العنوان: الاستشراق في التأريخ: الإشكالات، الدوافع، التوجهات والاهتمامات.
المؤلف: عبد الجبار ناجى
الطبعة: ط. 1.
مكان النشر: بيروت
الناشر: المركز الأكاديمى للأبحاث.
تاريخ النشر:2013
الوصف المادى: 581 ص. ، 24 سم.
الترقيم الدولي الموحد: 6-745-88-9948-978.
ينظر الكاتب في مؤلفه هذا، وهو ليس كتابه الأول في هذا المجال، إلى الاستشراق بمنظار كلي بهدف تشخيص المراحل التاريخية التي مرت بها الحركة الاستشراقية عبر التاريخ، والوقوف على ما يسمى بمرحلة “ما بعد الاستشراق”، فهو يسعى لرصد المتغيرات الواقعية في المجال الاستشراقي وتحولاته والتلقى العربي أو الإسلامي له عبر مجموعة من المحاور التي تتسم بطابع كلى شمولى.
ينقسم الكتاب إلى مقدمة وخمسة أبواب، وخمسة عشر فصلاً تأتي تحت العناوين الآتية:
الباب الأول: جدل إبستمولوجى بشأن إشكاليات الاستشراق.
الباب الثانى: الاستشراق في التاريخ.
لباب الثالث: المستشرقون والسيرة النبوية
الباب الرابع: المستشرقون والإسلام.
الباب الخامس: إسهامات المستشرقين في دراسة المدينة العربية الإسلامية.
الباب السادس: ما بعد الاستشراق.
الباب الاول: جدل إبستمولوجى بشأن إشكاليات الاستشراق
الفصل الأول: مقدمات واستدراكات
المبحث الأول: لماذا كتاب تطور الاستشراق في دراسة التراث الإسلامى؟
أنموذج من الجدل مع الآخر الأكاديمي.
يذكر الكاتب في هذا المبحث دوافع اهتمامه بموضوع الاستشراق وتطور هذا الاهتمام خلال مراحل حياته المختلفة. كما أكد الكاتب أنه يتبع منهجاً يختلف عن المنهج السائد في تناول موضوع الاستشراق، حيث المنهج السائد بين معظم الباحثين العرب هو المنهج الهجومي والانفعالي إزاء المستشرقين وربطهم بشكل أساسي بالاستعمار والتبشير، إلا أن الكاتب يتبع منهجاً يصفه بأنه أكثر استقلالية وموضوعية، وهو المنهج القائم على عرض تطور المواقف والاتجاهات الاستشراقية تبعاً للمراحل التاريخية منذ القدم وحتى الوقت الراهن، بما يتضمن عرض الإيجابيات والسلبيات معاً، ودون الاقتصار على بيان السلبيات في تفسيرات المستشرقين ورؤاهم تجاه القرآن الكريم والسيرة النبوية مع إغفال ما حققه المستشرقون من تحقيقات وبحوث هامة، مبيناً أنه في ذلك يقتدى بمن سبقوه من علماء المسلمين في اتباع منهج نقدي تاريخي يفعِل الاستدلال والاستنباط ويطعن في المرويات لبيان الصادق منها من الكاذب، مستشهداً في ذلك بكلام العالم والمؤرخ الكبير الطبرى والعلامة ابن الجوزى وغيرهم من علماء المسلمين، منتقداً بذلك التسليم بالرواية التاريخية التي هيمنت عليها السلطتين الأموية والعباسية رافضاً تعليق مساوئ المرويات على شماعة المستشرقين، وه حسب رأيه مرويات رواها رواة السلطة ومؤرخيها.
المبحث الثانى: واقعية العنوان (الاستشراق والتراث العربى الإسلامى)
يقدم الكاتب في هذا المبحث عرضاً سريعاً لما سيتناوله في الفصول القادمة بالتفصيل حول دوافع المستشرقين المتنوعة في المراحل التاريخية المختلفة، فكان بعضها ديني تبشيرى، والبعض الآخر سياسي استعماري، كما اختلفت اتجاهاتهم أيضاً في أساليب التناول، فكان منها السلبي الذي يتهم الحضارة الإسلامية بالتقليد والتبعية وعدم الأصالة في المنجزات الحضارية، والبعض الآخر الإيجابى الذي أشاد بأثر الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية. ثم ينتقل للحديث عن منجزات المستشرقين والمجهود الذي بذلوه في تعلم اللغات الشرقية لقراءة المخطوطات الإسلامية وتحقيقها، ويشير في هذا الصدد إلى المستشرق الألماني “كارل بروكلمان” وكتابه ” تاريخ الأدب العربي”، فضلاً عن تقديم عدد من الفهارس الهامة مثل موسوعة الفهرست الإسلامي الذي قام بتأليفه المستشرق البريطاني “بيرسون” مستفيداً في ذلك بما قدمه عالم الفهرسة المسلم الرائد ابن النديم، فضلاً عن المعاجم الإسلامية المختلفة. وفي هذا الصدد يشير الكاتب إلى أن الكثير من منجزات المستشرقين -ولا يقصد بذلك أنها كانت إيجابية مائة بالمئة- أصبحت مراجعاً هامة في الكثير من موضوعات التراث الإسلامي.
وتحت عنوان جانبي “التراث الإسلامي في نظر المستشرقين” يستكمل الكاتب المبحث مبيناً دوافع المستشرقين المختلفة في الاهتمام بالحضارة الإسلامية في العصور الوسطى وذلك من منطلق كونها حضارة صاعدة مزدهرة تنافس وتتحدى حضارتهم التي كانت في هذا الوقت قوة كبيرة، وعلى إثر ذلك تأسست المعاهد والكراسي في الجامعات لتعليم اللغة العربية، ومن ثم تمكن المستشرقون من القراءة في التراث الإسلامي والكتابة عنه.
ثم يعرض الكاتب عرضاً مقتضباً لردود أفعال الباحثين والعلماء المسلمين على الدراسات التي يقوم بها المستشرقون والتعرض إلى الدوافع المحركة لهم على ذلك، ويشير هنا إلى كتاب الدكتورة عائشة عبد الرحمن “تراثنا بين ماض وحاضر”، وكتاب الأستاذ مالك بن نبى “إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث” وغيرهم ممن كتبوا في هذا المضمار، يشير أيضاً إلى ظهور مجموعة أخرى من الدراسات المعنية بالتعريف بالاستشراق وبأعلام المستشرقين وبإنجازاتهم، من مثل الكتاب الذي صنفه الأستاذ نجيب العقيقى “المستشرقون”، وفي هذا الإطار يشير الكاتب إلى أن الدراسات العربية بخصوص الاستشراق منذ السبعينيات تتمثل بمحورين الأول يتعلق بتسليط الضوء على تخرصات المستشرقين وتحريفاتهم للنصوص والتاريخ، والثانى معني بتوصيف الاستشراق كحركة وكوسيلة من وسائل التبشير. ثم ينتهي الكاتب من هذا المبحث بالحديث عن الدراسات والمؤتمرات الأجنبية التي عقدت حول الاستشراق مبيناً أنه منذ سبعينيات القرن الماضى تغيرت الدوافع أو بالأحرى تغيرت المصالح بين الشرق والغرب، بما يستلزم خططاً جديدة للهيمنة تختلف عن الأساليب المباشرة، وفي هذا الإطار اتفق المستشرقون المجتمعون في مؤتمر عقد في فلورنسا عام 1973 على أفضلية التوقف عن استخدام مصطلح الاستشراق بسبب اعتراض عدد من العلماء الشرقيين الذين يعتقدون بأنه مصطلح مسئ لهم، كما نشرت مجموعة من الدراسات الأجنبية التي تنتقد ما قدمه المستشرقون القدامى حول التراث الإسلامى.
ويختتم المبحث بتقديم الكاتب مجموعة من الإرشادات المنهجية التي يجب أن يعتني بها الباحثون العرب والمسلمون في دراسة الحركة الاستشراقية، تتضمن ضرورة الاهتمام بالدقة البحثية في نقد الإنتاج الاستشراقي وقراءة النصوص بلغاتها الأصلية، والأخذ في الاعتبار تنوع دوافع المستشرقين وفقاً لكل مرحلة تاريخية ووفقاً أيضاً لكل دولة، وذلك مع عدم إهمال الخلفيات التاريخية والسياق الاجتماعي والثقافي للمستشرق والتي تؤثر في دوافعه.
الفصل الثانى:إشكاليات ماثلة بشأن الاستشراق والمستشرقين
وحلولها مترجحة بين الوضوح والغموض
يتعرض الكاتب في هذا الفصل إلى مجموعة من الإشكاليات المنهجية، فبدأها في المبحث الأول بإشكالية المصطلح، فتناول الإشكاليات المثارة حول مصطلح الاستشراق وأصله اللغوي وبداية استخدامه والخلط بينه وبين مصطلح الاستعراب والمستعرب، الذي يعرفه بأنه العالم الأجنبي الذي يقتصر اهتمامه على اللغة العربية والأدب العربى، وهذا مفهوم أضيق من الاستشراق. ويخلص من مناقشة إشكالية المصطلح وجذوره إلى عدة نقاط، أولها أن بالرغم من ورود كلمة “Orientalism” في القواميس الغربية إلا أنها لا تستخدم للإشارة إلى تلك الحركة الغربية المعنية بدراسة الشرق والحضارة الإسلامية كما هي مستخدمة ومفهومة من قبل العرب، وإنما غاية ما يمكن أن تشير إليه هو معرفة اللغة الشرقية والأدب الشرقى وتاريخه واستخدام هذه المعارف علمياً، وبالتالي يخلص الكاتب إلى أن أكثر المستشرقين الأوروبيين لا يستخدمون مصطلح الاستشراق في دراساتهم ويفضلون استخدام عناوين أخرى مثل (الدراسات العربية الإسلامية)، وقد تجلت هذه الرغبة في المؤتمر المنعقد في باريس عام 1973 حيث قرر المستشرقون عدا من ينتمون للاتحاد السوفيتى والدول الاشتراكية التوقف عن استعمال التعبير (المستشرقون Orientalists). ومن هنا يصل الكاتب إلى نتيجة مفادها أنه من الخطأ على العرب والمسلمين استخدام تعبير الاستشراق، وأن ذلك قد يتضمن خللاً فكرياً ولغوياً وتاريخياً، وأنه من الأفضل الإبقاء على التسميات التي فضلها أصحاب التخصص وعلماء الاستشراق الأوروبي من مثل (الدراسات العربية والإسلامية في مؤلفات الغربيين أو إسهام المستشرقون الغربيون وهكذا)، مضيفاً أنه لابد أيضاً من تجنب الخلط بين المؤرخين الغربيين المهتمين بالتاريخ الإسلامي والمستشرقين، مستدعياً ما قاله المستشرق الألماني فوك الذي جعل الخط الفاصل بين المؤرخ الأوروبي المهتم بالتاريخ الإسلامي والمستشرق هو أن المستشرق لابد أن يكون مؤرخاً متضلعاً باللغات الشرقية والأدب الشرقي، أما المؤرخ فقد يستعين بمن يترجم له ما يحتاجه من نصوص لكنه غير عالم باللغات الأصلية.
وانتقل الكاتب في المبحث الثاني والثالث إلى إشكالية الانتماء الديني والهوية القومية وهل المستشرق مبشر؟ فتناول إشكالية رسم حدود واضحة بين المستشرقين وغيرهم، وهي الانتماء القومي، فيذكر حالة المؤرخ اللبناني المسيحي العربي “فيليب حتى” الذي ولد في لبنان ثم هاجر إلى أمريكا وحصل على الجنسية الأمريكية وتابع بحوثه ودراساته حول التاريخ العربي الإسلامى، وهنا يطرح الكاتب تساؤلاً حول مدى صحة اعتبار هذا العالم مستشرق أو مستعرب، خاصة وأنه متاثراً في أطروحاته بالعقلية الغربية. وعلى صعيد آخر يعرض حالات أخرى لعلماء غربيين اعتنقوا الإسلام، ويتابع بأمثلة أخرى تتعرض للانتماءات القومية والدينية لعلماء أجانب غير أوروبيين لديهم اهتمام بالشرق والإسلام متسائلاً حول إمكانية اعتبار كل هؤلاء مستشرقون أم لا، لينتقل إلى أن مصطلح الاستشراق الذي يستخدم بتوسع بين الباحثين العرب والمسلمين لابد من إعادة النظر فيه، نظراً لهذا التشوش الذي يحيط بالتعريف به وبمن تصح تسميته بمستشرق. ثم يختتم الكاتب هذا المبحث ببيان خطأ الاعتقاد الذي يساوي بين المستشرق والمبشر مبيناً أن هذا قد ينطبق على ما ساد الحِقب التي عاصرت العصور الوسطى الأوروبية وما بعد عصر النهضة بقليل، أما فيما بعد ذلك فإن التبشير كمؤسسة قد ولى عهدها ولا يصح حينئذ مساواة المستشرق بالمبشِر، ولكن على الرغم من ذلك يشير إلى أن التبشير الفعلي لم يتوقف ولكن اتخذ وسائل مختلفة عما كانت سابقاً.
ثم تناول الكاتب انقسام الموقف الفكري العربي من المستشرقين بين الناقدين والمادحين، مبيناً دوافع الموقف العربي الإسلامي الحاد من المستشرقين وأن هذا الموقف له ما يبرره، فيذكر موقف الحركة الاستشراقية في العصور الوسطى الموجه ضد ديننا ونبينا ﷺ وتاريخنا، ثم مشاطرتها في القرن العشرين موجة السياسات الاستعمارية الأجنبية للعالم العربي والإسلامي، وهذا مما يبرر الموقف العربي والإسلامي منه، إلا أنه يعود وينتقد هذا الموقف الذي بالرغم أن له ما يبرره إلا أن هذه الدوافع العاطفية جعلت من الدراسات العربية والإسلامية مشحونة بالعاطفة وبعيدة عن العقلانية في تناولها موضوع الاستشراق، رافضاً بذلك موقف الدفاع الذي يهيمن على الدراسات العربية والإسلامية نحو الاستشراق، داعياً إلى دراسة الغرب دينياً وتبشيرياً وحضارياً، فيدعو إلى عرض آراءنا بلغة تصل إليهم وباتباع منهج علمي بحثي حقيقي ثم نتركهم يدافعوا عن أنفسهم.
ثم يعود الكاتب مرة آخرى لمسألة التشابك بين الاستشراق والتبشير مبيناً أن التبشير -كمؤسسة- ارتبط بالحروب الصليبية، وأعاد التأكيد على عدم صحة المساواة بين المستشرق والمبشر الديني، ثم يختتم المبحث بدعوة الباحثين من العرب والمسلمين إلى ضرورة الاستماع للآخر والتعرض لأفكاره بالمناقشة العلمية وأن الرفض التام تؤثر بالسلب على ميداننا المعرفي، مبيناً أهمية توسعة المدارك بأن المستشرقين تختلف دوافعهم وأفكارهم ومعتقداتهم فلا يصح قولبتهم في قالب واحد، فمنهم المبشرون ومنهم العلمانيون ومنهم الملحدون ومنهم من تحركه الدوافع السياسية أو الاستخباراتية أو غير ذلك، وعلى الصعيد الآخر منهم مثقفون منصفون محبون للاطلاع على ديننا، وجاء الكاتب باستشهادات من بعض المستشرقين مثل فرانسيسكو جبرييلي ومونتجمري وات الذين انتقدوا دراسات المستشرق هنري لامانس لتحاملها الشديد غير الموضوعي ضد الإسلام. ومن ثم لا بد من فهم هذا وأخذه في الاعتبار من قبل علمائنا وباحثينا عند التعاطي مع الاستشراق والمستشرقين.
يتعرض الكاتب في المبحث الرابع من هذا الفصل إلى إشكالية هامة تتعلق بالتحيز الأيديولوجي والفكري للمستشرقين والتي تدفعهم إلى تناول بعض الموضوعات الخاصة بديننا أو نبينا أو تاريخنا من خلال فكرة مسبقة أو تحيز أيديولجي أو مذهبي مسبق، مما يؤثر على رؤيتهم وتفسيرهم للأحداث، ويجعلهم لا يفرقون أحياناً بين الروايات وبعضها، فيستندون أحياناً إلى روايات ضعيفة تدعم فكرتهم.
وفي المبحث الخامس والأخير من هذا الفصل تناول الكاتب إشكالية تاريخية ظهور مصطلح “الاستشراق”، ويرى أن السائد في الكتابات العربية يفيد بأن استخدام المصطلح وشيوعه يرتبط ارتباطاً جدلياً بالاستعمار ولا سيما الاستعمار البريطانى في نهاية القرن التاسع عشر، وهنا يعرض الكاتب عرضاً كرونولوجياً لتواريخ استخدام المصطلح في المعاجم والقواميس الأوروبية ليصل إلى بيان خطأ التصور الشائع في الكتابات العربية والإسلامية حول بداية ظهور مصطلح الاستشراق، مبيناً أن أول ظهور للمصطلح في قاموس أكسفورد كان عام 1767، هذا مع الأخذ في الاعتبار التتبع التاريخي للعلاقات السياسية والاقتصادية بين الغرب ما قبل المسيحي والمسيحي وبين الشرق ما قبل الإسلامي والإسلامي، وأن هذا التتبع للتحولات التاريخية بينهم يعد مقدمة ضرورية لظهور المؤلفات التي تناولت تاريخ الشرق أو تاريخ العرب والمسلمين وأنها تعد أيضاً كتابات ومؤلفات استشراقية.
الباب الثاني
الاستشراق في التاريخ
الفصل الثالث: المجالات التي ركز عليها المستشرقون
في دراسة التاريخ الإسلامي الوسيط
يتناول الكاتب في هذا الفصل بالتفصيل الإجابة عن سؤال يتعلق بالدوافع التي حفزت المستشرقين نحو الدراسات الإسلامية، حيث يطرح الكاتب بداية إشكالية العلاقة بين المسلمين والاستشراق نظراً لارتباط بروز الكتابات الاستشراقية بالتزامن مع الاستعمار الذي هيمن وخرب وقسم العالم الإسلامي، ومن ثم أثر ذلك في استقبال المسلمين لمؤلفات وكتابات هؤلاء والتي لا تخلو بالطبع من حقد وكراهية وتحريف حتى وإن كان هناك جوانب إيجابية لبعضهم، وهنا انقسم الشارع الثقافي العربي والإسلامي حول المستشرقين إلى ثلاثة أصناف سلبي وإيجابى ووسط بين هذا وذاك. ثم ينتقل الكاتب للحديث عن دوافع المستشرقين على اختلاف جنسياتهم مبيناً أننا لا يجب أن نختزل دوافع الحركة الاستشراقية في دافع أو اثنين، فالمستشرقون لا ينتمون إلى شريحة واحدة أو مذهب ديني أو سياسي واحد ومن ثم تتعدد الدوافع بتعدد الانتماءات.
يركز الكاتب هنا على حقبة بزوغ الاستشراق كحركة أي منذ حقبة التوسع الاستعمارى، تلك الفترة التي بدأ فيها الغرب يفكر في الشرق تفكيراً استعلائياً حضارياً أو تخطيطاً استعمارياً اقتصادياً وجيوبوليتيكياً في السيطرة والإستحواذ، وهنا يتحدث عن أحد الدوافع الهامة للاستشراق وهي التنافس الاستعماري بين الدول الغربية، والتي انبرى لها المستشرقون، وأصبحوا يتنافسون في تهيئة المعلومات عن الأحوال الدينية والاجتماعية والسياسية حول الشرق لوضعها على طاولة الساسة للانتفاع منها في مشاريعهم التوسعية الاستراتيجية، هذا فضلاً عن البعثات التنقيبية والإرسالات التبشيرية، ومن ثم فالسياسة والتبشير كانوا من المحفزات الأساسية للتوجه العلمي الغربي نحو الشرق، هذا فضلاً عن أن بعض المستشرقين هم من بين اليهود الذي لهم ارتباطات صهيونية، وكان هذا التحرك الصهيونى محفزاً لهم لدراسة الشرق.
ويخلص الكاتب إلى أن الحركة الاستشراقية مرتبطة ومتطورة باستمرار بتطور وتغير الخرائط السياسية الأوروبية التوسعية وكذلك بخرائط التبشير الفرنسي والأمريكي والبريطاني، ومع ذلك يؤكد الكاتب على ضرورة عدم اختزال الدوافع في دافع واحد وتعميمه، وأن الدراسة العلمية الجادة والرغبة الصادقة في الاطلاع قد تكون أحد الدوافع المحفزة لبعض المستشرقين، وهنا يضرب أمثلة لعدد من المستشرقين وما أوردوه من كتابات تدل على صدق نواياهم. وهنا يؤكد الكاتب أن للاستشراق جانباً إيجابياً يتمثل بما تثيره الدراسات الاستشراقية فينا من اندفاع للاستجابة العلمية المنظمة بعيداً عن التشنج من جهة، وبعيداً عن الاستخفاف بجهود الآخرين وبعيداً عن التحزب، وكذلك بعيداً عن الإفراط في النظرة الإيجابية للمستشرقين ونواياهم، وذلك بهدف وضع مشروع علمي نافع للتاريخ العربي والإسلامي.
ومن الملاحظ في هذا الفصل أن محتواه لا يناسب عنوانه، حبذا لو اكتفى الكاتب بما سيذكره في الفصل القادم حيث يشير فيه إلى تلك المجالات.
الفصل الرابع: المراحل التاريخية التي مر بها الاستشراق وتوجهاته البحثية
يبين الكاتب في هذا الفصل اختلاف توجهات المستشرقين ودوافعهم والمجالات التي ركزوا عليها تبعاً للمراحل التاريخية المختلفة، ففي كل مرحلة تاريخية كان هناك توجه بارز ومهيمن، وقد قسمها الكاتب إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: كانت الدوافع الدينية قوية في هذه المرحلة -أواخر القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين- وارتبط الاستشراق فيها بشكل كبير بالتبشير والخضوع للتأثير الديني، كما أن الكثير من المستشرقين في هذه المرحلة كانوا سياسيين. يذكر الكاتب أن اهتمام الاستشراق في هذه المرحلة قد انصب بقوة على الدراسات اللغوية والأدبية، وتحقيق المخطوطات الإسلامية وترجمتها، والتوجه نحو دراسة الموضوعات العلمية في الحضارة الإسلامية، وهو ما تميز فيه الاستشراق الألماني والفرنسي بالدرجة الأولى، ويذكر الكاتب هنا أمثلة عديدة لإنجازات الاستشراق الأوروبي في هذه المرحلة، مبيناً أنه لم يكن للاستشراق الأمريكي إسهامات كثيرة خلال هذه الفترة.
المرحلة الثانية: كان الغرب خلال هذه المرحلة -النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين- يبحث بشكل رئيسي عن أسواق بغية تصريف المواد المصنعة، كما كان في أمس الحاجة إلى المواد الأولية الضرورية للتصنيع. وقد تصاعد في هذه الفترة اهتمام المستشرقين بتحقيق المخطوطات الإسلامية وترجمتها بشكل أكثر تنظيماً، كما تزايد الاهتمام بالعقيدة الإسلامية والدين الإسلامي وحياة الرسول ﷺ وموضوع الخلافة نظراً لتطلع الدول الأجنبية للاستيلاء على البلدان الإسلامية، ومن ثم كان اهتمامهم بهذه الموضوعات والكتابة عنها يمكن أن يسهم في تفريق الصف الإسلامي، وهو ما كانت تتطلع إليه القوى الاستعمارية الغربية خاصة مع ضعف الامبراطورية العثمانية. وقد كان للمستشرقين من مختلف الجنسيات إسهامات كثيرة في هذه الفترة وبرز فيها الاستشراق الأمريكي، فنجد مثلاً الاستشراق الفرنسي مهتماً بتحقيق ونشر ما يتعلق بمصر وشمال إفريقيا، والبريطاني مهتماً بالإسلام في الهند، فارتبط الاستشراق في هذه المرحلة بالمخططات والمشاريع السياسية والاقتصادية الخارجية للدول الأجنبية.
المرحلة الثالثة: تأتي هذه المرحلة لتوضح أثر المتغيرات العالمية الناتجة عن الحرب العالمية الثانية وما بعدها على الاستشراق، الذي شهد نقطة تحول في هذه المرحلة، فتناقص الاهتمام بالدراسات اللغوية وإن كان لم يختفي تماماً، واتجهت المدارس الاستشراقية إلى الاهتمام بالمذاهب والفرق الإسلامية. كما شهدت الدراسات الاستشراقية تركيزاً أكبر بشأن موضوع اليهود وعلاقتهم بالعرب، كما تزايدت العناية بدراسة الإسلام المعاصر، ولم يذكر الكاتب في هذا السياق ما المقصود بالضبط بالإسلام المعاصر واكتفى بالإشارة إلى حركات التحرر الوطني والنهوض الإسلامي في المنطقة، كما استمر الاهتمام بالتراث العلمي الإسلامي وبقيت ألمانيا تحتل المكانة البارزة فيه، واستمر إلى حد ما تأثير التبشير في بعض الدراسات الاستشراقية، كما ظل الدور السياسي يتمثل في بعض مستشرقي هذه المرحلة خاصة مدة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويختتم الكاتب هذا الفصل بالتأكيد على أن هناك ارتباط قوي بين تطور مراحل الاستشراق والمصالح الأوروبية والأمريكية في العالم الإسلامي.
الباب الثالث
المستشرقون والسيرة النبوية
الفصل الخامس: تطور الدراسات الاستشراقية حول سيرة رسول الله.
يبين الكاتب في مقدمة الفصل أن موضوع السيرة النبوية يعد من أبرز الموضوعات التي أثارت اهتمام المستشرقين، ويذكر أن هذا الاهتمام قد مر بعدد من المراحل التاريخية:
المرحلة الأولى: تمثل هذه المرحلة مدة العصور الكنسية والأوروبية الوسطى والحروب الصليبية، وفي هذا الصدد يذكر الكاتب أن الكتابات التي ظهرت في هذه الفترة افتقرت للموضوعية والاستناد إلى المؤلفات الإسلامية الأصلية، وابتعدت عن المنهج العلمي، إلا أنها كانت بمثابة الأسس التي ارتكزت عليها العديد من التفسيرات الاستشراقية الحديثة والمعاصرة. وقد كان الدين هو المحفز المباشر للمحاربين المسيحيين في هذه المرحلة، ومن ثم اتسمت كتابات هذه المرحلة بالتطرف في عرض الآراء والجهل بالكثير من المظان الإسلامية وغلبة الطابع الأسطوري على معظم الإسهامات، وتشويه وتحريف للآيات والروايات الإسلامية، والتشكيك في مصداقية الرسول ﷺ وفي القرآن.
المرحلة الثانية: برزت في هذه المرحلة -القرنين الثامن عشر والتاسع عشرأى عصر النهضة الأوروبية- المدارس الفكرية والفلسفية في أوروبا والتي ركزت على النقد والشك التحليل والمقارنة، من ثم أجريت في هذه المرحلة تنقيح لما كتب أثناء حقبة الكنيسة والعصور الوسطى، فصارت شخصية الرسول ﷺ في نظر المستشرقين مصلحاً علمانياً قاد أصحابه من أجل التحرر من تعاليم اللاهوتية.
المرحلة الثالثة: تمتد هذه المرحلة من القرن التاسع عشر والعشرين وصولاً للقرن الواحد والعشرين، حيث التطورات الهائلة في عالم الصناعة والتكنولوجيا في أوروبا، وأثر ذلك على المجتمعات الأوروبية، حيث تزايدت الفوارق الطبقية واستحكمت الرأسمالية، وقد أثر ذلك في توجيه بعض الدراسات الاستشراقية التي أنجزت عن الرسول ﷺ، ومنها كتاب هيوبرت جريم (محمد) الذي ركز على الجوانب الاجتماعية التي جاء بها الرسول ﷺ، فجريم يرى أن الرسول ﷺ مؤسس الدعوة الإسلامية، وأن هذه الدعوة كانت بمثابة ثورة كثورة البروليتاريا. وقد أورد الكاتب هنا مجموعة من الأمثلة لمستشرقين بعضهم هاجم الرسول ﷺ مثل بلاشير ولامانس، وبعضهم كتب عنه ﷺ بأسلوب إيجابي ودفاعي رفيع مثل واشنطن إيرفنج ومونتجمري وات. كما أشار الكاتب هنا إلى مدرسة التفسير الاشتراكي التي كانت تؤكد على مسألة الصراع الطبقي وسيادة التناقضات الاقتصادية في المجتمع المكي.
الفصل السادس: الاستشراق والسيرة النبوية
المبحث الأول: مسلمات بشأن تاريخ السيرة ومفارقات في التفسيرات والآراء
يعترف الكاتب في بداية هذا المبحث بقصور المؤرخين العرب والمسلمين وخاصة أولئك المتخصصون في تاريخ السيرة النبوية في أن يخرجوا من محيطهم الضيق وتكون إسهاماتهم ودراساتهم معروفة في الوسط العلمي الإسلامي والعالمي كالحال التي صارت فيها مؤلفات كثير من المستشرقين كمونتجمري وات وغيره، هذا القصور في رأي الكاتب يرجع إلى عوامل عقيدية وعلمية واجتماعية، وقد جر إلى عدم اعتراف الغرب بالمؤرخ العربي والمسلم، بل أن الغرب يقرأ ما يكتب عن الرسول ﷺ في لغاتهم لذلك تبقى الأفكار والتفسيرات الخاطئة عن تاريخنا وسيرة نبينا سائدة بينهم. وفي هذا الصدد يؤكد الكاتب أيضاً على ضرورة أن تصل مؤلفاتنا إلى الغرب بلغاتهم، وأن نعرض أفكارنا عرض المناقشة لا الدفاع، وأن لا نكتفي بالمصادر الإسلامية في كتابة السيرة بل يتم توسيع المعرفة بالتواريخ المحلية للدول المجاورة للعرب والإسلام آنذاك لتعرض السيرة بمظهر عالمي يصل إلى هؤلاء المستشرقين وغيرهم.
ثم ينتقل الكاتب إلى ذكر مجموعة من المسلمات المتعلقة بالجوانب المصدرية والواقعية لتاريخ السيرة النبوية الشريفة لدى علماء المسلمين:
أولها: أن الباحثين العرب والمسلمين يعتقدون بأن القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة تعد المصدر الأساس للكتابة عن السيرة النبوية الشريفة.
ثانيها: أن الباحثين العرب والمسلمين يرون أن المصادر الإسلامية حول تاريخ السيرة النبوية الشريفة هي مصادر عربية لغةً وتأليفاً ومنهجاً، ابتداء من مغازي عروة بن الزبير وسيرة ابن إسحاق وغيرها، هذه المصادر بقدر ما تحمل من أهمية في المعلومات بقدر ما هي مهمة مصدرياً في اعتمادها على رواة من الأئمة ومن الصحابة ممن عاش كان قريباً جداً من حياة الرسول عليه السلام. ومن هنا يبين الكاتب أن المستشرق إذا رفض هذه المصادر أو شكك في مصداقيتها أو اتبع منهج انتقاء ما يوافق رأيه منها فقد وقع في إشكال علمي لأنه لن يجد مناصاً من الاعتماد عليها للكتابة حول السيرة. ويذكر الكاتب أن هذا الإشكال هو أحد الفوارق المهمة في منهج البحث بين المستشرقين وبينهم وبين الباحثين العرب والمسلمين، والتي تكمن في وقوعهم في تناقض عدم الاعتماد على المصادر الإسلامية ثم اضطرارهم للاعتماد عليها لأنها المصدر الوحيد وهنا يقع الانتقاء والتناقض.
أما المسلمة الثالثة التي يسوقها الكاتب في هذا الصدد فتتعلق بالمصادر المادية التي تؤكد أو تخطِئ صحة الروايات المدونة كالآثار المادية والأماكن التي تشهد على صحة المرويات كالمدينة المنورة على سبيل المثال وما فيها من قبر النبي ﷺ وقبور الصحابة والصحابيات.
وتحت عنوان مفارقات في الكتابة التاريخية عن السيرة النبوية ينتقل الكاتب لإيراد مجموعة من المفارقات التاريخية الهامة، فالمفارقة الأولى تتمثل بقدم وعمق اهتمام الغرب بالسيرة النبوية والذي يعود إلى القرن الحادي عشر من الميلاد، ويورد الكاتب هنا ما ألفه بعض المستشرقين، وبالرغم من ذكره أن الدراسات الصادرة وقتها دراسات محملة بالحقد لا تعتمد على مصادر علمية إسلامية أو غير إسلامية غير أنها تدل على قدر الاهتمام بالسيرة النبوية الشريفة. وفي هذا السياق يذكر الكاتب أن أهم الكتابات التي كتبت حول السيرة قد ألفت في بريطانيا حوالي الربع الأخير من القرن السابع عشر، وفي القرن الثامن عشر توالت الدراسات الاستشراقية حول السيرة النبوية الشريفة لا في بريطانيا وحدها بل في بلدان أوروبية مختلفة، وهنا يسوق الكاتب مجموعة من الأمثلة لهذه المصنفات مؤكداً على أن الأوروبيين كان لهم السبق في الكتابة عن السيرة وأن الباحثين العرب والمسلمين كان لابد أن يكونوا أول من يبادر بهذا العمل.
أما المفارقة الثانية فتتمثل في موقف الباحثين العرب والمسلمين في القرن العشرين حول مصنفات المستشرقين بشأن السيرة النبوية، فنجد حسن إبراهيم حسن وأحمد أمين وطه حسين والعقاد وغيرهم من رواد الكتابة التاريخية والأدبية في السيرة قد عبروا عن مواقفهم بأسلوب المدافع أو المناقش أو الرافض للتفسيرات الاستشراقية، بل إنهم أحياناً كانوا يستنجدون برأي مستشرق لغرض دعم مواقفهم الإسلامية من السيرة النبوية.
أما المفارقة الثالثة والأخيرة التي يذكرها الكاتب في هذا السياق هي أن الباحثين العرب والمسلمين قد بدأوا في التعريف بالمستشرقين وبتفسيراتهم وتجنياتهم ضد السيرة النبوية في الوقت الذي أعلن الغرب في مؤتمر باريس عام 1973 إغلاق ملف الحركة الاستشراقية من قبل المستشرقين أنفسهم والإعلان أن الاستشراق قد بلغ مراميه وبلغ نهاية المطاف في دراساتهم حول السيرة النبوية، فقاموا بتغيير اسم المؤتمر من “المؤتمر الدولى للمستشرقين” إلى “المؤتمر الدولى للعلوم الإنسانية في آسيا و أفريقيا”، في إشارة إلى استنفاذ الأهداف المرجوة من الكتابة عن إسلام حقبة الرسالة إلى الكتابة عن الإسلام المعاصر.
وفى نهاية الفصل يؤكد الكاتب حقيقة ضعف الاهتمام الأوروبي بالسيرة النبوية في الآونة الاخيرة والتوجه إلى دراسة الإسلام المعاصر والاتجاهات الفكرية في الإسلام أو موضوعات مثل الإسلام والسلطة والإسلام والعلم وغير ذلك. وفي هذا الإطار يقف الكاتب وقفة خاصة مع المستشرق المعاصر مونتغمرى وات المعروف باهتمامه بالسيرة والذى حوَل اهتمامه فيما بعد، ويذكر الكاتب أن وات يصنف كمستشرق معتدل بين الباحثين العرب حيث أظهر في كتاباته بعض المواقف الإيجابية التي حاول أن يبرز فيها التخرصات التي أشاعها رجال الدين في العصور الوسطى حول النبي ﷺ، وعلى الصعيد الآخر يبين الكاتب الأخطاء التي وقع فيها وات في سوء استخداماته اللغوية أحياناً فضلاً عن هدمه لكثير مما بناه بإسقاطه لمصداقية الوحى. وعلى الرغم من العرض الموضوعى الذي قام به الكاتب لموقف هذا المستشرق إلا أنه لم يبين الهدف من وراء إيراد هذا المثال حيث لم يقم باستنباط أى استنتاج منه يجعل سياق الكلام أكثر ارتباطاً وأكثر تسلسلاً.
المبحث الثانى: مواقف المستشرقين من آل بيت النبي
يبتدئ الكاتب الفصل بالتأكيد على أن أهل بيت النبي ﷺ هم رسول الله ﷺ والإمام علي وفاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين، رافضاً بقوة كل التفسيرات الأخرى للآية الكريمة “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً” والتي تقول بتضمين زوجات النبي ﷺ في هذه الآية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الكاتب لم يوضح انتماءه المذهبي، إلا أنه يرفض تماماً قبول تنوع التفسيرات بشأن آل البيت، كما أن اختياره لهذا الموضوع تحديداً دون موضوعات أخرى في السيرة يدل على اهتمامه بالمذهب الشيعي.
يوضح الكاتب في هذا الفصل موقف المستشرقين من آل بيت النبي ﷺ ، وأنهم لا يرفضون كبعض المفسرين أن يكون آل بيت النبي ﷺ هم من ينتسبون له بنسب الأقربين، وأورد الكاتب ما كتبه المستشرقون حول التشيع، وما أوردوه من تحريف في فهمه، مدافعاً عن الرواية الشيعية التي يذكر بأنها كانت مغيبة تماماً في مقابل الرواية الأموية.
الفصل السابع: أوجه من التناقض في آراء المستشرقين
والمعاصرين بشأن الإسلام والسيرة النبوية
يتناول الكاتب في هذا الفصل أوجه من التناقض في آراء المستشرقين، حيث يقول أننا نجد أنفسنا أمام تفسيرات مختلفة من قبل المستشرقين تبعاً لاختلاف انتماءاتهم واهتماماتهم وحدودهم الجغرافية والمكانية واختلاف الحقب الزمانية، فالاستشراق القديم -ويعنى به ما تم من دراسات قبل القرن العشرين- يختلف عن الاستشراق المعاصر في أرائه واهتماماته، وهنا يستدعي الكاتب المستشرق برنارد لويس الذي جمع بين خصائص الاستشراق القديم والمعاصر وتضاربت مواقفه القديمة منها والمعاصرة تجاه الإسلام مما أوقعه في تناقض.
ويشير الكاتب إلى أن بعض المستشرقين المعاصرين قد طرحوا آراء ناقدة بل معارضة لآراء زملائهم بوصفها غير علمية ولا تستند إلى المصادر الأصلية، وأورد مثال المستشرق الفرنسي أميل درمنغهام ونقده لهنرى لامانس. ويذكر الكاتب أن هناك من المستشرقين المعاصرين من رفضوا نقل الأفكار الاستشراقية القديمة جاهزة وآثروا منهج التمحيص للروايات التاريخية بشأن السيرة النبوية الشريفة ويورد الكاتب في هذا السياق مجموعة من الأسماء مثل فرانسسكو غبرييلى وتوماس كارليل وغيرهم.
ثم يدعو الكاتب إلى ضرورة إعادة النظر في الموقف من الاستشراق كمنهج لدراسة قضايا تراثنا العربي والإسلامي، وذلك بتفحص النسيج الداخلى للمعلومة الاستشراقية وغربلتها ومعرفة مصدرها والمصادر الذي يعتمد عليها المستشرق نفسه والأفكار المتأثر بها. ويختتم الفصل بذكر مجموعة هامة من الإسهامات الاستشراقية حول السيرة النبوية.
الفصل الثامن: المستشرقون وترجمة القرآن الكريم
يقف الكاتب في هذا الفصل على تاريخ المحاولات المسيحية الغربية لترجمة النص القرآنى حيث يهدف إلى تشخيص التطور التاريخي واللغوي في ترجمة القرآن الكريم ووصف التطور الفكري في العقلية الغربية في فهم الإسلام والقرآن الكريم، وفي هذا السياق يخرج بمجموعة من الاستنتاجات تتضمن تطور الترجمات الغربية بتطور إبستمولوجيا الغرب لتاريخ الشرق وحضارته، وتطور الترجمات الأوروبية بدءاً بالترجمات اللاتينية بتطور العلاقات السياسية والاقتصادية والفكرية بين الغرب المسيحي والشرق العربي والإسلامي، سواء كانت هذه العلاقات بصيغ إيجابية أو بروح عدائية حاقدة، موضحاً أن المستشرقين الذين أعلنوا إسلامهم قد قدموا ترجمات أكثر إيجابية ودقة. وهنا يذكر الكاتب مجموعة من الترجمات الهامة، والتي يبين أنها على رغم من أهميتها إلا أنها لم تخلوا من الكثير من الأخطاء التي حرفت الكثير من معاني القرآن. ثم ينتقل الكاتب لعرض ترجمات القرآن وفقاً للمراحل التاريخية ابتداءاً بالعصر الكنسي والعصور الوسطى التي برزت فيها روح العداء والكراهية في ترجمات القرآن كترجمة روبرت الكيتوني، ثم الانتقال إلى الترجمات التي ظهرت بداية من القرن السادس عشر وما بعده ومنها ترجمة الإيطالى أندريه أريف وترجمة البريطاني جورج سيل، ثم يعرض الكاتب أسماء كل الترجمات التي أنجزت بداية من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين بشكل مفهرس.
الباب الرابع
المستشرقون والإسلام
الفصل التاسع: الإسلام والغرب نظرة تاريخية وحضارية
هذا الفصل عبارة عن ندوة علمية للكاتب بعنوان “الإسلام والتفاعل الحضاري”، وعلى الرغم من كون هذا الموضوع مرتبطاً بالاستشراق، إلا أن الكاتب لم يوضح توطين هذا الموضوع في خريطة الكتاب الذي يتناول الاستشراق كموضوع رئيسي، فيشعر القارئ وكأنه يقرأ في موضوع جديد تحت عنوان جديد.
يتناول الكاتب في هذا الفصل تاريخ التفاعل الحضاري بين العالم الإسلامي والغربي مؤكداً على أن العرب والمسلمين كانوا يقومون بحوار حضارى مع الغرب أكثر من الشرق، ويحاول الكاتب أن يثبت هذا الطرح بعدة تجارب تاريخية، منها موقف الرسول عليه السلام من الغساسنة النصارى عندما وجه إليهم أربعة كتب يدعوهم فيها إلى الدخول في الإسلام، وقد كانت سمات الخطاب إيجابية وليس استعلائية كما يصفها الكاتب، كما أنه يقارن عددياً بين الرسل الذين أرسلهم النبي ﷺ إلى الغرب في مقابل الشرق وأنهم يفوقونهم عدداً، وفي هذا السياق يذكر الكاتب حزن المسلمين عندما غلب الروم من الفرس الساسانيين وقالوا الذين ليس لديهم كتاب قد غلبوا الذين لديهم كتاب، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة في سورة الروم (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) حيث يؤكد الكاتب بمجموعة من الأمثلة المشابهة أن هناك تجاوباً دينياً ولعله حضارياً بين المسلمين والغرب على الرغم من العداء السياسي والعسكري بينهم. وفي هذا السياق يقارن الكاتب أيضاً بين جواب الغرب المسيحي على كتب النبي ﷺ مثل جواب قيصر الروم وبين جواب كسرى الفرس الذي مزق الكتاب. ثم ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى التفاعل الحضاري الذي جرى بين حضارة الإسلام والغرب في فترات صعود وهبوط كل منهم مؤكداً على فكرة رئيسية وهي أن حالات العداء بين الإسلام والغرب لا تعدم وجود مجالات الحوار الحضارىي والتأثير والتأثر وذلك منذ زمن النبي ﷺ، مبيناً فضل الحضارة الإسلامية على النهضة الأوروبية.
الفصل العاشر: نقاش مع مستشرقين في هل الإسلام يتعارض مع الديمقراطية والحداثة؟
يسلط الكاتب الضوء في هذا الفصل على الموقف الغربي من الإسلام في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 والتطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مروراً بأفغانستان وإيران والعراق وربط الإسلام بالإرهاب والقتل والتدمير، واستعانة الولايات الأمريكية بكتابات برنارد لويس في هذه المرحلة، إلى مناقشة مدى تقبل العالم الإسلامي لعناصر الديمقراطية الحداثة وقبول الآخر واحترام الأديان والقبول بالعولمة في جميع صيغها وغير ذلك من مفاهيم غربية عن الحداثة والديمقراطية. ويذكر الكاتب في هذا السياق مجموعة من الدراسات الغربية التي ناقشت هذا التساؤل من زوايا مختلفة فكان بعضها يفسر فشل الديمقراطية في العالم الإسلامي تفسيراً تاريخياً وثقافياً دينياً، والبعض الآخر يقدم تفسيراً سياسياً، وقد أوضح الباحثون الذين اعتمد عليهم صانعوا السياسة الأمريكية -مثل صموئيل هنتغتون و برنارد لويس إلى أن فشل الديمقراطية والحداثة في العالم الإسلامي يعود تحديداً إلى خصائص الإسلام كدين ونظام اجتماعي وسياسي وقد طرحا نظريتهما في أن المواجهة بين الإسلام والغرب أكيد وقد سماها هنتنجتون “صراع الحضارات”، كما عرض الكاتب أيضاً آراء كل من مانست غيلنر وماكس فيبر في هذا الموضوع.
وفي ندوة عقدت في عام 2004 بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن حضرتها نخبة متميزة باختصاصاتها المعرفية المتنوعة أرجع المشتركون فشل الديمقراطية والحداثة في العالم الإسلامي إلى خصائص مركزية في الإسلام أهمها سيادة العقيدة على العقل، وأن هناك اندماجاً للفردية والدنيوية في المسألة الدينية. ثم يختتم الكاتب الفصل بنقد ومناقشة الآراء التي وردت في هذه الحلقة النقاشية مبيناً أن المحتوى كان منصباً على توجيه التهم للإسلام وبأنه العامل الأساسي في فشل العالم الإسلامي، وهنا يطرح الكاتب ما تتضمنه الشريعة الإسلامية من توجيهات فيما يخص تشجيع العمل والتجارة وتقبل الرأي الآخر وحرية التعبير، مبيناً عدم تكافؤ المعادلة بين الإسلام (ديناً) وبين المفهومين المعاصرين (الحداثة والديمقراطية). وهنا تظهر إشكالية لدى الكاتب، فعلى الرغم من تأكيده على عدم تكافؤ المعادلة إلا أنه استمر في محاولة التقريب بين عناصرها لإثبات أن الإسلام يصلح لهما، في محاولة لرفض ما ناقشته الأطروحة الغربية وتأكيد أن الإسلام ليس هو السبب في فشل العالم الإسلامي. وهنا نتسائل لماذا الإصرارعلى التمسك بهذا المعيار المنبثق من سياق حضاري مختلف والسعي لإثبات أن في الإسلام مقومات الديمقراطية والحداثة وهما في الأصل يتأسسان على أسس تختلف عن مركزيات الإسلام، فلماذا لا نسعى لكشف أسباب الفشل في العالم الإسلامي وفقا للمعايير الإسلامية؟
الباب الخامس
إسهامات المستشرقين في دراسة المدينة العربية الإسلامية
الفصل الحادى عشر: دراسات المستشرقين عن المدينة العربية الإسلامية
يبين الكاتب في بداية الفصل أهمية دراسة تواريخ المدن العربية والإسلامية باعتبارها الأنموذج الأكمل للحضارة العربية الإسلامية، فالمدن وليدة الحضارة وتحليل بنيتها الداخلية وإظهار سماتها وخصائصها يعد مشاركة في إلقاء الضوء على فعالية الدور الذي أدته الحضارة العربية الإسلامية. وهنا يعرض الكاتب خلفية ظهور الدراسات التمدنية المقارنة الغربية وبروز هذا المجال البحثي الذي جذب إليه الكثير من الأقلام مع الوقوف على بعض الآراء المتابينة بين علماء الغرب حول نظريات التمدن كنظرية المؤسسات ونظرية التمدن، وتمييزهم بين المدينة والقرية، بالإضافة إلى تسليط الضوء على العوامل المؤثرة في أصل نشأة المدن وتدهورها، فعلى سبيل المثال يركز توينبى على العامل الديني بينما يركز كارل ماركس على العامل الاقتصادي.
أما دراسات التمدن العربي الإسلامي فهي دراسات حديثة، وفي هذا السياق يسعى الكاتب للإجابة عن سؤال: إلى أي مدى انتفع من كتب عن المدينة العربية الإسلامية في نشأتها وتركيبها من هذه النظريات؟ ثم يعقد الكاتب مقارنات في بعض الجوانب بين نظرة علماء الغرب للمدينة في مقابل علماء المسلمين، مبيناً أن عدد ما صنف عن المدينة العربية من قبل العرب يمثل جزءاً ضئيلاً في مقابل ما كتبه المؤلفون والمستشرقون الأجانب، هذا فضلاً عن أن دراسات العرب والمسلمين للمدن كانت تاريخية أكثر من كونها وصفية مهتمة بفلسفة نشوء المدن ومقوماتها وعناصر تكوينها. وهنا يطرح الكاتب تساؤلاً حول دافع المستشرقين والمؤرخين الأجانب لدراسة المدينة العربية والإسلامية والذى نال اهتماماً واسعاً منذ الحقبة الأولى من القرن العشرين، ويفسر ذلك بالدافع السياسي والرغبة في التوسع الاستعماري، هذا فضلاً عن الاهتمام بالدراسات الإسلامية بشكل عام في أوروبا في ذلك الوقت، وفي هذا الصدد يعرض الكاتب 3 اتجاهات اتسمت بهم الدراسات الفرنسية عن المدينة العربية الإسلامية والتي كان بعضها إيجابى في نظرتها والآخر مخالف للحقيقة وسلبي، الاتجاه الأول يتعلق بالمدينة بصورة عامة من حيث مقوماتها وخصائصها وهل هناك وحدة موضوعية في تركيبها أم لا، والثاني يتمثل في الدراسات التي تناولت تاريخ مدينة مفردة، أما الثالث فهو يركز على الحركات الاجتماعية التي أخذت تتحرك ضد السلطة المركزية داخل المدن بوصفها ظاهرة تمدنية مستقلة.
ثم ينتقل الكاتب للوقوف على بعض الدراسات الأوروبية الأخرى حول المدينة العربية الإسلامية التي كُتبت من قبل غير الفرنسيين، مبيناً أنه في أواخر الستينات والسبعينات تزايد الاهتمام الأمريكي بدراسة المدن عامة ومنها المدن العربية الإسلامية، إلا أن الدراسات الأمريكية تختلف عن الأوروبية في كونها لا تعطي اهتماماً كبيراً بالشأن التاريخي لهذه المدن، ويفسر الكاتب ذلك بافتقار المدينة الأمريكية للأصالة والعراقة التي تتمتع بها المدينة الأوروبية، ومن ثم فالباحث الأمريكى يفتقر الدافع للبحث في غور تاريخ المدن، فهو يوجه أهمية متزايدة لدراسة المشكلات المعاصرة التي تواجه المدينة، فهم في دراستهم للمدينة العربية الإسلامية لا يبحثوا عن تاريخها بقدر ما يبحثون عن كيف كان تتم مواجهة المشكلات التي يظهر بعضها اليوم مثل مشاكل الهجرة أو توصيل المياه أو توفير الخدمات إلى غير ذلك. ويقسم الكاتب إسهامات الباحثين والعلماء الأمريكان في دراسة المدينة العربية الإسلامية إلى قسمين، الأول يتضمن الدراسات التي تناولت المدينة ككل من حيث أهميتها كوحدة حضارية، والثاني ما يتعلق بدراسة مدينة واحدة دون غيرها، وكان تركيزهم الجغرافي على العراق والمغرب العربي ومصر. وينتهى الكاتب بذكر قلة الاهتمام الاشتراكي والسوفيتي بدراسة التمدن الإسلامي وإن كان اهتم بعضهم بمنطقة المشرق وآسيا الوسطى. ويخلص الكاتب من ذلك العرض المقارن إلى أن دراسة التمدن الإسلامي في الاستشراق الأوروبي والأمريكي قد اختلفت مدارسه تبعاً لاختلاف المدارس الغربية في أهدافها وأسلوب معالجتها للتمدن العربي والإسلامي بما يتلاءم مع نظريات التمدن الغربية من جهة وبما يتماشى مع التوجهات السياسية في المنطقة من جهة ثانية.
الفصل الثانى عشر: معايير ماكس فيبر في المدينة (المدينة العربية الإسلامية أنموذجا)
يعرف جمهور الفقهاء المسلمين المدينة بأنها الوطن الذي لا يرحل أهله عنه، فالمدينة عند المسلمين تعادل الحاضرة ويقصد بها الإقامة في المكان أي الاستقرار. وعند ابن خلدون هي تعبير عن القرار الذي تتخذه الأمم عند حصول الترف فتؤثر الدعة والسكون وتتوجه إلى اتخاذ المنازل للقرار.
ثم يعرض الكاتب المعايير الخمسة التي افترضها ماكس فيبر والتي أصبحت بالنسبة للمفكرين وعلماء الاجتماع الحضرى من الغربيين القانون الأساس في التمييز بين المدن وبين غيرها، ويناقش الكاتب تطبيق المعايير الفيبرية من قبل العلماء الغربيين على المدن الإسلامية. وقبل أن يخوض الكاتب في مناقشة معايير فيبر قدم بخلفية سريعة عن المؤثرات التي تأثرت بها نظرية فيبر خاصة معايير آشلى وخصائص المدينة اليونانية القديمة، وكيف أثر ذلك على الباحثين الأمريكيين الذين اعتمدوا على ما قدمه الأوروبيون فيما يخص الجذور التاريخية للمدينة واهتموا هم بالقضايا المعاصرة. ثم ينتقل الكاتب تحت عنوان فرعي “وقفة مناقشة” ليناقش في شكل مقارن ما كتبه علماء الغرب حول المدينة وبين ما كتبه علماء المسلمين، وتباين رؤاهم ومعاييرهم واتجهاتهم في توصيف المدينة والتعريف بها واختلاف أولوياتهم المركزية في تصنيفها. ثم يناقش الكاتب في نهاية الفصل مدى الواقعية في المعايير الأوروبية والمعايير العربية الإسلامية.
الفصل الثالث عشر: موقف الاستشراق الأمريكى من المدينة العربية الإسلامية
يعد هذا الفصل في غالبه إعادة لما سبق ذكره عن الاستشراق الأمريكي وبروز اهتمامه بدراسة المدن الإسلامية منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي، وكذلك قلة اكتراثه بالجذور التاريخية لهذه المدن واعتماده على ما قدمه الاستشراق الأوروبي في هذا الصدد، في مقابل عنايته بالقضايا المعاصرة وما يعين على مجابهتها من خلال دراسة مشكلات المدن الإسلامية، وهو إن كان لم يخلو من توجهات سلبية نحو دراسة المدينة العربية الإسلامية مقلداً في ذلك بعض النتائج التي توصل إليها علماء أوروبا، إلا إنه يعد أكثر إيجابية في جوانب عديدة في محاولة بحثه عن معلومات بشأن مشاكل المدينة وكيفية التغلب عليها.
الباب السادس
ما بعد الإستشراق
الفصل الرابع عشر: منهج المستشرقين في قراءة
مفردات من التاريخ الإسلامي
يناقش الكاتب في هذا الفصل منهج المستشرقين في قراءة التاريخ الإسلامي، وفي هذا الصدد يركزعلى منهج الاستشراق الأمريكي باعتباره -كما يرى المؤلف- آخر ما تبقى من رؤى وتفسيرات استشراقية على إثر غياب أجيال المستشرقين الأوروبيين والروس. و في هذا السياق يعرض الكاتب الآراء التي تنتقد المناهج البحثية في الواقع الإسلامي، مبيناً صحة هذه الانتقادات نسبياً، إلا أنه يرفض تجاهل المناهج العلمية التي انطلق منها علماء المسلمين الأوائل حيث اعتمدوا منهج البحث الاستقرائي والركون إلى الشك والتجريح للرواية ورواتها ومقارنتها وذلك قبل مئات السنين من عرض بيكون وديكارت وغيرهما ممن أسسوا للمناهج البحثية الغربية.
ثم ينتقل الكاتب لمناقشة أنموذج في علم الاجتماع الحضري وهو العالم المسلم ابن خلدون، حيث يناقش ما قاله ابن خلدون حول المدينة العربية الإسلامية ومنهجه في تناول أبعادها والعوامل المؤثرة فيها، مبيناً قيمة هذا العالم الكبير وتأثيره في علم الاجتماع، وكيف تأثر به عدد من علماء الاجتماع الغربيين واعتبره عدد من علماء الاجتماع الأمريكيين رائداً لعلم الاجتماع الحضري.
الفصل الخامس عشر: الإبستمولوجية العربية الإسلامية
في مدة ما بعد الاستشراق
يثير الكاتب في هذا الفصل الأخير من كتابه مجموعة من التساؤلات حول مصطلح الاستشراق وما بعد الاستشراق في إطار ما صدر عن مؤتمر عام 1973 من قرار ينص على التوقف عن استخدام مصطلح الاستشراق والمستشرقون واستبداله بالعلوم الإنسانية في آسيا وأفريقيا الشمالية، وتتعلق هذه التساؤلات بمدى مصداقية هذا القرار وواقعيته وهل حقاً انتهت مرحلة الاستشراق أم أنها استمرت ولكن باهتمامات مختلفة، ليصل إلى خلاصة مفادها أن الاستشراق شهد تحولاً في مجال اهتمامه التقليدي الذي عني بالدين الإسلامي كشريعة وفقه وكذلك السيرة النبوية والأحاديث الشريفة، لينتقل كما يقول الكاتب نحو الاهتمام بالإسلام المعاصر وذلك في إطار الصحوة الإسلامية، ويحدد الكاتب هنا الصحوة الإسلامية بالإسلام الشيعي تحديداً مبيناً تحول اهتمام المستشرقين في هذه المرحلة نحو هذا الميدان على وجه الخصوص. ثم ينتقل الكاتب إلى تسليط الضوء على المواقف العربية والإسلامية من المستشرقين بشكل زمني يصل إلى ما بعد نهاية الاستشراق. وينهي الكاتب دراسته الضخمة بمجموعة من الملاحظات التي تلخص ما ذكر في الكتاب حول الموقف العربي الإسلامي من الاستشراق وضرورة التنبه إلى التطرف فيه، وكذلك مجموعة من النقاط المستفادة من الاستشراق ومناهجه البحثية مع أهمية إدراك الفوارق والتفاوت بين المستشرقين وبعضهم وانتماءاتهم وكذلك المراحل التاريخية المختلفة.
عرض
أ. يارا عبد الجواد
باحثة في العلوم السياسية