الذكاء الاصطناعي بين الفرص والتحديات والمسئوليات

الذكاء الاصطناعي

بين الفرص والتحديات والمسئوليات

أ. أحمد محمد علي*

أصاب التطور السريع في مجال “الذكاء الاصطناعي” الجميع بمن فيهم باحثي وعلماء الذكاء الاصطناعي أنفسهم بالخوف من أن ينافس الذكاء البشري، أو يتفوق عليه، إذ يجادل البعض بإمكانية استخدام هذه التقنية لتوليد معلومات خاطئة يمكن أن تزعزع استقرار المجتمعات، ووفقا لأسوأ السيناريوهات المطروحة، يميل البعض إلى الاعتقاد بأن الآلات قد تتولى زمام الأمور؛ كما قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي في صنع الأسلحة الكيميائية، وأسلحة الدمار الأخرى، إلى عواقب لا يمكن تخيلها.

وعلى الرغم من الإيجابيات الي يحملها الذكاء الاصطناعي واستخداماته المتعددة في الكثير من المجالات، إلا أن هناك مخاوف جمة من تأثيره على سوق العمل والخصوصية والأمن. حتى بات البعض يُنادي بضرورة وضع ضوابط أخلاقية وقانونية لضمان استخدامه بما يحقق مصلحة البشرية. لكنًّ النقاش مازال مستمراً حول كيفية تعظيم فوائد الذكاء الاصطناعي والحد من مخاطره المحتملة.

ومن هذا المنطلق، نسعى في هذا المقال للتعرض لهذا المفهوم لبيان ملامحه، والتعرف على شكل الحياة البشرية في ظله، وما إذا كان سيفصل الإنسان عن مُحيطه الاجتماعي، مع إبراز الإيجابيات والتهديدات المترتبة عليه، والتطرق أيضًا لعلاقة الذكاء الاصطناعي بالسيبرانية وشبكات التواصل الاجتماعي، والإشارة للقواعد الأخلاقية التي يجب أن تحكم العلاقات بين الإنسان والآلة في ظل الذكاء الاصطناعي، قبل أن ننتهي إلى التطرق لشكل المُستقبل الذي ينتظر العالم في ظل الذكاء الاصطناعي.

بداية ظهور المفهوم؟

صك مصطلح “الذكاء الاصطناعي” العالم جون مكارثي في عام 1956، حيث نشر مع فريقه بحثًا في جامعة دارتموث يناقش فيه فكرة تطوير أنظمة الحاسوب التي تتمتع بقدرات مماثلة للذكاء البشري ([1]). ومنذ ذلك الحين، توسعت فكرة الذكاء الاصطناعي وتطورت تقنياتها وأدواتها، وأصبحت من أهم مجالات علوم الحاسوب والتكنولوجيا في العصر الحالي، وباتت تطبق في المجالات المختلفة كالطب، والتجارة، والتمويل، والتصنيع، والروبوتات، وغيرها.

ما هو الذكاء الاصطناعي؟

يعتبر الذكاء الاصطناعي (AI) مجالًا رئيسيًا في علوم الحاسوب، يركز على تطوير تقنيات وأنظمة تمكن الحواسب من تنفيذ مهام تشبه ما تنهض به القدرات الذهنية البشرية، مثل الاستنتاج والتعلم والتفاعل مع البيئة المحيطة. كما ترتكز فلسفة الذكاء الاصطناعي على فكرة النمذجة الرياضية للذكاء (الخوارزميات)، والتي تعتمد على الاستنتاج الذاتي والتعلم الذاتي. ويتمثل الهدف الرئيسي للذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة ذات قدرات ذهنية تساعد على حل المشاكل المعقدة في المجالات المختلفة.

وفي هذا السياق، يُعرَّف الذكاء الاصطناعي في أبسط معانيه على أنه القدرة على جعل الآلات تؤدي مهاماً تتطلب عادةً ذكاءً بشرياً مثل الإدراك والتعلم وحل المشكلات. وقد بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي في الخمسينيات من القرن الماضي واليوم أصبح حقلا بحثيا نشطا ومثمرا، مدفوعاً بتوافر البيانات الضخمة وقوة الحوسبة الهائلة.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي وكيفية عمله؟

في الأشهر الأخيرة، ظهرت عدة تطبيقات قوية وفعالة تعمل بالذكاء الاصطناعي على مستوى عالٍ للغاية، ومنها: ” ChatGPT”، و”Snapchat My AI”، و” Bing Ai” و”Bard”، وهي أمثلة على الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يستخدم كميات هائلة من بيانات المصدر نفسه لإنشاء محتوى جديد “أصلي” يبدو كما لو كان أُنشئ بواسطة إنسان ([2]).

وتقترن هذه التطبيقات ببرنامج يعرف باسم Chatbot“، يتواصل مع المستخدم عبر رسائل، دون أن يشعر المستخدم أن من يتحدث إليه هو مجرد أداة؛ ويمكن لهذه التطبيقات: الإجابة على الأسئلة، ورواية القصص، وإنشاء برمجيات جديدة، وكشف الثغرات في القائم منها. ومن المتوقع أن يتوسع الذكاء الاصطناعي ليشمل جميع الاستخدامات اليومية؛ نظرًا لتطوره واحتمالية تقليل تكلفته في المستقبل القريب.

والجدير بالذكر أن ” ChatGPT” المدعوم ماليًا من شركة مايكروسوفت والمطور من قبل شركة ” Open AI” قد وصل إلى 100 مليون مستخدم في غضون شهرين، وهو رقم استغرق فترة العامين والنصف من تطبيق “Instagram” للوصول إليه. ويجب التذكير هنا أن كل ما سبق ذكره هو المرحلة الأولى فقط من الذكاء الاصطناعي، وهناك مرحلتان أخريان متوقعتان يخشى بعض العلماء أن تهددا بقاء الجنس البشري، ويمكن تلخيص المراحل الثلاثة فيما يلي ([3]):

  • الذكاء الاصطناعي ضيق النطاق (NAI): والذي يركز على أداء مهام محددة ومحدودة ضمن مجال ما. مثل التعرف على الكلام أو قيادة السيارات ذاتية القيادة.
  • الذكاء الاصطناعي العام (AGI): يهدف لإنشاء برنامج قادر على أداء مجموعة متنوعة وواسعة من المهام، وحل المشكلات في مجالات مختلفة. ويركز على قدرات مثل التعلم والفهم والتفكير وحل المشكلات.
  • الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI): هو مفهوم مستقبلي للذكاء الاصطناعي، يُتصور أنه سيصبح قادرا على أداء كل المهام التي يقوم بها البشر أو يتفوق عليهم في أدائها، وغالبًا ما يشار إلى هذا المفهوم في سياق أدبيات الخيال العلمي.

شكل الحياة البشرية في ظل سطوة الذكاء الاصطناعي

مع التطور الرهيب لأنظمة الذكاء الاصطناعي وتنوع استخداماتها، قد يتساءل البعض عن شكل الحياة في ظل سيطرة أنظمة الذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق يُجادل البعض بأن الحياة البشرية ستتغير بشكل جذري تحت سطوة الذكاء الاصطناعي. في المقابل يرى آخرون أنه لا يمكن الجزم بتحقق سطوة حقيقية للذكاء الاصطناعي (AI) على الحياة البشرية، مُستندين إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا ذاتيًا ولا يتمتع بالقدرة على السيطرة على البشر أو التحكم فيهم حتى الآن، بل إنه مجرد تقنية تعتمد على البرمجة والبيانات المقدمة له. وعلى كل حال يُمكن استنتاج أن أشكال التغير التي يُمكننا رؤيتها في تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستنعكس على الآتي:

  • زيادة الإنتاجية وتحسين الأداء: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحسن من أداء العديد من الصناعات والخدمات، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحسين جودة المنتجات والخدمات.
  • التغير في طبيعة العمل: من المرجح أن يؤدي التطور السريع للذكاء الاصطناعي إلى تغير في الطريقة التي نعمل بها، حيث قد تحل الآلات محل البشر في العديد من المهام المتكررة وغير المتخصصة.
  • تحسين الرعاية الصحية: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين الرعاية الصحية، من خلال تحليل البيانات الطبية وتشخيص الأمراض وتطوير علاجات جديدة.
  • تعزيز القدرة التنبؤ وتحسين معايير السلامة: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين معايير الأمن والسلامة، من خلال تحليل البيانات الكبيرة والتنبؤ بالأحداث المستقبلية وتطبيق الإجراءات الوقائية.
  • زيادة التفاعل بين الآلات والبشر: قد يؤدي الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي إلى زيادة التفاعل بين الآلات والبشر، حيث يمكن للآلات أن تتعلم من تفاعلات البشر وتحسن أدائها في المهام المختلفة.

هذه بعض من المهام المحتملة للدور الذي يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعبه في المُستقبل، ومن المهم الإشارة إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي على الحياة البشرية يعتمد على كيفية استخدامه وتطبيقاته، وعلى القوانين والتشريعات التي تنظم استخدامه.

هل يفصل الذكاء الاصطناعي الإنسان عن مُحيطه الاجتماعي؟

يعيش البشر في مجتمعات يتفاعل أعضاؤها مع بعضهم البعض، وقد يُجادل البعض بأن من الصعوبة أن يقوم الذكاء الاصطناعي بفصل الإنسان عن محيطه الاجتماعي بالكامل، بل على العكس يمكنه أن يعزز هذا التفاعل ويحسنه، على سبيل المثال، من خلال تحسين الاتصالات والتفاعلات الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي.

لكن هناك أراء أخرى، تُجادل بأن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى بعض التغييرات في طريقة تفاعل البشر مع بعضهم البعض، حيث قد تتغير بعض الأدوار الاجتماعية والتفاعلات المعتادة في ضوء توافر التقنيات الجديدة. وقد يؤدي ذلك إلى بعض التحديات في تكيف المجتمعات مع هذه التغييرات، وبالتالي من المهم أن تتخذ الحكومات ومراكز الأبحاث المعنية بعض الضوابط لتوجيه استخدام التقنيات الحديثة وتحسين تأثيرها على المجتمعات والبشر.

تحديات جمة

حذر الأب الروحي للذكاء الاصطناعي “جيفري هينتون” Geoffrey Hinton والمستقيل مؤخرًا من شركة “جوجل” بعد أن مهدت أبحاثه حول الشبكات العصبية والتعلم العميق الطريق لأنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، حذر من مخاطر التقنية؛ فأكد أنه بالرغم من أنها لا تشكل خطورة الآن، فإنها مع التطور السريع ستتخطى قدرات البشر، محذرًا من الاستخدام السيئ لهذه القنبلة الموقوتة التي يمكن للمرء من خلالها أن يقلد أسلوب الشخصيات العامة لخلق حملات إعلامية مضللة، ما قد يقوض من الثقة العامة ([4]).

هذا وتواجه المجتمعات العديد من التحديات في تكيفها مع التغييرات التي يحدثها الذكاء الاصطناعي، ومن أهم هذه التحديات:

  1. التحدي التقني: حيث تتطلب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي معرفة واسعة وخبرة في مجالات مثل الحوسبة والبرمجة والتعلم الآلي والشبكات العصبية، وتحتاج المجتمعات إلى تطوير قدراتها في هذه المجالات للاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي.
  2. التحدي الاقتصادي: يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات كبيرة في الاقتصاديات؛ مثل فقدان بعض الوظائف وظهور وظائف جديدة، ويتطلب ذلك إعادة تدريب العمال وإعادة تأهيلهم للعمل في المهن الجديدة.
  3. التحدي الاجتماعي: قد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات في طريقة التفاعلات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية، ويحتاج المجتمع إلى تدريب أفراده على هذه التغييرات وكيفية التأقلم معها.
  4. التحدي الثقافي: قد يؤدي الاعتماد على التقنيات الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى تغييرات في القيم والثقافات، وتحتاج المجتمعات إلى التعامل مع هذه التحديات، وإيجاد طرق للحفاظ على الثقافة والقيم الأساسية.

وبالتالي، يجب أن يتم التعامل مع هذه التحديات بشكل جدي ومسؤول، ويتطلب ذلك التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأفراد، لتطوير استراتيجيات شاملة للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة بطريقة مسؤولة وفعالة.

التهديدات والمخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعي

يطرح الجيل الجديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة مخاطر كبيرة، حالة ومحتملة. ذلك أنه قد تعمل هذه الأنظمة بطرق لم يتوقعها مطوروها. وبدون ضمانات مناسبة، من المحتمل أن تؤدي هذه المخاطر إلى أضرار كبيرة، على المدى القريب والبعيد للأفراد والمجتمعات ([5]).

هذا ومن من شأن التطور التكنولوجي المطرد، وتوافر الأدوات الرقمية، أن تتفاقم التهديدات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي، فعلى الرغم من تعدد مزاياه في عدد واسع من المجالات وخاصة العلوم الطبية والتعليم والنقل وغير ذلك؛ تتزايد المخاوف في المقابل من تأثيره في المجتمع الإنساني مع صعوبة مواجهة شراهة منتجاته للمعلومات، وانتهاك الخصوصيّة، في ظل غياب الأطر القانونية والأخلاقية المنظمة له، واحتمالات خروجه عن السيطرة البشريّة، وإمكانية إساءة استخدامه من قبل التنظيمات الإرهابية. ولهذا اعتبر “إيلون ماسك” (الرئيس التنفيذي لمنصة “تويتر”) أن الذكاء الاصطناعي “هو أكبر تهديد وجودي للبشرية”([6]).

من أبرز المخاطر التي قد تترتب على الذكاء الاصطناعي ما يلي:

  • فقدان الوظائف: تُشير التوقعات الحالية إلى أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على سوق العمل في المستقبل، حيث سيؤدي إلى تغييرات جذرية في طبيعة الوظائف والصناعات. كما يمكن للذكاء الاصطناعي استبدال بعض الوظائف التي يقوم بها البشر. وقد يؤدي ذلك إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم، وتدهور الظروف المعيشية للعمال المتأثرين بالبطالة. هذا وقد أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريرًا حديثًا في 2023 عن مستقبل الوظائف؛ يتوقع أن تشهد ما يقارب من (23%) من الوظائف الحالية تغييرات جوهرية في السنوات الخمس المقبلة ([7]).
  • التحكم في السلوك البشري: يتوقع البعض أن يتحكم الذكاء الاصطناعي في سلوك البشر، وقد يتم استخدامه لأغراض سياسية أو تجارية يمكن أن تؤثر على الحريات والحقوق الأساسية للأفراد.
  • تهديد الخصوصية والأمان: يمكن للذكاء الاصطناعي جمع البيانات الشخصية والحساسة واستخدامها بشكل غير مرغوب فيه، مما قد يؤدي إلى خرق الخصوصية واختراق اعتبارات الأمان السيبراني ([8]).
  • التحيز والتمييز: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحيز ضد فئات معينة من الناس، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج غير عادلة وتمييزية.
  • الاعتماد على التكنولوجيا: يمكن أن يؤدي الاعتماد الكبير على التكنولوجيا بشكل عام والذكاء الاصطناعي بشكل خاص إلى فقدان بعض المهارات الأساسية بالنسبة للأفراد، مما يؤدي إلى تراجع القدرة على التفكير النقدي والقرارات الذاتية والتفاعل الاجتماعي الصحيح.
  • الاستخدام الخاطئ: يمكن لاستخدام التكنولوجيا الحديثة أن ينحرف نحو شكل غير مسؤول وغير أخلاقي، مما قد يؤدي إلى تدهور الحياة الاجتماعية والبيئية والسياسية.

كما يمكن أن تشكل أنظمة الذكاء الاصطناعي مخاطر جسيمة على المجتمع والإنسانية، حيث أصبحت أنظمة الذكاء الاصطناعي المعاصرة الآن قادرة على منافسة البشر في أداء المهام العامة، وهو ما قد يترتب عليه أضرار جسيمة، الأمر الذي دفع “إيلون ماسك”، وكبار الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي إلى دعوة مُختبرات الذكاء الاصطناعي للتوقف مؤقتًا عن تجارب الذكاء الاصطناعي العملاقة مع الدعوة إلى إنشاء هيئات تنظيمية مستقلة لضمان نشر الأنظمة المستقبلية بأمان ([9]).

من أجل تجنب هذه التحديات والمخاطر، يجب أن يتم التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بشكل مسؤول، لضمان الحفاظ على الخصوصية والأمن والعدالة والحرية والتنوع والتعاون بين البشر والآلات، وضمان تطوير تقنيات جديدة تضمن حماية الأفراد والمجتمعات والكوكب بشكل عام.

علاقة الذكاء الاصطناعي بالسيبرانية وشبكات التواصل الاجتماعي

يرتبط الذكاء الاصطناعي بالسيبرانية وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل وثيق، على سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة التي تنشأ عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحديد الاتجاهات والميول الاجتماعية والسلوكية للأفراد، ويمكن استخدام هذه البيانات في التسويق والإعلانات والتحليل السياسي والتوصية بالمنتجات والخدمات وغيرها من الأغراض ([10]).

من ناحية أخرى، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات السيبرانية، حيث يمكن استخدامه في تنفيذ هجمات الاختراق والتجسس والتصيد الاحتيالي وغيرها من الهجمات السيبرانية. وبما أن العديد من الأشخاص يستخدمون شبكات التواصل بشكل متزايد، فإنه يجب اتخاذ إجراءات أمنية مناسبة لحماية بياناتهم الخاصة والمعلومات الشخصية من الاختراقات والتجسس والاستغلال الغير مشروع لهذه البيانات. ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير هذه الإجراءات الأمنية بالتحقق من الهوية والتنبؤ بالتهديدات السيبرانية المحتملة والتصدي لها.

وبشكل عام، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين الأمن السيبراني وتعزيز التواصل الاجتماعي بشكل عام، وذلك من خلال الكشف عن الهجمات والتهديدات الأمنية واعتراضها بشكل أسرع وأكثر دقة، ولكن يجب اتخاذ الحيطة والحذر والحفاظ على الأمان والخصوصية في الوقت نفسه.

القواعد الأخلاقية التي تحكم العلاقات بين الإنسان والألة في ظل الذكاء الاصطناعي

بالرغم من المزايا العديدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يفرض تحديات كبيرة يجب التصدي لها من خلال إرساء قواعد أخلاقية يجب أخذها بعين الاعتبار عند تطوير واستخدام التكنولوجيا الحديثة. ومن بين هذه القواعد الأخلاقية ([11]):

  • الشفافية: يجب توضيح الأهداف والغايات من استخدام التكنولوجيا الحديثة، وتوضيح الطريقة التي يتم بها جمع البيانات واستخدامها. ويجب أن يكون الناس على علم بما يجري وما يتم جمعه وما يتم استخدامه منها.
  • الخصوصية: يجب حماية البيانات الشخصية للأفراد وضمان سرية المعلومات الحساسة التي تنتج عن استخدام التكنولوجيا الحديثة.
  • عدم الضرر: يجب ألا تسبب أنظمة الذكاء الاصطناعي أي ضرر أو أذى للبشر.
  • العدالة: يجب أن يتم استخدام التكنولوجيا الحديثة بطريقة تضمن تحقيق العدالة وتحقيق المساواة بين الأفراد، وعدم التمييز على أساس الجنس، أو العرق، أو الديانة، أو الجنسية، أو أي عامل آخر.
  • الأمان: يجب ضمان سلامة الأفراد وحمايتهم من التهديدات التي يمكن أن تنتج عن استخدام التكنولوجيا الحديثة، ويجب التأكد من أن الأنظمة الآلية آمنة ومحمية بشكل كافٍ.
  • العمل الجماعي: يجب أن يكون هناك تعاون بين البشر والآلات ويجب توفير الأدوات والتقنيات التي تساعد على تحقيق ذلك، بما يحقق التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي بين البشر والآلات.

ونتيجة للتحولات السريعة في التكنولوجيا؛ ستحتاج المؤسسات والحكومات إلى وضع أطر أخلاقية وقانونية تحفظ حقوق الأفراد وتحميهم من التمييز والانحرافات. كما تتطلب التطبيقات الجديدة للذكاء الاصطناعي قوانين وتشريعات جديدة لضمان حماية الخصوصية والأمان والحقوق الأخرى للأفراد، وتحتاج المجتمعات إلى إنشاء إطار مؤسسي قوي للتعامل مع هذه القضايا.

وهنا، قد تتخذ الحكومات إجراءات حاسمة للتخفيف من المخاطر عند مواجهة التكنولوجيا الناشئة، كما فعلت في أمور مُشابهة، خاصة عندما استخدمت الدول في جميع أنحاء العالم اللوائح الصارمة، وتم التوصل لإجماع دولي لحظر استخدام وتطوير الأسلحة البيولوجية، وإيقاف الهندسة الوراثية البشرية…الخ. سُيبطئ ذلك من الوتيرة المتسارعة للتكنولوجيا، بما يُمكن العالم من إنشاء مؤسسات يمكنها تحقيق الحوكمة الفعالة والمناسبة للسيطرة على للتكنولوجيا، لتكون البشرية في وضع أكثر أمانًا. فمثل هذا التوقف المؤقت سيحافظ على الهدف المتحرك، ويتيح لصانعي السياسات الوقت لتنفيذ أسس الحوكمة الرشيدة للذكاء الاصطناعي.

مُستقبل مظلم أم مُشرق ينتظر العالم في ظل الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي هو تقنية يمكن أن تُستخدم للخير أو للشر. ومستقبل العالم سيعتمد على كيفية استخدامنا لهذه التقنية. يجب علينا التأكد من استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة أخلاقية ومسؤولة، ووضع الضوابط والتشريعات اللازمة لحماية الناس. إذا فعلنا ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُسهم في تحسين حياة البشرية وحل المشاكل الكبيرة التي تواجه العالم. لكن إذا تركناه بلا رقابة، فقد يؤدي ذلك إلى كارثة. لذلك، مستقبل العالم مع الذكاء الاصطناعي مفتوح ويعتمد على الاستخدام الحكيم والأخلاقي لهذه التقنية من قبلنا.

وفي الحقيقة، المستقبل معقد ويصعب التنبؤ به بدقة، لأنه يعتمد على العديد من العوامل المختلفة منها: كيفية تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الحكومات والشركات والأفراد. وشكل الإطار التنظيمي والقانوني الذي سيضبط استخدامات الذكاء الاصطناعي. ومدى قدرة المجتمعات على التكيف مع التغيرات التي سيحدثها الذكاء الاصطناعي في سوق العمل مثلاً. وكيفية تعامل البشر مع الآلات الذكية ومدى تفويضهم لها في اتخاذ القرارات. ومدى التوازن في استخدام التقنية لأغراض خدمة البشرية وأغراض تحقيق الربح المادي.

أخيرًا، يجب النظر إلى المستقبل بواقعية وسعي نحو تحقيق الخير للجميع، وهذا بلا شك سيتطلب حكمة ومسؤولية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لصالح البشرية جمعاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  ماجستير في العلوم السياسية. جامعة القاهرة.

[1] – Jean-Gabriel Ganascia, “Artificial intelligence: between myth and reality”, (UNESCO, 2018), Available at this link: https://en.unesco.org/courier/2018-3/artificial-intelligence-between-myth-and-reality

[2] – مي صلاح، “بين الأسطورة والواقع.. ما مصير البشرية في ظل تطور الذكاء الاصطناعي؟”، (المرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، يونيو 26, 2023)، على الرابط التالي:

https://marsad.ecss.com.eg/78195/

[3] – “What is artificial intelligence?”, Available at this link: https://www.ibm.com/topics/artificial-intelligence?mhsrc=ibmsearch_a&mhq=AI

[4] – Josh Taylor and Alex Hern, “‘Godfather of AI’ Geoffrey Hinton quits Google and warns over dangers of misinformation”, (the guardian, 2 May 2023), Available at this link: https://www.theguardian.com/technology/2023/may/02/geoffrey-hinton-godfather-of-ai-quits-google-warns-dangers-of-machine-learning

[5] – “What can policymakers do now to combat risks from advanced AI systems?”, (future of life, 19 April 2023), Available at this link: https://futureoflife.org/wp-content/uploads/2023/04/FLI_Policymaking_In_The_Pause.pdf

[6] – د. رغدة البهي، “فرص وتهديدات توسع استخدام الذكاء الاصطناعي”، (مجلة تقديرات مصرية، صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عدد 50، سنة النشر 2023). ص ص 50-54.

[7] – “The Future of Jobs Report 2023”, (world economic forum, 30 April 2023), Available at this link: https://www.weforum.org/reports/the-future-of-jobs-report-2023/

[8] – د. وفاء صندي، “الذكاء الاصطناعى والمستقبل الإنسانى”، (المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 03/06/2023)، على الرابط التالي:

https://ecss.com.eg/34402/

[9] – James Vincent, “Elon Musk and top AI researchers call for pause on ‘giant AI experiments”, (the verge, Mar 29, 2023), Available at this link: https://www.theverge.com/2023/3/29/23661374/elon-musk-ai-researchers-pause-research-open-letter

[10] – Bhavani Thuraisingham, “The Role of Artificial Intelligence and Cyber Security for Social Media”, (researchgate, 2020), Available at this link: https://www.researchgate.net/publication/343271645_The_Role_of_Artificial_Intelligence_and_Cyber_Security_for_Social_Media

[11] – John Tasioulas, “Artificial Intelligence, Humanistic Ethics”, (amacad, 2022), Available at this link: https://www.amacad.org/publication/artificial-intelligence-humanistic-ethics

عن أحمد محمد علي

شاهد أيضاً

الإنسان الرقمي والحضارة القادمة

تأليف: أ. د. دانيال كوهين

ترجمة: د. علي يوسف أسعد

عرض: أ. أحمد خميس أحمد السمبختي

على عكس المتوقع من عنوان الكتاب "الإنسان الرقمي والحضارة القادمة"، لا يُعنى هذا الكتاب فقط بالأثر المباشر للآلة الرقمية على الإنسان، بل يرسم من ثنايا الموضوعات التي يُغطيها صورة لمجتمع كامل يُشكل الإنسان، ويشكله الإنسان والآلة معًا.

ما بعد الإنسانية: الفرص والتحديات

أ. منال يحيى شيمي

يشهد العالم اليوم ثورة تقنية وتكنولوجية هائلة، ورغم ما تحمله هذه التكنولوجيا من إمكانات وفرص لتحسين جودة الحياة وحمل القدرات البشرية إلى أفق جديد، فإنها وبنفس القدر تهدد الحياة البشرية والطبيعة الإنسانية بالمعنى الذي نعرفه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.