من معالم التجديد في فكر الإمام الشاطبي

من معالم التجديد في فكر الإمام الشاطبي

د. هاني محمود حسن*

يعد الإمام الشاطبي من رموز التجديد التي أبلت بلاء حسنا في ميدان التنوير الإسلامي وتجديد المنهج العلمي والفكر الفقهي عند المسلمين، وأضافت للفكر الإسلامي لبنة مهمة في البناء المنهجي، أعادت الوصل بين المعقول والمنقول، وجددت الاتصال بين الفروع والأصول، وأفصحت عن سبيل الاتساق بين جزئيات الشريعة وكلياتها، ونقلت التصنيف في الأصول والقواعد ومقاصد الشريعة نقلة نوعية بارزة.

وقد اشتهر الشاطبي بكتابه الموافقات الذي أبرز فيه نظرية المقاصد وتوسع فيها، حتى صار يذكر الشاطبي كلما ذكرت المقاصد، نظرا للنقلة النوعية التي أحدثها في الدرس المقاصدي.

ويلحظ دارسو المقاصد في الوقت الراهن أن الاهتمام بالشاطبي ومقاصده على أشده في مدارس العلم الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر الشريف.

ويشهد الاهتمام بالشاطبي تزايدا في الدراسات التي ترمي إلى إنضاج البحث في مجال مقاصد الشريعة؛ إدراكا من الفقهاء المعاصرين لأهمية النظر المقاصدي في تجديد التفكير الفقهي. وقد كان للشاطبي إسهام ملموس في هذا الجانب.

((ويوازن الشيخ عبد المتعال الصعيدي بين الشاطبي في ابتداعه علم المقاصد، وبين الشافعي في ابتداعه علم الأصول؛ فيقول:

“بهذا يكون للشاطبي ذلك الفضل الكبير بعد الشافعي؛ لأنه سبق هذا العصر الحديث بمراعاة ما يسمى فيه روح الشريعة، أو روح القانون، وهذا باهتمامه بمقاصد الشريعة”))([1]).

ويقول الأستاذ علال الفاسي: ((ويرى الشاطبي أن درجة الاجتهاد إنما تحصل ممن اتصف بوصفين:

أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، وهو شرط لم يذكره أغلب علماء الأصول، مع أنه الذي يتفق مع ما قاله الشافعي من وجوب ملاحظة المجتهد القواعد الكلية أولا، وتقديمها على الجزئيات … )) ([2]).

ويقول الأستاذ راشد الغنوشي: ((ولقد حظي هذا العلم “علم الأصول” بعقول عظيمة تتابعت على تأصيل قواعده وتطويرها وإثرائها وصقلها؛ حتى بلغت مع العلامة الأندلسي الشاطبي أوجا عظيما متقدما؛ امتدادا للنهج الذي سنه الشافعي؛ فلقد انصبت نخبة من العقول العظيمة التي امتلأت يقينا بعظمة الإسلام، وغاصت في نصوص الوحي: كتابا وسنة، وفي تراث الفقه والتطبيق الأساسي وسائر علوم الإسلام خلال القرون، كما استوعبت جملة المعرفة البشرية المعروفة في العصر، وصاغت من خلال كل ذلك قواعد للتشريع على ضوء ما استخلصته من مقاصد الدين))([3]).

وفيما يأتي تعريف بالشاطبي وجهوده التجديدية..

تعريف موجز:

هو: إبراهيم بن موسى بن محمد، الغرناطي، الشهير بالشاطبي، وهو غير الشاطبي (القاسم بن فيرة) عالم القراءات وصاحب متن الشاطبية.

ولد الإمام الشاطبي في مدينة شاطبة من حواضر الأندلس الكبرى، وشغف بالعلم والتحصيل منذ صغره، وتردد على المشايخ في شتى العلوم والفنون، وحبب إليه التبحر في اللغة، فاكتسب فصاحة في المنطق والبيان ظهرت في مصنفاته فيما بعد.

وكان مالكي المذهب، متوقد الذهن، فصيحا، بصيرا بالواقع، ناقدا للبدع، محاربا للخرافة المفسدة للعقل والنقل، ربانيا داعيا للاعتصام بالكتاب والسنة، والعودة للأصول الإسلامية.

ومن مؤلفاته: الموافقات في أصول الشريعة، وسيأتي تفصيل الكلام عنه؛ والاعتصام، والإفادات والإنشادات، وفتاوى الشاطبي.

وتوفي سنة (790ه=1388م)

ولما كان كتاب الموافقات هو أشهر كتبه والكتاب الذي تضمن عمله التجديدي الأبرز نفصل الكلام عنه فيما يأتي

الموافقات: سفر التجديد المقاصدي:

لاحظ الشاطبي أن المصنفات الأصولية في عصره لم تعن عناية كافية بإبراز مقاصد الشريعة الإسلامية وحِكَم التشريع الإسلامي، كما لاحظ أن بعض المتصدرين في عصره جمدوا على الألفاظ دون تبصر بالمقاصد والحكم التشريعية، ودون التفات للعلل التي تبنى عليها الأحكام، فجاءت فروعهم منبتة الصلة عن الأصول والقواعد، وجاءت فتاواهم مقطوعة الوصل بالحكَم التشريعية والمقاصد، وجاءت جزئياتهم مناقضة لكليات الشريعة وما تغيته من المصالح والفوائد.

كما لاحظ الشاطبي قصورا في التكوين العلمي لدى بعض فقهاء عصره كان من أسباب هذا الاختلال الفقهي والمنهجي؛ حيث لم يُعن بعض الفقهاء في عصره بالتحصيل العلمي الشامل الذي يثري شخصية الفقيه، ويحفظ الفقيه من آفات الإفراط والتفريط؛ ولهذا تحدث الشاطبي عن نفسه بأن الله تعالى قد من عليه بالاجتهاد في التحصيل الشامل لمختلف العلوم والفنون، وانفتح له من معاني الشريعة ما لم يكن في حسابه.

عزم الشاطبي على تصنيف يعنى بهذه الجوانب -بحيث يفتح أمام المتفقهين سبيل الفقه على بصيرة، ويجمع بين مناهج الفقهاء، ويجمع أشتات الأصول والقواعد الشرعية والكليات التشريعية التي تنبني عليها فروع الشريعة المتجددة على كثرتها، فعمل على تصنيف كتاب يجمع فيه بين المالكية والحنفية، باعتباره مالكيا من مدرسة أهل الحديث، وباعتبار الحنفية يمثلون مدرسة أهل الرأي التي تتوسع في القياس وملاحظة العلل والمصالح، فانتهى الأمر إلى تسميته بالموافقات في أصول الشريعة، بعد رؤيا رآها أو رئيت له.

ويعد (الموافقات) من أهم ما كتب في علم أصول الفقه؛ حيث توسع في البحث في مقاصد الشريعة وأتى فيها بتحقيقات لم يسبق إليها، وبناها على استقراء ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة بحيث تجد فيه القاعدة والمقصد مقرونة بالأصل الذي أخذت منه.

وأبرز الشاطبي الاستقراء طريقا لاكتساب القطع في المسائل الشرعية، وطبق منهجية الاستقراء تطبيقا بارزا في كتاب الموافقات؛ حيث كان يقرر القواعد والحقائق الشرعية بعد استقراء لمواردها في نصوص الكتاب والسنة وفتاوى العلماء وغيرها من مصادر الفقه، حتى قيل في حق الشاطبي: إنه كان يتكلم وكأنه يستحضر الشريعة كلها أمام عينيه.

ويعد العمل الذي قام به الإمام أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات مراجعة نقدية بارزة تعنى أساسا بتأسيس الخطاب الأصولي على القطع، وزيادة رقعة التفكير المقصدي في البحث الأصولي، وتعزيز النظر بمنهج الاستقراء، ومعالجة الإشكاليات المنهجية التي صاحبت النظر الأصولي مدة غير قصيرة، وكانت وراء تراجع الخطاب الأصولي عن أداء مهمته الأساس، وهي تطوير الاجتهاد التطبيقي؛ كي يجابه المستجدات ([4]).

لقد راجع الشاطبي المصطلحات الأصولية مانحا بعضها مفاهيم جديدة تنسجم مع الخطاب الأصولي الكلي، ومن تلك المصطلحات: الاستقراء، والقطع، والقصد، والعام، وغيرها ([5]).

لقد كان الشاطبي يهدف إلى إعادة علم الأصول إلى وجهته التي كان موليها منذ بداية النشأة، معتبرا حسم مسألة القطع فيه اللبنة الأولى في بنائه من جديد، مستعينا في ذلك ببوصلة التقصيد الشرعي ([6]).

إن من مهمات المراجعة النقدية في الخطاب الأصولي التي تكفل بها الشاطبي: إصلاح الوضع الأصولي الذي بات بمنأى عن مقاصده العلمية التي وكل إليها من جهة، ثم إعادة الاعتبار لذلك الوصل العلمي بين الخطاب الأصولي -كما تأسس خلال المرحلة التقعيدية الأولى مع رسالة الشافعي- ومثيله الذي يعيش إشكالاته وعوائقَه الشاطبيُّ من جهة ثانية ([7]).

وقد عدَّ الدكتور فريد الأنصاري كتاب الموافقات بمثابة إعادة صياغة لرسالة الإمام الشافعي، وكأن الشاطبي لاحظ ما لاحظه الشافعي في عصره من قصور منهجي بدأ يظهر في كلام بعض فقهاء عصره، ما حمله على تدوين جديد يجمع فيه أشتات المنهج الفقهي، التي تفرقت بين أهل الحديث وأهل الرأي، ويراعي استيفاء ما استجد من قضايا وإشكاليات بعد عصر الشافعي.

وكذلك وجدنا الشاطبي يعيد التجربة الشافعية، مستلهما روح الشافعي في رسالته التي عدت فتحا منهجيا دفع ببعض الباحثين إلى قرن الشافعي بديكارت وأضرابه من مؤسسي المنهج عند الغربيين، ومستوعبا لما جد من مستجدات الإشكاليات في عصره ([8]).

ويظهر هذا الجهد التوفيقي في تسمية الشاطبي كتابه بالموافقات في أصول الشريعة، وفيما أبان عنه من عزمه الجمع بين المالكية (أبرز ممثلي أهل الحديث) وبين الحنفية الذين انتهت إليهم ريادة أهل الرأي، مع ما فتح الله به عليه من فتوحات منهجية وتحريرات مقاصدية.

وقد استقبل كتاب الموافقات استقبالا حفيا، وصار كل من جاء بعد الشاطبي يبني عليه، ويضيف إليه معترفا بفضله في توسيع الكلام في مقاصد الشريعة والتأكيد على أهميتها الضرورية في عملية الاجتهاد الفقهي؛ حيث عد الشاطبي معرفة المقاصد والمصالح الشرعية ركنا ركينا وشرطا لازما في صحة الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، حتى عد الشاطبي أن من أهمل المقاصد في فقهه فإنه لا يوثق برأيه ولا يعول على اجتهاده.

كما احتفى بعض رجال القانون –مثل المستشار عبد العزيز فهمي باشا- بكتاب الموافقات وأوصوا طلاب القانون ورجاله بقراءته واستيعابه؛ باعتباره سفرا مهما في صناعة الشخصية القانونية القادرة على فقه وتفسير النصوص، وحسن القضاء، وإنتاج القوانين الرشيدة الصالحة للتصدي لمشكلات المجتمع ([9]).

معالم تجديدية في فكر الشاطبي:

بالإضافة إلى عمله الجليل في الموافقات كان الشاطبي يمتلك رؤية تجديدية ناضجة، وعقلية نقدية واعية تفقه العصر وتتمسك بالأصل.

وكان الشاطبي يرى أن التجديد عملية إحيائية بالأساس، ينتج عنها التصدي للآفات الفكرية والاجتماعية التي تغولت في بنيان الأمة وأصابت العقل المسلم بالتشوش؛ بفعل الانفصال عن الجذور والأصول، وانتشار البدع والخرافات التي عششت في الأذهان، وخيمت بظلالها على حياة المسلمين، فضلا عما سبق التنبيه عليه من ضعف التكوين الفقهي ووجود الاختلال المنهجي، ما انعكس على حياة المسلمين بالخلل، وأحل المصالح الموهومة محل المصالح الحقيقية التي جاءت بها الشريعة. هذا على مستوى الرؤية الكلية.

وعلى مستوى الأدوات التجديدية كان الشاطبي يرى ضرورة التبحر في معرفة اللغة، حتى عد التبحر في اللغة شرطا أساسيا في الفقيه المجتهد. كما رأى ضرورة إحياء الأصول بعد استقراء موارد الشريعة وفقه مقاصدها وحِكَمها، وضرورة التصدي للبدع التي أضعفت اتصال المسلمين بحقائق الصدر الأول، وهو ما عني به –تفصيلا- في كتاب الاعتصام الذي أفرده للتنبيه على البدع التي شاعت في حياة المسلمين، ورسم سبيل الفكاك من أسرها والعودة إلى صفاء الصدر الأول، وهو مما دعا لإدراج الشاطبي في سلك أعلام الإحياء والتجديد الذين شغلوا مكانة بارزة في هذا الموكب المبارك.

الشاطبي والتغريبيين:

أساء الفكر التغريبي (التابع للاستشراق) استقبال الإمام الشاطبي، وأساء توظيف التجديد المقاصدي الذي قدمه للفكر الإسلامي، وجعل من مقاصد الشاطبي مطية للتحلل من دلالات النصوص الشرعية وأحكامها؛ لتمرير الفكر التغريبي الذي يؤمن بتاريخية النصوص، وسيولة الدلالة، ووقتية الأحكام ونسخها بالعقل وتطور العصر، وهو ما لم يقصده الشاطبي؛ لأن المقاصد لا تعني تجاوز النص وإلغاء دلالات الألفاظ، بل تعني حسن الفقه لمراد الشارع من النص، كما أن المقاصد عرفت أساسا من النصوص، فكيف تجعل المقاصد سبيلا للتحلل من دلالات النص؟!

وقد حلا لبعضهم –مثل الدكتور محمد أركون- أن يشبه الشاطبي بمارتن لوثر وكالفن من رواد الإصلاح البروتستانتي، زاعمين أن مقاصد الشاطبي كانت ثورة بروتستانتية على أصول الإمام الشافعي أحدثت قطيعة معرفية (إبستمولوجية) ([10]) مع البنيان الأصولي الذي شيده الإمام الشافعي على الألفاظ (في زعمهم)، وأعادت تشييد المنهجية الأصولية على المعاني والعلل والمقاصد.

وقد عنيت بدحض هذه الفرية في دراسة موسعة ([11])، ويمكن تلخيصها في هذا المقام بأن الشاطبي إنما يبنى على الشافعي، ويستلهم تجربته في علاج اختلال المنهجية الفقهية، وقد ذكر الشاطبي أصول الشافعي بعبارات الإجلال والتثمين، ولم يوجه للشافعي نقدا يفهم منه ما زعموه من القطيعة المعرفية (الإبستمولوجية) والثورة البروتستانتية على أصول الشافعي ورسالته.

كما أن الشافعي لم يكن فقيها لفظيا كما قالوا، وإن كنا لا نعد اللفظية سبة، بل كان الشافعي يراعي العلل والمقاصد، وهو أول من وسع الكلام في نظرية القياس رغم اشتهار الحنفية بالقياس قبل الشافعي، كما التفت الشافعي للمصالح والمقاصد في رسالته وغيرها من كتبها، كما أثبتنا في دراسات خاصة عن رسالة الشافعي، وإن كان الشافعي لم يوسع الكلام في المقاصد فلأن هذا شأن الأعمال التأسيسية: تضع القواعد واللبنات الأولى، ثم يأتي بعدها من يوسع الكلام، ويعمق الأبحاث، ويفرع الفروع.

كما أن مقاصد الشاطبي كانت حفظًا للنصوص من تلاعب المتلاعبين وليست مطية للتحلل من دلالات النصوص، وهذا بين في صريح كلام الشاطبي الذي ذم أصحاب التأويلات الفاسدة الذين يعملون على تسييل الدلالات النصية وفتح الباب لكي يقول كل من شاء ما يشاء دون تقيد بقواعد اللغة وغيرها من ضوابط الفهم([12]).

فرحم الله هذا الإمام العلم من أئمة الهدى، وأجزل له المثوبة على ما قدمه من علم ينتفع به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مدرس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة عين شمس.

([1]) الموافقات (مقدمة المحقق/ 22).

([2]) “مقاصد الشريعة” “ص164-165”. مشار إليه في الموافقات (مقدمة المحقق/ 52). وتثقيل الخط من عملي

([3]) “الحريات العامة في الدولة الإسلامية” ص 358، مشار إليه في: الموافقات (مقدمة المحقق/ 40).

([4]) الخطاب النقدي الأصولي من تطبيقات الشاطبي إلى التجديد المعاصر، مرجع سابق، ص19. نظرية النقد الأصولي، مرجع سابق، ص19.

([5]) الخطاب النقدي الأصولي من تطبيقات الشاطبي إلى التجديد المعاصر، المرجع السابق، ص14.

([6]) الخطاب النقدي الأصولي من تطبيقات الشاطبي إلى التجديد المعاصر، المرجع السابق، ص15.

([7]) الخطاب النقدي الأصولي، المرجع السابق.

([8]) تكوين العقل العربي 96 بواسطة زكي الميلاد: تجديد أصول الفقه، ص 169، وينظر تعقيب زكي الميلاد عليه.

([9]) أفدت هذه الملاحظة من أستاذنا المستشار الدكتور طارق البشري. وهو يؤمن بضرورة علم أصول الفقه في صناعة العقل القانوني، ويوصي كل طلاب القانون ورجاله بقراءة سفر الموافقات خاصة.

([10]) القطيعة الإبستمولوجية: مصطلح فلسفي من مصطلحات (نظرية المعرفة)، وقد اشتهر عن الفيلسوف الفرنسي (ألتوسير)، الذي كان يرى الفلسفة صراعا أيديولوجيا بين الأفكار، ويقصد ألتوسير بـالقطيعة الإبستمولوجية: التحول النظري بصدد تصور معين على نحو ينتج انقلابا أساسيا في العلاقات والحدود، وتغيرا جذريا لمدلولات المفاهيم؛ وذلك مثل: التحول في التصور الفلسفي عن ماهية الإنسان أو المجتمع. وقد وصف الدكتور محمد سبيلا هذا المصطلح بأنه بضاعة فرنسية لم تلق رواجا في أسواق الفكر الإنجليزية. وهذه القطيعة يعتبرها الفكر الحداثي شرط التنوير، قياسا على ما حدث في تجربة الغرب من ((إحداث قطيعة مع تراثه الديني، وعادة ما يطلق الكتاب الغربيون على هذه المرحلة: عصر التنوير والعقل، ويُشعِرون القارئ أن التنوير ارتبط بالتخلص من الدين واستبدال مصدرين آخرين به للمعرفة هما العقل والعلم، ولكن الحقيقة أنه كان تنويرًا في مجالات العلم والتقدم الدنيوي، لكنه كان ظلامًا في مجال الدين والقيم عندما اتخذ الانعتاق من الكنيسة ذريعة للانعتاق من كل دين)). وجدير بالذكر أن مبدأ القطيعة قد بنت عليه بعض القراءات الحداثية نقد نظرية القياس؛ لأن ميشيل فوكو بنى على مبدأ القطيعة رفض فكرة (الأصل السابق). ينظر: مدارات الحداثة، مرجع سابق، (ص 33، 49)؛ موقف الفكر الحداثي العربي من أصول الاستدلال في الإسلام، د. محمد بن حجر القرني، منشورات مجلة البيان، الطبعة الأولى، 1434ه. (النظريات العلمية الحديثة: مسيرتها الفكرية وأسلوب الفكر التغريبي العربي في التعامل معها: دراسة نقدية)، حسن بن محمد حسن الأسمري، مركز التأصيل للدراسات والبحوث، جدة، الطبعة: الأولى، 1433 هـ – 2012 م (1/ 189).

([11]) بحثنا للدكتوراه بعنوان (رسالة الإمام الشافعي في المنظور الاستشراقي)، وعقدت فيه مبحثا لنقد مقارنة المستشرقين والحداثيين التغريبيين بين الشاطبي والشافعي، وما تخللها من مغالطات، ومحاولات علمانية لاختطاف واحتكار المدارس العقلية الإسلامية وعزلها عن التيار العام للتراث الإسلامي، كما فعلوا مع ابن رشد في هذا السياق. وقد نبه أستاذنا الدكتور محمد عمارة إلى خطورة الاستسلام لمحاولات الاختطاف العلمانية لرموز التراث والفكر الإسلامي.

([12]) الاعتصام، 1/363.

عن هاني محمود حسن

شاهد أيضاً

مقاصد الشريعة الإسلامية “من مقتنيات معرض القاهرة الدولي للكتاب 2024”

مركز خُطوة للتوثيق والدراسات

قواعد المقاصد

الدين والحضارة: حفظ العمران مقصد شرعي

متى تصبح المقاصد علمًا؟

مقاصد الشريعة الإسلامية في ضوء السنة النبوية الشريفة. ج. 3

الفنون في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية. ج. 3

النص القرآني والإجراء العلماني للمقاصد

المدخل المقاصدي للخطاب العلماني: دراسة نقدية

د. أحمد إدريس الطعان الحاج

يتداول العلمانيون في خطابهم مفاهيم متعددة مثل: المقاصد والمصالح والمغزى والجوهر والروح والضمير الحديث والضمير الإسلامي والوجدان الحديث والمنهج والرحمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.