أمين الخولي من أدبية التفسير إلى إشكالات التأويل.
د. مدحت ماهر، د. شرف عبد الرحمن
صدر عن مركز خُطوة للتوثيق والدراسات ودار الكتاب المصري اللبناني كتاب “أمين الخولي من أدبية التفسير إلى إشكالات التأويل” تأليف الأستاذ. مدحت ماهر الليثي، والدكتور. شريف عبد الرحمن.
العنوان: أمين الخولي من أدبية التفسير إلى إشكالات التأويل.
المؤلف: مدحت ماهر الليثي، شريف عبد الرحمن.
الطبعة: ط. 1.
مكان النشر: القاهرة.
الناشر: دار الكتاب المصري اللبناني.
تاريخ النشر: 2020.
الوصف المادي: 206 ص.، 24 سم.
الترقيم الدولي الموحد: 6-118-453-977-978.
ويتكون الكتاب من ستة فصول وخاتمة:
الفصل الأول: السيرة الذاتية للشيخ أمين الخولي (1895- 1966م).
الفصل الثاني: اتجاهات التفسير الحديثة وموقع أمين الخولي منها.
المبحث الأول: عن علم التفسير.
المبحث الثاني: التيار الإصلاحي وإسهامه في مجال التفسير.
المبحث الثالث: ملامح المشروع التفسيري للخولي.
الفصل الثالث: مفهوم التجديد عند أمين الخولي.
المبحث الأول: مفهوم التجديد.
المبحث الثاني: مجالات التجديد.
الفصل الرابع: التجديد في التعامل مع القرآن الكريم:
المبحث الأول: نظرة الخولي لعلم التفسير وتطوره.
المبحث الثاني: المنهج ألدبي في التفسير.
المبحث الثالث: مفارقة التطبيق.
الفصل الخامس: رؤية نقدية للمقولات الأساسية في فكر أمين الخولي ومنهجه التفسيري.
المبحث الأول: نقد مقولة الدرس الأدبي.
المبحث الثاني: نقد مقولة التطور الدارويني.
الفصل السادس: الامتدادت الفكرية للخولي.
المبحث الأول: محمد أحمد خلف الله.
المبحث الثاني: عائشة عبد الرحمن.
المبحث الثالث: شكري عياد.
المبحث الرابع: نصر حامد أبو زيد.
ونعرض في السطور التالية تعريف بهذا العمل ومقدمته:
هذا الكتاب
يأتي هذا الكتاب ضمن مشروع أكبر يحاول الاقتراب من ظاهرة “التأويل الحداثي” للقرآن الكريم، والنفاذ لأهم مقولاتها ومرتكزاتها على نحو نقدي تحليلي، يجلى جوانب الغموض التى تتلبس بها هذه الظاهرة، ويقرب مضمونها إلى القاريء العربي، وقد اتفق القائمون بالمشروع على أن يأتي كتاب “أمين الخولي” في مقدمة أعمال هذه السلسلة لكون الخولي واحدا من أبرز من أسسوا لهذه النزعة التأويلية في قراءة القرآن الكريم، وذلك ضمن محاولته التجديدية التي أطلقها في منتصف القرن العشرين تحت مسمى “الدرس الأدبي،” وهي الدعوة التي يستند إليها أغلب رموز القراءة التأويلية المعاصرون أو يدّعون الانتساب إليها.
ولم يكن للدراسة التي بين أيدينا أن تخرج إلى النور بهذا الشكل لولا تضافر العديد من الجهود المعتبرة، التي ساهمت بدأب وتجرد سواء في جمع المادة العلمية وصياغتها صياغة أولى، أو في مراجعتها وتحريرها وتنقحيها. وتضم قائمة المشاركين في هذه المهام كل من د. محمود خليفة[1]، ود. فاطمة حافظ[2]، وأ. مهجة مشهور[3]، وأ. منال يحيى[4]، ود. هبة مشهور[5]، ود. شيرين شيرين فهمي[6]. فيما قام بالتأليف والتحرير النهائي للأفكار المتضمنة بهذا الكتاب كل من أ. مدحت ماهر[7]، ود. شريف عبد الرحمن[8].
وسوف يتابع الباحثون في مركز خطوة (بعون الله تعالى) العمل ضمن نفس المشروع لاستعراض بقية ملامح وأفكار هذا التيار التأويلي عبر تجلياته المتعددة، في محاولة لصياغة موقف نقدي متماسك من هذا التيار، وفي نفس الوقت في محاولة للوصول إلى أسس ومرتكزات وضوابط القراءة التأويلية للقرآن الكريم.
المقدمة
للشيخ أمين الخولي إسهام معتبر في تجديد “علم التفسير” المعاصر، فهو صاحب دعوة مهمة طرح في ثناياها عددا من المقولات المتعلقة بتجديد النحو والأدب والبلاغة العربية — والتي هي في جملتها أدوات دراسة وتفسير القرآن الكريم. فمن مجمل أربعين كتابا ورسالة للخولي كتبها أو ألقاها في صورة محاضرات، انتظمت في إطار فكرة “التجديد” نحو ثلاثين منها. صحيح انه لم يكتب لكثير منها أن يُطبَع، لكن الدراسات المحورية منها تكشف عن خريطة أساسية لمقولة التجديد عند الخولي خاصة فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم وعلومه الخادمة له.
وقد ظهرت دعوة الخولي التجديدية إلى النور فى إطار موجة نهضوية عامة، انطلقت من افتراض ان الأمة العربية والإسلامية تمر بحالة من التراجع الثقافي، تستدعى تقديم منتج تجديدي، يحتذي التجربة النهضوية الأوربية بأدواتها ومناهجها، فــ”يقتل القديم فهماً،” ويتجاوز “جموده الفكري،” ويسعى للحاق بالحداثة والحضارة والنهضة. وكان أن اضطلعت نخبة عربية — كان الخولي أحد روادها — بمهمة نقد التراث الثقافي لعرب الماضي، لاستخدامه كأساس للنهوض بعرب الحاضر. وقد تراوحت عملية الإحياء تلك بين إعادة تقديم التراث بعد صبه في قوالب معاصرة، إلى مراجعته ونقده للبناء عليه، وصولاً إلى حد تجاوزه واستبدال غيره (المنتج الحضاري الغربي) به.[9]
وقد أتيح للشيخ أمين الخولي أن يقارن بين حال الواقع المصري والعربي من جهة وبين حياة الأمم المتقدمة حضاريا من جهة أخرى. حيث تفاعل الخولي وتأثر بما ورد من الغرب من أفكار ونظريات؛ وكان في مقدمة هذه الأفكار والنظريات نظرية “التطور الداروينية،” التي تبناها وجعل منها منطلقا لمشروعه التجديدي. حيث سعى الخولى لبيان ان هذه النظرية لا تتعارض مع الإسلام، وحاول نسبة مفهومه عن التجديد بالمعنى التطوري إلى الأقدمين من السلف. وقد بلغ من إيمان الخولي بنظرية التطور أن دعا إلى تفعيلها والاستفادة منها فى مجالي الشرائع والعقائد، إذ ذهب إلى ان حقيقة امتداد دعوة الإسلام وحياته أفقيًّا ورأسيًّا، مكانًا وزمانًا تتضمن ان الإسلام نفسه بعقيدته وأحكام عباداته ومعاملاته يتطور وفق النظرية الداروينية.[10]
وقد تجلى منهج التجديد عند الخولي في دعوته لإحداث “طفرات” حقيقية في ثقافة المسلمين عامة وثقافة المصريين خاصة، بما يتجاوز بهم معضلات العصر؛ بداية من مشكلات الحياة اليومية وخاصة اللغوية، مرورا بإشكاليات “الأدب المصري” و”تعدد الثقافات” في مصر، والتجديد في “رسالة الأزهر في القرن العشرين” وصولا إلى تجديد “مناهج النحو والبلاغة والأدب”، وانتهاءً بالتفسير وطرق التعامل مع القرآن الكريم وهديه في الأموال والقيادة والحكم وغيرها.
وقد انتقد الخولي التراث التفسيري في مجمله، واعتبر انه بحاجة إلى التقويم، بل والتجاوز ان لزم الأمر، وقد جاءت محاولته التجديدية مستوعبة تماما لهذا النقد، لذا نراه وقد صدّر أحد أشهر كتبه (مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب) بعبارة تلخص منهجه التجديدي المرن، والمتجاوب مع تغيرات الواقع بقوة، يقول فيها: “إن من النواميس الاجتماعية أن تعد الفكرة حينا ما كافرة تجرم، ثم تصبح مع الزمن مذهبا، بل عقيدة تعتنق، وإصلاحا تخطو به الحياة خطوة إلى الأمام.”[11]
وقد استخلص الخولي ان المقصد النهائي من التفسير هو الكشف عن “أدبية النص القرآني.” فتحت شعار ان “القرآن الكريم هو كتاب العربية الأكبر وأثرها الأدبي الأعظم” أرسى الخولي قواعد مدرسة في التفسير جوهرها إبراز “الطابع الأدبي” للقرآن الكريم. والصفة الأدبية عند الخولي لا تنصرف فقط إلى منهج التناول، ولكنها تشير إلى طبيعة النص ذاته. فالقرآن عند الخولي هو نص أدبي، يفرض منهجا وحيدا فى تناوله وتفسيره وهو المنهج الأدبي. وهكذا لم يكتف الخولي بإعلان تفضيله للأدب منهجاً، وإنما ذهب خطوة أبعد وأخطر بالتأكيد على ان القرآن نفسه هو “نص” ينتمى إلى آداب اللغة العربية.
وما يسميه الخولي “منهجا للدرس الأدبي” لا يقتصر على التناول الأدبي وفق أدواته المعروفة من لغة ونحو وبلاغة، وإنما هو بحث في التاريخ والجيولوجيا والاجتماع وعلم النفس، وهو ما يطلق عليه الخولي دراسة “ما حول النص،” حيث ألح الخولي دوما على ضرورة الاعتماد على مصادر أوسع من “الرواية المنقولة، والخبر المسرود،” مشيرا بذلك إلى المصادر المادية والمعنوية، بنفس الطريقة التي يعتمد بها المنهج التاريخي في نسخته الغربية على المصادر الصامتة (مثل الحفريات والآثار إلخ) الأكثر صدقاً من وجهة نظره.[12]
وقد تطورت دعوة الخولي التجديدية وأخذت مسارات عدة مع تلامذته الذين حاولوا التوسع في تشغيل منهجه، والكشف عن أسسه ومبادئه، وذلك في سياق تنزيلهم لهذا المنهج وتطبيقهم لمكوناته في الدراسات القرآنية، وهو الأمر الذي تبدى بوضوح في مؤلفاتهم، حيث انعكست أفكار الخولي على إنتاج كثير من اللاحقين من تلامذته ممن استشعروا نفس حالة القلق إزاء وضعية المعرفة السائدة، وطرق التفكير، وأسس التفسير، وساروا على دربه في محاولته “قتل القديم فهما”، وتشريح أسباب التراجع الثقافي، وفك عقدة الارتباط بالتقاليد، ومعالجة إشكاليات القراءة ومفهوم النص وجدليات الخطاب… إلخ على اعتبار ان ذلك أول التجديد![13]
لقد كان من الوارد ألا تثير جهود “التفسير الأدبي للقرآن،” ومحاولة رد دراسة النص القرآني إلى حقل الدراسات الأدبية الجدل، لولا ما ارتبط بها من افتراضات/مصادرات زعمت ان النص القرآني مجرد “قطعة أدبية،” وخلعت من ثم عنه صفة الإطلاق، وربطته بالسياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي. أثارت مثل هذه المصادرات المنهاجية إشكالات صبغت ولازمت مدرسة التفسير الأدبي بكافة روافدها، وخصوصا فى نطاق تصورها للعلاقة بين الثابت والمتغير، ما جعلها تقف في مواجهة المدارس التفسيرية الأخرى التي ترى ان للقرآن وجوده المطلق خارج حركة الزمن والتاريخ والبيئة، وتؤكد ان تفسيره ليس عملا تطوريا بالمعنى المطلق لكلمة التطور، خصوصا إذا ما أريد بذلك الإشارة إلى فكرة انفتاح النص على كافة التأويلات التي تتغير بظروف الزمان والمكان والمجتمع، على نحو ما ينادي البعض.[14]
وقد ظهرت تداعيات هذه “المصادرات” على نحو واضح في تناول أنصار “الدرس الأدبي” لمسألة “القصص القرآني،” فالقصص القرآني — وفقا لفهم أنصار هذه المدرسة — إنما سيق لأهداف وعظية تربوية في أسلوب بلاغي فني، وليس لرواية التاريخ بما تستلزمه من دقة في التفاصيل والتواريخ وتسلسل الأحداث. ومن هنا فقد اعتبر بعض هؤلاء ان (معظم) قصص القرآن غير واقعي وغير حقيقي، وانه يتعين تأويل كل ما جاء فى القرآن الكريم في هذا الصدد لكي يخدم غايات نفسية ووجدانية.
وقد دافع البعض عن أنصار مدرسة الدرس الأدبي بالقول إن الأدب عند أنصار هذا التيار هو المحرك لتحقيق أي تقدم، ومن ثم لا يستشعر هؤلاء أي نوع من الجناية عندما يردون النص الإلهي إلى القوالب الأدبية، وعندما يردون معانيه وقيمه وقصصه إلى الخيال والمجاز والاستعارات، فلهذه الأدوات مجال الصدق الذي تختبر فيه، وهو صدق التأثير، ومن هنا فلا مشاحة في أن يوصف قصص القرآن لديهم بأنه قصص غير تاريخي، (وليس فقط انه لم يراع التأريخ).[15]
ولكن أيا ما تكن التبريرات والحجج التي يسوقها أنصار التفسير الأدبي أو المعتذرون عنهم، يظل استخدام مثل هذه المنهاجية محفوفا بتساؤلات عديدة، فمع الاعتراف بالفوائد التي يمكن أن تترتب على الاقتراب من القرآن اقترابا أدبياً، يظل التساؤل قائما حول مدى مشروعية اعتبار القرآن نفسه نصا أدبياً؛ أي نصا يستهدف التأثير الوجداني من دون أن يراعي مطابقة الواقع، وكذا حول ما يمنع أنصار هذا النوع من التفسير من الجمع بين الإقرار بأن القرآن هو كتاب العربية الأكبر، الذي يشهد على جماليات اللغة، وقدرتها على التأثير في نفوس من يتلقونها، وبين كونه في نفس الوقت كتابا واقعيا يرصد الواقع (التاريخي) على مستوى من الإجمال حينا ومن التفصيل أحيانا.
من ناحية أخرى يظل التساؤل قائما حول جدوى القيام بمحاولة التفسير الأدبي وفق الخصائص السابقة، وتحديدا حول ما إذا كان تحييد غرض الهداية، واعتبار ان مقصد التفسير أدبي محض (على نحو ما طالب الخولي) قد أدى إلى إضاءة مساحات جديدة من النص، أم تسبب في حجب جوهر النص والخروج به إلى طبيعة أخرى؛ لم تفد التفسير بقدر ما فتحت الباب أمام معالجات لاحقة (القراءات الحداثية)، انتهت إلى الدعوة لأنسنة النص، بوصفه نصا بشريا؛ يُقرأ وفق منظور تاريخي نسبي، بغض النظر عن مصدره، أو بالنظر إلى مصدره ضمن الحركة التاريخية لا خارجها!
لماذا أمين الخولي؟
أما عن حيثيات اختيار الشيخ أمين الخولي كمحور لهذه الدراسة، فقد جاءت ضمن محاولة البحث في الجذور الفكرية والمنهجية لمدرسة في التفسير أصبح لها أتباع كثر، كما صار لأدبياتها صدى واسع لدى قطاع كبير من المثقفين منذ نهايات القرن الماضي، وأحدثت جدالات واسعة بين علماء الأمة ومفكريها، ممن تراوحت ردود أفعالهم بين رفض التجربة برمتها لما لها من نتائج تتصادم مع ما هو مستقر في مجال علم التفسير السائد، وتأييد بل وتحمس لهذه التجربة التي تطرح مناهج جديدة لفهم القرآن الكريم، تتمرد على ما ألفته الأمة الإسلامية على مر القرون، وتقدم لغة جديدة للتعامل مع القرآن الكريم، تدّعي كونها الأنسب لهذا العصر.
وقد ظهرت محورية أمين الخولي بالنسبة لهذه المدرسة من خلال عدة أمور:
الأمر الأول: رؤيته التجديدية (والجدلية فى الوقت ذاته) التي تقوم على التعامل مع القرآن الكريم كنص أدبي دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى؛ أي بدون النظر إلى قدسيته أو مصدره الإلهي. وهي الرؤية التي تبناها كثير من الباحثين من أصحاب التوجهات الحداثية لاحقاً، والتي ستلقي الدراسة (في خاتمتها) قدرا من الضوء على أبرز ما اندرج تحتها من موضوعات.
الأمر الثاني: شهادات تلامذته المباشرين وغير المباشرين ممن يؤكدون انتمائهم المعرفي لأستاذهم ويعتبرون أنفسهم امتدادا له. كتب عنه لويس عوض، ان كل من جلس بين يدي الشيخ أمين الخولي يتلقى العلم عليه يرتبط به ارتباط المسحور بالساحر.” أما صلاح عبد الصبور فكتب يقول… “كان يثير فينا روح الجدل، والحوار والرأي والتفكير، ولا يهتم بأن نقول له نعم.”[16] أما شكري عياد فكتب يقول عنه كنا نخرج من دروس أستاذنا أمين الخولي، ونحن نشعر ان عقولنا قد مخضت مخضا، … وتبينا ان المنظر الذي كان يبدو لنا انه الحقيقة ليس في الواقع إلا غلالة من نسيج واهن، تحته حيوات كثيرة لم نكن نشعر بوجودها، ولكنها تتنفس وتنمو وتضرب بجذورها في الأرض.”[17]
الأمر الثالث: الدراسات العديدة التي عكفت على دراسة تيار التأويل الحداثي، وأكدت محورية أمين الخولي في نشأته. إذ يقرر “أحميدة النيفر” في كتابه “الإنسان والقرآن وجها لوجه” ان أمين الخولي قد أرسى دعائم مدرسة حديثة في التفسير تبنت سؤال التجديد، واستفادت من الكشوفات العلمية الجديدة لقراءة النص القرآني، وقطعت منهجيا مع أصحاب التراث التفسيري القديم.[18] أما الناقد الأدبي سامي خشبة فيذهب في كتابه “مفكرون من عصرنا” إلى انه من الممكن من الناحية الفلسفية اعتبار أمين الخولي المؤسس الحقيقي للاتجاهات النسبية، التاريخية والتأويلية، في الفكر المصري والعربي المعاصر.[19] ويستشهد عبد السلام حيدر بما كتبه المستشرقون الألمان عن أمين الخولي وكيف يعدونه رائد منهج التفسير الأدبي للقرآن، وهو المنهج الذي يشير بالنسبة لهم إلى التعامل مع القرآن دون النظر إلى الجوانب الدينية، ومن ذلك المستشرق “شتيفان فيلد،” في كتابه “القرآن كنص،”[20] وكذا المستشرقة روتراود فيلاند التي تؤكد انه إذا كان يحسب لطه حسين انه أول من دعا هذه الدعوة، فإن التنظير والتقعيد لها لا يمكن أن ينسب لأحد سوى أمين الخولي.[21]
وفي هذا الإطار ينقسم الكتاب إلى ستة فصول، يتناول أولها السيرة الذاتية للشيخ أمين الخولي، فيما يلقى الثاني الضوء على اتجاهات التفسير الحديثة وموقع الخولي منها، ويركز الفصل الثالث على أبعاد مفهوم التجديد عند الخولي، ثم يتطرق الفصل الرابع لملامح المشروع التجديدي للخولي فى تعامله مع القرآن الكريم، ثم يطرح الفصل الخامس رؤية نقدية للمقولات الأساسية في مشروع الخولي ومنهجه التفسيري، ويتناول الفصل السادس الامتدادات الفكرية للخولي، ويتعرض لمدى اقترابهم من أفكاره. وتختتم الدراسة بعرض لأهم المفاهيم التي تلخص مشروع القراءة التأويلية الحديثة وتحاول تبين المدى الذي ساهمت به أفكار الخولي فى إرساء جذورها ورسم تفاصيلها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] دكتوراة التفسير وعلوم القرآن، جامعة الأزهر.
[2] دكتوراة التاريخ الحديث، كلية الآداب، جامعة القاهرة.
[3] دبلوم الشريعة، كلية دار العلوم، ودبلوم الاقتصاد، معهد الدراسات العربية.
[4] ماجستير العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.
[5] أستاذ النقد الأدبي وعلم السيميوطيقا، كلية الآداب، جامعة القاهرة.
[6] دكتوراة العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
[7] دكتوراة في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، والمدير التنفيذي لمركز الحضارة للدراسات والبحوث.
[8] أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
[9] جوزيف مسعد، اشتهاء العرب (القاهرة: دار الشروق، 2013)، ص ص 29، 85.
[10] أمين الخولي، المجددون في الإسلام (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992)، ص 43.
[11] أمين الخولي، مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب (القاهرة: دار المعرفة، 1961)، ص ص 17، 19.
[12] أمين الخولي، تاريخ الملل والنحل (القاهرة: مطبعة العلوم، 1935)، ج 1، ص 48.
[13] أمين الخولي وفكر التجديد، ملف خاص، الثقافة الجديدة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، العدد 315، 2016.
[14] انظر: أحمد محمد سالم (تقديم) في: أمين الخولي، تاريخ الملل والنحل (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2005)، ص 18.
[15] تشارلز آدامز، الإسلام والتجديد في مصر، ترجمة: عباس محمود (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2015)، ص 5.
[16] عبد الباسط سلامة هيكل، الحب والحقد المقدس – حوار الجد والحفيد (القاهرة: دار روابط للنشر وتقنية المعلومات، 2018)، ص 77.
[17] ماهر شفيق فريد، في ذكرى رحيل أمين الخولي، جريدة الأهرام، 12 مارس 2002.
[18] أحميدة النيفر، الإنسان والقرآن وجها لوجه (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر، 2000)، ص 120.
[19] سامي خشبة، مفكرون من عصرنا (القاهرة: المكتبة الأكاديمية،2001)، ص 100.
[20] Stefan Wild (ed.), The Qur’an as Text (Leiden: EJ. Brill, 1996).
[21] عبد السلام حيدر، أمين الخولي ومنهجه في تفسير القرآن الكريم، طواسين، على الرابط: shorturl.at/etuLT، كما يذهب الباحث “فؤاد بو علي” في دراسته المعنونة “الأسس المنهجية للقراءة الحداثية للنص القرآني: محاولة في التفكيك والتأسيس” إلى أن القراءات الحداثية للنص القرآني تقوم على الثورة على الموروث أيا كان مصدره أو قيمته، ويتم ذلك من خلال أربع قراءات معاصرة، أولها القراءة الأدبية التي حاول من خلالها الخولي أنسنة النص وتجاهل مقوماته الروحية. انظر: فؤاد بو علي، الأسس المنهجية للقراءة الحداثية للنص القرآني: محاولة فى التفكيك والتأسيس، مجلة التسامح، السنة السادسة، العدد 24، (2008)، ص ص 231- 249.