ندوة نحو تأصيل لفقه الحياة … الطفولة نموذجًا
تحرير: أ. منال يحيى
بتاريخ 30 / 10 / 2016 عقد مركز خُطوة للتوثيق والدراسات ندوة لمناقشة أحد أهم المشروعات البحثية التي أخرجها وهو “كتاب نحو تأصيل فقه الحياة[1] : الطفولة نموذجا”، وقد تركز النقاش حول المنتج النهائي من الدراسة والذي تمثل في منهج فقه الحياة ..وكان قد تم نشر هذا الجزء المنهاجي منفصلا في مجلة المسلم المعاصر عدد 131 وأثار العديد من ردود الأفعال الإيجابية.
شارك في الندوة :
د. أماني صالح : أستاذ مساعد علوم سياسية بجامعة مصر الدولية، رئيس مجلس ادارة جمعية المراة والحضارة.
أ . أيمن شحاتة : بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية قسم اقتصاد، يعمل بمجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية منذ ما يقرب من عشر سنوات.
أ. رانيا رجب : ليسانس آداب- جامعة الإسكندرية، باحثة حرة في الفكر الإسلامي.
د. شريف عبد الرحمن : مدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. دكتوراة في العلوم السياسية من جامعة ليفربول، وعضو الفريق البحثي بمركز خُطوة للتوثيق والدراسات.
د. فاطمة حافظ : باحثة ومؤرخة مهتمة بشئون الشريعة الاسلامية وعلاقتها بالمجتمع، ودراسات المراة من منظور اسلامي. حاصلة على الدكتوراة في الآداب من قسم تاريخ جامعة القاهرة.
أ . مدحت ماهر: مدير مركز الحضارة للدراسات السياسية، يعد لدرجة الدكتوراة في العلوم السياسية. حاصل على ليسانس الشريعة الإسلامية جامعة الأزهر.
أ . مهجة مشهور: مديرة مركز خُطوة للدراسات والتوثيق، حاصلة على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية، ودبلوم دراسات عليا من كلية الشريعة الإسلامية كلية دار العلوم.
أ. منال يحيى: حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية، ، عضو الفريق البحثي بمركز خُطوة للتوثيق والدراسات، وعضو بجمعية دراسات المرأة والحضارة.
أ. مهند حامد: مدير تحرير موقع إضاءات الإلكتروني، يعد لدرجة الماجيستير في العلوم السياسية.
د. هبة مشهور : أستاذ بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية جامعة القاهرة.
د. هاني محمود: مدرس مساعد بكلية الحقوق جامعة عين شمس.
استهلت أ. مهجة مشهور الحوار بعرض موجز للدراسة موضوع الندوة “نحو تأصيل لفقه الحياة: الطفولة نموذجا” ثم للجزء المنهجي المنشور في مجلة المسلم المعاصر العدد 131 “ فقه الحياة : نحو اجتهاد معاصر” والذي يمثل خلاصة الدراسة ونتائجها، وأشارت أن ذلك الجزء المنهجي هو جهد مشترك للمجموعة البحثية بالكامل.
بدأت المناقشة بالاستماع إلى تعليقات د. أماني صالح التي أثنت على الفكرة التي يقوم عليها البحث مبدئيا من حيث كونها فكرة مهمة وتكتسب دعما يوما بعد يوم: وهي فكرة الحاجة لمواصلة واستئناف الاجتهاد الفكري في العلوم الاسلامية ؛ فكرة ألا نعيش عالة على التراث وفكر السلف، وذلك الاجتهاد يتم من منظور وصل الرحم مع القديم وليس قطعه. هذه الحاجة أصبحت ملحة في زماننا الحالي حيث هناك العديد من التغيرات والتطورات في عالمنا اليوم التي تحتاج رؤية جديدة، تغيرات على عدة مستويات معرفية، تكنولوجية، اتصالية، علمية.
وترى د. أماني أن أهم ما يميز الدراسة تركيزها على فكرة المنهجية، والأكثر تميزا هوالاهتمام بتشغيل تلك المنهجية، ويعد هذا من أقوى الأجزاء في الدراسة: تحديد الجزئيات، ترتيب الأولويات، تنميط العلاقات، ثم التمييز بين البنية الساكنة وبين التفاعل الديناميكي وتحديد آليات الحركة، كل ذلك يعد عناصر غاية في القوة في المنهجية ويفضل مزيد من العمل على تطويرها.
في المقابل رأت أن أضعف جزء هوذلك المتعلق بتعريف فقه الحياة، حيث عرف بأنه : “الضوابط القيمية والمقاصدية والشرعية التي تسير الواقع وتوجهه” وهذا التعريف يحتاج المزيد من الجهد والعمل عليه، حيث أنه من غير المناسب -في رأيها- استخدام لفظ الضوابط، فالضوابط ترجعنا مرة أخرى إلى مجال فقه الأحكام وهو مجال مختلف ومتميز عن مجال فقه الحياة، لذا من الأفضل استخدام لفظ معالم .. أو ما يقاربه. وقد اتفق أ. مدحت ماهر مع د. أماني في هذا الرأي.
فيما يتعلق بمنظومة فقه الحياة والمكونة من خماسية: المقاصد، القيم، السنن، الغيب، الأحكام الشرعية، ترى د. أماني أن بعض العناصر تحتاج إعادة ترتيب . كما أن هناك بعض العناصر المفتقدة، فمن ناحية الترتيب ترى أن البدء بالقيم كان أولى من البدء بالمقاصد، فالقيم أولى أن تتصدر المنظومة هذا ان كان للترتيب حيثية، ذلك أن القيم تشكل الضمير وما يسمى بروح الإسلام وتتشكل من خلالها رؤية الحياة والنظرة للوجود، وهي مرحلة تسبق البنية التشريعية بكل درجاتها، وهذا الاقتراح بتقديم القيم يستند إلى أسس شرعية معتبرة منها على سبيل المثال:
- التمييز بين المرحلة المكية والمدنية وأسبقية المرحلة المكية في بناء القيم والروح وتأسيس الضمير قبل أن تاتي المرحلة التشريعية في المدينة.
- الحديث التاسيسي للنبي (ص) …
- المقولة الشهيرة للإمام ابن القيم : حيثما وجد العدل ( وهو قيمة) فثم شرع الله.
استنادا الى ذلك كله رأت د. أماني أن القيم لها أولوية على المقاصد بل إن القيم قد تعيد ترتيب المقاصد، وقد توسع مفهوم بعض المقاصد؛ فمثلا اذا تحدثنا عن مقصد حفظ النفس.. ويبدو مقصد ذو طابع فردي، اذا وسعناه ليصبح حفظ الحياة هنا يمكن ان يدخل ضمنه حفظ البيئة والحيوان والنبات.
هذا فيما يتعلق بالترتيب، وقد عقب د. مدحت على تلك النقطة فأشار إلى أن القيم والمقاصد بينهما حالة استطراق ولم يكن الترتيب بينهما مقصود بدرجة حدية وانما كان المقصود تأخير الأحكام .
أما فيما يتعلق بالعناصر المفتقدة ترى د. أماني أن هناك مستويات مفتقدة في العناصر الخمسة المكونة للمنظومة، ففي المقاصد مثلا هناك مقاصد الوجود ومقاصد الخلق في مستوى يسبق مقاصد التشريع .
مستوى آخر مفتقد في أدنى السلم وهو مستوى فقه الواقع، صحيح أن عملية التشغيل بدأت بفقه الواقعة، لكن ترى د. أماني ضرورة إضافة فقه الواقع / الواقعة للعناصر وهو المتعلق بدراسة تفاصيل الحالة أو المسألة محل البحث، الظروف والملابسات والتحديات والإمكانات. وقد أكد الحضور جميعهم على أهمية إضافة ذلك العنصر.
فيما يتعلق بالمقاصد أيضا ترى د. أماني صالح أن منظومة الحفظ ذاتها ( بمعنى دفع الضرر وجلب المصلحة ) أصبحت غير كافية، وربما أصبح من الواجب تجاوزها، إذ هي منظومة الحد الأدنى، وقد آن الأوان لإضافة معاني الإنماء إلى منظومة الحفظ، وهي فكرة لها أصولها الشرعية خاصة في فقه الأموال .. ووضحت أن المقصود بالإنماء هو عملية حفز القوى الداخلية للتطور .
وأشارت د.أماني إلى أهمية التوصيف الدقيق للعلاقة بين الفقهين : فقه الحياة وفقه الأحكام، معترضة على التوصيف الذي قدم في الدراسة: أن فقه الحياة مكملا لفقه الأحكام وليس بديلا عنه، إذ ارتأت أن فقه الحياة يحتوي فقه الأحكام ويسهم من خلال احتوائه له على توجيهه، إذ يضيف اعتبارات مهمة لعملية الاستنباط، مثل القيم والسنن والمقاصد .. الخ . وهنا اختلف د. مدحت مع د. أماني إذ رأى أن فقه الحياة يوسع من فقه الأحكام عند التنزيل على الواقع وليس عند الاستنباط. فنحن لا نتدخل في استنباط الحكم -هذا عمل الفقيه- وإنما نضيف ونشير إلى مساحات للفقيه كي ينتبه إليها ويأخذها في الاعتبار.
وأخيرا علقت د. أماني على الجزء الخاص بمنهجية التشغيل حيث أثنت عليه، إذ يعد محور الاجتهاد في هذه الدراسة، واقترحت إضافة مرحلة أخيرة في عملية التشغيل هي مرحلة المراجعة أو التغذية الاسترجاعية (feedback)، وأشارت أن تلك المراجعة قد تكون مراجعة ذاتية يقوم بها الفرد نفسه، وقد تكون بالتشاور مع آخرين. واتفق الحضور على أهمية تلك المرحلة.
كذلك تحفظت على بعض الضوابط المتعلقة بعملية التشغيل وعلى الأخص الضابط الثالث المتعلق بـ “التأصيل من مرجعية إسلامية صافية”، إذ ترى أنه يعكس نوعا من العنصرية من جهة، ومن جهة أخرى يتعارض مع فكرة أن المعرفة بناء إنساني تراكمي من الحضارات المختلفة ينبغي الاستفادة منه والبناء عليه من قبيل السنن، ربما نراعي أن يكون هذا الضابط انتقائي لما لا يتعارض مع المرجعية الإسلامية وأصولها لكن فكرة المرجعية الخالصة الصافية أصبحت ترفا من الصعب تحققه عمليا.
وختاما اقترحت العمل فورا على تشغيل هذا المنهج حتى يصبح منهجية معتمدة في الدراسات الإسلامية ..ومع التشغيل سوف يكون المزيد من التطوير .
شكر فريق العمل المساهمة الوافية العميقة للدكتورة أماني صالح في التعليق على الدراسة وأشارت أ. مهجة أنها مست نقاط غاية في الأهمية سوف تؤثر في استكمال وتطوير العمل بلا شك في الفترة القادمة.
شارك أ. أيمن شحاتة بإثارة مجموعة من التساؤلات بدأت بسؤال : ما الفارق بين فقه الحياة وفقه المقاصد ؟ ورد د. مدحت ماهر بأن فقه المقاصد يوسع الفقه التقليدي، كذلك فإن فقه الحياة يوسع من الفقه التقليدي ويعطيه أفق، فتسيير الحياة لا يتأتى فقط من خلال الأحكام وإنما يتطلب دخول فقه الحياة بالقيم والمقاصد والفطرة والسنن ..إلخ. وفقه الحياة أوسع من الفقه المقاصدي إذ تشكل المقاصد أحد عناصره. وعاد فأكد أننا في فقه الحياة نشير إلى مساحات ما يسمى بالفضاء المعنوي حول الأحكام نحاول استعادتها وإلقاء الضوء عليها.
في هذا الصدد طرح أ. أيمن مثالا حول الاستهلاكية، فقد أصبحنا نربى على الاستهلاك كدين، وينمى حب الاستهلاك لدى الإنسان بشكل مستمر، وأصبحت تقاس قيمة الإنسان في المجتمع بما يستهلك وتتغير المنتجات كل عام وتعبر عن قيمة من يمتلكها .. قضية مثل تلك لا يقدم الفقه التقليدي فيها الكثير، فالاستهلاك ليس محرما وإن كان هناك نهي صريح عن الإسراف وعن التبذير ولكن تظل حدوده نسبية الى حد كبير. فقه الحياة في هذه المساحة يمكن ان يقدم الكثير .. فاذا تربى النشء مثلا على أن الاستهلاكية هي جزء من استعماره واستعباده، هنا يصبح الاستهلاك محرما بلغة التنمية، وباعتبار أن فقه الحياة يطرح معيارا جديدا هو متسق أو غير متسق مع الرؤية الاسلامية ..فهو يمكن المربي أو المعلم او الداعية من أن يدعو الى مقاومة الاحتلال من خلال مقاومة الاستهلاكية .
وعقبت أ. مهجة على تلك المداخلة ل أ. أيمن فقالت إننا لا نريد استبدال سلطة الفقه التقليدي بسلطة أخرى لفقه الحياة، وإنما نريد ان نقدم أدوات ومنهجية للتفكير يستطيع من خلالها كل مسلم أن يسير حياته وفق مقتضى الشرع .
وعبر مداخلتها أشادت د. فاطمة حافظ بالدراسة واعتبرتها من أنضج المحاولات من الناحية المنهجية ومكتملة العناصر الى حد كبير، واتفقت مع رأي د. أماني صالح فيما يتعلق بضرورة ضبط تعريف فقه الحياة بشكل أكبر. ورأت كذلك ضرورة تعميم المنهجية على موضوعات أخرى متعددة وأكثر جدلا مثل قضايا المرأة، القضايا الاقتصادية.
وأشارت أ. رانيا رجب إلى ان حالة التوتر بين الإنسان والواقع هي حالة مستمرة استمرار الحياة، وأن الإنسان سوف يظل دوما في حالة مساءلة ومراجعة لحاله مع الواقع وفق معيار ما، والمسلم دوما يحاول أن يسدد ويقارب. لذا فمن غير المطلوب محاولة الضبط المستمرة ووضع القواعد، فالإنسان والواقع غير قابل للضبط المحكم وسيظل دوما هناك هامش واسع للحركة.
وعن تساؤل أثاره عدد من الحضور حول المخاطب الأساسي بهذا البحث أجابت أ مهجة انه الفرد المسلم، والمهتمين بتوجيه خطاب للمسلمين من دعاة وفقهاء وتربويين وغيرهم.
وتدخلت أ. مهجة فنقلت الحوار الى مساحة أخرى بطرح تساؤل : هل من الممكن تفعيل تلك المنهجية بشكل أخر، ليس فقط تطبيقها على موضوعات جديدة وانما تحويلها الى برامج تنمية بشرية مثلا: بحيث تتحول لمنهج تفكير سائد بين الشباب؟ وردكل من أ.أيمن شحاتة وأ. مدحت ماهر بالإيجاب مؤيدين تلك الفكرة بشدة.
وعبر مداخلة أخرى أشار أ. مهند إلى أن الإشكاليات الكبرى دوما تكون عند التطبيق وليست في النظريات ..لذا فالعبرة بمحاولة تطبيق وتفعيل تلك المنهجية على نطاق واسع، ساعتها ستظهر إشكاليات وتتأكد الفاعلية في القدرة على الاستجابة والتعامل مع تلك الاشكاليات. واتفقت د. هبة مشهور مع أ. مهند في هذا الرأي واقترحت أن يأخذ الاجتهاد في مجال التطبيق الجهد الأكبر من الباحثين في المرحلة التالية. حيث أن هذا التطبيق هوالمجال الذي سوف يسمح تطويرالنظرية.
وإذ انتقل الحوار الى مناقشة مسألة التطبيق اختلف المشاركون حول من يتحمل عبء تلك المسألة هل هم الباحثون أنفسهم أم أفراد او جهات أخرى ؟
ورأى د. شريف عبد الرحمن ان الباحث أو المنظر نفسه يقع عليه جزء كبير من عملية التطبيق، فالآليات نفسها تحتاج الى تنظير، وأشار الى تجارب الغرب في نقل عبء التطبيق الى المؤسسات أو إلى التقنية، وأكد أ. مهند هذا المعنى فأشار الى أن التنظيرلمساحة الآليات هو مسؤولية الباحث او المفكر وليس مسؤولية الفرد الحركي.
واختلف أ. أيمن قليلا مع هذا الرأي اذ رأى أنه من الإثقال على الباحث الذي قام بهذا الجهد الفكري أن يطلب منه التفعيل والتنفيذ، فهناك متخصصون في تحويل الفكر الى سياسات ثم إلى برامج عمل . فالمسألة تحتاج حسن تواصل بين الحلقتين ( المفكر والتطبيقي) وتغذية استرجاعية مستمرة بينهما.
وختاما حدد د. مدحت عددا من المجالات والقضايا رأى أن لها الأولوية فيما يتعلق بتطبيق منهجية فقه الحياة:
أولا: الثقافة العامة … فينبغي أن تتحدث منابر عدة عن تلك المنهجية، تعقد دورات تتحدث عنها.
ثانيا : التأليف العام .. بمعنى أن يستكتب باحثين لإعداد دراسات وكتابات باستخدام تلك المنهجية.
ثالثا: يتم تواصل مع الفقهاء وتعرض عليهم تلك المنهجية ويستفاد برأيهم.
تحرير
أ. منال يحيى
*************************************
[1]. نشر الكتاب بدار نهضة مصر عام 2011.