الفضاء المعنوي للزوجية في البيان القرآني:
“العلاقة بين الزوجين” بين المنظور القرآني والقراءة الفقهية
د. هند مصطفى *
لأهمية هذا الموضوع ومنهج تناوله الجديد يقوم مركز خُطوة بإعادة نشر البحث المعنون: “الفضاء المعنوي للزوجية في البيان القرآني: “العلاقة بين الزوجين” بين المنظور القرآني والقراءة الفقهية” بقلم الباحثة هند مصطفى والمنشور في العدد 3، والصادر بتاريخ أكتوبر 2002م في مجلة المرأة والحضارة ، والبحث متاح حاليا بقسم الترجمات من اللغة العربية إلى الفرنسية.
– تعاني المرأة المسلمة المعاصرة أزمة حقيقية مع الثقافة التاريخية للمجتمع المسلم في تكويناتها كافة؛ إذ تقوم هذه الثقافة على حصارها في موقع متدن من السلم الاجتماعي والإنساني مع السعي لتخليد هذا الوضع بالاستعانة بكل ما أوتيت من سلطة معنوية على رأسها الأعراف والتقاليد والقانون، ومن فروع تلك الثقافة بل أخطرها تأثيرًا في معاناة المرأة الثقافة الدينية/ التاريخية ممثلة في الخطابات والقراءات التاريخية البشرية للدين، وفي القلب منها تقع المنظومة الفقهية التي تقوم على تقنين الأحكام الدينية في شكل قواعد قانونية محددة.
قد يُختلف أو يتفق حول صحة استنباط قواعد وأحكام بعينها بشأن المرأة واستيفائها الجانب الفني للاستنباط أو الاجتهاد والقياس، ولكن يبقى هناك جانب معتم في منهج صوغ هذه الأحكام وتقييمها هو ما نسميه بروح الخطاب الديني. لا يشكل هذا الجانب المعنوي/ القيمي في الخطاب القرآني مساحة محدودة بل يشكل فضاءً متسعًا من الخطاب، بحيث إن تجاهله يجعل عمليات القراءة والاستدلال مقصورة على الجزء الأقل من متن القرآن. كما لا يشكل على صعيد الكيف وضعية أضعف من خطاب الأمر والنهي والتوجيه. فقد رهن القرآن الكريم صحة التصرفات وشرعيتها في كثير من الأحيان باستيفاء هذا الجانب.
ويحظى الجانب المعنوي في الخطاب القرآني بأهمية كبيرة في موضوع المرأة على وجه التحديد كما يؤدي افتقاده إلى نتائج شديدة الخطورة تكاد تحول الخطاب من حيث مقاصده من النقيض إلى النقيض. في هذا المقال محاولة لاستيضاح تلك الأبعاد المعنوية الغائبة التي تخلق المفارقة الكبيرة بين الخطاب القرآني والخطاب الفقهي، في محاولة تهدف إلى إثارة سؤال مهم وحتمي مؤداه: كيف يمكن أن يتضمن الخطاب الديني والثقافي العام روح القرآن ومقصده وتوجيهاته المعنوية التي هي جزء جوهري من شرعية الخطاب؟ ..
وتقوم هذه الورقة بمعالجة ذلك من خلال تأمل آيات الذكر الحكيم فيما يتعلق بوصف العلاقة بين الرجل والمرأة المعرفة في القرآن بمفهوم الزوجية، مع التركيز على علاقة الزواج بشكل خاص، كفضاء جامع لصرح من التوجيهات والأحكام القرآنية التي تنبني في تكوينها وفي مقاصدها على الإحاطة بالجوانب المعنوية المختلفة للنفس البشرية. وبهذا المعنى تتخذ الورقة من اللغة -معانيها وعلائقها وتراكيبها – أداة ووسيلة، فتقيم حوارا مع الكلمات و “النظم” القرآني الذي عالج قضايا الزوجية بجوانبها المتعددة.
وللمقارنة، تحاول الورقة إلقاء الضوء على الكيفية التي عولجت بها القضية نفسها، قضية الزواج في كتب الفقه الإسلامي، وذلك بيانًا للهوة التي تفصل بين الخطابين: القرآني، والبشري/ التاريخي، في محاولة للوصول إلى استنتاجات حول كيفية الارتقاء بالمعالجة القانونية لمستوى التقنين الإلهي المحيط.
أولا – الفضاء المعنوي في الخطاب القرآني:
من الخصائص الأصيلة في الخطاب القرآني تلك الطريقة التي يتوجه بها هذا الخطاب إلى النفس البشرية بملكاتها كافة، فيشق مساراته إليها عبر العقل وعبر الشعور؛ الأمر الذي يعبر عنه القرآن ذاته في غير موضع؛ يقول تعالى “اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ” (الزمر: 23). هذا التأثير النفسي العميق بأثره العرضي المباشر يعبر عن احتواء القرآن كخطاب إلهي لطبيعة المخاطب- الإنسان- من حيث مصادره الإدراكية، وكذلك من حيث تكوينه الذي يمتزج فيه امتزاجا الكيان المادي (الجسد) بالمعنوي (الروح) “ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ“ (السجدة: 6- 9).
هذه الإحاطة الإلهية بالطبيعة الإنسانية، وجدت دلالاتها- ليس في أسلوب بث الأحكام والتوجيهات إلى النفس فقط- بل أيضا في نمط صوغ هذه الأحكام والتوجيهات، بحيث تراعي الأبعاد الإنسانية من جسد وعقل وقلب، فيجيء الحكم شافيًا مرضيًا للدواخل كما جاء متوافًقا مع معطيات الخارج الواقعية. تأمل قوله تعالى في حديث الميراث: “وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا” (النساء: 8)، ورغم أن قضية الميراث من القضايا المحددة بدقة وحسم داخل الخطاب القرآني، فإن الآية الكريمة ترسم لنا مشهدا ترق له القلوب، إذ يحضر وقت قسمة الأموال أناس من غير المستحقين تبعًا لقاعدة قانونية مثبتة، لكنهم من المستحقين على الإطلاق لكونهم من الفقراء واليتامى، ومن ثم فإن القاعدة الشرعية هنا تتمدد لتراعي -كجزء لا يتجزأ منها- هذا البعد المعنوي الأخلاقي الأصيل الارتباط بالموقف، ويجيء الأمر المباشر بإرضاء هؤلاء المساكين ليس بالمال فقط (فارزقوهم) ولكن أيضا بالقول الكريم (قولا معروفًا).
ويمكننا أن نسوق هنا مثالا آخر من البيان القرآني، في قوله عز وجل: “وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا” (النساء: 6) فنجد مجددا كيف أن الحكم الحاسم الناهي عن أكل أموال اليتامى يراعي- في صلبه- قضيتي الطمع والعوز النفسيتين، فيعالج الأولى بالحض على العفاف، والثانية بالسماح للفقير الذي يقوم على أموال اليتامى بأن ينال منها ما يكفل له معاشه بـ”المعروف”.
وهنا نلمس أيضا، إشارة تربوية لجمهور المؤمنين لمراعاة هذه الأبعاد القيمية/ المعنوية/ الأخلاقية التي ربما لم تنظمها القواعد القانونية أو العرفية الموضوعة (المنصبة على ما هو شكلي إجرائي)، فيقررها الله كقاعدة أعم وأوسع تظلل وتكمل ما قد يعتور التنظيم القانوني البشري من نقص.
كذلك فإن التوجيه الإسلامي هنا يتجاوز زلات التقنين البشري المرتبطة بقدرات الإنسان الإدراكية المحدودة، فهو ينفذ مباشرة إلى الضمائر والنيات فيخاطبها ويهذبها، وفي الحديث الذي يورده البخاري، يقول حدثنا عبد الله بن مسلمة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلىَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيًئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار”.
هذا التوجيه الإلهي يجد صداه في طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط الله بالفرد المؤمن كما تربطه بجماعة المؤمنين، فالعلاقة الإيمانية في ذاتها غنية ومركبة الأبعاد بين الإجرائي والمعنوي والجزئي والكلي والعام والخاص، الأمر الذي نلمسه مثلا حين نتناول -ولو بشكل سريع موجز- علاقة “الحب” بين الله وعباده كما تبينها آيات القرآن في غير موضع: “..وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ..” (البقرة: 165) “..فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..” (المائدة: 54) إن علاقة الحب الخالص بين الله وعباده المؤمنين قضية واقعة كجزء من القضية الإيمانية يتجاوز مجال الأحكام والأوامر والنواهي وإن خالطه. وإن تتبعنا في القرآن تعبيري “إن الله يحب..” و “الله لا يحب” سنجد تكرارا ذي دلالة، فالله يحب تسع فئات من المؤمنين هم: المحسنون1 والتوابون2 والمتطهرون 3 والمتقون4 والصابرون5 والمتوكلون6 والمقسطون7 والمطهرون8 والذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان مرصوص9، وتختص صفة “المحسنين” بالتكرار الأكبر، إذ تتكرر خمس مرات تليها صفة “المتقين” و”المقسطين” التي تتكرر كل منهما ثلاث مرات. والصفات التسع تعبر في معظمها أساسًا عن علائق خاصة بالله، لها تطبيقاتها الاجتماعية، ويجيء الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. الحديث) على رأس هذه العلائق، ومعه التوبة والتقوى والطهارة والصبر والتوكل والعدل.. إلخ.
في المقابل فالله لايحب تسع فئات أخرى، هم المعتدون10 والمفسدون11 والكافرون 12 والظالمون 13ومن كان مختالا فخورا14 والخائنون15 ولايحب الجهر بالسوء16 ولا المسرفين17 ولا المستكبرين (الفرحين)18.
وتجيء هذه الصفات بترتيبها في المصحف، ويتماثل تكرار الخمس الأول منها ، فيتكرر كل منها ثلاث مرات، وهي كصفات سلبية ينصب أذاها بشكل مباشر في المجال الاجتماعي بين البشر بعضهم البعض (كالاعتداء والظلم والإفساد والخيانة والكبر…).
ويجيء إثبات الحب ونفيه لهؤلاء وأولئك في ذاته كنوع من المثوبة والعقاب النفسيين المعنويين اللذين يقعان وراء المثوبة والعقاب الماديين ممثلين في الجنة أو الجحيم أو في العذاب الدنيوي الذي يوقعه أولياء الأمر، بحيث يتحدد مجال هذا الجزاء النفسي في قلب العلاقة الخاصة بين الله والفرد المؤمن؛ في النفس والقلب: “..ِإنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” (الإسراء: 36)
“إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ” (ق: 37) “أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور” (الحج: 46).
لقد شيد القرآن صرحًا من الأحكام والتوجيهات التي تعتبر بالأبعاد النفسية المعنوية كمعطى وكجزء أصيل من الإنسان، ومن ثم من المواقف الإنسانية المختلفة التي ينظمها البيان الإلهي، وحرص على أن ينطوي الفعل الإنساني في محيطه الاجتماعي- بدوره- على مراعاة لهذه الأبعاد المثبتة التي خاطبه ووجهه بها الله عز وجل. إن الفعل الإنساني في منظومة الإسلام له عمق ومنطلقات واضحة ترتبط بمقاصد الشارع الكبرى في التوحيد والتزكية والعمران، ومن ثم فهو فعل مركب في دوافعه وغاياته، في هذا الإطار يصير غرس شجرة -كفعل عمراني- واقعة إيمانية أصيلة تنطوي على الإيمان بضرورة العمل لاستئناف الحياة وحفظ النفس وتعميرالأرض وانتظار المثوبة في الآخرة… بل تصير الواقعة الجنسية في ذاتها واقعة لها أبعادها الإيمانية المعنوية الأصيلة “إن في بضع أحدكم صدقة..الحديث”.
إن احتواء الأبعاد العقلانية المنطقية جنبا إلى جنب مع الأبعاد الذاتية المعنوية هي التي جعلت من القرآن “بصائِر لِلناسِ وهدى ورحمة”19 فهو بصائر- بصيغة الجمع – تنفتح لها العقول والقلوب والمشاعر فتشبع حاجاتها، ومن ثم تجد فيها الرشاد والطمأنينة والرحمة.
إن القضاء الإلهي فيه الرحمة، وتظل الرحمة مناطا للفعل الإنساني ما دام قد أدرك واستوعب ثراء التوجيه الإلهي، فإذا ماانحرف الفعل الإنساني عن فهم هذا التوجيه استبدلت الرحمة بالقسوة وبالمنح الحرمان..قارن قوله تعالى يخاطب النبي:
“فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ“(آل عمران: 159).
وقوله يصف بني إسرائيل “َفَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (المائدة: 13).
إن منطق الآيتين في التقسيم وتوالي الحدث والنتيجة يتماثل بشكل لافت، كذلك تتكرر بعض المفردات، لكن المضمون والنتائج تختلف، الأمرالذي نلاحظه في الجدول المبين.
فالفعل في الحالة الأولى كان إلهيا وكانت الرحمة التي بها لان قلب الرسول للمؤمنين واحتواهم، ووقاه الله قسوة القلب المثيرة للفرقة.. أما في الحالة الثانية فقد كان الفعل بشريًا من قبل بني إسرائيل، تضمن نسيانهم الذكر الذي آتاهم ونقضهم ميثاقه، ونتيجة الفعل كانت أن قست قلوبهم، فتمادوا وحرفوا كلام الله، ومع ذلك يجيء التوجيه الإلهي بالعفو والصفح عن قليلهم الذي لم يظهر الخيانة للرسول صلى الله عليه وسلم بالمنطق نفسه نقرأ قوله عز وجل: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (الأعراف: 32 ).
مقابل قوله: “فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا” (النساء: 160)، فالفعل الإنساني الذي لم يستوعب التوجيه الإلهي وقام بفعل “الظلم” استوجب الحرمان بهذا المنطق.
إن البصائر والهداية والرحمة معلقة بالتمسك بالذكر ومحاولة الاقتراب والفهم والاستيعاب الحقيقي لكلام الله “قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ “ (الأنعام: 104).
“وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” (القصص: 43).
الفعل/ الحدث | تنريل الرحمة | نقض الميثاق |
الفاعل | الله | بنو إسرائيل |
النتيجة | لنت لهم | لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية |
التوجيه | فاعف عنهم واستغفرلهم وشاورهم في الأمر | فاعف عنهم واصفح… |
الفعل/ الحدث السلبي (الغائب) | قسوة القلب (ولوكنت فظا غليظ القلب) | الذكر(نسوا حظا مما ذكروا به) |
ثانيا- الزوجية في الخطاب القرآني:
حين تطلق الزوجية في الفضاء القرآني فإن مستوياتها تتعدد، تبدأ من المستوى الكوني العام بنظامه الفيزيائي الدقيق وتنسحب إلى المخلوقات الحية من نبات وحيوان وبشر، ثم تجد صورتها “الفريدة” في العلاقة بين الذكر و الأنثى البشريين التي تقع في القلب منها علاقة الزواج.
هذا ما ينبئ عنه الخطاب القرآني فيقول:
– “وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” (الذاريات: 49)
– “أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ” (الشعراء: 7)
– “وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الرعد: 3)
– “خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ” (لقمان: 10)
– “فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ” (الرحمن: 52)
– “خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ” (الزمر: 6)
– “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى” (النجم: 45)
إذن فخلق الزوجين البشريين هو جزء وامتداد للسنة الكونية في الزوجية “وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” (فاطر: 11).
ونحن نلمس الزوجية معنى لا لفظا في قوله تعالى “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ” (آل عمران: 190)
وعندما يرد ذكر الزوجية في القرآن فإنها تجيء – كما نلاحظ – كإحدى دلائل قدرة الله في خلقه، وكإحدى نعمه على هذا الخلق، الأمر الذي نلمسه في تتالي آيات سورة النبأ وسؤالها الذي تحمله : “أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10 ( وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا “(11) إلى آخر الآيات (النبأ: 6 – 11)
وأضيفت الزوجية إلى كريم النعوت في الخطاب القرآني: “..كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ” (الشعراء: 7 )
“..وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ“ (الحج: 5)
والزوجية هي الحلقة التي تتوسط مراحل الحياة بعد الخلق وقبل الفناء، “وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا” (فاطر: 11).
ولنلاحظ قوله تعالى الذي لخص به الحياة وضمنه فلسفتها “وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا” (الكهف: 45) فنرول الماء أنشأ الحياة وأنبت الأزواج -علامة الحياة- (كما نطالع في الآيات 10 و 5 من سورتي لقمان والحج) قبل أن يشيخ كل شيء ويجف ويصير عصًفا تذروه الرياح علامة انتهاء الحياة.
والزوجية بهذا المعنى، الذي تنسحب به على سائر ما خلق الله من جماد ونبات وحيوان وبشر إنسان، هي أساس من أسس الكون والحياة، حتى إن نوحا عليه السلام عندما كان في طريقه لاستئناف حلقة جديدة من الحياة بعد غرق قومه، ُأمر أن يحمل على سفينته أزواجا من المخلوقات “حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ” (هود: 40)
وعندما يطلق لفظ “الزوج” في القرآن، فإنه يشمل في مدلوله المرأة أو الرجل على السواء:
– “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء: 1)
– ” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ” (الأعراف: 189)
– “..فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ” (البقرة: 102)
– “ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ” (الزخرف: 70)
والوقوف على تلك الجوانب للمفهوم كما تعكسها الآيات الكريمة التي تعرضنا لها هنا إجمالاً، يوضح عدة أمور:
1- إن إثبات الزوجية لسائر مخلوقات الكون فضلاً عن النظام الفيزيائي المادي للكون ذاته، إنما يعبر عن نوع من الانسجام بين الحياة البشرية والطبيعة بشكل عام، بمعنى أنه يستبعد التصورات التي تضع الإنسان في مواجهة الطبيعة أو ضدها، بل تصير الحياة البشرية جزءًا ممتدا ومتناغمًا لسنة كونية مثبتة تقع داخل نطاق أنطولوجي واحد سمته التعدد والاختلاف والنسبية، مقابل مستوى أنطولوجي مغاير بالكلية هو مستوى الوجود الإلهي الواحد المطلق “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ” (الإخلاص)“20
2- كذلك فإن إثبات هذه السنة الكونية لكل من الإنسان وسائر المخلوقات الأخرى التي تنبض بالحياة، وإثباتها كذلك للنظام الطبيعي والمادة، إنما يعبر عن نوع من الانسجام والتمازج بين جوانب الحياة الروحية وتلك المادية، فيصير الفصل بين مجال الروح والأخلاقيات والقيم من جهة، ومجال المادة وتطبيقاتها من جهة أخرى، بعيدا عن روح مفهوم الزوجية بصفاته التي عكسها البيان القرآني أعلاه.
3- إن الزوجية كما تعرضنا لها هنا، تعكس سنة كونية، وتعكس حياة، وتعكس أيضا جمالا له صفات الكرامة والبهجة التي أثبتها القرآن مضافة إلى المفهوم.
4- إن معنى الزوجية -في حدودها الإنسانية- وإن كان يعكس اختلافا، فإنه في الوقت نفسه يعكس وحدة الأصل والمنشأ، فكلا الطرفين من نفس واحدة، وكلا الطرفين يعبر عنهما في القرآن بلفظ واحد، هو “زوج”، الأمر الذي يجهد هؤلاء الباحثين عن “نوع” النفس التي تحدث عنها الله عز وجل في مطلع سورة النساء، وهل كانت ذكرا (آدم) أو أنثى (حواء) (كما قد توحي الآية 189 من سورة الأعراف)، ويعبر في الوقت ذاته عن تهافت مسعى هؤلاء في تأكيد السبق للذكر أو الأنثى. وحدة الأصل يعبر عنها الخطاب القرآني في غير موضع بعبارة “بعضكم من بعض”، يقول: “فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ” (آل عمران: 195)، ويقول “..وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..” (النساء: 25)
تأكيدا للوشائج الإنسانية الأولية التي تربط بين الجنسين وتؤطر لأي رباط قانوني أو اجتماعي مستحدث.
5- وبصدد الزوجية الإنسانية أيضا، وداخل العلاقة الزواجية كحلقة من حلقاتها، يصير الولوج بمثل هذا المفهوم لمعالجة العلاقة بين الزوجين بمثابة مصادرة مبدئيا على أي معالجة من منظور المساواة أو الصراع، فعندما يقوم الكون بتعقيده ودقته في آنٍ على مبدأ الزوجية فإن أبعد ما يتبادر إلى الذهن من مدلولات المفهوم هو ما يتعلق بالتطابق من ناحية أو الإحلالية أو التضاد الصراعي من ناحية أخرى، بل الأقرب أن ينصب المدلول في معنى “اختلاف الثراء والنماء” الذي يؤدي إلى استمرار الحياة؛ وذلك بالمعنى الذي اشتملت عليه الآية الكريمة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات: 13) فاختلاف الذكر والأنثى (وهو أول مستوى من مستويات الاختلاف الذي تثبته الآية الكريمة) كان بغرض الجذب والتقارب، فالتكاثر و “العمران” أو ما تجمله الآية الكريمة في مفهوم “التعارف”، بالمنطق نفسه الذي جاء به اختلاف جميع الأشياء إلى زوجين يتكاملان لتستمر وتيرة الحياة وتستمر العجلة الكونية في الدوران إلى أجل مسمى. والزوجية بهذا المعنى لا تدع سبيلاً لفتح حديث عن طرف أدنى وآخر أعلى ولا ترتبط بدرجة الإيمان، بل هي لا تعدو أن تكون آلية لتسيير الحياة والعمران على أفضل تقويم “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” (التين: 4) “الذي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَ ” (الأعلى: 2 -3)
6- وفيما تسير أزواج الكون بدقة التسخير الإلهي، فإن الإنسان بوضعه الخاص؛ وضع التكريم والتخيير: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ” (الاسراء: 70)
“إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا” (الأحزاب: 72)، كان في حاجة لقواعد تراعي طبيعته المتميزة.
فبصدد قضية الزواج، نجد العلاقة تتجاوز التزاوج البيولوجي، إلى تزاوج العقل والنفس والعاطفة “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم: 21). وفوق هذا تطلبت الزوجية البشرية وضع أساس من القواعد التي تحول دون جور أي من الطرفين على مقتضيات تلك الزوجية “وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ” (ص: 24)
هكذا يحدد لنا مفهوم الزوجية مجال النظر في قضية الزواج، فيحددها داخل إطار إسلامي تكاملي، يبتعد عن أرضية الصراع الضيقة الحدود، إلى أرضية التكامل المنفتحة على الكون والطبيعة تعميرا وسلاما، وعلى النفس تزكية، وعلى الله إقرارا بوحدانيته في مقابل التعدد والاختلاف والنسبية البشرية/الكونية، والمنفتحة كذلك على الحياة الأخرى التي فيها مجال الثواب والعقاب الأبدي.
ثالثًا- الزوجية/الزواجية: مستويات العلاقة
داخل الخطاب القرآني الذي يعالج مسألة الزوجية في دائرة الزواج، يمكننا أن نلمس مستويات للعلاقة بين الزوجين تتحدد عبر دوائر مفاهيمية متداخلة، يمكن بيانها كالتالي:
(أ) مفاهيم تتعلق بالعلاقة الخاصة/الحميمة بين الرجل والمرأة بأبعادها النفسية والجنسية:
وهي كل من: اللباس، والحرث، والإفضاء، والسكن، والمودة، والرحمة، ونراها في الآيات الكريمة:
– “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ” (الأعراف: 189)
– “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم: 21)
– “أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” (البقرة: 187)
– “نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” (البقرة: 223).
– “وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” (النساء: 21)
فاللباس كناية عن القرب الشديد والاحتواء، وليس بخافٍ اجتماع مدلولي الاحتواء المعنوي والمادي في اللفظ “يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ..” (الأعراف: 26)
والسكن يستكمل فكرة الاحتواء، فيوسع منها ويثريها بمعاني الألفة والسكينة التي يحملها اللفظ في ذاته “..َوصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (التوبة: 103).
والإفضاء في اللغة هو الوصل، وقد ورد ذكر هذه الكلمة مرة واحدة في القرآن (الآية 31 من سورة النساء) كناية عن تفرد الاتصال الجسدي والنفسي الحميم بين الزوجين، والمودة تستكمل بدورها مفهوم الوصل لتعطيه أبعاده الإيجابية، فيكون الاتصال هنا اتصال محبة وود. أما “الحرث”، الذي يجعل من المرأة الأرض الخصب المهيأة للزراعة، فإنه يتجاوز المعنى الحسي المباشر، لينقل العلاقة إلى فضاء الحياة بمتعها وثرائها واستمرارها، وما وراءها: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ” (آل عمران: 14)، “مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ” (الشورى: 20)
وتكون الرحمة هي المظلة التي تجمع أواصر هذه العلاقة وتحميها بتراحم أطرافها وحدبهم على بعضهم البعض.
وعند هذا المستوى نجد المفاهيم تمزج برقي شديد بين مدلولاتها الحسية والمعنوية، كذلك فهي تتركز في الحس والمشاعر الفردية الداخلية بالأساس، معينة بذلك حدودا نفسية لمستوى أول من مستويات العلاقة الزوجية يعلو فيه صوت المشاعر، ويبرز فيه البعد الفردي على البعد المجتمعي.
ومن الجدير بالنظر هنا معالجة القرآن للعلاقة الجنسية بين الزوجين، لاسيما ذلك المزج بين البعدين المعنوي والحسي الذي لمسناه في المفاهيم السابقة، والذي نلمسه أيضا عند ملاحظة الآيات التالية:
فالآن بشروهن | وابتغوا ما كتب الله لكم | البقرة: 187 |
فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن | فأتوهن من حيث أمركم الله
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين |
البقرة: 222 |
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم21 | وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين | البقرة: 223 |
إن هذه الآيات التي بدأت بإشارة مباشرة إلى العلاقة الحسية بين الزوجين قد استكملت جميعها بما يقنن هذه العلاقة ويؤطرها تأطيرا معنويا إيمانيا تذكيريا يعلو بها من صفتها المادية لتكون واقعة إيمانية، تتجسد فيها قمة المزج الإسلامي بين الجوانب الحسية والأخلاقية.
هذا التأطير، يحمل في الوقت نفسه، حضا لجمهور المؤمنين من الرجال على حسن المعاشرة التي تعلو بالممارسة لمستواها الإنساني، كما تراعي في الوقت نفسه حالة المرأة النفسية والجسدية ورغباتها، الأمر الذي يحتويه التوجيه الجامع “وعاشروهن بالمعروف” (النساء: 19)
(ب) مفاهيم تتعلق بالعلاقة في بعدها الأسري/العام:
هنا تبدأ مستويات العلاقة تنفتح إلى الخارج؛ إلى المجال الذي تحضر فيه الأبعاد المجتمعية على اختلافها، وكذا متطلبات الحياة اليومية، وأطراف الأسرة الآخرون، الأسرة بمعناها الأكبر، وتفسح العاطفة مجالا بجانبها لحضور أكبر لبعد العقل/المنطق فتبرز مفاهيم مثل التراضي والتشاور والائتمار والقوامة والنشوز والإحسان والإصلاح والمعروف والفضل:
– “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون ” (البقرة: 232)
– “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (البقرة: 233)
– “تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ” (الأحزاب: 51)
– “أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى” (الطلاق: 6)
– “وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا” (النساء: 4)
– “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا” (النساء: 34)
– “الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون ” (البقرة : 229)
– “لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ” (البقرة:236)
– “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” (النساء: 128)
– “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ” (البقرة: 228).
– “وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا” (النساء: 129)
– “وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (البقرة: 231)
– “وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (البقرة: 235)
– “وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (البقرة: 237)
– “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء: 19)
والمفاهيم هنا تتدرج من وجهة أخرى، ففي حين يجيء التراضي والتشاور والائتمار في مجال التداول حول الحقوق الواجبة على الطرفين ولكل منهما، يبرز الحض على الإحسان والفضل والعفو كمرحلة أرقى للعلاقة يظهر فيها التفضل والمنح والإيثار من جهة الزوج وكذلك من جهة الزوجة، باعتباره فضيلة بين المسلمين عامة، ودعامة من دعامات العلاقة بين أفراد الأسرة المسلمة.
ويبرز عند المستوى الأسري أيضا مفهوما القوامة والنشوز اللذان يثيران خلافا في الجدل الراهن حول المرأة، وهو خلاف قد نكون بمنأى عنه في ضوء العرض السابق لمفهوم الزوجية وفلسفته في ذاته، وكذلك في ضوء شبكة المفاهيم الأخرى المترابطة والمؤطرة لعلاقة الرجل والمرأة في العموم (الزوجية) وداخلها علاقة الزواج.
ولعل أول ما نلمسه في “القوامة” التي تشير إليها الآية الرابعة والثلاثون من سورة النساء إثباتا في مطلعها – أنها قوامة تكليف ومسئولية، فالرجال قائمون على أمور النساء رعاية وحفظا وتوجيها، تحت مظلة مفهوم “المعروف” الذي سنتعرض له لاحقًا. ثم يأتي التخصيص “بعضهم على بعض “وهو تعبير لم يستوقف المفسرين رغم ما يثيره من تساؤلات، فلماذا التبعيض، ولماذا لم يقل “بما فضلهم الله عليهن” أو بما فضل بعضهم على بعضهن.. الأمر الذي يفتح المجال مثلا ليصير المعنى بما فضل الله بعض الرجال على بعض فمنهم من لديه فضل قوة أو فضل مال أو فضل علم، فهو يقوم على رعاية نسائه بهذا الفضل الإلهي الممنوح له. ومرة أخرى يجئ الأسلوب الخبري الإثباتي ” َفالصالِحات قانِتات حافِظَات لِلْغيبِ بِما حفِظ اللَّه” فهناك نساء صالحات قانتات وهؤلاء يحفظن الله في أنفسهن ويحفظن حقوق أزواجهن بحفظهن لله ومعرفتهن لحدوده. هؤلاء المؤمنات هن من حض الله على الاقتران بهن عند تعرضه لما قبل الزواج فقال: “وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ” ( النساء: 25 ) وقال: “وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” (البقرة: 221).
فالإيمان هنا في ذاته عاصم من الزلل، ومن الوقوع مواقع الشبهات، والقرآن يحمل نماذج واضحة لهاتيك الصالحات: “وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ“(التحريم: 11- 12).
إن نموذجي آسيا ومريم يقفان علما على المرأة الصالحة في غيبة الزوج أو رغم وجود الزوج الطالح، على عكس نموذجي امرأة نوح وامرأة لوط “كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ” (التحريم: 10) إن ثبوت الصلاح والإيمان للمرأة بعيدا عن الزوج، لا ينفي في الواقع مسئولية الرجل في القوامة كحكم عام، لكنه في الوقت نفسه يعكس التكليف المباشر للمرأة/الزوجة التي تتحمل مسئولية ذاتها وأفعالها الصالحة أو الطالحة، كما يعكس تناهي عملية القوامة في معانيها “التقويمية والتوجيهية” التي يقوم بها الرجل/الولي حين يكمن صلاح المرأة وحفظها لقيم الزواج في إيمانها ويرتبط ارتباطا مباشرا بالله “بما حفظ الله”.
والقرآن هنا، حين يعالج قضية “النشوز” فإنه يعالج “أزمة” تعتري كيان الأسرة، ويعمل على أن يضع لها علاجًا تدرجيا وظيفيا لحفظ كيان الأسرة الداخلي، هذه الوظيفية المحايدة نلمسها عند التعرض لمفهوم الشهادة الذي تحمله الآيات المبينة للوضع الذي يتهم فيه أحد الزوجين شريكه بالزنى. تقول الآيات “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ” (النور: 6 – 9) فالآية هنا تضع كلمة الرجل (الزوج) إزاء كلمة المرأة (الزوجة) في مسألة اتهام أي من الطرفين الآخر بالزنى وهو وضع يخالف ما أخبرت به آية الدين في سورة البقرة “..وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى..” (البقرة: 282) وهو يؤكد الطبيعة الوظيفية لمسألة الشهادة في الحالتين وانقطاعها عن التعبير عن أي تفاضل إنساني أو إيماني بين الطرفين.
كذلك يبرز مفهوم المعروف بشكل خاص كأحد أكثر المفاهيم تكرارا في الآيات التي تعالج أبعاد علاقة الزواج أو نقول الآيات المتعلقة بالرجل والمرأة (الزوجية) عموما، وقد تكررت اللفظة بأشكالها (معروف-المعروف-معروفا-معروفة) في القرآن بأكمله 39 مرة، واستخدمت سبع مرات لوصف أمة المسلمين أو المؤمنين “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..” (آل عمران: 104)، ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..” (آل عمران: 110) “يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ..” (آل عمران: 114 )، “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ..” (الأعراف: 157)، “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ..” (التوبة: 71)، “التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ..” (التوبة: 112 )، “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ..” (الحج: 41).
واستأثرت الآيات المتعلقة بالرجل والمرأة بـ 19 مرة من جملة الـ 2239 ولهذا دلالته.
يُعَرّف “المعروف” بأنه كل فعل يعرف حسنه بالعقل أو الشرع، كما يعني الصنيعة، وبالمعنيين يقوم المفهوم بدور المؤطر للعلاقة الزوجية كما هو للعلاقة الأسرية بمعناها الأعم، وذلك جزء من تأطيره للعلاقة بين جمهور المؤمنين كافة، هؤلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
نلمس هذه الفكرة بشكل مختلف في سورة النساء التي تعالج بعضا من قضايا المرأة والزواج، حيث نجد الآية السادسة والثلاثين من السورة تتطرق لشبكة من العلاقات الإنسانية التي تُسَكَّن فيها ومعها علاقات الأسرة والزواج “..وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا” (النساء: 36)
ويكون الإحسان هنا مثل المعروف سمًة لاصقًة بأمة المسلمين على اختلاف علائقها.
بعبارة أخرى فإن الخطاب القرآني يُسَكِّن قضيةالزواج في أكثر من مستوى من مستويات العمران الاجتماعي :
– مستوى خاص وحميم يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة : ذكر وأنثى.
– مستوى أسري يتعلق بالزوجين باعتبارهما مكلفين بأدوار اجتماعية مختلفة داخل محيط من الأطراف والقرابات.
– مستوى عام ، يظهر فيه الزوجان جزءًا من جماعة المؤمنين وخلية حية من خلاياها، تنطبق عليها قوانينها الكلية، فنجد “المعروف” مثلا هو المفهوم المفتاح لفهم آلية العلاقة بين جمهور المؤمنين في شتى المواقف الحياتية مثل القصاص23 والإرث24 فضلا عن قضية الزواج بأبعادها: الاختيار والخطبة25 والمعاشرة26 والطلاق27 ووفاةالزوج28.. فالمعروف مثل الفضل والإحسان والعفو هي معانى قيمية عامة تشير إلى الرابطة الأخلاقية المعنوية التي تربط بين جمهور المؤمنين وتظلل روابطهم الاجتماعية والقانونية على اختلافها.
رابعًا- الفضاء المعنوي لعلاقة الزواج:
القرآن في سائر آياته التي تعرضت لعلاقة الزواج حرص على التأكيد على البعد النفسي المعنوي الخفي فيها، فبداية نلمس دومًا التأكيد على علم الله الذي يسع ما في النفوس، ولنلاحظ خواتيم الآيات الخمس (من 231 حتى 235 من سورة البقرة) والتي تعالج مسألة الطلاق: “...وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (231)، “...وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (232) “…وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (233)، “…وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ“(234) “…وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (235).
وفي هذا استيعاب للأبعاد النفسية التي تؤثر في العلاقة الزوجية في بعدها الخاص من ناحية، وفيه بالمثل تذكير وتحذير بعدم الجور فيما يتعلق بهذه الأبعاد غير المعلنة التي تشملها العلاقة، الأبعاد التي يحسمها الضمير الإنساني الذي لا يحيط به سوى الله (الأمر الذي تشير إليه الآية الكريمة “يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا” (النساء: 108 ))، لاسيما أن الأبعاد غير المعلنة كثيرة وغنية في علاقة تقتضي “الستر” كعلاقة الزواج ، ونحن نجد مفهوم “الستر” مستبطنا في قوله تعالى “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور: 4)
ونلحظ في الوقت نفسه الجمع الكثيف بين أساليب النهي والتحذير والحض والترغيب. والواقع فإن تنوع الخطاب بين مختلف الأساليب البلاغية شاملة التحذير والبشرى في آن، هو سمة عامة في الخطاب القرآني تشهد كثافة في الآيات المتعلقة بالمرأة، وقد يفسر هذا التنوع بأنه نوع من اشتمال كل أنماط المخاطبين بنفسياتهم المختلفة التي يتأثر بعضها بالزجر والتخويف وبعضها بالحض والترغيب.
وفيما يتعلق بقضايا الزوجية بشكل عام ،يتنوع المخاطَب؛ فيشمل الرجل كزوج، والمرأة كزوجة، كما يمتد إلى الأولياء وذوي القربى وإلى جمهور المؤمنين، وضمن هذه الفئات يوجد الرجل والمرأة أيضا..، فيخص الخطاب المرأة وحدها كفاعل رئيس كقوله “يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ”، “يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء”، “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ..” ، “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ..” ، “وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا..” ، “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا..” ، “وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ..” ، “وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي..” ،”يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ..” ، “إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا..” ويتوجه الخطاب إليها مع الزوج، فيقول: “فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا..”، ويقول “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا“، ويتوجه الخطاب إليها ضمن جمهور المؤمنين، مثل قوله: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..”.
هذا النهج القرآني في التأكيد على دورالمرأة المؤمنة لفظًا، كتكرار قوله “والْمؤمِنون واْلمؤمِنات”29 “ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات”30 وقوله الجامع: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” (الأحزاب: 35)، رغم أنها مشتملة بداهة في الخطاب الموجه لجمهور المؤمنين بشكل عام- هو نوع من التخصيص والتأكيد على دور المرأة الفاعل والمستقل، في محيط اجتماعي قد يغفل هذا لو لم يرد صراحة في الخطاب القرآني.
في الوقت نفسه، فإن الخطاب في الآيات المتعلقة بالزواج بشكل عام يتوجه في الأغلب إلى الرجال من الأزواج أو من الولاة باعتبار معطيات الواقع التي تجعل المرأة في الأغلب تحت رعاية أو وصاية أو ولاية الرجل، ومن ثم يجيء الخطاب واضحًا صريحًا في حضه هؤلاء على حسن معاملة زوجاتهم وحفظهم حقوقهن بالمعروف، ولنا أن نلاحظ أسلوب النهي والأمر القاطع في الأحكام الأساسية التي تؤطر لرعاية المرأة وكفالة حقوقها:
النهي | الأمر |
لا تخرجوهن
لا تبغوا عليهن سبيلا لا تضاروهن لتضيقوا عليهن لا تعضلوهن لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا لا تأخذوا منه شيئا لا تتخذوا آيات الله هزوا لا تميلوا كل الميل |
متعوهن
آتوا النساء صدقاتهن آتوهن أجورهن بالمعروف عاشروهن بالمعروف أمسكوهن بمعروف سرحوهن بمعروف أسكنوهن من حيث سكنتم أنفقوا عليهن |
ومقابل هذا الحسم في المواضع التي تتطلبه، تتحرك اللغة القرآنية بمرونة لتمس الوتر العاطفي بمواراة أو مباشرة احتواءً للبعد النفسي، الذي لا تعالجه القوانين المكتوبة، ولنتأمل قوله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء: 19)، إن التعرض هنا لمسألة “الكراهية”، ثم الوعد أو البشرى الإلهية التي تحض على الصبر وتبشر بالخير الكثير، تتوجه مباشرة إلى وجدان المخاطب؛ إلى دخيلته فتُعمل أثرها محولة شحنة مشاعر الكره أو السخط السلبية إلى شحنة أخرى موجبة تحمل ترقبا وأملا في الخير الذي يعد به الله عز وجل. هذه المعالجةالخاصة لقضية “الكره” الذي قد يتسرب لقلب الزوج، تسير بالموازاة مع المعالجة القانونية لقضية الطلاق بما تشمله من حفظ الحقوق المادية والمعنوية أيضا، لأن المعالجة الأولى قد تغلق الباب أمام خيار الطلاق من الأساس، وإن لم تنجح “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء: 19)
ولنتأمل كذلك قوله: “وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” (النساء: 20 – 21).
ونلمس هنا الاستنكار القوي الذي يلح عليه السؤال المكرر: أتأخذونه؟ وكيف تأخذونه؟.
وعندما نقرأ في الآية نفسها “أفضى” بمعنى وصل، و”ميثاقا غليظا” ذلك الرباط الذي آثر البيان القرآني أن يصف به العلاقة الزوجية، فربما نستحضر الآية الكريمة: “وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” (الرعد: 25) بما تحمله من إشارة لأهمية هذا الميثاق أو المعاهدة المعلومة الشروط التي تجمع الزوجين ومغبة البغي فيها أو انتهاك شروطها.
وانظر أيضا قوله تعالى: “وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا“ (النساء: 4) وتأمل الود المتبادل بين لفظي “نحلة” و”طبن نفسا”؛ فنحلة هي الإعطاء عن رضا وطيب خاطر، و”طبن نفسا” كما نلاحظ تختلف كثيرا عن “وافقن” أو “قبلن” فالقبول أو الموافقة قد تكون عن اقتناع أو على إثر ضغط أو خوف..إلخ، لكن البيان القرآني يشترط هنا الرضا النفسي الداخلي الذي لن يتأتى في ظروف القهر أو التهديد والإجبار التي قد تتعرض لها المرأة من زوجها أو وليها، ويأتي جواب الشرط في النهاية متناسبا مع بدايتها المفعمة بالرضا والاطمئنان النفسي “هنيئا مريئا”!.
والخطاب الموجه للمشاعر والمستوعب لها نقرؤه أيضًا في قوله تعالى: “وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا” فالله عليم بمكنون الصدور وهو هنا يتوجه بخطابه
إلى هذه الفئة المؤمنة التي تخاف العنت وتخاف الإثم فيطمئنها، ويخط خطا واضحا بين المدى النفسي والفعلي المباح شرعا، والمدى المنهي عنه والمعين بقوله: “إلا أن تقولوا قولاً معروفا”.
ومرونة الخطاب وحركته المعجزة تبرز بشكل واضح في موقع آخر، يقول تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ” (النساء: 3)
يقول ابن كثير مفسرًا لهذه الآية الكريمة، “قال البخاري: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن زيد أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى وإن خفتم ألاتقسطوا في اليتامى، قالت يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل مايعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق”.
وأول ما نلحظه هنا أن هذه الآية تجيء ردا على سؤال من المسلمين “وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا” (النساء: 127). ومن ثم فهي تخاطب قوما لديهم استعداد فعلي لاجتناب المعاصي وتقوى الله، الذي كان دافعهم لاستفتاء النبي.
وهي تحمل دعوة للاستعفاف عن أموال اليتامى، وتدعو الرجال الطامعين في أموال من هن في حجورهم من يتامى النساء، إلى الانصراف عنهن بنكاح غيرهن ولو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، واللافت أن بلاغة البيان القرآني تبيح التعدد – المرتبط بالشهوة في المفهوم العام – في موضع استعفاف أصيل، فيكون التعدد في ذاته أداة للاستعفاف..
وتدور كلمات الآية القليلة مُشَكِلة عددا من الحركات المَوْجِية المنضبطة بمفهوم واحد متكرر هو العدل. تأمل:
إن خفتم ألا تقسطوا فانكحوا
فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة..
ذلك أدنى ألا تعولوا (أي تجوروا في أغلب التفاسير)
فبدافع العدل والتعفف، تصرف الآية المخاطبين عن الاقتران باليتيمات إلى غيرهن (ما طاب لكم)، وبدافع العدل تعود الآية فتصرف المخاطبين عن التعدد والاكتفاء بواحدة، وتعود فتؤكد أن هذا أدنى إلى العدل وعدم الجور أو الظلم. إن الخطاب يتحرك بعمق وبساطة مدهشة منتقلاً بالمخاطب بين حالات نفسية مختلفة، حاملة في كل مرة وعدا ونصيحة.
يقول الأستاذ جمال البنا “كان من أكبر أسباب عجز الكتاب القدامى عن الاهتداء إلى سر الإعجاز -يقصد إعجاز القرآن- عدم ربطهم ما بين الصياغة القرآنية والرسالة التي استهدفها القرآن والتي من أجلها نزل وهي هداية الناس وما يعنيه هذا من خلق النفس البشرية خلقا إيمانيَّا جديدا إذ هناك ارتباط قوي ما بين الوسيلة والغاية”31، والوسيلة هنا هي هذا الخطاب الثري العميق المراعي لمشاعر الإنسان وضعفه الأصيل “يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا “(28) (النساء: 26- 28).
إن مراعاة العلاقة النفسية والحفاظ على المشاعر، لاسيما مشاعر الزوجة أمر ما انفك الخطاب القرآني يحث عليه، ونراه جليا حين نتعرض لمفهوم أو فلسفة “المتعة” أو “الإمتاع” في القرآن الكريم.
فالمتعة في المفهوم القرآني لا تقتصر على المعاني الحسية التي يستحضرها الذهن حول المفهوم، إن المتعة – كما نجد في الآية 236 من سورة البقرة – تشمل النساء اللائي قد طلقن قبل الدخول بهن، وكأن الله عز وجل يريد أن يعوض هؤلاء عن الأثر النفسي السلبي الذي خلفه فسخ الارتباط، وتشمل أيضا الزوجات اللائي مات عنهن أزواجهن حيث يحق لهن المكوث في بيتهن ويستمر الإنفاق عليهن من مال المتوفى (البقرة: 140) وذلك كنوع من ضمان الرعاية والأمان لامرأة تستعد لنقلة واسعة في حياتها بعد غياب الشريك أو العائل، في وقت لا تمنع فيه تلك المرأة من مغادرة البيت، فيكون لها حرية الاعتداد حيثما شاءت.
ومن ثم فالحق المالي للمرأة هنا يتجاوز كونه ثمنا للوطء كما تذهب كثير من التخريجات الفقهية.
وبالإجمال فالخطاب القرآني حريص على مراعاة نفسية كل من الرجل والمرأة أطراف العلاقة الزوجية بقدر مراعاته للبعد النفسي المتبادل في العلاقة ذاتها، وهو هنا يشيد بناءا معنويا نفسيا موازيا للبناء القانوني بحيث يشكل الاثنان معا البناء الشرعي الذي هو (ببعديه القانوني والضميري معا) ما أسماه البارئ “حدود الله”. والطريف أن هذا المفهوم قد تكرر في القرآن الكريم 12 مرة في سبع آيات مختلفة تتعلق جميعا بأمور تخص الرجال والنساء.32
خامسًا- المعالجة الفقهية وغياب الشرط المعنوي (عقد النكاح نموذجًا):
أول ما نلحظه في المعالجة الفقهية لمسألة الزواج هو استخدام مفهوم النكاح بدلا من الزواج، وهو يعالج في قسم المعاملات33 تحت اسم كتاب النكاح، ويجيء استخدام مفهوم النكاح ارتكانا إلى تكرار اللفظ في، الخطاب القرآني بصيغ مختلفة: تنكحوا34، تنكح35، ينكحن36، النكاح37، انكحوا38، نكح39، ينكح40، انكحوهن41، تنكحوهن42، نكاحا43، أنكحك44، نكحتم45، يستنكحها46. وتركزت جميعها في سور: النساء والبقرة والنور والأحزاب ثم القصص والممتحنة.
وفي تعريف المفهوم يتعرض الفقهاء لمعانيه المعجمية والاصطلاحية، فالمعنى اللغوي47 كما يوردونه، هو الضم والتداخل، فيقال تناكحت الأشجار أي انضم بعضها إلى بعض. وهم عند هذا المستوى يعينون بعدين للفظ يحملهما كلام العرب وهما الوطء والعقد معا، فإن قيل نكح فلان فلانة أو بنت فلان فالمعنى المراد تزويجها والعقد عليها، أما إذا قيل نكح فلان امرأته فالمراد المجامعة48.
أما التعريف الاصطلاحي، فيعرف النكاح بأنه عقد التزويج، وعرفوه أيضا بأنه عقد يتضمن إباحة وطء49، أو عقد بين الزوجين يحل به الوطء، ويشير آخرون إلى عقد التزويج باعتباره عقد ملك لبضع المرأة50.
وحول دلالته شر عا، يتنازع المفهوم معنيا العقد والوطء، فيقول البعض إنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، على اعتبار أن القرآن الكريم لم يستخدم لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا في قوله تعالى “حتى تنكح زوجا غيره” (البقرة:230 ) إذ يفسر ابن كثير هذه الآية بقوله “حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح” والفقهاء يستدلون على معنى الوطء هنا بحديث شهير يسند بروايات كثيرة ومؤداه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يطلق امرأته ثلاًثا فيتزوجها آخر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها فهل تحل للأول، فقال: لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها، وعن الإمام أحمد يروى هذا الحديث بشكل أكثر تفصيلا ودرامية، فيقول حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت “دخلت امرأة رفاعة القرظي وأنا وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن رفاعة طلقني ألبتة، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإنما عنده مثل الهدبة، وأخذت هدبة من جلبابها، وخالد بن سعيد بن العاص بالباب لم يؤذن له، فقال يا أبا بكر ألا تنهي هذه عما تجهر به بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبسم، وقال: كأنك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لاحتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك” وهكذا رواه البخاري51.
والبعض قال إن لفظ النكاح ورد في القرآن بمعنى التزويج فقط، عدا قوله “وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح..” (النساء: 6) على أساس أن المراد به بلوغ الحلم.
وعلى العكس، يقول أبو حنيفة إنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد، لقوله صلى الله عليه وسلم تناكحوا تكاثروا (الحديث)52
والحنابلة يرون أنه حقيقة في العقد والوطء جميعا53 ارتكانًا إلى قوله تعالى “ولاتنكحوا مانكح آباؤكم من النساء..” (النساء: 22) على أساس القول بأن من وطأها الأب ولو بغير زواج تحرم على الابن.
وعند هذا المستوى الأولى؛ مستوى التعريف الاصطلاحي نجد معاني الزواج قد اختزلت بين طرفي العقد والوطء بالمعنى المادي الحسي المباشر، مع إسقاط تام للأبعاد الاجتماعية والنفسية والمعنوية الحميمة والجوهرية في المفهوم، فإذا كان النكاح هو الزواج أو التزويج في لغة العرب، فقد كان من الأولى أن يبدأ كتاب النكاح بتعريف الزواج كحدث اجتماعي عمراني له أبعاده الفردية والجماعية، الحسية والمعنوية، وهي الأبعاد التي يثبتها القرآن بوضوح في غير موضع، وهذا ما لم يحدث إنما اكتفى البعض فقط بمقدمة عامة، تورد فيها الأحاديث التي تحض على النكاح باعتباره حفظا للنسل وتقية من الفتن، ويختلفون هنا حول حكمه، وإن كانوا يرون بشكل عام أنه فرض في حال التوقان إليه مع القدرة على المهر والنفقة، وقال الشافعي إنه مباح كالبيع والشراء ومن الظاهرية من قال إنه فرض كفاية54 والبعض جعله مندوبا ومستحبا، والبعض جعله واجبا55.
وتتنوع أبواب كتاب النكاح ومسائله، ومن الأبواب المهمة فيه ما يختص بمعالجة أركان النكاح، وهي تختلف بين الأئمة، فهي عند الشافعية خمسة: صيغة وزوجة وزوج وولي وشاهدان، ويضيف المالكية على هذه الصداق. ويحدد الحنابلة ثلاثة أركان هي: زوجان وصيغة، وعند الحنفية الصيغة فقط أي الإيجاب والقبول، بمعنى أن يقول الولي زوجتك فلانة أو أنكحتك، فيقول الزوج قبلت نكاحها.. واللافت أنهم يختلفون هنا حول الصيغة التي تقال أو تنطق أو يعبر بها عن هذا الموقف بين الولي والزوج، وعلى سبيل المثال إذا كان رد الزوج هو قوله: تزوجت أو أنكحت أو رضيت لم يصح العقد عندالشافعية في حين يصح عند المالكية والحنابلة56. وعند الأحناف ينعقد النكاح بلفظ البيع والهبة والصدقة والتمليك لكنه لاينعقد بلفظ الإجارة أو الإعارة لأن “النكاح لا ينعقد إلا بلفظ موضوع لتمليك العين57” إن الشكلانية هنا تتخذ مداها ليصبح عقد الزواج محض عقد تمليك مؤبد!.
ونلمس هنا أن أركان النكاح لا تتضمن قضية الرضا أو النية كأساس، ربما عالجتها بشكل جزئي وغير مباشر تحت عناوين فرعية، لكنها لا تأخذ مكانتها كأساس يكمل ويؤطر باقي الأركان ذات الطابع الشكلي.
وينال ركن الولاية اهتمامًا بالغًا لدى الشافعية والمالكية والحنابلة على اعتبار أنه لانكاح إلا بوَلي، ويذهب بعضهم في تفسير ذلك إلى أن “المرأة إنما منعت الاستقلال بالنكاح لقصور عقلها فلا يؤمن انخداعها ووقوعه منها على وجه المفسدة وهذا مأمون فيما إذا أذن فيه وليها” وهناك علة أخرى لذلك هي “صيانتها – أي المرأة – من مباشرة مايشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، وهذا ينافي حال أهل الصيانة والمروءة58“.
والمثير أن هذا التفسير لضرورة ألا تتزوج المرأة إلا بوَلي، يتنافى مبدئيا مع الموقف الذي عبر عنه نفسه الله تعالى بقوله “..وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا..” (الأحزاب: 50)، ناهيك عن قوله عز وجل “المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض..” وفيما يستند جل الفقهاء على موقفهم من حتمية الولاية على حديث منسوب للرسول صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها يقول: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل” فإن الأحناف يرون أن هذا الحديث “موضوع” لسببين ؛
الأول: أن عائشة نفسها قد زوجت حفصة ابنة أخيها عبد الرحمن بدون إذنه وعلمه فقد كان غائبا في سفر وليس من الممكن أن تروي أم المؤمنين حديًثا عن الرسول وتعمل بخلافه،
والثاني: أن الزهري راوي الحديث عن عائشة سئل عنه فأنكره ولم يعرفه، ويستنتج الأحناف أن الرواة قد لفقوا الحديث على لسان عائشة59.
تعالج مسألة الولاية عبر تفاصيل كثيرة60 تتضمن شروط الوَلي ودرجات الولاية ورتب الولاة، فيتم التطرق إلى مسائل من قبيل الجد أولى أم الأخ وهل للابن ولاية على أمه وهل الفسق يمنع الولاية أو لا.. وحق الولي في إجبار المرأة من عدمه (تبعا لحالات ومعطيات مختلفة)..
واللافت أن الاختيار يعد بشكل مطلق أحد شروط الرجل الزوج على أساس أنه “لايصح نكاح مكره”، لكن الأمر ليس مطلًقا بالنسبة للمرأة، فلا يشترط مثلا رضا المرأة البالغة عند الشافعي لكن “يسن استئذانها61“.
ويفتي فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة بأن للولي إجبار البكر البالغة على الزواج وليس هناك أي أهمية لعدم رضاها62.
والمفارقة أن مسألة حتمية الولاية التي ينشغل بها جمهور الفقهاء لا تجد لها سندا في الخطاب القرآني، فيما أن قضية الرضا التي ينكرونها عن الزوجة هي محور كثير من الآيات القرآنية المتعلقة بقضايا الزواج كما لمسنا سالفا، باعتبار تعريف البارئ عز وجل للزواج بالسكن والمودة والرحمة.
والصداق فصل مهم يعالجه كتاب النكاح، وفي غرض الصداق يقول بعضهم “إن ملك النكاح لم يشرع بعينه بل لمقاصد أخرى لا حصول لها إلا بالدوام على النكاح، والقرار عليه لا يدوم إلا بوجوب المهر بنفس العقد لما يجري بين الزوجين من الأسباب التي تحمل الزوج على الطلاق من الوحشة والخشونة، فلو لم يجب المهر بنفس العقد لا يبالي الزوج عند إزالة الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما لأنه لا يشق عليه إزالته، ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة، ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصل إليها إلا بمال له خطر عنده لأن ما ضاق طريق إصابته يعز في الأعين فيعز به إمساكه، وما تيسر طريق إصابته يهون في الأعين فيهون إمساكه ومتى هانت في أعين الزوج تلحقها الوحشة فلا تقع الموافقة فلا تحصل مقاصد النكاح ولأن الملك ثابت في جانبها إما في نفسها وإما في المتعة وأحكام الملك63” ويقول إن “منافع البضع جُعِلت أموالاً متقومة شرعا عند دخولها في ملك الزوج لكونها سببا لحصول الآدمي ، تعظيما للآدمي وصيانة له عن الابتذال64” ويضيف “للمرأة قبل دخول الزوج بها أن تمنع الزوج عن الدخول بها حتى يعطيها جميع المهر ثم تسلم نفسها إلى زوجها.. لأن المهر عوض عن بضعها كالثمن عوض عن المبيع وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء المهر65“
ويمكن القول هنا إن الافراط في المعالجة الحسية لم تقتصر فحسب على الشروط والأركان بل امتدت إلى تقديم فلسفي للزواج نفسه في إطار أهمية الصداق في إنشاء العلاقة الزوجية، ينتهي إلى كون النكاح مبادلة أو معاملة يتم فيها مبادلة “البضع” بالمال (الصداق).
لا شك أن حفظ الحقوق سيما حقوق المرأة، ومنها المالية، مسألة حث الخطاب القرآني عليها في غير موضع، لكنه لم يقتصر عليها ولم يجعلها إلا جزءا من منظومة الزواج المتكاملة. إن مفهوم “ملك البضع” الذي يتداول في الفقه الحنفي باعتباره لب قضية النكاح يحمل نصيبه من المنطق، فعلاقة الزواج واقعيّا تنطوي على ما قد نسميه احتكارا من قبل الرجل للحياة الجنسية للمرأة زوجته، وفيه كذلك اختراق لخصوصيتها وخجلها الأنثوي الفطري واندماج نفسي جسدي معها بشكل من الأشكال، وهذا أمر عظيم الشأن في ذاته، سبق أن لمسنا عظمته في الخطاب القرآني “..وقد أفضى بعضكم إلى بعض”، لكننا لا يمكن في الوقت نفسه أن نلخص الزواج في مسألة وطء مدفوع الأجر، لأنه هذا في ذاته ينقض قضية تكريم الآدمي، ويهدر القيمة الأخلاقية المعنوية التي يحملها الدين بشكل عام والتي تتضمنها قضية الزواج بشكل خاص.
وهذا يثير قضية أخرى تتمثل في عناية الفقهاء كما سلف بقضية “التكريم الاجتماعي” للمرأة من خلال الصداق واهمالهم التام لتكريمها أو اعتبارها إنسانيا من خلال مراعاة الرضا النفسي.
تنعكس الترعة الحسية أيضا في تعريف مفهوم الكفاءة التي تأخذ نصيبها من الاهتمام في كتب الفقه، وتعني تزويج المرأة من كفء لها، وهنا يناقش الفقهاء مدى صحة عقد تزويج المرأة بغير كفء في حالات مختلفة، يكمن اختلافها في مدى توافر موافقتها وموافقة أوليائها أو بعضهم من عدمه.. وهم بداية يحددون خصال الكفاءة ويختلفون فيها، فالشافعية يحددونها في:
– الدين: فمن أسلم بنفسه ليس كُفئا لمن لها أب في الإسلام.
– النسب: فالعجمي ليس كُفئا للعربية ولا غير القرشي للقرشية.
– الحرفة: فصاحب حرفة دنيئة ليس كُفئا للرفيع.
– العفة بالدين والصلاح: فليس الفاسق كُفئا لعفيفة.
– المحجور عليه بسفه ليس كُفء الرشيدة.
– الحرية: الرقيق ليس كُفء الحرة.
– السلامة من العيوب.
أما مالك فيرى الكفاءة في الدين فقط66. إن تعيين هذه الشروط كمعايير للكفاءة من ناحية، مع معطاة أن المرأة لا تزوج نفسها ولا تتزوج بغير إذن وليها من ناحية أخرى، يشكلان طرفي معادلة، مدلولها: حرص العربي على نقاء نسبه باعتباره من أهم السمات القبلية التي اتسم بها العرب، والتي ظلت ثابتة في النفوس رغم ما جاء به الإسلام من إقرار بالمساواة بين المسلمين، ومحصلتها هو منع المرأة من الاقتران بمن يخل بشروط التميز العربي. لقد بدأ العرب المسلمون بالخروج من الجزيرة العربية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأت فتوحاتهم وتوسعت، وشكلوا أقليات في المجتمعات الجديدة التي استقروا بها وكانوا يحملون في دواخلهم فخرا لكونهم ينتمون لعرق النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أصحاب الدين الجديد الذي فتحوا به هذه البلدان، وكان هذا يشعرهم بالتميز على الآخرين، وقد تجسد هذا التميز في شكل التقسيم الاجتماعي الذي جعل العرب هم النخبة في البلاد المفتوحة، وجعل من قريش زعيمة العرب التي تقر فيها الخلافة.. وانعكس هذا على مسألة الزواج خوفا من أن تتورط المرأة العربية بدافع عاطفتها إلى اختيار زوج لا يناسبها في ظل هذه المعايير المجتمعية بما يهدد الأمان الاجتماعي بشكل عام، ومن ثَّم، كان من غير المحبذ خروج المرأة من بيتها حتى لا تختلط بالأجانب (المسلمين غير العرب)، كذلك كان من الضروري أن تتقوى سلطة الولي. ونجد مثلاً أنه رغم أن أبا حنيفة كان الوحيد الذي جعل للكبيرة البالغة حق اختيار الزوج ومباشرة عقد الزواج بنفسها، فإنه نفسه جعل للأولياء حق الاعتراض على الزواج لدى القاضي ومن ثم فسخ العقد إن هي زوجت برجل غير كُفء لها67.
وتنفق كتب الفقه فصولا كثيرة لتبيان المحرمات من النساء وما يجوز الجمع بينه وما لا يجوز مميزين بين عدد كبير من الحالات والوقائع والتفصيلات، التي تدور حول واقعة العقد والوطء وما يترتب عليها ومتى يصح العقد ومتى يفسد.. وهكذا تورد تفاصيل تخطط أحداثا جامدة صارمة لا مجال فيها لحس أو شعور ، والأهم أنها جميعها يغيب فيها صوت المرأة تماما، فهي على الدوام المفعول به وفيه، فلا هي متحدث ولا هي فاعل ولا هي مخاطَب.
ويمكننا في المحصلة الإشارة إلى أمرين تعليقا على الاقتراب الفقهي من قضية الزواج ودور المرأة فيها:
1- إن الخطاب الفقهي، كأي خطاب بشري، يتأثر بسياقاته، والثقافة هنا هي السياق الأساسي الذي تدخل ليؤثر في طريقة الفهم والتأويل، ويتحايل على مضامين الخطاب الديني الأصيل ممثلا في القرآن والسنة الصحيحة ليقر معطيات هذه الثقافة، الأمر الذي نلمسه في أمور كبيرة جلية في تاريخ الفكر الإسلامي بوجه عام، ليس آخرها النقلة التي طرأت على شكل السلطة السياسية بعد عهد الخلفاء الراشدين، وكيف تم تقنينها من قبل المفكرين المسلمين آنذاك، أو محورية قضية النسب وتقديم النسب القرشي الذي جعلوه من شروط الإمام المسلم.. وعلى مستوى كتب الفقه نلحظ كيف جرى التوسع في تناول جزئيات العبادات والمعاملات مقابل إغفال قضايا الإمامة بشكل عام وترحيلها إلى كتب التوحيد، في الإطار نفسه جاء تناول قضايا المرأة، في ظل ثقافة محملة بالحساسيات تجاه المرأة من ناحية، وقضايا الجنس من ناحية أخرى.
2- في النظرة للمرأة تغلب المنظور الجنسي الضيق على سائر الأبعاد التي يمكن من خلالها فهم وتقنين دورها كجزء من المجتمع المسلم ومن جمهور المؤمنين، ومن ثم جاءت المعالجة قاصرة تجزيئية، ومتناقضة داخليا في الوقت نفسه، ففي الكتابات التاريخية والسير التي تتناول أدوار أفراد المجتمع الإسلامي بوجه عام، نجد للمرأة حضورا ملموسا وفاعلا، لكن في تقنين حركة المرأة تغلب النظرة الجنسية التي تقصر مفهوم المرأة على حدود جسدها ذاته، فتنصب بالتقويم والتوجيه لهذا الجسد دون سواه. وعلى سبيل المثال يمكننا أن نقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي سنته حضورا واسعا لنساء يتحركن ويتفاعلن مع الرجال ويسألن فيما يخصهن دون حرج، وهي مواقف وأحاديث يتم الاستعانة بها في مواضع كثيرة لبيان الكثير من الأحكام، لكن هذه المواقف والأحاديث لا يتم الاعتبار بها حين الحديث عن قضايا مثل نقص المرأة أو ضرورة عزلها ووجوب طاعتها التي تقترب من حد العبادة لزوجها، ولنا مثل في حديث “العسيلة” السابق الإشارة إليه، إذ يعتد به عند تعريف النكاح وهل يشير إلى الوطء أو العقد، وهذا الحديث في ذاته يحمل صورة لامرأة جريئة تواجه الرسول وتشكو إليه بوضوح بصدد أمر بالغ الحساسية وتفعل ذلك على مرأى ومسمع من رجال أغراب عنها منهم أبو بكرالصديق وخالد بن سعيد بن العاص، ومع ذلك لا ينهاها الرسول ولا يجرم فعلها، بل يبتسم ويرد ردا فيه طرافة “حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك” وهي عبارة قد تحمل معاني كثيرة، لكنهم أجمعوا على تفسيرها بالجماع.
وفي المقابل، فإننا نلمس كيف يتحرر الخطاب القرآني من حساسية المسألة الجنسية، وكيف يتعرض لها بوضوح ليس فيه ظلال تحقير أو إدانة أو تضخيم ومبالغة، كذلك تتحرر نظرته للمرأة من نظرة “النوع” الضيقة التي تنظر للمرأة كأنها كائن منفصل متميز عن سائر الناس وعن جمهور المؤمنين.
إن القرآن يروي قصة يوسف وامرأة العزيز، كما يروي قصة ابنة شعيب مع موسى عليه السلام، وينقل صورا من بيت النبوة، فيلمح إلى المشاعر الإنسانية من حب ورغبة وغيرة، مشاعر قد تتواجد في نفس أي إنسان بحكم بشريته، ولا نجد في الخطاب الإلهي مايتوعد أو يلعن الإنسان على هذه المشاعر بل هو توجيه وبُشرى68، واستعداد دائم لقبول التوبة وتجديد الإيمان، الأمر الذي يتكرر منذ بدء الخليقة، منذ خلق آدم والقرار الإلهي باستخلافه في الأرض، ثم مخالفة آدم وزوجه الصريحة لله بعدم الأكل من الشجرة، فالأكل منها فالتوبة، فقبولها، فانتهاء الموقف مع التوجيه بأن الشيطان سيظل عدوا لآدم فعليه أن يتعلم الدرس.
لقد خلق الله الإنسان ويعلم طبيعته وضعفه، لذا قرر أنه “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا” (البقرة: 286) وأنه “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا” (الطلاق: 7)، كما كتب على نفسه التوبة “إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ” (البقرة: 160)
خاتمة- نحو دمج المقومات المعنوية في صميم البنية الثقافية والقانونية:
يثير النقاش السابق عدة أسئلة، فإذا كان البعد المعنوي ومراعاته هو جزء أصيل في بناء المنظومة الشرعية المنظمة للسلوك الإنساني بوجه عام كما نلمس في الخطاب القرآني، فإلى أي مدى تحقق ذلك في واقع عمليات التقنين والتشريع سواء في كتب التراث الفقهي أو في عمليات التقنين الوضعي المعاصر، لاسيما في قضايا المرأة التي يتسع فيها أفق الجانب المعنوي كما لمسنا آنفا؟، وكيف يمكن ضمان ذلك في التشريع والممارسة الإسلامية؟ وما الأفق الذي يمكن تخيله لمجتمع إسلامي يعاد بناء القوانين المنظمة للخلية الأساسية فيه -الأسرة- على مفهوم “المعروف” والتراضي والإحسان والفضل؟
لاشك أن الممارسة قد نهجت في كثير من الأحيان إلى اختزال الدين في عدد من الإجراءات الشكلية المفتقرة إلى ثراء التوجيه الإلهي وعمقه المعنوي القيمي، الأمر الذي نراه في قضية المرأة، وحسبنا معالجة الفقهاء المسلمين لقضية الزواج من حيث المعنى والمبنى والأحكام، لنكتشف الفرق الكبير بين خطابهم التجزيئي الشكلي الفقير والخطاب الإلهي المحيط. الفرق نفسه الذي يخلق فريقا متزايد العدد والعدة من الرافضين والطاعنين في الإسلام ككل من بوابة وضع المرأة فيه.
والواقع أن كاتبة هذه السطور لا تملك القدرة الكافية للمحاجة الفقهية أو القانونية، ولا تزعم امتلاك الأدوات التي بها يمكن رفع مستوى التشريع الوضعي والممارسة إلى مستوى الخطاب القرآني، فقط تملك وعيا بدقة الارتباط الطردي الوثيق بين الفهم الكامل المستوعب للتوجيه الإلهيٍ، وبين الحفاظ على الدين في ذاته واستمراره كبصائر وهدى ورحمة للمسلمين. ربما تظهر دراسات أخرى من تخصصات مختلفة تستطيع الاضطلاع بمهمة رأب الفجوة التشريعية بين القرآن من ناحية والقانون والواقع من ناحية أخرى.
وتشهد الساحة الثقافية اليوم بالفعل اجتهادات تحاول إعادة قراءة الفقه الموروث في ظل القرآن، وتحكيم المطلق في المنتج الثقافي التاريخي، وقراءة هذا المنتج الثقافي قراءة تعي سياقاته المختلفة السياسية والاجتماعية، وتعمل على تحجيم قضية التحريم والتحليل بردها إلى الله تعالى بالنص الصريح الذي لايحتاج إلى تأويل أو السنة النبوية التي لا يمكن أن تعلق بها شائبة ضعف، وتعيد اكتشاف منطقة “العفو” التي أقرها الله والرسول، يقول الله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ” (المائدة: 101)، ويقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئا وما كان ربك نسيا” وتعيد النظر في مسألة “سد الذرائع” التي بالغ الفقهاء في الأخذ بها، لا سيما فيما يتعلق بقضايا المرأة، والاستهداء بالمنهج القرآني بانفتاحه وشموله وفهمه واستيعابه للطبيعة والحياة الإنسانية بأبعادها كافة، والاستضاءة بهذا المنهج في كتابة الفقه الذي التزم حتى الآن بالشكل القانوني الجاف المختزل69.
وجنبًا إلى جنب مع قضية المراجعة والتجديد الفقهي، تبرز أهمية تفعيل دور المرأة المسلمة الواعية، سواء في الحياة العامة بوصفها فاعلاً أساسيّا في عمليات التربية والتنشئة المختلفة، بحيث تعمل على غرس ورعاية الضمير والروح الديني في نفوس من حولها من أبناء وإخوة وزوج، أو دورها في إنتاج وتجديد الثقافة بوصفها الأكثر إدراكا وإحساسا بالغبن من اختزال وجودها الإنساني المتعدد الجوانب في الجسد. ومن ثم ينشأ وعي اجتماعي عام ثري في ذاته لديه قابليات النظر الكلي العميق النافذ إلى روح الدين غير الواقف لدى جزئياته يحركها ويعيد ترتيبها حسبما يقتضي هواه وحسبما تقتضي الأعراف والثقافة السائدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* دكتوراه في العلوم السياسية، وعضو جمعية دراسات المرأة والحضارة.
المصادر:
1– البقرة: 195 – آل عمران:134 ، 146 – المائدة: 13 ،93
2– البقرة: 222
3 – البقرة: 222
4 – آل عمران: 76 – التوبة: 4 ، 7
5 – آل عمران: 146
6 – آل عمران: 159
7 – المائدة: 42 – الحجرات: 9 – الممتحنة: 8
8 – التوبة: 108
9 – الصف: 4
10 – البقرة: 190 – المائدة: 87
11 – البقرة: 205 – المائدة: 64 – القصص: 77
12 – البقرة: 276 – آل عمران: 32 – الروم: 45
13 – آل عمران: 75 ، 140 – الشورى: 40
14– النساء: 36 – لقمان: 18 – الحديد: 23
15 – النساء: 107 – الأنفال: 58 – الحج : 38
16 – النساء: 148
17 – الأنعام: 141 – الأعراف: 31
18 – النحل: 23 – القصص: 76
19 – يتكرر في الآيات: الأعراف: 203 ، القصص: 43 ، الجاثية: 20
20 – د.منى أبو الفضل، المرأة في القرآن: ملاحظات منهجية ،محاضرة غير منشورة ،جمعية دراسات المرأة والحضارة ،أغسطس 201.
21 – يفسر قوله تعالى “فأتوا حرثكم أنى شئتم” بمعنى كيفما شئتم أو أينما شئتم، وقد أثار هذا جدلاً باعتبار نهي النبي الصريح عن الوطء من الدبر، ويرى الأستاذ جمال البنا أن “أنى” هنا تشير للزمان بمعنى متى شئتم أو في أي وقت، كما في قوله: “أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله..” (البقرة: 259)، وقوله: “فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم” (محمد: 18). و “أنى” بهذا المعنى لاتدع سبيلا للجدل المذكور. نحو فقه جديد، الجزء الأول ،ص 124 – 125.
22 – انظر الآيات : 228 – 229، و 231 – 236 و 240 و 241 من سورة البقرة. والآيات 19 و 25 من سورة النساء، والآية 32 والآية 12 من سورة الممتحنة والثانية والسادسة من سورة الطلاق.
23 – البقرة: 178
24 – البقرة: 180 ، النساء: 8
25 – البقرة: 235 ، النساء: 25
26 – النساء: 19
27 – البقرة: 229 ، 231 ، 232 ، 233 ، 234 ، 236 ، 241 – الطلاق: 2، 6
28 – البقرة: 240
29– انظر الآيات: التوبة: 71 ،72 – الفتح: 5 – الحديد: 12 – نوح: 28 – البروج: 10
30 – الفتح: 25
31 – جمال البنا ،نحو فقه جديد ،الجزء الأول ،ص 106
32 – الآيات: (البقرة: 187، 229 ، 230 – النساء: 13 ،14 – المجادلة: 4 ، الطلاق: 1)
33 – يميز الفقهاء بين موضوعين رئيسيين للفقه، هما العبادات التي تشمل الصلاة والزكاة والصيام والحج وما يتعلق بها من المسائل كالطهارات، ثم العادات أو المعاملات وهي تشمل جميع المعاملات الشرعية والجنايات والجهاد والمواريث والقضاء، وتختلف المدارس الفقهية في تفاصيل هذا التقسيم، حيث يجتمعون على القسم الخاص بالعبادات، ويختلفون دونه، فالشافعية مثلا يقسمون الأحكام الشرعية المتعلقة بأمر الدنيا ثلاثة أقسام، قسم يعالج بقاء الشخص مثل معاملات البيع والشراء، وقسم لبقاء النوع وهي عقود الزواج وحقوق الأولاد والأقارب، وقسم لحفظ النظام والأمن وهي العقوبات. أما فقهاء الحنفية فيقسمون المعاملات إلى: المعاوضات المالية ،الأمانات ،الزواج وما يتصل به ،المخاصمات والتركات ،ويميزون بينها وبين العقوبات التي تشمل القصاص وحد السرقة وحد الزنا وحد القذف وعقوبة الردة عن الإسلام. محمد محمد
فرحات ،المدخل لدراسة الفقه الإسلامي (تاريخ التشريع) (القاهرة : دار النهضة العربية ،2000) ص 13- 15 .
34 – البقرة: 21 – النساء: 22 – الأحزاب: 53
35 – البقرة: 230
36 – البقرة: 232
37 – البقرة: 235 ، 237 – النساء: 6
38 – النساء: 3 – النور: 32
39 – النساء: 22
40 – النساء: 25 – النور: 3
41 – النساء: 25
42 – النساء: 127 – الممتحنة: 10
43 – النور: 33 ،60
44 – القصص: 27
45 – الأحزاب: 49
46 – الأحزاب: 50
47 – في معنى كلمة نكح ،ورد في لسان العرب (الجزء الثاني ص: 625- 626) مادة نكح، ما يلي:
نكح فلان امرأة ينكحها نكاحا إذا تزوجها، ونكحها ينكحها باضعها أيضا وكذلك دحمها وخجأها، وقال الأعشى في نكح بمعنى تزوج..، وقوله عز وجل “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك” تأويله لا يتزوج الزاني إلا زانية وكذلك الزانية لا يتزوجها إلا زان، وقد قال قوم معنى النكاح ههنا الوطء فالمعنى عندهم الزاني لا يطأ إلا زانية والزانية لايطؤها إلا زان، قال وهذا القول يبعد لأنه لا يعرف شيء من ذكر النكاح في كتاب الله تعالى إلا على معنى التزويج قال الله تعالى: “وأنكحوا الأيامى منكم” فهذا تزويج لا شك فيه وقال تعالى: “ياأيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات”، فاعلم أن عقد التزويج يسمى النكاح. قال الأزهري أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزوج نكاح لأنه سبب للوطء المباح، ..وقد يكون للعقد، تقول نكحتها ونكحت هي أي تزوجت، وهي ناكح في بني فلان أي ذات زوج منهم. قال ابن سيده النكاح البضع وذلك من نوع الإنسان خاصة.. وكان الرجل في الجاهلية يأتي الحي خاطبا فيقوم في ناديهم فيقول خطب أي جئت خاطبا فيقال له نكح أي قد أنكحناك إياها. قال الجوهري النكح ..هي كلمة كانت العرب تتزوج بها.. ويقال نكح المطر الأرض إذا اعتمد عليها ونكح النعاس عينه وناك المطر الأرض وناك النعاس عينه إذا غلب عليها وامرأة ناكح بغير هاء ذات زوج.. أي ذات نكاح يعني متزوجة كما يقال حائض وطاهر وطالق أي ذات حيض وطهارة وطلاق..
48 – منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، كشف القناع عن متن الإقناع ،تحقيق هلال مصيلحي مصطفى هلال (بيروت: دارالفكر، 1402هـ) الجزء الأول ،ص 6.
49 – حسين بن محمد المحلي الشافعي، الإفصاح عن عقد النكاح على المذاهب الأربعة، تحقيق: على محمد معوض وعادل أحمد عبد الجواد (حلب:دار القلم العربي، 1995 ) ص 24
50 – علاء الدين الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (بيروت: دار الكتاب العربي، 1982)، الجز الثاني ،ص 229
51 – ابن كثير ،تفسير القرآن العظيم ،دار إحياء الكتب العربية ،المجلد الأول ،ص 267 – 268
52 – محمد بن علي بن محمد الشوكاني ،نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح منتقى الأخبار (بيروت: دار الجيل ،1973) الجزء السادس ،ص 227
53 – عبد الله بن أحمد بن قدامة ،المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل (بيروت: دار الفكر ،1405 هـ) الجزء السابع ،ص 3
54 – بدائع الصنائع، ج2 ،ص 228
55 – قسم الفقهاء مجال العادات أو المعاملات إلى خمس مناطق هي: الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة، فأدخلوا بذلك جميع الأفعال في إطار الأحكام، بما فيها ما ينتمي لمنطقة الإباحة.
56 – الإفصاح عن عقد النكاح ،ص 29، 30
57 – بدائع الصنائع ،ج 2 ،ص230
58 – المغني ،الجزء السابع ،ص 6
59 – شيماء الصراف، أحكام المرأة بين الاجتهاد والتقليد.. دراسة مقارنة في الشريعة والفقه والاجتماع (باريس: دار القلم ،ط1 ،2001 ) ص22 – 23
60 – انظر أيضا الباب المتعلق بكتاب النكاح في “الأم” للشافعي (بيروت: دار المعرفة ،1393هـ) الجزء الخامس بدءا من ص3
61 – الإفصاح عن عقد النكاح ،ص63
62 – شيماء الصراف ،مرجع سابق ،ص25
63 – بدائع الصنائع ،الجزء الثاني ،ص275
64 – المرجع السابق ،ص287
65 – المرجع السابق ،ص288
66 – الإفصاح عن عقد النكاح ،ص91 : 94
67 -انظر حول ذلك: شيماء الصراف ،مرجع سابق ،ص 28 – 35
68 – وفي حالة الخلاف الذي دب في بيت النبوة يكفي أن نقارن خطاب القرآن لزوجات النبي اللائي تظاهرن ضده وهو النبي (التحريم: 4 – 5) وبين كم الأحاديث الموضوعة التي تحكم على المرأة باللعنة والطرد من رحمة الله نهائيا إن هي عبست في وجه زوجها أو خالفت له أمرا أو خرجت من البيت، ناهيك عن أن تغضبه أو تمنع عنه مالها أو نفسها، وينسب الرواة حديثا للنبي عن علي بن أبي طالب يقول: “لو أن امرأة طبخت ثدييها وأطعمتهما زوجها ما أدت حقه”!
69 – انظر مثلا المحاولة القيمة للدكتور جمال البنا في مؤلفه ذي الأجزاء الثلاثة “نحو فقه جديد” (القاهرة: دار الفكر الجديد، 1996) وحول خصائص الخطاب القرآني ومنهج التعامل معه، انظر: منى أبو الفضل، نحو منهاجية للتعامل مع مصادر التنظير الإسلامي بين المقدمات والمقومات (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996).