إنسانية السنة النبوية في الحياة الزوجية

إنسانية السنة النبوية في الحياة الزوجية*

د. سوسن الشريف**

مقدمة:

وصف الله الزواج، وطبيعة العلاقة بين الزوجين، بأنها تقوم على المودة والرحمة والسكينة، في قوله تعالى {وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجًا لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم:21). ورغم هذه الحقيقة، هناك تزايد ملحوظ في المشاكل الأسرية، والتي تتفاقم لتصل إلى أروقة المحاكم، وتشير احصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء إلى تزايد في عدد اشهادات الطلاق، ففي عام 2010 كانت 149.376، ووصلت في عام 2013 إلى 161.862[1].

ثمة اتفاق على أن هناك خلل في المفاهيم المرتبطة بالزواج، وفي أساليب التربية من الأساس، فينشأ كل من الطرفين في بيئة تسودها المفاهيم الخاطئة من جانب، والممارسات التي تتنافى مع معنى المودة والسكينة من جهة أخرى. ويشترك في إحداث هذا الخلل عديد من الوسائط المسئولة عن التنشئة وتكوين الإطار المفاهيمي المرتبط بالحياة الزوجية، والتي تبدأ من الأسرة مرورًا بالإعلام الذي يروج لمفاهيم مغلوطة، وينشرها على نطاق واسع، حتى علماء الدين، الذين يحجبون نصف الحقائق، ويروجون للنصف الآخر وفقًا للخطاب السائد، الذي يرسخ لوضع المرأة في مكانة أقل من الرجل دومًا.

وهذا الخطاب الانتقائي من جانب علماء الدين تحديدًا هو الأكثر تأثيرًا في الناس، وأساس لتشكيل صورة المرأة بوجه عام، وصورتها كزوجة بوجه خاص. ويتم ذلك بالتركيز على بعض الأحاديث من السنة النبوية دون توضيح المناسبات التي وردت فيها، وتفسيرها، مما جعلها تُفهم بشكل خاطئ. كما يتم التركيز أكثر على الأحاديث النبوية التي ترسخ حقوق الزوج، والذنب والإثم الذي يقع على الزوجة إذا لم تؤد هذه الحقوق، وفي المقابل يتم إغفال الصفات التي يجب أن يكون عليها الزوج حتى يستحق تلك الحقوق، ويتم إغفال الأحاديث التي تؤكد على حقوق الزوجة، والإثم الذي يقع على الزوج الذي لا يعطي الزوجة حقوقها. ولعل هذا الخطاب غير العادل، وغير المنصف كان سببًا مهمًا، وعاملًا رئيسيًا في تدهور الحياة الزوجية والتفكك الأسري، وبالتالي زيادة نسبة الطلاق، فالزوج دومًا يستخدم هذا الخطاب السائد، والذي يؤكد على حقوقه، دون واجباته، ودون أن يراعي حقوق الزوجة، وتباعًا تشعر الزوجة بالظلم والقهر، وتتحول الحياة الأسرية إلى جدال دائم وعدم استقرار.

لذا كان من المهم البحث في المصادر التي يستند إليها هذا الخطاب المتحيز، وتحديدًا البحث في السنة النبوية الشريفة، والتي تشمل أقوال وأفعال وتقريرات الرسول محمد ﷺ، ومحاولة ترسيخ المقاصد الحقيقية التي شرعها الله من الزواج، من خلال اقتفاء أثر الرسول، وتتبع سنته، والالتزام بالآية الكريمة {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، والآية {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).

مثَّل النبي ﷺ في حياته المليئة بالالتزامات أفضل زوج في التاريخ، فلم تمنعه كثرة أعماله ومشاغله من إعطاء أزواجه حقوقهن الواجبة عليه، مع أنه كان مؤسسًا لدولة ولجيش، ومبلغًا للرسالة، ومعلمًا للناس، إلا أن هذه الأعمال كلها لم تحلْ بينه وبين أزواجه كما هو حال كثير من المسلمين اليوم، ممن يضيع حقوق زوجه بحجة الأعمال والالتزامات العديدة.

وتحاول الورقة الحالية البحث في حياة الرسول محمد ﷺ الزوجية، بوصفه “بشرًا”، ليس بصفة “النبوة”، وإن كان من الصعب أحيانًا الفصل بين الصفتين، لكن هدفنا من هذا الفصل تقديم صورة إنسانية للحياة الزوجية، وللكيفية التي كان يواجه النبي محمد ﷺ مواقف زوجاته، بما تحمله من غيرة، ومشاكل لا يخلو منها كل بيت؛ لسببين: الأول، التركيز على الجوانب التي تم إغفالها من جانب علماء الدين، أو تقديمها بشكل عرضي، دون التركيز عليها. والثاني، التنبيه على الأزواج بأن الرسول كان يتعامل في بيوت زوجاته بشكل إنساني، فلم يثبت في الأثر أنه تفاخر على إحدى زوجاته بكونه رسولًا نبيًا، بل كانت حياته ﷺ وتعاملاته معهن بشرية انسانية، يجب على الآخرين الاقتداء بها.

1. مفاهيم أساسية في دراسة السنة النبوية

من أهم الأمور التي يجب أخذها في الاعتبار عند دراسة علوم القرآن وعلوم الحديث والسنة النبوية والفقه، خصوصية الشريعة الإسلامية في الاستعمالات اللغوية للألفاظ والمفاهيم والتصورات. فاستعمال الألفاظ بمعناها اللغوي دون الحقيقة الشرعية أحيانًا يؤدي إلى الخروج بنتائج مغلوطة، لذا من المهم أن من يعرض السيرة النبوية على الناس أو يقرأها يبين هذه الخصوصية في المفاهيم والتصورات ومعاني الألفاظ وهو يشرح بعض مواقف النبي ﷺ[2]. والسنة المطهّرة ليست قاصرة على أقوال النبي ﷺ فحسب، بل تشمل قوله، وما فعله، وما سكت عنه، وتقريره، وكل هذا من التشريع الذي يجب إتباعه.

2. الرسول محمد الزوج بين النبوة والبشرية

أكد القرآن الكريم في أكثر من آية على بشرية النبي ﷺ، وجاء التأكيد في كلمات صريحة، {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا} (الإسراء:93)، {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (فصلت:6). ولعل من أبرز الآيات التي توضح بشرية النبي، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 188)، والتي توضح أن حياته تسير بأمر الله، ولو لم يكن بشرًا، لعلم الغيب، واستكثر من الخير، وابتعد عن كل سوء، وحياة الرسول كما نعرف ممتلئة بالابتلاء من البداية حتى النهاية. وورد أيضًا تمثيل لبعض المواقف التي تثبت بشرية النبي في آيات أخرى، مثل العتاب واللوم، والنصح، وتصحيح موقف، وغيرها. وتعددت الآيات التي تمثل بشرية الرسول لتشير إلى مواقف تخص نشر رسالة الاسلام، والتعامل في الحروب، والتعامل مع الأسرى، وكذلك التعامل مع الزوجات، ومن أبرز هذه المواقف براءة السيدة عائشة في حادثة الإفك، وزواج الرسول من ابنة عمه “زينب بنت جحش”، وتحريم الرسول على نفسه السيدة “مارية”.

ونركز هنا على محمد الزوج، النبي الإنسان الذي ظلل بيته هؤلاء النساء الكريمات، وشاركنه حياته الوجدانية ثم حياته العملية. والفصل بين شخصيته زوجًا ورجلاَ، وشخصيته نبيًا ورسولًا، جد عسير، وقد كان الرسول محمد حريص دومًا على تذكير الناس بأنه بشر، يسكن إلى زوجه، ويشغل بالأبناء، ويعاني مثل الذي يعانيه بنو آدم من حب وكره، ورغبة وزهد، وخوف وأمل، ويجري عليه ما جرى على سائر البشر من تعب ويُتم وثكل، ومرض وموت، ويزيد من دقة الأمر وصعوبته، أن ترى الشخصيتين فيه غير منفصلتين. ولم يدع الله سبحانه وتعالى للرسول حياته الخاصة يتصرف فيها كيف يشاء، وإنما كان ﷺ يتلقى من حين لآخر أوامر ربه في أخص الشئون الزوجية، وتخضع علاقاته بنسائه لتوجيه سماوي صريح أحيانًا، ولعل من أبرزها “محنة الإفك”، التي لم يحسمها إلا نزول الوحي ببراءة “عائشة”، وكذلك زواج النبي من “زينب بنت جحش” وما فيه من تحريم للتبني، ونزول الوحي بمراجعة النبي للسيدة حفصة رحمة بأبيها عمر، وتخيير زوجات الرسول ما بين الحياة معه، أو الطلاق والاستمتاع بزينة الحياة الدنيا[3].

قال ﷺ: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)[4].

كان ﷺ خير الناس، خيرهم لأهله وخيرهم لأمته، من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام، وتخبرنا شهادات زوجات الرسول محمد عن صفاته، وعن أسلوب حياته وتعاملاته معهم، ومن أهم الآراء، رأي السيدة خديجة، فهي الوحيدة التي شهدته مجرد رجل وزوج، قبل أن يكون رسولًا نبيًا، فكانت تقول “والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين نوائب الحق”[5]. والزوجات الأخريات اللواتي دخلن بيت النبي بعد السيدة خديجة، شق عليهن تمثل حياتهن هناك، فما من امرأة منهن دخلت حياة محمد ﷺ إلا رأت فيه الزوج والنبي معًا. فكانت الزوجة منهن تأتي بيت الرسول معتزة بشرف الزواج من النبي المصطفى، ثم ما تكاد تدخل وتلتقي من فيه من زوجات يشاركنها في رجلها، حتى ترى فيه ﷺ الزوج. ومن هنا كانت المغاضبة والمنافسة، والغيرة التي تحتدم حتى تجاوز المدى، وما يكون شيء من هذا في حياة نساء يرين في زوجهن نبيًا فحسب. وحياة محمد ﷺ في بيته، تبدو رائعة في بشريتها، فقد كان يؤثر أن يعيش بين أزواجه رجلًا ذا قلب وعاطفة ووجدان، ولم يحاول –إلا في حالات الضرورة القصوى- أن يفرض على نسائه شخصية النبي. وتذكر السيدة عائشة أن الرسول محمد ﷺ زوجًا حنونًا رحيمًا يعطف على أزواجه ويرحمهن ويبتسم لهن ويعاملهن معاملة حسنة، معاملة نبوية كريمة، فقد كان ﷺ متزوجًا تسعًا من النساء إلا أنه لا يمنعه كثرتهن أن يعطي كل واحدة منهن حقها[6].

ويتجلى هذا الجانب الانساني في شخصية الرسول مع زوجاته، ويلمسنه عن دونه من الرجال من الصحابة، فعن سعد بن أبي وقاص قال: (استأذن عمر على رسول الله ﷺ وعنده نسوة من قريش -يعني من أزواجه يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله ﷺ، فدخل عمر ورسول الله ﷺ يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي ﷺ: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتَدَرْن الحجاب، فقال عمر: فأنت أحق أن يَهَبن يا رسول الله، ثم قال عمر: أي عدوّات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟! فقلن: نعم أنت أفظُّ وأغلظ)[7].

3. زوجات الرسول محمد

هؤلاء السيدات اللواتي عشن في بيت النبوة ينزعن جمعيًا إلى حواء، وقد جئن إلى بيت تلاقت فيه البشرية بالنبوة، وتزوجن من بشر يتلقى الوحي من أعلى، ويُبَلغ رسالة الله عز وجل، فأين لحياة كهذه، تتجاذب فيها الأنوثة التي تعرف رقتها وضعفها ورهافة وجدانها، تيارات بالقوة والعمق، يجذبها بعضها إلى هذه الأرض الدنيا، وتشدها أخرى إلى السماوات العلا، وتتعادل من هذا بشرية سماوية وانسانية[8].

أول أزواجه “خديجة بنت خويلـد” (68- 3 ق.ه.)، تزوجهـا رسـول الله وهو ابن بضع وعشرين سنة، وهي أربعين سنة، كانت قد تزوجت قبل رسول الله زوجين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت وقد تجاوز سنه الخمسين، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنوات وهي بنت خمس وستين سنة، وأنجب منها عبد الله، والقاسم، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. بعدها تزوج –عليه السلام– “سوده بنت زمعة بن قيس” (..، 54ه.). ثم تزوج “عائشة بنت الصديق أبي بكر” (9 ق.هـ. – 58ه)، وكانت صغيرة فلم يدخل بها إلا بعد الهجرة، ولم يتزوج بكرًا غيرها. (عن عائشة قالت: لما توفيت خديجة – رضي الله تعالى عنها – قالت خوله بنت حكيم: أي رسول الله ألا تزوج قال: ومن! قالت: إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا، قال: ومَن البكر، قالت ابنة أحب خلق الله إليـك عائشـة بنـت أبي بكر، قال: ومن الثيب! قالت: سودة بنت زمعة بن قيس قد آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه، قال: فاذهبي فاذكريهما…)[9]. وقد تزوج الرسول السيدة “سودة” لأن بناته كن في حاجة إلى رعاية وأمومة، وتوفرت هذه الصفات في السيدة “سودة” لكبر سنها، بينما السيدة “عائشة” كانت صغيرة السن، وليس بها قدرة على تحمل هذه المسئولية. وقد تزوج الرسول السيدة “عائشة” بعد ذلك بثلاث سنوات. ثم تزوج “حفصة بنت عمر بن الخطاب” (18 ق.ه.- 45ه.)، بعد ثلاثين شهرًا من الهجرة قبل أُحد بشهرين. ثم تزوج “زينب بنت خزيمة الهلالية” (..-4ه.) وهي أم المساكين، وقيل إنها كانت قبله تحت الطفيل بن الحارث بن المطلب، وقد كان قصر مقامها في بيت الرسول سببًا في التفات المؤرخين وكتاب التراجم والسير عنها، حيث عاشت حياة قصيرة، وتوفت في بيت النبوة. ثم تزوج “أم سلمه بنت أبي أمية المخزومية” (28ق.ه.، 62ه.) واسمها “هند”، وقد توفي أبو سلمة عنها بالمدينة بعد أُحد، في سنة أربع من الهجرة. ثم تزوج “زينب بنت جحش الاسدية” (33ق.ه.-20ه.)، وكانت قبله تحت زيد بن حارثة ولم يكن له منها ولد، وكان زواجها من الرسول بأمر وحكمة إلهية، لإلغاء التبني، وتزوجها رسول الله في ذي القعدة سنة أربع من الهجرة. ونزلت في أمر هذا الزواج الآية الكريمة {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب: 37). ثم تزوج “جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار” (…، 56ه.) من بني المصطلق، وكانت قبله تحت ابن عم لها يقال له صفوان ذو الشفر بن مالك، فقتل عنها يوم المريسيع، فكانت جويرية مما أفاء الله على رسوله فاعتقها وتزوجها في سنة خمس أو ست من الهجرة، وقد أتت تسأل الرسول في كتابتها على ثابت قيس الأنصاري، وهي سيدة بني المصطلق، وكانت هلعة فعرض عليها الرسول الزواج. ثم تزوج “صفية بنت حيي بن أخطب” (..- 50ه.)، عقيلة بني النضير، كانت يهودية قبل إسلامها، وهي من أهل المدينة، وكانت من سبايا فتح خيبر، فاعتقها الرسول، وجعل مهرها عتقها وتزوجها سنة سبع من الهجرة. ثم تزوج “أم حبية ابنة أبي سفيان” (25ق.ه.- 44ه.) سنة سبع هجريًا، وقد تنصر زوجها عندما هاجرا إلى الحبشة، فأراد النبي أن يكرمها على تمسكها بالإسلام، ويهون عليها محنة تنصر زوجها، فبعث إلى النجاشي يزوجها إياه. ثم تزوج “ميمونة بنت الحارث الهلالية” (..-51 ه.) سنة سبع في ذي القعدة، آخر أمهات المؤمنين، كان أسمها برَّة فأسماها ميمونة، وفي رواية أنها وهبت نفسها للنبي، فأنزل الله تعالى “وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ …” (الاحزاب: 50). “مارية القبطية” (…، 16ه.)، من سراري النبي، وقد أهداها إليه المقوقس كبير القبط صاحب مصر والإسكندرية سنة سبع من الهجرة، وأنجبت له ابنه ابراهيم[10].

4. الأسس التي تقوم عليها الحياة الزوجية

تقوم الحياة الزوجية على عدة أسس، أهمها المعاشرة بالمعروف، المودة والسكن والرحمة، وهذه الأُسس للحفاظ على حقوق كلا الزوجين، وهي حق مشترك بينهما، ويجب أن يتساوى الطرفين في الحصول على هذه الحقوق. ولكن في الغالب يتم الحديث عن حقوق الزوج وواجبات الزوجة، وإغفال أو بمعنى أدق التغافل عن حقوق الزوجة وواجبات الزوج، وكأن الزوجة مجرد مُتلقِ، وليس لها أن تطالب بهذه الحقوق. ويتم الأخذ ببعض الأحاديث عن الرسول محمد ووضعها في غير موضعها، أو تفسيرها بما يظلم المرأة، ويصورها ككائن سلبي. وأشهر هذه الأحاديث عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: (إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، بَاتَتْ تَلْعَنُهَا الْمَلائِكَة)[11]. ودومًا يفسر الحديث على أهمية تلبية المرأة لرغبات الزوج بصرف النظر عن حالتها النفسية والجسدية، وعن معاملة الزوج لها، وهذا يخالف قول وتنبيه الله تعالى “وعاشروهن بالمعروف”، بل ويخالف هذا الفهم حديث الرسول (عن عبد الله بن زمعة، قال: قال رسول الله ﷺ: أيضرب أحدكم امرأته كما يضرب العبد ثم يجامعها في آخر اليوم)[12]، أي أنه لا يجب على الزوج أن يهين زوجته في أول النهار ويطلب منها مجامعته في الليل، بل يجب أن يزيل الخلاف بينهما، ولا يعتبر هذا حق مطلق له بصرف النظر عن حالة الزوجة. وفيما يلي سنركز على أهم ملامح المعاشرة بالمعروف كما تمثلت في معاملات الرسول مع زوجاته، وفي هذا العرض دليل قاطع على أن الاقتداء بأفعال الرسول الزوج ليس صعبًا كما يزعم البعض.

4- 1 المعاشرة بالمعروف:

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 19)

إن حسن معاشرة الرجل زوجته وحسن خلقه معها من أعظم مقاييس كمال الإيمان وسلامة الدين، ويقول الإمام محمد عبده إذا هم الرجل بمطالبة زوجته بأمر من الأمور، يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائها، ويذكر ان المراد “بالمثل” ليس المثل بأعيان الأشياء وأشخاصها، ولكن المراد الحقوق بينهما تكون متبادلة، وأنهما أكفاء، فما عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها، إن لم يكن مثله في شخصه، فهو مثل له في جنسه، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال، كما يتماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، أي أن كلاً منهما شخص مستقل بذاته. فليس من العدل أن يتحكم أحد الطرفين في الآخر، ولا سيما بعد عقد الزوجية والدخول في الحياة المشتركة، التي ينبغي أن تكون باحترام كل من الزوجين للآخر والقيام بحقوقه وواجباته[13].

وقد ضرب لنا الرسول محمد الزوج أفضل الأمثلة في المعاشرة بالمعروف، رغم كل ما قابله من مشاكل بين الزوجات بسبب الغيرة الشديدة بينهن، إلا أنه حتى في أصعب هذه المواقف، كان يتصرف باللين أحيانًا، وبأن يتضايق منهن أحيانًا لكن دون جرح مشاعرهن، وأحيانًا أخرى كان يأتي التنبيه على الزوجات من الله مباشرة في آيات صريحة.

وقد نبه الرسول وأكد على حسن معاملة الزوجات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا)[14]. وقال ﷺ (إنما النساء شقائق الرجال ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)[15]. وقال ﷺ (أكمل المؤمنين إيمانًا، وأقربهم مني مجلسًا، ألطفهم بأهـله)[16]. وفي حجة الوداع قال الرسول محمد ﷺ (استوصوا بالنساء خيرًا فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا، ألا إن لكم على نسائكم حقًا ولنسائكم عليكم حقًا، فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن”[17]. ونلاحظ في الحديث الشريف في حجة الوداع أن الرسول كما ذكر حق الرجال على النساء، ذكر حق النساء على الرجال، ولم يؤثر أحدًا على أحد، فجعلهما سواء.

وكما أقر النبي أنه ليس للمرأة أن تشتغل بالعبادات غير الفريضة إذا كانت تفوت حق زوجها، أقر كذلك أنه لا يجوز للرجل أن يشتغل بالعبادات النوافل، حتى يغفل أو يعجز عن أداء حق زوجته: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال رسول الله (يا عبد الله ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينيك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه)[18].

ولتجنب خيانة الزوج لزوجته إذا نظر إلى امرأة وأعجبته، يقول ﷺ: (إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فان ذلك يرد ما في نفسه)[19].

ويبرر الازواج عدم اقتضائهم بالرسول محمد ﷺ بأنه نبي، وهم بشر، رغم أن معاملة الرسول لزوجاته كانت بشرية وإنسانية، حتى في أصعب المواقف. وعلى سبيل المثال ما ورد في شأن ضرب الزوجة تقول السيدة عائشة “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا خَادِمًا..”[20] فما بال بعض الرجال لا يُحسن في الحوار، والبعض لا يحلِّ المشاكل إلا بالضرب. ألا يعلم أن الله قادر على أن يرد حق الزوجة التي يضربها، فعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنتُ أضرب غلامًا لي، فسمعتُ مِن خلْفِي صوتًا: اعْلَمْ أبا مسعود، الَلَّهُ أقدر عليك منكَ عليه، فالْتَفَتَ، فإذا هو رسول الله ﷺ فقلتُ: يا رسول الله، هو حرٌّ لِوَجْه الله، فقال: أما لو لم تفعل لَلَفَحَتْكَ النار، أو (لَمَسَّتْكَ النار)[21].

وفي حديث صريح يحذر فيه الرسول من ضرب الزوجة وإساءة معاملتها، يقول ﷺ: (لا تضرب الوجه، ولا تقبح، وأطعم إذا أطعمت، واكس إذا اكتسيت، ولا تهجر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض، إلا بما حل عليهن)[22].

وكان يؤثر ﷺ أن يتطيب لزوجاته، وألا يرين منه سوى الطيب، وقد سُئِلَتْ السيدة عائشة: (بأي شيء كان يبدأ النبي ﷺ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)[23]. ولعل من أبرز الدلائل على ذلك واقعة أكله العسل في منزل السيدة زينب، فقد شرب مرة عسلًا عند زينب كان أُهدي إليها وكان يحبه، فأغرت عائشة به جميع نسائه فتظاهرن على الكيد له، حتى لا يعود إلى شرب العسل عندها، بأن تواطأن على أن ينكرن رائحته مما شرب ففعلن، وكان شديد الكراهة للرائحة الخبيثة فامتنع عن شرب ذلك العسل عندها وحرّمه على نفسه. (سُمع عائشة تخبر أن النبي ﷺ كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا قالت: فتواطيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها النبي ﷺ فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له)[24]. وتجدر بنا الإشارة هنا إلى ما نشرته جريدة الأهرام في تحقيق عن قضايا الخلع، ووصفت الأسباب التي ذكرتها النساء بأنها تافهة، وكان من هذه الأسباب النظافة الشخصية للرجل، ورائحة الفم الكريهة، وغيرها[25]. ولا أظن أن تجنب هذه الأسباب يكون صعب على أي بشر، ولا يتطلب من الزوج أن يكون رسولًا نبيًا، لكن بعض الأزواج لا يكلفوا أنفسهم عناء التحلي بأبسط العادات السليمة كالنظافة، ولكن إذا فعلت المرأة المثل، ستكون هذه أسباب مُقنعة للطلاق.

وكان يُحذر ﷺ من نشر أسرار زوجاته، وخصوصياتها، حتى وإن حدث خلاف، فيقول: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)[26].

وبقدر ما كان الرسول ﷺ ينهى ويحذر من إساءة معاملة الزوجات، كان يبشر ويُرغب في حسن المعاملة، وكيف يؤجر عليها الزوج. عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنْ الْمَاءِ أُجِرَ)[27].

لقد كان ﷺ يدعو الزوج إلى أن يتلطف مع زوجه بالشكل الذي يشعرها بمحبته ومودته، حتى إنه دعا الزوج إلى أن يضع اللقمة بيده في فم زوجه تحببًا وتوددًا، عن سعد بن أبي وقاص قال: (قال رسول الله ﷺ: وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللُّقمة التي ترفعها إلى في امرأتك)[28].

وعن أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (دينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، دِينَارٌ فِي الْمَسَاكِينِ، وَدِينَارٌ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ فِي أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الدِّينَارُ الَّذِي تُنْفِقُهُ عَلَى أَهْلِكَ)[29]. وفي الحديث ترغيب للإنفاق على أهل البيت، لأن الزوج هو المسؤول عنهم، وقد يكون لا بديل لهم عن هذا المصدر من الإنفاق، لذلك يعظم الأجر، لأن الزوج أغناهم وعفهم عن السؤال والحاجة.

وكان يحث بالنظر إلى أحسن طباعها، ولا يركز فقط على سلبيات شخصيتها، يقول ﷺ: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر)[30].

ومن صور المعاشرة بالمعروف التي وردت عن الرسول ﷺ

التعامل مع الزوجة برفق ومودة

كان الرسول يتعامل برفق حتى إنه كان إذا قام للصلاة يسأل زوجته، وفي هذا تأدب شديد ومراعاة للزوجة، حتى أنه يسألها فيما ليس لها فيه خيار، فعن عن عطاء قال: (دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبد الله بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله ﷺ فبكت وقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة! ذريني أتعبد لربي قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي ..)[31].

كما كان الرسول ﷺ يدلل زوجاته، ويشعرهن بحبه، ويعبر عنه بالقول والفعل، مما يشيع الدفء والمودة في البيت، وهذه الأمور تخفف من حدة المشكلات التي قد تعتري الحياة الزوجية من وقت لآخر، ويجعل الزوجة تصبر على زوجها، وتقدر ظروفه، وتبادله مشاعر بالمثل، ويخلق السكينة التي هي من أهم مبادئ الزواج وتكوين الأسرة. عن أنس قال: (خرجنا إلى المدينة قادمين من خيبر، فرأيت النبي يُحَوِّي لها -أي لصفية – وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب)[32].

(كان رسول الله ﷺ إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجتا معه جميعًا، وكان رسول الله ﷺ إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها..) [33].

كانت صفية مع رسول الله ﷺ في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله ﷺ وهي تبكي، وتقول حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها، ويسكتها…” [34].

تقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أشرب فأناوله النبي ﷺ فيضع فاه على موضع فيّ، وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ. (العَرْق: العظم عليه بقية من اللحم)) [35].

كان ﷺ يدلل السيدة عائشة فيقول لها: يا عائش، ويا حميراء (والحميراء تصغير حمراء يراد بها البيضاء)، ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق) وما ذلك إلا توددًا وتقربًا وتلطفًا إليها واحترامًا وتقديرًا لأهلها. وكان يقرئها السلام من جبريل تكريمًا لها، فيقول: (يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام) [36].

وعندما شعر الرسول بأنه قد يظلم السيدة سودة لعدم ميله القلبي لها، وأراد أن يطلقها، كان رحيمًا معها، ولبى رغبتها في الإبقاء عليها، ولم يطلقها دون رحمة كما يقوم بعض الأزواج حاليًا، والذين يعتبرون المرأة شيء مهمل لا رأي ولا إرادة لها. (عن سودة بنت زمعة -رضي الله عنها- أرملة مسنة غير ذات جمال، ثقيلة الجسم، كانت تحس أن حظها من قلب الرسول هو الرحمة وليس الحب، وبدا للرسول آخر الأمر أن يسرحها سراحًا جميلًا كي يعفيها من وضع أحس أنه يؤذيها ويجرح قلبها، وانتظر ليلتها وترفق في إخبارها بعزمه على طلاقها. وفي رواية أخرى أنه قد بعث إليها ﷺ فأذهلها النبأ ومدت يدها مستنجدة فأمسكها رسول الله ﷺ، وقالت: والله ما بي على الأزواج من حرص، ولكني أحب أن يبعثني يوم القيامة زوجة لك وقالت له: ابقني يا رسول الله، وأهب ليلتي لعائشة؛ فيتأثر ﷺ لموقف سودة العظيم؛ فيرق لها ويمسكها ويبقيها) [37].

يمتدحها، ويقر بمكانتها، ويعلن حبه لها

كان رسول الله ﷺ يقول: (إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) [38].

عن عمرو بن العاص: أن رسول الله ﷺ استعمله على جيش ذات السلاسل، (قال: فأتيته، فقلت: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. قال: من الرجال؟ قال: أبوها) [39].

مراعاة الصلة مع أهل الزوجة وأحبتها

مِن حُسن معاشَرة النبي ﷺ لأزواجه، حُسن معاشَرة أهل الزوجة وأصدقائها، فكان النبي ﷺ يُحْسِن معاشَرة أهل المرأة ويكرمهم، وحسن معاشرته مع آل أبي بكر وآل الخطاب أمرٌ مشهور، فمِن أسباب دوام الأُلْفة والمحبَّة بين الزوجينِ الدّنُو مِن أهل المرأة، وصِلَتهم، وحضور مناسباتهم، وهذا مفقود عند البعض منَ الأزواج.

عن عائشة قالت: (ما غِرْت على نساء النبيِّ إلاَّ على خديجة، وإني لم أدركْها، قالت: وكان رسول الله إذا ذَبَحَ الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالتْ: فأغضبته يومًا، فقلت: خديجة؟ فقال رسول الله: إنِّي قد رزقتُ حبَّها) [40].

وفي رواية أخرى: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ رضي الله عنها، وَمَا رَأَيْتُهَا قط، وَلَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ، ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ! فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ) [41].

كان النبي ﷺ، لما تأتيه امرأة من صديقات خديجة، يكرمها إكرامًا منقطع النظير، (تقول له السيدة عائشة: من هذه؟ فيقول ﷺ: هذه كانت تغشانا أيام خديجة) [42].

يسري ويرفه عنها

عن عائشة قالت: (دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان -بما تقاولت الأنصار يوم بعاث- قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله؟ وذلك في يوم عيد، فقال رسول الله ﷺ: يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا) [43].

قالت عائشة -رضي الله عنها- (رأيت النبي ﷺ يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر -رضي الله عنه-، فقال النبي ﷺ “دعهم، أمنًا بني أرفِدة” يعني من الأمن، وفي لفظ قالت: “لقد رأيت رسول الله ﷺ يقوم على باب حِجرتي، -والحبشة يلعبون بِحِرابهم، في مسجد رسول الله ﷺ – يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكونَ أنا الَّتي أنصرف) [44].

عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: (تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، وسابقني بعد أن حملت اللحم وبدنت فسبقني وجعل يضحك وقال هذه بتلك) [45].

المشاركة في أعمال المنزل

وهو في بيته كان ﷺ لا يأنف من أن يقوم ببعض أعمال البيت ويساعد أهله، سئلت عائشة – رضي الله عنها-: (ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله – أي: في خدمتهم، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة). وفي رواية عند أحمد: (كان بشرًا من البشر، يَفْلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه. وفي رواية أخرى: كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم).[46]

مراعاة حالة أهل البيت عند العودة من سفر طويل

كان ﷺ إذا عاد من سفره يعلم أهله بوصوله، فقد كان مره في غزوة، فلما فتل منها راجعًا ووصل الجرف قال: لا تطرقوا النساء تغترون، وبعث راكبًا إلى المدينة يخبرهم إن الناس يدخلون بالغداة، وإنما فعل ذلك رسول الله ﷺ لتستعد النساء لاستقبال أزواجهن. فعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال: (كنا مع رسول اللَّهِ ﷺ في غَزَاةٍ، فلما قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ، فقال: أَمْهِلُوا حتى نَدْخُلَ لَيْلًا – أَيْ عِشَاءً – كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) [47].

يراعيها في حال مرضها

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان ﷺ إذا مرض أحدٌ من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات.[48]

وروي أنه قد تغيب عثمان بن عفان عن غزوة بدر لأن زوجته رقية ابنة الرسول كانت مريضة، فقال له النبي: (أقم معها، ولك أجر من شهد بدر وسهمه) [49].

ولم يكن الرسول يسئ معاملة زوجته وهي حائض، أو يتضايق منها، عكس بعض الأزواج الذين يعلنون غضبهم على الزوجة عندما تكون حائض، والبعض يعتبرها شيء غير طاهر لا يجب أن يتعامل معها. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كنت أُرَجِّلُ رأس رسول الله ﷺ شعره وأنا حائض) [50]. وتقول: (كان رسول الله ﷺ يتكئ في حجري وأنا حائض) [51].

وجدير بالذكر أنه لم تنجب من زوجات الرسول سوى السيدة خديجة، والسيدة مارية، وكان هذا يسبب ألم لدى زوجاته ﷺ، وخصوصًا السيدة عائشة، لأنها كانت بكرًا وقت زواجها، وكانت ككل النساء تشتهي الأبناء والبنات، وبخاصة إذا كانت من زوجها الحبيب الرسول النبي. وكم راعى الرسول ﷺ حالتها، فقد قالت: (يا رسول الله كل نسائك لها كنية غيري فكناها “أم عبد الله” على اسم ابن أخيها) [52]. وهذا تعاطفًا معها ومراعاة لحالتها ورغبتها في الأمومة.

عند غضب الزوجة

وكان الرسول يتحمل نوبات غضب زوجاته، ويتعامل مع الزوجة بهدوء، ويحاول أن يهدئ منها، وكان يعلم أن هذا يتطلب الصبر، فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله ﷺ كان يقول: (إن أمركن لما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون) [53].

وكان النبي ﷺ إذا غضبت زوجته وضع يده على كتفـها وقال: (اللهم اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها، وأعذها من مضلات الفتن) [54].

ويُذكر أن النبي ﷺ كان أحيانًا هو الذي يسترضي زوجه إذا غضبت، ويتودد إليها. روى بإسناد قوي عن النعمان بن بشير قال: (استأذن أبو بكر على النبي ﷺ فسمع صوت عائشة عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها وقال: ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله ﷺ! فجعل النبي ﷺ يحجِزُه ـ أي: منع أبا بكر من أن يزجر ابنته أو يضربها، وخرج أبو بكر مغضبًا، فجعل النبي ﷺ يترضى عائشة ويقول: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟!) أي: ألا ترين أني منعت أباك من زجرك وعقوبتك؟! وكأنه يريد أن يقول لها: ألا يكفيك هذا شاهدًا على محبتي لك؟! فإلام تظلين ساخطة؟! ثم إن أبا بكر استأذن مرة أخرى فوجدهما قد اصطلحا، فقال: أدخلاني في سِلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي ﷺ: قد فعلنا، قد فعلنا) [55].

كما كان يقدر غيرة زوجته وحبها، وما تسببه من ضيق وغضب. (تقول أم سلمة: أتيت بطعام في صحفة لي إلى رسول الله ﷺ وأصحابه، فقال: من الذي جاء بالطعام؟ فقالوا أم سلمة، فجاءت عائشة بحجر ناعم صلب ففلقت به الصحفة فجمع النبي ﷺ بين فلقتي الصحفة وقال: كلوا، يعنى أصحابه، كلوا غارت أمكم، غارت أمكم، ثم أخذ رسول الله ﷺ صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة) [56]

كان ﷺ يتلطف حتى في العتاب، فمن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (قال لي رسول الله ﷺ: إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا، ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا، ورب إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك) [57].

ومِن حُسْن معاشَرة النبي ﷺ لأزواجه، أنه كان يستمع لِوِجْهَة نَظَرِهنَّ، ويقبل منهنَّ المُرَاجَعة له، والاعتراض على بعض تصرُّفاته، فيعاتِبْنَهُ ويردِّدن القول عليه، بل ربما هجرتْه الواحدة منهنَّ، وهو في ذلك لا يقابِل الإساءةَ بالإساءة، بل بالصبر والإحسان، فعن عمر بن الخطاب قال: (كنا – معشر قريش – نغلب النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يأخذْنَ مِن أدب نساء الأنصار، فصحتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجِعَنِي، فقالتْ: ولِمَ تُنكر أن أراجعكَ؟ فوالله، إن أزواج النبي ﷺ ليُرَاجِعنه، وإن إحداهنَّ لتهجره اليوم حتى الليل) [58].

وكان الرسول يتصف بالصبر على زوجاته، في الوقت الذي كان يغضب فيه الأب وينفعل على الأبنة (زوجة الرسول)، واتضح هذا في أكثر من موضع عن مواقف لكل من “أبو بكر الصديق”، و”عمر بن الخطاب” –رضي الله عنهما- تجاه ابنتيهما “عائشة”، و”حفصة”.

وقد يكون لموقف عادي تقوم به الزوجة وصبر عليه الرسول ﷺ دور مهم في التشريع الإسلامي، حتى دون ظان يدري، ونذكر هنا موقف السيدة عائشة، والذي بسببه أنزل الله رخصة التيمم. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أقبلنا مع رسول الله حتى إذا كنا بتربان بلد بينها وبين المدينة بريد وأميال وهو بلد لا ماء به، وذلك من السحر انسلت قلادة من عنقي فوقعت، فحبس على رسول الله يلتمسها حتى طلع الفجر، وليس مع القوم ماء، فلقيت من أبي ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف. فأنزل الله الرخصة في التيمم، فتيمم القوم وصلّوا، قالت: يقول أبي حين جاء من الله الرخصة للمسلمين: والله ما علمت يا بنيه أنك المباركة) [59].

مواقف الرسول عند الغضب من نسائه

يعتبر هذا المحور من أهم الموضوعات التي تتناولها الورقة الحالية، إذ يبين مواقف الرسول ﷺ من زوجاته عندما يشتد غضبه، وكان رسول الله يعامل أزواجه أكرم معاملة يمكن أن تحلم بها امرأة. ومع حبهن الشديد وتقديرهن الكبير للنبي الزوج، إلا أن الغيرة أوحت لكل واحدة منهن سببًا لأن تكون الأولى القريبة منه. فقد تظاهرن عليه، وكدن له، وأفشين أسرارًا استأمنهن على كتمانها، وطالبنه بمزيد من النفقة. وتبين لنا أن أقصى ما قام به الرسول هو هجرهن لمدة شهر، ونظرًا لشدة بعض المواقف من نساء النبي تجاهه، أنزل الله آيات لمراجعتهن عن موافقهن وتحذيرهن، بل ووصل الأمر إلى تخييرهن ما بين الحياة مع الرسول أو الطلاق.

ونذكر أنه ﷺ حتى في أصعب الأزمات التي مر بها في حياته الزوجية “حادثة الإفك”، كان يترأف بزوجته، ويتعامل برفق حتى في الخصام، حتى أنها تشعر بتغيير في المعاملة من كلمات بسيطة، دون إهانة أو جرح مشاعر رغم فداحة الأزمة، والتي في مقارنة بسيطة لما قد يفعله الزوج في وقتنا الحالي إذا شك في زوجته، من إهانة وقد يصل الأمر إلى الطلاق قبل التأكد من براءة الزوجة. فعن عائشة رضي الله عنها تحكي عن حادثة الإفك قالت: (إلا أني قد أنكرت من رسول الله ﷺ بعض لطفه بي، كنت إذا اشتكيت رحمني، ولطف بي، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك فأنكرت ذلك منه كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال: كيف تيكم! لا يزيد على ذلك) [60].

منح النبي زوجاته وضعًا مشرفًا، ولهذا فهن أردن مراجعته عدة مرات حتى أغضبته مرة، وبالرغم من هذا فنصحهن، وحذرهن إذا لم يقبلن النصيحة بأنه سوف يتركهن، وأخيرًا يطلقهن. وكان النبي مهتمًا بنشر الدعوة الإسلامية، فهجرهن لمدة شهر، حتى شاع أنه طلقهن، وهذا جعلهن يرجعن عن مضايقته، وخرج عمر بن الخطاب على الناس موضحًا أن الرسول لم يطلق زوجاته[61].

واتفقت الروايات على أن تخيير النبي ﷺ أزواجه بين تطليقهن وإبقائهن على عصمته على الوجه الذي يريده منهن وهو أن يكنّ قدوة صالحة للنساء في الدين، كان بعد إلحاحهن بطلب التوسعة في النفقة، وقد كان رسول الله ﷺ يعيش حياة شظف في بيته. ففي الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل إلى بيت النبي بكى، (فقال رسول الله ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت ومالي لا أبكي وهذا الحصير قد أثّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الأنهار والثمار، وأنت رسول الله وصفوته.. فقال له النبي: إن أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا)[62]. وعند هذه الواقعة نزلت آية التخيير {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 28-29)

في الحديث عن النبي ﷺ عندما نزلت آية التخيير قال: (فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك. قالت وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية قالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا، ثم خيّرهن كلّهن فاخترن ما هو خير لهن.. اخترن الله ورسوله والدار الآخرة) [63].

وأمام هذه العودة الكريمة إلى الصواب، واختيارهن البقاء إلى جانب النبي ﷺ أثابهن الله أجرًا مضاعفًا على جميل صبرهن. قال تعالى: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا، وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (الاحزاب: 31-34)

ونروي بعض المواقف التي نزل فيها التنبيه على زوجات الرسول بأن يراجعن أنفسهن في التعامل معه، لشعوره بالضيق ﷺ، ومنها موقف السيدة حفصة عندما علمت أن الرسول التقى بالسيدة ماريا في حجرتها، وطلبًا لرضاها، حرم الرسول على نفسه السيدة ماريا، وطلب منها ألا تخبر أحد، إلا أنها أخبرت السيدة عائشة. فما كان منه إلا أن طلق السيدة حفصة تطليقة. روى قيس بن زيد (أنّ رسول الله ﷺ طلّق حفصة بنتَ عمر، فأتاها خالاها عثمان وقدامة ابنا مَظْعُون، فبكت وقالت: والله ما طلّقني رسول الله ﷺ عن شبع، فجاء رسول الله فدخل عليها، فتجلببت، فقال رسول الله: إنّ جبريل، ﷺ أتاني، فقال لي: أرجع حفصة فإنّها صوّامة قوّامة) [64].

ونزل في الموقف سورة التحريم، والتي شملت للمرة الثانية تأنيب صريح لزوجات الرسول، وأن الله قادر على أن يبدله أزواجًا أخريات. {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ، عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} (التحريم:1-5)

احترام رأى المرأة والاعتراف برجاحة عقلها

من أكثر الأحاديث تداولًا أن النساء ناقصات عقل ودين، استنادًا إلى حديث الرسول في صحيحي البخاري (304)، ومسلم (237)، وهذا دون اعتبار لمناسبة وسبب الحديث، وكما سبق أن أوضحنا أن العلوم الشرعية، ومنها علوم الحديث، يجب أن يتم تفسيرها وفهمها في إطار من الخصوصية اللغوية والمفاهيمية. وفي مقابل التركيز على تداول اللفظ مع الفهم الخاطئ للحديث، يكون هناك إغفال ذكر مواقف استشار فيها النبي زوجاته، وكانت لهذه الاستشارات دورًا تعليميًا مهمًا، حتى للصحابة.

كان ﷺ يستشير أزواجه ويأخذ برأيهن، ومن ذلك استشارته ﷺ لأم سلمة في صلح الحديبية. (وذلك أن النبي ﷺ لما صالح أهل مكة يوم الحديبية وكتب كتاب الصلح بينه وبينهم وفرغ من قضية الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثم حلقوا. فلم يقم منهم رجل بعد أن قال ذلك ثلاث مرات، فقام رسول الله ﷺ فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس. فقالت له أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فقام ﷺ فخرج فلم يكلم أحدًا منهم كلمة فنحر بدنته ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا) [65].

4- 2 تعدد الزوجات، والعدل بينهن

الحكمة من تعدد زوجات الرسول

لماذا جمع الرسول تسع زوجات في وقت واحد؟ ولماذا لم يعدد الزوجات وهو في سن الشباب، رغم أن التعدد كان سائد قبل الإسلام، ودون تحديد لعدد الزوجات؟ تساؤلات تقود إجاباتها إلى حقيقة أن لتعدد زوجات الرسول حكمة، ولا ترتبط بالجانب الغريزي فقط في حب النساء، لكنها حكمة إلهية، ولتحقيق مقاصد أخرى. وقد تزوج الرسول من إحدى عشر سيدة، ومات وهو على تسع، وقد أنزل الله في آياته البينات أنه لم يكن يحل له أن يتزوج مرة أخرى، ولا أن يبدل أزواجه {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ…} (الأحزاب:52).

ولقد عاش النبي مكتفيًا بزوجة واحدة وهي السيدة خديجة، لمدة خمس وعشرين سنة، وبعد وفاتها تزوج من السيدة سودة بنت زمعة، وانفردت به ثلاث سنوات، وكان عمرها مثله خمسين عامًا، فلو كان يتبع شهوات لما قضى سنوات شبابه مع سيدتين كبيرتان في السن، ولم يجمع عليهما، إلى أن تزوج السيدة عائشة.  

 إن الحكمة من تعدّد زوجات الرسول كثيرة ومتشعبة، ويمكننا أن نجملها فيما يلي:

  • الحكمة التعليمية

من أسباب تعدد زوجات الرسول ﷺ هي تخريج معلمات للنساء، يعلمنهن الأحكام الشرعية، فالنساء قد فُرِضَ عليهن من التكاليف ما فرض على الرجال. وقد كانت الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبي ﷺ عن بعض الأمور الشرعية وخاصة المتعلقة بهن، كأحكام الحيض، والنفاس، والجنابة، والأمور الزوجية، وغيرها من الأحكام، وقد كانت المرأة تغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل. كما كان من خلق الرسول ﷺ الحياء الكامل، وكان- كما تروي كتب السنّة- أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، فما كان ﷺ يستطيع أن يجيب عن كل سؤالٍ يُعرض من النساء عن طريق الكناية مراده. وتروي السيدة عائشة رضي الله عنها أن (امرأة من الأنصار، سألت النبي ﷺ عن غسلها من المحيض، فعلّمها ﷺ كيف تغتسل، ثمّ قال لها: خذي فرصة ممسّكةً أي قطعة من القطن بها أثر الطيب، فتطهّري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهّري بها، قالت: كيف يا رسول الله أتطهر بها؟ فقال لها: سبحان الله تطهّري بها!. قالت السيدة عائشة: فاجتذبتها من يدها، فقلت: ضعيها في مكان كذا وكذا، وتتبعي بها أثر الدم، وصرحت لها بالمكان الذي تضعها فيه)[66]. فكان ﷺ يستحيي من مثل هذا التصريح، وهكذا كان القليل أيضًا من النساء من تستطيع أن تتغلّب على نفسها، وعلى حيائها، فتجاهر النبي ﷺ بالسؤال عمّا يقع لها.

ومثلًا آخر حديث أم سلمة، وفيه تقول: (جاءت أم سُلَيْم زوج أبي طلحة إلى الرسول الله ﷺ فقالت له: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غُسْل إذا هي احتلمت؟ فقال لها النبي ﷺ: نعم إذا رأت الماء. فقالت أم سلمة: لقد فضحتِ النساء، ويحك أتحتلم المرأة؟ فأجابها النبي الكريم بقوله: إذًا فبم يشببها الولد؟)[67]. وهكذا مِثْلُ هذه الأسئلة المحرجة، كان يتولى الجواب عنها فيما بعد زوجاتُه الطاهرات.       ولهذا تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: رحم الله نساء الأنصار، ما منعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. ولقد كان لزوجات النبي محمد أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره، وأفعاله ﷺ. ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلّمات ومحدثات نقلن هديه عليه السلام، واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.

  • الحكمة التشريعية

من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة، مثل التبني التي كان يفعلها العرب قبل الإسلام، فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم، يتبنّى أحدهم ولدًا ليس من صلبه، ويجعله في حكم الولد الصلبي، ويتخذه ابنًا حقيقيًا له حكم الأبناء من النسب، في جميع الأحوال. فقد ألهم الله رسوله عليه السلام أن يتبنّى أحد الأبناء- وكان ذلك قبل البعثة النبوية- فتبنّى النبي الكريم زيد بن حارثة، وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم زيد بن محمد. روى البخاري ومسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (إنّ زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ ما كنّا ندعوه إلاّ زيد بن محمد)[68]، حتى نزل القرآن: {ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} (الأحزاب: 5). وأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل بدعة التبني، ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها. وغيرها من المواقف التي كانت أساس للتشريع الإسلامي، مثل إنزال رخصة التيمم، وعدم تحريم ما أحله الله ابتغاء رغبة البشر، وغيرها من المواقف التعليمية التشريعية، التي ذكرنا بعضها فيما سبق.

  • الحكمة الاجتماعية

هذه تظهر بوضوح في تزوج النبي ﷺ بابنة الصّديق أبي بكر رضي الله عنه وزيره الأول، ثمّ بابنة وزيره الثاني الفاروق عمر رضي الله عنه، ثمّ باتصاله ﷺ بقريش اتصال مصاهرة ونسب. وتزوجه العديد منهن، ممّا ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق، وجعل القلوب تلتف حوله، وتلتقي حول دعوته في إيمان، وإكبار، وإجلال. كما يقابل ذلكَ إكرامَه لعثمان وعلي رضي الله عنهما بتزويجهما ببناته، وهؤلاء الأربع هم أعظم أصحابه، وخلفاؤه من بعده في نشر ملته، وإقامة دعوته.

  • الحكمة السياسية

لقد تزود النبي ﷺ ببعض النسوة، من أجل تأليف القلوب عليه، وجمع القبائل حوله، فمن المعلوم أنّ الإنسان إذا تزوج من قبيلة، أو عشيرة، يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته، ولنضرب بعض الأمثلة على ذلك لتتضّح لنا الحكمة، التي هدف إليها الرسول الكريم من وراء هذا الزواج. مثل زواجه ﷺ بالسيدة “جويرية بنت الحارث” سيّد بني المصطلق، وزواجه من السيدة “صفية بنت حي” من بني النضير، وزواجه ﷺ بالسيدة “أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان” الذي كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك، ولما بلغ أبا سفيان الخبرُ أقرَ ذلك الزواج وقال: (هو الفحل لا يُقدع أنفُه) فافتخر بالرسول ولم ينكر كفاءته له، إلى أن هداه الله تعالى للإسلام. ومن هنا تظهر لنا الحكمة في تزوجه عليه السلام بابنة أبي سفيان، فقد كان هذا الزواج سببًا لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين، سيّما بعد أن أصبح بينهما نسب وقرابة، وكان تزوجه بابنته سببًا لتأليف قلبه وقلب قومه وعشيرته، كما أنه ﷺ اختارها لنفسه تكريمًا لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها[69].

عدل الرسول بين زوجاته

كان لرسول الله ﷺ تسع زوجات، وكان لكل واحدة منهن حجرة خاصة بها، وكان ﷺ يقسم بين زوجاته في المبيت والنفقة، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كان ﷺ يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار) [70]. وكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، فمن كانت نوبتها جلست بجانبه، واستئنست به. فعن هشام بن عروة عن أبيه قال: (قالت عائشة: يا ابن أختي كان رسول الله ﷺ لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان كل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها)[71]. وروى مسلم أنه (ﷺ كان في بيت عائشة فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت عائشة: هذه زينب، فكف النبي ﷺ)[72].

وكان من المعروف الميل القلبي للرسول تجاه السيدة عائشة، وكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك) [73]. ورغم ذلك لم يؤثر هذا على اهتمامه بالزوجات الأخريات، (وحدث أنه كان قد وجد على صفية في شيء، فقالت لعائشة: هل لك أن ترضي رسول الله ﷺ عني وأهب لك يومي؟ قالت: نعم، فقعدت عائشة إلى جنب النبي ﷺ في يوم صفية، فقال: إليك عني يا عائشة فإنه ليس يومك، فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وأخبرته بالخبر فرضي عنها)[74] .

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: إن نساء رسول الله كن حزبين: حزب فيه عائشة، وحفصة، وسودة، وصفية. والحزب الآخر فيه أم سلمة وسائر نساء النبي ﷺ. وكان المسلمون –وقد علموا حب رسول الله عائشة – يقدمون هداياهم لرسول الله في بيتها، وكان ذلك مبعث غيرة نسائه الأخريات. ولقد كلمته أم سلمة، وكلمته ابنته فاطمة في ذلك فقال لها: يا بنية ألا تحبين ما أحب..؟ قالت بلى، قال فأحبي هذه. وأخيرًا كلمته زينب بنت جحش وقالت: إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي قحافة، ورفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها، وردت عائشة على زينب حتى أسكتتها. فنظر رسول الله ﷺ إلى عائشة وقال: إنها ابنة أبي بكر يعني أنها مثل أبيها ذكاء وعقلاً وحجة[75].

والنوم عندهن كان بالسوية، ينام عند هذه ليلة وعند الأخرى ليلة وعند الثالثة والرابعة وهكذا بقية نسائه ﷺ، فهو لا يُغّلِبَ إحداهن على الأخريات، إلا من تنازلت عن حقها كما تنازلت سودة بليلتها لعائشة. أما الجماع فكان الرسول لا يساوي بين نسائه فيه، بل كان يراعي حالة كل واحدة منهن ورغبتها فيه، لاختلاف طبائع النساء في ذلك. وكان يراعي الفروق في الشخصيات، فمن كانت منهن ذات حدة في طبعها –كسودة بنت زمعة- صبر على حدتها، ولم يتخذ هذه الحدة سلاحًا ضدها، ومنهن كانت بها طبيعة طفولية مثل عائشة[76].

* خاتمة:

تناولت الورقة نبذة عن بعض جوانب حياة النبي محمد ﷺ بوصفه زوجًا، والطرق التي يتناول بها المشكلات التي تنشأ بين أزواجه بسبب الغيرة، أو بسبب تغلب النزعة الأنثوية على كل واحدة منهن، حتى تصرفهن عن أنهن زوجات الرسول وأمهات المؤمنين. وبدأت الورقة بالتأكيد على بشرية النبي للتأكيد على أن أسلوب حياته الزوجية رغم أنه كان يخضع لتوجيه إلهي أحيانًا، لكن هذا التوجيه كان أغلبه لنساء النبي، ولتجاوزهن أحيانًا بما كان يضيق به صدره ﷺ، ولكن كانت تصرفات النبي تقوم على أساس واحد فقط وهو “المعاشرة بالمعروف”، ويندرج تحته أساليب متنوعة من التعامل مع الزوجات في لحظات المرض والغضب والوفاء وإدخال السرور على أهل البيت، والصبر على المشكلات، وكل هذه الأمور يمكن لأفراد ليس بهم صفة النبوة القيام بها، حتى لا يتذرع أحد أن هذه الأساليب في التعامل تتطلب مواصفات خاصة. ومررنا بكيفية تعامله ﷺ مع تعدد الزوجات، والحكمة من أنه جمع بين تسع نسوة في وقت واحد، وأنه أقام العدل بينهما، وعندما شعر بالميل القلبي للسيدة عائشة، كان يستغفر ربه فيما لا يملك السيطرة عليه.

ولعل من أهم الموضوعات التي تناولتها الورقة موقفين للرسول يجب التمعن في دراستهما، أولهما: تعامله مع زوجاته عندما اشتد به الغضب نتيجة الإيذاء الذي تسببن فيه، هجرهن، ولم يضرب أيًا منهن عكس ما يحدث من بعض الأزواج الذين يتخذون من الضرب وسيلة دائمة، وتهديد يلوحون به دومًا، وبأنه حق. والثاني: في موقفين للطلاق، الأول كان مع السيدة سودة، وكم كان رحيمًا بها، ورأف بحالتها ورجع عن الطلاق، والثاني عندما خير زوجاته في البقاء معه أو الطلاق، وهذا دليل قاطع على أن الطلاق لا يجب أن يكون برأي منفرد متعنت من الزوج، دون أن يكون للزوجة رأي.

    وختامًا، يجب التأكيد على أن من أهم أسباب الخلل في الأسر المصرية والعربية، عدم قيام الزوج بواجباته، ومطالبته دومًا بحقوقه، والضغط على المرأة بأنه يجب أن تصبر وتحتسب عند الله، وبالتالي يستمر الزوج في الظلم، ويستمر تباعًا شعور المرأة بالقهر، إلى أن تنتهي الحياة الزوجية، وتموت حتى لو لم يحدث طلاق. ولعل هذا يرجع في المقام الأول لعدم الأمانة في نقل ما ورد في السنة النبوية –تحديدًا- والتركيز على تقديم أحاديث بفهم خاطئ متجاهلين مناسبات وأسباب ورودها، وترك أحاديث أكثر تبين الأسس التي تقوم عليها الحياة الزوجية من مودة ورحمة وسكينة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*  ورقة بحثية مقدمة بمؤتمر كلية الدراسات الإسلامية والعربية. جامعة الأزهر، 2016.

** دكتوراه في التربية. جامعة عين شمس، وناشطة في مجال المرأة والدراسات الاجتماعية.

[1] الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، الكتاب السنوي، باب الاحصاءات الحيوية،

http://www.capmas.gov.eg/pdf/Electronic%20Static%20Book2014//PDF/vital/Untitled.pdf

[2] محمد جلال القصاص، مفاهيم أساسية لدراسة السيرة النبوية، PDF created with pdf Factory Pro trial version www.pdffactory.com

[3] عائشة عبد الرحمن، نساء النبي، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1979)، ص117.

[4] سنن الرمزي، 3895.

[5] صحيح البخاري، كتاب التعبير، باب أول ما بدء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، 6581.

[6] عائشة عبد الرحمن، نساء النبي، مرجع سابق، ص118.

[7] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني, فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقم 3480، دار الريان للتراث، 1986.

[8] حنان لحام، هدي السيرة النبوية في التغيير الاجتماعي، (دمشق: دار الفكر، 2001)، ص 755.

[9] مسند احمد، 25197.

[10] راجع: – الامام محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، السمط الثمين في مناقب امهات المؤمنين، (القاهرة: دار الحديث، 1989).

  • السيد الجميلي، نساء النبي، (القاهرة: دار ومكتبة الهلال، 1988).

[11] الإمام أحمد، 10730.

[12] السنن الكبرى للبيهقي 13668، رواه البخاري في الصحيح، عن محمد بن يوسف الفريابي، وفي موضع آخر، وأخرجه مسلم من أوجه أخرى، عن هشام.

[13] أمنة نصير، المرأة المسلمة بين عدل التشريع وواقع التطبيق، (القاهرة: دار الكتاب الحديث، 2001)، ص35.

[14] الامام أحمد، 16/114.

[15] الإمام أحمد في مسند الانصار، 5869.

[16] رواه الترمذي.

[17] متفق عليه، رواه مسلم والبخاري وابن ماجة والترمذي.

[18] صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لزوجتك عليك حق، 4903.

[19] رواه مسلم، 1403.

[20] رواه مسلم – 4296- 2328.

[21] رواه مسلم- 1659.

[22] مسند احمد، 19597.

[23] رواه مسلم، 377.

[24] رواه مسلم، 1474.

[25] http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=200687&eid=1128

[26] رواه مسلم، 1437.

[27] رواه أحمد، والطبراني في الكبير، والأوسط، وفيه سفيان بن حسين ، وفي حديثه عن الزهري ضعف، نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، مكتبة القدسي، 1994.

[28] رواه البخاري- 2591.

[29] صحيح مسلم، 1667.

[30] صحيح مسلم، 1469.

[31] رواه ابن حبان وصححه الألباني.

 [32] رواه البخاري- 3914

[33] رواه مسلم، 2445-4477.

[34] رواه النسائي.

[35] رواه مسلم- 547.

[36] صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب مناقب السيدة عائشة، 3508.

[37] السيد الجميلي، نساء النبي، مرجع سابق، ص 40.

[38] البخاري (3510)، مسلم (4485).

[39] رواه البخاري، 3462.

[40] رواه البخاري (3816)، ومسلم (2435).

[41] البخاري (3556)، مسلم (4470).

[42] رواه الحاكم في المستدرك وحسّنه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/413.

[43] البخاري (952)، ومسلم (892).

[44] البخاري (2907)، ومسلم (892).

[45] سنن ابو دواد، 2217.

[46] صحيح الجامع- 4813.

[47] رواه البخاري (5079)، ومسلم (715).

[48] رواه مسلم، كتاب السلام، باب استحباب رقية المريض، 50.

[49] البخاري، باب مناقب عثمان، 3495.

[50] رواه البخاري، 395.

[51] شرح الباري في صحيح البخاري، كتاب الحيض، باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض، 293.

[52] عائشة عبد الرحمن، نساء النبي، مرجع سابق، ص24.

[53] مسند ابن حنبل (1100)، الترمذي (3711).

[54] الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لعبد الرحمن بن عساكر، رقم 21.

[55] مسند أحمد (271)، أبو داود (4999).

[56] رواه النسائي- 2308، ح3408.

[57] صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: النكاح، باب: غيرة النساء ووجدهن، (9/ 237) رقم (5228). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفضائل، باب: في فضل عائشة رضي الله عنها، (8/ 3566)، رقم (6168).

[58] رواه البخاري (2468)، ومسلم (1479).

[59] السنن الكبرى للبيهقي، 925.

[60] السمط الثمين، 67.

[61] محمد رواس قلعة جي، دراسة تحليلة لشخصية الرسول محمد من خلال سيرته الشريفة، ط1، (بيروت: دار النفائس، 1988)، ص245.

[62] رواه البخاري، 4817.

[63] صحيح مسلم، (2703، 1478).

[64] سنن ابو داوود، 1943.

[65] البخاري، 2583.

[66] رواه البخاري، 308.

[67] صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الحياء في العلم، 130.

[68]  رواه البخاري، 517.

[69] محمد علي الصابوني، روائع البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن، (بيروت: مؤسسة مناهل العرفان، 1980)، ص385.

[70] رواه البخاري، 265.

[71] سنن ابو داوود، 1826.

[72] مسلم، 1462.

[73] رواه أبو داود (2/222).

 [74] مسند احمد، 24080.

[75] سنن النسائي، 3946.

[76] عبد الغني عبد الرحمن، زوجات النبي محمد وحكمة تعددهن، (القاهرة: مكتبة مدبولي، د.ت)، ص30.

عن سوسن الشريف

شاهد أيضاً

نحو تأصيل لفقه الحياة: الطفولة نموذجًا

تأليف: د. شريف عبد الرحمن سيف النصر، أ. مدحت ماهر الليثي، أ. منال يحيى شيمي، أ. د. هبة مشهور، أ. مهجة مشهور

عرض: أ.تقى محمد يوسف

في ظل المشكلات التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم وعلى رأسها مشكلة مستوى الخطاب الديني الذي لا ينهض باحتياجات الأفراد أو المجتمعات ولا يقوم بتوجيههم.

الأسرة المسلمة ومواجهة المشكلات المعاصرة

د. إسماعيل راجي الفاروقي

ساهمت عوامل عديدة في تآكل الرابطة الأسرية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، تشمل النزوح إلى التجمعات الحضرية الكبرى، التي لا يعرف أحد فيها أحداً، للبحث عن عمل، والاختلاط بين الجنسين، والتسيب الخلقي، والاستقلال الاقتصادي للمرأة، وروح الفردية الجامحة، واستبطان فكرة إطلاقية الطبيعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.