مفهوم نهاية التاريخ عند المسيري وفوكوياما

مفهوم نهاية التاريخ عند المسيري وفوكوياما

أ. أحمد محمد على *

نهاية التاريخ مفهوم سياسي وفلسفي يفترض أن نظامًا سياسيًا أو اقتصاديًا أو اجتماعيًا معينًا قد وصل إلى مستوى من الاكتمال والنضج بحيث يشكل نقطة النهاية لتطور البشرية.

ويختلف مفهوم نهاية التاريخ عن أفكار نهاية العالم كما تم التعبير عنها في الديانات المُختلفة، والتي تتنبأ دمارًا كاملاً للأرض أو للحياة على الأرض، ونهاية الجنس البشري.

بينما نهاية التاريخ End of History هي حالة تستمر فيها حياة الإنسان إلى ما لا نهاية في المستقبل دون أي تغييرات رئيسية جديدة في المجتمع أو نظام الحكم أو الاقتصاد، أي أن المجتمع قد وصل لمستوي تطور معين ولا يوجد بديل أفضل منه، فيصبح التاريخ سكونياً تماماً، خالياً من التدافع والصراعات والثنائيات والخصوصيات، وسيُسيطر الإنسان سيطرة كاملة على بيئته وعلى نفسه، وسيجد حلولاً نهائية حاسمة لكل مشاكله وآلامه[1].

وفكرة نهاية التاريخ (دون المصطلح) ليست فكرة جديدة أو مُستحدثة، بل هي فكرة كان لها دعاة منذ القدم بدءاً من الفكر اليوناني، فأفلاطون رأي أن نهاية التاريخ تكون بارتقاء الروح الإنسانية من عالم الواقع إلى عالم المُثل، حيث يجمع بين النزعة الروحية والنزعة العقلية وذلك عن طريق إيمانه بالفلسفة التي تستطيع أن تخلص النفس وتدخلها النعيم. بينما أرسطو في كتابه “السياسة” ربط نهاية التاريخ بنهاية النظم السياسية الفاسدة[2].

واعتبر “هيغل” ان انتصار الثورة الفرنسية 1806م كان إيذاناً بإعلان نهاية التاريخ، حيث يعتبر هيغل أن في انتصار مجتمع أو دولة نهاية للتاريخ، وهو ما تحقق بانتصار الثورة الفرنسية. وربما استند فوكوياما في بناء نظريته عن “نهاية التاريخ” على الكثير من أفكار هيغل كما سنري في تحليلنا لفكر فوكوياما.

بينما اعتقد كارل ماركس أن تطور التاريخ يسير نحو انتصار القوي المادية، وبالتالي فإن نهاية التاريخ تتمحور في تحقيق الشيوعية وانتصارها.

مفهوم “نهاية التاريخ” في فكر عبد الوهاب المسيري:

عبد الوهاب محمد المسيري، مفكر وعالم اجتماع مصري، وهو مؤلف موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية” أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين، والذي استطاع من خلالها -برأي البعض- إعطاء نظرة جديدة موضوعية وعلمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام. تخرج المسيري من كلية الآداب جامعة الاسكندرية قسم اللغة الإنجليزية عام 1959 وعين معيداً فيها عند تخرجه. سافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرسي عام 1969.

عند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 ـ 1988)، كما عمل أستاذا زائرا بالجامعة الإسلامية العالمية (ماليزيا)، وعضو مجلس خبراء في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (1970 ـ 1975)، ومستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك (1975 ـ 1979).

صدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية وعن نقد الفكر الحداثي وما بعد الحداثي، ويعتبر واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيونية.

  • سياق ومفهوم نهاية التاريخ عند عبد الوهاب المسيري

يعتبر مفهوم نهاية التاريخ مدخل من مداخل المسيري لنقد الفكر الغربي.

وقد استخدم الدكتور المسيري مصطلح “نهاية التاريخ” لأول مرة عام 1965 حينما كان يكتب رسالة الدكتوراه عن الشاعر الأمريكي “وولت ويتمان” الذي وصفه بأنه شاعر مادي يقارن بين الروح والمادة. ووفقاً لويتمان الإنسان إن هو إلا جزء لا يتجزأ من الكون ووعيه لا يتجاوز الطبيعة، بل عليه أن يتكيف معها ويذعن لها. كما أن إيمان ويتمان المطلق بالمادة وعداؤه للإنسان الطبيعي يترجمه في محاولته الوصول إلى نهاية التاريخ وإلى اليوتوبيا التكنولوجية.

وكان ويتمان يري أن أمريكا هي هذا الفردوس الأرضي الذي تسود فيه قوانين المادة، وسيتحقق فيها قمة التطور التاريخي السابق كله، فهي دولة العلم والتكنولوجيا التي ستهدم التاريخ وتعلن نهايته (وذلك قبل أن يتحدث فوكوياما في نهاية الثمانينات عن نهاية التاريخ)[3].

ثم استخدم المسيري مصطلح “نهاية التاريخ” بشكل أكثر شمولاً في كتابه “نهاية التاريخ” عام 1972، لوصف النظم الشمولية الفاشية. وبين المسيري أن مثل هذه النماذج تحوي داخلها دائماً “قابلية لإعلان نهاية التاريخ”.

يرى المسيري أن النظم الفاشية تعتقد أن قوانين الطبيعة المادية العلمية ستتطور بالتدريج، وستمر بمراحل عديدة تصيب فيها أحياناً وتخطيء أحياناً أخري، ومع اتساع العلم والتكنولوجيا سيختفي الجهل بالتدريج إلى أن تصل المجتمعات إلى مرحلة الاستنارة، وهذا يعني الوصول لنهاية المطاف، وبالتالي تُحل جميع المشاكل، ومع التطور الكبير للعلم سيتواري دور الإنسان ويختفي، أي ستحل المادة محل الإنسان، وهنا تكون نهاية التاريخ ونهاية الإنسان ككائناً مركباً متعدد الأبعاد[4].

ثم تناول المسيري الموضوع مرة أخري عام 1979 في كتابه “الفردوس الأرضي”، حيث تحدث عن الإنسان الطبيعي والإنسان التاريخي:

  • فالإنسان الطبيعي كائن رباني، كما أسماه المسيري، يحمل في تكونه نفخة من روح الله، وله حدوده، وبينه وبين خالقه مسافة. وكلما ابتعد عن الله وتجاهل أصله الرباني، اتسعت هذه المسافة وأصبحت هوة.
  • والإنسان التاريخي هو الإنسان الاستهلاكي الذي يذوب في الحركة الاقتصادية ويمحو خصائصه وثقافته التي تميزه، أي كل ما يجعله يختلف عن الحضارات الأخرى.

وفي كتابه “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان”، الصادر عام 2002 يقول المسيري أنه في الفترة الأخيرة شاعت مقولة نهاية التاريخ وهي تعني أن التاريخ سيصل لنهايته وأن كل شيء سيرد إلى مبدأ عام واحد طبيعي مادي يفسر كل شيء ولا يفرق بين الطبيعي والإنساني، وسيسيطر الإنسان سيطرة كاملة على بيئته ونفسه ويجد حلولاً علمية نهائية وحاسمة لكل مشاكله وآلامه، فدعاة نهاية التاريخ يتصوروا أن العلم سيؤدي إلى معرفة يقينية شاملة، وعلى الرغم من أن هذه التصورات فقدت مصداقيتها في الأوساط العلمية إلا أنها مازالت سائدة في التصورات الصادرة عن بعض الأوساط في العلوم الإنسانية، ومازالت إشكالية نهاية التاريخ إشكالية كامنة في كثير من النظم الفلسفية[5].

وفي ذات السياق أشار الدكتور المسيري أن العالم سيحكمه إيقاع ثلاثي يتمثل في:

– المصنع حيث ينتج الإنسان.

– والسوق حيث يستبضع الإنسان.

– وأماكن الترفيه حيث يفرغ الإنسان ما فيه من طاقة.

وبذلك نجد أن ذلك الإيقاع يستوعب الأبعاد المختلفة في الإنسان (البعد الاقتصادي والبعد الجسماني)، وبسيطرة هذا الإيقاع الثلاثي على العالم يظهر النظام العالمي الجديد وأيديولوجيات نهاية التاريخ وما بعد الحداثة.

ويقول المسيري “إن روح ما بعد الحداثة تعبر عن روح رأسمالية الشركات متعددة القوميات، حيث قام رأس المال (هذا الشيء المجرد المتحرك الذي لا يكترث بالحدود أو الزمان أو المكان) بإلغاء الخصوصيات، كما ألغي الذات المتماسكة التي يتحد فيها التاريخ والعمق والذاتية، وحلت القيمة التبادلية العامة محل القيمة الأصلية للأشياء”.

وعند سيطرة النظام العالمي الجديد سيختفي الإنسان كونه إنسان ويظهر الإنسان المؤمن بالمادة الذي يشبه الاّلة الصماء يتعامل مع الواقع ونفسه بحيادية كبيرة تشبه حيادية الطبيعة لا يؤمن بالقيم ولا الأهداف ولا الإنسانية.

كما يري الدكتور المسيري بأن مصطلح نهاية التاريخ ينتمي إلى عدد من المفاهيم والمصطلحات الأخرى التي تصف بعض جوانب منظومة الحداثة الغربية والتي تعني انتهاء شيء ما والقضاء عليه، والتي تستخدم مصطلحات من قبيل (يفكك أو يقوض وما بعد الحداثة وما بعد الصناعي وما بعد الرأسمالي وما بعد التاريخ) والتي تعني في واقع الأمر “نهاية التاريخ”[6].

يفرق المسيري أيضاً بين مفهوم نهاية التاريخ ومفهوم يوم القيامة. فيوم القيامة هو نقطة تقع خارج الزمان، في الاّخرة. أما نهاية التاريخ، فتتحقق داخل الزمان الإنساني وعلى الأرض، حيث يؤسس الإنسان الفردوس النهائي الذي يسعي إليه، ويربط المسيري الفردوس النهائي هنا بالنظم الفاشية كالصهيونية التي تسعي لاحتلال أرض ليست بأرضها وتوطين اليهود “بأرض الميعاد”. أيضاً يربط المسيري الفردوس النهائي بالتطور التكنولوجي الغربي وحينذاك ستحل المادة محل الإنسان وتكون هي الغاية النهائية، وعندها سيتواري الإنسان الطبيعي بما ميزه الله من صفات لتحل المادة والتكنولوجيا محله، وعندها ينتهي التاريخ[7].

كما تحدث المسيري عن الفردوس الأمريكي الأرضي والحضارة الأمريكية، وبين التشابه الكبير بين أمريكا واسرائيل، ويرى أن أهم صفة مشتركة بينهما أن كليهما مجتمع استيطاني يترك هويته القديمة ويستحدث قومية وتراث جديد ليعيش به في أرض الميعاد.

وذهب المسيري إلى أن المجتمعات الاستيطانية من أكثر المجتمعات عداءً للتاريخ ومن أكثرها سعياً لإعلان نهايته، كما أن المجتمعات الاستيطانية هي أكثر المجتمعات تطرفاً. فالمستوطنون البيض الأوائل في الولايات المتحدة كانوا ينظرون إلى أمريكا الشمالية باعتبارها أرضاً عذراء، بلا تاريخ ولا ذاكرة ولا بشر. وكان هذا يعني ضرورة وضع حل جذري ونهائي للمشكلة الديموجرافية، أي مشكلة وجود السكان الأصليين في أرض الميعاد، وضرورة استئصال شأفتهم تماماً[8]، وهو نفس تصور الصهاينة لفلسطين فهم يدعون أنها أرض بلا شعب، فكلا الفريقين ينكر تاريخ الأرض التي أغتصبها، لينكر على المواطنين الأصليين إنسانيتهم[9].

كما ربط المسيري نهاية التاريخ بالعصر الحديث، فالحضارة الحديثة المرتبطة باّليات السوق، وبالعرض والطلب، هي حضارة مرتبطة باّليات بسيطة لا تعرف تركيبية الإنسان وتنكر مقدرته على التجاوز، فهو إنسان مادي فقط (يتنازل عن كل شيء مقابل المنفعة المادية)، وعقله عقل أداتي يغرق في التفاصيل والإجراءات، ولا يمكنه إدراك الأنماط التاريخية ولا تطوير وعيه التاريخي. فالسوق والمصنع باّلياتهما البسيطة يتطلبان إنساناً طبيعياً مادياً بسيطاً، ليست له علاقة بالإنسان كإنسان “الإنسان المركب”. والمجتمعات الاستهلاكية التي لا تحكمها إلا اّليات العرض والطلب والاستهلاك والإنتاج تزعم أنها قادرة على إشباع جميع رغبات الإنسان المادية والروحية من خلال مؤسساتها الإنتاجية والتسويقية والترفيهية[10].

ويُلاحظ في العصر الحديث تزايد أهمية البيروقراطية والتكنوقراطية والتحكم في البشر من خلال الهندسة الوراثية والبيولوجيا الاجتماعية، وهذه علامة على شيوع فكرة نهاية التاريخ كما يرى المسيري.

إذن يمكننا القول إن فكرة “نهاية التاريخ” كما رأها المسيري هي فكرة مُرتبطة بمفهوم “المادة” أو الفلسفة المادية، فحين أقام الغرب ماديَّته وآمَن بها، جعَلَها رؤيةً شاملةً للكون والإنسان والحياة، واستَبعَد وجودَ الخالق، بل حتى مع الإيمان بوجوده استَبعَد تدبيرَه وقيامه بأيِّ تشريع أو نِظام؛ لأنَّه يرى أنَّ الكون فيه من القوانين ما يجعَلُه لا يَحتاج لقوَّةٍ خارجيَّة تفسِّر أحداثه؛ لأنَّ القوانين الماديَّة عنده فاعلةٌ ومؤثِّرة ومتحكِّمة في الكون والحياة والإنسان، فلا حاجةَ لأيِّ مؤثِّر خارج المادة؛ لأنَّ الكون بآليَّاته الموجودة مُكتَفٍ بذاتِه. وهذا يعني الاعتقاد بمبدأ واحد هو وحده مصدر الكون ومرجع وحدته وتناسُقه والضابط لنظامه، وهي قوَّة ماديَّة خالِصَة موجودة في المادَّة وجودًا ضروريًّا عندهم وهي المسيطرة والمتحكمة في التاريخ، والمحققة لفكرة نهاية التاريخ.

مفهوم “نهاية التاريخ” في فكر فرانسيس فوكوياما:

ولد فوكوياما (وهو أمريكي من أصل ياباني) في 27 أكتوبر 1952، وحصل على درجة البكالوريوس في الدراسات الكلاسيكية من جامعة كوريل، وعلى الدكتوراه من جامعة هارفارد في العلوم السياسية، وكان عضواً في لجنة السياسات والتخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية. وينتمي فوكوياما إلى تيار المحافظين الجدد.

  • سياق ومفهوم نهاية التاريخ عند فرانسيس فوكوياما

تبنى فوكوياما لأول مرة مفهوم نهاية التاريخ في مقال له نشر في مجلة “The national interest” خلال عام 1983 تحت عنوان “نهاية التاريخ”، ويقول فرانسيس فوكوياما لقد طرحت في ذلك المقال الفكرة التالية “يبدو أنه قد ظهر توافق مدهش في السنوات الأخيرة يتعلق بالديمقراطية الليبرالية كنظام للحكم لأنها انتصرت على الإيديولوجيات المنافسة كالنظام الملكي الوراثي والفاشية وأخيراً الشيوعية، ويقول فوكوياما “لقد أشرت فضلاً عن ذلك إلى أن الديمقراطية الليبرالية بإمكانها أن تشكل فعلاً منتهي التطور الأيديولوجي للإنسانية”[11].

وربما يُعد الكتاب الذي طور فيه فوكوياما ما جاء بمقاله من أهم ما صدر على الصعيد الإيديولوجي في الغرب الأمريكي بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي وزوال ما كان يعنيه مصطلح المعسكر الشرقي[12]‘ فقد قام بمحاولة بلورة فكر جديد يقوم على الأحادية القطبية، أي على نظام واحد يسير وفقه العالم وهو النظام الليبرالي.

استند فوكوياما لنظرات هيغل لنهاية التاريخ والتي اعتبرها انعكاس لما حصل في الثورتين الأمريكية والفرنسية والتي تمثل في وصول كل منهما إلى أعلي مراحل تطورها في جميع الجوانب، فهنا ينتهي التاريخ، فنهاية التاريخ لا تعني عند كلً من هيغل وفوكوياما نهاية أحداث تاريخية بل نهاية إيديولوجيات.

وهنا يحاول فوكوياما تمرير فكرة نهاية التاريخ أو بالأحري نهاية الإيديولوجية إلى العالم عن طريق وصفه لإيجابياتها التي يطمح لها العالم بأسره، وهي الحد من الحروب والثورات والقتل والخسائر المادية والبشرية. يؤكد فوكوياما هذا في قول: “تعني نهاية التاريخ نهاية الحروب والثورات الدموية، فباتفاقهم على الغايات تزول القضايا الكبري التي يتقاتل الناس باسمها”[13]. إذن يعتبر فوكوياما أن توحيد الإيديولوجيا هو الذي سينهي الصراعات بين الناس والدول، فعندما تصبح الإيديولوجيا واحدة لا يكون هناك أي صراعات أو قضايا يختلف عليها، ويظهر محل الاختلاف الاعتراف والتفاهم. ويحدد فوكوياما الإيديولوجية الليبرالية باعتبارها آخر الإيديولوجيات وأنجحها في تحقيق السلام والنظام الدولي الصحيح.

وقد ذهب فوكوياما إلى القول بأن الديمقراطية في تزايد مستمر حيث يقول “هناك بمضي الوقت نمو عام وضخم في عدد الديمقراطيات في مختلف أنحاء العالم، أضف إلى ذلك أن نسبة سكان العالم الذين يحيون في ظل نظم الحكم الديمقراطية ستزيد زيادة حاسمة”[14]. ويؤكد فوكوياما إن فكرة الديمقراطية تاخذ حيزاً هاماً من اهتماماته حيث يري أن غيابها يسفر عن مشاكل لا حصر لها داخل المجتمع، وذهب بالقول بأن الديمقراطية تتجه نحو وجهة عالمية تتميز بالتجانس ليخرج بنتيجة قطعية بأن التاريخ يقود الإنسان بطريقة أو بأخرى إلى الديمقراطية الحرة[15].

وقد أعلن فوكوياما عن نهاية كل النظم السياسية والاقتصادية التي أنتجتها الحضارات البشرية، باعتبار أن جل الأنظمة التي تبنتها دول العالم مليئة بالتناقضات، لهذا فهي لم تنجح ولم تحقق أي تفوق مقارنة بالنظام الديمقراطي الذي لاقي نجاحاً كبيراً، فالنظام السياسي عند فوكوياما يٌبني على ثلاثة أعمدة رئيسية هي: (الدولة وحكم القانون والمحاسبة)، ويبدو أن فوكوياما اهتم بإرادة الدولة أكثر من اهتمامه بالحريات، فالديمقراطية والليبرالية لا تعني الحرية الفردية فقط التي قد تسمح لمجموعات المصالح بفرض رأيها، ولكنها تعني فرض إرادة القانون لتحقيق مصالح الناس في رأيه[16].

ويؤكد فوكوياما في كتابه “نهاية التاريخ” على محور جوهري “فليس التاريخ سلسلة عمياء من الأحداث.. وإنما هو كل ذو مغزي نمت فيه أفكار بشرية حول طبيعة النظام السياسي والاجتماعي ومضي بها إلى غايتها.. وإن كنا اليوم قد بلغنا مرحلة لا نستطيع معها تخيل عالم شديد الاختلاف عن عالمنا”[17]. فلا يبقي في نهاية التاريخ أي منافس حقيقي للديمقراطيات الليبرالية، وعلى الشعوب حب الليبرالية الديمقراطية والتي تشكل هذه الأخيرة، وحسب وجهة نظر فوكوياما مرحلة نهاية التطور الإيديولوجي للإنسان وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغة نهائية للحكومة البشرية، بغض النظر عن كيفية تجلي هذه المبادئ في المجتمعات المختلفة.

يمكن القول إن الفكرة الجوهرية في نهاية التاريخ تقوم على أساس فكري أيديولوجي ألا وهي انتصار الديمقراطيات الليبرالية التي تشكل نهاية التطور الأيديولوجي للإنسانية، وقد اعتبرها فوكوياما محور نظريته، وقد تطرق في كتابه إلى مواضع عديدة خاصة السياسية منها، وان إشكالية نهاية التاريخ هي محاولة للإجابة عن سؤال قديم ربما يكون الفكر الديني هو السابق في طرحه، وأن مصطلح أو مفهوم نهاية التاريخ لم يقصد به فوكوياما النهاية المادية للتاريخ وإنما كان يقصد به النهاية الفكرية التي دل إليها العالم نتيجة لانتصار الديمقراطيات الليبرالية[18].

يفترض فوكوياما تلاقي المنظومات العالمية السياسية والاقتصادية، وبالتالي منظومات القيم وإن الديمقراطية والرأسمالية قد انتصرت ولا يوجد في الأفق قوي قد تنتج عنها أحداث مهمة.

وقد انطلق فوكوياما من فرضية أساسية وهي هزيمة الأيديولوجيات السياسية والتي وفقاً له لا تكتسب الصفات العالمية كالإيديولوجيا الصينية والإسلامية، وقد عرض فوكوياما في أطروحته التناقض الحاصل بين أنظمة الحكم عبر تاريخ الإنسانية من الملكيات والأرستقراطيات، إلى الحكومات الدينية الخاضعة لرجال الدين، إلى الديكتاتوريات التي تشبه الشيوعية، وقد أضاف بأن جميع الأيديولوجيات والنظم لم تصل ولا يمكن أن تصل إلى عالمية الليبرالية الديمقراطية[19]. فالحجج الإيديولوجية للأخرين لا يمكنها أن ترتقي إلى منافسة ومقارنة الديمقراطية الليبرالية.

كما رأي فوكوياما أن سقوط الإتحاد السوفيتي واكتساح الديمقراطية الليبرالية أرجاء العالم وانهيار الأنظمة وانتصار فكرة الأسواق الحرة كل ذلك صد باب التاريخ وأدي إلى نهايته الأبدية والتي وفقاً له لن يبرز في أفقها أي مؤشر جديد.

وقد أبرز فوكوياما في نظريته التبشير بهيمنة القيم الغربية على العالم وقيادتها لمسيرة البشرية، وقد أدى انهيار الشيوعية إلى حسم الصراع بين الأيديولوجيات السياسية وانفراد أمريكا بالسيطرة، وبالتالي فإنه – ومن الطبيعي حسب وجهة نظر فوكوياما- انصهار جميع شعوب العالم في حلقة حضارية واحدة، كيان حضاري واحد متجانس وفق النموذج الغربي ووفق سلطة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر مركز العالم والقائد الوحيد له، ففوكوياما يقدس النموذج الغربي وينفي وجود ثقافة أو سياسة أخري غير الغربية. ووفقاً لنظرية فوكوياما، فإن الديمقراطية قد أثبتت في تجارب متكررة منذ الثورة الفرنسية وحتى وقتنا هذا أنها أفضل النظم التي عرفها الإنسان سواء من الناحية الأخلاقية أو السياسية، ولا يعني فوكوياما أن أحداث الظلم والاضطهاد في التاريخ قد انتهت، وإنما التاريخ هو الذي انتهي، حتى وإن عادت النظم الاستبدادية للحكم فإن الديمقراطية كنظام وفلسفة ستقوي أكثر مما هي عليه.

 الخلاصة، يمكن القول بأن الفكر السياسي لفوكوياما في نظريته “نهاية التاريخ” تتمحور حول نقطة جوهرية وهي الليبرالية الديمقراطية التي انتهي اليها التاريخ والعالم، وأن أمريكا قد تربعت على عرش التاريخ البشري ولا توجد أيديولوجية ما يمكن أن تتحدي الديمقراطية، وأكد فوكوياما بأن التاريخ في شتي مجالاته قد وصل إلى مثله الأعلى.

 إذن يمكن اعتبار فكرة نهاية التاريخ المنطلق الأساسي للإنسان الغربي لتحقيق قوته وسيطرته على العالم، وكذلك بداية السيطرة على الطبيعة، فالذات الأوروبية اعتبرت نفسها في هذه اللحظة الحضارية المصدر الأول والوحيد والمميز للمعرفة، وبالتالي هي التي ستحقق نهاية التاريخ للإنسانية.

  • نقد نظرية نهاية التاريخ عند فرانسيس فوكوياما

ثمة ملاحظات وانتقادات يمكن أن توجه إلى أطروحة فوكوياما في تكوينها الداخلي كمنظومة فكرية منها:

  1. تجنب فوكوياما التعرض إلى دور الاستعمار في تطور المجتمعات الإنسانية ودور الإمبريالية الرأسمالية في التمهيد لانتصار الليبرالية واتجاه بوصلة التاريخ نحو النهاية، وبذلك أغفل عن عمد أو بدون وعي في تحليله التاريخي أن النظام العالمي الجديد الذي بشر به على الصعيد الفكري والذي يعلي مبادئ الحرية والديمقراطية إنما يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإمبريالي الذي كان في سبيل تسويق فائض إنتاجه لا يتورع عن استعباد الشعوب وإبادتها.
  2. فوكوياما لم يستثمر المعلومات التاريخية المتوافرة عن بعض المجتمعات ذات الخصوصية التاريخية مثل المجتمعات الإسلامية. فباستثناء إشارات شاحبة حول إيران فإن كتابه لا يتضمن سوى معطيات هزيلة من تاريخ المجتمعات الإسلامية ودورها في مستقبل الصراع العالمي وبناء المجتمع الدولي الجديد.
  3. تنطلق أطروحة فوكوياما من إيديولوجية تبناها النظام الدولي الجديد حتمت عليه الدخول في ترتيبات جديدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي ودخول العالم منعطفا جديدا. ومعروف أن كل نظام جديد يمثل منظومة فكرية متكاملة لا بد أن يستند على رؤية معرفية وغطاء فكري يبرراه ويروجان لديمومته، وهذا ما يفسر بروز مجموعة من النظريات التي صاحبت هذا التحول، من أكثرها شيوعا نظرية صموئيل هانتجتون القائلة بصدام الحضارات، ونظرية ما بعد الحداثة ونظرية تسارع التاريخ، وكلها نظريات روجت لفكرة الليبرالية الديموقراطية وحتمية سيادتها في النظام الدولي الجديد. ولم تخرج نظرية فوكوياما عن هذا المسار، إذ اتخذت على عاتقها مسؤولية الترويج لفكرة الإجماع العالمي حول الليبرالية الديموقراطية والالتفاف حول النظام الليبرالي كحل نهائي تنشده الإنسانية، وبذلك انتهت الحرب الباردة ومسألة الصراع الإيديولوجي لينتهي معها التاريخ. وهكذا يصبح فوكوياما مجرد أداة يستخدمها النظام الدولي الجديد وبوق دعاية لهذا النظام في مرحلته التأسيسية، وتتحول نظريته من نظرية فلسفية إلى خطاب سياسي إيديولوجي يبشر بأبدية الرأسمالية في ثوبها الجديد، وانتفاء إمكانية مناهضتها بسبب قوة المنتصر وديمومته وهزيمته النهائية لأعدائه[20].
  4. صدرت دراسة للبروفسير ستيوارت سيم بعنوان: “ديريدا ونهاية التاريخ” أوضح فيها الباحث أن دريدا يرى في نظرية فوكوياما “حيلة أيديولوجية لبث الثقة في النفس”، فهذا الانتصار المزعوم للرأسمالية الليبرالية وحليفها الطبيعي الديمقراطية الليبرالية لم يكن في أي مرحلة من مراحله أكثر هشاشة وضعفا.

ويرى ديريدا أن القول بنهاية التاريخ إنما يعني قمع أي معارضة سياسية أو أيديولوجية للأنظمة الأيديولوجية السائدة.

ويخلص ديريدا إلى أن فوكوياما أساء قراءة الحالة السياسية المعاصرة، وأن المثال الليبرالي الديمقراطي الذي يزعم بانتصاره النهائي لا يزال يعاني كثيرا من المشكلات الهيكلية ومن التصدعات داخل العالم الغربي نفسه، مثلما حدث عند الخلاف حول الحرب في العراق.

  1. من ناحية أخرى يقول سمير امين في بحثه المعنون: “نقد مقولة نهاية التاريخ” “لقد فات فوكوياما أن فكرة نهاية التاريخ هي في الواقع فكرة قديمة قدم الإنسانية، فالأيديولوجيات المهيمنة ترى دائما نظامها أبديا، فقد تم تكريس فكرة نهاية التاريخ في مراحل تاريخية سابقة على العقيدة الدينية، وألا ترى هذه العقائد الدينية نفسها على أنها تقدم إجابات “نهائية”؟ أما اليوم، في عالم الرأسمالية، وبما أن مرجعية المشروعية الاجتماعية أصبحت تقوم على الفعالية الاقتصادية فيلجأ الخطاب السائد إلى نسب طابع أبدي لقوانين السوق حتى يكرس فكرة نهاية التاريخ، ولم يدرك فوكوياما أن انتقال مرجعية المشروعية من مجال العقيدة الدينية إلى مجال الفعالية الاقتصادية إنما هو في حد ذاته انعكاس لتحول آخر تم في باطن هيكل النظام الاجتماعي، فأدى إلى هيمنة الاقتصاد في إعادة إنتاج المجتمع، حتى احتل المجال الاقتصادي مكانة العقيدة الدينية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قائمة مراجع إضافية:

في نهاية هذه الورقة التي تناولت مفهوم نهاية التاريخ بدءًا من التتبع الزمني له، ووصولاً لعرضه بصورة مفصلة عند كلاً من الدكتور عبد الوهاب المسيري والمفكر الغربي الأمريكي فرانسيس فوكوياما. نود الإشارة إلى أن الباحث استند إلى مجموعة من المصادر والمراجع في كتابة هذه الورقة – خلافاً لما تمت الإشارة إليه في هوامش الدراسة – ومن هذه الدراسات ما يلي:

  1. عبد الوهاب المسيري، “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة”، (دار الشروق، الطبعة الخامسة، القاهرة، 2009).
  2. عبد الوهاب المسيري، “رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمار”، (دار الشروق، الطبعة الاولي، 2005).
  3. فرانسيس فوكوياما، “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، تقديم مطاوع صفدي،ترجمة فؤاد شاهين واّخرون، (مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، 1993).
  4. قيس ناصر راهي، “نهاية التاريخ للمفهوم وحضوره المعاصر”، (المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العتبة العباسية المقدسة، الطبعة الأولي، 2017).
  5. سمية قوادر، “الأبعاد السياسية لنهاية التاريخ عند فوكوياما”، (مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجيستير في الفلسفة، جامعة محمد بوضياف بالمسلية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم الفلسفة، 2017).
  6. مسعودة قتاتلية وعفاف معوشي، “فلسفة التاريخ عند فرانسيس فوكوياما”، (مذكرة مقدمة لنيل درجة الماجيستير في الفلسفة، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، قسم الفلسفة، 2018).
  7. إبراهيم القادري بوتشيش، “حول مسألة نهاية التاريخ: تأملات في أطروحة فوكوياما”، على الرابط التالي:

https://www.aljabriabed.net/n44_02butchich.ht

* باحث ماجستير في العلوم السياسية، جامعة القاهرة.

[1] عبد الوهاب المسيري، “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة”، (دار الشروق، الطبعة الخامسة، القاهرة، 2009)، ص 258.

[2] أمين أمين ذكي، “قصة الفلسفة اليونانية”، (مطبعة دار الكتاب المصرية، الطبعة الثانية، القاهرة، 1953)، ص 105.

[3] المرجع السابق، ص 265.

[4] المرجع السابق، ص266.

[5] رضوى منتصر، “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان”، (مركز خطوة للتوثيق والدراسات، 8 أبريل 2019، القاهرة)، على الرابط التالي:

http://www.khotwacenter.com/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D9%81%D9%83%D9%8A%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86/

[6] عبد الوهاب المسيري، “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة”، (مرجع سبق ذكره)، ص ص 258- 259.

[7] المرجع السابق، ص 259.

[8] مرجع سبق ذكره، ص 269.

[9] عبد الوهاب المسيري، “رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمار”، (دار الشروق، الطبعة الاولي، 2005)، ص 495.

[10] المرجع السابق، ص 496.

[11] فرانسيس فوكوياما، “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”، ­تقديم مطاوع صفدي، ترجمة فؤاد شاهين واّخرون، 1993، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، ص15.

[12] المرجع السابق، ص5.

[13] المرجع السابق، ص270.

[14] المرجع السابق، ص159.

[15] مسعود طاهر، “مراجعات نقدية لمقولات فوكوياما”، (مجلة البحرين الثقافية، العدد 16، 1998)، ص ص. 37-38.

[16] جليلة نقري، “نهاية التاريخ في الفلسفة الغربية المعاصرة: فرانسيس فوكوياما نموذجاً”، (مذكرة مقدمة لاستكمال متطلبات شهادة الماجيستير، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، 2014)، ص ص. 37-40.

[17] فرانسيس فوكوياما، “نهاية التاريخ والإنسان الأخير، مرجع سبق ذكره. ص 58.

[18] سعيد يحيي قاعود، ” أطروحات فوكوياما وهينتغتون والنظام العالمي الجديد: دراسة تحليلية مقارنة”، (مركز البيانات والدراسات، الرياض، 2014)، ص 74.

[19] المرجع السابق، ص ص. 73-75.

[20] فيصل الدراج: “النظام الدولي الجديد وإيديولوجيا نهاية التاريخ”، (مجلة الطريق، يوليو 1995)، محمد وقيدي، “التاريخ الذي لم ينته بعد والتاريخ الذي لم يبدأ بعد”، (مجلة فكر ونقد، مارس 1998).

عن أحمد محمد علي

شاهد أيضاً

دراسات حول الصهيونية

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

في الخطاب والمصطلح الصهيوني

الصهيونية وخيوط العنكبوت

الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة

الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ

قوة القداسة: تصدع الدنيوة واستعادة الديني لدوره

تأليف: د. عبد الرزاق بلعقروز

عرض: أ.نسرين حسن

تكون كتاب "قوة القداسة" من مدخل ثم ينقسم الى قسمين: القسم الأول: الإطار النظري ويتكون من ثلاثة فصول. والقسم الثاني الإطار التطبيقي ويتكون من فصلين. ثم تأتي خاتمة عامة للكتاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.