ندوة النسوية الإسلامية
تحرير: أ. منال يحيى
بسم الله الرحمن الرحيم
عقد مركز خُطوة للتوثيق والدراسات في 11 / 11/ 2017 حلقة نقاشية حول ورقة ” النسوية الإسلامية كحركة فكرية” للأستاذة الدكتورة أماني صالح، التي سبق نشرها بالموقع في باب مقالات ثقافية.
وقد شارك في الحلقة كل من:
أ. د. محمد كمال إمام … أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، جامعة الإسكندرية.
أ. د. هبة مشهور … أستاذ اللغة الفرنسية بقسم اللغة الفرنسية، كلية الآداب. جامعة القاهرة.
د. هاني محمود … مدرس مساعد بقسم الشريعة. كلية الحقوق، جامعة عين شمس.
د. شريف عبد الرحمن … مدرس بقسم العلوم السياسية. كلية الاقتصاد والعلوم السياسية. جامعة القاهرة.
د. مدحت ماهر … المدير التنفيذي لمركز الحضارة للدراسات والبحوث، طالب دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
أ.د. أميمة أبو بكر … أستاذة بكلية الآداب قسم اللغة الانجليزية. جامعة القاهرة، وعضو مؤسس في مؤسسة المرأة والذاكرة.
أ. د. أماني صالح … أستاذ العلوم السياسية بجامعة مصر الدولية .. ورئيس مجلس إدارة جمعية دراسات المراة والحضارة.
د. هند مصطفى … دكتوراه في العلوم السياسية، وعضو جمعية دراسات المرأة والحضارة.
د. إيمان فريد … دكتوراه في الأنثروبولوجيا الثقافية ودراسات الجندر البينية. جامعة ليدز.
د. سوسن الشريف … دكتوراه في التربية. جامعة عين شمس، وناشطة في مجال المرأة والدراسات الاجتماعية.
أ. مهجة مشهور … مدير مركز خُطوة للتوثيق والدراسات.
أ. منال يحيى … ماجستير علوم سياسية، جامعة القاهرة. باحثة بمركز خُطوة للتوثيق والدراسات.
وقد اعتذر د. شريف عبد الرحمن عن الحضور لكنه تفضل وأرسل مداخلة مكتوبة ، وقد دار النقاش حول عدد من المحاور الرئيسية:
- دواع الوجود والنشأة : هل هناك دواع حقيقية لوجود حركة نسوية اسلامية .
أثار عدد من الحضور د. شريف عبد الرحمن ، أ. مهجة مشهور، د. هبة مشهور- تساؤل حول نشأة التيار النسوي الإسلامي؟ وإلى أي مدى يعد هذا التيار مجرد صورة وانعكاس للنسوية الغربية؟ فهل للنسوية الإسلامية نشأة أصيلة نابعة من احتياجات الداخل الإسلامي ..أم أنها انعكاس لمشكلات ظهرت في الغرب وصُدِّرت إلينا ؟؟
عقبت د. أماني صالح والمشاركات على ذلك فذكرن أن الحركة النسوية الإسلامية لم تنشأ بشكل سطحي كنتيجة للغزو الثقافي الغربي، وإنما هي نتاج عملية معقدة تضافرت فيها عوامل موضوعية وأخرى ذاتية إدراكية. من أهم العوامل الموضوعية دخول المرأة بشكل مكثف إلى مجال التعليم وسوق العمل، وتنامي دورها الاقتصادي في المجتمع والأسرة، وهو أمر حفزه وشجعه انتقال الاقتصاد المجتمعي إلى مستويات أرفع تتخلى عن الأساس العَضَلي للإنتاج (الذي لا تنافس فيه للمرأة) إلى مستوى آخر أرفع يعتمد على الملكات العقلية التي أثبتت فيها المرأة نفسها.
إلى جانب تلك العوامل الموضوعية ونتاجا لها أيضا كان هناك تغير مهم يتعلق بالوعي: إدراك المرأة بشكل جماعي أنها إنسان كامل، وإدراكها بحقيقة تدهور موقعها الاجتماعي ومنظومة القيم الموروثة المرتبطة بها، وإدراكها كذلك لحقيقة التناقض بين وعيها بإنسانيتها الكاملة وقدراتها وبين ما يصدره المجتمع لها بإصرار من إحساس بالنقص والدونية.
أدى كل ذلك إلى تطور حركة المرأة المسلمة عبر مرحلتين؛ أولها مطالبة المرأة الرجال بالإنصاف، وكدها ونصبها في هذا السعي ولكن هذا لم يؤتي إلا أثرا ضعيفا بعد سنوات طويلة. الثانية إدراك النساء بأن الإنصاف هو أمر يتعين أن تسعى إليه النساء بأنفسهن وبأيديهن سواء على مستوى الحركة أو الفكر ولا تنتظره من الآخرين.
لقد اتضح نتيجة تلك التفاعلات المعقدة والطويلة أن هناك كتلة من المصالح الاجتماعية والدوافع النفسية القوية في بقاء المرأة في وضع متدن يمكن أن نعبر عنها تبسيطاً بالأيديولوجية الذكورية، ليست وهما أو اقتباسا من الغرب .. إنها تتشكل عندما يتحول إحساس الرجل بذاته وبتفوقه إلى أيديولوجية متماسكة تتكون من: تصورات ونظريات للتاريخ والمجتمع تدعم هذا التفوق .. تصور أمثل للمجتمع .. نمط لتخصيص القيم وبناء الحجج.. ويتحول كل ما سبق إلى قناعة وإيمان . الأخطر بالنسبة للمرأة المسلمة هو توظيف الطبيعة والدين لدعم هذه التصورات وبناء الأيديولوجية.
لقد أصبح لزاما أن تتصدى المرأة لمحاولة الإبقاء على دونيتها ومنع تطور حقوقها القانونية والسياسية والاجتماعية باستخدام الدين. إن عمل المرأة المسلمة نحو فض الاشتباك بين الدين والرؤى “الذكورية” هو عمل لصالح المرأة ولصالح الدين على حد سواء.
على الجانب المقابل تواجه المرأة المسلمة نوعاً آخر من القمع يتمثل في محاولة تصدير وفرض خبرة المرأة الغربية عليها باستخدام أدوات أهمها السياسة الدولية وعلاقات القوة دون اعتبار لتصورات المرأة المسلمة ذاتها حول علاقة التوازن الاجتماعي مع الرجل بدلا من الحلول والاستبدال، دون اعتبار لرؤية المرأة المسلمة وتقييمها للأسرة، ولدور الدين والثوابت الدينية التي تشكل جزءا أساسيًا من ثقافة النساء المسلمات.
المحصلة لكل ما سبق أن حركة المرأة المسلمة وفكرها أو حركة النسوية الإسلامية ( سمها كما شئت) تتحرك في اتجاهين على الصعيد الفكري :
الأول تفكيك أيديولوجية الهيمنة الذكورية خاصة ما يتعلق بتسخير الدين واستلابه لصالحها
والثاني هو مواجهة الأيديولوجيات التفكيكية الغربية التي تحاول استخدام المرأة لهدم الدين وإعادة بناء المجتمع وفق قواعد وموازين جديدة مناهضة له. ولعل ما سبق يوضح تعقيد المسألة ومدى هشاشة الرأي الذي يجعل حركة النسوية الإسلامية مجرد صدى للنسوية الغربية.
وأضافت د. هند مصطفى : عندما تقول الاحصاءات الدولية مثلا أنه في الكوارث الطبيعية الكبرى المرأة تمثل 14 ضعف الرجل في عدد الضحايا ، عندما ننظر في النزاعات المسلحة ونرى البحوث الميدانية العلمية المحترمة التي تنزل الميدان وتدرس أوضاع النساء ضحايا النزاعات والكوارث نجد أن المرأة لها طبيعة قضايا مختلفة ولها إشكالات مختلفة.
وإذا تخطينا هذا المثال وتحدثنا عن الإنسان، فهناك مشكلة في الطريقة التى تنخرط فيها المرأة بشكل طبيعي في المجتمع، فنحن لا نرى أن المرأة تعامل على أنها إنسان كامل أو كائن مرجعي، الإنسانية في شكلها رجل أو امرأة الاثنين على قدم المساواة كما خلقهم الله عز وجل، لكن مرجعية التعامل التي تتجسد في قوانين أو في أنظمة يكون الرجل فيها هو المحور وبالتالي تتجاهل حاجات مهمة للمرأة لأن الكائن المرجعي هو الرجل إذن فهناك مشكلة حقيقية، ومن حق الباحث أن يقربها كما يشاء لكن بشكل غير منفصل هذا هو المهم، الوعي بعلاقات الجزء بالكل، الوعي بالوحدة ، الوعي بالمنطلقات المعرفية الخاصة بهذه الرؤية.
- أهمية التمييز بين أطياف عدة داخل التيار النسوي
نبهت المشارِكات من المدرسة النسوية في البداية إلى أهمية التمييز داخل التيار النسوي الإسلامي بين اتجاهات عدة، فهناك تباينات نوعية شديدة بين اتجاهات مختلفة داخل هذا التيار.
ونوهت د. أميمة إلى ضرورة الانتباه إلى “نسوية الدولة” كأحد التقسيمات أو التيارات التي تضاف إلى تلك التي ذكرت في الورقة محل النقاش، وأشارت إلى دورها وتأثيرها على قضية المرأة.
وأشارت د. أماني صالح إلى أهمية التمييز بين النسوية الإسلامية والنسوية المسلمة. فالأولي تطرح الالتزام بالمرجعية الإسلامية، والثانية عبارة عن نسويات تتباين توجهاتها الأيديولوجية، والصفة الإسلامية هي مجرد انتماء لهن لا ولا، وكثيرات ممن ينتمين لهذا الاتجاه من العلمانيات والناقدات للإسلام (مثل الدكتورة نوال السعداوي).
وفي إطار النسوية الإسلامية التي تعلن التزامها بالمرجعية الإسلامية هناك عدة تمايزات أيضا فهي ليست كتلة واحدة صماء، أحد التمايزات التي يمكن الإشارة إليها هي النسوية الإسلامية المقيمة في العالم العربي الإسلامي المتأثرة بمشكلاته الاجتماعية والثقافية وقضاياه، وهناك النسوية الإسلامية المرتبطة بالجاليات المقيمة في الغرب والمتأثرة بقضاياه الاجتماعية وثقافته وضغوطه … وهناك فروق عامة مهمة بين الاثنتين؛ ويمكن القول- وإن كان لا يجوز التعميم- بهامش من الخطأ أن النسوية الإسلامية في الغرب قد أصبحت إلي حد كبير تلقي تشجيعا ودعاية من الدوائر الغربية المعنية بالإسلام – وما أكثرها- في عالم يتسم بالعولمة وتحتل فيه قضايا الهجرة والاندماج والجاليات الإسلامية قمة الهموم الاجتماعية في الغرب، يرجع هذا التشجيع إلي كثير من المواءمات والتنازلات التي أجرتها النسويات الإسلاميات هناك للتوافق مع ضغوط مجتمعاتهن.
وعلى رغم الاختلاف الشديد بيننا وبين بعض الأسماء المذكورة في الورقة محل النقاش إلا أنهم – وأخذا بتقاليد أهل السنة – يعدون أهل تأويل. لذلك فرغم الاختلاف في بعض المفاهيم الأساسية والمناهج مثل جنسانية اللغة، والنسبية في التعامل مع النص من خلال مفهوم السياق وعدد آخر من المفاهيم والنتائج، إلا اننا لا نحكم على إيمانهم. وعلينا أيضا مراعاة السياق الذي يتواجد فيه المسلمون في الخارج ، ومدى جسامة الضغوط التي يتعرضون لها والتي تؤثر على طريقة تفكيرهم باعتبارهم أقلية في بلاد غير مسلمة .
يختلف الوضع اختلافا كبيرا لدي النسويات الإسلاميات في العالم العربي- الإسلامي: فرغم معاناتهن من الطغيان الذكوري المحلي إلا أنهن يتمتعن بقدر من التحرر من المصدر الثاني للقمع وهو نزعة العولمة الطاغية لما بعد الحداثة.. كثير من تلك الاتجاهات النسوية يملن إلي تغليب إسلاميتهن علي نسويتهن.. بل إن منهن من يرى أن رفع قضية العدل والإنصاف وتنقية الفقه والتفسير والتراث من شوائب الانحياز الذكوري إنما يسهم بدرجة كبيرة في تحقيق غايات إسلامية ثقافية عامة تتجاوز قضايا المرأة ،علي رأسها تجديد الإنتاج العلمي الإسلامي وإعادة فتح باب الاجتهاد من خلال التصدي لقضايا معاصرة وطرحها علي الشرع والبحث عن مخارج منهاجية أو الاستفادة من المنهاجيات المعاصرة . مثل هذا الاتجاه الأخير لا يلقي أي عناية أو اكتراث من الغرب إن لم يكن التشكك والتوجس.. أولا لأنه يتمسك بما يمكن ان نسميه الثوابت الإسلامية، وثانيا لأنه لا يتنازل لصالح أنماط الحضارة الغربية الغالبة، وثالثا لأنه لا يتخذ النقد مدخلا للتفكيك وفصم العري وإنما مدخلا لزرع قوي التطوير الذاتي في المنظومة الإسلامية بما يدعم من تماسكها وقوتها الذاتية من خلال التمييز بين الثوابت والمتغييرات، وأخيرا لأن مواجهة القمع الثقافي الغربي والتمسك بالخيار الإسلامي المستقل والتصدي لمحاولات التطويع هو أحد غايات هذا الاتجاه.
والخلاصة أن هناك تباينات شديدة وتطورات عدة داخل التيار النسوي فلا يمكن التعامل معه ككتلة واحدة فهناك تنوعات وتحولات وتطورات كثيرة قد طرأت عليه على مدار العشرين سنة الماضية.
- أهمية تحرير المفاهيم ..
أشارت أ. مهجة، د. هاني محمود إلى أهمية تحرير مفاهيم مثل : نسوية /ذكورية وغيرها من المفاهيم المتداولة في هذا التيار، حيث سيؤدي ذلك لتقليص مساحة الجدل حول الأمور المبدئية. وأشارت ا. مهجة لأهمية وجود منهج واضح المعالم في التعامل مع التراث.
وعقبت المشارِكات بأن هناك إنتاج بحثي تم بالفعل يتعلق بهذا الأمر جزء منه منشور ضمن أعمال جمعية دراسات المرأة والحضارة.
- هل النسوية الإسلامية تستبطن مبدأ الصراع؟
أشارت أ مهجة إلى أهمية استعادة الروح الاحتوائية والتراحمية والعقلية السائدة في مجتمع الصحابة ، الروح الاستيعابية وليست الصراعية ..
وأشار د. إمام إلى أهمية النظر للفكر النسوي من مدخل المجتمع ككل ، ومن دائرة الأسرة .. فالمجتمعات السوية تشكل المراة فيها العنصر الأساسي في الأسرة إلى جانب الرجل ، فلا نريد لهذا النظام ان ينهدم كما هو الحال في مجتمعات أخرى، فإن نظام الأسرة لدينا / في المنظور الإسلامي نظام كوني ونظام إلهي.
ردت د. أماني : أن الإسلام منذ نشأته معادلا خطابيا للكون الذي هو تعبير عن إرادة الله تعالي في قوانينه وقواعد تسييره، و لم يكن الإسلام أبدا طرحا طوبويا، وإنما كان دائما دينا واقعيا يتعامل مع الإنسان وقوانين الحياة التي يمثل الصراع أحد ابعادها.
إن نفي الصراع عن المنظور الإسلامي هو فكرة غريبة، لقد اعترف الإسلام بالصراع والدفع كقانون لحركة الإنسان مثلما حض علي السلام والإيثاروتنقية النوايا والتعاون علي البر والتقوى، لكن القانون الإسلامي حقا هو وضع كل من الآليتين في موضعه والحرص علي تحقيق وظيفته وإلا فسدت الأرض.
إن المجال المناسب للصراع والدفع هو وجود أوضاع ظالمة حيث يطالب المستفيدون وأصحاب المصالح بقبولها بسلام وانصياع، وهذا موقف أيديولوجي، يكون إلصاقه بالإسلام هو الادعاء والافتئات حقا علي الدين..إنها قضية مصالح..ولذا فمن الطبيعي أن يتحرك المتضررون للدفع.
إن دراسة وتتبع مجتمع المدينة من زاوية العلاقات النوعية بين الرجال والنساء لَتنطق بخبرة الجمع بين التعاون والصراع؛ فمثلما تشارك الجميع لحظات الفرح والحزن العامة وتعاونوا في الفرح والترح، تواترت أيضا مواقف الدفع والصراع التي لا من قيمة هذه التجربة الإسلامية الرائعة بل تعمق منها وتؤكد خصوبتها لأن القلق والتوتر والحيرة والتساؤلات كانت دائما هي الدافع والمحفز للتشريعات ولبيان الحقوق: هكذا اختبر مجتمع المدينة شكايات النساء بشأن موضوعات عدة مثل إجبارهن علي الزواج، وسبل الخلاص من حياة زوجية أساسها الكراهية، وشكايات حول الضرب والإساءة من الأزواج، وشكايات حول التعليق والظهار. عرف مجتمع المدينة اتفاق نساء الرسول علي الضغط عليه في أكثر من مناسبة، وتساؤلات النساء حول حقهن المتساوي في مؤشرات المواطنة مثل البيعة والإجارة، وحقوقهن الدينية كورود المساجد وقضايا خطيرة لاستضعاف النساء مثل الطعن في الأعراض…الخ.
لذا فالصراع هو عَرَض لمرض أو لأمراض مجتمعية أكبرمن بينها أو على رأسها الظلم.
وأضافت د. هند مصطفى : إذا كان الغربيون يقدمون إنتاجا علميا جيدا لكن لديهم خلفية معرفية مختلفة، ونحن على وعي بها، فإذا انطلقوا هم من مبادئ الفردية والصراع نحن نعي وندرك ذلك، ولنا منطلقاتنا ورؤيتنا المعرفية المغايرة، ونحن نتحدث عن الإسلام هنا. هذا الوعي أظن أنه يظهر في إنتاجنا المعرفي الذي أدعو للاشتباك معه ومناقشته .
- أهمية المداخل الكلية الكبرى / التركيز على المسائل المنهجية
أكد ت د. اميمة أبو بكر على أهمية تناول المسائل المنهجية انطلاقا من كون النسوية حركة إصلاح وحركة تجديد وحركة إعادة تفسير مصادر دينية .
وأشارت إلى ظاهرة النظريات الكبرى أو المداخل الكلية في العالم والتي تشهد صعودا في الوقت الراهن، فالنظريات الأصغر تنضوي تحت لواء نظريات أكبر مثل نظريات التحرر من الاستعمار او محاربة العنصرية ..وغيرها، فربما نناقش فكرة انضواء النسوية الإسلامية تحت لواء نظرية أكبر مثل تلك النظريات مما يكسبها قوة دافعة ليس فقط على مستوى الفكر بل على مستوى الفاعلية وعلى المستوى الحركي .
وكان د. شريف قد أشار في مداخلته المكتوبة إلى أهمية المداخل الكلية في معالجة القضايا والمشكلات المتشعبة مثل مشكلات المرأة ، ففكرة التشظي النوعي تفتح الباب أمام المزيد من الأفكار الانقسامية، فالتفكير النوعي يشبه المطالبة بالحكم الذاتي في السياسة الذي قد يؤدي إلى اختفاء الوحدة السياسية بأكملها. وهو ما يتفق مع ما طرحته د. اميمة.
و رأت د. أماني أن الفكر النسوي في الغرب بدأ تحت نظريات كبرى مثل الليبرالية والماركسية ثم انفصل ، أما الفكر النسوي الإسلامي فإن النظرية الكبرى أو المدخل الكلي الأكبر الذي يمكن أن يدخل تحت لوائه هو ” إعادة فتح باب الاجتهاد “، فهذا هو التيار الطبيعي الذي يتعين على النسويات المسلمات – في الداخل الإسلامي- العمل في إطاره. وإعادة فتح باب الاجتهاد مرتبط بوجود قضايا ومشكلات لم يعالجها التراث ولم تظهر لها حلول عصرية بعد مثل قضية المواطنة، وقضية العلاقة مع الآخر الديني، والعلاقة مع العالم الغربي.. إلخ، ومن ضمن هذه القضايا الإشكالية ومن أهمها قضية المرأة، لكن للأسف هذا المدخل الكلي لا يوجد تيارحقيقي له بعد .. ورغم ذلك فهذا هو التيار الفكري الذي تنضوي تحته النسوية الإسلامية التي نعبر عنها.
وقد عقب أ. مدحت ماهر على هذا الحديث بأنه يجب على الباحثات البدء في ممارسة الاجتهاد فعليا شاء من شاء وأبى من أبى. وذلك مع التزام الثوابت المرجعية التي أعلن عنها. ومن يعترض على هذا الأمرعليه أن يشتبك مع المنتج الفكري الذي نخرجه. بل نحن أنفسنا نشتبك مع ما ننتجه فنصوبه ونجوده ونستكمله. وأضاف: أن الغاية التي يعمل هذا التيار من أجلها هي إيجاد براديم paradigm جديد خاص بالمرأة .. لذا وجب الأخذ بأسباب وأدوات صنع البراديم ومن أهمها عمل مداخلات حقيقية على الحالة العلمية الموجودة، ممارسة النقد، ممارسة الاجتهاد. نشر هذه الاجتهادات في أماكن مختلفة، .. علمية وثقافية، بل ودعوية. وقد قدم شيخ الأزهر نموذج في نقد الحالة الاجتهادية الراهنة وما تعانيه من سكون وركود، وضرب أمثلة بقوانين أعدت في العشرينات من هذا القرن ولم يحدث أي اجتهاد فقهي أو قانوني بشأنها حتى الآن .( كان ذلك في مؤتمر عقد مؤخرا يتعلق بدور الافتاء).
وأشارت د. هند مصطفى إلى المفارقة التي يجدها الباحث عند قراءة القرآن الكريم حيث يجد سعة ورحابة، وقد يلقى فتوحا من رحمة الله في بحثه … وبين ما يفرضه الفقهاء أحيانا من قيود على الباحث.. فيطلبون منه عدم الاجتهاد بحجة عدم التخصص .. فالفقهاء أحيانا يضيقون واسعا..وأشارت إلى الآية الكريمة في سورة الإسراء “…قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربك إذا لامسكتم …” فالرحمة هنا تشمل العطاء من كل أصناف الخير: مال وعلم وصحة وبركة..إلخ.
- هل تنتج النسوية علما أو معرفة خاصة بها؟
أشار د . هاني محمود إلى تفهمه النسوية الإسلامية كفكر. وعدم تفهمه لها كمنظور ومدخل منهجي للدراسة، وتساءل ما مبرر ذلك؟
كذلك أشار د. شريف عبد الرحمن إلى خطورة المظلومية كمدخل لتدشين علم !
وحول ذلك عبرت المشاركات عن أن المعرفة النسوية الإسلامية ليست إحلالية، فنحن نسعى لتحقيق الإنصاف للمرأة المسلمة وليس لاستبدال الانحياز الذكوري بانحياز نسوي في الاتجاه المقابل. فالنسوية الإسلامية لا تسعي كأحد أهدافها- كما فعلت النسوية الراديكالية الغربية- الي إقامة علوم بديلة وتاريخ مجتمع بديل علي أنقاض التراث الذكوري، كما أنها لا تسعي لأن تقيم عالما للنساء، أو أن تستبدل التفوق الذكوري بتفوق نسائي، وإنما تسعي إلى الاندماج والمشاركة في التيار العام للفكرالإسلامي، وإلى قبول النساء كشريك في كل العمليات الإنسانية دون احتكار أو تمييز .. مساواة في الحق الإنساني يعكس المساواة في الخلق والتكليف والحساب والعقاب.. يعني هذا أن تحظي المرأة بنصيب عادل في المجال العام وفي الفكر والعلم، تسعي النسوية الإسلامية إلى تنقية المنظومة القيمية من كل ما يحط من شأن النساء وإلى الحصول علي الدعم والاعتبار القانوني بقدر ما يتيحه الشرع وليس الفقه .. والخلاصة كما نؤكد أن الاندماج وليس الإحلال هو غاية النسويات المسلمات في العلم والمجتمع علي حد سواء .. نحن ننتج فكرا مرتبط بحالة تاريخية تشهد ظلما للمرأة على مستوى الفكر والواقع، فإذا اختفت تلك الحالة يختفي الداع لوجوده، لكن تبقى آلياته ومناهجه قد تصلح للتعامل مع قضايا أخرى.
وأشارت د. أماني إلى مقولة في الفكر الغربي ” إن الخبرات المختلفة تنتج معارف مختلفة “. فمن حقنا أن نقترب من القضايا اقترابا مختلفا يعكس خبراتنا كنساء، وهذا يمثل في النهاية إثراء للفكر والمعرفة.
- هل النسوية الإسلامية تيار ديني؟
تساءلت أ مهجة عن كون النسوية تيار ديني ، ومدى اتفاقها او اختلافها مع نسوية مسيحية أو يهودية إن وجدت؟ وفي تعقيب لد. هند مصطفى على هذا التساؤل أشارت إلى أن النسوية الإسلامية لا تنطلق من الإسلام باعتباره مرجعية دينية فحسب بل باعتباره أرضية معرفية وحضارية ، وأضافت أن الدكتورة منى أبو الفضل رحمها الله –والتي تعد رائدة في تدشين هذا التيار في مصر – كانت تستخدم الإسلامي ليس في مقابل المسيحي أو اليهودي .. وإنما في مقابل الحداثة وامتدادها إلى ما بعد الحداثة، وذلك لأن الحداثة رؤية للنظر للعالم فيها الفردية وفيها الصراع، وليس فيها ارتباط بين السماء والأرض. لذا فقد كانت تستخدم لفظ النموذج المعرفي التوحيدي / في مقابل النموذج المعرفي المادي، والمنظور الحضاري الإسلامي في مقابل المنظور الحداثي. ومن هنا جاءت النسوية الإسلامية من رحم هذا المنظور الحضاري.
ونحن نصننف أنفسنا ضمن هذه المعرفية وليس ضمن النسوية الدينية.
- التفرقة بين الأعراف والخطاب الديني والفقهي.
أشار د. هاني محمود لضرورة التفرقة بين الفقه وبين الأعراف والتقاليد عند قيام النسويات بتوجيه نقد للفقه، وأكدت أ مهجة مشهور على نفس النقطة. وحول هذا علق د. كمال إمام أن هذه التفرقة غير ممكنة عمليا، إذ أن العرف والتقاليد والثقافة هي جزء من تكوين الخطاب الفقهي ولا تنفصل عنه. فالعرف في التشريع الإسلامي جزء ومصدر من مصادر إنتاج الحكم الفقهي العملي كما أنه يمثل البيئة الثقافية التي يتحرك فيها الحكم الفقهي الجزئي. غالبا ما نتصور أن الخطاب الفقهي ملتصق بالنص وهذا غير حقيقي، الفقه الملتصق بالنص هو فقه التنزيل، لكن في مجال الواقع الاجتماعي الذي يتحرك هو الفقه التطبيقي. فالخطاب الفقهي لا يمكن قراءته بمعزل عن بيئته الثقافية، والخطاب الفقهي الذي لايراعي الأعراف والتقاليد هو خطاب فقهي ناقص، وبالتالي فإن التمييز المطلق أو الفصل بين ما مصدره الفقه وما مصدره الأعراف والتقاليد غير ممكن،.. لذلك يقول أئمة الفقه أنفسهم: أن فقهنا هذا رأي من لديه أفضل منه فليأت به. ولذا نجد أن الإمام الشافعي غير بعض المسائل في فقهه عندما انتقل من العراق إلى مصر لاختلاف البيئة والأعراف.
ويشير د. كمال إمام هنا إلى أهمية التمييز من ناحية بين القرآن الكريم والسنة النبوية من حيث كونهما مصادر أصلية، وبين الفقه من ناحية أخرى. فالمصادر الأصلية متعالية عن كونها جزءً من الخطاب اليومي.
ووضح د. إمام أن النص الشرعي يحمل فرضية نبحث عنها في الواقع، فإن وجدت يتم تنزيل النص، وإن غابت لا ينزل النص لغياب المحل.
فهناك شروط متضمنة في تطبيق النص أهمها التطابق بين المحل الذي تصوره النص وبين الواقع الذي يتحرك فيه النص.
لذا فإن الفقهاء القدامى قدموا إنتاجا واجتهادا لعصورهم .. هم لم يجتهدوا لعصور قادمة .. وعلينا تحمل مسؤولية عصرنا لكن وفق نفس النظام الأساسي الموجود سلفا، فالقواعد موجودة ومحددة سلفا.
وأضاف: مأساتنا في تطبيق الشريعة الإسلامية أن من ينظر إلى تطبيقها لا ينظر إلى تحقيقها، وكثيرًا ما يخلط بين المطلق والمقيد/ والعام والخاص.
- الموقف من الغرب منهجيا : نقد المنهجية الغربية
علق د. مدحت ماهر على ما جاء في الورقة بشأن المناهج؛ إذ وردت عبارة: ” أن النسوي في هذا المشروع لا يعني فقط العمل على قضية النوع ولكنه يتعلق بالمنهجية المستمدة من الدراسات النسوية في فروع العلوم الاجتماعية والإنسانيات ” واعتبر أن تلك الجملة خطيرة جدا ، إذ أن النسوية عندما تحدثت عن التراث الإسلامي تحدثت عن الفقه، ولم تشرأبدا إلى التراث المنهجي وهو “أصول الفقه” فلماذا؟ رغم أن التراث المنهجي مهم ومفيد جدا، وربما يقدم كنوزا ويحقق فتوحا كبيرة في مجال الدراسات النسوية من منظور إسلامي، فلماذا الغفلة عنه؟ أما المنهجية المستمدة من الغرب فقد تم اللجوء اليها والاستعانة بها دون التعرض لها بالنقد ، فكيف نحاكم النصوص التراثية بمناهج غربية دون نقد لهذه المناهج؟. لقد اهتمت النسوية الإسلامية بنقد المعرفية الغربية، لكن لم تنقد المناهج وهذا مهم. ودعا د. مدحت لأن يكون هناك مشروعا نسويا للاستفادة من أصول الفقه.
واتفق د. هاني مع د. مدحت في هذا الرأي. وطالب أن يكون هناك انفتاح على المناهج التراثية كما هناك انفتاح على الفكر والمناهج الغربية.
عقبت د. أماني على ذلك بأنه، واستنادا للكلام السابق بشأن أهمية التمييز بين الأصول وما عداها، يمكن اللجوء لبعض المناهج الحديثة مثل سوسيولوجيا المعرفة وغيرها باعتبارها نتاج العقل البشري .. ونحن لا نتحدث عن استخدام هذه المنهجيات مع الأصول ( القرآن والسنة) فهي مصادر عليا تعلو فوق هذا الأمر. وإنما نستخدمها مع نتاج عقل بشري أيضا وهو المنتج الفقهي.
وأضافت د. أميمة أن التراث الفقهي المنهجي غني جدا بالآليات وجدير بنا فعلا أن نستفيد من الآليات وننميها لكن ماذا نفعل إذا كانت تلك الآليات أعطتنا نتائج لا تقدم حلولًا. أو تقدم حلولًا غير مرضية. هل ممكن استخدام آليات ومناهج أخرى؟
ورد د. كمال إمام : أن الباحث يختار مايشاء من المناهج التي تلائم موضوعه ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها.
- مشكلة الثقافة السائدة في المجتمع :
أشار د. كمال إمام إلى إن القضية ليست صراع بين نسوية وذكورية .. وإنما القضية من منظور واقعي – ومن خبرة العمل في قضايا الأحوال الشخصية- أن هناك مشكلات تتعلق بالمرأة سببها الثقافة السائدة في المجتمع، وكذلك الثقافة المستوردة إلى المجتمع. فالثقافة المستوردة بدأت تحتل مواقع في مراكز الأبحاث والجامعات والجهات السيادية ، وهذه الثقافة بطبيعتها لها منظورها الخاص المختلف -كما أشارت الأخوات- الذي قد لا يتلاءم مع الرؤية الإسلامية.
ويرى د . كمال إمام أن المرحلة الراهنة تحتاج منا أن نعمل على الثقافة السائدة في المجتمع، وأن نحاول إدخال أفكار في نصوص القوانين والتشريعات القائمة بما قد يساهم في إحداث شيء من التغيير في الثقافة، وإصلاح في الواقع . ويرى أن المناخ الآن يسمح بمثل هذا الدور حيث تتبنى جهات عدة في المرحلة الراهنة مسألة التعديلات في قوانين الأحوال الشخصية منها الأزهر، حيث يتبنى الأزهر الشريف مسألة إدخال تعديلات تشريعية لصالح المرأة انطلاقا من قناعته أن التشريعات الحالية والثقافة السائدة كلاهما يغبن المرأة ولا يوفيها حقوقها. وبالتالي يصبح من الضروري استغلال هذه الفرصة وتحويل هذه الأفكار إلى نصوص تشريعية حاكمة تحل كثير من المشكلات الاجتماعية المعاشة.
لكن هل يكمن الحل في نصوص تشريعية فقط ونحن نتحدث عن ثقافة ؟
في حقيقة الأمر أن الثقافة في أحيان كثيرة هي ما تحول دون تفعيل الكثير من التشريعات والنصوص، هناك نصوص موجودة بالفعل في بعض المسائل قد تكون جيدة وإيجابية لكنها لا تفعَّل بشكل صحيح بسبب الثقافة السائدة في المجتمع . وأحيانا بسبب تحيز القائمين في مؤسسات التقاضي نفسها ضد المرأة لاعتبارات أيضا ثقافية، و أحيانا بسبب إجراءات التقاضي ؛ فالجهاز القضائي ليس لديه آليات تمكنه من حسم المشكلات في توقيت زمني مناسب. فإجراءات التقاضي لدينا تتطاول زمنيا بشكل غير متصور حتى تتعقد المشكلات وتتغير وتتحول عن الشكل الذي بدأت عليه عند بدء القضية.
ورغم أن عديد من المشكلات خاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية لاتحل بشكل حاسم بمجرد صدور قانون، وإنما هناك ثقافة مسيطرة تأخذ وقتا حتى تتغير، أكد د. إمام أن التعديل القانوني والتشريعي بحكم أنه يحكم ويهيمن على جزء ولو بسيط من الواقع فهو يساهم في تغيير الثقافة ونشر أفكارًا جديدة خاصة إن كانت تلك الأفكار مؤصلة جيدا .
لذا مطلوب من الممثلين لفكر النسوية والمعبرين عن احتياجات المرأة في هذا المجال تقديم اقتراحات بالتعديلات التي تحتاجها المرأة في الواقع الاجتماعي المعاش وليس في المجال النظري، تعديلات يمكن تمريرها فتساهم في تحسين واقع المرأة. وتقديم حلول لمشكلاتها ..هذه الحلول مع مرور الوقت يمكن أن تحدث تغييرا ثقافيا . والتعديلات التي نطلبها في هذا الخصوص ليست موضوعية فحسب وإنما موضوعية وإجرائية …
وعرض د. إمام لعدد من الأفكار على سبيل المثال منها أفكار تتعلق بترشيد حق الطلاق
وأخرى تتعلق بالإجراءات مثل: عرض قضايا الأحوال الشخصية أمام محاكم الأمور المستعجلة
وأخرى تخص زواج الصغيرات: وهي من الأمور التي فيها نص قانوني لكن لا يتم تفعيله ويتم التحايل عليه في الممارسات نتيجة الثقافة السائدة وعدم جدية الشارع في تغيير تلك الثقافة. وأكد أن النص القانوني هو تعبير عن ثقافة أكثر منه تعبير عن نص ديني.
تفاعل الحضور مع مداخلة د. إمام بشكل كبير وناقشوا الأمثلة المطروحة حول الاجتهاد في بعض النصوص، إجراءات التقاضي، ومشكلات الواقع .. وعقبت د. أماني: إذا كانت ثقافة المجتمع تحتاج سنوات طويلة لتغييرها فلنبدأ على الأقل العمل على ثقافة القائمين على القانون ومؤسسات القضاء، فهم ينشئون على أراء ربما فيها إجحاف للمرأة ودعت لأن نبدأ بمحاولة تغيير ثقافة هؤلاء .. وهنا تأتي مسؤولية التعليم، والتعليم الجامعي على الأخص.
أشار د. مدحت ماهر كذلك لضرورة الانتباه إلى تشكيل الثقافة في المجتمع والقائمين عليها ، ودور كل من الإعلام والمساجد وغيرها كقضية جديرة بالبحث والتناول،
ودعا د. مدحت أيضًا إلى تناول قضايا أكثر ارتباطا بواقعنا الاجتماعي وأن نتجاوز النخبوية، فينبغي على مراكزنا البحثية أن يكون لها دورًا في تشكيل الثقافة عبر مناقشة مشكلات الواقع والمسائل الحياتية عبر أبحاث وبرامج ودورات ومبادرات. فنحن نحتاج أن نقتحم دوائر التأثير بعد أن استغرقنا في دوائر التأصيل إلى حد ما.
- أهمية التركيز على القضايا الواقعية والمشكلات الاجتماعية المعاشة.
استجابة لدعوة د. كمال امام بشأن تقديم قضايا واقعية تساهم في إصدار تشريعات تُصْلِح من الواقع المعاش .. عرضت د. سوسن لخبرتها في إعداد بحث في أهمية الإشهاد على الطلاق .. ودعت لأن يكون هناك تشريع بشأن ضرورة ووجوب الإشهاد على الطلاق، إذ يؤدي هذا الأمر إلى مشكلات اجتماعية كثيرة، وذكر د. إمام أن في عام 1976 قدم مجمع البحوث الإسلامية مشروع قانون ينص على وضع الإشهاد على الطلاق كشرط صحة، لكن المشروع رفض من المؤسسة التشريعية ولم يصدر، فلم تكن هناك إرادة سياسية .. ونوقشت كذلك قضية المرأة المعيلة. وناقشت د. إيمان فريد كذلك عددا من القضايا مثل قضية الرؤية والولاية .. وكلها نماذج لمعاناة المرأة تحت النظام القضائي الحالي.
في الختام اتفق الحضور على الحاجة إلى عقد جلسات حوارية أخرى حول نفس الموضوع ، ودعت د. أماني إلى مزيد من الاطلاع على أعمال مدرسة النسوية الإسلامية ومناقشة المناهج، وإلى أي مدى ينطبق ما تحدثنا عنه من التزامها بالأصول، وكيف يتم استخدام المناهج الغربية .. وأن يتناول النقاش في المرة القادمة المسائل المنهجية بشكل أكثر عمقًا .. ويتم الوقوف مع الأوراق البحثية من حيث المنهج والتطبيق وليس من باب التشكيك والاتهام من الخارج. ذلك أن العديد من النقاط المثارة تتسم بالسمة الانطباعية .. بمعنى أنها تقف خارج هذا الفكر لتوجه له الكثير من الانتقادات على أساس المخاوف والهواجس والشائعات والمواقف الأيديولوجية المبدئية.. دون تناول أفكار محددة داخله، ، بل هو تناول لشرعيته وحقه في الوجود من الأساس .. مثل هذا الاقتراب يعوق أي تطور أو حراك فكري لفكرة النسوية الإسلامية.. ويستنفذ طاقة الجميع في جدل لا طائل منه. واتفق الجميع على أهمية تجاوز هذه المرحلة.
ونوهت د. هند مصطفى إلى الموقع الالكتروني للمرأة والحضارة aswic، حيث يوجد عليه نماذج من عمل المجموعة وتعالج عددا من الموضوعات التي تناولها النقاش، منها قضية التعريف، وضبط المفاهيم والمنطلقات الأساسية.
وأكدت د. هند أن أحد الحلول المهمة أن يكون هناك تواصل حي وإيجابي بين التخصصات المختلفة، مثل هذا اللقاء مع د. إمام والأساتذة المشاركين وضرورة تكرار لقاءات مثله تساهم في تطوير الرؤية وتساعد على الإنتاج بشكل أفضل وتوضح وجهات النظر المختلفة بما يحقق نقلات مهمة و يحدث تراكم علمي ومعرفي .
واتفق الحاضرون على وجوب ممارسة الاجتهاد الفكري، وأكدت المشارِكات أنهن يحاولن من خلال دراساتهن ممارسة نوع من الاجتهاد من منطلق اجتماعي بحكم تخصصاتهن .. هذا النوع من الاجتهاد ينتج أفكارا جيدة يمكن للفقيه أن يسترشد بها أو يأخذها فيؤصلها، وله أن يرفضها مع تنبيهنا لأسباب الرفض حتى تعم الفائدة.