الثورة الرابعة

العنوان: الثورة الرابعة: كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني.

المؤلف: لوتشيانو فلوريدي.

المترجم: لؤي عبد الحميد السيد.

مكان النشر: الصفاة “الكويت”.

الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

سنة النشر: 2017.

الوصف المادي: 317 ص.، 23 سم.

السلسلة: عالم المعرفة؛ ع. 452.

يضيف لوتشيانو فلوريدي (1964) بهذا الكتاب حلقة جديدة في سلسلة مؤلفات قام بها حول العالم الرقمي ومجتمع المعلومات. فلوريدي أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات في جامعة أكسفورد، وهو مدير لـ “مختبر الأخلاقيات الرقمية” في الجامعة ذاتها، كما يشغل مواقع أكاديمية ومهنية في جامعات ومراكز بحثية عدّة أخرى. ويُعرَفُ عنه تخصصه الأكاديمي البحثي في نطاق فلسفة المعلومات وأخلاقياتها وكذلك في أخلاقيات الكومبيوتر، وقد نشر عدداً من الكتب المرجعية المهمة في هذا المجال، ومن هذه الكتب: “دليل راوتليدج المرجعي في فلسفة المعلومات (2016)” ، و”أخلاقيات المعلومات (2015)” ، و”فلسفة المعلومات (2013)”، و”المعلومات: مقدمة قصيرة جداً (2010)”، و”دليل بلاكويل إلى فلسفة الحوسبة والمعلومات (2003)”، و”الفلسفة والحوسبة: مقدّمة (1999)”، و”الإنترنت: مقالة إبستمولوجية (1997)”، و”الذكاء المُعزّز: دليل الفلاسفة إلى تقنية المعلومات”.[1]

يرى الكاتب في مقدمة كتابه القيم أن الفرص العظيمة التي تقدمها تكنولوجيات المعلومات والاتصالات تأتي متلازمة مع مسؤولية فكرية ضخمة من أجل تحقيق أقصى استفادة منها مع تجنب سوء عواقبها، ويتسنى تحقيق هذا الهدف من خلال فلسفة جديدة للتاريخ تحاول إيجاد معنى ومنطق لعصرنا من خلال بناء إطار فكري يساعدنا على إدراك الدلالات لمأزقنا الجديد. فنحن بحاجة إلى الفلسفة لنوجه الأثر الأخلاقي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات علينا وعلى بيئتنا ولتحسين الديناميات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمعلومات.

وقد قصد الكاتب من عنوان كتابه “الثورة الرابعة” المرحلة التاريخية الحالية للبشرية حيث المعلومات والتقنيات المتصلة بالصناعات المعلوماتية واقتصاد المعرفة تشكل المادة المؤثرة والمحركة في هذه الثورة. أما الثورات الثلاثة السابقة فيقصد بها فلوريدي الكوبرنيكية والداروينية والفرويدية، والملاحظ أن كل ثورة من هذه الثورات كانت قد اعتمدت مفهوماً ثورياً جديداً للوجود والكون والحياة.

 ويقوم الكتاب بتناول فلسفي دقيق وعميق لأثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية على إدراكنا لذواتنا وللعالم من حولنا، والكيفية التي أصبحنا نتفاعل بها مع العالم في ظل الرقمنة، وفى هذا السياق يقدم لوتشيانو تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا بوصفها أدوات للتواصل والتفاعل مع العالم ومع بعضنا البعض لكن بوصفها قوى بيئية وأنثروبولوجية واجتماعية وتفسيرية تخلق وتشكل واقعنا الفكري والمادي. وعلى الرغم من وقوف فلوريدي على مجموعة من الجوانب الخطيرة للعالم الرقمي إلا أنه يسلط الضوء بإيجابية على مدى قدرتنا لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، محاولاً الإجابة عن إمكانية تحويل العالم إلى بيئة صديقة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتأثير ذلك على مفاهيمنا وواقعنا ورؤيتنا له.

الفصل الأول

الزمان: التأريخ المفرط

 عندما أصبحت نظم تسجيل الأحداث متاحة، ومن ثم أصبح متاحاً تراكم ونقل المعلومات للاستخدام اللاحق، حينئذ فقط بدأ استنباط الدروس المستفادة من الأجيال السابقة يتزايد بصورة مطردة، وهكذا دخلت البشرية في التأريخ. وعلى هذا الأساس قسم الكاتب التاريخ إلى ثلاثة مراحل: مرحلة حياة الإنسان الأولى (ما قبل التأريخ) حيث لا وجود لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات نهائياً، ومرحلة (التأريخ) المعتمد على التطور التكنولوجي الذي سمح للإنسان ببداية تسجيل أحداث حياته، لينتقل منهما إلى مرحلة ثالثة التي يطلق عليها مرحلة (التأريخ المفرط) التي باتت تعيشه المجتمعات اليوم مع تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي أصبحت تسمح بتراكم كم هائل من المعلومات، بالإضافة إلى معالجة وتجهيز المعلومات بشكل ذاتي على نحو متزايد، وتصير المجتمعات البشرية معتمدة عليها بشكل حيوي كمورد أساس لتحقيق ازدهارها.

ويشير الكاتب إلى أن الغالبية العظمى من الناس اليوم تعيش مرحلة (التأريخ) في مجتمعات تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتسجيل ونقل واستخدام البيانات بجميع أنواعها، لكن في المقابل، هناك البعض في أنحاء العالم يعيشون بالفعل مرحلة (التأريخ المفرط) في مجتمعات تكون فيها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات شرطًاً أساسياً للحفاظ على الرخاء والرفاهية الاجتماعية. ويرى الكاتب أن أعضاء مجموعة السبع (كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية) يمكن اعتبارهم مجتمعات تأريخ مفرط، لأن ما لا يقل عن سبعين في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول يعتمد على السلع غير المادية ذات الصلة بالمعلومات بدلاً من السلع المادية، فاقتصادياتها تعتمد على أصول قائمة على المعلومات، كما أنها تعتمد بشكل كثيف على المعلومات في تقديم خدماتها، وتكون هذه المجتمعات التي تعيش بأسلوب التأريخ المفرط مهددة بشكل كبير بالهجمات السيبرانية.

ينتقل الكاتب في شرح تفصيلي لما يجرى في مجتمعات التأريخ المفرط من عمليات رقمية معقدة نظرا للتداخل والتشابك بين الأجهزة والبشر في اتصالهم بشبكة الإنترنت، وفى هذا السياق يناقش الكاتب مفهوم “البيانات الضخمة” “big data”، ويشير إلى الأبعاد المختلفة المرتبطة بها -التكنولوجية منها والإبستمولوجية والأخلاقية-، طارحا وجهة نظره بأن البيانات الضخمة أو المفاهيم المرتبطة بها كالإغراق المعلوماتي أو التخمة المعلوماتية ليست هي المشكلة في حد ذاتها، ولكن المشكلة وطرق الحل تكمن في طريقتنا في التعامل معها، وأن هذا ما يجب علينا التفكير فيه.

ينتقل الكاتب في سياق حديثه عن التأريخ المفرط وما يرتبط به من قضايا تتعلق بضخامة البيانات والإغراق المعلوماتي إلى مناقشة موضوع الذاكرة الرقمية، فهي ذاكرة كثيرة النسيان سريعة التقادم ومتطايرة نظرا للتطور التكنولوجي السريع الذي يتسبب أحيانا في فقدان الوثائق الرقمية القديمة التي لم يعد هناك تكنولوجيا ملائمة لاستخدامها، كمحركات الأقراص المرنة أو برامج المعالجة القديمة التي لم تعد متاحة أو صفحات الويب المهجورة التي لا يتم تحديثها باستمرار. وهنا يعرض الكاتب محاولات التطور التكنولوجي لمعالجة هذه المشكلة، منها ما نعايشه الآن من تخزين عبر الإنترنت الذي سهل الاحتفاظ بالبيانات وسرعة استعاداتها، لكنه يعود ويناقش المشكلات التي نجمت عن ذلك أيضا حيث يري أن التخزين عبر الإنترنت تسبب في ضغط على الصناعات المتخصصة في أجهزة الحاسب على مستوى المستهلك، حيث قل القلق بشأن البيانات، لكن لا يزال تخزين تلك البيانات يعتمد على بنيات تحتية مادية تحتاج إلى صيانة بشكل متزايد، وهذا بدوره سوف يؤدى إلى ظهور صناعة جديدة مخصَصَة لإخفاقات الحوسبة السحابية (التخزين عبر الإنترنت). ويرى الكاتب أن السرعة التي تتطور بها السعة التخزينية للذاكرة الرقمية أبطأ بكثير من السرعة التي تتولد بها البيانات الجديدة، وهنا تظهر مشكلة تأريخية، ففي عصر التأريخ كان السؤال يدور حول ماذا ندون وبماذا نحتفظ، أما الآن في عصر التاريخ المفرط يكون السؤال ماذا نمحو لأن السعة التخزينية غير كافية، ويختم الكاتب هذه الجزئية بشكل إيجابي متفائل ببيان أننا في المستقبل قد تتكون لدينا قدرة أكبر على تحديد ما يستحق أن يحتفظ به أوقد يفعل الحاسب ذلك بطريقة آلية.

يناقش الكاتب مسألة أخيرة في هذا الفصل تتعلق بسمات عصر التأريخ المفرط وهي سمة “الاتصالية” المفرطة بشبكة الإنترنت، ليختم الكاتب الفصل بطرح سؤال حول بيئة التأريخ المفرط “الغلاف المعلوماتي” وهو ما سيدور حوله الفصل الثاني.

الفصل الثاني

المكان: الإنفوسفير

يبدأ الكاتب الفصل بالحديث عن البينية in-betweenness كواحدة من السمات الأكثر وضوحاً التي تميز أي تكنولوجيا. فمن جانب هناك المُستخدم المتفاعل interacting user، ومن جانب آخر هناك الملقن the prompter، وقام الكاتب بتقسيم هذه العلاقة إلى ثلاث رتب: الرتبة الأولى هي التي تكون بين مستخدمين من البشر وملقنين من الطبيعة، مثل القبعة التي تعتبر تكنولوجيا بين الإنسان وأشعة الشمس والنظارة الشمسية تكنولوجيا بين الإنسان والضوء الساطع. أما الرتبة الثانية فهي التي تصل المستخدمين بغيرها من التكنولوجيات، ويعتبر المحرك أهم تكنولوجيات الرتبة الثانية. وهذه الرتبة من التكنولوجيا تمثل نوعا من الحضارة. ثم تأتى التكنولوجيا من الرتبة الثالثة وهي تكنولوجيا زمن التأريخ المفرط الذي باتت المعادلة فيه عبارة عن تكنولوجيا بين ملقن تكنولوجي ومستخدم تكنولوجي ليصبح الإنسان خارج المعادلة تماما، ويقتصر دوره على الاستفادة والمراقبة من الخارج، مثل الطائرات بدون طيار والأجهزة المنزلية المتصلة ببعضها عن طريق الإنترنت، والتي تحول المنزل بأكمله إلى بيئة ذكية، وهو ما يعبر عنه الكاتب بقوله “إن التكنولوجيات كمستخدم تتفاعل مع تكنولوجيات أخرى كملقن من خلال تكنولوجيات أخرى بينية”، وهنا يكون الإنسان موجودا في البيئة الخارجية المحيطة بالدائرة.

إذن بظهور تكنولوجيات الرتبة الثالثة صارت البينية في داخل التكنولوجيات، وأُغلقت الدائرة مع وجود الإنسان المستفيد خارجها، إن مثل هذا الوضع من “الاستيعاب الداخلي” التكنولوجي قد أثار القلق، إذ أن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات ربما تنتهي إلى أن تقوم بتشكيل وإعادة صياغة، بل حتى السيطرة على حياة الإنسان.

ينتقل الكاتب في الجزء الثاني من هذا الفصل إلى الحديث عن دور التكنولوجيا في إعادة تشكيل العالم بشكل معلوماتي، وكيف أنها تقود ثقافتنا إلى وضع الإطار المفاهيمي للواقع من خلال تحويل العالم إلى إنفوسفير infosphere (غلاف معلوماتي) وهو مفهوم يدل “على البيئة المعلوماتية برمتها التي تتألف من جميع الكيانات المعلوماتية، وخصائصها، وتفاعلاتها، وعملياتها، وعلاقاتها المتبادلة. إنها بيئة تضاهي، لكن تختلف عن الفضاء السيبراني (الفضاء الإلكتروني) الذي لا يتجاوز كونه إحدى مناطقها الفرعية، إذ إن الإنفوسفير يشمل أيضًا المعلومات غير المتصلة offline والتماثلية”، ولتحويل العالم إلى الإنفوسفير تستخدم تكنولوجيات المعلومات والاتصالات أسلوب الانتقال من النظام التماثلي analogue إلى النظام الرقمي digital، ومن ثم يحدث نمو متزايد للفضاءات المعلوماتية التي نقضي فيها مزيداً ومزيداً من الوقت. إذن فالإنفوسفير هو مفهوم يمكن استخدامه كمرادف للواقع حين نفسر الواقع معلوماتياً.

وتحت عنوان الحياة في الانفوسفير يشير الكاتب إلى أن علماء الاجتماع عملوا على تقسيم الأجيال الحالية تبعاً لعلاقتهم بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فتحدثوا عن الجيل إكس X (المواليد من أوائل الستينيات حتى أوائل الثمانينات)، وعن الجيل واي Y (مواليد أوائل الثمانيات حتى عام 2000)، ثم الجيل زد Z (من عام 2000)، وهؤلاء لا يعرفون عالم دون جوجل وتويتر وفيسبوك وويكيبديا، فهم دائماً أونلايف. 

وفى هذا السياق يشير الكاتب إلى مظاهر الحياة في الإنفوسفير وكيف تتغير مفاهيمنا عن الواقع الحقيقي في ظله، ويطرح الكاتب أسئلة حول مستقبل العالم في ظل هذا التطور التكنولوجي ومنها ما يتعلق بالفجوة الرقمية التي تظهر بين المجتمعات الغنية معلوماتيا التي تعيش في الإنفوسفير وبين المجتمعات الأخرى الفقيرة معلوماتيا وكيفية ردم هذه الهوة.

الفصل الثالث

الهوية حياة دائمة الاتصال

يبدأ الكاتب الفصل بتأصيل لمفهوم الذات فيميز بين هوياتنا الشخصية (أي من نحن) وتصوراتنا الذاتية (من نظن أن نكون)، إلا أن تصوراتنا الذاتية يمكن أن تتشكل بالكيفية التي نرغب أن ينظر الينا عليها، وهي صورة أخرى للذات يسميها الكاتب الذات الاجتماعية، وهذه الذات الاجتماعية هي القناة الرئيسية التي من خلالها تمارس تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وبخاصة وسائط الإعلام الاجتماعي، تأثيرا عميقا في هوياتنا وذلك عن طريق إعادة تشكيل طبيعة ونطاق القيود التي تحكم تقديم الفرد ذاته إلى العالم وإلى نفسه، ومن ثم تساهم في اجراء تحديث جذري للذات الاجتماعية، ينعكس على تصورات الإنسان الذهنية عن ذاته، وهو ما يفضي إلى إعادة تشكيل الهوية الشخصية.

في هذا السياق يورد الكاتب رأي البعض (الذي سماهم النواحين) في جيل الفيسبوك، فهم يأخذون على هذا الجيل فقدانه الاتصال بالواقع كأنهم يعيشون في فقاعات افتراضية حيث الثرثرة الضحلة، جيل غير قادر على حمل المسئولية لأنه يتوقع أن كل شيء قابل للمحو والتعديل، جيل نرجسي متمركز حول ذاته. إلا أن الكاتب يرى أنه رغم صحة ما يثيره البعض من سلبيات يتسم بها جيل الفيسبوك الا أن مواقع التواصل الاجتماعي هي أيضا فرصة يمكن أن نستثمرها لنكون أكثر مسؤولية تجاه تطور ذواتنا لأنها توفر مساحة من حرية اختيار تُمكن المستخدمين من انتقاء من يتابعونهم، وبالتالي إذا أحسن المستخدم اختيار من يريد التواصل معهم ومتابعتهم سيسهم ذلك في بناء وتطور ذاته بشكل أفضل.

يعود الكاتب لسؤال الهوية مرة أخرى من نحن؟ ومن الذي يمكن أن نكونه عندما يتزايد ما نقضيه من وقتنا في الإنفوسفير؟، ويجيب الكاتب إلى أن التغيرات الحالية أفرزت ما يمكن تسميته ظاهرة بناء الهويات الشخصية على الإنترنت. وهنا يبين فلوريدي أن هناك نهجان ناقشا طبيعة الذات، منها منهج جون لوك الذي يرى أن هوية الفرد تقوم على وحدة الوعي واستمرارية الذكريات، والسماح باختراق الوعي والذكريات بشكل كبير يؤدي إلى التوقف عن أن تكون أنت نفسك. وهناك نهجا آخر أكثر حداثة معروف باسم النظرية السردية حول الذاتthe narrative theory of the self، ذلك النهج الذي يَعتبر الهوية “حكاية” تُفهم على أنها شيء مصنوع يعبر عن سيرة شخصية ذاتية أو اجتماعية. إذن كلا المنهجين يقدمان تفسيرا معلوماتيا للذات. إذ ينظر إلى الذات على أنها نظام معلومات معقد مصنوع من الأنشطة الواعية والذكريات، من هذا المنظور أنت عبارة عن المعلومات الخاصة بك، ولأن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات يمكنها أن تؤثر بعمق في هذه الأنماط المعلوماتية فهي حقيقة تكنولوجيات مشكلة للذات.

وفى هذا السياق يناقش فلوريدي- بشكل فلسفي- قضية الهوية وما يرتبط بها من أبعاد الزمان والمكان، فيميز بين وجود الذات (العقل) ومرتكزها المادي (الجسم)، فإذا كانت هناك حاجة إلى مرتكز مادي لاستدامة الذات، إلا أن هناك إمكانية أوسع للذات في تغيير المرتكز، فبمجرد أن ينشئ الجسد وعياً يمكن أن تكون حياة الذات بالكامل داخلية ومستقلة عن الجسد. ويشير الكاتب أيضاً إلى دور تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في جعلنا نقضي الكثير من وقتنا الواعي موجودين في مكان آخر غير الموضع الذي نحن فيه جسدياً (الكينونة في المكان). كما يشير إلى عدم الاتساق الزمني بين الذات وموطنها على الإنترنت، مفهوم القدم مقابل الهرم، فالإنسان قد يهرم واقعيا ولا يهرم رقميا، فعدم التزامن يكتسب معنى جديداً في ظروف الحياة المتصلة دائماً Onlife (الكينونة في الزمان). ثم يشير الكاتب إلى مفهوم “النظرة المحدقة” وهي رؤية المرء نفسه كما يراه الآخرون، والنظرة المحدقة الرقمية هي نقل تلك الظاهرة إلى الإنفوسفير، حيث تستخدم الذات المجال الرقمي لتبني الهوية الافتراضية المصنوعة من الآخرين بحيث تستوعب الهوية الشخصية الخاصة به.

ويختم الكاتب هذا الفصل بالحديث عن الصحة الإلكترونية بطرح مفهوم “البدن الشفاف” حيث تسمح تكنولوجيات المعلومات والاتصالات من قياس ونمذجة ومحاكاة ومراقبة وإدارة أجسامنا بدقة وعمق، بل إن الأجهزة الذكية سمحت الآن بمراقبة الأنشطة الرياضية ومستويات اللياقة البدنية، ومفهوم “البدن التشاركي” وهو التداول الاجتماعي للخيارات والعادات الصحية بالإضافة إلى دمقرطة المعلومات الصحية.

كما ينهي الكاتب الفصل بالتعرض بالتفصيل لموضوع التعليم الإلكتروني مشيرا إلى النمو المعرفي السريع كما ونوعا في مجتمعات التأريخ المفرط، والى التشارك العالمي في المعايير التعليمية، حيث لم يعد التعليم ظاهرة محلية. ويرى الكاتب أن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات لديها قدرة هائلة على إتاحة المعلومات، ولكن هي أقل نجاحاً في التمكين من الوصول إلى المعلومات، وهي أقل من ذلك نجاحاً في تمكيننا من استخدامها.

الفصل الرابع

فهم الذات: الثورات الأربع

يبدأ الكاتب هذا الفصل بمقدمة تشرح عنوان الكتاب “الثورة الرابعة” فيبين أن الثورة الأولى كانت في العام (1543م) عندما نشر العالم الفلكي “كوبرنيكوس” أطروحته حول حركة الكواكب حول الشمس، تلك الأطروحة التي أزالت الإنسان من مركزية الأرض. الثورة الثانية كانت في العام (1859م) عندما نشر “تشارلز داروين” كتابه “أصل الأنواع” حيث رأى أن جميع السلالات ومنها الإنسان قد تطورت، وبذلك أزاح البشر –حسب رأيه- من مركزيته البيولوجية في الكون. الثورة الثالثة جاءت مع سيجموند فرويد المتوفى عام (1939م)، حيث استطاع فوريد بأبحاثه في التحليل النفسي أن يزيح أفكار الفيلسوف الفرنسي “رينيه ديكارت” المتوفي (1650) خاصة مقولته الشهيرة “أنا أفكر إذن أنا موجود”، ومن ثم أزاح البشر من مملكة الوعي. هنا تأتى الثورة الرابعة ثورة الغلاف المعلوماتي التي قامت بجعل البشر كائنات حية معلوماتية (Inforgs) أو (انفورغات) متصلين ببعضهم البعض وجزءا لا يتجزأ من بيئة معلوماتية (إنفوسفير) يتشاركونها عناصر وسيطة معلوماتية أخرى- طبيعية واصطناعية- ومن ثم أزيح البشر من مركز آخر –حسب ما يرى الكاتب – وهو الإنفوسفير. وفى هذا الإطار يسعى الفيلسوف فلوريدي في محاولة لفهم التغيير الذي طرأ على الذات الإنسانية في عالم الإنفوسفير باعتبار أن البشر تحولوا إلى انفورغات، وفى نفس الوقت تم إزاحتهم عن مركز هذا العالم (الإنفوسفير)، حيث أصبحت التكنولوجيا الفريق المضيف والبشر أصبحوا الفريق الزائر. وهذا ما سبق وبينه الكاتب في حديثه عن تكنولوجيا الرتبة الثالثة التي أصبح البشر فيها خارج المعادلة قد اقتصر دورهم على الاستهلاك والمراقبة في حين باتت الآلات تتفاعل مع بعضها البعض دون تدخله.

الفصل الخامس

الخصوصية: الاحتكاك المعلوماتي

في هذا الفصل يتناول الكاتب قضية الخصوصية كأكثر القضايا وضوحاً وإلحاحاً في مجتمعاتنا بعد الثورة الرابعة. ويعدد الكاتب أنواع الخصوصيات الإنسانية بين خصوصية مادية وعقلية وخصوصية اتخاذ القرار وأخيرا الخصوصية المعلوماتية التي هي محل اهتمامه في هذا الفصل. ويشير الكاتب إلى أن سيادة مجتمع المعلومات يشكل تحدياً متصاعداً للحق في الخصوصية المعلوماتية، التي يقصد بها التحرر من التدخل أو الاختراق المعلوماتي، بل إن هذا المجتمع الجديد قد قدم منطقاً مختلفًا لتقدير مواطنيه لخصوصيتهم.

 يشير الكاتب ابتداءً إلى مصطلح الاحتكاك المعلوماتي ويقصد به “تلك القوى التي تعارض تدفق المعلومات داخل منطقة ما من الإنفوسفير”. وقد صاغ الكاتب معادلة توضح العلاقة بين الاحتكاك المعلوماتي والخصوصية كالتالي: كلما انخفض الاحتكاك المعلوماتي في منطقة ما من الإنفوسفير، ارتفع إمكان الوصول إلى المعلومات الشخصية وقلت الفجوة المعلوماتية، وانخفضت درجة الخصوصية التي يمكن توقعها. بشكل مبسط وأكثر عمومية، الخصوصية هي دالة في الاحتكاك المعلوماتي في الإنفوسفير.

ومن هنا ينطلق الكاتب للحديث بتفصيل عن أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الخصوصية، وذلك عن طريق توضيح أثرها على الاحتكاك المعلوماتي الذي تؤثر فيه باتجاهين فهي تستطيع خفضه أو زيادته، ومن ثم تستطيع أن تحد من الخصوصية التي نتمتع بها أو تعززها: فبالنظر للواقع المعاش فإن الخصوصية تتآكل بفعل المراقبة الرقمية التي يتعرض لها المستخدمون طوال الوقت والتي تتفاوت بين جمع معلومات عن تفضيلاتهم لأغراض اقتصادية، أو جمع بيانات شخصية عنهم لأغراض سياسية، أو غير ذلك من مظاهر تآكل الخصوصية في عصر التأريخ المفرط.

 أما بالنسبة لحماية الخصوصية يعرض الكاتب إمكانية قيام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات بحماية البيانات الشخصية عن طريق التشفير، وإخفاء هوية صاحبها، وترميز كلمة السر، وعن طريق الجدران النارية، والبروتوكولات أو الخدمات المبتكرة تحديدا لهذا الغرض. وفي مرحلة إدارة البيانات يمكن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية أن تساعد العناصر الوسيطة (الوكلاء) على مراقبة وتنظيم استخدام البيانات الخاصة بهم عن طريق تسهيل تحديد وتنظيم المستخدمين المعنيين ذوي الصلة، ففي المراحل المختلفة التي تمر بها البيانات يمكن الحفاظ على مستويات عالية من الخصوصية ليست فقط في التنظيم الذاتي والتشريعات، ولكن باتباع حلولا تكنولوجية أيضا.

 يعود الكاتب في نهاية الفصل لسؤال ماهية الخصوصية وأهميتها في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويشدد على ضرورة أن نعيد تعريف الخصوصية بما يتماشى مع عصر التأريخ المفرط، مشيرا إلى أن ربط الخصوصية بالجوانب المادية فقط هو اختزال لقيمتها، حيث يرى أن الخصوصية التي تستحق البذل في سبيل الحفاظ عليها هي تلك المعنية بالحفاظ على الهوية الشخصية للفرد -باعتباره كائنا معلوماتيا – من أي اختراق يهدد هذه الهوية. فعلى سبيل المثال تعد صور غسيل المخ والغزو الفكري التي قد يتعرض لها المستخدم انتهاكا حقيقيا للخصوصية، أما البيانات الشخصية التي لا تؤثر في كينونة الفرد باعتباره ذاتا متفردة فلا ضير في مشاركة بعضها بشكل متوازن من أجل طبيعة العصر الذي نعيش فيه ومن أجل الاستفادة من مزايا التكنولوجيا في تيسير حياة الإنسان.

الفصل السادس

الذكاء: النقش في كتاب الوجود

كعادة الكاتب لا يتجه نحو إلقاء اللوم التام على التكنولوجيا فيما آلت إليه أحوال البشرية، بل يحاول أن يتخذ موقفا متوازنا بين بيان مميزاتها ومساوئها وأسلوبنا نحن في التعامل معها، ففي هذا الفصل يتناول الكاتب موضوع الذكاء بين الإنسان والآلة، حيث يناقش فلوريدي مسألة الذكاء للإجابة عن سؤال الذكاء الاصطناعي ونوع الذكاء الذي تتميز به الآلة. فهو يرى أن الذكاء الحاسوبي لا يستطيع أن يتعامل مع بيانات ذات معنى أو مغزى دلالي، بل يتعامل مع الرموز والبيانات غير المفسرة، وذلك على عكس الذكاء الآدمي، ومن ثم يكمن ذكاء الحاسب في الذكاء الرقمي المادي متفوقا على الإنسان في قدرته الفائقة على معالجة كم هائل من البيانات في وقت قليل بدون أخطاء، ولكنها ذات طابع رقمي تماثلي وليست ذات طابع دلالي. ومن هنا يؤكد الكاتب على أن الذكاء الاصطناعي ينبغي أن يتوقف عن محاولة محاكاة الذكاء البشري لأنه لن يستطيع أن يتجاوز العتبة الدلالية.

ومن ثم يختم الكاتب الفصل بنقد من يدعون أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تصير أكثر ذكاءً بينما تجعلنا أكثر غباءً، حيث يرى أن ما يحدث عبارة عن تغيير في البيئة المحيطة لتصبح أكثر ملائمة مع الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح العالم إنفوسفير متوائمًا على نحو متزايد مع القدرات المحدودة لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، بمعنى أننا أصبحنا نطوع البيئة لتتوائم مع التكنولوجيات الذكية لضمان تواصلها معها بنجاح.

الفصل السابع

الوكالة: تغليف العالم

في هذا الفصل يستفيض الكاتب في مسألة “تغليف العالم” في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكيفيتها تحليلا ووصفا، يقول الكاتب ” بدأ تغليف البيئة في هيئة إنفوسفير صديق لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات يسود كل جوانب الواقع، ومرئي في كل مكان بشكل يومي.. ونحن نغلف، منذ عقود، العالم من دون أن ندرك ذلك تماما”، وفى هذا الإطار يشير الكاتب إلى صور هذا التغليف المتمثل في المزيد من العلامات الإشارية، والمزيد من البشر المتصلين بالإنترنت، والمزيد من الأجهزة التي تتصل بعضها مع بعض، والمزيد من المستشعرات، والمزيد من شارات التعرف باستخدام موجات الراديو، والمزيد من الأقمار الصناعية والمزيد من المشغلات، والمزيد من البيانات التي تجمع عن جميع التحولات الممكنة في أي نظام. ومن هذه النقطة يشير الكاتب إلى التحديات الناجمة عن هذا التغليف والتي تتمثل في أن ما لدينا من تكنولوجيات سوف تشكل بيئاتنا المادية والمفاهيمية وتضع علينا قيودا لنتكيف معها.

ثم ينتقل الكاتب إلى مناقشة أحد صور تغليف العالم بشكل معلوماتي ممثلة في تطور أحد مخرجات الذكاء الاصطناعي وهي “الروبوتات” أو ما يسميه بالرفقاء الاصطناعيين، والتغيرات التي تحدث والتي سوف تحدث في البيئة المحيطة بهم، حيث يطرح أسئلة بخصوص مستقبل البشر بوجود هؤلاء الروبوتات، وهل يصلحوا ليكونوا رفقاء للآدميين؟ وهل يمكنهم تلبية الاحتياجات الإنسانية والاجتماعية والعاطفية؟ ومدى أخلاقية ذلك؟ وكيف يمكننا التفاعل معهم بشكل إيجابي يعود بالنفع على البشرية، كأن يكونوا عونا للمسنين على تلبية احتياجاتهم؟ وهل يمكن للرفقاء الاصطناعيين بقدرتهم الفائقة على التذكر وتخزين المعلومات أن يحتفظوا بتفاصيل حياتنا كأن يقوموا بتسجيل كل ما نفعله من تجارب بصرية وسمعية، وكل ما أعربنا عنه من آراء وأذواق، وعادات لغوية وغيره، وعندما نموت تكون حياتنا مسجلة بالكامل بحيث يمكن للمرء فيها التواصل مع الرفيق الاصطناعي الخاص بالشخص بعد رحيله وهذا ما يطلق عليه “الخلود الإلكتروني”، إلى غير ذلك من القضايا والأسئلة المثارة. ثم يختم الكاتب الفصل بالحديث عن تطور الويب كقوة دافعة نحو إنفوسفير أفضل، طارحا بعض الأسئلة التي تدور حول كيفية إعادة تعريف أنفسنا مع الثورة الرابعة التي تعيد تأطير العالم ماديا ومفاهيميا.

الفصل الثامن

السياسة: ازدهار الأنظمة متعددة الوكلاء

يتجه الكاتب في هذا الفصل نحو مناقشة البعد السياسي لعصر التأريخ المفرط، انطلاقا من مفهوم “الاستماتة السياسية” وهو مفهوم بيولوجي في الأساس يشير إلى عملية الإقصاء الذاتي للخلايا الميتة داخل جسم الإنسان أي عملية تجديد الخلايا التي تتم بشكل تدريجي وطبيعي. يستدعي الكاتب هذا المفهوم لوصف عملية التجديد التي تطرأ على الدول ذات السيادة بعد تطورها إلى مجتمع معلومات، وفى هذا الإطار يمر الكاتب مرورا سريعا على تاريخ تطور الدولة في العصر الحديث حتى وصلنا إلى شكل الدولة القومية ذات السلطة الملزمة والسيادة، والنظام القادر على أن يبقى متماسكا ويؤثر في جميع العناصر التي يتألف منها، وينظم سلوكها، مادامت تندرج ضمن نطاق حدوده الجغرافية، لتصير الأسس التي يقوم عليها نظام العلاقات الدولية تتمثل في مبادئ السيادة والمساواة القانونية وعدم تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى.

وانتقل الكاتب بعد ذلك إلى بيان أربعة عوامل أثرت في شكل الدولة خلال عملية “الاستماتة السياسية”، العامل الأول هو انتقال الدولة من كونها المنتِج والمتحكم الرئيس في المعلومات إلى وكيل ضمن مجموعة من الوكلاء الآخرين، في إشارة إلى الشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية، الذين يملكون سلطة معلوماتية وربما يتحكمون في القرارات والأحداث السياسية، وبذلك تساعد تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في زحزحة التوازن ضد مركزية الدولة. العامل الثاني هو الجغرافيا، إذ أن تكنولوجيات المعلومات والاتصالات جعلت الحدود الجغرافية منعدمة الأهمية تماماً، وهذا يولد توتراً بين الجغرافيا السياسية والدولة التي لا تزال تحدد شرعيتها السياسية بمفهوم الوحدة الإقليمية. أما العامل الثالث فهو التنظيم، إذ ميعت تكنولوجيات المعلومات والاتصالات علاقة الدولة بالأحزاب السياسية والطبقات الاجتماعية وجماعات الانتماء العرقي، مما أدى إلى توليد مزيد من التوترات. والعامل الرابع والأخير هو الديمقراطية، ففي ظل هذا التحول لشكل الدولة تحولت الديمقراطية التقليدية المباشرة إلى ديمقراطية تقودها وسائط الإعلام الجماهيري.

 وهنا يؤكد الكاتب على أنه بطبيعة الحال لن تتخلى الدولة التقليدية عن دورها بدون صراع، وستحاول استعادة سيادتها في العديد من السياقات باعتبارها وكيلاً فوقياً للمعلومات يحكم الحياة السياسية للمجتمع الذي ينظمه. ويقدم الكاتب التوصية بضرورة البحث عن توازن جديد يلائم عصر التأريخ المفرط في إشارة إلى ضرورة تخلي الدول عن مقاومة تغيرات عصر التأريخ المفرط بحيث تتطور تدريجيا إلى نظام متعدد الوكلاء. وفى هذا الصدد يطرح الكاتب مجموعة من التساؤلات حول الهوية والتلاحم وشكل الفضاء الاجتماعي في مقابل الفضاء السياسي والشرعية السياسية والشفافية.

في الجزء الثاني من هذا الفصل يناقش الكاتب البعد الأخلاقي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مشيرا إلى ضرورة تصميم بنية تحتية أخلاقية تيسر الفعل الأخلاقي داخل الإنفوسفير ولا تعرقله.

وأخيرا يسلط الكاتب الضوء على التحول في طبيعة النزاعات والحروب في عصر التأريخ المفرط حيث اكتسبت الصراعات المسلحة طبيعة معلوماتية جديدة، فيما يعرف بالحرب السيبرانية التي غيرت من مفهوم الحرب التقليدية وآلياتها، وبناء على ذلك يطرح الكاتب تساؤلات حول مستقبل المفاهيم التقليدية والقيم والفضائل المرتبطة بالحرب، مثل مفهوم التضحية والشجاعة والموت في سبيل الوطن، وكذلك مسألة السيادة والحدود الجغرافية التي باتت تُخترق بكل سهولة بفعل الهجمات السيبرانية، بالإضافة إلى دخول وكلاء وأطراف غير دولية في هذه الحروب، وهنا يسعى الكاتب لاستجلاء الكيفية التي أدخلت بها الحرب السيبرانية تحولات جذرية في أساليب تفكيرنا بشأن القضايا العسكرية والسياسية والأخلاقية والتي أثرت على مفاهيم الدولة، والحرب، والتمييز بين المجتمع المدني والمنظمات العسكرية.

الفصل التاسع

البيئة: المخاطرة الرقمية

يتناول الكاتب في هذا الفصل المجال البيئي (الإيكولوجي) باعتباره أحد المجالات المتأثرة سلبا بالتطور التكنولوجي، وعلى الرغم من إقراره بأن تطور الإنفوسفير أصبح يهدد الغلاف الجوي إلا أنه يعود ليؤكد أنه بإمكاننا الحد من هذه المخاطر باستخدام التكنولوجيا أيضا، ومن خلال تبنى أربع استراتيجيات تتمثل في الوقاية، التقييد، الإصلاح، والتعويض على أن يتم ذلك بموجب تشريعات وقوانين ملزمة.

الفصل العاشر

الأخلاقيات: الحفاظ على البيئة الإلكترونية

يعد هذا الفصل خاتمة للكتاب حيث يؤكد الكاتب أنه إذا كانت ثورة المعلومات هي إعادة صياغة مفهومنا لأنفسنا، فسوف نكون في ورطة خطيرة إن نحن لم نأخذ مأخذ الجد حقيقة أننا نبني البيئات المادية والفكرية الجديدة التي سوف تسكنها الأجيال القادمة. ومن ثم يقدم الكاتب توصية بهذا الشأن مفادها صوغ إطار أخلاقي يمكنه التعامل مع الإنفوسفير على أنه بيئة جديدة جديرة بالاهتمام، كما يتعين أن يتصدى مثل هذا الإطار الأخلاقي للتحديات غير المسبوقة التي تنشأ في البيئة الجديدة وأن يجد لها حلا، على أن يكون هذا الإطار الأخلاقي أخلاقيات بيئية إلكترونية من أجل الإنفوسفير برمته، وهذا سوف يتطلب تغييرا في كيفية إدراكنا لأنفسنا ولأدوارنا بالنسبة إلى الواقع، وما الذي نعتبره جديرا باهتمامنا ورعايتنا، وكيف سنتفاوض لعقد تحالف جديد بين الطبيعي والاصطناعي.

عرض:

أ. يارا عبد الجواد*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] لطيفة الدليمى، رؤية لوتشيانو فلوريدى لفلسفة عصر الثورة الرابعة، جريدة الشرق الأوسط، متاح على الرابط التالي:

https://aawsat.com/home/article/

*  باحثة في العلوم السياسية.

عن يارا عبد الجواد

شاهد أيضاً

السيبرانية

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

قائمة ببليوجرافية مختارة يتم تحديثها بشكل مستمر عن "السيبرانية"، تضم الإنتاج الفكري الورقي والإلكتروني؛ من كتب، وأعمال مؤتمرات، ورسائل جامعية، ومقالات دوريات، ومقالات وبحوث منشورة على الإنترنت.

التدين الرقمي

أ. مهجة مشهور

مع ظهور الثورة التكنولوجيا الرقمية أصبح الإنترنت بتطبيقاته الهائلة وإمكاناته اللامتناهية وبخدماته التي تتميز بالسرعة والدقة وسعة التخزين العالية جزءاً لا يتجزأ من مجتمعاتنا المعاصرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.