العنوان: المجددون في الإسلام.
المؤلف: أمين الخولي.
مكان النشر: القاهرة.
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
تاريخ النشر: 2000.
الوصف المادي: 177ص.، 24 سم.
السلسلة: سلسلة قضايا إسلامية؛ 2
الترقيم الدولي الموحد: 7-7026-01-977.
تبلغ صفحات الكتاب حوالي 175 صفحة، افتتحه الخولي بمقدمة تحدث فيها أنه كتب هذا الكتاب على أساس كتابين تعرض لهما؛ أحدهما لمؤلف قديم هو جلال الدين السيوطي وعنوانه “التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة،” والثاني لمؤلف حديث وهو المراغي الجرجاوي وعنوانه “بغية المقتدين ومنحة المجتهدين على تحفة المهتدين”. ثم تناول الخولي أمر التجديد قديمًا، وكيف كان ثم تحدث عن أسس التطور في الإسلام وفيم يكون، ثم تكلم عن وجود التطور في العقائد وفي العبادات وفي المعاملات ثم بدأ يقرأ في كتاب جلال الدين السيوطي، فافتتح بأول مجدد في الإسلام وهو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (ت 101)، ثم تحدث عن الإمام الشافعي (ت 204)، ثم عن أحمد بن عمر بن سريج البغدادي (ت 306)، ثم عن أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي (ت 369)، ثم عن أبي الحسن الأشعري (ت 320)، ثم تحدث عن الإمام أبي بكر الباقلاني (ت 403) متحدثًا، في كل مجدد من هؤلاء، عن تطور فكره، ومقدما نبذة عن حياته ونمو مواهبه التجديدية وصورا من تجديده، ثم عقد فصلًا حول ماذا تفيد الحياة المعاصرة مما قدم مجددو القرون الأربعة، موردًا في ذلك ما قدمه المجددون للحياة الخلقية والعلمية والدينية والعاطفية والفنية.
تمهيد:
بعث الله سبحانه وتعالى سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى العالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور؛ فكان دين الإسلام دينًا عالميًا يحمل مقومات صلاحيته لكل زمان ومكان، وكان من هذه المقومات قابليته لاستيعاب كل جديد وتقنينه على وفق القوانين الإلهية المودعة فيه، من هنا كان التجديد من الثوابت في دين الإسلام، وقد صح في الحديث ” إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد للناس أمر دينهم”.
يتناول أمين الخولي التجديد قديمًا، مستعرضا اقوال العلماء التي ناقشت خصائص المجدد وشروط التجديد:
- قد يتعدد المجدد في القرن الواحد في المجال الواحد. ص 16
- قد يكون المجدد خليفة أو أميرًا كالخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز. ص 17
- التجديد يصاحب المحن. ص 18
- التجديد يتعدد بتعدد المجالات، وفي ذلك يقولون “إن المجددين قد يتعددون في القرن الواحد، فيكون كل واحد منهم عاملًا في ميدان من ميادين الحياة العلمية والعملية، فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر. ص 19
- التجديد ضرورة فلا يخلو قرن من مجدد أو من ثلاثة مجددين على رأى آخر. ص 22
* هناك ملاحظ عند الخولي حول المجددين في الإسلام قالها العلماء وله عليها تحفظ
- كون المجدد من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. ص 23
- محاولة النصرة المذهبية المتعصبة باللفت إلى أن جملة من المجددين كانوا من الشافعيين. ص 23
- عدهم المهدي وعيسى ابن مريم من أولئك المجددين. ص 24
- تحريهم وفاة المجدد في أول القرن الثاني لقرن تجديده. ص 25
التجديد حديثًا:
يقرر الخولي أن حركات التجديد دائبة على مر العصور مثل الحركة القاديانية في الهند وصاحبها ميرزا غلام أحمد رئيس قاديان، وله كتاب انتشر في مصر يسمى الاستفتاء، جعله ضميمة لكتاب يسمى حقيقة الوحي، وقد لقب ميرزا نفسه على غلاف الكتاب بـ”المسيح الموعود والمهدي المسعود،” يقول في كتابه “بعثني الله على رأس المائة لأجدد الدين وأنور وجه الملة….. ويدعي أنه من أهل البيت النبوي وينكر نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ويثني في كتابه على دول الكفر “بريطانيا.” ص 27
ومثل الحركة الوهابية في الجزيرة العربية، وحركة الإصلاح الديني في مصر على يد جمال الدين الأفغاني ومدرسته التي أصلها ورأسها الأستاذ الإمام وسرت مبادئها من مصر إلى غيرها من أقطار الإسلام شرقًا وغربًا. ص 27
رؤية أمين الخولي للتجديد:
يرى الخولي أن التجديد يرادف التطور ويرى أن دين الإسلام حمل أسس التطور بداخله مما يساعد على صلاحيته وبقائه فهو يقول “إن التجديد الذي يقرر الأقدمون اطراده في حياة الدين ووقوعه في كل نقلة من انتقالات الحياة التي تمثلوها بالقرون ومائة السنة إنما هو التطور مآلًا وهو بهذا مصداق للناموس الذي تخضع له الكائنات جميعها ماديها ومعنويها. ص 42. ويوضح الأسس التي حملها الإسلام للتطور فيقول:
- امتداد دعوة الإسلام وحياته أفقيًا ورأسيًا معًا مكانًا وزمانًا. ص 43
- اقتصاد دعوة الإسلام في الغيبيات وإراحته العقل منها بما يتركه من التفاصيل فيها واكتفاؤه بالإجمال العام في الإيمان بها. ….. وهذا الوضوح واليسر في العقيدة لن يدع فرصة للصدام والخلاف قليلًا أو كثيرًا بين العقيدة وبين ما يستطيع الإنسان أن يكشفه من سنن هذا الكون. ص 45
- عدم تورط الإسلام في كتابه الذي هو أصل أصوله في بيان شيء عن نشأة الحياة على الأرض وظهور الإنسان. ص 46
- عدم تورط الإسلام في شيء من تفاصيل تاريخ الأمم والرسل التي عرض لأحوالها جملة أو مع بعض التفصيل. ص 48
- اقتصاره في تنظيم الحياة العلمية؛ العبادات وغيرها؛ بعد تيسير الحياة الاعتقادية، على الأمور الكلية والأصول العامة الشاملة دون التفاصيل المفردة والجزئيات الصغرى …… ونراه في عامة أمره لم يتول بالبيان عبادة من العبادات حتى الصلاة في شكلها وأوضاعها أو شروطها …… فكل ذلك ومثله لم يجيء في القرآن عنه إلا الكلي العام الذي يحتاج إلى التخصيص والتفصيل، والأمر في هذا معروف مشهور، لا موضع للإطالة فيه، ثم نلتمس التفاصيل بعد ذلك من مصادرها المختلفة مع كتاب الدعوة الأصلي. ص 49
- جعل الاجتهاد أساسًا للحياة الإسلامية، وما الاجتهاد وفقا له إلا الانطلاق مع الحياة وفاء بجديد حاجاتها. ص 50
* ثم يثير الخولي سؤالًا: فيم يكون التطور الديني؟
يرى الخولي أن التطور يدخل جميع جوانب الدين، ويرد على من يخالف ذلك. ص 51-53 ثم ينظر إلى التطور في العقائد. فيرى أن الصراعات التي حدثت قديمًا خير دليل على التطور في العقيدة مثل قضية خلق القرآن، وقضية السببية التي اختلفت كلمة المعتزلة وأهل السنة عليها. يقول “فإن السببية وانكارها هو ما آثره أهل السنة، أما المعتزلة فقد آثروا تقرير السببية، وامتد ذلك الخلاف كما نعرف إلى الدرس الأدبي المحض، فغدوت تسمع في درس المجاز العقلي فرق ما بين قول المعتزلة “شفى الطبيب المريض وأنبت الربيع البقل، وقول غير المعتزلة ذلك، وأن قول السني مجاز وقول المعتزلة حقيقة بمقتضى اعتقادهما”. وإذا ما كانت النظرة إلى الاعتزال في أوقات من الركود والتخلف نظرة قاسية ترى الاعتزال انحرافًا أو زيفًا فإن ذلك اليوم مما تأباه آفاق الفكر الإسلامي الحاضر. ص57 ويقول “وهل ترى أن من اليسير اليوم والصور تتحرك وتنطق وتوضح وتعلم… أن نقول لهم أن التصوير حرام، وأن أشد الناس عذابًا هم المصورون…. في حين أنك تحتاج إلى الاستفادة بالتصوير ومجالاته الفنية في الإيضاح الديني اعتقاديًا وعمليًا، وما ذلك أيضًا إلا مثل قريب لوجوب تطور العقائد في عرضها مع تطورها في جوهرها وصميمها.. فليس لوجه أن يتجهم بعنوان تطور العقائد. ص 59
التطور في العبادات:
يقول الخولي: لعل أبسط صور التطور المتغير في الحياة أن تجد في هذا الاختلاف فرصة للتخير بانتخاب ما تراه أيسر عملًا وأصلح مسايرة وأخف وقعًا وأعمق أثرًا، وهذا الانتخاب المتخير من مختلف الأقوال المتغايرة مما يسلم مبدئيا ولا تجري عليه مشاحة. ص61…. فماذا يكون حكم الاقتداء بجهاز في حكم علبة الكبريت أو علبة الدخان تنبعث منه الصلاة الجامعة. ص 61
ويحتاج الأمر إلى التطور العبادي فيما جد من وسائل الحركة والتنقل كالطائرات مثلًا فهل نظل نأخذ أحكامها من الصلاة على الدابة أو الصلاة في السفينة، أو أن الأمر يحتاج إلى مرونة متطورة مع تطور صور الحياة وحقائقها جميعًا. ص 62 وأنت واجد في الحج مثل ذلك … مما يوجب النظر إلى اللحوم المكدسة والدماء المتراكمة وإبدال المخالفات في الاحرام وغيره وكيف تكون؟ ص 63
ويستمر الخولي في إظهار التطور فيقول “فإن كان الحديث عن تطور العرض فما أحوج الأجيال الصاعدة إلى جهد قيم في عرض هذه العبادات ووسائلها فما أحسب أن يقبل البدء اليوم بالحديث عن الاستنجاء بالأحجار عددها نوعها وما إلى ذلك. ص 63
وفي العبادات مجال لتطور العرض يدق ويهم فما يحسن أن تسمي صلاة الميدان صلاة الخوف لأن ذلك لا يتفق مع روح الجندية فلنسمها صلاة الحرب أو صلاة الميدان. ص 63
التطور في المعاملات:
يقول الخولي بأن التطور في المعاملات معبد الطريق منذ الأمس غير القريب، حين كان أصحاب الإصلاح الديني في مصر يقررون — أو منهم من يقرر على الأقل — أن أحكام المعاملات ليس لها طابع لاهوتي، ولا لها منعة دينية، وأن من باع بيعًا باطلا أو فاسدًا لا يلحقه بذلك إثم، لأن هذه تصرفات عادية لا يلحق بها الإثم إلا حين تنطوي على شيء من الفساد الخلقي. ص 65
صور من حياة المجددين الأقدمين:
استهل الخولي حديثه عن المجددين بحياة المجدد الأول عمر بن عبد العزيز رحمه الله، كتب عن ترجمته وشعوره بالمسئولية تجاه رعيته وحرية رأيه واعتقاده التي كانت من أهم سمات حياته ثم تكلم عن تحقيقه للعدل الاجتماعي ونفوره من الرق وتوجيهه للأرقاء إلى الأعمال الاجتماعية. ص 73 إلى ص 86. ثم ثني بالحديث عن الإمام الشافعي يذكر نسبه وبيئته وثقافته ويلقي الضوء على منهج تفكيره ومقومات هذا المنهج، ثم تحدث عن بعض صفاته من عروبته إلى بعض آرائه الفقهية. ص 87 إلى ص 115. ثم انتقل إلى المجدد الثالث ابن سريج فتحدث في ترجمته وبعض صوره الخلقية والعاطفية. ص 117 إلى ص 126. ثم انتقل إلى الحديث عن أبي سهل الصعلوكي، وتكلم عن سلوكه العلمي وتفتحه وشعره. ص 127 إلى 133. ثم انتقل إلى الإمام أبي الحسن الأشعري فترجم له ثم تحدث عن تطوره الاعتقادي وكونه وسطًا بين طرفين ثم تحدث عن تسامحه الديني وبعض صورمن حياته. ص 133:143. ثم انتقل للحديث عن الباقلاني أبي بكر فترجم له وبين ما قدمه للحياة العلمية من دفعه للضريبة العلمية وحيويته الفكرية ولباقته. ص 145: 153. ثم ختم الكتاب بأهم ما يجب أن نقف عنده من سير هؤلاء الفضلاء وهو عنوان “ماذا تفيد الحياة اليوم مما قدمه مجددو القرون الأربعة؟” مستهلًا بأن المهم ليس تراجم هؤلاء ولا الاختلاف حول تحقيق المجدد الحقيقي في كل قرن وإنما المهم هو الدروس المستفادة في شتى المجالات من هؤلاء.
أولًا ما قدمه المجددون للحياة الدينية:
التطور الاعتقادي: حيث يستدل في ذلك بما حصل من أبي الحسن الأشعري عندما خلع فوق مبنى المسجد الجامع عقيدته السابقة كما انخلع من ثوبه أمام المشاهدين ليلبس ثوبًا جديدًا معنويًا ص 158.
التسامح الديني: يظهر ذلك في عمل المجددين الأقدمين، ويتضح ذلك جليًا في عمل الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز مع مخالفيه ومناقشتهم مع خروجهم على الدولة. ص 159 إلى ص 79. كتب عمر إلى زعيم الخوارج “أنه بلغني أنك خرجت غضبًا لله ولبنيه ولست بأولى بذلك مني، فهلم أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل فيه الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرنا”.
درس الدين لإصلاح الحياة: ص 160 يظهر هذا في صنيع عمر بن عبد العزيز ومقولته الشهيرة “إني رأيت إذا جعل ذلك في أكباد جائعة فإنه أولى بذلك من البيت. عندما كتبت له الحجبة أن يأمر للبيت بكسوة كما يفعل من قبله. ص 83. وما فعله الإمام الشافعي عندما بات ليلة مضطجعًا يفكر في مسائل فقهية عملية مؤثرًا ذلك على قيام الليل، حتى عجبت من ذلك بنت الإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله ص 93.
ثانيًا ما قدمه المجددون للحياة الخلقية:
قدم المجددون عدة دروس من أهمها الشعور بالوحدة الاجتماعية: برز ذلك في عمل ابن سريج مع وزير عهده، إذ تحداه ورفض القضاء، ولم يخفه منه جنون عقوبته له بتسمير باب بيته عليه، وتقديره وقع تصرف العالم المقتدى به على الناس ص 118، وهو من أهم الدروس حيث تؤكد الدراسات الاجتماعية اعتماد السلطة في كل صورة من صورها على تأييد من يستطيعون التأثير الديني والروحي على جمهرة المحكومين. ص 161، وهذا يؤكد أهمية هذا الدور من العلماء.
ثالثًا: ما قدمه المجددون للحياة العلمية:
أولًا: سعة الأفق في تمثل دائرة المعارف البشرية، حيث كانوا يحيطون بكل ما حولهم من ثقافة.
ثانيًا: إجلال العلم وتقديمه على صلاة النافلة. ص 93
ثالثا: تصحيح منهج التفكير العلمي ويتمثل في: الفدائية العلمية، والنفور من الغيرة والأنانية، وتقدير متعتهم بالعلم لا سمعتهم وشهرتهم واستفادتهم، يظهر ذلك واضحًا جليًا في مقولة الإمام الشافعي “وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم ولم ينسب إليَّ شيء منه” ص 164 ص 94.
رابعًا: النفور والتنفير من التقليد كما كان يؤكد الشافعي ويحرض طلابه على ذلك، مؤكدا أن العقل إنما يقبل الحق، وأن عليهم رفض ما لا تقبله عقولهم في أناة ص 165. فهو يقول “إذا ذكرت لكم ما لم تقبله عقولكم فلا تقبلوه فإن العقل مضطر إلى قبول الحق” ص 97.
رابعًا ما قدمه المجددون للحياة العاطفية والفنية:
رقة النفس التي ترى في وجوههم، ورفاهة الحس التي لا تكاد تجدها عند كبار المتفننين في أحدث العصور وعند أرقى الشعوب، من ذلك ما نقل عن أبي سهل الصعلوكي من إنشاده الشعر العاطفي الفياض بالوجد، ونظمه لفتوى القوم في أن من مات محبًا كتب له أجر شهادة ص 166، فقال لقد كنتم رويتم عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن سعد بن عبادة قال: من مات محبًا فله أجر الشهادة ص 131، والحديث في الحاكم ويتضح ذلك في سيرة الشافعي وكونه من أصحاب الدواوين الشعرية.
خامسًا: ما قدمه المجددون للحياة العملية:
من أهم ما قدموه في هذا الصدد الانسجام في الشخصية بمعنى أنه يعيش مع الله ومع الناس، يتضح ذلك من كون أول المجددين خليفة، أي حاكم صاحب سلطان عام، يدير شئون الدولة كلها من حربية ومالية وعلمية وعملية وغير ذلك، فلا تمنعه من أن يكون مجددًا اعتقاديًا، وأن يحتسب له في ذلك إحياء السنة، وأمره بجمعها وتنظيمه لذلك الجمع ص 169.
عرض:
د. محمود خليفة الحفناوي الأزهري.
مدرس العلوم الشرعية بجامعة الأزهر،
والوكيل السابق لكلية العلوم الإسلامية الأزهرية للطلاب الوافدين بجامعة الأزهر.