د. إبراهيم أبو العيش
د. فاطمة الزهراء محمد عبده *
د. إبراهيم أبوالعيش رجل صنع حلمًا وعاش فيه بعمق، ليلهمنا كيفية تقديم نماذج ناجحة لحياة إيجابية صحية وكريمة في عالمنا المعاصر.
إبراهيم أبو العيش من هو؟
هو عالم مصري في الكيمياء التطبيقية، حصل على جائزة نوبل البديلة في التنمية البشرية وهو صاحب مجموعه شركات سيكم للزراعه الحيوية.
ولد في مارس 1937م، ونشأ في مدينة مشتول السوق بمحافظة الشرقية لأسرة غنية هاجرت بعد ذلك إلي القاهرة، وأنشأ والده مصنعا للصابون وآخر للحلاوة الطحينية، درس أبو العيش ابتداء من عام 1956 الكيمياء التقنية في جامعة غراتس بالنمسا، وتزوج عام 1960 من مواطنة نمساوية ورزقا بطفلين.
حصل علي الجنسية النمساوية، وحاز علي درجة الدكتوراه برسالة علمية عن طريقة جديدة لاستخدام السليلوز في صناعة الورق(1)
درس الطب وتخصص في علم الأدوية (فارماكولوجي) وحصل علي الدكتوراه عن بحثه عن الغدة الدرقية(1).
في عام 1977 (2) عاد إلي مصر لينشئ مزرعة سيكم التي ستكون فيما بعد أحد أسباب حصوله علي جائزة نوبل البديلة (3)، وقد تم إنشاء مزرعة سيكم في في صحراء بلبيس بمحافظة الشرقية بمصر، على مساحة 140 فدانًا، وتبلغ المساحة حاليًا حوالي 300 فدان(5)، وهي تتبني مبدأ الزراعة الحيوية والتي لا تستخدم فيها الأسمدة الكيماوية أو المبيدات(1).
كانت فكرة إبراهيم أبوالعيش عندما عاد من النمسا أن تستعيد مصر جزءًا من أمجادها القديمة في الزراعة والتنمية المستدامة والرقي الإنساني… فأخذ قطعة من أسوأ أنواع الأراضى الصحراوية، على أطراف بلبيس حيث تمتد طبقة ملحية على بعد سنتيمترات من سطح التربة، وعلى هذه الأرض بنى جنته.. وطنه الذى تمتد حضارته إلى سبعة آلاف عام، واختار أسماء فرعونية لكل الكيانات التى أنشأها لينفذ من خلالها فلسفته التى تجمع بين إعادة زرع بذور الخير من خلال التلاميذ الصغار وتنمية المجتمع المحيط ورفع المستوى الصحى والثقافى والإنتاجى الحرفى، مع استبعاد كل أساليب الزراعة غير النظيفة، فلا شئ يذهب إلى الأرض إلا ما أخرجه الله من الأرض، وأطلق على الكيان الكبير الذى يخرج منه كل روافد الخير ذلك الاسم الذى اختاره القدماء رمزا لطاقة الشمس الجبارة التى تحمل الحياة والنشاط إلى كل مخلوقات الأرض اسم “سيكم”، فلا شئ هنا يحمل اسمه.. لا المزرعة.. ولا الشركات المتعددة ولا جمعية التنمية الاجتماعية..أو الأكاديمية العلمية الفنية.. وبنك البذور.. وجمعية الزراعة النظيفة.. ومجموعة المدارس..ومركز التدريب المهنى..أو المركز الطبى الذى يستقبل الناس من القرى الخمس المحيطة بالمزرعة، لا شئ هنا يحمل اسم د. إبراهيم أبو العيش رغم أن كل شئ بالمزرعة من بنات أفكاره.. كل شبر هنا عليه بصمة وفكر وروح أبو العيش.
مزارع سيكم:
“ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله “، كلمات القرآن الكريم وحدها هى التى تحضرك وأنت تجتاز بوابة المزرعة مرورا بطرقات ظليلة، نظيفة، تصطف على جوانبها أنواع عديدة من الزهور والنباتات والشجيرات البستانية والنظافة تشع ضوءا باهرا فى كل مكان.
تنتج مزرعة سيكم العديد من المنتجات الحيوية مثل الأغذية والأدوية والمستحضرات الطبية والمنسوجات، كما اتسع نشاطها ليشمل خدمة المجتمع والخدمات البيئية وخدمات تكنولوجيا المعلومات(2). صدَّرت سيكم أول شحنة من الأعشاب الطبية إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981، ومع حلول عام 2004 أصبحت سيكم تشرف على إدارة أكثر من 800 مزرعة لإنتاج الأعشاب والخضروات والفاكهة والقطن الحيوية في مصر والسودان(5).
بلغ حجم استثمارات شركة سيكم والشركات التابعة لها في عام 2005 حوالي 200 مليون جنيه مصري، أما حجم التصدير فبلغ حوالي 65 مليون جنيه سنويا(3).
بنظرة إيمانية صوفية عالية جعل د.إبراهيم أبو العيش من مزرعته جنة واستحى من الله أن يدخلها شيطان، فالشياطين تدخل خلسة مع الكيماويات ومع المبيدات فتنزع البركة من كل شئ، وتزرع بدلا منه المرض، أنت هنا فى مزرعة أبو العيش تعيش الحياة كما خلقها الله نقية طاهرة.
وعن تجربة د. ابو العيش في الزراعة يقول: بدون مبيدات وبدون كيماويات زرعنا نوعا من القمح الألمانى وكنا نظن أن البذرة لن تنبت، ولكنه أنتج، فهى نوع من الأقمحة عالية الإنتاج وداخل القشرة تعطى بذرتان معا، هناك أيضا صوبة بدون مبيدات وتنتج، والنبات هناك يسبح لا إله الا الله، زرعنا طماطم عنقودية للتصدير وريحانا أوراقه فى حجم نصف الكف، زرعنا قطنا يغزل وينسج ويصنع منه ملابس تصدير للخارج ويقبل عليه الناس المصابون بالحساسية من المبيدات.. جميع النباتات الطبية والعطرية بدون مبيدات ونحن نجحنا فى هذا المجال.
إن كل شئ بالمزرعة له حدوتة.. حتى أبقار المزرعة.. لقد أخذ يبحث عن تلك البقرة التى كان المصريون القدماء يعاملونها بكل تبجيل واحترام.. أخذ يبحث ويبحث عن هذه البقرة بالذات حتى وجد هذه السلالة Brown cow فى أسبانيا وجاء بها من هناك ليقوم بتربيتها من جديد فى مزرعته!!
مجتمع مزرعة سيكم:
فإذا ذهبت إلى هناك على طريق بلبيس الصحراوى وفى مزرعته العجيبة سوف تجد أطفال يتعلمون الإنجليزية والألمانية والموسيقى الكلاسيك والصلاة فى وقتها، أما فصل الثالثة الإبتدائية بالتحديد فعليه أن يزرع القمح، وعندما تنضج السنابل الذهبية يقام احتفال كبير بعيد الحصاد!!
هذه هى فلسفته التى يحاول أن يربى عليها صغاره من تلاميذ المدرسة، ولذلك يخرجون من الفصول الى غرفة الطعام، يحمل كل تلميذ طبقا من الصينى ـ فلا يوجد هنا بلاستيك أو ميلامين.. إنها مواد غير طبيعية، وعندما يوزع المدرسون الطعام على التلاميذ من ذلك الطاجن الفخارى الكبير وقبل أن يبدأ أحدهم فى تناول وجبته يتلون جميعا دعاء يذكرهم أن هذه النعمة من الله وحده، وأنهم يجب أن يتذكروا دائما أولئك الفقراء المحرومين من هذه النعم.
المسئول عن قطاع التعليم يقول : ” نعم لا يوجد عندنا عمال للنظافة فالتلاميذ والأستاذ ينظفون الفصل فى نهاية اليوم الدراسى!! وأنا أيضا أنظف مكتبي بنفسي “.
“كل شئ هنا بسيط جدا ورائع جدا، بمجرد الدخول من الباب تلمح زي الأطفال بألوان متعددة المعلق على شماعات متجاورة ففى بداية قدوم الطفل الى الحضانة يعرض عليه الزى بألوانه ويترك له فرصة اختيار اللون، ويصنف الأطفال حسب اختياراتهم، صاحب اللون الأحمر.. هذا طفل عنيف، يجب أن تتابعه المدرسة جيدا، الأصفر دليل على تقلب مزاج صاحبه يحاول معه ليكون أقل حده، الأزرق طفل حساس هو الشاكى الباكى الإنطوائى وهذا أيضا يحتاج رعاية خاصة”.
” الأطفال حتى السابعة من عمرهم لا يمسكون قلما.. فالتربية هنا لها فلسفة مرحلية، السبع الأولى هو عالم الخير حيث تحيط الملائكة بالصغار .. ولذلك يحيطون الأطفال بالمناظر الجميلة.. ومفيش زمبلك.. مفيش بلاستيك.. هو يجب أن يصنع لعبته بنفسه.. يخلق بيديه.. وممنوع الورقة والقلم، يقول مسئول في المدرسة : فى أوروبا وجدوا أن السرطان وأمراض خطيرة أخرى سببه أن أعضاء الطفل لم تأخذ فرصتها الكافية فى النمو، والمهم فى هذه المرحلة أن ننمى لدى الطفل الخيال من خلال الحدوتة والصور التى يبتكرها، وتظل مختزنة فى عقله حتى يكبر ويبرز ذلك فى مجال تخصصه”.
كل شئ بالمزرعة مخطط له بدقة وكل مرحلة دراسية لها دورها فى حياة الطالب يخرجون وفق برنامج زمنى، من الفصل الى قاعة الطعام، ثم يذهبون إلى المسجد لصلاة الظهر لتدخل المرحلة التالية، المسجد مثل باقى مبانى المزرعة باللون الأبيض من الخارج ومن الداخل بلون السماء.. سقف مرفوع وأرض مفروشة بالسجاد المصنوع من صوف الأغنام الأبيض، فهنا لا تستخدم الألوان الصناعية.
التعليم هنا لا يقتصر على التلاميذ ولكنه يمتد إلى الأطفال المتسربين من التعليم، والأطفال العاملين في مجال الزراعة وهؤلاء لهم برامج تعليم خاصة .. أما أجمل منظر تراه من شرفة المدرسة هى لحظة خروج التلاميذ، حيث تأخذ الدراجات الصغيرة طريقها بين طرقات المزرعة تحمل الملائكة إلى قراهم.
في المرزعة أيضًا مركز طبي للطب الشامل والمدمج ويتبنى هذا المركز مبدأ شمولية علاج الإنسان بشكل كلي، ويقوم بعلاج الأمراض المزمنة بالوسائل الطبيعية من الطب الإكلينيكي والبيولوجي والبديل التكميلي.
حوار مع دكتور أبو العيش:
وعن سؤاله عن رأيه فى استخدام الهندسة الوراثية فى الزراعة؟ يقول : فى الماضى قام العلماء بإضافة الكيماويات إلى التربة لكى يخرج نبات أفضل وقاموا بتوليد الطاقة من اليورانيوم والمواد المشعة واليوم عرفنا أنه لا يوجد كارثة أفظع من هذه الأهداف التى تبدو نبيلة، الهندسة الوراثية ستكون ضارة أكثر من المفاعلات النووية، التركيب الجينى للنبات لم يتم بالصدفة، تم بقدر الله، ونحن نظن إننا نستطيع أن نحسن أو نخلق افضل مما خلق.. إنه كبرياء وغرور العلم الذى تظهر نتائجه بعد وقت طويل.
– هل صحيح أنك صنعت بنكا للبذور المصرية؟ يقول : منذ بداية المزرعة ونحن نجمع النباتات المصرية، ونسميها، ونحفظ البذور، ومنذ بضع سنوات أطلقت الأمم المتحدة نداء، واشتركنا فيه وسوف نعمل معهم فى جمع والحفاظ على النباتات فى الساحل الشمالى التى تندثر بسبب البناء على هذه الأراضى.
– هل نجحت فعلا تجربة الزراعة الحيوية النظيفة؟ يقول : نعم وهناك نتائج جيدة سواء فى الصحراء أو وسط الدلتا، فالنبات له طريقته فى مقاومة الأمراض والآفات، فالنبات الذى تنمو جذوره فى الأرض لمسافات طويلة تجد أوراقه فوق سطح الأرض مقاومة للآفات، عكس النبات الذى يروى بالماء والمعادن قرب سطح الأرض فتكون أوراقه زرقاء وشكله قوى إلا أن كمية المياه العالية به تجعل مقاومته للآفات أقل، وتجعل رائحته تتغير فتأتى إليه آفات من المفروض أنها لا تعيش عليه، إذن من المهم جدا أن يحصل النبات على احتياجاته فقط من الماء.
الجوائز الحاصل عليها:
في 2 أكتوبر 2003 اختارت لجنة التحكيم الخاصة بجائزة نوبل البديلة د. إبراهيم أبو العيش لمنحه جائزة الحياة الصحيحة Right Livelihood Award، وقد تبرع الدكتور أبو العيش بقيمة الجائزة لمصر وسلمها للسفير المصرى فى ألمانيا.
وحصل إبراهيم أبو العيش أيضًا على جائزة مؤسسة شواب عام 2004.
كما اختير ضمن أفضل عشرة رجال في مجال العمل الاجتماعي على المستوى العالمي(5).
كما له مجموعة من الأبحاث الهامة والكتب والمؤلفات من أهمها:
- Sekem –
- Integral Polity: Integrating Nature, Culture, Society and Economy-
- سيكم وكيف ساهمت في تغيير وجه مصر . – دار الشروق، 2008. 192 ص.
وفي النهاية فقد اهتم إبراهيم أبو العيش بالجانب الإنساني، حيث كان يعمل على الالتزام بثلاثة عناصر لطالما نهجها الدكتور أبو العيش ألا وهي تطوير الإنسان وتطوير الأرض وتطوير المجتمع. ولهذا كان التعليم والزراعة والصحة عناصر أساسية في اهتمامات سيكم مع التأكيد على التزام كل تلك الجهود بمراعاة الحفاظ على النظام البيئي المحيط دون تدخل كيميائي أو إفساد للحرث أو النسل، وظل على هذا النهج حتى وفاته في 15 يونيو 2017.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دكتوراة في علم المكتبات والمعلومات. كلية الآداب، جامعة القاهرة.
- المراجع:
- https://goo.gl/MCS7nY
- ^ http://www.sekem.com/arabic/about/default.aspx?PageID=3
- ^ http://www.sekem.com/arabic/default.aspx
- عصام عبد الله (2006). دكتور ابراهيم ابو العيش وانجازه ونوبل. www.hadotamasrya.blogspot.com.eg
- سيكم عالم الراحل الدكتور إبراهيم أبو العيش. (2017). كلافو. http://clavo.me/sekem-world-of-the-dead-dr-ibrahim-abu-al-aish/