الشيخ محمود خليل الحصري: شيخ عموم المقارئ المصرية

الشيخ محمود خليل الحصري 

شيخ عموم المقارئ المصرية

أ. د. نعمت عبد اللطيف مشهور*

 الشيخ محمود خليل الحصري القارئ المعلم، سفير القرآن، وشيخ القراءات العشر، وصاحب مدرسة فريدة في التلاوة، وأول من سجل القرآن الكريم بصوته، وصاحب المصحف المرتل.

لقب الشيخ محمود ب”الحصري” لأن والده السيد خليل كان إذا وجد مصلى أسرع اليه وفرشه بالحصير كصدقة جارية. وقد رأى السيد خليل في أحد الليالي رؤية أن عموده الفقري يتشكل ويتدلى منه عنقود من العنب وتأتى الناس جماعات من كل فج عميق يأكلون من هذا العنقود ولا ينتقص ذلك منه شيئا، وفسر أحد الشيوخ هذه الرؤيا بعلو شأن محمود إبن السيد خليل، فطلب منه إلحاقه بالأزهر الشريف لتلقي العلم الذي سيستفيد منه الناس ويكون له أكبر الأثر فيما بعد.

نشأته:

 ولد محمود خليل الحصري في طنطا بمحافظة الغربية في غرة ذي الحجة 1335ه الموافق 17 سبتمبر 1917م، وقد توفى بعد عودته من رحلة الحج في مساء الإثنين 16 محرم 1401ه الموافق 24 نوفمبر 1980، عقب صلاة العشاء، وقد امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عاما.

أدخله والده الكتّاب في عمر الأربع سنوات ليحفظ القرآن الكريم، وأتم الحفظ في الثامنة من عمره، وكان يذهب يوميا من قريته الى المسجد الأحمدي بطنطا ليحفظ القرآن، وفى الثانية عشر انضم الى المعهد الديني في طنطا، وقد أجاد الحصري قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر ورواياتها بجميع أسانيدها، فنال عنها شهادة “علم القراءات” من الأزهر الشريف عام 1958.

 فى خدمة القرآن الكريم:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن لله أهلين من الناس، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته”.

كانت حياة محمود خليل الحصري وقف على القرآن الكريم. فكانت بداياته في مسجد قريته حيث كان يقرأ القرآن الكريم وكذلك فى اجتماعات الأهالي هناك. وفى عام 1944 تقدم الى الإذاعة المصرية بطلب كقارئ للقرآن الكريم، وبعد مسابقة كان ترتيبه فيها الأول على جميع المتقدمين، حصل على العمل وكان أول بث مباشر له في 16 نوفمبر 1944.

وفي أوائل الستينيات من القرن العشرين وفي أعقاب ظهور طبعة من المصحف الشريف بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آياته، قرر الأزهر الشريف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية عمل تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم على إسطوانات توزع نسخا منه على المسلمين في كافة أرجاء العالم الإسلامي، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه بالتحريف. وكان أول جمع صوتي للقرآن الكريم، بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق، بصوت القارئ محمود خليل الحصري. ولكن هذه الوسيلة لم تكن فعالة نظرا لضعف القدرات والامكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الإسطوانات فاتخذت السلطة السياسية قرارا في عام 1964 ببدء إرسال “إذاعة القرآن الكريم” لإذاعة المصحف المرتل، وقد استمر البث بصوت القارئ محمود خليل الحصري فقط في إذاعة القرآن الكريم لمدة عشر سنوات متتالية.

وقد عُين محمود خليل الحصري عام 1961 شيخا لعموم المقارئ المصرية، ثم تم اختياره في عام 1966من قبل اتحاد قراء العالم الإسلامي رئيسا لقرّاء العالم الإسلامي بمؤتمر اقرأ بكراتشي بباكستان، ثم رئيسا لاتحاد قرّاء العالم في عام 1967.

وفى عام 1962 عين نائبا لرئيس لجنة مراجعة المصاحف وتصحيحها بالأزهر الشريف، ثم رئيسا لها بعد ذلك، وعين في عام 1966 مستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف، وفي عام 1967 عين خبيرا بمجمع البحوث الاسلامية لشؤون القرآن الكريم (هيئة كبار العلماء) بالأزهر الشريف.

وكأحد أعلام تلاوة القرآن الكريم في العالم كان للحصري الأثر العظيم بما تركه من تراث لتستفيد به أجيال قادمة لاتعد ولاتحصى بالسنوات والأيام، وأعظم ما تركه الى جانب القرآن المجود بقراءة حفص عن عاصم كان تسجيل القرآن الكريم مجودا بالقراءات العشر، وبذلك استطاع المسلمون في العالم كله الاستفادة من قراءات هذا المقرئ المتميز، وفضلا عن إبداع الشيخ الحصري العظيم في المصحف المجود كان إبداعه أيضا في المصحف المرتل.

وكان للشيخ محمود الحصري السبق في تسجيل القرآن حيث كان:

-أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية حفص عن عاصم في عام 1961.

-أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم برواية ورش عن نافع في 1964.

-أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم  برواية قالون، ورواية الضورى عن أبى عمرو البصرى في 1968.

-أول من سجل المصحف المُعلٍم في أنحاء العالم (طريقة التعليم) في 1969.

-أول من سجل المصحف المفسر (مصحف الوعظ) في 1974.

-كما اهتم بتسجيل مصحف للأطفال وجزء عم مع ترديد الأطفال.

-سجل 30 مصحفا معلما صوتيا بالترديد وبدون الترديد.

ويرجع إبداع الشيخ الحصري في القراءة الى أن الله أعطاه ملكة تفرد بها في ضبط الحكم كما يجب ان يكون مخرجا وصفة، ثم الأهم أن مدرسته متفردة عن غيرها من المدارس والمشارب لما تتسم به هذه المدرسة من الانضباط في أحكام التلاوة ومخارج الحروف ودقة الوقف والابتداء على آيات القرآن الكريم، والقراء حتى يومنا هذا يتعلمون منه الضبط والإحكام الجيد عند التلاوة.

 لذا يعتبر محمود الحصري وبحق العالم المحقق المدقق الأمين الساطع بالقرآن وصاحب مدرسة الأحكام والحافظ للقراءات والمدقق للروايات، وهو ميزان القراء وضابط الأداء، حتى قال المحققون في فن التلاوة القرآنية: “إذا أردت ان تسمع القرآن الكريم بصوت منضبط تماما بنسبة مائة في المائة فعليك ان تسمع الشيخ الحصري”.

وقد بذل محمود الحصري الجهد الكبير في نشر القراءة الصحيحة السليمة في العالم كله بقاراته الخمس. فكان أول من ابتعث في عام 1960 لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي بالهند. كما قام بزيارة فرنسا في عام 1965 وأتيحت له الفرصة لهداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم. كما سافر الى الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في عام 1970 موفدا من وزارة الأوقاف للجاليات الإسلامية بأمريكا الشمالية والجنوبية. وفي عام 1973 وأثناء زيارة ثانية له لأمريكا الشمالية قام بتلقين الشهادة لثمانية عشر رجلا وامرأة أمريكيين أشهروا إسلامهم على يديه عند سماعهم تلاوته للقرآن الكريم. وفي عام 1977كان أول مقرئ في أنحاء العالم يقوم بترتيل القرآن الكريم في الأمم المتحدة أثناء زيارته لها بناء على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية. وفي عام 1978 كان أول من رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة ايوارت Ewart المطلة على نهر التايمز في لندن، كما قام بزيارة المدينتين البريطانيتين ليفربول وشفيلد ليرتل القرآن الكريم أمام الجاليات العربية والإسلامية في كل منهما. وأخيرا كان محمود الحصري أول قارئ يرتل القرآن الكريم في البيت الأبيض وقاعة الكونجرس الأمريكي.

وقد نادى الشيخ محمود الحصري بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى، وقام هو بتشييد مسجد ومكتب للتحفيظ بالقاهرة، كذلك  كان أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم.

الشيخ الحصرى مع أولاده:

تزوج الشيخ محمود خليل الحصري عام 1938، وأنجب سبعة أبناء، وكان حرصه شديد على أن يتم كل أبنائه حفظ القرآن الكريم.

يروى أحمد أحد أبنائه: “كان يعطى كل من حفظ من القرآن قرش صاغ بجانب مصروفه اليومي، واذا أراد زيادة يسأله ماذا تحفظ من القرآن فإن حفظ وتأكد هو من ذلك أعطاه، وكانت له فلسفة في ذلك فهو يؤكد علينا بضرورة حفظ القرآن الكريم حتى نحظى برضا الله علينا ثم رضا الوالدين. وأذكر أنه في عام 1960 كان يعطينا عن كل سطر نحفظه خمسة عشر قرشا وعن كل جزء نحفظه عشرة جنيهات، وكان يتابع ذلك فكانت النتيجة أن التزم كل أبنائه ذكورا وإناثا بحفظ القرآن الكريم كاملا والحمد لله”.

وتؤكد إبنته د. إيمان الحصري، أصغر أبنائه، أن والدها كان بشوش الوجه مثال الأب الحنون الطيب، فلم يروه يوما عبوسا، وكان لا يفرق بين أبنائه في المعاملة، وكان لين القلب لا يستطيع سماع بكاء طفل، ولم يرد طلب أحد في يوم من الأيام حتى لو كان مستعصيا، فهو الذى عوَد ابنائه على ترك الباب مفتوحا دائما أمام أي سائل أو محروم، وعلمهم حسن الظن دائما بالآخرين، وكانوا يطلقون عليه لقب المعلم، وبعض المشايخ كانوا يسمونه أبو الميزان لشدة عدله. كان والدى يشرف بأنه خادم للقرآن الكريم، عاملا بكتاب الله، ومحبا لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام مقتديا به.

وتقول إفراج الحصري عن والدها: والدى له الفضل الأول في توجهي الحالي للأعمال الخيرية، فقد زرع فينا حب القرآن وضرورة حفظ كل ابنائه له، كما تعترف بفضل والدها في غرس بذرة الخير في أبنائه، حيث كان القدوة لهم ومثالا للعطاء والحنان.

كانت علاقته بأولاده كلها ود ورحمة ومودة وصبر جميل، ولقد علمهم احترام الآخرين، والعمل على نفعهم، والعمل قدر المستطاع بما يحفظونه من القرآن الكريم، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم، والسعي دائما الى ما يحب ويرضى.

وقد أرَق الشيخ محمود الحصري مشكلة كبيرة مع إبنته “إفراج الحصري”، والتى اكتسبت شهرتها من كونها احترفت الغناء تحت إسم ياسمين الخيام. فقد ورثت إفراج الحصري عن والدها عذوبة الصوت وقوته. وعندما ذهب الشيخ الحصري للرئيس السادات في منزله ليطلب منه تخفيض الضرائب على مقرئي القرآن طلبت منه السيدة جيهان السادات الموافقة على احتراف إبنته إفراج الغناء، خاصة وأن الساحة الغنائية قد خلت بعد وفاة أم كلثوم، وأشادت بصوت إبنته وأن مستقبلا كبيرا ينتظرها. وقد رفض الشيخ الحصري هذا الأمر رفضا قاطعا، وأصر على الرفض رغم تأييد بعض رجال الدين لغناء إبنته ومنهم الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود والشيخ محمد الغزالي وغيرهم. لكن إبنته لم تنصاع لأمر والدها، واحترفت الغناء بتشجيع من زوجها وأحد أخويها، فغضب الشيخ عليها، وأصبحت تتلافى لقاءه بعد احترافها الغناء، كما رفض محاولاتها تسجيل القرآن الكريم بصوتها مشيرا الى أنه يقوم بتحفيظها القرآن للتدبر فقط، وتؤكد إفراج اليوم: “إنى الآن أعلم جيدا ان صبر والدى علىَ كان كصبر أيوب”.

وقد اعتزلت إفراج الحصري الغناء في عام 1990 وارتدت الحجاب، وتفرغت عقب وفاة والدها لمباشرة أعماله الخيرية تنفيذا لوصيته التي أوصى فيها بثلث ثروته لوجوه الخير فقامت  بافتتاح مسجد ومجمع خيري للخدمات الاجتماعية فى مدينة السادس من أكتوبر باسم والدها، ويحتوي هذا المجمع على معهد للدعاة ومركز لتحفيظ القرآن الكريم ومركز لطب الأسرة ومركز لدورات التنمية البشرية ومركز للندوات الثقافية ومركز لدروس التقوية ودار للأيتام. وعندما سئلت إفراج الحصري عن كيفية تمويل هذا المشروع الضخم قالت أن والدها قد علمها مقولة: “أن لا هم مع الله”، فطالما توكل الإنسان على الله فإن الله يكفيه، وهو ما تحقق في هذا المشروع المبارك.  

مؤلفات الشيخ محمود الحصرى:

للشيخ محمود الحصري 13 مؤلفا:

  • أحكام قراءة القرآن الكريم.
  • القراءات العشر من الشاطبية والدرة.
  • معالم الاهتداء الى معرفة الوقف والابتداء.
  • الفتح الكبير في الاستعاذة والتكبير.
  • أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربع عشر.
  • مع القرآن الكريم.
  • قراءة ورش عن نافع المدني.
  • قراءة الدوري عن أبى عمرو البصرى.
  • نور القلوب في قراءة الامام يعقوب.
  • السبيل الميسر في قراءة الامام أبى جعفر.
  • حسن المسرة في الجمع بين الشاطبية والدرة.
  • النهج الجديد في علم التجويد.
  • رحلاتي في الاسلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أستاذ الاقتصاد الإسلامي والمالية الإسلامية المتفرغ. كلية التجارة، جامعة الأزهر.

عن نعمت عبد اللطيف مشهور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.