، مروراً بفريدمان Friedmann وصولاً الى ليماتر Lemaitre وأخيراً هابل Hubble. ويستعرض الكاتبان حملات التشكيك والهجوم التي تعرض لها مجموعة العلماء المكتشفين لنظرية الانفجار العظيم حتى تم التوصل الى اكتشافات لاحقة، من خلال الأقمار الصناعية المرسلة الى الفضاء، دعمت هذه النظرية فأصبحت الآن خارج مجال الشك.
وتذهب نظرية الانفجار العظيم إلى أنه لم يكن ثمة وجود للزمان أو للمكان أو للمادة قبل هذا الحدث الهائل. وإذا كانت نظرية “النسبية” لأينشتاين ترى أن هذه العناصر الثلاثة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض، وأنه لا وجود لأحدها دون الآخرَين، فإنها — بالتالي — قد وجدت معاً بطريقة غير زمانية أو مكانية أو مادية أي بطريقة خارقة.
وهنا يأتي السؤال المشروع: ماذا كان قبل الانفجار العظيم؟ وقد جاء رد الكاتبان — بعد استعراضهم لعدة حجج علمية — أنه لا جواب آخر أمامنا سوى أنه الإله الخالق.
وبعنوان القصة السوداء للانفجار العظيم أورد المؤلفان في حوالي 60 صفحة رد فعل الماديين الذين استشعروا مدى تهديد هذه النظرية لأيديولوجيتهم، فجاءت قصص الاضطهاد للعلماء الذين دافعوا عن هذه النظرية وقالوا بوجود خالق للكون، هذا الاضطهاد الذي وصل في بعض الحالات الى الإعدام من جانب الأنظمة الشمولية كالنظام السوفيتي وألمانيا النازية.
ثم ينتقل الكاتبان الى عرض سريع لست عشرة فرضية قدمها الماديون كبديل لنظرية الانفجار العظيم، في محاولة منهم لتحييد الجانب الميتافيزيقي الذي يزعجهم في هذه النظرية. ويؤكد الكاتبان في نهاية هذا الجزء أن تهافت هذه الفرضيات وضعفها وقسوة التعامل مع علماء الانفجار العظيم إنما يؤكد على مدى قوة المقولات الخاصة بتمدد الكون وموته الحراري وبدايته.
ثالثا- الضبط الدقيق للكون:
يؤكد الكاتبان في هذا القسم أن الضبط الدقيق للكون يلغي تماماً فكرة أن الصدفة يمكن أن تمثل إجابة مفسرة ومقنعة لوجوده. فالكون يظهر للعلماء في صورة آلة على مستوى مذهل من الدقة، فهناك عملية ضبط معقدة للغاية لآليات العمل الكوني تفرض وجود صانع وراء هذه المعجزة. كما يثبت الضبط الدقيق، من ناحية أخرى، أن أي تفسير دارويني لنشأة الحياة لا قيمة له، وذلك لأن المقاييس القائم عليها الكون ثابتة منذ نشأته. فنشأة الكون وتشغيله يقومان على حوالي عشرين رقماً ثابتاً في الزمان وفي المكان منذ يومه الأول: قوة الجاذبية، القوة الكهرومغناطيسية، سرعة الضوء، كتلة الإلكترون، سرعة التمدد للكون، الثابت الكوني….. وغيرها من الثوابت الفيزيائية التي يقوم عليها الكون. هذه الثوابت بأرقامها المحددة هي التي تقرر وجود هذا الكون وعمله وتطوره منذ بداية وجوده. ولو حدث أي تغير في هذه الثوابت، مهما كان صغيراً، فإن هذا الكون سيتحول الى عدم أو إلى فوضى. ولكن مَن حدد هذه الثوابت بهذه الدقة؟ هناك إجابتان: إما الصدفة وإما الإله الخالق.
ويأتي الكاتبان باستشهادات لمجموعة من العلماء تذهب جميعهاً إلى أن موضوع الصدفة أمرا غير وارد لتفسير مثل هذا التعقيد. ثم يقومان بدراسة مفصلة عن إعجاز عناصر تكوين هذا العالم الكوني لينتهيا الى استحالة نشأة الكون من الصدفة، وإلى أنه لا تفسير لنشأة الكون إلا بوجود خالق مدبر له.
رابعا- علم الأحياء، القفزة المذهلة من الخمول الى الحياة:
يتعرض الكاتبان في هذا الجزء إلى مسألة ظهور الحياة على الأرض. حيث أكد علم الأحياء الحديث على التعقيد الهائل لكل خلية حية، كأنها مصنع متكامل على درجة عالية من التطور. ويهدف هذا الفصل إلى إثبات أن ظهور الحياة على الأرض يعتبر حجة إضافية على وجود إله خالق.
يبدأ الفصل باستعراض الآراء المبكرة حول كيفية ظهور وتطور الحياة على الأرض عبر الزمن، وصولاً الى داروين الذي ادعى بدء الحياة في بركة مياه دافئة غنية بمواد كيماوية عضوية مناسبة لظهور أول صورة بدائية للحياة. ثم يورد المؤلفان التجارب العديدة التي حاولت محاكاة بداية الحياة على الصورة التي أوردها داروين، وكما هو متوقع باءت جميعها بالفشل. كما أجريت تجارب كثيرة على الكائنات ذات الخلية الواحدة التي أظهرت مدى التعقيد والتركيب بين عناصر تكوينها المتعددة الأمر الذي دفع كبار العلماء للاعتراف بأن هذا الأمر تعدى كل تصور علمي. وأورد الكاتبان شهادة بعض علماء الكيمياء الحاصلين على جائزة نوبل — ومنهم ملحدون، يعترفون جميعاً أن بداية الحياة هي من التعقيد المبهر بحيث لا يمكن وصفها إلا بالمعجزة. فكل التجارب والبيانات والمحاولات المضنية أثبتت أن لا مجال لطرح فكرة الصدفة كتفسير للانتقال من العدم الى الحياة. إذن فنتائج علم الأحياء تلتقي مع علوم الكون في تقديم أدلة إضافية على ضرورة وجود إله خالق لهذا الكون.
وفي جزء كامل، من 30 صفحة، يورد الكاتبان شهادات مجموعة كبيرة من العلماء في مجالات الفلك والطبيعة والكيمياء وغيرها، تعبر عن نهاية التفسير المادي لبداية الكون والحياة. وتعتبر هذه الشهادات ضربة قاضية لإعلان نيتشه “موت الإله.”
ثم يستعرض الكاتبان في جزء جديد من الكتاب النسب المئوية للعلماء الملاحدة في مقابل العلماء المؤمنين. ويوردان في هذا الصدد ما جاء في آخر استطلاع رأي كبير أجري حول هذا الموضوع في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2009، وأثبت أن 51 % من العلماء الأمريكيين يؤمنون بـ “شيء ما”، مقابل 41 % من الملاحدة، و7 % “لا يعرفون”. كما أورد الاستطلاع أن نسبة المؤمنين من العلماء الشباب الأقل من 34 عاما هي أكبر ممن هم أكبر سناً (66%)، أما من هم أكثر من 65 عاماً فنسبتهم أقل بوضوح (46%). وفي دراسة أخرى تمت على العلماء الحاصلين على جائزة نوبل في مجال الأدب تبين أن نسبة الملاحدة 35% مقابل 10% فقط في المجالات العلمية (الكيمياء والطبيعة والطب).
وفي جزء بعنوان: ما الذي كان يؤمن به أينشتاين؟ يذكر الكاتبان أن دراسة رؤية أينشتاين — باعتباره أحد أكبر علماء القرن العشرين— عن وجود إله خالق تعد أمرا له ثقله الكبير. وقد لاحظ المؤلفان أن مقولات أينشتاين حول هذا الموضوع غامضة، بل يمكن القول إنها متناقضة. ولفهم هذا الأمر فقد ميزا بين أينشتاين “العالِم” وأينشتاين “الشخص”، فأينشتاين “العالم” في تخصصه يعترف بوجود عقل متعالي وراء خلق الكون. أما أينشتاين “الشخص” فهو لا يكاد يؤمن بأي إله أو ديانة. وهذه الازدواجية مشاهدة كثيراً بين العلماء في يومنا هذا.
ولإثبات ذلك الأمر يستشهد الكاتبان بمجموعتين من المقولات، المجموعة الأولى يعبر فيها أينشتاين عن انبهاره بخالق هذا الوجود، أما المجموعة الثانية فهي تنكر وجود إله. وهنا يمكن القول إن أينشتاين كشخص ملحد اضطر إلى الاعتراف بوجود إله خالق تحت ضغط العلم الذي كشف له عن وجود إعجاز مبهر في كل تفاصيل خلق الكون وفي كل اكتشاف جديد يحدث.
وفي جزء آخر بعنوان ما الذي كان يؤمن به جودل؟ والذي يعد بدوره واحد من أكبر العلماء في مجال الرياضيات منذ أرسطو، أوضح الكاتبان — في عرض شائق — كيف قام جودل برفض مادية العالم، والتأكيد على وجود الأديان رغم هجومه على المتدينين.
الأدلة من خارج العلم
يرى الكاتبان أن الفكرة التي يعالجانها في هذا الكتاب لن تكون مكتملة بدون التعرض للأدلة على وجود الإله من خارج مجال العلم. على اعتبار أن العقلانية لا تقتصر في وجودها على هذا المجال وحده. وأن مفهوم “المعجزة” يطرح قضية ثنائية، فإما أن يكون الأمر كله أوهاما وخداعا، وإما أن يكون إشارة من الإله. ومن هذا المنطلق تناول الكاتبان أربعة موضوعات أساسية في هذا الجزء من الكتاب، قدما خلالها تحليلا لما جاء في نصوص “العهد القديم،” من مقولات “علمية وكونية” ادعيا أنه لم يكن في مقدور البشر في هذه المرحلة التاريخية أن يعرفوها. كما تناولا دلالة الاتفاق الواسع حول اتخاذ مولد المسيح (عليه السلام) بداية للتأريخ. واستعرضا تاريخ الشعب اليهودي مفترضين أنه لا يمكن فهمه على أنه نتاج الصدفة فقط، وسلطا الضوء بكثافة على ما وصفاه بمعجزة قرية “فاطيمة” في البرتغال، التي زعما أنها شهدت في 13 اكتوبر عام 1917 معجزة تغير لون الشمس وزوالها عن موضعها في كبد السماء.
والملاحظ على هذا الجزء أن الكاتبين أرادا من خلاله إثبات وجود الإله بطريقة تنبني على الرؤية اليهودية-المسيحية، فسقطا في تحيزات واضحة، بعرضهما تاريخ الشعب اليهودي بأسلوب فيه الكثير من الانبهار والتسطيح، الأمر الذي قد يدفع القارئ إلى استشعار نبرة غير متزنة تشوب التحليل المقدم في هذا السياق.
وأخيراً يقوم الكاتبان بمحاولة أخيرة لإثبات وجود إله خالق من خلال مطالبة القارئ بأن يستمع لصوت الحق في ضميره، فقاما بطرح عدد من الأسئلة؛ مثل هل توافق على مبدأ قتل الآلاف بالغاز، أو بإعادة العبودية، أو بالسماح بالإجهاض حتى الشهر التاسع من الحمل؟ وتوقع الكاتبان بأن تكون الإجابة على كافة الأسئلة السابقة ستكون بالرفض من أي إنسان سوي.
ثم سألا القارئ: إذا عرض عليك 100 مليون يورو مقابل أن تضغط على زر فتقتل عائلة تعيش في الطرف الآخر من العالم، مع ضمان عدم محاكمتك أو وعدم إفشاء سرك، فهل ستقوم بذلك؟ وتوقع الكاتبان أن يكون الرد بالرفض مرة أخرى.
من هنا توصل الكاتبان إلى ترجيح الاعتقاد بوجود إله للكون، إله ألهم الإنسان حب الخير في ضميره، ذلك أنه إذا لم يكن هناك إله فلن يكون هناك خير ولا شر، وسيكون كل شيء مباحاً. وينهي الكاتبان كتابها بعرض عشرين حجة يقدمها الماديون لإثبات عدم وجود إله لهذا الكون، قبل أن يقوما بالرد عليها في عجالة، يخلصا منها إلى أن المادية أصبحت معتقدا غير منطقي، وأنها من الوارد أن تمثل اختيارا لبعض الأشخاص، ولكنها تظل اختيارا يفتقد لأي أساس منطقي مقنع. الأمر الذي يدفع إلى الظن بإن السبب الوحيد لوجود واستمرار المادية في عالمنا هو أنها تقدم تبريرا عقليا لمذهب الفردانية l’individualisme ، الذي يرفض كل مرجعية أخلاقية ممكنة.
عرض
أ. مهجة مشهور
مدير مركز خُطوة للتوثيق والدراسات، وسكرتير تحرير مجلة المسلم المعاصر.