الأمومة في الإسلام
مميزاتها وأثرها في اختلاف الأدوار والأحكام*
د. شوقي الأزهر**
أ. خديجة تمعزوستي***
تمهيد:
إن الأمومة ولوازمها[1] من أهم ما يكيف حقيقة الأنوثة ويميز بين الذكر والأنثى على المستوى البيولوجي والنفسي والاجتماعي. وقد اعتبرت نصوص الوحي الأمومة جانبًا محوريًا من أدوار المرأة الاجتماعية المتنوعة. إلا أن مسألة الأمومة ظلت أسيرة توجهات فكرية تهمش الأمومة وتقلل من شأنها في تحديد مكانة المرأة. فلا ترى للمرأة من ازدهار وشأن إلا في انخراطها وارتقائها في الوظائف المختلفة وتنافسها للرجال فيها، بل ترى الأمومة عائقًا في وجه المرأة. وأصبح التقدم العلمي والتكنولوجي يساعدها على تخطيه باستئجار رحم يحمل جنينها، بل أخذ العلم يتوجه إلى النظر في إمكان زرع الرحم للرجل![2]
فأصبحت وظيفة المرأة البيولوجية تعتبر من مكبلات المرأة التي تحول دون ازدهارها ومشاركتها الاجتماعية، وبالتالي من أسباب دونيتها عن الرجل، كما ذهبت إليه بعض الاتجاهات النسوية[3]. وهو مما يفسر تهميش قضية الأمومة في دراسات المرأة المعاصرة[4].
وقد اعتبرت شولاميته فايرستون (Shulamith Firestone)، إحدى منظرات النسوية الراديكالية، أن المرأة مهما تبلغ من مساواة مع الرجل على الصعيد التربوي والحقوقي والسياسي، ومهما كان عدد النساء المنخرطات في المجال العام؛ لن يتغير شيء ذو بال في حقها ما دام التناسل الطبيعي هو السائد. ورأت أن التناسل الطبيعي ليس في مصلحة المرأة ولا الأطفال، وأن متعة الولادة المزعومة، المروج لها، ما هي إلا أسطورة ذكورية. وما “الحمل، في الحقيقة، إلا شيء وحشي”، “وإنجاب الأطفال بالطريقة الطبيعية هو في أحسن الأحوال ضرورة تُتَحمل”[5]. ولقد تأثرت كثير من المجتمعات العربية ببعض جوانب هذا التصور بحكم تبعيتها الثقافية للغرب وإن تظاهرت بمظاهر الإسلام[6].
وإذا صارت وظيفة الأبوين متماثلة في التصور الغربي السائد، مما جعل مقتضيات الأمومة والأبوة تتشابه، بل تتمازج، فتصبح الأمومة عديمة الأثر في حياة المرأة فضلًا عن أن تكون مما يميزها عن الرجل، فإننا نجد في المقابل بعض الفقهاء والعلماء المسلمين يختزلون الأنوثة في الحمل والرضاعة والتربية، وكأن مهمة المرأة في الحياة لا تتجاوز وظيفتها كأم. فبالغوا في تضخيم وظيفة الأمومة حتى اختزلوا فيها الأنوثة، فصاروا لا يرون للمرأة دورًا سوى مسؤوليتها تجاه الخلية الأسرية، مما أفضى إلى تصورات مغلوطة عن دور المرأة في الحياة. وهذا التضارب بين التصورات الغربية الحديثة ومآلاتها وتداعياتها الواقعية وبين بعض التصورات المنتسبة إلى الإسلام، يشير إلى مركزية مفهوم الأمومة في إشكاليات قضية المرأة.
ومن هنا تأتي أهمية النظر في حقيقة الأمومة وخصائصها ولوازمها في فهم اختلاف الأدوار والأحكام بين المرأة والرجل في التصور الإسلامي، وفي تحديد نسبة وكيفية مساهمة الأمومة في معنى الأنوثة واشتراكها في تحديد مكانة المرأة.
وإذا كان جنس الأنثى هو مقر تخلّق الإنسان وتكوينه، فما هو تأثير ذلك في اختلاف المرأة عن الرجل من حيث النظر إلى الطفل والتعلق به، وبالتالي تأثير كل ذلك على وظائف كل منهما في الحياة؟ وهل ينبغي أن تكون الأمومة وظيفة ملازمة للأنوثة أم هي شيء ثانوي أو تكميلي، بل يمكن تجاوزه، كما آلت إليه بعض التصورات في الغرب الحديث؟ والأنوثة في المنظور الإسلامي تتأسس على مبدأين: أصل إنسانية المرأة، وتكوينها الذي يؤهلها لحمل الحياة، فلا يمكن أن تتأسس وظيفة المرأة في الحياة إلا على هذين البعدين معًا. وبالتالي فإن كان المصير البيولوجي للمرأة يحدد جزءًا من مفهوم الأنوثة في الإسلام، فإن ذلك المصير حينئذ يحدد جزءًا من وظيفتها في الحياة ولا يشملها. وإنما تتوقف مهمتها في الحياة عما تقتضيه إنسانيتها وجنسها في نفس الحين.
ومن هنا تحاول هذه الدراسة كشف بعض الستار عن تأثير الأمومة على مهمة المرأة في الحياة، وأثرها في اختلاف الأدوار والأحكام بين المرأة والرجل في التصور الإسلامي.
أولًا: مرحلة الحضانة الرحمية والطفولة المبكرة
أ. التقلبات البيولوجية أثناء الحمل
تبدأ مسيرة الإنسان في الحياة الدنيا بالمرحلة الرحمية، وهي مرحلة أساسية تتوقف عليها سلامة الإنسان في تكوينه، فكل ما يطرأ على جسم المرأة خلال هذه المرحلة يساهم في حفظ الجنين. وأول محيط ينمو فيه الإنسان ينبئ بأول مميزات الأمومة.
إن جسد المرأة بأكمله يتهيأ لاستقبال النطفة البشرية؛ و”يمد الرحم الجسم بأكمله بكميات لا عهد له بها من قبل من هرمون الحمل البروجسترون […] يتغير الرحم تغيرًا هائلًا أثناء الحمل، كل طبقاته تساهم في ذلك التغير […] كما تساهم مساهمات فاعلة في تكوين المشيمة التي تغذي الجنين وتمده بالغذاء والأكسجين […] ولا تكتفي بذلك، بل تمنع عنه وصول الميكروبات والمواد الضارة”[7].
فالرحم يهز كيان المرأة بأكمله[8]، وكل ذرة من ذرات الجسد تشعر بالحمل فتشارك في هذه التغيرات التي تهيئ لاستقباله وحماية نطفة الإنسان. وهذه التغيرات تحدثها الهرمونات التي تُعِد الجسد لذلك الاستقبال، وخاصة الهرمون الجنسي الذي يكون نشاطه شديدًا ليحمي البويضة من أن يلفظها الرحم[9]. ومن ناحية أخرى يفرز جسد المرأة هرمونًا يسمى بالأوكسيتوسين (Ocytocine) لحماية النطفة التي تنمو في جسدها، ويعتبر هذا الهرمون هرمون التعلق والحب والعلاقة الاجتماعية[10] الذي يهيئ الأم ويدفعها إلى التعلق بالجنين[11]. والغالب على جسد الإنسان رفضه كل الأجسام الغريبة عنه، وجسم المرأة يستثنى من هذه القاعدة بعدم رفضه النطفة فحسب، بل إنه ينسجم معها ويسعى إلى حفظها، وهو المشار إليه في قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ) [المؤمنون: 13].
وتتأكد أهمية الرحم عند تأمل العبارة المستخدمة لبيان ذلك المكان الذي تنمو فيه نطفة الإنسان وهي (قَرَارٍ مَّكِينٍ)، لأن “كلمة قرار لا تشير إلى مجرد مكان فحسب، بل تشير إلى أكثر من ذلك، فهي تعني أن الرحم بمثابة مكان سكن آمن لاستقرار الجنين وراحته فهو بمثابة مكان سكن للنطفة”[12]. فإذا علمت وظيفة الرحم وأهميته وما وضع لأجله من مقاصد في حفظ الجنين، أمكن تشخيص بعض المقاصد التي ينبغي للمرأة السعي إلى رعايتها أثناء الحمل وبعده من حفظ الطفل ماديًا ونفسيًا، مما يندرج تحت وظيفتها العامة. فإن الأم والطفل أثناء الحمل يمثلان وحدة لا تحفظ أجزاؤها إلا إذا حفظت جملتها، فحفظ الطفل لا يكون بمعزل عن حفظ الأم التي تحمله لأن “الجنين كالرضيع يعتمد تمامًا على ما تقدم له أمه”[13].
فجسد المرأة يحمل ويغذي ويحمي الجنين خلال تسعة أشهر، فتشعر بهذا الكائن الذي ينمو ويتحرك في بطنها، وتتعلق به بعد أن أصبح جزءًا منها وعضوًا من أعضائها. فتتولد علاقة قوية بينهما وتنتهض لدى الأم الغريزة الأمومية. والصلة بين الأم وطفلها تتولد عند كل امرأة حامل وإن كان الحمل حاصلًا ببويضة غير بويضة الحامل، لأن العامل الأساسي هو حمل الجنين[14]. وإن بدأت العلاقات المبكرة بين الأم وطفلها في مطلع فترة الحمل الجسدي، إلا أنها كانت موجودة قبل ذلك ضمن ما أطلق عليه “الحمل النفسي”، فكان التعلق ضاربًا بجذوره في أصل الشوق إلى الولد[15]. فمرحلة الحمل ليست مرحلة احتواء مادي للجنين فحسب، بل هي مرحلة احتواء مادي ونفسي، مما يبرز أول الفروق بين الأبوة والأمومة.
والاهتمام التدريجي والمتزايد الذي توليه الأم للجنين خلال الحمل باعتباره شخصًا متميزًا عنها يشكل بوادر التعلق المستقبلي بين الأم والطفل، ويمكّن من وضع أسس تكوينٍ محددٍ من ’التأمم‘ (Maternage)[16].
وهذا ما تعبر عنه التغيرات والاضطرابات التي يتعرض لها جسد المرأة أثناء الحمل والتي قد تؤول بها إلى ضعف وشيء من المعاناة يجب مراعاتهما في فترة الحمل. فإذا كانت وظيفة المرأة أثناء الحمل شديدة الارتباط بحفظ الجنين، فإن ذلك لا يتحقق بالاستغناء عن المحيط الذي يوفر لها الظروف المناسبة لأداء هذه الوظيفة.
إذا كان مقصد حفظ النفس البشرية ماديًا ومعنويًا[17] هو أعلى المقاصد في الإسلام بعد مقصد حفظ الدين، فإن هذا المقصد يظهر أول ما يظهر في المرحلة الأولى التي يمر بها الإنسان في حياته الدنيا، وهي حياته داخل الرحم. فإن الإنسان خلال هذه المرحلة يتكون في جسد المرأة الذي يمثل أفضل بيئة يمكنه العيش فيها على هذا الوضع. من هنا كانت رعاية الأم وحفظها أثناء الحمل من الوسائل الضرورية لحفظ النفس، مما يستدعي بعض الخصوصيات في الأحكام، فوجب أن تكون الأم آمنة ومطمئنة جسديًا ونفسيًا أثناء الحمل لأجل استقرار الجنين وتنميته السليمة، ولذلك رأينا العناية الإلهية تتوجه إليها بالاهتمام الوافر. فقد حثت الشريعة على حفظ المرأة أثناء الحمل من كل الوجوه لأجل حفظ الجنين بأسباب البقاء والقوة. وهذا الحفظ يتم من جهة الوجود ومن جهة العدم، بتعزيز أسباب قوة الطفل ودفع ما من شأنه أن يلحق به الضرر، وهو ما نبينه فيما يلي:
حفظ الجنين بحفظ الأم جسديًا ونفسيًا
إن المرأة أثناء الحمل تتعرض لتغيرات جسدية[18] لا تهون على كيانها، وقد تصاب خلال هذه المرحلة الطويلة بمتاعب جسدية، وهو ما جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا) [الأحقاف: 15]. أي “قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبًا من وِحام وغثيان وثقل وركب إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة، “ووضعته كرهًا” أي بمشقة أيضًا من الطلق وشدته”[19]. وقال تعالى في آية أخرى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ) [لقمان: 14].
وباعتبار ما تعانيه المرأة من مشاق أثناء الحمل جاءت الأحكام الشرعية تراعي هذا الوضع الذي تعيشه المرأة حفاظًا على سلامتها وسلامة الجنين. وقد تجلت هذه المراعاة في سائر الأحكام الشرعية من عبادات وزواج وطلاق وميراث وحدود وغيرها، ولا تتسع هذه الدراسة للنظر في سائرها، وحسبنا أن نأخذ بعض النماذج لتقرير ما نحن بصدده.
من الأحكام التي وضعت لمراعاة أوضاع الحامل رخصة الفطر في شهر رمضان، كما في حديث أنس رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم -قال: “إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام”[20]. وقد يكون هذا الحكم ملزمًا في حالة أن يترتب على الصوم خطر على حياتها أو حياة الجنين. إن الجنين يعيش في بطن أمه ويستخرج من هذا المحيط كل ما يحتاج إليه من غذاء، فنموه متوقف على صحة وتوازن هذا المحيط. وهذا يرجع في بعض جوانبه إلى حسن تغذية الأم، وسوء تغذيتها يعود بالآثار السلبية على الجنين ونموه، كما قد يكون سبب موته عند الولادة. وقد يؤدي إلى تعطل نموه واضطرابات في التعليم في مرحلة الطفولة[21]. فتلبية الحاجات المادّية للجنين ضرورية لنموّه السويّ لأن الحمل متصل بالحامل، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها. ومن هنا جاءت الأحكام ترخص للحامل أن تفطر في شهر رمضان أو تلزمها بذلك مراعاة لوضعها وحالتها الصحية أثناء الحمل.
ولا يتوقف حفظ الجنين على تغذية الأم فحسب، بل ينبغي مراعاة وضعها العام، فقد بيّنت بعض الدراسات أن أوضاعًا اجتماعية واقتصادية معينة قد تتسبب في ولادة مبكرة. ومن هنا جاءت الشريعة ساعية إلى توفير الظروف الآمنة للحامل. ومن ذلك فرض النفقة ووجوب تلبية سائر حاجاتها المادية على الزوج، حتى في حالة الطلاق إلى أن تضع حملها، وهو ما جاء صريحًا في قوله تعالى: (وَإِن كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) [الطلاق:6]. ذلك أن الانشغال النفسي والمادي بالسعي إلى كسب الرزق يحمل ما يحمل من القلق والتعب الزائد عن التعب الذي يسببه الحمل، وقد يتسبب في إصابة الجنين بالتشوه والإعاقة[22]. فجاءت الشريعة تحفظ الجنين بدفع كل ما من شأنه أن يضر بصحة الأم ماديًا أو نفسيًا.
أما فيما يتعلق بالصحة النفسية، فإن الحامل تتعرض إلى تغيرات مزاجية[23] بسبب التغيرات الفسيولوجية التي تحدث خلال هذه المرحلة، فتتراوح بين الفرح والحزن والاكتئاب، كما تكون سريعة التأثر والانفعال مما قد يؤول بها إلى الشعور بالخوف والقلق. وقد تشعر بالقلق والخوف لأسباب متعددة كالتفكير في الولادة وفي صحة الجنين ومستقبله، مما قد ينتهي بها إلى اضطراب وشلل في الحركة. والظاهر أن أفكار الأم وأوضاعها النفسية لا تنتقل إلى الجنين، من حيث عدم وجود اتصالات عصبية مباشرة بينهما، لكن القلق والمشاعر المضطربة يسببان جملة من ردود الفعل الهرمونية التي تؤثر في التدفق الدموي في الرحم والتي تسبب تغيرات أخرى ذات آثار مباشرة على محيط الجنين الرحمي[24]. ويبدو كذلك أن الجنين متأثر بجملة الحالة النفسية للأم[25].
كما أن تلك الحالة النفسية تؤثر من جانب آخر في الجنين، وهو الجانب النفسي الذي يؤهل الأم للأمومة، فإن الحمل هو المرحلة التي يتم فيها الإدماج النفسي والجسمي من قبل الأم للكائن الذي تحمله لتتولد عندها الغريزة الأمومية وتكتسب المؤهلات خلال الفترة التي سماها وينيكوت (Winnicot) “الانشغال الأمومي الابتدائي”[26] (Préoccupation Maternelle primaire). فمرحلة الحمل تؤهل المرأة نفسيًا لأن تصبح أمًّا، كما يتم فيها تشكيل العلاقة التي تربطها بالجنين، مما يدفعها إلى رعايته على أحسن الوجوه في مرحلة تكوينه.
فمن أجل حفظ الجنين في مرحلة الحمل كانت الحامل في حاجة إلى عناية واستقرار وأمن. والشعور بالأمن من حاجات الإنسان الأساسية، وخاصة في هذا الوضع بحكم هشاشة المرأة فيه، وحيث يتأثر الجنين بكثير مما تتأثر به أمه. فلا بد للمرأة في هذه المرحلة من البيئة والمحيط الآمن والأقارب المعتنين. “فعلاقتها بالأب وبأقاربها توفر لها الشعور بالأمن وبأنها محبوبة”[27]. فبقدر شعور الأم بالاستقرار والسعادة بقدر ما يحفظ الجنين ويكون اهتمامها به أكبر والعلاقة بينهما أقوى. وفي بعض ما ورد من النصوص الشرعية تثبيت للحامل وترويح لحالتها النفسية، كما فيما يروى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “المرأة في حملها إلى وضعها إلى قضائها كالمرابط في سبيل الله فإذا ماتت فيما بين ذلك فلها أجر شهيد”[28].
ومن جانب آخر جاءت بعض الأحكام الشرعية تدفع ما قد يشغل المرأة عن الحمل أو يضعفها أو يوقعها في اضطراب أو خوف، سعيًا إلى توفير الظروف الملائمة اعتبارًا لهشاشتها. ومن هذه الأحكام إلزام الشريعة الزوج بالنفقة على الزوجة ورعايتها المادية والمعنوية. فإن الشريعة أعفت المرأة الحامل من الاهتمام والتفكير في تلبية حوائجها المادية، فإن الاهتمام بذلك فوق رعاية الحمل من شأنه أن يفضي إلى مزيد من القلق والاضطراب النفسي، مما قد يضر بالجنين[29]. وبهذا تتبين أهمية الزوج في توفير العناية المادية لتؤدي الأم وظيفة الحمل على أحسن الوجوه. ولذلك حرصت الشريعة على تحقيق هذه العناية ولو في حالة النزاع. وبأن المرأة أشد حساسية ورقة وهشاشة في الشعور أثناء الحمل، فإن من شأن الفرقة الزوجية أن تثير التفكير والاضطراب مما قد يعود على الجنين بالضرر كما سبق، فمن هنا وجب على الزوج النفقة والسكنى حتى تضع حملها، مما يغنيها عن الاهتمام بحوائجها المادية ويكفل لها شيئًا من الراحة النفسية. وهذه المسؤولية المادية للأب تجاه زوجته توحي بمسؤوليته عن الجنين المنتسب إليه كذلك، كما جاء في قوله تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 233].
ومن الناحية النفسية، فإن التزام الأب بواجبه تجاه الأم وجنينها يجعلها لا تشعر بالإهمال، فشعورها بالإهمال في تلك الحالة من الهشاشة النفسية من شأنه أن يلحق بها ضررًا نفسيًا يمكن أن ينتهي بها إلى التخلي عن رعاية جنينها وصيانته[30]. ومن جهة أخرى فإن بقاء المرأة تحت عصمة زوجها حتى تضع حملها من شأنه أن يقلل اضطرابها النفسي بما يربي لديها من أمل الرجعة واستمرار الحياة الزوجية. فهذا الأمل الذي تحدثه العدة يقلل من الآثار السلبية التي يسببها الطلاق أثناء الحمل.
وهكذا يتبين باستقراء الأحكام المتعلقة بالحامل أنها تقصد إلى التيسير عليها وتحقيق الراحة والسكينة والإحساس بالكائن الذي ينمو في جسدها، كما تقصد إلى ترسيخ الشعور بالمسؤولية تجاه الجنين لدى الأبوين من بداية نشأته، وكل ذلك من أجل حفظ النسل.
إذا جاءت الشريعة بأحكام خاصة بالحامل تقصد إلى حفظ الجنين ماديًا حتى يولد سليم الجسد مؤهلًا للحياة خارج الرحم، فإنها لم تتوقف عند هذا الحد، ذلك أن الحياة البشرية السوية لا تتوقف عند الجانب الجسدي فحسب، بل لا بد أن تجد خارج الرحم مهدًا للراحة والاطمئنان النفسي. ونبين فيما يلي جانبًا من حفظ الشريعة للمستقبل النفسي للجنين حتى يولد الطفل في محيط يضمن له السلامة النفسية المطلوبة.
من أحكام الشريعة التي تقصد إلى حفظ المستقبل النفسي للجنين وجوب العدة على المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها. فمن أسباب وجوب العدة على المرأة دون الرجل براءة الرحم من الحمل، وفي ذلك حماية للمرأة في حال وجود الحمل كما تقدم، وحماية للجنين، كما يشير إليه قوله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) [البقرة: 228]. فإن المرأة ولو رضيت بالفراق، فلا يجوز لها أن تكتم الحمل لتخرج من عصمة الزوج قبل أن تضع حملها.
ولعل ذلك مما قصده النبي – صلى الله عليه وسلم – حين قال: “لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره”[31]. وعلى أي حال فإن مصلحة العدة لا تقتصر على المرأة فحسب، بل تتعداها إلى الجنين. فالعدة وسيلة من وسائل حفظ نسب الجنين وتعزيز اعتراف الأب به وكفالته له. فمن شأن العدة أن ترفع الشك عن نسب الطفل وذلك مما يحمي مستقبله النفسي السليم من حيث شعوره بالانتماء إلى أصوله مما يعزز انتماءه إلى المجتمع.
أما شك الولد في نسبه أو جهله به فإنه قد يسبب له اضطرابات نفسية في مستقبله. فالحفاظ على النسب كما يقوله الدكتور النجار “يتضمن من المغازي الاجتماعية والنفسية والصحية ما يكون به النسل أقوى وأقدر على الاستمرارية والبقاء، كما أنّ الأنساب المحفوظة تقوّي من الانتماء الاجتماعي للفرد، كما تقوي نفسيًا من الشعور بالثقة بالنفس”[32].
فحفظ نسب الطفل وتأكيده يحيي فيه الثقة بنفسه ويساهم في بناء هويته على أساس معرفة أصله، فهذه المعرفة أساسية لتحقيق شخصية متوازنة[33]. ومن جهة أخرى فإن العدة تقوي إمكانية استمرارية الزواج ليحيا الطفل في أسرة مكونة من أب وأم. فالعدة كما سبق، فيها أمل عودة الحياة الزوجية. وبما أن الطلاق لا يتم إلا بعد مجيء الطفل إلى الحياة، فإن هذه الولادة فيها دافع إضافي لعدم تدمير الأسرة الناشئة. فإذا كانت الأم تحس بالكائن الذي ينمو في جسمها مما يجعلها تفكر في مستقبله وتخطط له، فإن الأب ليس له ذلك الشعور، بل قد يعتبره وهمًا أثناء الحمل. لكن هذا التصور أو تلك الغفلة تزول تمامًا مع ولادة الطفل ورؤيته، فينتقل ما كان في حيز الخيال إلى حيز الحقيقة. فولادة الطفل من شأنها أن تشعر الأب بمسؤوليته تجاهه، وقد يكون ذلك سببًا في تصالح الزوجين من أجل مصلحة الطفل، وقد تحيي بذلك المودة التي كانت بين الزوجين. وهو مما يُلتمس في قوله تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ) [البقرة: 228]. يقول رشيد رضا في تفسير المنار نقلًا عن شيخه: “وإذا كانا قد رزقا الولد فإن الندم على الطلاق يسرع إليهما؛ لأن الحرص الطبيعي على العناية بتربية الولد وكفالته بالاشتراك تغلب بعد زوال أصر المغاضبة العارضة على النفس، وقد يكون أقوى إذا كان الأولاد إناثًا؛ لهذا حكم الله تعالى لطفًا منه بعباده بأن بعل المطلقة، أي زوجها أحق بردها في ذلك، أي في زمن التربص وهي العدة”[34]. فمن أهم أسباب الحكم بانتهاء العدة بوضع الجنين إبقاء أمل الصلح بين الزوجين لينشأ هذا الطفل في أسرة مكونة من أب وأم، لأنه في حاجة إليهما معًا لتعزيز النمو السليم.
وعند استقراء الأحكام الشرعية المتعلقة بالحمل نجدها جاءت قاصدة إلى دفع كل ما من شأنه أن يلحق المشقة بالحامل وإلى التقليل مما قد يصيبها من اضطراب أو يشغلها عن رعاية وصيانة الجنين. وجاءت تلك الأحكام مراعية أوضاع المرأة الحامل الجسمية والنفسية والعقلية، رعاية من شأنها أن تيسر هذه المرحلة عليها وتهيئ لها السكون المطلوب لحفظ الترابط الناشئ بينها وبين ولدها حتى ينطلق في الحياة انطلاقة صحيحة سليمة. كما اهتمت الشريعة كذلك بالبيئة التي ستستقبل الطفل بعد ولادته، من خلال الأحكام التي شرعتها للحفاظ على الأسرة واستدامتها، حتى ينمو مزدهرًا متوازن الشخصية قوي الانتماء إلى مجتمعه. وكل ذلك له أثره البالغ في اختلاف المرأة والرجل في بعض الأدوار والأحكام كما تبين.
- مرحلة الطفولة المبكرة (Petite Enfance)
يعيش الجنين خلال تسعة أشهر في محيط يوفر له كل ما يحتاجه بطريقة طبيعية، ثم يغادر ذلك المحيط الآمن ويُدفع إلى العالم الخارجي. ومن أجل استمرار وجوده سليمًا ينبغي أن يوفر له هذا المحيط الجديد ما تعوّد عليه من أمن واطمئنان. ذلك أن الصبي يولد غير مكتمل ومعقدًا في طريقته في إقامة العلاقات وفي نظامه العلائقي[35] (Système relationnel)
ومن هنا كان الطفل في هذه المرحلة مفتقرًا إلى غيره في كثير من احتياجاته. وقد أبرزت بعض النظريات في علم النفس أهمية الاعتناء بالطفل جسمانيًا ونفسيًا، وبالخصوص في أوائل حياته كما سنبين لاحقًا.
إن حياة الرضيع تتوقف على غيره من حيث مقوماتها المادية، وبالإضافة إلى ذلك فهو في حاجة إلى من يصونه ويحفظه على المستوى النفسي. وقد أكد ﺃﻏلب علماء النفس على أهمية الظروف ﺍﻟﻌاطفية والوجدانية المناسبة في بناء هوية الطفل[36]. وأكبر الحاجات النفسية للطفل الصغير هي تحقيق علاقة متينة وآمنة، أي تحقيق التعلق (Attachement)[37] مع أمه أو من يحضنه، وهو ما يسمى بالشخصية الأمومية (Figure maternelle). ولقد أكدت نتائج بعض الدراسات في علم السلوك أن التعلق من الاحتياجات الأولية (Besoin primaire). كما اعتبر جون بولبي (John Bowlby) أن في تعلق الصبي بالشخصية الأمومية “ميل فطري ودائم إلى البحث عن العلاقة بالآخر”[38]، وقد طور بولبي نظريته في التعلق بما استلهمه من أعمال سبيتز (Spitz) واعتمادًا على الدراسات السلوكية. وقد اعتبر التعلق سلوكًا منبثقًا عن أسس بيولوجية وغرائزية تشابه تلك التي تعود إلى تلبية احتياجاته الأساسية. أما أينسورته (Ainsworth)، فإنه جعل التعلق الآمن (l’attachement sécurisé) شرطًا للانفتاح على ما سوى الأم، معتبرًا أن الأم تمثل في نفس الحين قاعدة الأمن التي، انطلاقًا منها، يكتشف العالم، والمعقل الذي يلجأ إليه في حال الخطر[39].
فالتعلق حاجة اجتماعية فطرية لدى كل إنسان لإقامة علاقة مع الآخر[40]. ونظرية التعلق تعتبر أن الميل إلى إقامة روابط عاطفية عنصر أساسي لوجود الإنسان[41]. وترى نظرية جون بولبي بأن نمو الطفل الاجتماعي والعاطفي السليم لا يتحقق إلا بعلاقة عاطفية حميمة، على الأقل مع الشخص الذي يهتم به ويلبي حوائجه بالحب بصفة مستمرة[42]. ومن منافع ما يمتلكه الطفل من سلوك غريزي كالأكل والبكاء والضحك؛ أنه يتعلق من خلاله بذلك الشخص، وهكذا يرتبط به وتنشأ العلاقة الوطيدة معه.
ومن وظائف الأم تعزيز عملية التعلق ومساعدة الطفل على التكيف مع محيطه الجديد والتعرف على العالم. حيث إن الأم، أو من يقوم مقامها، تشكل الأساس الآمن للطفل الذي من خلاله يتمكن من استكشاف ما يحيط به من أشخاص وأشياء[43]. ومن هنا يعتبر التعلق أول وسيلة للطفل ليتعلم تنظيم شعوره وردود أفعاله، انطلاقًا من ثقته واعتماده على المتعلق به. أما عدم وجود هذه الوساطة، وبالتالي عدم تحقيق ذلك التعلق، فإنه يوقع الطفل في قلق واضطراب ينعكس سلبًا على نموه[44]. ومن ثم يمكن تقرير أن التعلق يعد من حوائج الرضيع الضرورية كالأكل.
ومن المفاهيم الحديثة المهمة كذلك والتي ساهمت في فهم حاجات الطفل في نموه: نظرية وينيكوت (Winnicott) التي أسسها حول مفهوم المحيط. وقد بنى نظريته هذه على مقولة: “لا وجود لشيء اسمه الرضيع” (Un bébé ça n’existe pas)[45]، حيث يحتاج الرضيع من بداية حياته إلى محيط آمن وهادئ لتنمية قدراته ولنمو شخصيته، لأنه يمتلك قدرات فطرية للنماء تتحقق آثارها بوجود المحيط الصالح[46]. وبناء على ذلك فإن المحيط الصالح يمكّن الطفل الصغير من التواجد في الحياة[47]. فإذا لم توفر الأم الأجوبة المناسبة لاحتياجاته يحدث ما سماه وينيكوت بالتعدي (Empiètement)[48]. وإذا تكرر هذا التعدي تعرض الصبي إلى الأوجال وبنى لنفسه شخصية أطلق عليها وينيكوت اسم “الذات الكاذبة”[49] (Faux self) تلاحقه تداعياتها طيلة حياته. ومن هنا فيمكن اعتبار الصبي حقيقة مركبة من فرد وبيئة (Environnement-individu )[50]. فمن بداية حياة الطفل ينبغي أن يتوفر له محيط متناغم مع نموه وملبٍ لما يقتضيه من احتياجات. وأيما خلل أو تجاوز يقع في هذا المحيط من شأنه أن يوقع الصبي في ردود فعل قد تهدد استمرار وجوده سليمًا[51]. ومن ثم يقرر وينيكوت بأن الطفل في حالة اعتماد مطلق (Dépendance absolue) أثناء هذه الفترة. وفي هذه المرحلة يتوقف كل شيء بالنسبة إليه على المحيط الذي ينمو فيه.
إن الاهتمام والاعتناء النفسي بالطفل كما أبرزته نظرية وينيكوت وجون بولبي، لا يقل أهمية عن الاعتناء بحوائجه المادية، ولذلك منحت النظريات التي اهتمت بمرحلة الطفولة المبكرة أهمية بالغة للشخص الذي يوفر له الرعاية بشكل مستمر. أما الطفل المهمش الذي لا يتمتع برعاية كافية من حيث إنه لم يحظ بالاهتمام اللازم ولم يبن علاقة متناغمة مع أمه أو أنه انقطع عنها دون أن تنوب عنها شخصية تحقق ذلك التعلق، فإنه قد يتعرض إلى اضطرابات نفسية بالغة[52].
قد اتفق علماء النفس على أن أول أسس الصحة النفسية لدى الطفل يُستمد من العلاقة الوثيقة التي تربطه بأمه، أو من يحل محلها بصفة دائمة. وحرمان الطفل من هذه العلاقة، وهو ما يعرف بـ “الحرمان الأمومي”، يعود بآثاره السلبية على نموه الجسدي والذهني والاجتماعي ويسبب اضطرابًا في نموه النفسي[53]. ومن هنا وجب علينا ونحن بصدد النظر في حقيقة الأمومة ومميزاتها وبعض أثرها في اختلاف الأدوار والأحكام بين الجنسين، ألا نغفل الخصائص الأساسية في حفظ النسل التي تنفرد بها الأم.
إن العلاقة الجسدية بين الأم وطفلها لا تتوقف عند الحمل، بل إن حفظ الطفل يتوقف على تلك العلاقة بعد الولادة كذلك. ومما يوحي بذلك هو أن الله تعالى قد خلق في جسد الأم أسباب تغذية ولدها، ولا تعود تلك التغذية بالنفع على احتياجاته البيولوجية فحسب، بل تحقق كذلك تحفيزات حسية (Stimulation sensorielles)[54] واتصالًا علائقيًا، لأن “الجهاز العلائقي” (Système relationnel) لدى الطفل شديد التعقد في أوائل عمره، إذ أنه لا يدرك العالم الخارجي ولا يميز نفسه عن أمه، وهو ما عرف بالتكافل (Symbiose) [55].
والرضاعة، أثناء هذه المرحلة التي لا يعبر فيها الصبي بالنطق، مهمة باعتبار أن الطفل يحصل على اللذة من منطقة الفم ويمارس فيها أنشطة المص والمضغ والعض. فيكون اكتشافه للعالم أظهر من هذه المنطقة لتطور الحاسة فيها أكثر من غيرها، ولذلك أطلق فرويد (Freud) على هذه المرحلة من مراحل نمو الطفل “المرحلة الفمية”[56]. وعند تلبية نوازع المنطقة الفمية تتفرغ بعض الطاقة الغريزية لدى الطفل، مما يؤدي إلى انخفاض التوتر وبالتالي الإحساس بالراحة والرضا[57]. وهذا مما يبين أهمية الرضاعة من حيث كونها وسيلة لإبرام علاقة جسدية حميمة وعميقة بين الطفل وأمه. فالرضاعة وسيلة مهمة لتعلق الطفل بأمه. وهذا ما أشار إليه سبيتز (Spitz)[58] لما أكد على أن الطفل في حاجة إلى الشعور بإشباع أمه لحاجاته، كما يحتاج إلى لمس وجهها ويديها ليستقبل من خلالها العالم الخارجي. وهذا يظهر أن للأم دورين متميزين: “دورًا بيولوجيًا وآخر وجدانيًا، ويتحول الطفل عبر العلاقة بأمه من الدور البيولوجي إلى الدور الوجداني، والذي يمثل أول علاقة اجتماعية وجدانية بالآخر المتمثل في أمه، ثم يتدرج منها إلى تطوير علاقاته الاجتماعية”[59].
ومن أبرز النظريات الحديثة التي ساهمت في فهم علاقة الأم بطفلها، نظرية العلاقة الأمومية عند وينيكوت (Winnicott)[60]. وقد بيَّن أهمية الأم بالنسبة إلى الطفل من خلال قدراتها الطبيعية التي تؤهلها لتوفير ذلك المحيط الضروري الذي يحتاج إليه الطفل، وأبرز هذه الحقيقة من خلال بعض المفاهيم، كمفهوم “الهولدنج” (Holding) الذي يمثل جملة الأعمال التي تقوم بها الأم لتلبي حاجات الطفل، ومفهوم الانشغال الأمومي الأساسي (Préoccupation maternelle primaire)[61] وهي حالة عاطفية تستنهض جميع حواس الأم وتجعلها قادرة على فهم طفلها وتلبية حاجاته وتوفير المحيط الملائم لنموه بطريقة عفوية. وليس دور الأب تجاه ابنه في هذه المرحلة إلا دعم الأم في أداء مهمتها[62].
وبفضل هذه العلاقة الأمومية يمكن للطفل أن ينمو بطريقة إيجابية على المستوى العاطفي والنفسي. ومن هنا صاغ وينيكوت مفهوم “الأم الصالحة بما فيه الكفاية” (Mère suffisamment bonne)[63]. فليس المطلوب من الأم أن تكون أمًا مثالية، بل أن تتوسط في تلبية مطالب الطفل دون مبالغة ولا تفريط[64]. والأم الصالحة واعية بعيوبها وقادرة على تحملها وتجاوزها، لأنها تعلم أنها أم جيدة، وهو ما يساعدها على أداء وظيفتها. فلا ينبغي أن تكون الأم أمًا مثالية، لأنها لو أشبعت كل حوائج الرضيع قبل أن يشعر بها، فإن ذلك لا يترك المجال الكافي للصبي للشعور بالافتقار والرغبة إلى تلبية احتياجاته ويعطل قدرته على التعامل مع الشعور بالحاجة والرغبة.
بل يكفيها أن تستجيب استجابة متوازنة لحوائج الرضيع، دون مبالغة أو تقصير. فالانقطاع عن الأم أو عدم تناغمها مع رضيعها يعد تهديدًا لأمن الرضيع وسلامته. فالطفل في مطلع حياته يحتاج إلى الارتباط والتعلق التام بشخصية معينة، ونظرًا إلى دور الأم البيولوجي، فمن المحتوم عليها أن تصبح هي تلك الشخصية[65]. وقد سبقت الإشارة إلى أن الطفل قد يتعلق بشخصية أمومية غير الأم البيولوجية، إلا أنه تعلق لا يعوض تمام ما يقدمه التعلق بالأم، فلا يمكن أن ينوب عنها غيرها نيابة كاملة كما سيأتي معنا لاحقًا.
إن دوافع الأبوة والأمومة طبيعية لدى الإنسان، فكان مجيء الطفل إلى الحياة حدث بهيج بالنسبة إلى الأبوين، وخاصة الأم، حيث إنها تعيشه من داخلها. والشيء الذي يُعاش من الداخل لا يأخذ نفس البعد عند من يعيشه من الخارج. فتبقى لحظة مجيء الطفل إلى الحياة مناسبة راسخة في ذهن الأم. أما بالنسبة إلى الطفل، فإن الولادة تمثل صدمة بسبب التغير في المحيط وطريقة الحياة. كما أنها أمر ليس بالهين على الأم، وخاصة في الأسابيع الأولى بعد الولادة والتي تُدعى “النفاس”. وهي من الجانب الفسيولوجي مرحلة يعود فيها الرحم والجهاز التناسلي إلى ما كانا عليه قبل الولادة. وتتعرض المرأة في هذه المرحلة إلى ضعف جسدي لما عانته من الحمل والولادة، كما تتعرض إلى هشاشة نفسية أُطلق عليها اسم بايبي بلوس (Baby blues) وهي حالة نفسية طبيعية ولا تستدعي علاجًا طبيًا[66].
واعتبارًا لهذه الاضطرابات الجسدية والنفسية فإن الأحكام الشرعية جاءت ترخص للمرأة في هذه المدة ما رخصت لها أثناء الحيض. وأثناء هذه المرحلة التي قد أطلق عليها وينيكوت (Winnicott) “الانشغال الأمومي الأساسي” (Préoccupation maternelle primaire)، تكون عواطف الأم شديدة الرقة والانفعال، مما يعزز توفير الظروف الضرورية لنمو الطفل وينشئ نوعًا من التكيف التام بينهما مما يطمئن الرضيع ويبعد عنه الشعور بالخطر أو التهديد[67]. فالحالة التي تعيشها المرأة بعد الولادة وإن كانت عسيرة، إلا أنها تدفع بها تجاه طفلها، لتعزيز أناه (Le Moi) الذي يسمح له باستمرار وجوده.
والمتأمل في أحكام النفاس من هذه الزاوية، يتبين له أنها تقصد إلى تأطير هذه المرحلة التي تؤدي دورًا أساسيًا في حفظ الرضيع. فكأن تلك الأحكام جاءت معززة للتقاليد الموروثة في الاعتناء بالمرأة التي ولدت، وتهيئ المحيط الملائم لها ولولدها، مما يبين أن الإسلام لم يسقط بعض الأحكام عنها في هذه المرحلة باعتبارها نجسة، بل باعتبار ما تستلزمه أنوثتها، رفقًا بها وتكريمًا لها.
تكاد الرضاعة تكون الخاصية الوحيدة من خصائص الأنوثة التي لم تتخذ ذريعة للإنقاص من شأن المرأة عبر التاريخ كما هو شأن خصائص الأنوثة الأخرى[68]. ولعل من أسباب ذلك ما يلاحظ من أهمية الرضاعة، حيث إنها تربط بطريقة متميزة الأم بطفلها وتلبي احتياجاته الجسدية والنفسية. والرضاعة مع ما تشتمل عليه من أهمية لا تتوقف على الوازع الفطري لدى الأم فحسب، بل إن للعرف الاجتماعي دورًا مهمًا في التحفيز عليه أو التزهيد فيه[69].
والإسلام قد قرر حق الطفل في الرضاعة من قبل أمه أو مرضعة أخرى، لما تشتمل عليه من منافع جسدية ونفسية تعود على الطفل والأم معًا. وفي حال تعسر الإرضاع على الأم، فلها أن تسترضع امرأة أخرى[70]. ذلك “لأن الرضاعة لها علاقة وثيقة بعلم الوراثة الذي من شأنه أن يؤثر في تكوين الإنسان، ولها ارتباط بالنمو الجسمي للإنسان”[71]. فلبن الأم أو المرضعة لا يمكن أن يعوضه أي لبن آخر ولا يماثله أي غذاء آخر[72]. إلا أن الشريعة قد منحت الأولوية للأم، لأن اللبن يختلف من امرأة إلى أخرى، وأنسب الألبان للطفل هو لبن أمه[73].
وقررت الشريعة أن الفطام لا يتم إلا بعد التشاور بين الزوجين[74]، كما جاء في قوله تعالى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) [البقرة: 233]. ولعل من محفزات الأم على الرضاعة كون الحكمة الإلهية جعلت منافع الرضاعة تتعدى إليها[75]. كما أن الشريعة قصدت إلى تيسير أسباب الرضاعة حيث أوجبت على الأب مكافأة الأم المرضعة وإن حدث الطلاق بينهما[76]، من أجل أن تعتني الأم برضيعها العناية التامة وترعاه الرعاية اللائقة. يقول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 233]. “والرزق في هذا الحكم الطعام الكافي، وفي هذا دليل على وجوب نفقة الولد على الوالد لضعفه وعجزه. وسماها الله سبحانه للأم، لأن الغذاء يصل إليه بواسطتها في الرضاع”[77]. ويقول سيد قطب: “وللوالدة في مقابل ما فرضه الله عليها حق على والد الطفل: أن يرزقها ويكسوها بالمعروف والمحاسنة؛ فكلاهما شريك في التبعة؛ وكلاهما مسؤول تجاه هذا الصغير الرضيع، هي تمده باللبن والحضانة وأبوه يمدها بالغذاء والكساء لترعاه؛ وكل منهما يؤدي واجبه في حدود طاقته”[78]، فتكون وظيفة الأب في هذه المرحلة دعم الأم.
ولم تُمنح الرضاعة تلك الأهمية في الإسلام بالنظر إلى حفظ الرضيع من الجانب المادي فحسب، بل من جانب كونها من أشد ما يلبي احتياجاته النفسية والعاطفية كذلك[79]. كما أنها تجعله يلتقي بأمه ويواظب معها على علاقة تعايشية متميزة تجعله يفضلها على أي شخص آخر، وهذا ما يفسر سبب أولوية الأم بالرضاعة من غيرها من المرضعات.
وعند التأمل في مدة الرضاعة التي حددها القرآن يتبين أن اهتمام الشريعة بالرضاعة لا يرجع إلى فوائدها الصحية فحسب، لأن الصبي قد يستغني عن لبن أمه قبل سنتين بدون أن يلحقه ضرر أو يتعرض إلى خطر[80]، بل إن فوائد الرضاعة الصحية تتحقق في الأشهر الأولى من حياة الرضيع خاصة. فوجب أن تعود حكمة إتمام الحولين إلى شيء آخر غير المنافع الجسدية. ولعل من ذلك ما تتضمنه الرضاعة من التحام بين الطفل وأمه، وما يتربى لديها من إحساس بالأمومة بفضل استمرار التبادل الطبيعي بينهما، وما توفره الرضاعة للرضيع من شعور بالأمان الذي تعوّد عليه في مرحلة الرحم.
مدة الحضانة الضرورية
لقد أبرزت عدة دراسات[81] أن الحرمان الأمومي المبكر للطفل (La carence maternelle) يؤثر سلبيًا على نمو الطفل الجسدي والنفسي[82]، وهو ما أكده جون بولبي (John Bowlby) في معرض الكلام عن أهمية عطف الأم وحنانها في تطوير شخصية الطفل وسلوكه، موضحًا أن الانفصال المبكر عنها يعود بأثره السلبي على نموه. وقد عرّف بولبي الحرمان الأمومي على النحو التالي: “عدم وجود شخص واحد مخصص لرعاية الطفل بصفة مستمرة وبطريقة مشخصة، بحيث يشعر الطفل معه بالأمن والثقة والطمأنينة”[83]. وبيّن بولبي أن الحرمان المبكر من الأم قد يؤدي الى مشاكل سلوكية خطيرة وضارة لنموه. وبيَّن أن بعض ﺍﻟﺴﻤﺎﺕ التي يكتسبها الفرد في طفولته من شأنها تغير مزاجه وتدخل الاضطراب على حياته، ويصعب تغييرها على مدى الزمن[84].
أما الاضطرابات التي تلحق الطفل بسبب الحرمان الأمومي؛ فقد لاحظ علماء النفس ارتفاعًا في مرضية الأطفال راجعة إلى اضطرابات متنوعة، تتجسد في أمراض جسمية وآثار نفسية وفي نمو الذكاء واللغة وعلاقاته الاجتماعية[85]. وقد يعاني الرضيع من نقص عاطفي دون مفارقة الأم جسديًا في حالة تخليها عن وظيفة الاحتواء النفسي بأن يكون بالها منشغلًا بشيء آخر مثلًا[86] .
من هنا أولى علماء النفس التحليلي أهمية بالغة لاتصال وتفاعل الأم مع طفلها. وأجمعت تجارب العلماء ودراساتهم على أهمية السنوات الأولى من حياة الأطفال باعتبارها فترة حساسة خطيرة في تحديد ﺷﺨﺼﻴﺎتهم وتكوينها، وذلك لما يتكون في نفس الطفل خلالها من اتجاهات وعواطف واعتقادات تتخذ صفة الثبات النسبي الذي يصعب تغييره لاحقًا.
فحاجة الطفل الصغير الأساسية هي الاهتمام به، وهي مقدَمة على تربيته وتعليمه، من حيث إن العوامل التي تسمح بنموه السليم هي العوامل النفسية.
أما مدة الطفولة المبكرة التي لا يستغني فيها عن أمه، فلعله يمكن الاستئناس في تحديدها بقوله تعالى: )وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) [سورة الأحقاف: 15]، وقوله تعالى: (وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ( [سورة لقمان :14]. وما يستوقفنا في هذه الآية هو اتصال الحمل وما يليه من رضاعة وفصال أي فطام. فهو يوحي بتشابه بين هاتين المرحلتين، وهو راجع إلى وضع الطفل فيهما، وذلك أنه، كما سبق بيانه، يكون هشًا ومعتمدًا اعتمادًا كليًا على أمه سواء في المرحلة الرحمية أو في مرحلة الطفولة المبكرة.
فهذا الاتصال بين الحمل والفصال ينبه على حاجة الطفل الصغير إلى رعاية ضرورية ومتميزة من قبل أمه كما كان الأمر لما كان في بطنها، فكأنها مرحلة واحدة. وهو ما يمكن التماسه من خلال استقراء النصوص والأحكام المتعلقة بالرضاعة. ومن ذلك قصة المرأة التي زنت وجاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فأشار عليها بالرجوع بعد الولادة، وبعد ما وضعته قال لها عليه السلام “اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه”[87]. ومن ذلك قضاء أبي بكر – رضي الله عنه – لزوجة ابن عمر في ابنها الرضيع إذ قال له: “ريحها وحرها وفرشها خير له منك حتى يشب ويختار لنفسه”[88].
إن مدة الرضاعة تمثل تلك المرحلة الحساسة والحاسمة في حياة الطفل، فتستلزم اهتمامًا بالغًا من قبل أمه، وما تقدمه له أمه فيها من خلال الرضاعة من إشباع مادي وعاطفي وما يحدث فيها من التحام وتناغم بينهما سوف يساعده على إشباع جميع احتياجاته الأساسية لنموه السليم. ومن هنا جاءت الشريعة مهتمة بهذه المرحلة الحساسة ومؤكدة عليها من خلال أهم العوامل الرابطة بين الطفل وأمه، ألا وهي الرضاعة، ومشبهة هذا الترابط بالذي كان يعيشه في بطنها. واستشعار الأم بأهمية هذه المرحلة من شأنه أن يدفعها ويشجعها على السعي إلى توفير المحيط الملائم لرضيعها – وإن لم ترضعه – وأداء ما يقتضيه دور الأمومة في مرحلة الطفولة المبكرة.
د. انفراد المرأة بحضانة الطفل الصغير
إذا كانت حوائج الطفل البيولوجية والنفسية في أوائل حياته مرتبطة بأمه، كما كان الأمر في المرحلة الرحمية، حيث إنه لا يستغني عنها ولا يكون لغيرها إلا دورًا ثانويًا؛ فإن الشريعة قد قصدت إلى تيسير أسباب اعتناء الأم بطفلها لتتواصل عملية الاندماج الطبيعي الذي بدأت منذ تخليقه. فالمتأمل في الأحكام التي انفردت بها المرأة من بداية الحمل متجاوزًا مجرد ما تتضمنه من أوامر ونواهي جزئية إلى ربطها بحاجة الصبي إلى أمه، تتبين له من خلالها أهمية وظيفة الأمومة في الطفولة المبكرة.
فإذا قصدت الأحكام المتعلقة بالحمل والنفاس التيسير على المرأة، فإنها من جانب آخر تحيي فيها الإحساس بمهمتها وتحفزها على تكريس نفسها للرضيع، فتوفر له من بداية حياته الظروف الضرورية لنموه السليم. فالنصوص المتعلقة بالرضاعة تعزز ذلك الإحساس لدى الأم، وتوجه قصدها إلى مواصلة الاندماج الفعلي مع طفلها في ﻓﺘـﺮﺓ حساسة خطيرة في تحديد شخصيته ﻭﺗﻜﻮﻳﻨﻬﺎ.
وبالجملة فإن مجمل هذه النصوص والأحكام تؤكد على أن حضور الأم بشكل متواصل ضرورة في أوائل مراحل حياة الطفل، لأن مستقبله يترتب على نوعية العلاقة التي ربطته بأمه في هذه الفترة. فالشريعة قاصدة إلى إنشاء العلاقة المتميزة بين الطفل وأمه في الطفولة المبكرة، حتى يكون ميل الطفل إلى أمه أكثر من ميله إلى أبيه أو غيره ممن لا يحقق له حاجاته بطريقة مباشرة. وهكذا يمكن تقرير أن حفظ أمومة الأم في الطفولة المبكرة من وسائل حفظ النسل.
وجاءت الشريعة قاصدة إلى تحقيق حفظ أمومة الأم من خلال تعزيز وحفظ ما انفردت به الأم من تكوين ضروري في عملية النمو. ومن هنا منح الإسلام للأم الأولوية في حضانة الطفل الصغير، لأن الاختلاف البيولوجي بين الأبوين يشكل عارضًا للمساواة بينهما في هذه القضية. ففي حالة النزاع يكون حق الحضانة للأم، كما جاء في قوله عليه السلام: “أنت أحق به ما لم تنكحي”[89].
وإذا كان للأم هذه الأهمية وهذه الخصوصية في حضانة الطفل في السنوات الأولى من حياته، فهل لها من دور في مراحل ما بعد الطفولة المبكرة، وهل يكون على هذه الدرجة من الأهمية؟.
ثانيًا: مرحلة ما بعد الطفولة المبكرة
إن المتأمل في النصوص التي تناولت قضية رعاية وتربية الأطفال يجدها تشرك الأبوين في هذه العملية، مما يدفعنا إلى تناول احتياجات الطفل في مرحلة ما بعد الطفولة المبكرة[90] بالنظر إلى دور كل من الأبوين وخصوصية الأم فيها. وأهمية ذلك تكمن في تحديد وظائف الجنسين في إطار الخلية الأسرية وانعكاس ذلك على اختلاف الأدوار والأحكام وضبط مقاصدها.
إن الطفل بعد سنتين من عمره لا يفسر غياب أمه كتخل عنه أو إهمال له[91]، لكنه يظل في حاجة إلى من يمنح له الوقت ويرسم له الحدود والضوابط، فهو لا ينمو منفردًا، ولا يزال في حاجة إلى أمه التي قد تعلق بها وتعودت على تلبية احتياجاته. إلا أن آثار الحرمان الأمومي السلبية المشار إليها سابقًا، تكون أبلغ في السنوات الأولى. أما الحرمان العاطفي (Carence affective) فإن تداعياته لا تقف عند مرحلته الأولى فحسب، بل تتعدى إلى جميع مراحل نمو الطفل[92]. ذلك أن احتياجات الطفل العاطفية تظل أساسية في سائر مراحل الطفولة[93]، لأن حياته العقلية تتميز “بهيمنة البعد العاطفي في جميع الأوضاع وجميع العمليات النفسية”[94].
والحرمان كما تقول كولي (Cooley) “لا يعني تعرض الشخص للعزل في طفولته، ولكنه لا يتلقى قدرًا كافيًا من العاطفة ولم تتطور عنده أية علاقة عاطفية واجتماعية ذات صبغة أولية من أفراد آخرين”[95]. ومن آثار هذا الحرمان ما يعانيه كثير من الأطفال الذين عاشوا طفولة شقية مضطربة محطمة الأركان من اضطرابات نفسية، مما يوقع كثيرًا منهم في الإجرام والانحراف[96]. فالأطفال الذين لم يتمتعوا بكثير الحنان وعاشوا طفولة مضطربة تكثر لديهم الاضطرابات النفسية والسلوك الإجرامي[97]، بل حتى الأمراض الجسدية[98]. فالشخص الذي يعاني من الحرمان من الأمن والحنان في طفولته لا يستطيع أن ينعم به أو يمنحه للآخرين في كبره. أما الأشخاص الذين يتمتعون بالاستقرار والتوازن في الشخصية فهم على الأغلب الذين عاشوا طفولتهم متوازنة.
فالحرمان قد يكون بالانفصال المادي بين الطفل وأبويه كما قد يكون بسبب الإهمال، وهو الغالب. وقد أصبح إهمال الطفل في المجتمعات الغربية علامة على الاعتداء على الطفل[99]، فالإهمال هو التعدي على احتياجات الطفل الضرورية في نموه وازدهاره، ولا يعني الاعتداء عليه بالضرب، وإنما يتحقق في الطفل المهمش. والإهمال قد يتجلى في مظاهر عديدة[100]، فقد يكون واضحًا، كأن تظهر على الطفل مظاهر الإهمال من قلة الاعتناء بالنظافة واللياقة الجسدية. وقد يكون خفيًا، كأن يفقد الحب الكافي أو التواصل الاجتماعي. وقد يؤدي الإهمال بالطفل شيئًا فشيئًا إلى الانعزال عن المجتمع والعزوف عن التواصل مع الآخرين[101].
فرعاية الطفل حق من حقوقه، وقد جاءت الشريعة قاصدة إلى حفظ ذلك الحق بوسائل متميزة كما سيتبين فيما يلي.
وإن كان حضور الأم إلى جانب الطفل مهمًا في مرحلة ما بعد الطفولة المبكرة، إلا أن علاقتها به لا ينبغي أن تظل كما كانت عليه في أول أطوار حياته حين كان لا يستغني عنها[102]، لأنه أصبح في حاجة إلى غيرها لمؤانسته ومرافقته في الحياة، وذلك له أهمية بالغة في انخراطه في المجتمع. ومن ثم جاءت بعض الدراسات[103] مؤكدة على أهمية انخراط الأب وأهمية حضوره في هذه المرحلة لنمائه سليمًا، فكل منهما يساهم بطريقته في تكوين شخصية الطفل وذلك منذ الولادة، إلا أن دور الأب في تلك المرحلة هو تعزيز الأم خاصة[104].
وأشار لوكامو (Le Camus) إلى حاجة الطفل إلى أبيه بجانب أمه عند كلامه عن الأب الحاضر (Le père présent)، مبينًا أن وظيفة الأب ينبغي أن تكون متميزة من حيث إن لكل منهما إسهامه بطريقته المتميزة[105]. وقد أدت أعمال بلوس (Blos) إلى بيان إسهام الأب في تشكيل هوية الطفل وفي استقلاله عن الأم[106]. ومن جهتها أكدت شيلاند (Chiland) أن إسهامات كل من الأبوين يختلفان، وأن الطفل في حاجة إلى أب (رجل) وأم (امرأة). أما هورستل (Hurstel) فإنه يعتبر من الضروري أن يقوم الأب بإحداث الانفصال الرمزي بين الطفل وأمه حتى يصبح الطفل كائنًا مستقلًا[107]. ومن ثم اتفق أصوات التحليليون النفسيون وعلماء نفس التنمية على أن احترام الاختلاف بين الجنسين أساسي لتكوين شخصية الطفل. قال لوكامو: “التمايز والاختلاف الجنسي بين الأبوين يمثل أنسب القواعد لتشييد شخصية الطفل”[108].
أما “الحرمان من الأب، فإنه يؤدي غالبًا إلى سوء التكيف الاجتماعي الذي يتجلى من خلال عدم القدرة على إنشاء أسرة مستقرة والحفاظ عليها”[109].
لقد خلق الله الكون وما يشكله من كائنات لغاية كبرى يساهم كل كائن فيها بأداء الوظيفة التي خلق من أجلها، وليس لأي مخلوق من هذه المخلوقات أن يؤدي وظيفته إلا من خلال مجموعة من الوسائل أودعها الله فيه تمكنه من أدائها. ولا يختلف الإنسان عن هذه الحقيقة في أكثر ما يحتاجه لأداء وظيفته، فلقد أودع الله فيه مجموعة من العناصر لا يستطيع أداء مهمته من دونها، كغريزة الأكل والتناسل والتطلع إلى المال والجاه والجمال وشعوره بالألم والغضب والحب، وغير ذلك من الغرائز والنوازع والميول الكثيرة، فضلًا عما أودعه الله فيه من عناصر كثيرة تحافظ على سلامته الجسدية والنفسية. فكل ذلك يدخل ضمن ما يسمى بالوازع الطبيعي. إلا أن الإنسان يختلف عن سائر الكائنات بحمل الأمانة، مما يقتضي أن يكون مخيرًا في أداء مهمته من عدمها، وألا يكون منقادًا إلى غايته بالوازع الطبيعي فحسب. ومن هنا كانت له القدرة في مخالفة الوازع الطبيعي أو خرق توازنه، وكانت بعض وسائل تحقيق مهمته موكّلة إلى إرادته أو موكل إليه مراعاتها والحفاظ عليها.
ومع ما سبق بيانه من عظيم احتياجات الطفل في المراحل الأولى من حياته، إلا أن الشريعة لم تتوسع في التأكيد على ذلك وتفصيل وسائل حفظ الطفل في مراحله الأولى، ذلك أن الله تعالى علق ذلك الأمر على الوازع الطبيعي. وهو ما يندرج تحت قاعدة عظيمة من القواعد التي نص عليها العلماء وهي قاعدة: “إذا عظم الوازع الطبيعي ضعف الوازع الشرعي” أو “الوازع الطبيعي مغن عن الإيجاب الشرعي”[110]. فلو علق الله الأمور التي تتوقف عليها ضروريات حياة الإنسان بالوازع الشرعي وحده لانهارت الحياة البشرية، فلذلك علقها بالوازع الطبيعي، لأن “الوازع الطبيعي أقوى من الوازع الشرعي”[111].
ومن هنا لم نجد القرآن يدعو إلى الإحسان إلى الأولاد كما دعا إلى الإحسان إلى الوالدين، ولم يعرف في الإسلام مفهوم بر الأولاد أو عقوق الأولاد كما عرف مفهوم بر الوالدين وعقوق الوالدين. وإنما جاءت الأحكام التي تحث على الإحسان إلى الأولاد مكملة للوازع الطبيعي بدرجة خفيفة، لأن المطلوب الشرعي كما يقول الشاطبي: “ضربان: أحدهما: ما كان شاهد الطبع خادمًا له ومعينًا على مقتضاه، بحيث يكون الطبع الإنساني باعثًا على مقتضى الطلب”[112].
ومع ذلك، فإنه يحسن التوقف عند الوسائل الطبيعية لحفظ الطفل في هذه المرحلة ومكملاتها من الوسائل الشرعية ودور كل من الأبوين في ذلك، لأننا نرى أن القاعدة السابقة الذكر يمكن أن يستنبط منها قاعدة أخرى هي: “إذا اختل الوازع الطبيعي وجب تعضيده بالوازع الشرعي”، فلا بد من معرفة وفهم الوازع الطبيعي حتى نتمكن من مراعاته في تحديد وفهم اختلاف الأدوار والأحكام بين الجنسين، وفهم مقاصد الشارع في ذلك وتعزيز وسائل تحقيقها في حالة تخلف الوازع الطبيعي لسبب من الأسباب.
مفهوم الحضانة
الحضانة من المفاهيم الفقهية التي جاءت تهتم بالكائن البشري في مرحلة الطفولة، وقد عرفها الحنفية بأنها: “تربية الولد لمن له حق الحضانة”[113]. وهي عند المالكية: “حفظ الولد في مبيته ومؤنة طعامه ولباسه ومضجعه وتنظيف جسده”[114]. وعرفها الشافعية بأنها: “حفظ من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه لعدم تمييزه كطفل وكبير ومجنون، وتربيته أي تنمية المحضون بما يصلحه بتعهده بطعامه وشرابه ونحو ذلك”[115]. وهي عند الحنابلة “حفظ صغير ومجنون ومعتوه مما يضرهم وتربيتهم بعمل مصالحهم”[116]. فأغلب هذه التعريفات، سوى تعريف المالكية، توحي باشتمال الحضانة على الحفظ المادي والمعنوي للطفل. إلا أن المتأمل فيها وفيما جاء من كلام العلماء في شرحها، يشعر بأن مقصودهم من الألفاظ التي توحي باعتبار الأبعاد المعنوية كلفظ “التربية” و”ما يصلحه” و”مصالحهم” هو الجانب المادي خاصة.
وإذا كانت الطفولة هي مرحلة تأسيسية وما يحدث للطفل أثناءها يرسم الملامح الأساسية لشخصيته المقبلة والتي يصبح من الصعب إزاحة بعضها في المستقبل، فإن مفهوم الحضانة ينبغي أن يحيط بكل ما يعود إلى مسؤولية الحاضنين من وسائل حفظ الطفل، حتى تكون الحضانة وسيلة فعالة للحفاظ على مجمل كيانه. ومن هنا تظهر الحاجة إلى تعريف أدق وأشمل للحضانة من حيث إن التعريفات القديمة لم تجمع فيها كل الأبعاد التي يتوقف عليها حفظ الطفل، كالتربية بمختلف أبعادها والتعليم وتحقيق أسباب توازن شخصية الطفل، إلى غير ذلك، وهو ما نبه عليه الشيخ عبد الله بن بيه قائلًا: “مفهوم الحضانة لم يكن يشمل التعليم والتربية غير البدنية لأن هذا من واجب الأب، فالتلازم اليوم بين الحالتين مدعاة لإعادة النظر”[117]. فالتربية المعنوية (أي غير التربية الجسدية) من عناصر الحضانة الأساسية التي لم تعط حقها في تعريفات الحضانة القديمة.
قال البيضاوي في تفسير بداية الفاتحة: “رب العالمين الرب في الأصل مصدر بمعنى التربية: وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئًا فشيئًا”[118]. فالتربية تحمل معنى الإصلاح والتهذيب وعلو المنزلة وتربية النفس والقلب من حيث جاء في القرآن لفظ التزكية بمعنى التربية كما في قوله تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة: 151]. قال ابن كثير “ويزكيهم، أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور”[119].
فالتربية تشمل جملة المبادئ التي توجه الطفل في الحياة ليصل إلى الرشد مما يجعلها لب وجوهر الحضانة. ومن جهة أخرى، إن كان حفظ الإنسان لا يكتمل إلا بحفظه ماديًا ومعنويًا، فكل ما يحفظ الطفل عقليًا ونفسيًا وروحانيًا ينبغي أن يُدرج ضمن تعريف الحضانة بجانب الحفظ الجسدي. ولقد جاءت تعريفات بعض المعاصرين أقرب ملاءمة لمقتضيات الحضانة، إذ تناولتها في معناها الواسع، كتعريفها بالقول: “هي القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره، وتربيته بما يصلحه بدنيًا ومعنويًا، ووقايته عما يؤذيه”[120]. فالحضانة بالتالي هي “نوع ولاية وسلطة”[121] في القيام بجميع شؤون المحضون التي تهيؤه للحياة السليمة بالحفاظ على كل احتياجاته بشكل مستمر بحيث لا يكون مهملًا.
وإن كنا نجد اهتمامًا لمسألة الحضانة في المدونات الفقهية، إلا أنه اهتمام بالحضانة في حال النزاع والطلاق، ولا نجد اعتناء بالحضانة كمفهوم وحقيقة يجب مراعاتها في حال العلاقة الزوجية. فكان من الضروري أن نتجاوز الاهتمام بمفهوم الحضانة لمعرفة من يستحقها في حالة النزاع، إلى البحث عن حقيقتها ومقتضياتها في العلاقة الزوجية حتى تتبين وظيفة ودور كل من الأبوين فيها. ذلك أن قيمة الإنسان في الوجود أصبحت شديدة الارتباط بوظيفته المهنية التي أصبحت مقياسًا للازدهار حتى أصبحت المرأة تنافس الرجل فيها وتقيس نفسها به وإن كانت أمًا، وأصبحت وظيفتا الأمومة والأبوة مهددتين وغامضتي المعالم. وإن كانت هذه الظاهرة أشد وضوحًا في غير البلدان المسلمة، إلا أن حركة العولمة تلحقنا شيئًا فشيئًا بذلك الركب.
تكامل وظائف الأبوين في الحضانة
قرر الفقهاء أن الزواج إذا كان قائمًا بين الزوجين فإن الحضانة للأبوين[122]، إلا أنهم منحوا الأولوية فيها للأم في أحيان كثيرة مهما كان وضع الأسرة[123]. ذلك لاعتبارهم الحضانة تكليفًا ملائمًا للمرأة وأن “المقصد العام في الحضانة هو صيانة الطفل والمقصد الخاص هو تكليف المرأة بالحضانة لما جُلبت عليه من الشفقة والرأفة”[124]. فالفقهاء بنوا الحضانة على “الشفقة والرفق بالصغار” واعتبروا “ذلك من جانب النساء أوفر، وهن بالتربية أعلم”[125]، لـ “أنها أعرف بالأحوال العاطفية والنفسية التي يحتاجها الطفل وأقدر على توفيرها”[126].
هذا، إلا أننا إذا اعتبرنا الأطفال فرعًا عن الأبوين ونعمة كبرى لكليهما تملأ حياتهما بهجة وسرورًا، وتزيدها أنسًا وحبورًا، وتمنحهما راحة واستقرارًا كما جاء في قوله تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 46]، فلا يمكن أن يكون أحدهما مسؤولًا عنهم أكثر من الآخر كما يُفهم من قول النبي – عليه الصلاة والسلام -: “كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته”[127]. وإذا كانت الحضانة تشمل جميع مطالب الطفل ويتوقف عليها حفظ كيانه، فلا يمكن أن تكون بهذا المقتضى إلا مسؤولية الأبوين معًا، فتستلزم مشاركتهما وجهودهما معًا. ولقد سبق بيان انفراد الأم بحضانة الطفل الصغير من حيث إنها تلبي جميع مطالبه الجسمية والنفسية. لكن قد سبق وأن بينا كذلك أن متطلبات الطفل تتغير مع مرور السنين وتتوجه نحو التعقيد. فلا يمكن أن تستقل الأم بتلبية كل احتياجاته من تعليم وغرس وتنمية القيم والمبادئ الأخلاقية والعقدية إلى غير ذلك. وإن قدرت الأم على توفير بعض هذه الاحتياجات، إلا أن مقتضيات تشييد شخصية الطفل تتجاوز جهودها المنفردة. فوجب التأكيد على أهمية مشاركة الأب[128] لبناء شخصية الطفل، وأن كلًا من الأبوين ينبغي أن يكون له دوره المتميز في ذلك كما يذكر علماء النفس. ومن هنا كان من الخطأ أن تُتناول وظيفة الأب كما تُتناول وظيفة الأم، وأن يساوى الأب بالأم فيها بأن تقسم الحضانة بينهما بالزمان مثلًا. بل إن تأثيرات كل من الأبوين على الأبناء تختلف في الجودة والأهمية، وتتشابك آثار ونتائج وظائفهما على الطفل في كل مرحلة من مراحل نموه[129].
وهذا يُبرز أهمية العلاقة الثالوثية بين الطفل وأبويه، وهو مما تشير إليه مجموعة من النصوص الشرعية، كقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه”[130]. فالطفل شديد التأثر بأبويه واشتراكهما في تأسيس شخصيته يمنح له ما يحتاجه من أسس حياتية، ويمكِّنه من الانسجام في الحياة، وبفقدان أحدهما يفقد بعض هذه المبادئ الأساسية. وقد جاء البيان القرآني يوحي باشتراك الأبوين في جانب من جوانب الحضانة في قوله تعالى: (كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24]. والتربية من العوامل التي تسمح للطفل بمواجهة حياته الخاصة والاجتماعية وتكون أساس تكوينه وارتفاع شأنه، فكانت المسؤولية في عاتق الأبوين على حد سواء، إلا أن لكل منهما مكانته الخاصة فيها لا يعوضه فيها الآخر.
ولا يمكننا تناول موضوع تمييز الجنسين في الأدوار والأحكام بدون الإشارة إلى ما بين الأبوين من تكامل في إنماء الطفل وبناء شخصيته، وهو ما يدل عليه مفهوم الحضانة التي يشتركان في بعض جوانبها ويتفردان في بعضها الآخر. ومن هنا ننتقل إلى خصوصيات الأم في الحضانة لاستكشاف السر في تمييز بعض النصوص الأم عن الأب.
الأم هي المحور الرئيسي في حفظ الطفل
قد افتتحنا هذا الفصل بالتأكيد على أن حفظ كيان الطفل من بداية حياته يتم بإشباع احتياجاته المادية والعاطفية، وأن إهمال أحد الجوانب قد يفضي به إلى اضطرابات مختلفة. وإن كان من البديهي أن للأم الدور الأساسي في ذلك وأنها هي راعي الطفل الأول في سائر المراحل، إلا أننا نجد اليوم من يشكك في هذه الحقيقة تحت غطاء المساواة المطلقة بين الجنسين. ذلك مع تغافلهم عن فارق جوهري بين وظيفة الأمومة ووظيفة الأبوة، من حيث إن الأولى منبثقة من علاقة بيولوجية[131] تحيي فيها غريزة الأمومة، والثانية مجردة عن أي أصل بيولوجي وإنما تنبثق من عوامل بيئية وثقافية تشكل حقيقتها[132].
وهذا يؤثر أيما تأثير في وظائفهما تجاه الطفل. فالصلة الجسدية الحية بين الأم والطفل تلعب دورًا بارزًا في ميله نحوها، وهو ميل لا يمكن أن يتحقق في غير الأم لانفرادها بتلك الصلة البيولوجية. وهو مما يمكن التماسه من ظاهر قوله تعالى: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ) [المجادلة: 58]. قال الشيخ القرضاوي: “ولا شك أن خير وصف يعبر عن الأم وعن حقيقة صلتها بطفلها في لغة العرب هو “الوالدة”، وسُمي الأب “الوالد” مشاكلة للأم، وسُميا معًا “الوالدين” على سبيل التغليب للأم الوالدة الحقيقية، أما الأب فهو في الحقيقة لم يلد، إنما ولدت امرأته. وعلى هذا الأساس سُمي ابن المرأة “ولدًا” لها، لأنها ولدته، وولدًا لأبيه كذلك لأنها ولدته له”[133].
ومن بيان القرآن لعظمة الصلة بين الأم وطفلها أنه ضرب بها المثل لبيان شدة قيام الساعة حيث تبلغ درجة من الهول تجعل الأم تغفل عن رضيعها: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) [الحج :22]. فالخوف من قيام الساعة هو الوحيد الذي يكون أقوى من إحساس الأم بطفلها. والأم أشد حرصًا وأشد قلقًا على طفلها من أي موجود آخر إلا الله تعالى، كما جاء عن النبي عليه السلام: “أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «الله أرحم بعباده من هذه بولدها»”[134]. وهو ما أشار إليه القرآن في قصة أم موسى، وهو كذلك ما أشار إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين قال “إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوّل فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه”[135]. ولقد بينت بعض الدراسات ارتفاع القلق لدى الأم حين ابتعادها عن طفلها، وأنها شديدة الحرص على هناءه وسلامته والوقت الذي تقضيه معه[136]. وقد اكتشف العلماء علاقة بين هذا الدافع وبين هرمونات فترة ما قبل الولادة، وأن هذه الهرمونات من شأنها أن تحدث تقلبات في سلوك الأم نحو أولادها، وأوضحوا كذلك أن للتربية والتعليم والخبرة والبيئة دورًا في نمو هذا الدافع وتطوره[137].
فالعلاقة البيولوجية بين الأم وطفلها تنعكس على مشاعرها وإحساسها وعلى تمثلها للطفل مما يجعلها بشكل طبيعي أحرص عليه وأشد حفظًا له في سائر مراحل طفولته. فوظيفة الأمومة في الإسلام هي المحور الرئيسي في الحفاظ على الطفل وتوازنه العاطفي[138]. ولعل ذلك هو سبب تشديد بعض النصوص على من فرق بين الأم وطفلها، كقوله عليه السلام: “من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة”[139]. ولقد علق النبي – صلى الله عليه وسلم – رقي المرأة بعلاقتها مع ولدها الصغير، فكان من أسباب خيرية نساء قريش الصالحات على سائر نساء العرب يومئذ، فقال: “خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده”[140].
إلا أن الشريعة لم تُفصِّل في بيان وظيفة الأم، بل اكتفت في ذلك ببعض الإشارات والمبادئ العامة، لأن وظيفة الأمومة تتحقق أساسًا بالوازع الطبيعي – المشار إليه سابقًا – من خلال الصلة البيولوجية التي تمنح لها خصائص متميزة. فلا حاجة إلى تأسيس الأحكام والتأكيد على وسائل تحقيق تلك الوظيفة من قِبَل الشرع لقوة الصلة الطبيعية بين الأم والطفل، وبالتالي عفوية تحقق تلك الوظيفة.
فدافع الأمومة يساعد الأم على حفظ ولدها قبل الحمل وبعده، وذلك الدافع ذاته يجعلها تحث الأب لمساعدتها على أداء وظيفتهما في حضانة الطفل، وهو ما يمنحها الأولوية في حضانة الطفل الصغير في حالة الشقاق. فالشريعة لم تهمل اعتبار الصلة البيولوجية بين الأم وولدها، بل أكدت عليها لبيان سبب الفرق بين الأمومة والأبوة وأثره على وظائفهما. فوصف الأنوثة لا يمنح المرأة أحكامًا خاصة بها فحسب، بل ينشئ فروقًا بين الجنسين في وظائفهما داخل الخلية الأسرية.
لقد جاءت نصوص الشريعة آمرة باحترام الوالدين والإحسان إليهما، كما جاء في قوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23]. إلا أن الشريعة تمنح أهمية متميزة للأم من أجل دورها الأساسي في حياة الطفل. وسبب منح تلك الأهمية للأم عائد إلى بُعد آخر وهو ما سمي بـ “مصير كينونة الطفل الاجتماعية”[141]، الذي يعود بآثاره على سائر الروابط الأسرية والإنسانية، وهو متوقف على جودة التعلق الذي اكتسبه الطفل.
وهكذا فإن حفظ النسل لا يتوقف على معرفة الأبناء لآبائهم أي على حفظ النسب فحسب، لأن انتماء الولد لأسرته لا يكون من خلال الانتساب فقط؛ بل إن للعلاقات النفسية والعاطفية التي تربطه بجميع أفراد أسرته دورًا مهمًا في شعوره بشدة الانتماء إلى أسرته وفي تماسكها وقوتها[142]. يقول الفيلسوف التربوي أليفيي ريبول (Olivier Reboul): “الأسرة هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من التعرف على الإنسان وحبه. وأي محاولة ثورية تتجاهل هذا الأصل الذي تقوم عليه مشاعرنا لا تكون أيلولتها إلا الفشل”[143].
وقد عبرت الشريعة عن تلك الصلة بالأقارب بمصطلح “صلة الرحم”، وجعلها الله من شروط الصلة به تعالى، فقال في الحديث القدسي: “أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي، من يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه، فأبته”[144]. وقد وردت أخبار كثيرة بالتشنيع على من قطع الصلة بأقاربه ولم يعاملهم بالبر والإحسان، وعُدّ ذلك ذنبًا عظيمًا، كما جاء في قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22، 23]. وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يدخل الجنة قاطع رحم”[145]. وهكذا جاء الأمر الشرعي يوجب على كل فرد من أفراد الأسرة السعي إلى التلاحم مع أعضاء عائلته عمومًا وأسرته خصوصًا بنسج روابط المودة والرحمة، وبينت الشريعة موجبات ذلك الترابط ومقتضياته لتقوية اللحمة الأسرية.
ومدار هذه العلاقات التي تربط أفراد الأسرة هو الوالدان أولًا، ولذلك جاء الدين يؤكد على ارتباط أفراد الأسرة برابطة الانتماء إلى ذات الأب والأم[146]. ومن هنا جاء الأمر بالإحسان إلى الوالدين والنهي عن كل ما من شأنه أن يؤذيهما، وسائر ما يترتب على ذلك من أحكام تفصيلية من وجوب الزيارة والطاعة وتليين القول والرفق… إلخ.
وبالإضافة إلى هذه المبادئ والأحكام، جاء التأكيد على الإحسان إلى الأم على وجه الخصوص، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: “جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: “أمُّـك”، قال: ثم مَن؟ قال: “أمُّك”، قال: ثم مَن؟ قال “أمُّـك”، قال ثم مَن؟ قال: “أبوك”[147].
ومنه أيضًا أن رجلًا جاء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يستأذنه في الجهاد معه، فقال عليه السلام، “هل لك من أم؟” قال: نعم، قال: “فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها”[148].
وهذا المعنى مما يوحي به مفهوم صلة الرحم في الإسلام حيث نسب الله تعالى هذا الارتباط الأسري إلى الموضع الذي نشأ فيه الطفل أي رحم أمه. ذلك أن الروابط الأسرية بأكملها تبتدئ بالأم من حيث إنها تمثل المحور الذي تلتقي حوله الأسرة وتتشابك به أغصانها وتترابط فروعها. فتتسع تلك الروابط الأسرية وتتمادى من خلال الأم. فهي الأصل باعتبار توليدها فروع الأسرة وباعتبار ارتباطهم الأول بها قبل أي فرد آخر. وهذه العلاقة الأنطولوجية هي التي تعزز انتماء الفرد إلى أسرته وتعلقه بها، وهي التي تعده بالتالي للاتصال بالمجتمع والاندماج فيه. فمطامح وتطلعات الإنسان الفطرية الدافعة به إلى التواصل الاجتماعي لا تتأتى ثمارها في نفسية الإنسان وسلوكه لو لم يلازمها ما يعززها من روابط أسرية قوية تتوقف سلامتها على عنصر الأم بالدرجة الأولى.
إن الأم هي أساس التنشئة الاجتماعية وغيرها من تفاعلات الإنسان مع البيئة الاجتماعية والمادية، ونوعية كل تلك التفاعلات متوقفة على نوعية العلاقة التي تربط الإنسان بأمه، لأنها النموذج الذي يبنى عليه كل العلاقات المستقبلية[149]. فالارتباط العميق بالأم يؤثر على سائر الروابط بين أفراد الأسرة و”يعكس مفهومًا ثقافيًا يحافظ على تأثير الأسرة في الطفل”[150]، كما يلعب دورًا بالغًا في قوة انتمائه إلى المجتمع. فحسن العلاقة مع الأم من عوامل تحقيق المجتمع المتعاون المتآلف المتماسك، المتحقق فيه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – “مثل الـمؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الـجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الـجسد بالسهر والـحمى”[151].
وقد وصف الدكتور عبد المجيد النجار أثر انتساب الولد إلى الأسرة على قوة المجتمع في حديثه عن حفظ الكيان الاجتماعي بحفظ النسل، وحفظ النسل بحفظ النسب، فقال: “فهذا الانتساب إلى الأسرة بالطريقة الشرعية من شأنه أن يجعل النسل – أي الولد – شديد الانتماء إلى مجتمعه بشدة انتمائه إلى أسرته التي هي اللبنة الأولى للمجتمع كما تجعل الأسرة شديدة الإحاطة به والرعاية له، وكل ذلك ينعكس قوةً في النفس وتوازنًا في الشخصية وانسجامًا مع المجتمع”[152]. فإذا كان النسب يربط الأفراد بالرابطة الدموية، فإن العلاقات التي تنشأ بفضله بين جميع أفراد الأسرة تربطهم بمجتمعهم وتوفر البعد الإنساني لمؤسسة الأسرة. وإذا كان النسل يُحفظ بالنسب والترابط الذي ينشئه بين أفراد الأسرة، فإن للأم الدور المحوري في ذلك كما تبين.
خاتمة:
تجلت من خلال النظر في مراحل الحمل وعلاقة الطفل بأمه، بعض مميزات الأمومة والفروق الجوهرية بين وظيفة الأمومة ووظيفة الأبوة. فقد تبين أن الأولى منبثقة من علاقة بيولوجية تحيي في الأم غريزة الأمومة، والثانية تنبثق عن عوامل بيئية وثقافية تشكل حقيقتها، وهذا ذو تأثير بالغ في وظائف كل من الأبوين تجاه الطفل. وإدراك تلك الفروق بين الأمومة والأبوة ضروري لفهم الاختلاف بين الرجل والمرأة في بعض الأدوار والأحكام الشرعية. وقد أكدت هذه الدراسة على أن الوازع الطبيعي هو أهم الوسائل التي وضعها الله تعالى لحفظ الولد، إلا أن الغريزة الأمومية الطبيعية غير كافية للنهوض بالأم نحو أداء مهمتها على الوجه المطلوب. وإن التاريخ لشاهد على أثر الأوضاع الثقافية والاجتماعية في تكيف انخراط الأم في هذه الوظيفة. فالمرأة في حاجة إلى محيط مناسب لوظيفتها يدفعها إلى تقديرها التقدير الصحيح ويعزز غريزة الأمومة فيها. ومن هنا تظهر أهمية القاعدة التي اقترحناها، وهي: “إذا اختل الوازع الطبيعي وجب تعضيده بالوازع الشرعي”. ولم نقصد بالوازع الشرعي مجرد الأحكام التكليفية الجزئية، بل مجموعة الأحكام والمبادئ والمقاصد التي جاءت بها الشريعة المتصلة بهذا الموضوع، وما يمكن استثماره من وسائل لتحقيقها. ومن هنا جاء البيان الديني يمنح تلك المنزلة المتميزة للأم، تعضيدًا لتلك العوامل الظرفية التي تعزز حفظ أمومة الأم تقويةً للوازع الطبيعي.
وكان من بين ما أكدت عليه هذه الدراسة أهمية وظيفة الأمومة في المنظور الإسلامي، وأهمية مراعاتها في تصور الأنوثة والاختلاف في بعض الأدوار والأحكام بين الجنسين، باعتبارها وظيفة منبثقة عن عوامل فطرية وجودية. وذلك في مقابل ما آل إليه التقليل من شأن وظيفة الأمومة في الفكر النسوي المعاصر من تشكيك في حقيقة الغريزة الأمومية حيث باتت تعتبر أسطورة عند البعض[153]. ذلك أن استقراء تعامل الأمهات مع أولادهن عبر التاريخ لا يسفر عن سلوك مطرد كوني (Universel) للأم، بل يؤكد على تقلبات في مشاعر الأم لولدها ترجع إلى عوامل ثقافية أو إلى طموحاتها أو ضعفها[154]. ومن هذا المنطلق اعتبروا أن الأمومة لا تعدو أن تكون تركيبة اجتماعية لا يحددها أي عامل فطري.
ونفي غريزة الأمومة عن المرأة هو في الحقيقة إبطال لأهم ما يميزها عن الرجل في الوظيفة، من حيث إن تلك الغريزة تحيي فيها صفات متميزة تقتضيها الحضانة في مختلف مراحلها كما تبين. ولذلك كان من ينكر هذه الغريزة وينفيها عن المرأة هم دعاة المساواة المطلقة وتهميش الفروق بين الجنسين أو نفاتها[155].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* النص الكامل للبحث منشور في مجلة المسلم المعاصر. ع. 175. ص ص. 167 – 217.
** نائب مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة (clazhar@hbku.edu.qa)
*** باحثة في قضية المرأة في الفكر الإسلامي (khadija.lazhar@hotmail.com).
[1] مقصودنا بلوازم الأمومة كل ما له علاقة بقضية الأمومة من أبعاد بيولوجية، كالحيض والتقلب الهرموني والاختلاف في الأعضاء التناسلية، والحمل والرضاعة والنفاس… إلخ، وما يترتب على ذلك من اختلاف نفسي وعوامل اجتماعية إلى غير ذلك.
[2] أكدت الدكتورة كاتي شونغ (Katie Chung)، مديرة برنامج الحفاظ على الخصوبة في كلية الطب بجامعة جنوب كاليفورنيا في مقابلة أجراها معها موقع ياهو للصحة (Yahoo Health)، أكدت على أن زرع الأرحام لدى الرجال سيتحقق “خلال السنوات الخمسة أو العشرة المقبلة، بل وربما قبل ذلك”. راجع الرابط التالي:
https://www.yahoo.com/beauty/surgery-could-give-men-wombs-302360099545142.html
[3] وهو ما عبر عنه بعض الحركات النسوية الراديكالية بمصطلح “عبودية الأمومة” (Maternité esclavage)، راجع:
FOUQUET, Catherine, Clio, histoire, femmes et sociétés, Guerres civiles Issue 5, revue publiée avec le concours du centre National du livre et du laboratoire Sociétés Occidentales (département d’histoire) Presses Universitaires du Mirail, 1997, p 225.
[4] راجع:
O’REILLY, Andrea, Matricentric Feminism: Theory, Activism, Practice, Demeter Press, 2016.
[5] FIRESTONE, Shulamith, The dialectic of sex, U.S., Bantman Books, 1970, p. 198-200.
[6] وهو ما يظهر متجسدا في بلدان الخليج في استبدال كثير من الأسر الخليجية الأم بالحاضنة أو المربية واقتصار دور الأم على الإنجاب، وتجلى في بعض البلدان الإسلامية الأخرى في العزوف عن الإنجاب أو التقليل منه تقديما لوظائف المرأة المهنية في سلم الأولويات.
[7] البار، محمد علي، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط 4، 1403هـ/1983م، ص 79، بتصرف يسير.
[8] راجع المرجع السابق، ص 80.
[9] راجع المرجع السابق، ص 74.
[10] BEATA, Claude, L’Attachement, Solal Editeurs, coll. «Zoopsychiatrie», 2009, p.47.
[11] راجع المرجع السابق ص 46.
[12] الأغرّ، كريم نجيب، إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، بيروت، دار المعرفة، ط 1، 1425ه/2005م، ص 171.
[13] WINNICOTT, Donald, Processus de maturation chez l’enfant, Développement affectif et environnement, Payot, coll. « Science de l’homme », 1989, p 45.
[14] REGNIER– LOILIER, Arnaud, Avoir des enfants en France : Désirs et réalités, INED, coll. « Les cahiers de l’INED », 2007, p 74.
[15] BELL, Linda, GOULET, Céline, Une analyse du concept d’attachement parents-enfant, Recherche en soins infirmiers, N 46, Septembre 1996, p9.
[16] VIAUX, Sylvie, Recherche clinique en périnatalité: Impact du prénatal sur la psychopathologie du bébé et de la dyade mère-enfant, Thèse de doctorat, de l’Université Pierre et Marie Curie, p 11.
[17] راجع: النجار، عبد المجيد، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط 1، 2006م.، ص 114-116.
[18] راجع: محمد علي البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، مرجع سابق، ص 440-455.
[19] ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت 774هـ)، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة الرياض، دار طيبة، ط 2، 1420هـ/1999م، ج7، ص280.
[20] أخرج أحمد في مسنده برقم 19047، والترمذي في سننه برقم 715، والنسائي في سننه برقم 2274، وابن ماجه في سننه برقم 1667.
[21] VANDER, Arthur et al, Physiologie humaine, Les mécanismes du fonctionnement de l’organisme, 5e édition française, Montréal (Québec) Chenelière éducation, Maloine, 2009, p 726.
[22] بين دمنيك لافون (Dominique Lafon) في كتابه “الحمل والعمل” Grossesse et travail أن الأمهات التي يشتغلن أثناء الحمل كثيرة التعرض إلى التعقيدات خلال الولادة والسقط والولادة قبل الأوان إلى غير ذلك.
[23] BYDLOWSKI, Monique, Le regard intérieur de la femme enceinte, transparence psychique et représentation de l’objet interne, [en ligne], www.cairn.info/revue-devenir-2001-2-page-41.htm. (Page consultée le 23 mars 2016).
[24] DIPIETRO, Janet (2002), L’impact du stress prénatal sur le développement psychosocial de l’enfant, Encyclopédie sur le développement des jeunes enfants, 21 mars, [en ligne], Montréal, Québec: Centre d’excellence pour le développement des jeunes enfants,
http://www.enfant-encyclopedie.com/documents/DiPietroFRxp2.pdf. (Page consultée le 23 mars 2016).
وراجع أيضا:
RELIER, Jean Pierre, L’aimer avant qu’il naisse, le lien mère-enfant avant la naissance, Robert Laffont, Paris,1993.
[25] MONTAGNER, Hubert, L’Arbre enfant: Une nouvelle approche du développement de l’enfant, Odile Jacob, coll. «Psychologie», 2006, p 27.
[26] WINICOTT, Donald, De la pédiatrie à la psychanalyse, Ibid. p 170.
[27] Ibid. p 310.
[28] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 13734. وقال الشيخ عبد الله الجديع: حديث ضعيف.
[29] راجع:
M MITCHELL, Amanda, and, M CHRISTIAN, Lisa, Financial strain and birth weight: the mediating role of psychological distress, Archives of Women’s Mental Health, February 2017, Volume 20, Issue 1, pp 201–208.
[30] ذلك أن القلق والضغط والحياة المتلاطمة كلها عوامل اضطراب بالنسبة إلى الطفل، فإن هرمونات الضغط لدى الأم تتعدى إلى الطفل من خلال المشيمة (placenta)، بينما أن الحياة الهادئة والمتوازنة توفر المحيط الأمثل للنمو المنسجم. ولما تتخلى الأم عن جنينها فكريا لصالح انشغالات مهنية أو غيرها، فإن الجنين قد يشرع بالضياع وقد يولد سابقا لأوانه استجلابا لانتباه أمه. راجع:
RELIER, Jean Pierre, L’aimer avant qu’il naisse, le lien mère-enfant avant la naissance, Robert Laffont, Paris,1993.
[31] أخرجه أبو داود في سننه برقم 2158.
[32] النجار، عبد، فقه المواطنة للمسلمين في أوروبا، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، بدون تاريخ، ص 220.
[33] وخاصة في مرحلة المراهقة، فإن البحث عن الهوية يشتد في هذه المرحلة، كما يقول طبيب النفس إيريكسون Erikson، الذي يؤكد أن المراهقة هي فترة بحث ورجوع إلى الذات واكتشاف تظهر من خلالها الهوية. راجع كتاب إيريكسون:
ERIKSON, Erik H., Identity, youth and crisis, New York: W. W. Norton Company, 1968.
[34] رضا، محمد رشيد (ت 1354هـ)، تفسير المنار، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م، ج 2، 301.
[35] راجع المحاضرة التي ألقتها السيدة هيجيت (Huguet) لموقع ممرضة الطب النفسي:
http://psychiatriinfirmiere.free.fr/infirmiere/formation/infirmier/psychologie/cours.htm
[36] راجع مثلا:
WALLON, Henri (1941), L’évolution psychologique de l’enfant, Colin, Paris.
[37] BOWLBY, John, WEIL, Didier, Attachement et perte, Tristesse et dépression, Paris: P.U.F, coll. «Le fil rouge», 1984.
[38] BOWLBY, John, WEIL, Didier, Attachement et perte, Tristesse et dépression, Ibid., p 27.
[39] راجع:
NETCHINE, Serge (dir), Enfants, Adolescents : approches psychologiques, Tome 2, Les âges de la vie, Bréal, 1998.
[40] ZAZZO. L’attachement, Neuchatel, Delachaux et Niestlé, Ibid., p 113.
[41] ST ANTOINE, Michelle, les troubles de l’attachement, Revue professionnelle « Défi jeunesse» [Enligne], http://www.centrejeunessedemontreal.qc.ca/pdf/cmulti/defi/defi_jeunesse_9910/attachement.htm (consulté le 02/02/2014).
[42] ومن هنا تمايزت نظرية بولبي عن نظرية فرويد التي ترى بأن الحاجات الضرورية هي تلك التي تتعلق بالجسد، أما التعلق فما هو إلا حاجة ثانوية داعمة للحاجات الجسدية.
[43] قسم بولبي التعلق إلى صيغ متعددة تنتهي كلها إلى تعلق آمن يمكّن الطفل من النمو السليم أو غير آمن من شأنه أن يتسبب في مشاكل نفسية واجتماعية في حياة الطفل ومستقبله.
[44] WINNICOTT, Donald, Processus de maturation chez l’enfant: développement affectif et environnement, Ibid. p. 45.
[45] WINNICOTT, Donald, La mère suffisamment bonne, Paris, Payot, coll. « Petite Bibliothèque », 2006, p 20.
[46] راجع المرجع السابق، ص 313.
[47] راجع المرجع السابق، ص 290.
[48] WINNICOTT, Donald. La nature humaine, Paris, Gallimard, 1990 p. 166.
[49] والذات الكاذبة عبارة عن تدجين للشخصية منقاد بتعليمات المحيط، سببه أن الأم لم تستجب للطفل بتشخيص احتياجاته.
[50] WINNICOTT, Donald, De la pédiatrie à la psychanalyse, Ibid. p 191.
[51] نفس المرجع، ص 289.
[52] وهو ما بينه Spitz في دراسته:
De la naissance à la parole : la première année de la vie, Paris, P.U.F, 2002.
[53] راجع: كامل أحمد، سهير، الصحة النفسية والتوافق، الاسكندرية، مركز الاسكندرية للكتاب، 2000م، ص 391.
[54] DUMONT, Jean-Pierre, DUNEZAT, Philippe et al. Psychiatrie de l’enfant et de l’adolescent, Tome1, Heures de France, 2000, p32-33.
[55] راجع:
MAHLER, Margaret. Psychose Infantile, Payot, Paris, 1977, p 19.
[56] لقد وضع فرويد Freud في كتابه Trois Essais sur la Sexualité أسس نظرية التحليل النفسي وافترض فيها أن الطفل يمر بخمسة مراحل أساسية خلال النمو وتطور أنظمته الشخصية، تتميز كل مرحلة بمصدر إشباعي يرتبط بمنطقة جسمية معينة، وذلك لإشباع الحاجات الغريزية، وهذه المراحل تتمثل في مراحل النمو النفس جنسي. راجع: محمد عودة الريماوي، في علم نفس الطفل، ص 64.
[57] راجع نفس المرجع والصفحة.
[58] SPITZ, René. La perte de la mère par le nourrisson, In: Enfance, Tome 1, n°5, p. 373-391.
[59] سارة، صولي أروى، صورة الأم لدى الطفل المسعف، مذكرة متوفرة في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة محمة خيضر، بسكرة، الجزائر، ص 44، بتصرف.
[60] وقد فصل وينيكوت هذه النظرية في كثير من مؤلفاته منها:
WINNICOTT, Donald, La mère suffisamment bonne, Payot, 2006, Paris.
[61] WINNICOTT, Donald, De la pédiatrie à la psychanalyse, Ibid. p. 170-181.
[62] قد بين وينيكوت أن علاقة الأب وسائر العائلة بالأم تمدها بالشعور بالأمن والحب، وتساهم في تمكينها من تلبية حاجيات رضيعها خاصة، وليس في علاقة الأب مع الطفل ما يساهم في تلبية حاجاته بصفة مباشرة.
[63] راجع: WINNICOTT, Donald. La mère suffisamment bonne, Payot, 2006.
[64] WINNCOTT, Donald. De la pédiatrie à la psychanalyse. Ibid. p. 33-47.
[65] راجع: قاسم محمد، أنسي، أطفال بلا أسر، الإسكندرية، مركز الإسكندرية للكتاب، ط 1، 1998م، ص 89.
[66] BYDLOWSKI, Monique. La Dette de Vie, Itinéraire psychanalytique de la maternité, PUF. Coll. Le fil rouge. Paris ,1997.
وتستمر هذه المرحلة ما يقارب ستة أسابيع، وهي مرحلة عسيرة على المرأة حتى عودة الحيض.
[67] راجع نفس المرجع والصفحة.
[68] اعتبرت المؤرخة إيفون كنيهبيلار (YVONNE KNIBIEHLER) أن سبب استثناء الرضاعة من التداعيات الجسدية للعنة التي لحقت المرأة بعد نفيها إلى الأرض وفق المنظور المسيحي، هو ما تحتله الرضاعة في الأذهان من مكانة رمزية قوية، راجع:
KNIBIEHLER, Yvonne, L’allaitement et la société, Recherches féministes, 162, 2003,11–33.
[69] وهذا مما ساهم في بلورة النظرة الاحتقارية للرضاعة الطبيعية. وقد انتشرت الرضاعة الصناعية بعد الحرب العالمية الثانية، وانخفضت نسبة الرضاعة الطبيعية في فرنسا إلى %36 في 1972. وقد قدمت بعض الحركات النسوية هذا الانخفاض كتقدم في عملية تحرير المرأة. راجع:
HAINAULT ROYER, Laure, Féminismes et allaitement maternel en France des années 1890 à l’an 2000, Master 2, sous la direction de M. Jean-Louis Lenhof, Université de Caen-Basse-Normandie », Genre & Histoire [En ligne], Automne 2012.
[70] وهذا خلافا لما كانت عليه عادة العرب في الجاهلية حيث إنهم كانوا يؤثرون المرضعات من البوادي عن الأمهات، ليكون الولد أنجب في اعتقادهم، وأفصح لسانا. راجع: البار، محمد علي، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، مرجع سابق، ص 433.
[71] الأغر، كريم نجيب، إعجاز القرآن فيما تخفيه الأرحام، مرجع سابق، ص 432.
[72] راجع نفس المرجع، ص 437.
[73] راجع نفس المرجع، ص 435.
[74] وإن كانت الأم هي التي ترضع وتحمل اللبن، فإن للأب حقًا في ذلك القرار لما تشتمل عليه الرضاعة من مصالح تعود على ابنه.
[75] منها أن الرضاعة تساعد على عودة الرحم إلى وضعه وحجمه الطبيعي بسرعة. راجع: البار، محمد علي، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، مرجع سابق، ص472.
[76] البار، محمد علي، خلق الإنسان بين الطب والقرآن، مرجع سابق، ص 479.
[77] القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد شمس الدين (ت 671هـ)، جامع أحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، القاهرة، دار الكتب المصرية، ط 2، 1384هـ/1964م، ج 3 ص 163.
[78] قطب، سيد (ت 1385هـ)، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق، ط 17، 1412هـ ج 1، ص 200.
[79] الأغر، كريم نجيب، إعجاز القرآن فيما تخفي الأرحام، مرجع سابق، ص 435.
[80] قال الشوكاني في تفسير آية الرضاعة: “أي ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتمًا، بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه”. الشوكاني، محمد بن علي (ت 1250هـ)، فتح القدير، دمشق- بيروت، دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، ط 1، 1414هـ، ج 1 ص 245.
[81] ومنها ما جاء في أعمال فرويدFreud وسبيتزSpitz وولفWolf ، راجع:
SPITZ, René, La première année de la vie de l’enfant, Paris Presse universitaires de France. Vol 1, 1963, p 313.
[82] BOWLBY, John, Soins maternels et Santé mentale, 2e éditions, Série de Monographies de l’Organisation Mondiale de la Santé, Genève, 1954, p 16.
[83] وقسم بولبي الحرمان الى حرمان جزئي تمنح فيه الأم الحقيقية أو الأم البديلة شيئًا من المحبة والعناية، وحرمان كــلـي حيث لا يجد الطفل فردًا واحدًا مخصصًا لرعايته بطريقة شخصية. راجع كتابه:
BOWLBY, John, Soins maternels et Santé mentale, 2e éditions, Série de Monographies de l’Organisation Mondiale de la Santé, Genève, 1954.
[84] راجع المرجع السابق ص 53.
[85] وهذه الآثار أبلغ في السنتين الأوليين من حياة الطفل، وهو ما بينه سبيتز في كتابه:
SPITZ, René, De la naissance à la parole : la première année de la vie, Paris Presse Universitaires de France, 2002.
وراجع:
TARDY-GANRY, Marie-Noel, DAURANDEAU, Thérèse, Les troubles de la personnalité chez l’adolescent, Studyparents, Eclairages, 2006, p86.
راجع: كامل أحمد، سهير، الصحة النفسية والتوافق، مرجع سابق، ص 198.
[86] LAMBERT, D, ROUGIER, Amélia, Dépression et états dépressifs de l’enfant, Revue générale des concepts psychopathologiques, [En ligne], 2009.
[87] أخرجه مسلم في صحيحه برقم 1695.
[88] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم 12601.
[89] أخرجه أبو داود في سننه برقم 2276.
[90] وندرج في ذلك الطفولة الوسطى ومرحلة المراهقة.
[91] وعندما يبلغ الطفل خمس سنوات يقل تعرضه للاضطرابات في نموه وتقل خطورتها، وبعد تجاوزه الخمس سنوات يكون تحمله الانفصال عن أمه أقوى إذا كانت العلاقة السابقة بينهما جيدة، لأن الطفل الذي اكتسب استقرارا وأمانا كافيين لا يفسر ابتعاده عن المحيط الأسري كعقوبة أو تخل أو إهمال، بل يقبل بسهولة معاذير التفرقة التي تقدم له، راجع:
TARDY, Marie Noel, DURANDEAU, Thérèse, Les troubles de la personnalité chez l’adolescent, Ibid, p86.
[92] راجع: القذافي، رمضان محمد، علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة، مصر، المكتب الجامعي الحديث، 1997م، ص 206-208، وص 273.
[93] راجع نفس المرجع والصفاحات.
[94] GRATIOT-ALPHANDERY, Hélène, ZAZZO, René, Traité de psychologie de l’enfant, PARIS, P.U.F, 1970.
[95] ســارة، صولي أروى، صورة الألم لدى الطفل المسعف، مرجع سابق، ص 55.
[96] REYMOND-RIVIER, Le développement social de l’enfant et de l’adolescent, Mardaga ,13 édition, 1997, p182.
[97] راجع: القذافي، رمضان محمد، علم نفس النمو: الطفولة والمراهقة، مرجع سابق، ص 208 و273.
[98] كما أن بعض الأمراض في الطفولة تعود إلى غياب الأبوين أو عدم وجود الحنان من قبلهما راجع:
BRACONNIER, Alain, Le sexe des émotions, Odile Jacob, Paris, 1998, p 89.
[99] BARBIER, Col, La Négligence parentale est une terrible absence, Education santé, n° 297, Février 2014.
[100] وقد يكون مقصودا أو غير مقصود وقد يكون ظاهرا أو خفيا حتى يظهر أثره في الأعراض التي يخلفها في الطفل.
[101] BARBIER, Col, La Négligence parentale est une terrible absence, Ibid.
[102] WINNICOTT, D., Processus de maturation chez l’enfant, Ibid. p. 54.
[103] راجع مثلا:
LE CAMUS, J. Un père pour grandir, essai sur la paternité. Paris : Robert Laffont, 2011.
DOLTO, Françoise, Quand les parents se séparent, Paris, Seuil, 1988, p10-17-53.
[104] LEBOVICI, Serge, STOLERU, Serge, Le nourrisson, la mère et le psychanalyste: Les interactions Précoces, Paris, Le Centurion, 1983, p 326.
NAOUIRI, Aldo, Une place pour père, Paris, Seuil, coll. « Philosophie générale », 1985, p 194.
MELTZER, Donald, (1984), Le rôle du père dans le premier développement en relation avec « le conflit esthétique », dans: Le Père, métaphore paternelle et fonction du père: l’interdit, la filiation, la transmission, L’espace analytique, Denoël, Paris, 1989, pp, 65-66.
وقد بين لوكامو (Le Camus) المقاربتين السالكتين في موضوع الأبوة، وذكر أن إحداهما تعتمد على ما وراء العلم (méta-sciences)، والأخرى على العلوم الإنسانية. راجع:
THOMAS, Marie, Le cercle de la paternité, Psychologie, 2013, HAL Id : dumas-00859217 http://dumas.ccsd.cnrs.fr/dumas-00859217 Submitted on 6 Sep 2013, p 14.
[106] BLOS, Peter, Masculinity: Developmental aspects of adolescence. Adolescent psychiatry: Developmental and clinical studies, Vol 16 (pp. 5-15). Chicago, IL: University of Chicago Press; US, 1989.
HURSTEL, Françoise, La déchirure paternelle, Paris, P.U.F, 2002.
[108] LE CAMUS, Jean, La paternité sous les regards croisés de la psychologie du développement et de la psychanalyse, ERES « Petite enfance et parentalité », 2001 p. 143-151.
[109] POROT, Maurice, L’enfant et les relations familiales, Paris, P.U.F, 8e éd, Paideia, 1992, p165.
[110] السبكي، تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (ت 771هـ)، الأشباه والنظائر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1411هـ/1991م، ج ،1 ص 368.
[111] بن عبد السلام، عز الدين عبد العزيز (ت 660هـ)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، القاهرة، مكتب الكليات الأزهرية، 1414هـ/1991م، ج 2، ص89.
[112] الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم (ت 790هـ)، الموافقات، القاهرة، دار ابن عفان، ط 1، 1417هـ/1997م، ج 3، 385.
[113] ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج 3، ص 555.
[114] المواق، محمد بن يوسف أبو عبد الله العبدري الغرناطي (ت 897هـ)، التاج والإكليل لمختصر خليل، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1416هـ/1994م، ج 5، ص594.
[115] الخطيب الشربيني، شمس الدين محمد بن أحمد (ت 977هـ)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1416هـ/1994م، ج 5، ص191.
[116] أبو النجا الحجازي، شرف الدين موسى بن أحمد (ت 968هـ)، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، بيروت، دار المعرفة، بدون تاريخ، ج 4، ص157.
[117] بن بيه، عبد الله، الحضانة في الشرع، مقال منشور في موقع الشيخ عبد الله بن بيه:
http://www.binbayyah.net/portal/research/146
[118] البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1418هـ، ج 1، ص28.
[119] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق، ج 1، ص464.
[120] مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1424هـ، ج 1، ص 334.
[121] الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، دار الفكر، ط 4، بدون تاريخ، ج 10، ص43.
[122] راجع: مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، مرجع سابق، ج 1، ص334.
[123] راجع نفس المرجع والصفحة.
[124] بن بيه، عبد الله، الحضانة في الشرع، مقال منشور في موقع الشيخ بن بيه:
http://www.binbayyah.net/portal/research/146.
[125] السمرقندي، محمد بن أحمد أبو بكر علاء الدين (ت 540هـ)، تحفة الفقهاء، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 2، 1414هـ/1994م، ج 2، ص 229.
[126] عثمان، محمد حامد، تعريف الحضانة والمقصد الشرعي منها، ورقة منشورة ضمن أعمال ندوة أثر متغيرات العصر في أحكام الحضانة التي نظمها المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، عام 1436هـ، ص 28.
[127] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 853، ومسلم في صحيحه برقم 1829.
[128] LE CAMUS, Jean, Comment être père aujourd’hui, Odile Jacob, 2005, p 54.
[129] TARDY-GANRY, Marie-Noël, DURANDEAU, Thérèse, Les troubles de la personnalité chez l’adolescent, Ibid, p 91.
[130] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه برقم 1319، ومسلم في صحيحه برقم 2658.
[131] راجع إضافة إلى ما أوردناه سابقا:
NAOUIRI, Aldo, Une place pour père, Paris, Seuil, coll. « Philosophie générale », 1985, p 154, 156.
[132] إن الأب لا يمر على نفس العمليات الجسدية والنفسية للوصول إلى أبوته، لأن الوصول إلى الأبوة لدى الرجل يكون من خلال عمليات فكرية تتشكل بوتيرة تغير جسد امرأته، وهو ما جاء في كلام مولدورف (Muldworf) حيث قال: “المرأة تصير أمًّا بواسطة عملية بيولوجية بينما الرجل يصير أبا بواسطة آلية رمزية يفرضها المجتمع”.
MULDWORF, Bernard, Le métier de père, Casterman poche, 1972.
وراجع في نفس المعنى:
LE CAMUS, Jean, Recherches en paternité, Examen critique de quelques figures du père précoce, ERES « 1001 bébés » 2007, pages 101 à 117.
[133] القرضاوي، يوسف، فتاوى معاصرة، الكويت، دار القلم للتراث، ط 11، 1426هـ/2005م، ج 1، ص570.
[134] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه برقم 5999، ومسلم في صحيحه برقم 2754.
[135] أخرجه البخاري في صحيحه برقم 707.
[136] PINKER, Steven, Comprendre la nature humaine, Odile Jacob, 2005, p 421.
[137] GUEDENEY, Nicole, GUEDENEY, Antoine, L’attachement: approche théorique: Du bébé à la personne âgée, Elesevier Masson ,3 édition, 2010, p 21- 22 -23.
[138] ولا نقول إن وظيفة الأمومة هي المحور الرئيسي في التربية لما للأب في ذلك من دور عظيم.
[139] أخرجه الترمذي في سننه، برقم 1283، وحسنه.
[140] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه برقم 5082، ومسلم في صحيحه برقم 2527.
[141] الإنسان كائن اجتماعي بالطبع، وهي حقيقة مندرجة فيما سماه لويس (Lewis) ووينروب(Weinraub) بالشبكة الاجتماعية، وهي متكونة من عدة عناصر، أولها الأبوان، ثم الإخوة والأخوات، ثم الأقارب والأصدقاء وهكذا.
[142] MALCUIT, Gérard, POMERLEAU, Andrée, L’enfant et son environnement: Une Étude Fonctionnelle de la Première Enfance, Presses de l’Université du Quebec, 1983, p 196-197.
[143] REBOUL, Olivier, La philosophie de l’éducation, Paris, P.U.F, coll. «Que Sais-je?» 9e édition Paris, 1989.
[144] أخرجه أحمد في مسنده برقم 10469، وأبو داود في سننه برقم 1694.
[145] أخرجه مسلم في صحيحه، برقم 2556.
[146] راجع: النجار، عبد المجيد، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، مرجع سابق، ص 151 وما بعدها.
[147] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه برق 5971، ومسلم في صحيحه برقم 2548.
[148] أخرجه النسائي في سننه برقم 3104.
[149] وقد أكد بولبي على أن نوعية التعلق التي يكتسبها الطفل تؤثر على نموه الاجتماعي العاطفي (Socio-affectif) المستقبلي بفضل تكوّن نموذج عمل داخلي (بولبي 1969، 1973)، ويرى أن هذا النموذج يتكون وفق هيكلة المؤثرات المختلفة، على رأسها الأم كمصدر رئيسي للتأثير. راجع:
BOWLBY, Jhon, Attachment and loss: Vol.1. Attachment. New York: Basic Books, 1969.
[150] MALCUIT, Gérard, POMERLEAU, Andrée, L’enfant et son environnement : Une Étude Fonctionnelle de la Première Enfance, Presses de l’Université du Quebec, 1983, p 205.
[151] متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه برقم 5665، ومسلم في صحيحه برقم 2586، واللفظ له.
[152] النجار، عبد المجيد، مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، مرجع سابق، ص 147.
[153] وهو ما حاولت إيليساباته بادينتار (Élisabeth Badinter) أن تبينه في كتابها الشهير عن تأريخ الحب الأمومي:
L’Amour en plus : histoire de l’amour maternel (XVII-XXe siècle), Ibid. p 369.
[154] راجع نفس المرجع والصفحة.
[155] وهو ما حاولت إيليساباته بادينتار الدفاع عنه في كتابها سابق الذكر وفي كتابها:
BADINTER, Elisabeth, Le Conflit : La femme et la mère, Flammarion, Essais, 2010.
وكذلك سيمون دوبوفوار في كتابها:
Le Deuxième sexe II, Gallimard, Folion, p358.